دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

تجده شاهدا عليه (١).

______________________________________________________

رمضان وغيره رؤية الهلال ، فلا يجب الصوم إلّا للرؤية أو مضي ثلاثين ، ولا يجوز الإفطار في آخره إلّا للرؤية أو مضي ثلاثين ، وأنه يجب العمل في ذلك باليقين دون الظن» (١).

وعليه : فلا وجه للإيراد على المصنف «بعدم وجود خبر بهذا المضمون» ؛ لما عرفت من : أن الظاهر إرادة عنوان الباب الذي هو فتوى المحدث العاملي. وأخبار الباب تدل عليه بوضوح كما عرفت بعضها.

(١) أي : على أن المراد باليقين في المكاتبة هو اليقين بدخول شهر رمضان ، وتركنا ما في المقام من تطويل الكلام رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ توضيح الاستدلال بالمكاتبة على الاستصحاب : أن المراد بقوله «عليه‌السلام» : «اليقين لا يدخل فيه الشك» هو اليقين بشعبان إن كان يوم الشك في أوّل رمضان ، أو اليقين بشهر رمضان إن كان يوم الشك في آخره ، وعلى كلا التقديرين : تدل المكاتبة على اعتبار الاستصحاب ؛ إذ معنى الرواية : «لا تصم فيما شككت في أنه أول رمضان ، استصحابا لليقين بعدم وجوبه» ، «ولا تفطر فيما إذا شككت في أنه آخر رمضان استصحابا لوجوب الصوم».

٢ ـ الإشكال على هذا الاستدلال : أن هذا الاستدلال يكون مبنيا على أن يكون المراد من اليقين هو اليقين بشهر شعبان وعدم دخول شهر رمضان ، فتكون الرواية حينئذ دليلا على الاستصحاب.

وأما إذا كان المراد من اليقين أنه يعتبر في صحة الصوم بعنوان شهر رمضان القطع بكونه من رمضان ؛ فلا ربط لها بالمقام.

ومع هذا الاحتمال الثاني تكون المكاتبة مجملة لا ظهور لها في واحد من الاحتمالين ؛ بل يؤكد الاحتمال الثاني بعض الآيات ومجموعة من الروايات. وقد تقدم ذكرهما. فيكون مفاد «اليقين لا يدخل فيه الشك» هو عدم قيام الشك مقام اليقين في ترتيب آثار رمضان من الالتزام بالصوم بنيّة كونه من رمضان ، فيكون الإتيان به بهذا العنوان منوطا باليقين بدخول رمضان ، وكذلك الكلام في منتهاه.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٥٢ / ب ٣.

٢٠١

ومنها (١) : قوله «عليه‌السلام» : «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» ، وقوله : «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس» ، وقوله : «كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام» (*).

______________________________________________________

وعليه : فالرواية تكون بصدد بيان الحكم الواقعي من أحكام صوم رمضان ، ولا مساس لها بالحكم الظاهري وهو استصحاب شعبانية يوم الشك ، أو استصحاب رمضانية يوم الشك.

٣ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

عدم تمامية دلالة المكاتبة على حجية الاستصحاب ، مضافا إلى ضعفها سندا.

(١) أي : من الأخبار الدالة على حجية الاستصحاب هي : الروايات الثلاث المعروفة بأخبار الحل والطهارة.

الرواية الأولى هي : قوله «عليه‌السلام» : «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» ، وهذا التعبير هو الجاري في لسان الفقهاء ، ولعله متخذ مما رواه عمار عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : «كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» (١).

والثانية : قوله «عليه‌السلام» : «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس» (٢).

والثالثة : قوله «عليه‌السلام» : «كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام».

تقريب الاستدلال بهذه الروايات الثلاث : يتوقف على مقدمة وهي بيان أمرين :

الأول : قد يقال : باستفادة ثلاث قواعد منها : الأولى : كون كل شيء طاهرا أو حلالا واقعا.

الثانية : كون كل شيء طاهرا أو حلالا ظاهرا ، أي : ما شك في طهارته ونجاسته طاهر ظاهرا ، وما شك في حليته وحرمته حلال ظاهرا.

الثالثة : الاستصحاب ، فكل مشكوك في طهارته ونجاسته وله سابقة الطهارة تستصحب طهارته ، وكل مشكوك في حليته وحرمته وله سابقة الحلية تستصحب حليته.

__________________

(*) الكافي ٥ : ٣١٤ / صدر ح ٤٠ ، تهذيب الأحكام ٧ : ٢٢٦ / صدر ح ٩٨٩ ، الوسائل ١٧ : ٨٩ / صدر ح ٢٢٠٥٣.

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٢٨٤ / ذيل ح ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤١٧ / ٤١٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ١ / ٢ ـ ٣ ، تهذيب الأحكام ١ : ٢١٥ / ٦١٩ ، وفيهما : «حتى يعلم أنه قذر» ، الوسائل ١ : ١٣٤ / ٣٢٦.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمصنف قد اختلف كلامه ، ففي بعض كلامه لم يستبعد استفادة الأمور الثلاثة من الرواية ؛ لكن هنا استقرب استفادة أمرين فقط وهما الطهارة الواقعية والحلية الواقعية واستصحابهما ، وأنكر استفادة قاعدتي الطهارة والحلية منها. هذا تمام الكلام في الأمر الأول من باب المقدمة.

الثاني : أن الاحتمالات والأقوال في الروايات المذكورة وإن كانت كثيرة ولكن عمدتها هي خمسة ، وتوضيح هذه الأقوال يتوقف على مقدمة وهي : أن هنا نوعين من الطهارة والحلية : أحدهما : الطهارة الواقعية والحلية كذلك. ثانيهما : الطهارة الظاهرية والحلية الظاهرية.

ثم الظاهرية بنفسها على قسمين :

الأول : الطهارة أو الحلية المستفادة من قاعدة الطهارة ، أو الحلية التي لا تلاحظ فيها الحالة السابقة.

الثاني : الطهارة أو الحلية المستفادة من قاعدة الاستصحاب التي تلاحظ فيها الحالة السابقة. ثم البحث في ما نحن فيه في أنه هل هذه الطهارة أو الحلية واقعية أو ظاهرية؟ وعلى الثاني هل هي من باب تطبيق قاعدة الطهارة أو الحلية أو من باب تطبيق قاعدة الاستصحاب؟

ثم لا يخفى : أن هذا القبيل من الروايات إنما تفيدنا في المقام إذا كانت الطهارة أو الحلية فيها ظاهرية أولا ، ومن باب قاعدة الاستصحاب ثانيا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن عمدة الأقوال في المسألة خمسة :

١ ـ قول صاحب الكفاية في حاشية الرسائل : بأنها ناظرة إلى الواقعية والظاهرية بكلتا قسميها ، وإلى الظاهرية بقسميها أيضا بمعنى : أن المستفاد منها الحكم بالطهارة الواقعية والحلية كذلك والطهارة والحلية الظاهرتين واستصحابهما.

٢ ـ قول صاحب الكفاية في الكفاية : بأنها ناظرة إلى الطهارة الواقعية أو الحلية الواقعية بصدرها ، واستصحابهما بذيلها ، ولا نظر لها إلى قاعدة الحلية أو قاعدة الطهارة. فالمستفاد منها قاعدتان لا قواعد ثلاث.

٣ ـ قول صاحب الفصول : بأن يكون صدرها ناظرا إلى قاعدة الطهارة أو قاعدة الحلية ، وذيلها يكون ناظرا إلى قاعدة الاستصحاب.

٤ ـ قول المشهور : بأن تكون الروايات ناظرة إلى قاعدة الطهارة أو الحلية فحسب.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا مبني على أن تكون الغاية فيها وهي قوله «عليه‌السلام» : «حتى تعلم ، وحتى تعرف» قيدا للموضوع لا قيدا للحكم.

٥ ـ قول الشيخ «قدس‌سره» في الرسائل ، وهو التفصيل بين حديث «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر» ، فيكون ناظرا إلى الحكم الواقعي والاستصحاب ، وبين حديثين آخرين حديث «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» ، وحديث «كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام» ، فيكونان ناظرين إلى خصوص القاعدة.

إذا عرفت هذه الأقوال والاحتمالات في الروايات الثلاث فيقال في تقريب الاستدلال بها على حجية الاستصحاب : إن كل واحد من هذه الأخبار مشتمل على أمرين : هما مغيّا وغاية. أما المغيّى ـ أعني : كل شيء طاهر مثلا ـ فيدل على أن الموضوع المحكوم عليه بالطهارة هو الشيء ، وهو عنوان مشير إلى الماهيات الخارجية كالماء والتراب والحنطة وغيرها ، وهذا العموم الأفرادي مدلول عليه بلفظ وضع للعموم ـ أي : كل ـ وحيث إن المراد بكل واحد من الذوات الخارجية عنوانها الأولي ، لا العنوان الثانوي ـ ككونه مشكوك الحكم ـ فالطهارة أو الحلية الثابتة له حكم واقعي لا ظاهري ، فالحنطة حلال واقعا والحديد طاهر كذلك ، وهكذا. هذا مدلول المغيّى. وأما الغاية المدلول عليها بكلمة حتى : فتدل على مجرد استمرار الطهارة الواقعية المذكورة في المغيّى إلى زمان حصول العلم بالنجاسة ، والغاية تدل على استمرار المحمول واقعا وانقطاعه بمجرد حصول الغاية فيما إذا لم تكن علما أو علميا ؛ كقوله : «الماء كله طاهر حتى يلاقي النجس» ، أو «المسافر يجب عليه التقصير إلى أن يدخل الترخص» ، أو «الوضوء واجب إلى أن يصير ضرريا» ، أو «الحنطة حلال إلى أن تصير مغصوبة» ، وغير ذلك مما ينقطع الحكم الأولي إما لتبدل الموضوع وإما لطروء عنوان ثانوي عليه.

وأما إذا كانت الغاية علما كالمقام تعيّن جعل ما قبلها حكما ظاهريا ؛ لئلا يلزم التصويب من دخل العلم في الحكم.

فطهارة الماء القليل واقعا تزول بمجرد ملاقاة النجس علم بها المكلف أم لا.

وعليه : فهذه الروايات تدل على أمرين :

أحدهما : أن الحكم الواقعي لكل شيء هو الحلية والطهارة إلّا ما خرج بالدليل كالخمر والخنزير.

ثانيهما : استمرار ذلك الحكم الواقعي ظاهرا ، وحيث دلت الغاية على استمرار المغيّى

٢٠٤

وتقريب دلالة (١) مثل (٢) هذه الأخبار على الاستصحاب أن يقال : إن الغاية فيها (٣) إنما هو لبيان استمرار ما حكم (٤) على الموضوع واقعا (٥) من (٦) الطهارة والحلية ظاهرا ما لم (٧) يعلم بطروء ...

______________________________________________________

تعبدا في حال الشك كان مدلول المغيّى الدال على القاعدة الاجتهادية بضميمة الغاية الظاهرة في بقاء الحكم المذكور في المغيّى هو الاستصحاب ، فإن حقيقته إبقاء ما ثبت لا غير وهو المطلوب ، فالاستدلال بهذه الأخبار على حجية الاستصحاب واضحة ؛ إلّا إن هذه الأخبار من الأخبار الخاصة ، حيث تدل على حجية الاستصحاب في الموارد الخاصة وهي موارد الطهارة والحلية ، وقد أشار إلى هذا بقوله : «ولا يذهب عليك أنه بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام لعم الدليل وتم» فانتظر. وتركنا تطويل الكلام في المقام رعاية للاختصار.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) وقد تقدم تقريب دلالة الأخبار على حجية الاستصحاب. فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار.

(٢) التعبير بالمثل لأجل عدم انحصار الأخبار ـ المشتملة على الغاية والمغيّى مما يصلح لاستفادة الاستصحاب منها ـ بما ذكره في المتن ، لتعدد أخبار قاعدة الحل كصحيح عبد الله بن سنان وموثقة مسعدة ونحوهما.

نعم ؛ لم أظفر في أخبار طهارة كل شيء وخصوص الماء على لفظ مشتمل على الغاية كي يستظهر منها الاستصحاب ، وإن كان ما يدل على التوسعة في باب الطهارة ومانعية النجاسة المعلومة عن الصلاة موجود ، لكن اللفظ يغاير ما في المتن بكثير ، فراجع.

(٣) أي : في هذه الأخبار.

(٤) أي : ما حكم به على الموضوع وهو «شيء».

(٥) بيان للموصول في : «ما حكم» يعني : أن الطهارة والحلية الواقعيتين حكمان لكل شيء ، وقد تقدم توضيح هذا فيما ذكرناه حول مفاد المغيّى بقولنا : «وأما المغيّى ...».

(٦) بيان ل «ما حكم» أي : أن الغاية قيد للمحمول وهو «طاهر» لا للموضوع وهو «شيء».

وقوله : «ظاهرا» قيد للاستمرار أي : استمرار الطهارة الواقعية ظاهرا ، ومن المعلوم : أن إبقاء الحكم الواقعي في ظرف الشك لا ينطبق إلّا على الاستصحاب.

(٧) قيد ل «ظاهرا» ، فإن الطهارة الظاهرية منوطة بعدم اليقين بخلاف الحالة السابقة ؛ إذ معه يكون نقضها لليقين باليقين.

٢٠٥

ضده (١) أو نقيضه (٢) ؛ لا (٣) لتحديد الموضوع كي يكون الحكم بهما قاعدة مضروبة لما شك في طهارته أو حليته ؛ وذلك (٤) لظهور المغيّى فيها (٥) في بيان الحكم للأشياء بعناوينها (٦) ، لا بما هي مشكوكة الحكم (٧) كما لا يخفى ، فهو (٨) وإن لم يكن له بنفسه (٩) مساس ...

______________________________________________________

(١) أي : ضد ما حكم به على الموضوع ، وذلك كالعلم بحرمة شيء بعد العلم بحليته ، والتعبير بالضد لأجل أن الحرمة والحلية أمران وجوديان وحكمان مجعولان لا يمكن اجتماعهما على موضوع واحد.

(٢) أي : نقيض ما حكم ؛ كالعلم بنجاسة شيء بعد العلم بطهارته ، والتعبير بالنقيض بلحاظ كون الطهارة أمرا عدميا وهي عدم القذارة ، وقد حكي أن المصنف «قدس‌سره» اختار هذا لا كونها أمرا وجوديا حتى تكون ضد النجاسة.

(٣) عطف على «إنما هو» يعني : أن الغاية ليست لتحديد الموضوع ، وغرضه من هذا الكلام : أن استظهار الاستصحاب من هذه الروايات الثلاث مبني على كون كلمة «حتى» قيدا للمحمول وهو الطهارة والحلية ؛ إذ لو كانت قيدا للموضوع ـ أي : الماء والشيء ـ لم يكن لها مساس بالاستصحاب أصلا ؛ لأن مفادها حينئذ : أن كل شيء مشكوك الحل أو الطهارة حلال أو طاهر ، وهذا المعنى هو مفاد قاعدتي الحل والطهارة كما هو أحد الأقوال والوجوه المحتملة في الروايات.

(٤) تعليل لقوله : «لا لتحديد الموضوع».

(٥) أي : في هذه الأخبار ، والمراد بالمغيّا هو المحمول أعني الحلية والطهارة.

(٦) يعني : بعناوينها الأولية بقرينة قوله : «لا بما هي مشكوكة» ، فتكون الحلية والطهارة حينئذ حكمين واقعيين.

(٧) المأخوذ في موضوع قاعدتي الحل والطهارة حتى تكونا حكمين ظاهريين.

(٨) أي : فالحكم للأشياء بعناوينها الأولية.

وغرضه من هذا الكلام : أن المغيّى وإن دل على خصوص الحلية والطهارة الواقعيتين ، ولا تعلق له بقاعدتي الحل والطهارة ـ لدخل الشك في موضوعيهما كما هو شأن كل حكم ظاهري ـ ولا بالاستصحاب ، لأنه إثبات حكم واقعي في مرحلة الظاهر تعبدا ، لكن لا تتوهم أجنبية الأخبار عن الاستصحاب ، وذلك لدلالة الغاية على استمرار ذلك الحكم الواقعي ظاهرا وهو الاستصحاب.

(٩) هذا الضمير وضمير «له» والمستتر في «يكن» كضمير «هو» راجع على الحكم للأشياء ، ويمكن عوده إلى المغيّى والمعنى واحد.

٢٠٦

بذيل (١) القاعدة ولا الاستصحاب ؛ إلّا (٢) إنه بغايته دل على الاستصحاب ، حيث إنها (٣) ظاهرة في استمرار ذاك الحكم الواقعي ظاهرا (٤) ما لم يعلم بطروء ضده أو نقيضه (٥) ، كما أنه (٦) لو صار مغيّا لغاية مثل الملاقاة بالنجاسة ، أو ما يوجب الحرمة (٧) لدل على استمرار ذاك الحكم (٨) واقعا ، ولم يكن له (٩) حينئذ بنفسه ولا بغايته دلالة على الاستصحاب.

ولا يخفى : أنه (١٠) لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين أصلا ، وإنما

______________________________________________________

(١) يعني : بنفس القاعدة ، وقد عرفت وجه عدم مساس المغيّى بالقاعدة والاستصحاب.

(٢) استدراك على «وإن لم يكن» ، وضميرا «أنه ، بغايته» راجعان على الحكم للأشياء بعناوينها الأولية الذي هو مفاد المغيّى ، ولو قال : «إلّا إنها» أي : الأخبار «بغاياتها دلت ...» كان أولى.

(٣) أي : أن الغاية وهذا تقريب دلالة الغاية على الاستصحاب ، وقد عرفته.

(٤) قيد للاستمرار ، والمراد بذاك الحكم هو : المغيّى أعني : الطهارة والحلية الواقعيتين.

(٥) فإذا علم بضد الحل وهو الحرمة وبنقيض الطهارة وهو القذارة لم يستمر ذاك الحكم الواقعي ؛ لأن رفع اليد عنه نقض لليقين باليقين ، وقوام الحكم الظاهري هو الشك.

(٦) الضمير للشأن ، وضمير «صار» راجع على الحكم الواقعي ،

وغرضه : أن الغاية تدل على استمرار المغيّى ، غاية الأمر : أن الغاية إن كانت هي العلم بالنقيض أو الضد ـ كما في هذه الروايات الثلاث ـ كانت دالة على استمرار الحكم الواقعي ظاهرا. وإن كانت شيئا آخر كالملاقاة للنجس أو غيره ، كما إذا قال : «الماء القليل طاهر إلى أن يلاقي النجس» ، أو «العصير العنبي حلال إلى أن يغلي بالنار فيحرم» دلت على استمرار الحكم واقعا ، ولا دلالة لشيء من المغيّى والغاية على الاستصحاب ؛ لتمحضه في إفادة استمرار الحكم الواقعي واقعا.

(٧) كمثال غليان العصير ، وقوله : «لدل» جواب «لو صار».

(٨) وهو الحكم المغيّى كحلية العصير وطهارة الماء القليل المتقدمين آنفا.

(٩) هذا الضمير وضميرا «بنفسه ، بغايته» راجعة على الحكم الواقعي.

وقوله : «حينئذ» يعني : حين كون الغاية مثل الملاقاة مما يكون غير العلم. والوجه في عدم دلالته على الاستصحاب واضح ، ضرورة : كون الاستمرار واقعيا كنفس المغيّى.

(١٠) الضمير للشأن ، وهذا الكلام من المصنف دفع للإشكال الذي أورده الشيخ

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على صاحب الفصول ، فلا بد أولا من توضيح الإشكال. وثانيا من توضيح دفع هذا الإشكال.

وأما توضيح الإشكال فيتوقف على مقدمة وهي : أن في الرواية احتمالات وأقوال وقال صاحب الفصول : إن مفاد الرواية هي قاعدة الطهارة والحلية واستصحابهما معا.

بمعنى : أن المقصود من القاعدة هو مجرد إثبات الطهارة في المشكوك وفي الاستصحاب هو خصوص إبقائها في معلوم الطهارة سابقا ولا جامع بينهما.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه يلزم محذور استعمال اللفظ في معنيين وذلك لتباين المعنيين تباينا كليا ، لأن المناط في قاعدة الطهارة نفس الشك في الطهارة ، فتكون الغاية أعني : «حتى تعلم» من قيود الموضوع ، والمعنى حينئذ : «كل مشكوك الطهارة طاهر» ، «وكل مشكوك الحلية حلال» ، فالحكم المنشأ هو الحكم بأصل الطهارة والحلية. والمناط في الاستصحاب هو اليقين السابق وهو العلة للحكم بالطهارة ، والحكم المنشأ فيه هو استمرار الطهارة ، فالغاية فيه قيد للحكم لا للموضوع ، فلو دل الحديث على القاعدة والاستصحاب معا ـ كما يقول به صاحب الفصول ـ لزم استعمال اللفظ في معنيين أي : بمعنى كون الغاية قيدا للموضوع في دلالة الرواية على القاعدة. وبمعنى كونها قيدا للحكم في فرض دلالتها على الاستصحاب. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح إشكال الشيخ على صاحب الفصول.

وأما توضيح دفع هذا الإشكال : فقد دفع المصنف «قدس‌سره» هذا الإشكال : بأن محذور استعمال اللفظ في معنيين إنما يلزم إذا أريد إثبات الطهارة الظاهرية والاستصحاب بالرواية ، وأما إذا أريد إثبات طهارة الأشياء واقعا واستصحابها فلا يتجه الإشكال المتقدم ، لوضوح : أن المغيّى ـ وهو كل شيء طاهر ـ متكفل لحكم الأشياء واقعا ، والغاية ـ وهي حتى تعلم ـ ظاهرة في الاستصحاب ، فهاتان القاعدتان مستفادتان من الرواية بتعدد الدال والمدلول ، والدال على القاعدة هو المغيّى ، والدال على الاستصحاب هو الغاية ، فلا يلزم حينئذ استعمال اللفظ في معنيين أصلا.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح دفع إشكال الشيخ على صاحب الفصول. وتركنا ما في المقام من تطويل الكلام رعاية للاختصار.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

قوله : «ولا يخفى أنه لا يلزم على ذلك استعمال اللفظ في معنيين أصلا» ، يعني : لا

٢٠٨

يلزم (١) لو جعلت الغاية مع كونها من حدود الموضوع وقيوده (٢) غاية (٣) لاستمرار حكمه ليدل على القاعدة والاستصحاب من غير تعرض لبيان الحكم الواقعي للأشياء أصلا.

مع (٤) وضوح : ظهور مثل «كل شيء حلال» أو «طاهر» في أنه (٥) لبيان حكم الأشياء بعناوينها الأولية ، وهكذا «الماء كله طاهر» (٦) ، وظهور (٧) الغاية في كونها حدا للحكم لا لموضوعه كما لا يخفى ، فتأمل جيدا.

ولا يذهب عليك : أنه (٨) بضميمة عدم القول بالفصل قطعا بين الحلية والطهارة وبين سائر الأحكام ، لعمّ الدليل وتم.

______________________________________________________

يلزم ـ بناء على استفادة الطهارة والحلية الواقعتين من المغيّى والاستصحاب من الغاية ـ استعمال اللفظ في معنيين أصلا. وقد تقدم وجه ذلك.

(١) يعني : وإنما يلزم استعمال اللفظ في معنيين فيما إذا جعلت الغاية قيدا لكل من الموضوع والحكم ليستفاد منها قاعدتان ظاهريتان إحداهما الاستصحاب والأخرى قاعدة الطهارة ، وقد عرفت توضيح الإشكال.

(٢) يعني : يكون الشك حيثية تقييدية في قاعدة الطهارة ، لأن موضوعها الشيء بعنوان المشكوك حكمه ، لا بعنوانه الأولي أي : ذات الشيء.

(٣) مفعول ثان ل «جعلت» يعني : جعلت الغاية من قيود الحكم ـ وهو طاهر وحلال ـ لتدل الرواية على الاستصحاب ، وضمير «حكمه» راجع على الموضوع.

(٤) قيد لقوله : «لو جعلت» أي : والحال أن الروايات ظاهرة في بيان الحكم الواقعي لكل موضوع إلّا ما خرج بالدليل. وهذا إشكال أورده المصنف على الفصول من أنه مع الغض عن إشكال الشيخ يكون استظهار أصالة الطهارة من الرواية خلاف ظهورها في إفادة الحكم الواقعي.

(٥) أي : مثل : «كل شيء حلال أو طاهر».

(٦) فيدل على طهارة الماء واقعا كدلالة حديث الحل على الحلية الواقعية.

(٧) عطف على «ظهور» يعني : ومع وضوح ظهور الغاية في كونها حدا للحكم فيفيد الاستصحاب ، لا حدا لموضوع الحكم حتى تدل على أصالة الطهارة أو الحل.

(٨) هذا الضمير للشأن ، وهذا الكلام إشارة إلى عدم عموم اعتبار الاستصحاب المستفاد من هذه الأخبار لجميع الأبواب ، ودفع إشكال أخصيتها من المدعى ؛ لكونها واردة في بابي الحل والطهارة ، فالاستصحاب حجة في هذين البابين خاصة.

٢٠٩

ثم لا يخفى : أن (١) ذيل موثقة عمار : «فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك» يؤيد (٢) ما استظهرنا منها من كون الحكم المغيّى واقعيا ثابتا للشيء بعنوانه (٣) ، لا ظاهريا ثابتا له بما هو مثبته ؛ لظهوره (٤) في أنه متفرع على الغاية وحدها ، وأنه بيان

______________________________________________________

ومحصل ما أفاده في وجه تعميم اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد هو : أنه بضميمة عدم القول بالفصل تعم الروايات جميع الأبواب والموارد ؛ إذ لم يظهر قول بالفصل بين استصحاب الطهارة والحل ، وبين استصحاب غيرهما ، فالقائل باعتباره يقول به مطلقا والنافي له ينفي اعتباره في جميع الأبواب ، وليس من الأقوال المتشتتة في الاستصحاب تخصيص حجيته ببابي الحل والطهارة.

(١) بعد أن أثبت المصنف دلالة الروايات الثلاث على اعتبار الاستصحاب تصدى لتأييد مقالته بما في ذيل موثقة عمار من قوله «عليه‌السلام» : «فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك» ، فإن هذا الذيل مشتمل على حكمين أحدهما : إيجابي وهو استمرار الحكم السابق في غير صورة العلم بالضد أو النقيض ، والآخر سلبي وهو عدم استمراره في صورة العلم بالخلاف. وهذان الحكمان مترتبان على الغاية ومبيّنان لها ، غاية الأمر : أن أحدهما مفهومها وهو قوله «عليه‌السلام» : «وإذا علمت» ، والآخر منطوقها ، وهو قوله «عليه‌السلام» : «وما لم تعلم ...» ، والظاهر كون هذين الحكمين مترتبين على الغاية وحدها لقربهما بها ، فيكون الحكم بالطهارة في المشكوك فيه مستندا إلى العلم بها سابقا ، فيدل على استمرار الحكم الواقعي ظاهرا ، وهذا بخلاف ما إذا كان الذيل مترتبا على مجموع الغاية والمغيّى ؛ إذ الحكم بالطهارة حينئذ يكون مترتبا على نفس الشك كما هو مفاد قاعدة الطهارة ، لا على ثبوت الطهارة سابقا كما هو مقتضى الاستصحاب.

(٢) لعل وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة هو : أن ظهور الذيل في تفرعه على الغاية وحدها ليس بذلك الوضوح ، فإن ظهور قوله «عليه‌السلام» : «وما لم تعلم» في ترتب الطهارة على نفس الشك الذي هو موضوع قاعدة الطهارة مما لا ينكر ، فليس الذيل مؤيدا لما استظهره من كون الغاية قيدا للحكم حتى يستفاد منه الاستصحاب. وضمير «منها» راجع على الموثقة ؛ كما في منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ٢٣٠.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(٣) الأولي. وضمير «له» راجع على الشيء ، و «لا ظاهريا» معطوف على «واقعيا».

(٤) تعليل ل «يؤيد» ، وضميره كضميري «أنه ، وأنه» راجع على الذيل.

٢١٠

لها (١) وحدها منطوقها ومفهومها (٢) لا لها مع المغيّى كما لا يخفى على المتأمل.

______________________________________________________

(١) أي : للغاية «وحدها» بلا مشاركة المعنى في إفادته ؛ بل الذيل مجمل من الغاية.

(٢) المراد بالمنطوق الذي اشتمل عليه الذي هو : قوله «عليه‌السلام» : «فإذا علمت فقد قذر» ، والمراد بالمفهوم هو : قوله «عليه‌السلام» : «وما لم تعلم فليس عليك».

وكيف كان ؛ فقد عرفت : أن الذيل قد تضمن حكمين أحدهما مثبت وهو قوله :

«فإذا علمت فقد قذر» ، والآخر منفي وهو قوله : «وما لم تعلم فليس عليك» ، وظاهر هذا التفريع كونه تفريعا على الغاية التي هي «حتى تعلم» ، فيدل ذلك على أن الغاية تضمنت حكمين أيضا ، أحدهما : مفاد الاستصحاب الذي هو استمرار الحكم المنفي في الذيل ، وعلى الثاني الحكم المثبت.

ومن هذا يتبيّن : أن صدر الحديث ـ وهو قوله : «كل شيء طاهر» ـ حكم واقعي للأشياء بما لها من العناوين ، لا أنه ضرب للقاعدة لدى الشك ، فإن التفريع بيان للغاية وحدها «لا لها مع المغيّى ...» الخ. حتى يقال : بأن المنفي ـ وهو «ما لم تعلم فليس عليك» بيان للمغيّا.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان ما في الروايات الثلاث من الاحتمالات والأقوال :

أ ـ قول صاحب الكفاية في حاشية الرسائل : بأنها ناظرة إلى الطهارة والحلية الواقعيتين ، والطهارة والحلية الظاهريتين ، واستصحابهما.

ب ـ قول صاحب الكفاية في الكفاية : بأنها ناظرة إلى الطهارة الواقعية أو الحلية الواقعية بصدرها واستصحابها بذيلها ، ولا نظر لها إلى قاعدة الطهارة والحلية.

ج ـ قول صاحب الفصول : بأن يكون صدرها ناظرا إلى قاعدة الطهارة أو الحلية ، وذيلها يكون ناظرا إلى قاعدة الاستصحاب.

د ـ قول المشهور : بأن تكون الروايات ناظرة إلى قاعدة الطهارة والحلية فحسب.

ه ـ قول الشيخ : وهو التفصيل بين حديث «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر» ، فيكون ناظرا إلى الحكم الواقعي والاستصحاب ، وبين حديثين آخرين حديث «كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» ، وحديث «كل شيء لك حلال ...».

٢١١

ثم إنك إذا حققت ما تلونا عليك مما هو مفاد الأخبار (١) ، فلا حاجة في إطالة الكلام في بيان سائر الأقوال ، والنقض والإبرام فيما ذكر لها من الاستدلال.

______________________________________________________

٢ ـ تقريب الاستدلال بهذه الروايات على حجية الاستصحاب :

أن كل واحد من هذه الأخبار مشتمل على غاية ومغيّا.

وأما المغيّى : فيدل على أن الموضوع المحكوم عليه بالطهارة أو الحلية هو الشيء بعنوانه الأولي ومفاده هو الحكم الواقعي.

وأما الغاية : فتدل على مجرد استمرار الطهارة الواقعية أو الحلية كذلك وهذا هو معنى الاستصحاب ، فدلالة الروايات الثلاث على حجية الاستصحاب واضحة.

٣ ـ إشكال الشيخ على صاحب الفصول : بأنه يلزم استعمال اللفظ في معنيين على ما ذهب إليه صاحب الفصول من : أن مفاد الروايات هو قاعدة الطهارة أو الحلية واستصحابهما معا ؛ إذ الاستصحاب والقاعدة معنيان متباينان ، فيلزم من استعمال اللفظ فيهما استعمال اللفظ في معنيين.

ودفع المصنف هذا الإشكال : بأن محذور استعمال اللفظ في معنيين إنما يلزم إذا أريد إثبات الطهارة الظاهرية والاستصحاب معا بالرواية.

وأما إذا أريد إثبات طهارة الأشياء واقعا واستصحابها فلا يلزم الإشكال المذكور أصلا ؛ لتعدد الدال والمدلول إذ الدال على القاعدة هو المغيّى ، والدال على الاستصحاب هو الغاية ، فأين هذا من استعمال اللفظ في معنيين؟

٤ ـ إشكال كون هذه الروايات من الروايات الخاصة : حيث تدل على الاستصحاب في خصوص بابي الحل والطهارة فقط مدفوع ؛ بأن مفاد تلك الأخبار وإن كان كذلك إلّا إنه بضميمة عدم القول بالفصل تعم الروايات جميع الأبواب ؛ إذ لم يظهر قول بالفصل بين استصحاب الطهارة أو الحل وبين استصحاب غيرهما.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

تمامية دلالة الروايات الثلاث على حجية الاستصحاب في جميع الأبواب بضميمة عدم القول بالفصل.

(١) حيث تم الدليل المعتبر سندا ودلالة على حجية الاستصحاب ، والعمدة صحاح زرارة ، وكذا خبر الخصال عن مولانا أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلين» لو لم يناقش في سنده ، وكذا روايات الحل والطهارة فلا حاجة معه إلى التعرض للقول بعدم حجيته مطلقا.

٢١٢

ولا بأس بصرفه (١) إلى تحقيق الوضع ، ...

______________________________________________________

بقي الكلام في التفصيل بين الحكم الوضعي والتكليفي بجريانه في الأول دون الثاني ؛ كما نسب إلى الفاضل التوني «قدس‌سره».

(١) أي : صرف الكلام والداعي إلى التعرض للأحكام الوضعية هنا هو الوقوف على تفصيل منسوب إلى الفاضل التوني «قدس‌سره» من حجية الاستصحاب في الأحكام الوضعية دون التكليفية.

في تفصيل الفاضل التوني بين التكليف والوضع

وتوضيح هذا التفصيل صحة وفسادا يتوقف على ذكر أمور :

من باب المقدمة.

الأمر الأول : هو الفرق بين الحكم التكليفي والوضعي مفهوما ، ولا خلاف في أن المفهوم من لفظ الوضع يخالف ما هو المفهوم من التكليف.

وقال بعض المحققين في مقام الفرق بينهما : إن الأحكام التكليفية عبارة عن المجعولات الشرعية التي تتعلق بأفعال العباد أولا وبالذات من حيث الاقتضاء والتخيير ، وهي تنحصر في خمسة ، أربعة منها تقتضي البعث والزجر وهي : الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة. وواحدة منها تقتضي التخيير وهي الإباحة ، والأحكام الوضعية عبارة عن المجعولات الشرعية التي لا تتضمن البعث والزجر ولا تتعلق بالأفعال ابتداء أولا وبالذات ، وإن كان لها نحو تعلق بها ولو باعتبار ما يستتبعها من الأحكام التكليفية ، سواء تعلق الجعل الشرعي بها ابتداء تأسيسا أو إمضاء أو تعلق الجعل الشرعي بمنشإ انتزاعها الأول كالملكية والزوجية والولاية والسببية كما في قوله «تبارك وتعالى» : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(١) حيث اعتبر السرقة سببا لقطع اليد ، والمانعية كما في قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» «لا يرث من المال القاتل شيئا» (٢) ، حيث اعتبر القتل مانعا من الإرث ، أو تعليق الجعل الشرعي بمنشإ انتزاعها كالجزئية والشرطية ، فإذا اعتبر وجودا في المأمور به فينتزع منه الشرطية كالاستقبال ويقال : إن الاستقبال شرط للصلاة ، وكالاستطاعة حيث اعتبر شرطا لوجوب الحج كما في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٣) ، وكالمانعية في بعض الموارد ، فإذا اعتبر

__________________

(١) المائدة : ٣٨.

(٢) الكافي ٦ : ١٤١ / جزء من ح ١.

(٣) آل عمران : ٩٧.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في المأمورية شيء عدما تنتزع منه المانعية ، ويقال : «إن أجزاء غير مأكول اللحم مانعة من الصلاة».

ويظهر من الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» : أن جميع الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية لا أنها مستقلات.

ويرد عليه : أن الصبي إذا لم يكن عليه أحكام تكليفية فكيف يكون عليه حكم وضعي؟ حيث يجوز تزويجه وتملكه ، وليست الأحكام الوضعية مرفوعة عنه ؛ لأن رفع القلم عنه محمول على الأحكام التكليفية.

وخلاصة الكلام : أن بين مفهوم التكليف والوضع تباين كلي ، وأما بين مصداقهما فالنسبة هي عموم من وجه مادة الاجتماع كأكثر الموارد كالملكية وإباحة التصرف ، ومادة الافتراق من جانب التكليف كجواز أكل الضيف من طعام المضيف مع أنه ليس مالكا. ومادة الافتراق من جانب الوضع كمن كان محجورا عن التصرف في ماله شرعا ، فلا يجوز له التصرف مع كونه مالكا.

هذا تمام الكلام في الأمر الأول ، وهذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما».

والأمر الثاني : ما أشار إليه بقوله : «كما لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم إلى التكليفي والوضعي».

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن للحكم الشرعي معان ولا يصح تقسيمه إلى التكليفي والوضعي بجميع ما له من المعاني ؛ بل ببعض المعاني دون البعض ، فإن الحكم بمعنى ما هو المجعول اقتضائيا أو تخييريا لا يطلق على الحكم الوضعي ، فلا يصح تقسيمه إلى التكليفي والوضعي ؛ لأن المراد بالاقتضائي : ما يكون له اقتضاء الفعل كالوجوب والندب أو الترك كالحرمة والكراهة فيشمل الوجوب والندب والحرمة والكراهة. والمراد بالتخييري : ما ليس له اقتضاء للفعل أو الترك وهي المباحات ، والحكم بهذا المعنى لا يصح تقسيمه إلى التكليفي والوضعي ، فإنه لا يطلق على الحكم الوضعي.

نعم ؛ الحكم الشرعي بمعنى ما يؤخذ من الشارع بما هو شارع وما جعله الشارع تأسيسا أو إمضاء يصح تقسيمه إلى التكليفي والوضعي.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا ينبغي النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي ببعض معانيه على التكليفي والوضعي.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والشاهد على ذلك : كثرة إطلاق الحكم على الحكم الوضعي في كلماتهم. هذا تمام الكلام في الأمر الثاني.

والأمر الثالث : في حصر الأحكام الوضعية وعدم حصرها. وهذا ما أشار إليه بقوله : «لا وقع للنزاع في أنه محصورا في أمور مخصوصة».

وحاصل الكلام في هذا الأمر الثالث : أن الأحكام التكليفية محصورة في الخمسة وهي : الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة.

وأما الأحكام الوضعية فقيل : إنها محصورة في أمور مخصوصة كالشرطية والسببية والمانعية كما هو المحكي عن العلامة ، أو مع زيادة العلية والعلاميّة كما هو مع الإباحة المحكي عن الشهيد الثاني ، أو مع زيادة الصحة والبطلان والعزيمة والرخصة كما هو المحكي عن الآمدي ، أو زيادة غير ذلك. وقيل : إنها غير محصورة كما هو ظاهر المصنف «قدس‌سره».

وبعد ذكر هذه الأمور من باب المقدمة شرع المصنف في تحقيق الحكم الوضعي.

وحاصل ما أفاده المصنف «قدس‌سره» : أن الحكم الوضعي على أقسام ثلاثة :

أحدها : ما لا يقبل الجعل الشرعي أصلا ؛ لا استقلالا ولا تبعا.

ثانيها : ما يقبله تبعا للتكليف ولا يقبله أصالة واستقلالا.

ثالثها : ما يقبل كلا من الجعل الاستقلالي والتبعي.

هذا مجمل الكلام.

وأما تفصيل الكلام في كل واحد من الأقسام فيقال : إن معنى ما لا يقبل الجعل الشرعي استقلالا : بأن يجعله الشارع ابتداء. «ولا تبعا» بأن يجعل شيئا آخر فينجعل هذا بتبع ذاك ، كما يقال : إن الزوجية مجعولة ـ تكوينا ـ تبعا بمعنى : أن الجاعل والمكوّن يجعل ويوجد الأربعة ، فتوجد الزوجية بتبعها. هذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «وإن كان مجعولا تكوينا عرضا بعين جعل موضوعه كذلك» أي : تكوينا.

وهذا القسم من الحكم الوضعي عبارة عن السببية والشرطية والمانعية والرافعية لما يكون سببا وشرطا ومانعا ورافعا لأصل التكليف ، كعلية الدلوك لإيجاب الشارع الصلاة عنده ، فإن كون الدلوك سببا لوجوب الصلاة ليس بجعل تشريعي استقلالي ولا تبعي ، وإنما هو لأن الشارع كوّن وأوجد فيه خصوصية سببت تلك الخصوصية المجعولة فيه

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تكوينا أن يكون له سببية لوجوب الصلاة ، فهو مجعول تكويني عرضي تبعا لجعل موضوعه تكوينا.

وأما عدم كون هذا القسم مجعولا تبعا : فلما أشار إليه المصنف بقوله : «حيث إنه لا يكاد يعقل انتزاع هذه العناوين لها من التكليف المتأخر عنها ذاتا حدوثا وارتفاعا».

قوله : «حدوثا» إشارة إلى السببية والشرطية. وقوله : «ارتفاعا» إشارة إلى المانعية والرافعية ، فهذا القسم لا يكون مجعولا أصلا لا استقلالا ولا تبعا. وأما عدم كونه مجعولا مستقلا : فلما عرفت من كون الدلوك سببا لوجوب الصلاة تكوينا لا تشريعا.

وأما عدم كونه مجعولا تبعا للتكليف : فلأن التكليف متأخر عن السببية والشرطية ، فلا يعقل أن يكون مجعولا بتبع ما هو متأخر عنه ؛ إذ يلزم تقدم شيء على نفسه ، وكذلك يكون التكليف متأخرا عن المانعية لأن المانعية متقدمة على عدم التكليف ، فتكون متقدمة على نفس التكليف حفظا لاتحاد مرتبة النقيضين ، كما يكون التكليف متأخرا عن الرافعية لأن الرافعية متقدمة على عدم التكليف بقاء ، فتكون متقدمة على بقائه حفظا لاتحاد مرتبة النقيضين ، فيكون التكليف في البقاء متأخرا عن الرافعية وكيف كان فالتكليف متأخر عن السببية والشرطية والمانعية والرافعية ، فلو كان الوضع أي : هذه الأمور منتزعة عن التكليف يلزم تقدم التكليف على هذه الأمور ، وذلك مستلزم لتقدم الشيء على نفسه ، وهو محال باطل.

وأما وجه القسم الثاني ـ وهو ما يقبل الجعل تبعا كجزئية السورة ـ فواضح لا يحتاج إلى البيان والتوضيح.

وأما وجه القسم الثالث ـ وهو ما يقبل الجعل استقلالا وتبعا ـ فهو كالملكية مثلا ، حيث يقبل الجعل بكلا قسميه ، أما استقلالا فمثل جعل الشارع وإمضائه الملكية عند تحقق عقد ، فالملكية مجعولة استقلالا لا تبعا ، وإلا لزم أن لا يقع ما قصد ويقع ما لم يقصد ، فإن مقصود ولي المال من قوله : «بعته أو ملّكته المال الكذائي» هو إيجاد الملكية لغيره لا الحكم بإباحة التصرف ، فإن كانت الملكية مجعولة تبعا ومنتزعة عن الحكم الذي في موردها يلزم أن يتحقق بقوله : «ملّكتك» جواز التصرف لا الملكية حيث إن الملكية على الانتزاع والتبعية لا تحصل بصرف الجعل والإنشاء ، بل بتبعية الآثار والأحكام الحاصلة بقوله : «ملكتك» ، وتلك الآثار والأحكام غير مقصودة من هذا القول ، فيلزم ما ذكرناه من أنه لا يقع ما قصد ويقع ما لم يقصد.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما تبعا : فكانتزاع الملكية كما قيل من الحكم بإباحة تصرف كل من البائع والمشتري في العوضين بعد العقد.

ولكن أورد صاحب الكفاية على هذا القول بقوله : «لا ينبغي أن يشك في عدم صحة انتزاعها عن مجرد التكليف في موردها ...». ولعل مقصوده : أن الحكم الوضعي مثل الملكية والزوجية يكون موضوعا للحكم التكليفي أعني : إباحة التصرف وجواز الوطء ، والموضوع متقدّم بحسب المرتبة على الحكم كتقدم العلة على المعلول ، فلا يمكن انتزاع مثل هذا الوضع عن التكليف لاستلزامه غائلة الدور ، ويمكن أن يكون مقصوده أنه لا وجه لانتزاع مثل هذا الوضع عن التكليف ، لأنك قد عرفت : أن النسبة بين الوضع والتكليف مصداقا وموردا هي أعم من وجه وأنهما قد يجتمعان مثل ما إذا كان للإنسان ملك ولم يكن محجورا عن التصرف فيه ، وقد يكون التكليف دون الوضع مثل إباحة الأكل للضيف من طعام المضيف. وقد تكون الملكية من دون التكليف ، كما إذا كان للإنسان ملك وكان محجورا عن التصرف فيه.

فيقال بعد الفراغ عن هذه الأمور من باب المقدمة : إنه لا يجري الاستصحاب في جميع أقسام الوضع ، بل يجري فيما هو مجعول استقلالا بلا إشكال كما هو في القسم الثالث ، أو فيما هو مجعول تبعا مع إشكال ، ولا يجري فيما لا يتطرق إليه الجعل أصلا كالقسم الأول من أقسام الوضع. إذ المناط في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب مجعولا شرعا أو موضوعا ذا حكم شرعي ، وهذا المناط لا يوجد في القسم الأول ، فيما ذهب إليه الفاضل التوني من جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية على إطلاقه غير صحيح ؛ بل الحق أن يقال بحجية الاستصحاب في بعض الأحكام الوضعية. هذا مع حجية الاستصحاب في الأحكام التكليفية لوجود المناط ـ وهو كون المستصحب مجعولا ـ فيها.

هذا هو حق الكلام في المقام.

وأما ما ذكره المصنف فلا يخلو عن مناقشة إذا كان قصده من تطويل الكلام ردّ التفصيل الفاضل التوني ؛ إذ لم يتعرض المصنف للاستصحاب في الأحكام التكليفية لا نفيا كي يكون كلامه إشكالا على الفاضل التوني ، ولا إثباتا كي يكون هذا الكلام منه موافقا للفاضل التوني.

فالمتحصل : أن نتيجة تطويل الكلام في المقام هو جريان الاستصحاب في الأحكام

٢١٧

وأنه (١) حكم مستقل بالجعل (٢) كالتكليف ، أو منتزع (٣) عنه وتابع له في الجعل ، أو فيه (٤) تفصيل حتى يظهر (٥) حال ما ذكر هاهنا بين التكليف والوضع من التفصيل (٦) ، فنقول وبالله الاستعانة : لا خلاف (٧) كما لا إشكال في اختلاف التكليف والوضع مفهوما ، واختلافهما (٨) في الجملة موردا (٩) ، ...

______________________________________________________

الوضعية في الجملة ، وليس في كلام المصنف عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية كي يكون ردا على الفاضل التوني.

فالحق أن يقال : إنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين الأحكام الوضعية والتكليفية لوجود ما يعتبر في الاستصحاب فيهما معا.

فيكون ردا على التفصيل المنسوب إلى الفاضل التوني.

وكيف كان ؛ فكلام المصنف لا يخلو عن الإجمال.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) عطف على «حال الوضع» ومفسر له ، وضمير «أنه» راجع على «الوضع».

(٢) يعني : مطلقا وبجميع أقسامه ، بقرينة قوله : «أو فيه تفصيل».

(٣) عطف على «حكم» وضميرا «عنه ، له» راجعان على الحكم ، والمراد التبعية مطلقا.

(٤) أي : في الوضع.

(٥) قيد لقوله : «لا بأس بصرفه» يعني : لا بأس بصرف الكلام إلى بيان حقيقة الحكم الوضعي حتى يظهر حال التفصيل المعزى إلى الفاضل التوني «رحمه‌الله» صحة وسقما.

(٦) من اعتبار الاستصحاب في التكليف خاصة دون الوضع. وقوله : «من التفصيل» بيان «ما» الموصول.

(٧) ذكر المصنف قبل بيان ماهية الحكم الوضعي أمورا ثلاثة هذا أوّلها ، وحاصله : أن مفهوم التكليف يغاير مفهوم الوضع ، إذ المراد بالتكليف أحد الأحكام الخمسة وهي : الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة.

والمراد بالوضع : إيجاد صفة لشيء فعلا كان أو غيره أو إمضاء الشارع لتلك الصفة ، وعرفت توضيح الفرق بينهما مفهوما ومصداقا ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٨) بالجر عطف على «اختلاف» ، وغرضه : بيان اختلافهما في المصداق بنحو العموم من وجه ، فلا يمتنع صدقهما على بعض الأمور كما تقدم.

(٩) كقولنا : «الإفطار سبب لوجوب القضاء» ، فإن مورد السببية هو الإفطار ، ومورد الوجوب هو القضاء.

٢١٨

لبداهة (١) ما بين مفهوم السببية أو الشرطية ومفهوم مثل الإيجاب أو الاستحباب من المخالفة والمباينة.

كما لا ينبغي (٢) النزاع في صحة تقسيم الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي ، بداهة (٣) : أن الحكم وإن لم يصح تقسيمه إليهما ببعض (٤) معانيه ، ولم يكد يصح

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «لا خلاف» و «من المخالفة» بيان للموصول في «ما بين».

(٢) هذا إشارة إلى الأمر الثاني ، والغرض منه : إدراج جملة مما عدّ من الأحكام الوضعية في الحكم الشرعي ، بيانه : أن الحكم الشرعي يطلق تارة : على خطاب الله المتعلق بأفعال العباد من حيث الاقتضاء والتخيير ، وأخرى : على مطلق ما يصح أخذه من الشارع بما هو شارع وجاعل للقوانين ، فعلى الأول : لا يصح تقسيم الحكم إلى التكليفي والوضعي ؛ لعدم تعلق مثل الملكية والزوجية وسببية الدلوك بفعل المكلف بلا واسطة ، وإن تعلق به مع الواسطة مترتب على جواز أنحاء التصرفات على الملكية الحاصلة بأسبابها ، فعلى هذا المعنى : تخرج الوضعيات عن كونها أحكاما شرعية ؛ إذ ليس فيها جهة الاقتضاء ـ بعثا وزجرا ـ والتخيير.

وعلى الثاني : يصح تقسيم الحكم الشرعي إليهما ؛ لأن المناط فيه كونه مما تناله يد الجعل التشريعي ، ومن المعلوم : صدقه على الحكم الوضعي كالتكليفي ، فكما يمكن اعتبار لا بدّية فعل وحرمان آخر بقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ)(١) ، و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ)(٢) كذلك له جعل الملكية للحائز بقوله : «من حاز ملك» ، فإن ملكية المحوز للحائز من المجعولات الشرعية.

وعليه : فلا إشكال في صحة انقسام الحكم الشرعي إلى التكليفي والوضعي ، ولا مجال لإنكارها والتشكيك فيها.

(٣) تعليل لقوله : «لا ينبغي» ، وقد عرفت توضيحه.

(٤) وهو كونه خصوص «الخطاب المتعلق بفعل العبد من حيث الاقتضاء والتخيير» ؛ إذ على هذا المعنى يختص الحكم بما فيه اقتضاء الفعل من الوجوب والاستحباب أو الترك من الحرمة والكراهة ، وما ليس فيه اقتضاء أحدهما أصلا ، أو فيه اقتضاءان متكافئان وهو الإباحة. وضميرا «تقسيمه ، معانيه» راجعان على الحكم.

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) المائدة : ٣.

٢١٩

إطلاقه (١) على الوضع ؛ إلّا (٢) إن صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما ، وصحة إطلاقه عليه بهذا المعنى (٣) مما لا يكاد ينكر كما لا يخفى.

ويشهد به (٤) كثرة إطلاق الحكم عليه في كلماتهم. والالتزام بالتجوز فيه (٥) كما ترى.

وكذا (٦) لا وقع للنزاع في أنه محصور في أمور مخصوصة كالشرطية والسببية والمانعية كما هو المحكي عن العلامة (٧) ، أو مع زيادة العلية ...

______________________________________________________

(١) أي : إطلاق الحكم ببعض معانيه وهو الخطاب المتعلق «بفعل العبد ...» الخ.

(٢) متعلق ب «وإن لم يصح» يعني : أن الحكم الشرعي ـ بمعنى مطلق ما يؤخذ من الشارع في وعاء التشريع ـ يصح تقسيمه إلى التكليفي والوضعي ؛ لكونه مشتركا معنويا بينهما ، وكذا بمعنى المحمولات الشرعية المنتسبة إلى الموضوعات ، فضمير «تقسيمه» راجع على الحكم ، وضمير «إليهما» راجع على التكليفي والوضعي».

(٣) أي : إطلاق الحكم الشرعي على الوضعي بهذا المعنى ، وهو ما يصح أخذه من الشارع.

(٤) يعني : يشهد بصحة تقسيم الحكم إلى التكليفي والوضعي كثرة إطلاق الحكم على الوضعي في كلمات العلماء ، حيث عدوا الملكية والزوجية والحرية أحكاما شرعية.

وتوهم : كون هذا الإطلاق في كلماتهم على نحو التجوز لاختصاص التكليف فاسد ؛ لأنه خلاف الأصل ومنوط بقرينة مفقودة في المقام.

(٥) أي : في إطلاق الأصحاب الحكم على الوضعي ، و «كما ترى» خبر والالتزام. وقد تقدم توضيحه بقولنا : «وتوهم كون هذا الإطلاق ...» ، وضمير «عليه» راجع على الوضعي.

(٦) هذا بيان للأمر الثالث ، وهو كون الأحكام الوضعية محصورة في عدد معين وعدمه ، وحاصله : أنه وقع الخلاف في أن الأحكام الوضعية هل هي محصورة أم لا؟ وعلى الأول : وقع الخلاف أيضا في عددها ، والمصنف «قدس‌سره» يدعي أنه لا مسرح لهذا الخلاف لوجهين : أحدهما : عدم الوجه في تخصيص الحكم الوضعي بما ذكروه بعد وضوح إطلاق الحكم على غيره أيضا كالحرية والرقية. والآخر : عدم ترتب ثمرة علمية ولا عملية على حصر الحكم الوضعي وعدمه ، فالحق حينئذ أن يقال : إن كل ما لا يكون تكليفا سواء كان له دخل في التكليف أو متعلقه أم لم يكن له دخل فيهما مع فرض إطلاق الحكم عليه في كلماتهم يكون ذلك هو الحكم الوضعي.

(٧) وغيره ، والظاهر : أن المراد الشرطية والسببية والمانعية للتكليف.

٢٢٠