دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

الثالث (١) : أنه لا فرق في المتيقن السابق بين أن يكون خصوص أحد ...

______________________________________________________

٣ ـ وإشكال : أنه كيف يجري الاستصحاب والحال أنه لم يتم ركنه وهو اليقين السابق بالحدوث؟ مدفوع ؛ بأن الظاهر أن اليقين في أخبار الاستصحاب لم يؤخذ موضوعا ؛ بل أخذ كشفا عن متعلقه ومرآة لثبوته ليكون التعبد وجعل الحكم المماثل في بقائه عند ثبوت الحكم سابقا بالحجة ، سواء كانت يقينا أو غيره من الأمارات المعتبرة شرعا.

«فافهم» لعله إشارة إلى أن المراد باليقين هو مطلق الحجة لا الاعتقاد الجازم ، فحينئذ دليل الاستصحاب يشمل مورد الأمارات.

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

كفاية الشك في البقاء في الاستصحاب فيجري الاستصحاب في موارد الأمارات المعتبرة.

التنبيه الثالث : في استصحاب الكلّي

(١) قبل الخوض في تفصيل البحث في أقسام استصحاب الكلي وأحكامها من حيث الصحة والبطلان ، ينبغي بيان أمرين :

أحدهما : ما هو محل الكلام في هذا التنبيه.

ثانيهما : بيان عدم اختصاص استصحاب الكلي بما إذا كان المستصحب حكما كما يظهر من كلام المصنف ؛ بل يعم ما إذا كان متعلقا للحكم كما صنعه الشيخ «قدس‌سره» ، حيث قال : في أول التنبيهات التي عقدها بعد الفراغ من أدلة الأقوال : «إن المتيقن السابق إن كان كليا في ضمن فرد وشك في بقائه» (١) فهذه العبارة ظاهرة في الأعم من الحكم والمتعلق.

هذا ملخص الكلام في الأمر الأول.

الأمر الثاني : أن محل الكلام ما إذا كان المستصحب كليا لا ما إذا كان جزئيا ؛ إذ لا إشكال في جريان الاستصحاب فيما إذا كان المستصحب جزئيا ، ولذا يقول المصنف : إنه لا فرق في حجية الاستصحاب بين كون المستصحب جزئيا كوجوب صلاة الجمعة إذا شك في بقائه حال الغيبة ، وبين كونه كليا كالطلب الراجح المشترك بين الوجوب والندب.

إذا عرفت هذين الأمرين فيقع الكلام في مقامين :

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ١٩١.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

المقام الأول : في بيان أقسام استصحاب الكلي.

المقام الثاني : في بيان أحكام هذه الأقسام صحة وفسادا.

فأما المقام الأول فقد ذكر المصنف «قدس‌سره» للاستصحاب الكلي ثلاثة أقسام :

القسم الأول : أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد ثم يشك في بقاء الكلي للشك في بقاء ذلك الفرد الذي تحقق الكلي في ضمنه.

هذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «فإن كان الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان في ضمنه».

القسم الثاني : أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد مردد بين طويل العمر وقصيره كوجود الحيوان في مكان مردد بين البق والفيل ، والمثال الشرعي هو ما إذا علم بصدور الحدث المردد بين الأكبر والأصغر ، ثم يشك بعد الوضوء في بقاء الكلي لأجل الشك في أن الحادث هو الطويل ـ أعني الحدث الأكبر ـ فيكون بقاؤه مقطوعا ، أو القصير ـ أعني الحدث الأصغر ـ فيكون ارتفاعه مقطوعا. هذا ما أشار إليه بقوله : «وإن كان الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه ، بين ما هو باق أو مرتفع قطعا».

القسم الثالث : أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد ثم يعلم بزوال ذلك الفرد ؛ ولكنه يشك في بقاء الكلي لأجل الشك في حدوث فرد آخر مقارن لزوال الفرد الأول.

وهذا على قسمين ، فتارة : يقع الشك في وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد الأول. وأخرى : يقع الشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد الأول ، كما إذا علم بوجود الإنسان في الدار في ضمن وجود زيد ، ثم حصل القطع بخروج زيد عنها وشك في وجود عمرو مقارنا لوجود زيد في الدار ، أو مقارنا لخروجه عنها.

وقد أشار إليهما بقوله : «وأما إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه». هذا تمام الكلام في المقام الأول وهو بيان أقسام استصحاب الكلي.

وأما المقام الثاني : ـ وهو بيان أحكام هذه الأقسام ـ فلا إشكال في جريان استصحاب القسم الأول لو كان موردا للأثر العملي ، كما لا إشكال في جريان استصحاب الفرد لترتيب أثر الفرد.

نعم ؛ هناك بحث آخر أشار إليه المصنف في حاشيته على الرسائل وهو : أنه هل يغني استصحاب الفرد في إثبات أثر الكلي أو استصحاب الكلي في إثبات أثر الفرد ، وهذا

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

البحث لا أثر عملي له فيما نحن فيه لإمكان إجراء الاستصحاب في كل من الفرد والكلي ، فيترتب عليه الأثر المطلوب.

وأما القسم الثاني ـ وهو أن يكون الشك في بقاء الكلي من جهة تردد الفرد الذي كان الكلي متحققا في ضمنه بين ما هو مرتفع قطعا وما هو باق جزما ـ فقد التزم جمع من الأعلام كالشيخ والمصنف وغيرهما بجريان الاستصحاب في الكلي في مثل ذلك ؛ وذلك لتمامية أركانه من اليقين بالحدوث والشك في البقاء ، فيكون مشمولا لإطلاق دليل الاستصحاب ، ويترتب على جريان الاستصحاب في الكلي الآثار المترتبة على وجوده ؛ كحرمة مسّ المصحف الشريف في مثال الحدث لترتبها على عنوان المحدث.

وهناك إشكالان على استصحاب القسم الثاني ذكرهما المصنف :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «وتردد ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه ...» الخ.

وثانيهما : ما أشار إليه بقوله : «وتوهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك الفرد المردد مسببا ...» الخ.

وحاصل الإشكال الأول : هو انعدام أحد ركني الاستصحاب فيه حيث إن الفرد الذي وجد في ضمنه الكلي إن كان هو الفرد القصير فهو معلوم الارتفاع ، فالركن الثاني وهو الشك في البقاء مفقود. وإن كان هو الفرد الطويل فهو مشكوك الحدوث من الأول ، فالركن الأول وهو اليقين بالحدوث غير متحقق.

وعلى كلا التقديرين : لا مجال للاستصحاب لانتفاء أحد ركني الاستصحاب.

وببيان أوضح : المقصود من الكلي في هذا البحث ليس هو الكلي العقلي والمنطقي اللذين لا وجود لهما في الخارج ؛ بل المراد هو الكلي الطبيعي الموجود في الخارج ، ثم وجوده في الخارج هو بعين وجود أفراده ، فلا وجود له إلّا بوجودها بحيث ينتفي بانتفاء فرده وجدانا أو تعبدا.

وعليه : فلا يجري استصحاب الكلي في المقام لكونه محكوما بالعدم إما وجدانا لو كان الموجود هو الفرد القصير ، وإما تعبدا لو كان هو الفرد الطويل ؛ لكون الأصل عدم حدوثه ، وعلى كلا التقديرين لا مجال لجريان الأصل في الكلي لانتفاء الشك فيه. هذا تمام الكلام في توضيح الإشكال الأول.

والإشكال الثاني : ما أشار إليه بقوله : «وتوهم كون الشك في بقاء الكلي الذي في

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ضمن ذاك المردد مسببا عن الشك ...» الخ. ومحصله : أن استصحاب الكلي وإن كان في حد نفسه جاريا لتمامية موضوعه من اليقين والشك ؛ إلّا إنه محكوم بأصل سببي ؛ لأن الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل ، فأصالة عدم حدوث الفرد الطويل حاكمة على أصالة بقاء الكلي لحكومة الأصل السببي على الأصل المسببي ، ففي المثال المذكور : يكون الشك في بقاء الحدث مسببا عن الشك في حدوث الجنابة ، فتجري أصالة عدم حدوث الجنابة ، وبانضمام هذا الأصل إلى الوجدان يحكم بارتفاع الحدث ، فإن الحدث الأصغر مرتفع بالوجدان ، والحدث الأكبر منفي بالأصل. هذا تمام الكلام في توضيح الإشكال الثاني.

وقد أجاب المصنف عن كلا الإشكالين ، وقد أشار إلى دفع الإشكال الأول بقوله : «غير ضائر» وحاصله : أن اختلال ركني الاستصحاب بالتقريب المذكور في الإشكال إنما يقدح في استصحاب الفرد من حيث كونه ذا مشخصات فردية ، ولا يقدح في استصحاب الكلي لاجتماع أركانه فيه عرفا من اليقين والشك أي : اليقين بوجود الكلي والشك في بقائه ؛ ولو لأجل الشك في سنخ الفرد ، فإنه لا يضر بوحدة القضية المتيقنة والمشكوكة التي يدور عليهما رحى الاستصحاب ، فإنه يصح أن يقال : علم بوجود الكلي كمطلق الحدث وشك في بقائه ؛ وإن كان الشك في البقاء ناشئا عن احتمال حدوث الفرد الطويل كحدث الجنابة.

وقد أجاب المصنف عن الإشكال الثاني بوجوه :

الوجه الأول : منع السببية التي تكون مانعة عن جريان الاستصحاب في المسبب ، ويكون التوهم مبنيا عليها.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن المناط في الأصل السببي والمسببي هو تعدد الحادثين في الخارج ، وكان الشك في حدوث أحدهما مسببا عن الشك في حدوث الآخر ؛ كطهارة اليد التي غسلها بماء مشكوك الكرية مسبوقا بكونه كرّا ، فإن وجود الطهارة وعدمها منوط بالكرية وعدمها ، فاستصحاب الكرية سببي ، واستصحاب طهارة اليد بعد غسلها بما هو مشكوك الكرية مسببي ، فبعد جريان استصحاب الكرية لا يجري استصحاب الطهارة ؛ لانتفاء الشك فيها بعد استصحاب الكرية.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، فإن الشك في بقاء الكلي مسبب عن كون الحادث هو الفرد الطويل ، والشك في ارتفاعه مسبب عن

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كون الحادث هو الفرد القصير.

ومن المعلوم : أنه لا أصل يعيّن الفرد الحادث وأنه طويل أو قصير حتى يكون ذلك الأصل سببا ، واستصحاب الكلي مسببا ، فليس هناك أصل سببي ومسببي في البين أصلا ؛ لعدم كون بقاء الكلي وارتفاعه من لوازم حدوث الفرد الطويل وعدم حدوثه ؛ بل كل من بقاء الكلي وارتفاعه يترتب على أحد أمرين ، بمعنى : أن ارتفاع الكلي من لوازم كون الحادث المتيقن هو الفرد القصير ، وبقاءه من لوازم كون الحادث المتيقن هو الفرد الطويل.

الوجه الثاني : أن بقاء الكلي ليس مسببا عن بقاء الفرد الطويل حتى يكون من باب السببي والمسببي ؛ بل بقاء الكلي بعين بقاء الفرد الطويل لا من لوازمه ؛ لأن وجود الكلي بعين وجود أفراده ، وليس له وجود منحاز عن وجود أفراده حتى يكون أحدهما سببا والآخر مسببا في جانب الوجود والعدم.

فالمتحصل : أن بقاء الكلي هو عين بقاء الفرد الطويل ، فإن الكلي عين الفرد لا أنه من لوازمه ، فلا تكون هناك سببية ومسببية.

الوجه الثالث : أنه لو سلم كون بقاء الكلي مسببا عن حدوث الفرد الطويل ، فلا ينفع في الحكومة المدعاة ؛ إذ الحكومة تتوقف على أن يكون اللزوم والسببية شرعية ناشئة من جعل الشارع أحد الأمرين أثرا للآخر وحكما له.

ومن الواضح : أن الملازمة بين بقاء الكلي وبين حدوث الفرد الطويل لو سلمت فهي عقلية لا شرعية ، فلا تصحح دعوى الحكومة.

هذا تمام الكلام في القسم الأول والثاني من استصحاب الكلي.

أما الكلام في استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي هو : ما إذا علم بوجود الكلي في ضمن فرد معين ، ثم علم بزوال ذلك الفرد وشك في بقاء الكلي لاحتمال حدوث فرد آخر مقارن لزوال الفرد الأول ، نظير ما لو علم بوجود الإنسان في الدار لوجود زيد فيها ، ثم علم بخروج زيد من الدار واحتمل دخول عمرو فيها مقارنا لخروج زيد.

وهذا لا يمكن أن يكون مجرى الاستصحاب ؛ لأن الوجود المتيقن للكلي قد علم بارتفاعه ، والمشكوك وهو وجود آخر غير الوجود الأول المتيقن ؛ لأن وجود الكلي يتعدد بتعدد أفراده ، فالشك في الحقيقة ليس شكا في بقاء ما هو المتيقن ؛ بل في الحدوث ،

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله غير مجرى للاستصحاب. وهذا ما هو مختار المصنف «قدس‌سره» حيث قال : «أظهره عدم جريانه».

وتوضيح هذا القسم وما فيه من الأقوال يتوقف على مقدمة وهي : بيان ما يتصور فيه من وجوه واحتمالات :

الاحتمال الأول : أن يكون الفرد الآخر موجودا من الأول مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، كما إذا علم بوجود زيد في الدار يوم الجمعة وعلم بخروجه عنها يوم السبت مثلا. واحتمل وجود عمرو في الدار حال وجود زيد فيها من الأول ، فيحتمل بقاء الإنسان فيها بوجود عمرو بعد خروج زيد عنها.

الاحتمال الثاني : أن لا يكون الفرد الآخر موجودا من الأول مع الفرد المعلوم ؛ بل احتمل حدوثه بعده.

ثم هذا القسم يكون على قسمين :

أحدهما : أن يكون الفرد الآخر المحتمل بقاؤه فردا مباينا في الوجود مع الفرد المعلوم وإن اشتركا في النوع ؛ كبقاء الإنسان في ضمن عمرو الذي دخل في الدار مقارنا لخروج زيد عنها.

ثانيهما : أن يكون الفرد الآخر من مراتب الموجود السابق كالسواد الضعيف المحتمل قيامه مقام السواد الشديد.

فالاحتمالات المتصورة في القسم الثالث بحسب الحقيقة هي ثلاثة ، وقد أشار المصنف إليها.

إذا عرفت هذه المقدمة ففي استصحاب القسم الثالث من الكلي وجوه وأقوال :

١ ـ جريان الاستصحاب مطلقا.

٢ ـ عدم جريانه كذلك كما هو مختار المصنف.

٣ ـ التفصيل بين القسم الأول فيجري فيه الاستصحاب ، وبين القسمين الأخيرين فلا يجري فيهما كما هو مختار الشيخ «قدس‌سره».

وجه القول الأول : تمامية أركان الاستصحاب من اليقين والشك بالنسبة إلى الكلي.

فحاصل الكلام : أن الوجه في جريان الاستصحاب مطلقا هو وجود مناط الاستصحاب في جميع الأقسام المذكورة ؛ لأن المناط في جريان الاستصحاب هو كون شيء متيقن الوجود في السابق ومشكوك البقاء في اللاحق ، وهذا المعنى متحقق بالنسبة

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى وجود الكلي بنفسه ، مع قطع النظر عن وجود الفرد ؛ إذ من المعلوم : أن وجود الكلي بنفسه كان متيقنا سابقا ولم يعلم ارتفاعه ، فلا بد من البناء عليه ، وتعدد الوجودات لا ينافي صدق البناء عليه ؛ وإن كان منافيا بالنسبة إلى الفرد.

وبالجملة : أن أركان الاستصحاب حاصلة بالنسبة إلى نفس الكلي ؛ لأنا نعلم بالوجدان بوجود الكلي سابقا ، ونشك في بقائه لاحقا.

وإن لم تكن الأركان حاصلة بالنسبة إلى كل واحد من الفردين ؛ لأنه قد علم بارتفاع بعض وجوداته وشك في حدوث ما عداه ؛ إلّا إن عدم حصول الأركان بالنسبة إلى الأفراد مانع من إجراء الاستصحاب في الأفراد دون الكلي كما تقدم نظيره في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه القول الأول وهو جريان الاستصحاب في القسم الثالث مطلقا.

ويرد عليه بما حاصله : من أن الوجود المتيقن للكلي قد علم بارتفاعه والمشكوك هو وجود آخر غير الوجود الأول المتيقن ؛ لأن وجود الكلي يتعدد بتعدد أفراده ، فالشك في الحقيقة ليس شكا في بقاء ما هو المتيقن ؛ بل في الحدوث ، ومثله غير مجرى الاستصحاب.

فالمتحصل : أنه يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون الشك في بقاء ما علم حدوثه ؛ بأن يكون وجوده البقائي عين وجوده الحدوثي ، من دون تفاوت بينهما إلّا في الزمان.

ومن المعلوم : أن الكلي لا وجود له إلّا بوجود فرده ، فإذا علم بوجوده في ضمن فرد ، وعلم بارتفاع ذلك الفرد فقد علم لا محالة بارتفاع الكلي أيضا ، فلا يجري الاستصحاب أصلا ؛ لأن العلم بوجود الكلي في فرد معين يوجب العلم بوجود الكلي المتخصص بخصوصية هذا الفرد.

وأما وجود الكلي المتخصص بخصوصية فرد آخر ، فلم يكن معلوما لنا ، فما هو المعلوم لنا قد ارتفع يقينا ، وما هو محتمل البقاء لم يكن معلوما لنا ، فلا يكون الشك متعلقا ببقاء ما تعلق به اليقين ، فلا يجري فيه الاستصحاب. هذا غاية ما يمكن أن يقال في الجواب عن القول الأول.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما وجه القول بالتفصيل الذي اختاره الشيخ «قدس‌سره» : فهو أن وجود الكلي في القسم الأول ـ على تقدير ثبوته في الزمان اللاحق ـ هو عين وجوده في السابق ، وذلك لأن الكلي في هذا القسم مردد من الأول بين حصوله في ضمن فرد فقط كالإنسان في زيد ، وبين حصوله في ضمن فردين كحصول الإنسان في ضمن زيد وعمرو ، وعلى الثاني : يستعد الإنسان للبقاء بعد موت زيد ثم الباقي على فرض البقاء هو عين الموجود سابقا ، فيصدق في هذا القسم بقاء ما هو الموجود سابقا وهو معنى الاستصحاب.

هذا بخلاف القسمين الأخيرين ، حيث يعلم فيهما ارتفاع الوجود الأول المتيقن ، وإنما الشك في قيام وجود آخر مقامه ، فلا يصدق فيهما بقاء ما هو الموجود سابقا كي يكون مجرى الاستصحاب.

وخلاصة وجه التفصيل بين القسم الأول وبين القسمين الأخيرين من القسم الثالث :

أنه في القسم الأول يحتمل أن يكون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا ؛ بخلاف القسمين الأخيرين ، فلا يحتمل فيهما ذلك ، فيجري الاستصحاب في الأول دون الأخيرين.

ويكفي في رد هذا التفصيل : ما أفاده المصنف من عدم جريان الاستصحاب في شيء من الأقسام الثلاثة في القسم الثالث.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده ولكن وجوده في ضمن فرد غير وجوده في ضمن فرد آخر.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه إذا علمنا بارتفاع الفرد الأول فقد علمنا بارتفاع الطبيعي الذي كان متحققا في ضمنه ، ومع القطع بارتفاعه كيف يستصحب وجوده في الآن اللاحق في ضمن الفرد الثاني ؛ لأن وجوده في الفرد الثاني لم يكن متيقنا من الأول ، فيختلف متعلق اليقين والشك ، إذ الحصة التي تحققت في ضمن هذا الفرد المحتمل بقاؤه غير الحصة المتحققة في ضمن ذلك الفرد المرتفع قطعا.

فالحق ما ذهب إليه المصنف من عدم جريان الاستصحاب مطلقا حيث قال : «أظهره عدم جريان».

وجه الظهور : أن مجرد بقاء الكلي في ضمن فرده مما لا يجدي في الاستصحاب ، وإنما المجدي هو احتمال بقاء عين ما تيقنا به سابقا في الآن اللاحق ، وهو مفقود في جميع أقسام القسم الثالث ؛ إذ ليس في هذا القسم احتمال بقاء عين ما تيقنا به أصلا.

٢٦٨

الأحكام (١) أو ما يشترك بين الاثنين منها (٢) أو الأزيد (٣) من أمر عام.

فإن كان (٤) الشك في بقاء ذاك العام من جهة الشك في بقاء الخاص الذي كان

______________________________________________________

هذا تمام الكلام في استصحاب الكلي.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) كوجوب صلاة الجمعة مثلا.

(٢) أي : من الأحكام مثل : الطلب الجامع بين الوجوب والندب مثلا ، وكالجواز المشترك بينهما وبين الإباحة والكراهة.

قوله : «ما» عطف على «خصوص» ، وهذا بيان للحكم الكلي ، والمعطوف عليه بيان للحكم الجزئي.

(٣) عطف على «الاثنين» ، وكلمة «من» بيان ل «ما» الموصول.

ومثال الأزيد من الاثنين : ما تقدم من الجواز الجامع بين ما عدا الحرمة من الأحكام الخمسة.

(٤) هذا شروع في بيان أقسام استصحاب الكلي وأحكامها ، وهذا هو القسم الأول من تلك الأقسام.

وتوضيحه : أن الشك في بقاء الكلي تارة : ينشأ من احتمال ارتفاع الفرد المعيّن الذي وجد الكلي في ضمنه ، كما إذا علم بوجوب صلاة الجمعة مثلا ، وشك في ارتفاعه زمان الغيبة ، فإن الشك في بقاء الطلب الجامع بين وجوب صلاة الجمعة وغيرها ناش من الشك في بقاء فرده المعلوم حدوثه وهو وجوب الجمعة.

وأخرى : ينشأ من تردد الفرد الذي وجد الكلي في ضمنه بين معلوم البقاء إن كان طويل العمر ، وبين معلوم الارتفاع إن كان قصير العمر ، كما إذا فرض أن الوجوب إن كان متعلقا بالجمعة فقد ارتفع بعد مضي ساعة من الزوال ، وإن كان متعلقا بالظهر فهو باق إلى غروب الشمس ، فالشك في بقاء طبيعي الوجوب ناش من تردد الوجوب الحادث بين ما هو معلوم البقاء وبين ما هو معلوم الزوال.

وثالثة : ينشأ من احتمال حدوث فرد آخر من أفراد الكلي مقارنا لوجود فرده الذي علم بحدوثه وارتفاعه ، أو مقارنا لارتفاعه فالشك في بقاء الكلي ناش عن احتمال حدوث فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثا وارتفاعا. ففي هذا القسم لا شك في ناحية الفرد المتيقن ، حيث إنه معلوم الحدوث والزوال ، فالشك في بقاء الكلي حينئذ ناش عن احتمال حدوث فرد آخر من أفراد الكلي.

٢٦٩

في ضمنه وارتفاعه (١) كان (٢) استصحابه كاستصحابه (٣) بلا كلام.

وإن كان (٤) الشك فيه من جهة تردد الخاص الذي في ضمنه بين ما هو باق أو مرتفع قطعا ، فكذا (٥) لا إشكال في استصحابه ، فيترتب عليه كافة ما يترتب عليه

______________________________________________________

(١) عطف على «بقاء الخاص» وضميرا «ضمنه ، ارتفاعه» راجعان إلى «الخاص» ، واسم «كان» ضمير مستتر فيه راجع إلى «العام».

(٢) جزاء «فإن كان» ، وهذا إشارة إلى حكم القسم الأول وهو صحة جريان الاستصحاب في كل من الكلي والفرد ، فيصح استصحاب زيد وكلي الإنسان فيما إذا علم بوجود زيد وشك في بقائه إن كان لهما أثر مشترك كحرمة المسّ بالنسبة إلى كل من الحدث الأصغر والأكبر بناء على موضوعية كلي الحدث في الأدلة لأحكام شرعية ، وذلك لاجتماع ركني الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك في البقاء في كل من الفرد والكلي.

وإن كان لخصوصية الخاص أثر فجريان استصحاب الكلي لا يجدي في ترتيب ذلك الأثر ؛ لتوقفه على حجية الأصل المثبت ؛ لكون بقاء الفرد لازما عقليا لبقاء الكلي.

ومن المعلوم : قصور دليل الاستصحاب عن إثبات اللوازم العقلية والعادية للمستصحب. وعليه : فلا بد من إجراء الاستصحاب في الفرد لترتيب أثر نفسه.

(٣) أي : كاستصحاب الخاص. وضمير «استصحابه» راجع إلى «العام».

وبالجملة : ففي القسم الأول يجري استصحاب الكلي عند الشيخ والمصنف «قدس‌سرهما» بلا إشكال.

(٤) هذا إشارة إلى القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي وتقدم توضيحه.

وضمير «فيه» راجع إلى «بقاء ذاك العام» يعني : وإن كان الشك في بقاء العام من جهة تردد الخاص ـ الذي يكون العام في ضمنه ـ بين الخاص الذي هو باق قطعا إن كان طويل العمر ، وبين الخاص الذي هو مرتفع قطعا إن كان قصير العمر ، فلا إشكال أيضا في استصحاب العام.

وقوله : «قطعا» قيد لكل من «باق ، أو مرتفع».

(٥) هذا جزاء «وإن كان» وهو إشارة إلى حكم القسم الثاني.

ومحصله : أنه لا إشكال في جريان استصحاب الكلي فيه كجريانه في القسم الأول ، فيترتب على استصحاب الكلي جميع الأحكام المترتبة عليه. وضمائر «استصحابه ، عليه» في الموضعين راجعة إلى «العام».

٢٧٠

عقلا أو شرعا (١) من (٢) أحكامه ولوازمه. وتردد (٣) ذاك الخاص الذي يكون الكلي موجودا في ضمنه (٤) ـ ويكون وجوده (٥) بعين وجوده ـ بين متيقن الارتفاع ومشكوك الحدوث المحكوم (٦) بعدم حدوثه غير ضائر (٧) باستصحاب الكلي المتحقق في ضمنه ، مع (٨) عدم إخلاله باليقين والشك في حدوثه وبقائه ، وإنما كان التردد بين الفردين

______________________________________________________

(١) الأول كوجوب الإطاعة المترتب على كلي الوجوب المتعلق بصلاة الجمعة أو الظهر ، فإنه يترتب على استصحاب كلي الوجوب بعد مضي وقت الجمعة وجوب الإطاعة عقلا بفعل الظهر ، والثاني : كوجوب المقدمة وحرمة الضد بناء على اقتضاء الوجوب النفسي لهما وكونهما شرعيين ، وكاستصحاب كلي الحدث المترتب عليه حرمة المسّ.

(٢) بيان ل «ما» الموصول ، وضميرا «أحكامه ، لوازمه» راجعان إلى «العام».

(٣) هذا شروع في بيان بعض الإشكالات الواردة على جريان الاستصحاب في القسم الثاني ، وقد تقدم توضيح هذا الإشكال فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار ؛ لأن الإعادة والتكرار ينافي الاختصار المقصود من هذا الشرح.

(٤) أي : في ضمن وجود الخاص.

(٥) أي : وجود الكلي بعين وجود الخاص ، و «بين» متعلق ب «تردد».

(٦) صفة ل «مشكوك الحدوث» يعني : أن الفرد الطويل العمر المفروض كونه مشكوك الحدوث يجري فيه استصحاب العدم ، والفرد القصير على تقدير حدوثه معلوم الارتفاع ، فلا وجه لجريان استصحاب الكلي مع كون منشئه وهو الفرد معدوما وجدانا أو تعبدا ، ووضوح : أنه لا وجود للكلي إلّا بوجود فرده. هذا حاصل إشكال جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي.

(٧) خبر «وتردد» ودفع للإشكال ، وقد تقدم توضيح دفع الإشكال فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار رعاية للاختصار.

(٨) متعلق ب «ضائر». وضمير «ضمنه» راجع إلى «الخاص» ، وضمير «إخلاله» إلى «تردد» ، وضميرا «حدوثه ، بقائه» راجعان إلى الكلي ، يعني : أن تردد ذلك الخاص ... غير ضائر باستصحاب الكلي المتحقق في ضمن ذلك الخاص ؛ لعدم إخلال ذلك التردد باليقين والشك في حدوث الكلي وبقائه ، فيجري الاستصحاب في الكلي ، ويترتب عليه أثره ؛ لاجتماع أركانه ، فإذا علم بحدث مردد بين الأكبر والأصغر وتوضأ ، ثم شك في بقاء الحدث لاحتمال كونه أكبر لا يرتفع إلّا بالغسل استصحب كلي الحدث بناء على

٢٧١

ضائرا باستصحاب أحد الخاصين اللذين كان أمره مرددا بينهما ؛ لإخلاله (١) باليقين الذي هو أحد ركني الاستصحاب كما لا يخفى.

نعم (٢) ؛ يجب رعاية التكاليف المعلومة إجمالا المترتبة على الخاصين فيما علم تكليف في البين.

وتوهم (٣) : كون الشك في بقاء الكلي الذي في ضمن ذاك المردد مسببا عن

______________________________________________________

كون طبيعي الحدث موضوعا للحكم ، ورتب عليه آثاره من حرمة مسّ كتابة القرآن والدخول في الصلاة وغيرها مما يشترط فيه الطهارة.

نعم ؛ لا يجري الاستصحاب في الفرد ؛ لأنه على تقدير لا يقين بالحدوث ، وعلى تقدير آخر لا شك في البقاء ، فينهدم أحد ركني الاستصحاب على سبيل منع الخلو.

(١) أي : لإخلال التردد ، وهذا تعليل لكون التردد ضائرا باستصحاب أحد الفردين اللذين كان أمر الكلي دائرا بينهما.

ومحصل التعليل : أن تردد الفرد بين مقطوع البقاء ومعلوم الارتفاع يمنع عن حصول اليقين الذي هو أول ركني الاستصحاب ، خصوصا مع كون الفرد الطويل العمر محكوما بالعدم للاستصحاب.

وبالجملة : فالتردد قادح في استصحاب الفرد دون الكلي. وضمير «أمره» راجع إلى «الكلي» ، وضمير «بينهما» إلى «الخاصين».

(٢) استدراك على كون التردد ضائرا بجريان استصحاب أحد الخاصين ومحصله : أن الاستصحاب وإن لم يجر في شيء من الخاصين حتى يثبت به الحكم المختص به ؛ لكنه إذا كان لهما أثر شرعي ، فلا بد من ترتيبه ؛ للعلم الإجمالي بوجوده الموجب لتنجزه ، فالرطوبة المرددة بين البول والمني مع عدم العلم بالحالة السابقة أو العلم بكونها هي الطهارة توجب الجمع بين الوضوء والغسل ؛ للعلم الإجمالي بخطاب مردد بينهما. وكذا يجب ترتيب سائر الآثار المختصة بكل منهما كغسلها مرتين ؛ لاحتمال كونها بولا وعدم اللبث في المساجد ، وعدم قراءة العزائم وغيرهما من أحكام الجنب ؛ لاحتمال كونها منيا. وبالجملة : فالعلم الإجمالي بثبوت حكم لكل واحد من الخاصين ـ مع عدم ما يصلح لتعيين أحدهما من أصل جار في نفسهما ، ولا في الكلي حتى يغني عنهما لكونه مثبتا ـ يوجب الاحتياط بترتيب أثر كل واحد من الخاصين.

(٣) هذا إشكال آخر على جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني ، وحاصله : أن استصحاب الكلي هنا محكوم بالاستصحاب السببي ، ومن المقرر في محله : عدم جريان الأصل المسببي مع وجود الأصل السببي ، وقد تقدم توضيحه فراجع.

٢٧٢

الشك في حدوثه الخاص المشكوك حدوثه (١) المحكوم بعدم الحدوث بأصالة عدمه (٢) ؛ فاسد (٣) قطعا ؛ لعدم (٤) كون بقائه وارتفاعه من لوازم حدوثه وعدم حدوثه ؛ بل من لوازم كون الحادث المتيقن ذلك المتيقن الارتفاع أو البقاء.

مع (٥) أن بقاء القدر المشترك إنما هو بعين بقاء الخاص الذي في ضمنه لا أنه من لوازمه.

______________________________________________________

والفرق بين هذا الإشكال والإشكال السابق هو : أن ملاك السابق اختلال ركني الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك في البقاء ؛ لأجل تردد الحادث بين معلوم البقاء ومعلوم الارتفاع.

وملاك هذا الإشكال عدم جريان استصحاب الكلي ، لحكومة الأصل الجاري في حدوث الفرد عليه كسائر موارد تقدم الأصل السببي على المسببي.

(١) المفروض كونه طويل العمر ، ومنشأ للشك في بقاء الكلي. وضمير «حدوثه» راجع إلى «الخاص».

(٢) أي : استصحاب عدمه لاجتماع ركنيه من اليقين والشك و «المحكوم» صفة ل «الخاص» ، وضمير «عدمه» راجع إلى «الحدوث».

(٣) خبر «توهم» ، وقد دفع المصنف هذا التوهم بوجوه ثلاثة ، وقد تقدم ذكر هذه الوجوه فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار حفاظا على الاختصار.

(٤) تعليل للفساد ، وإشارة إلى الجواب الأول ، وحاصله : ما عرفت من منع السببية حيث إن بقاء الكلي وارتفاعه ليس مستندا إلى وجود حادث معين حتى يتوقف بقاؤه وارتفاعه على حدوثه ، وعدم حدوثه كي يجري الاستصحاب في عدمه ، ويحكم بعدم الكلي ، ولا يجري استصحاب وجود الكلي في ضمن ما هو مقطوع البقاء على تقدير حدوثه أو في ضمن ما هو مقطوع الارتفاع على فرض حدوثه ، ومع العلم الإجمالي بوجود أحد هذين الحادثين وعدم اعتبار الاستصحاب فيهما للمعارضة لا محيص عن جريان الأصل في نفس المسبب وهو الكلي ، فيستصحب بلا مانع ، وضميرا «بقائه ، ارتفاعه» راجعان إلى «الكلي» ، وضميرا «حدوثه» في كلا الموضعين راجع إلى «الخاص».

(٥) هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة التي دفع بها التوهم المزبور ، وهذا الوجه أيضا يرجع إلى منع السببية ببيان آخر وهو : أن السببية الموجبة لتقدم الأصل السببي على الأصل المسببي إنما تكون بين الملزوم ولازمه ، فتعدد اللازم والملزوم في الشك السببي والمسببي كما هو مبني التوهم المزبور مما لا بد منه.

٢٧٣

على أنه (١) لو سلم أنه من لوازم حدوث المشكوك فلا شبهة في كون اللزوم

______________________________________________________

وهذا مفقود في المقام لعدم مغايرة وجود الفرد حتى يكون استصحابه مغنيا عن استصحاب الكلي ؛ بل الكلي موجود بعين وجود الفرد. فملاك هذا الجواب عدم تعدد السبب والمسبب وجودا في المقام حتى يندرج في ضابط الشك السببي والمسببي ، كما أن ملاك الجواب المتقدم عدم جريان الأصل السببي ؛ للتعارض الموجب لجريان الأصل في المسبب. وضمير «ضمنه» راجع إلى «الخاص» يعني : الخاص الذي يكون الكلي في ضمنه ، فحذف الضمير العائد إلى الموصول ، والعبارة هكذا «الذي هو في ضمنه».

وبالجملة : فبقاء الكلي عين بقاء الفرد الطويل العمر ، لا أنه لازمه حتى يتطرق فيه قاعدة الشك السببي والمسببي ، كما أشار إليه بقوله : «لا أنه من لوازمه» يعني : لا أن بقاء القدر المشترك من لوازم الخاص الطويل العمر حتى يندرج في كبرى الشك السببي والمسببي ، فضمير «أنه» راجع إلى «القدر المشترك» ، وضمير «لوازمه» راجع إلى «الخاص».

(١) الضمير للشأن ، هذا ثالث وجوه دفع التوهم المزبور ، ومرجع هذا الوجه إلى تسليم كون الكلي من لوازم وجود الخاص المشكوك الحدوث وأنه من صغريات الشك السببي والمسببي ، والغض عن أن وجود الكلي عين وجود الفرد ؛ إلّا إنه مع ذلك لا يجري هنا الأصل في السبب حتى يغني عن جريانه في المسبب وهو الكلي ، لفقدان شرطه وهو كون المسبب من لوازم السبب شرعا كالمثال المعروف وهو طهارة الثوب المتنجس المغسول بماء مستصحب الطهارة ، فإن طهارة الثوب حينئذ من آثار طهارة الماء شرعا ، فإن الترتب هنا ليس شرعيا ، حيث إن وجود الكلي من لوازم وجود الفرد عقلا لا شرعا ، ولا محيص في إغناء الأصل السببي عن الأصل المسببي عن كون اللزوم شرعيا.

وعليه : فلا يغني جريان الأصل في الحادث الطويل العمر عن جريانه في الكلي.

ولا يخفى : أن الترتب الطبيعي يقتضي تقديم الجواب الثاني على الجوابين الآخرين ، بأن يقال : «فيه أولا : عدم الترتب والتعدد بين وجود الكلي والفرد حتى يندرج تحت ضابط السبب والمسبب.

وثانيا : بعد تسليم الترتب وعدم العينية يتعارض الأصلان في الحادثين ويسقطان ، فيجري الأصل في المسبب وهو الكلي.

وثالثا : بعد الغض عن التعارض لا يجري الأصل في حدوث الحادث الطويل العمر ؛ لفقدان شرطه وهو كون المسبب شرعيا ؛ إذ اللزوم هنا عقلي».

قوله : «لو سلم أنه» يعني : لو سلم أن القدر المشترك من لوازم حدوث الخاص

٢٧٤

عقليا ، ولا يكاد يترتب بأصالة عدم الحدوث إلّا ما هو من لوازمه شرعا (١).

وأما (٢) إذا كان الشك في بقائه ، من جهة الشك في قيام خاص آخر في مقام ذاك الخاص الذي كان في ضمنه بعد القطع بارتفاعه (٣) ، ففي (٤) استصحابه إشكال (٥) أظهره عدم جريانه.

______________________________________________________

المشكوك الحدوث حتى يكون من صغريات قاعدة الشك السببي والمسببي ليجري الأصل في الفرد دون الكلي ، وأغمض عن الجواب الثاني ، وهو دعوى العينية على التفصيل الذي عرفته آنفا. فلا يجدي أيضا ؛ لفقدان الشرط وهو كون اللزوم شرعيا ، حيث إن عدم الكلي من لوازم عدم الفرد عقلا لا شرعا ، فإجراء الأصل في الفرد لا يمنع إجراءه في الكلي. وضمير «أنه» راجع إلى «القدر المشترك».

(١) يعني : أن شرط جريان الأصل في السبب ـ وهو كون المسبب من أحكام السبب شرعا كمثال غسل الثوب المتنجس بماء محكوم بالطهارة شرعا ـ مفقود هنا ؛ لما مر آنفا من أن ترتب الكلي على الفرد عقلي لا شرعي ، فمجرد تسليم اللزوم بين الكلي والفرد وإنكار العينية لا يمنع عن جريان الأصل في الكلي ، وضمير «هو» راجع إلى حدوث المشكوك. وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(٢) معطوف على قوله : «فإن كان الشك في بقاء ذاك العام». ومقتضى السياق إبدال «وأما إذا» ب «وإن كان ...» الخ.

وكيف كان ؛ فقد أشار بهذه العبارة إلى ثالث أقسام استصحاب الكلي ، وهو أن يكون الشك في بقاء الكلي ناشئا من احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم الحدوث والارتفاع وهو على ثلاثة أقسام ، وقد تقدم توضيح الكلام في أقسام هذا القسم وما فيه من الأقوال مع بيان وجه كل قول من تلك الأقوال ، فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار حفاظا على الاختصار.

(٣) هذا الضمير وضمير «ضمنه» راجعان إلى «ذاك الخاص» ، وضميرا «بقائه» والمستتر في «كان» راجعان إلى الكلي.

(٤) جواب «وأما» ، وضمير «استصحابه» راجع إلى الكلي.

(٥) ناش من صدق الشك في بقاء الكلي وإن لم يصدق ذلك بالنسبة إلى الفرد ؛ لرجوع الشك فيه إلى الحدوث دون البقاء ، فيجري فيه استصحاب الكلي ، لاجتماع ركنيه وهما اليقين بالحدوث والشك في البقاء. ومن عدم صدق الشك في البقاء حقيقة ، ضرورة : أنه يعتبر في صدقه أن يكون الموجود بقاء عين الموجود حدوثا مع اختلافهما

٢٧٥

فإن (١) وجود الطبيعي وإن كان بوجود فرده ، إلّا إن وجوده في ضمن المتعدد من أفراده ليس من نحو وجود واحد له (٢) ؛ بل متعدد حسب تعددها ، فلو قطع بارتفاع ما علم وجوده منها (٣) لقطع بارتفاع وجوده منها وإن (٤) شك في وجود فرد آخر مقارن (٥) لوجود ذاك الفرد أو لارتفاعه (٦) بنفسه (٧) ...

______________________________________________________

زمانا فقط ، كعدالة زيد المعلومة يوم الجمعة المشكوكة يوم السبت ، ومن المعلوم : انتفاء هذا الشرط في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي ، ضرورة : أن وجوده المتحقق في ضمن الفرد المعلوم حدوثه مقطوع الارتفاع ، ووجوده في ضمن فرد آخر مشكوك الحدوث ، فاليقين تعلق بوجود ليس مشكوك البقاء ، والشك تعلق بوجود ليس معلوم الحدوث ، فأركان الاستصحاب مختلة ، فلا يجري الاستصحاب.

وهذا الوجه هو الذي جعله المصنف أظهر وجهي الإشكال فقال : «أظهره عدم جريانه» أي الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي.

فقوله : «أظهره عدم جريانه» تعريض بما قوّاه الشيخ «قدس‌سره» من جريان الاستصحاب في القسم الأول من أقسام القسم الثالث ، وقد تقدم وجه ما أفاده الشيخ من التفصيل مع الجواب عنه فراجع.

(١) هذا إشارة إلى وجه ما اختاره المصنف من عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام الكلي مطلقا.

وقد تقدم توضيح وجه ما اختاره المصنف من عدم جريان الاستصحاب في جميع أقسام القسم الثالث من أقسام الكلي ، فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار رعاية للاختصار.

(٢) أي : للطبيعي حتى يجري الاستصحاب باعتبار هذا الوجود الواحد ؛ بل يتعدد وجود الطبيعي بتعدد وجود أفراده. وقوله : «بل متعدد» معطوف على «ليس».

(٣) أي : من الأفراد ، وضمير «وجوده» الثاني راجع إلى «الطبيعي» ، وضمير «وجوده» الأول راجع إلى «ما» الموصول ، و «منها» مبيّن للموصول ، وضميره راجع إلى «أفراده».

(٤) وصلية ، وغرضه : بيان أن الشك في وجود فرد آخر من الكلي مع القطع بارتفاع الفرد الأول ليس شكا في بقاء الكلي حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ بل هو شك في الحدوث والأصل عدمه.

(٥) هذا إشارة إلى القسم الأول من أقسام القسم الثالث من استصحاب الكلي.

(٦) معطوف على «لوجود» وهذا إشارة إلى القسم الثاني من تلك الأقسام.

(٧) متعلق بقوله : «وجود فرد آخر».

٢٧٦

أو بملاكه (١) ؛ كما إذا شك في الاستحباب (٢) بعد القطع بارتفاع الإيجاب بملاك (٣) مقارن أو حادث.

______________________________________________________

(١) معطوف على «بنفسه» يعني : وإن شك في وجود فرد آخر مقارن لوجود الفرد المعلوم الحدوث والزوال ، أو مقارن لارتفاع ذلك المعلوم الارتفاع ، سواء كان المشكوك الحدوث نفس وجود الفرد فقط مع العلم بملاكه ، أم هو مع ملاكه.

فيظهر من العبارة صور ثلاث :

إحداها : احتمال وجود الفرد الآخر مقارنا لوجود الفرد المعلوم الارتفاع ، وفي هذه الصورة يتعلق الشك بنفس الفرد فقط دون ملاكه ؛ إذ لا يتصور وجود الفرد كالاستحباب مثلا بدون ملاك.

ثانيتها : احتمال وجوده مقارنا لارتفاع المعلوم الزوال ، وهذا يتصور على وجهين :

أحدهما : كون المشكوك فيه وجود الفرد فقط للعلم بملاكه ذاتا لا حدا في ضمن ملاك الفرد المرتفع.

ثانيهما : كون المشكوك فيه كلا من الفرد وملاكه ، بأن يكون ملاكه حادثا معه ، فالشك في وجود فرد آخر مقارن لارتفاع ذلك الفرد ينقسم إلى هذين القسمين.

وقد ظهر مما ذكرنا : أن الباء في «بملاكه» بمعنى «مع» ، فكأن العبارة هكذا : «وإن شك في وجود فرد آخر ... بنفسه أو مع ملاكه». فقوله : «بنفسه أو بملاكه» إشارة إلى القسم الثاني ـ وهو الشك في حدوث فرد آخر مقارن لارتفاع الفرد المعلوم الحدوث ـ ينقسم على قسمين :

أحدهما : أن يكون الشك في نفسه دون ملاكه كما إذا علم بوجوده بنحو الاندكاك في ملاك الفرد المعلوم الزوال.

والآخر : أن يكون الشك في حدوث كل من الفرد وملاكه حين ارتفاع الفرد المعلوم.

(٢) هذا مقال للقسم الثاني وهو ما إذا كان الشك في حدوث الفرد مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم ؛ إذ المفروض : حصول الشك في حدوث الاستحباب مقارنا للقطع بارتفاع الإيجاب.

(٣) متعلق ب «الاستحباب» يعني : كما إذا شك في الاستحباب بملاك مقارن لوجود الوجوب ، أو بملاك حادث مع حدوث الفرد ؛ بحيث يكون كل من الاستحباب وملاكه حادثا بعد ارتفاع الوجوب.

٢٧٧

لا يقال (١) : الأمر وإن كان كما ذكر إلّا إنه (٢) حيث كان التفاوت بين الإيجاب والاستحباب وهكذا (٣) ، بين الكراهة والحرمة ليس إلّا بشدة الطلب بينهما وضعفه (٤) ؛ كان (٥) تبدل أحدهما بالآخر مع عدم تخلل العدم غير موجب لتعدد

______________________________________________________

(١) غرض المستشكل : إيراد إشكال صغروي لا كبروي ، توضيحه : أن جريان استصحاب الكلي فيما إذا علم بارتفاع الفرد المعلوم الحدوث وشك في فرد آخر وإن كان صحيحا ؛ لعدم كون الشك في البقاء ، بل في الحدوث ، إلّا إن التمثيل له بالشك في حدوث الاستحباب بعد القطع بارتفاع الوجوب غير سديد ؛ لأن الاستحباب ليس وجودا مغايرا للوجوب حتى يكون الشك فيه شكا في وجود فرد آخر ، لا شكا في بقاء الوجود السابق ، حيث إن الوجوب والاستحباب نظير السواد من الأعراض الخارجية ، فكما لا يكون السواد الضعيف مغايرا للسواد الشديد ؛ بل يعدان موجودا واحدا لا يتفاوتان إلّا بالشدة والضعف ، فكذلك الوجوب والاستحباب ، فإنهما لا يتفاوتان إلّا بشدة الطلب وضعفه ، فإذا ارتفعت شدته وهي الوجوب تبقى مرتبته الضعيفة وهي الاستحباب ، فوجود الاستحباب بعد ارتفاع الوجوب ليس إلّا بقاء لوجود الجامع بينهما وهو الطلب ، فلا مانع من استصحابه.

وعليه : فالقسم الثالث وهو الشك في حدوث فرد مقارنا لارتفاع غيره وإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب فيه ؛ إلّا إنه إذا كان من قبيل الوجوب والاستحباب بأن كان المشكوك بقاء من مراتب المعلوم المرتفع صح استصحابه.

قوله : «كما ذكر» في وجه عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من مغايرة وجود الطبيعي في ضمن الفرد الزائل لوجوده في ضمن الفرد المشكوك الحدوث ، ومع هذه المغايرة لا يكون الشك في بقاء الوجود السابق حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ بل يكون الشك في حدوث وجود فرد آخر للطبيعي.

(٢) الضمير للشأن ، هذا بيان الإشكال الصغروي وهو المناقشة في المثال ، وقد تقدم تفصيله آنفا بقولنا : «إلّا إن التمثيل له بالشك في حدوث الاستحباب ...» الخ.

(٣) يعني : وهكذا كان التفاوت بين الكراهة والحرمة بشدة الكراهة في الحرمة وضعفها في الكراهة.

(٤) يعني : ضعف الطلب في الاستحباب وشدته في الوجوب. وضمير «بينهما» راجع إلى الإيجاب والاستحباب.

(٥) جواب «حيث» وغرضه من قوله : «مع عدم تخلل العدم» إثبات أن الشك في

٢٧٨

وجود الطبيعي بينهما ، لمساوقة (١) الاتصال مع الوحدة ، فالشك في التبدل حقيقة شك في بقاء الطلب (٢) وارتفاعه لا في حدوث وجود آخر.

فإنه يقال (٣) : الأمر وإن كان كذلك ، إلّا إن العرف حيث يرى الإيجاب

______________________________________________________

وجود المرتبة الضعيفة ليس شكا في وجود الطبيعة في ضمن فرد آخر مغاير لوجودها في ضمن الفرد المعلوم الارتفاع حتى يكون شكا في الحدوث ولا يجري فيه الاستصحاب.

بيانه : أن المرتبة الضعيفة متصلة بالمرتبة الشديدة ، والاتصال مساوق للوحدة كما ثبت في محله ، وتعدد وجود المرتبتين منوط بتخلل العدم بينهما ، ومع الاتصال المحقق للوحدة يكون الشك في وجود المرتبة الضعيفة شكا في بقاء ما علمنا به لا شكا في حدوث فرد آخر حتى لا يجري فيه الاستصحاب.

وضمير «أحدهما» راجع إلى «الإيجاب والحرمة» ، والمراد ب «الآخر» هو الاستحباب والكراهة.

(١) تعليل لعدم كون التبدل موجبا لتعدد وجود الطبيعي بين الإيجاب والاستحباب والحرمة والكراهة. وقد مر آنفا توضيحه بقولنا : بيانه : أن المرتبة الضعيفة متصلة بالمرتبة الشديدة.

(٢) أي : طبيعة الطلب التي كانت متيقنة ، لا أنه شك في حدوث طلب في ضمن فرد آخر ، هذا في الطلب الوجوبي المتبدل بطلب استحبابي ، وكذا طبيعة الكراهة في ضمن الحرمة المرتفعة مع الشك في تبدلها بالكراهة المصطلحة. وضمير «ارتفاعه» راجع على الطلب.

(٣) هذا دفع الإشكال ومحصله : أن الاستحباب وإن كان بحسب الدقة العقلية من مراتب الوجوب ، وكذا الكراهة بالنسبة إلى الحرمة ؛ لكن العرف يرى الإيجاب والاستحباب فردين متباينين لكلي الطلب ، نظير زيد وعمرو في كونهما فردين متباينين من أفراد كلي الإنسان ، وكذا الحرمة والكراهة ، ولذا اشتهر تضاد الأحكام الخمسة ، ولا يرى العرف الإيجاب والاستحباب فردا واحدا مختلفا بالشدة والضعف حتى يصح استصحابه عند الشك في بقاء الطلب مع القطع بارتفاع الإيجاب ، نظير استصحاب السواد عند العلم بارتفاع شدته والشك في بقاء مرتبته الضعيفة.

ولما كان المدار في وحدة القضيتين موضوعا ومحمولا في نظر العرف فلا يجري الاستصحاب في الطلب بعد ارتفاع الوجوب والشك في تبدله بالاستحباب.

نعم ؛ يجري في مثل السواد من الأعراض الخارجية إذا شك في تبدل مرتبته الشديدة

٢٧٩

والاستحباب المتبادلين فردين متباينين (١) لا واحدا مختلف الوصف في زمانين لم يكن (٢) مجال للاستصحاب ؛ لما (٣) مرت الإشارة إليه (٤) ويأتي (٥) من أن قضية إطلاق

______________________________________________________

بالضعيفة ، لوحدة القضيتين المتيقنة والمشكوكة فيه عرفا كوحدتهما عقلا.

والمشار إليه في قوله : «كذلك» هو كون التفاوت بين الإيجاب والاستحباب بشدة الطلب وضعفه ، وكذا الحرمة والكراهة ، ولازم ذلك : رجوع الشك في التبدل بالاستحباب إلى الشك في بقاء الطلب ، لا إلى الشك في حدوث فرد آخر حتى لا يجري فيه الاستصحاب ؛ لكنه بنظر العرف ليس كذلك ؛ لكون الإيجاب والاستحباب بنظره متباينين.

(١) يعني : فلا يجري الاستصحاب ، لانتفاء شرطه وهو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ؛ إذ المفروض : كون الوجوب والاستحباب عرفا فردين متباينين كتباين زيد وعمرو ، وعدم كون وجود أحدهما وجودا للآخر ، فالشك في تبدل الوجوب بالاستحباب ليس شكا في البقاء ؛ بل يكون شكا في حدوث فرد آخر ؛ لكون وصفي الوجوب والاستحباب من مقومات الطلب الموجبة لتعدد الموضوع المانع عن جريان الاستصحاب ، لا من الحالات المتبادلة التي لا تنثلم بها وحدة الموضوع كالفقر والغنى والصحة والمرض وأمثالها العارضة لزيد مثلا ، فإنه في جميع هذه العوارض لا يتعدد ؛ بل وحدته محفوظة فيها ، وهذا هو المراد بقوله : «لا واحد مختلف الوصف» لجريان الاستصحاب في هذا الواحد الشخصي.

(٢) جواب «حيث يرى» وقد مر توضيحه.

(٣) تعليل لعدم المجال لجريان الاستصحاب ، وحاصله : اعتبار وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة عرفا.

(٤) مرّ ذلك في أوائل الاستصحاب ، حيث قال : «وكيف كان ؛ فقد ظهر مما ذكرنا في تعريفه اعتبار أمرين في مورده ... ولا يكاد يكون الشك في البقاء إلّا مع اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة بحسب الموضوع والمحمول».

(٥) يعني : في الخاتمة وكلمة «من» بيان ل «ما» الموصول ، ومحصله : أن مقتضى إطلاق أخبار الاستصحاب لإلقائها إلى العرف أن المعيار في جريان الاستصحاب هو صدق إبقاء الحالة السابقة عرفا على العمل بها حال الشك ، وصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عنها ، وهذا الصدق العرفي يتوقف على وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة عندهم ؛ إذ مع تعدد القضية لا يصدق النقض والإبقاء حقيقة.

٢٨٠