دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

أصابه دم ونحوه ، وتفحص عنه ولم يظفر به وصلى ثم وجده.

فهذا السؤال سؤال عن حكم الظن بالنجاسة والصلاة معها ، وأجاب بوجوب تطهير الثوب للفريضة الآتية وعدم وجوب الإعادة. أما وجوب الغسل : فلأجل ما رأى فيه بعد الصلاة من النجاسة ، وأما عدم وجوب الإعادة : فلأجل استصحاب الطهارة ، وكفاية إحراز الطهارة الظاهرية في عدم وجوب الإعادة ، وهذا مبني على أن يكون المراد من الشك الشامل للظن المفروض في السؤال.

وتعجب زرارة من حكمه «عليه‌السلام» بعدم وجوب الإعادة مع اشتراك هذه الفروع الثلاثة في وقوع الصلاة في النجاسة ، ولذا سأل عن لم الحكم ، فأجابه «عليه‌السلام» ب : «لأنك كنت على يقين من طهارتك ، فشككت ، ولا ينبغي نقض اليقين بالطهارة بالشك في النجاسة».

الفرع الرابع : ما أشار إليه بقوله : «قلت : فإني قد علمت أنه قد أصابه» ، وهو سؤال عن كيفية تطهير الثوب عند العلم الإجمالي بنجاسته ، ولم يعلم موضعها تفصيلا وأراد الصلاة ، فأجاب «عليه‌السلام» بوجوب تطهير الناحية التي علم إجمالا بنجاستها حتى يحصل له اليقين بالطهارة ، فإذا علم بأن موضع النجاسة في طرف اليمين مثلا لم يحصل العلم بطهارته إلا بغسل تمام ذلك الطرف.

الفرع الخامس : ما أشار إليه بقوله : «قلت : فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه؟» ، وهو سؤال عن حكم ما إذا شك في نجاسة الثوب فهل يجب الفحص عنها للدخول في الصلاة أم يجوز الشروع فيها بدون الفحص. فهذا السؤال سؤال عن وجوب الفحص وعدمه مع الشك في الإصابة ، فأجاب «عليه‌السلام» بعدم وجوبه ؛ بل بعدم وجوب النظر.

وملخص الجواب : أنه ليس عليك تكليف بالفحص والنظر ؛ إلا أن تريد إذهاب الشك عن نفسك فلك النظر ، إلّا إنه لا يجب عليك السؤال. فالفحص حسن لإزالة الشك الذي وقع في نفسه ، وهذه الجملة دليل على عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية.

الفرع السادس : ما أشار إليه بقوله : «قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة» ، وهو سؤال عن حكم رؤية النجاسة أثناء الصلاة ، فهذا السؤال سؤال عن حكم رؤية النجاسة وهو في الصلاة.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجاب عنه «عليه‌السلام» : بنقض الصلاة وإعادتها إن كان شاكا في موضع النجاسة ، والبناء على ما أتى به وغسل الثوب وإتمام الصلاة إن لم يكن شاكا من أول الأمر.

وفي هذا الجواب احتمالان :

أحدهما : أن يكون المراد بقوله «عليه‌السلام» : «إذا شككت في موضع منه» الشك البدوي ، ومحصله : أنه إذا شككت في إصابة النجس لموضع من الثوب ورأيت النجاسة في الأثناء تعيد الصلاة. وعلى هذا : فالشك في الموضع كناية عن أصل إصابة النجاسة للثوب ، ويكون قوله «عليه‌السلام» : «وإن لم تشك» مفهوما له ، يعني : وأما إذا لم يكن لك شك ثم رأيته فلعله أصاب الثوب في الأثناء ، ويحكم بصحة ما مضى من الصلاة بمقتضى قاعدة عدم نقض اليقين بالشك ، وتغسل الثوب وتأتي بباقي العبادة مع فرض عدم تخلل المنافي.

ثانيهما : أن يكون الشك في الموضع كناية عن العلم الإجمالي بإصابة النجاسة للثوب ؛ لكنه يشك في موضع الإصابة وأنه في هذه الناحية أو في تلك ، والحكم بالإعادة حينئذ لأجل العلم بالنجاسة قبل الصلاة وعدم مشروعية دخوله فيها ، فتجب الإعادة سواء قلنا : بشرطية الطهارة الواقعية أو الإحرازية ، أم بمانعية النجاسة المعلومة ؛ لفرض فقدان الشرط أو اقتران الصلاة بالمانع.

ثم صرح «عليه‌السلام» بمفهوم الجملة الشرطية وقال : «وإن لم تشك» ، ومدلوله : «أنه إذا لم تعلم بالنجاسة ولم تشك في موضع من الثوب لا تعيد» ، وذلك للاستصحاب ؛ لأنه تيقن الطهارة قبل الصلاة ، وبعد رؤية النجاسة في الأثناء يشك في إصابتها الآن أو وجودها قبل الصلاة ؛ بحيث وقعت الأجزاء السابقة في النجس ، ومقتضى اليقين السابق والشك اللاحق : جريان استصحاب الطهارة المتيقنة قبل الصلاة ، وعليه : تطهير الثوب للأجزاء الباقية وإتمامها إذا لم يتخلل المنافي. هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

وأما الأمر الثاني ـ وهو ما يمكن الاستدلال به على حجية الاستصحاب ـ فهو موردان منها : الأول قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا».

الثاني : قوله «عليه‌السلام» في ذيل الرواية : «وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك».

وإذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية

١٦٢

رعاف (١) أو غيره (٢) أو شيء من المني ، فعلمت (٣) أثره إلى أن أصيب له الماء ، فحضرت الصلاة ، ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك (٤) ، قال : «تعيد الصلاة وتغسله» قلت (٥) : فإن لم أكن رأيت موضعه ، وعلمت أنه قد أصابه ، فطلبته ولم أقدر عليه ، فلما صليت وجدته ، قال «عليه‌السلام» : تغسله وتعيد (٦) ، قلت (٧) : فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا ،

______________________________________________________

الاستصحاب تام ؛ لأن الإمام «عليه‌السلام» كان في الجواب عن السؤال الثالث في مقام تعليل الحكم ـ بعدم وجوب الإعادة ـ بأمر ارتكازي لا بأمر تعبدي حتى يختص اعتبار الاستصحاب بمورد الرواية ، وعليه : فهذه الرواية دالة على اعتبار الاستصحاب مطلقا ، سواء كان الشك في المقتضي أم الرافع ، وسواء كان في الشبهات الحكمية الكلية أم الموضوعية ؛ لدلالتها على جعل الحكم الظاهري المماثل للمستصحب أو لحكمه ، فلا حاجة إلى الإعادة.

وكذلك يصح الاستدلال على حجية الاستصحاب بالمورد الثاني ؛ بل هذه الصحيحة أولى وأوضح دلالة من الصحيحة الأولى لاشتمالها على كلمة «لا ينبغي» ، والتصريح بالتعليل في قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين ...» الخ فالنتيجة هي : أن تكون كلمة «لا ينبغي» مع التعليل المذكور أظهر في الدلالة على كبرى كلية ارتكازية ، بعد كون «اللام» في «اليقين» بمعنى الجنس ، وهي عدم نقض مطلق اليقين بالشك.

بقي الكلام في توضيح بعض العبارات أو الكلمات.

(١) وهو بضم الراء : الدم الذي يخرج من الأنف يقال : رعف الرجل : إذا خرج الدم من أنفه كما في مجمع البحرين (١).

(٢) عطف على «رعاف» وشيء عطف على «دم».

(٣) بالتشديد ماض من باب التفعيل بمعنى جعلت له علامة ، أي : جعلت على أثره علامة ليعلم بها موضع النجاسة.

(٤) أي : بعد الصلاة.

(٥) هذا السؤال إشارة إلى الفرع الثاني الذي تقدم توضيحه.

(٦) هذان الموردان من أطراف العلم الإجمالي ، وهما خارجان عن محل الكلام. فإن وجوب الغسل وإعادة الصلاة فيهما بمقتضى العلم الإجمالي بوجود النجس في ثوبه.

(٧) هذا السؤال إشارة إلى الفرع الثالث الذي تقدم حكمه.

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ١٩٥ ـ رعف.

١٦٣

فصليت فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة قلت : لم ذلك (١)؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.

قلت (٢) : فإني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت (٣): فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن انظر فيه؟ قال : لا ، ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك. قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : تنقض الصلاة وتعيد ، إذا شككت في موضع منه ثم رأيته (٤) ، وإن لم تشك ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ، ثم بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» (*).

وقد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى (٥) : تقريب الاستدلال بقوله : «فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك» في كلا الموردين (٦) ، ولا نعيد.

______________________________________________________

(١) أي : لما ذا لا تجب إعادة الصلاة؟

(٢) إشارة إلى الفرع الرابع ، وقد عرفت حكمه.

(٣) هذا السؤال إشارة إلى الفرع الخامس الذي تقدم حكمه.

(٤) بحيث تعلم أن الذي رأيته في الصلاة هو ما شككت فيه قبلها.

(٥) أي : قد ظهر مما ذكرنا في الصحيحة الأولى : تقريب الاستدلال بالموردين من الصحيحة الثانية وهما ـ الفرع الثالث والسادس منها ـ على حجية الاستصحاب ، فكما أنه «عليه‌السلام» في الصحيحة الأولى قد علل عدم وجوب الوضوء باندراج اليقين والشك في المورد تحت القضية الكلية المرتكزة في أذهان العقلاء الغير المختصة بباب دون باب ، وهو مما يكشف عن إمضاء تلك القضية الكلية ، فكذلك في الصحيحة الثانية قد علل عدم وجوب إعادة الصلاة في الفقرة الثالثة والسادسة باندراج اليقين والشك في المورد تحت القضية الكلية المرتكزة ، وهو مما يكشف عن إمضائه لها ورضائه بها.

(٦) والمورد الأول هو السؤال الثالث أعني : الظن بإصابة النجاسة ، والثاني هو السؤال السادس أعني : رؤية النجاسة في أثناء الصلاة واحتمال وقوعها في الأثناء ، ولأجل اشتمال الكلام في الموردين المزبورين على اللام الذي هو كالنص في التعليل يصير كالنص في تعليل الحكم بكبرى ارتكازية ، بخلاف التعليل في الصحيحة الأولى ، ولأنه لاشتماله على الفاء المحتمل كونه جزاء الشرط يخرج عن الظهور القوي في التعليل. هذا

__________________

(*) تهذيب الأحكام ١ : ٤٢٨ / ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١.

١٦٤

نعم (١) ؛ دلالته في المورد الأول على الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من اليقين في قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» اليقين بالطهارة

______________________________________________________

مضافا إلى أن التعبير ب «ليس ينبغي ...» الخ مما يختص بموارد العتاب أظهر في إفادة التعليل بكبرى ارتكازية ، ولم يرد مثل هذا التعبير في الصحيحة الأولى.

(١) استدراك على ظهور دلالة هذه الصحيحة على حجية الاستصحاب مطلقا ، وإثبات قصور الجملة الثالثة ـ وهي المورد الأول ـ عن إثبات المقصود.

وتوضيح الإشكال والقصور يتوقف على مقدمة وهي : أن في لفظ اليقين ـ في قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» ـ احتمالين :

أحدهما : أن يكون المراد باليقين هو اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر والفحص ؛ لا اليقين بطهارة الثوب قبل الفحص ، بناء على أن يكون قول الراوي : «فلم أر شيئا» كناية عن حصول العلم له بالطهارة بسبب النظر والفحص ، فالشك الحاصل بعد الصلاة يسري إلى اليقين المتحقق بالنظر والفحص ، وبسراية الشك إليه يندرج في قاعدة اليقين ويصير أجنبيا عن الاستصحاب.

ثانيهما : أن يكون المراد باليقين هو الحاصل قبل ظن الإصابة ، فيكون قوله : «فلم أر شيئا» كناية عن عدم العلم بالإصابة ـ لا العلم بالإصابة كما هو مقتضى الاحتمال الأول ـ والمراد بالشك هو احتمال وقوع النجاسة بعد ذلك اليقين ، فإذا كان عالما بطهارة الثوب قبل الصلاة بساعتين مثلا ، ثم ظن بالإصابة في الساعة الثالثة ، فتفحص ولم يجد النجاسة وصلى ، وبعد الصلاة رأى النجاسة في الثوب ، واحتمل وقوعها على الثوب قبل الصلاة ، فلا يوجب الظن بالإصابة زوال اليقين السابق على هذا الظن.

إذا عرفت هذه المقدمة تعرف : أن الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب مبني على أن يكون المراد باليقين هو اليقين بالطهارة قبل الظن بالإصابة ـ وهو الاحتمال الثاني ـ لا اليقين بها الحاصل بالنظر والفحص ـ الزائل بالشك ، كما هو مقتضى الاحتمال الأول ؛ إذ لو أريد به هذا اليقين لم ينطبق على الاستصحاب ؛ بل على قاعدة اليقين لزواله بسريان الشك إليه ، بخلاف اليقين قبل النظر والفحص ، فإنه بعد الصلاة باق أيضا كسائر موارد الاستصحاب.

والمصنف استظهر من قوله : «فلم أر شيئا» هذا الاحتمال ، ولعله لأجل عدم استلزام عدم الوجدان لعدم الوجود دائما أو غالبا حتى يكون الاستلزام العادي أو الغالبي قرينة على إرادة اليقين الحاصل بسبب الفحص ، وعدم الظفر بالنجاسة.

١٦٥

قبل ظن الإصابة كما هو الظاهر (١) ، فإنه لو كان المراد منه اليقين الحاصل بالنظر والفحص بعده (٢) الزائل (٣) بالرؤية بعد الصلاة ، كان (٤) مفاده قاعدة اليقين كما لا يخفى.

ثم إنه أشكل على الرواية (٥) : بأن الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة ليست

______________________________________________________

نعم ؛ قد يحصل اليقين بالفحص ؛ لكن إرادته منوطة بالقرينة. وعليه : فقوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» ينطبق على الاستصحاب ، فالاستدلال به من هذه الجهة تام.

(١) لعدم دلالة «فلم أر شيئا» على حصول اليقين بعدم الإصابة حتى يكون مقصوده «عليه‌السلام» من قوله : «لأنك كنت على يقين» هذا اليقين الحاصل بالنظر كي ينطبق على قاعدة اليقين ؛ بل المراد هو : اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة.

(٢) أي : بعد ظن الإصابة ، وضمير «منه» راجع على «اليقين» و «الفحص» عطف على «بالنظر».

(٣) صفة ل «اليقين» يعني : اليقين الزائل بالرؤية بعد الصلاة.

(٤) جواب «لو كان».

(٥) إن الإمام «عليه‌السلام» : علل عدم وجوب الإعادة بأنها نقض لليقين بالشك ، فأشكل الأمر بأنه ليس من نقض اليقين بالشك ؛ بل هو نقض اليقين باليقين ؛ لأن الإعادة مستندة إلى وجدان النجاسة بعد الصلاة.

وحاصل الجواب : أن إحراز الطهارة ـ ولو بالاستصحاب ـ كاف في صحة الصلاة ، فلو جرى الاستصحاب كان كافيا في الحكم بصحة الصلاة ، فلو أمر بالإعادة كان معناها عدم جريان الاستصحاب ، فتكون الإعادة نقضا لليقين بالشك وهو منهي عنه بقوله : «لا تنقض اليقين بالشك» ، فيجري الاستصحاب ، ولازم ذلك : صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة.

وقد يقال في توضيح الإشكال المذكور : إن الإعادة ليست نقضا لليقين بالشك حتى تحرم بالنهي عنه في قوله «عليه‌السلام» : «لا تنقض اليقين بالشك» ؛ بل هي نقض اليقين باليقين ؛ إذ المفروض : حصول العلم بالنجاسة ووقوع الصلاة فيها ، فتكون الإعادة نقضا لليقين بالطهارة باليقين بالنجاسة ، فلا ينطبق ـ قوله «عليه‌السلام» : ـ «لا تنقض اليقين بالشك» ـ على المقام ؛ بل المقام مما ينطبق عليه قوله «عليه‌السلام» : «وانقضه بيقين آخر» ، فلا يرتبط المعلل ـ وهو عدم وجوب الإعادة ـ بالعلة ـ وهي حرمة نقض اليقين بالشك ـ

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مع وضوح كون العلة بمنزلة الكبرى للحكم المعلل ؛ بحيث يصح تأليف قياس من العلة والمعلل ، كما في تعليل حرمة الخمر بكونه مسكرا ، لصحة أن يقال : «الخمر مسكر وكل مسكر حرام فالخمر حرام» ، ولا يصح تأليف قياس هنا فلا يقال : «الإعادة نقض اليقين بالشك وكل نقض اليقين بالشك حرام فالإعادة حرام» ؛ لعدم صدق الصغرى ، وذلك لما عرفت من : عدم كون الإعادة نقضا لليقين بالشك ، بل باليقين ، وعليه : فلا يصلح «لا تنقض» لتعليل عدم وجوب الإعادة به.

نعم ؛ يصح أن يكون قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين» علّة لجواز الدخول في الصلاة ؛ لأن زرارة كان حال افتتاحها شاكا في الطهارة بعد العلم بها سابقا ، فعدم جواز الدخول في الصلاة نقض لليقين بالطهارة بالشك فيها ، فتعليل جواز الدخول في الصلاة بقوله : «لا تنقض اليقين بالشك» في محله كما لا يخفى.

فالنتيجة هي : سقوط الاستدلال بالرواية على حجية الاستصحاب. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح الإشكال بعبارة أخرى.

وأما الجواب عن هذا الإشكال : فتوضيحه يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين الطهارة الحدثية والطهارة الخبثية مع اشتراكهما في الشرطية للصلاة.

وحاصل الفرق : أن الطهارة الحدثية تكون شرطا واقعيا للصلاة بخلاف الطهارة الخبثية فإنها شرط علمي لها بمعنى كفاية إحراز الطهارة ـ ولو بأصل معتبر ـ في صحة الصلاة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المكلف المريد للصلاة إما ملتفت إلى الطهارة الخبثية ، وإما غافل عنها ، وعلى كلا التقديرين : يحكم بصحة صلاته. وأما الصحة على التقدير الأول : فلأجل كون الشرط حينئذ هو إحراز الطهارة لا وجودها الواقعي ، والمفروض هو : إحرازها ولو بأصل عملي كالاستصحاب أو أصالة الطهارة.

وعلى الثاني : فلأجل عدم اعتبارها في حقه حال عدم العلم والالتفات.

وعلى هذا : فيصح التعليل المزبور ، ضرورة : أنه بعد البناء على كون الشرط للملتفت هو إحراز الطهارة ـ لا نفسها ـ يحسن تعليل وجوب الإعادة بكون الإعادة نقضا لليقين بالشك ، حيث إنه في حال الصلاة كان شاكا في بقاء الطهارة بعد ما كان متيقنا بها قبل الدخول في العبادة ، ثم ظن إصابة النجاسة.

وحيث إن هذا الظن ملحق بالشك حكما لعدم الدليل على اعتباره فهو شاك في بقاء

١٦٧

نقضا لليقين بالطهارة بالشك (١) فيها ؛ بل باليقين بارتفاعها (٢) ، فكيف يصح أن يعلل عدم الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك (٣)؟

نعم (٤) ؛ إنما يصح أن يعلل به (٥) جواز الدخول في الصلاة كما لا يخفى ، ولا يكاد يمكن التفصي عن هذا الإشكال إلا بأن يقال (٦) : إن الشرط في الصلاة ...

______________________________________________________

الطهارة ، ومن المعلوم : أن الاستصحاب أوجب إحراز الطهارة في حال الصلاة ، فالإعادة تكون منافية للاستصحاب المحرز للطهارة ، وموجبة لجعل هذا الإحراز الاستصحابي كالعدم ، ضرورة : أن منشأ الإعادة حينئذ هو كون الصلاة فاقدة للشرط ؛ وإلّا فلا وجه لها.

وخلو العبادة عن الشرط موقوف على عدم العبرة باليقين السابق على الصلاة ، وجواز نقضه بالشك اللاحق ؛ إذ مع اعتباره وعدم جواز نقضه بالشك يكون الشرط ـ أعني إحراز الطهارة ـ موجودا ، فالصلاة واجدة للشرط ، فلا وجه للإعادة.

وبالجملة : فتعليل عدم الإعادة بحرمة نقض اليقين بالشك ـ بناء على كون الشرط للملتفت ـ إحراز الطهارة في غاية المتانة. هذا غاية ما يمكن أن يقال في حل هذا الإشكال.

(١) متعلق ب «نقضا». وقوله : «باليقين» أي : بل هو نقض اليقين باليقين. توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(٢) هذا الضمير وضمير «فيها» راجعان على الطهارة.

(٣) مع أنه نقض اليقين باليقين ، وعليه : يسقط الاستدلال بالرواية.

(٤) استدراك على قوله : «فكيف يصح؟». وغرضه : إثبات صحة التعليل بلحاظ جواز الدخول في الصلاة ، وقد عرفته بقولنا : «نعم ؛ يصح أن يكون قوله «عليه‌السلام» ...» الخ.

(٥) أي : بقوله «عليه‌السلام» : «وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك».

(٦) لا يخفى : أنه قد تفصّي عن هذا الإشكال بالالتزام بإجزاء الأمر الظاهري ، وسيأتي بيانه عند تعرض المصنف له ، إلّا إنه لعدم صحته اختار «قدس‌سره» وجها آخر لإثبات التعليل أفاده في حاشية الرسائل وأثبته في المتن. وقال في آخر كلامه : «إن الإشكال على فرض تسليمه لا يقدح في الاستدلال بالرواية على الاستصحاب».

وتوضيح ما أفاده في حل الإشكال بقوله : «إن الشرط في الصلاة فعلا» هو : أن الطهارة الخبثية شرط علمي للصلاة ، بمعنى : كفاية إحرازها ـ ولو بأصل معتبر ـ في صحة الصلاة ، وليست شرطا واقعيا كالطهارة الحدثية التي تدور صحة الصلاة مدارها وجودا

١٦٨

فعلا (١) حين الالتفات إلى الطهارة هو إحرازها ولو بأصل أو قاعدة ، لا نفسها (٢) ، فتكون (٣) قضية استصحاب الطهارة حال الصلاة عدم إعادتها (٤) ولو انكشف وقوعها في النجاسة بعدها (٥).

______________________________________________________

وعدما ، وعليه : فالمكلف المريد للصلاة إما ملتفت إلى الطهارة الخبثية ، وإما غافل عنها ، فإن كان غافلا عنها وصلى فصلاته صحيحة ؛ لعدم اعتبار هذه الطهارة في حقه كما صرح به في حاشية الرسائل ، وإن كان ملتفتا إلى الطهارة الخبثية فالشرط حينئذ هو إحراز الطهارة لا وجودها الواقعي ، فإن أحرزها الملتفت بعلم أو علمي أو أصل عملي ولو أصالة الطهارة وصلى صحت صلاته وإن انكشف وقوعها في النجس ، إذ الشرط للملتفت هو إحراز الطهارة لا نفسها ، والمفروض : تحققه بأحد الوجوه المحرزة. وعلى هذا : فيصح التعليل المزبور ، ضرورة : أنه بعد البناء على كون الشرط للملتفت هو إحراز الطهارة ـ لا نفسها ـ يحسن تعليل عدم وجوب الإعادة بكون الإعادة نقضا لليقين بالشك ، حيث إنه في حال الصلاة كان شاكا في بقاء الطهارة بعد ما كان متيقنا بها قبل الدخول في العبادة ، ثم ظن إصابة النجاسة ، وحيث إن هذا الظن ملحق بالشك حكما ـ لعدم الدليل على اعتباره ـ فهو شاك في بقاء الطهارة ، ومن المعلوم : أن الاستصحاب أوجب إحراز الطهارة في حال الصلاة ، فالإعادة تكون منافية للاستصحاب المحرز للطهارة ، وموجبة لجعل هذا الإحراز الاستصحابي كالعدم ، ضرورة : أن منشأ الإعادة حينئذ هو كون الصلاة فاقدة للشرط ، وإلّا فلا وجه لها. وخلو العبادة عن الشرط موقوف على عدم العبرة باليقين السابق على الصلاة ، وجواز نقضه بالشك اللاحق ؛ إذ مع اعتباره وعدم جواز نقضه بالشك يكون الشرط ـ أعني : إحراز الطهارة ـ موجودا ، فالصلاة واجدة للشرط فلا وجه للإعادة. وبالجملة : فتعليل عدم الإعادة بحرمة نقض اليقين بالشك بناء على كون الشرط للملتفت إحراز الطهارة في غاية المتانة.

ثم إنه «قدس‌سره» أشكل على هذا الحل بوجهين ، وأجاب عنهما وسيأتي بيانهما.

(١) قيد ل «إن الشرط» وهو في قبال الشرط الاقتضائي المجعول في حق الغافل ، يعني : أن الشرط الفعلي للملتفت إلى الطهارة هو إحرازها لا الطهارة الواقعية.

(٢) يعني : لا نفس الطهارة كي تبطل الصلاة بفقدانها ، كما تبطل بفقدان الطهارة الحدثية.

(٣) هذا متفرع على كون الشرط في حق الملتفت إحراز الطهارة.

(٤) لفرض إحراز الطهارة باستصحابها أو بقاعدتها إن لم يكن يقين سابق بالطهارة.

(٥) قيد لقوله : «انكشف» ومتعلق به ، يعني : ولو انكشف بعد الصلاة وقوعها في

١٦٩

كما أن إعادتها بعد الكشف تكشف (١) عن جواز النقض وعدم حجية الاستصحاب حالها (٢) ، كما لا يخفى ، فتأمل جيدا.

لا يقال (٣) : لا مجال حينئذ لاستصحاب الطهارة ، فإنه إذا لم ...

______________________________________________________

النجاسة ، فالأولى أن يقال : ولو انكشف بعدها وقوعها في النجاسة.

(١) ضرورة : كشف الإعادة عن عدم حجية الاستصحاب حال الصلاة ؛ إذ مع حجيته وحرمة نقض اليقين بالشك لا وجه للإعادة ؛ لكون الصلاة حينئذ واجدة للشرط واقعا. وبهذا ظهر الفرق بين حل الإشكال بهذا البيان وحله بالإجزاء الآتي بيانه ، لفرض أن المحرز للطهارة ـ على ما أفاده المصنف ـ واجد للشرط الواقعي المجعول في حق الملتفت وهو إحراز الطهارة ، فلا ربط له بإجزاء الأمر الظاهري المبني على كون الشرط هو الطهارة الواقعية ، لكن مع البناء على إجزاء الطهارة الظاهرية عنها لإجزاء الأمر الظاهري.

(٢) ظرف لجواز النقض ، يعني : جواز نقض اليقين بالشك حال الصلاة. وقوله : «وعدم» عطف تفسيري ل «جواز النقض».

(٣) هذا هو أول الإشكالين اللذين أشرنا إليهما.

وتوضيح هذا الإشكال يتوقف على مقدمة : وهي مشتملة على أمرين :

أحدهما : أن كل جزء من أجزاء الواجب أو شرط من شرائطه موضوع للحكم ، فيكون إتيانه واجبا ومخالفته حراما.

ثانيهما : يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الطهارة حال الصلاة ليست أحدهما ، وأما عدم كون الطهارة حكما شرعيا فواضح إذ الأحكام هي الوجوب والحرمة والكراهة والاستحباب والإباحة ، وليست الطهارة واحدة منها.

وأما عدم كونها موضوعا : فلأن الموضوع هو شرط الواجب ، وقد عرفت : أن الشرط فيما نحن فيه هو إحراز الطهارة لا نفسها ، فالطهارة ليست حكما ولا موضوعا ذا حكم ، فلا يجري الاستصحاب فيها لانتفاء ما يعتبر فيه. هذا غاية ما يمكن أن يقال : في توضيح الإشكال الأول.

وقد أجاب عن هذا الإشكال : وقال في توجيه جريان الاستصحاب في الطهارة بوجهين :

أحدهما : أن الشرط فعلا وإن كان هو إحراز الطهارة ؛ إلّا إن نفس الطهارة ليست

١٧٠

تكن (١) شرطا لم تكن موضوعا لحكم ، مع أنه ليس بحكم (٢) ، ولا محيص (٣) في الاستصحاب عن كون المستصحب حكما أو موضوعا لحكم فإنه يقال (٤) : إن الطهارة وإن لم تكن شرطا فعلا (٥) ؛ إلا إنها غير منعزلة عن الشرطية رأسا ، بل هي

______________________________________________________

منعزلة عن الشرطية تماما حتى يمتنع جريان الاستصحاب فيها ؛ بل هي شرط واقعي اقتضائي أي : فيها مقتضى الشرطية ، والداعي إلى الالتزام بكون الطهارة الواقعية شرطا اقتضائيا هو الجمع بين ما دل على اعتبار الطهارة لظهوره في اعتبار الطهارة الواقعية خاصة ، وبين ما دل ـ كهذه الصحيحة ـ على صحة الصلاة مع فقدانها واقعا فيما إذا جرى فيها الاستصحاب ، فإن مقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو حمل الطائفة الأولى على الشرطية الاقتضائية ، والثانية على الشرطية الفعلية. فالنتيجة هي : أن الطهارة شرط فتكون موضوعا ذا حكم ، فيجري فيها الاستصحاب.

وثانيهما : أنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب أزيد من كونه دخيلا في الشرط ؛ وإن لم يكن المستصحب بنفسه شرطا كاستصحاب طهارة الماء الذي يتوضأ به ، وإباحة الساتر الذي يصلّى فيه ، فإن شرط الصلاة هو الوضوء والساتر ، وأما طهارة الماء وإباحة الساتر فهما قيدان لشرط الصلاة.

وعليه : فإذا فرض كون الشرط في المقام إحراز الطهارة تصير الطهارة قيدا للإحراز الذي هو الشرط ، وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب في الطهارة.

توضيح بعض العبارات : قوله : «حينئذ» أي : حين كون الشرط إحراز الطهارة لا نفسها.

(١) أي : إذا لم تكن الطهارة شرطا لم تكن موضوعا لحكم ، كما أنها ليست بحكم مع أنه يعتبر في المستصحب أن يكون حكما أو موضوعا ذا حكم ، فلا يجري الاستصحاب لانتفاء ما يعتبر فيه.

(٢) يعني : أن الطهارة ليست حكما شرعيا أيضا حتى يصح جريان الاستصحاب فيها بلحاظ نفسها ، فلا وجه لاستصحابها كما عرفت.

(٣) أي : والحال أن اللازم في التعبد الاستصحابي كون المستصحب حكما أو موضوعا له ، لأن ما يكون في حيطة تصرف الشارع بما هو شارع حكمه ببقاء الحكم الشرعي السابق أو بقاء موضوعه بلحاظ حكمه ، فدليل الاستصحاب قاصر عن إثبات ما ليس حكما أو موضوعا له ؛ لخروجه عن دائرة التعبد.

(٤) هذا جواب عن الإشكال ، وقد تقدم توضيح ذلك.

(٥) هذا إشارة إلى الجواب الأول ، كما أن قوله : «مع كفاية ...» الخ إشارة إلى الجواب الثاني.

١٧١

شرط واقعي اقتضائي (١) ، كما هو (٢) قضية التوفيق بين الإطلاقات (٣) ومثل هذا الخطاب ، هذا مع كفاية كونها (٤) من قيود الشرط ، حيث إنه كان إحرازها بخصوصها لا غيرها شرطا.

لا يقال (٥) : سلمنا ذلك ؛ ولكن قضيته أن يكون علة عدم الإعادة ...

______________________________________________________

(١) أي : فيها مقتضى الشرطية حتى في حال الاستصحاب الخطائي ، وليست كالأشياء الأجنبية التي لا ترتبط بالصلاة إطلاقا.

(٢) أي : ما ذكرنا من أنه شرط اقتضائي ؛ وإن لم يكن شرطا فعلا.

(٣) نحو قوله : «لا صلاة إلا بطهور». ومثل هذا الخطاب الوارد في هذه الرواية : بأنه لا يعيد.

(٤) هذا الضمير وضمير «إحرازها ، بخصوصها» ترجع إلى الطهارة.

والنتيجة : أن المصنف صحح بهذين الجوابين جريان الاستصحاب في نفس الطهارة لأجل إحرازها ، وبه يتجه انطباق التعليل ب «لأنك كنت على يقين من طهارتك» على المورد.

فالمتحصل : أن الطهارة من قيود الشرط ، وكل قيد للشرط يجري فيه الاستصحاب ، أما أنها من قيود الشرط : فلأن شرط الصلاة إحراز الطهارة ، فالطهارة صارت من قيود الشرط ، وأما أن كل قيد للشرط يجري فيه الاستصحاب. فلأن الاستصحاب يجري في الحكم وفي كل ما له في الحكم.

ومن المعلوم : أن قيود الشرط مما له دخل في الحكم ، ولذا يجري استصحاب طهارة الماء المتوضأ به ، مع أن الطهارة قيد لشرط الصلاة وهو الوضوء ، فالطهارة هنا كذلك «حيث إنه كان إحرازها» أي : الطهارة «بخصوصها لا غيرها شرطا» للصلاة.

(٥) هذا ثاني الإشكالين على شرطية إحراز الطهارة وحاصله : أنه لو سلمنا كون شرط الصلاة للملتفت هو إحراز الطهارة ـ لأنه مقتضى التوفيق بين الأخبار ـ لا نفس الطهارة ، لكان اللازم أن يعلل عدم وجوب الإعادة بالإحراز بأن يقال : «لا تجب الإعادة لأنك أحرزت الطهارة حال الصلاة» ؛ لا أن يقال : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» الظاهر في أن زرارة كان على طهارة واقعية أحرزها تعبدا بالاستصحاب ؛ إذ على هذا يكون الشرط الطهارة الواقعية المحرزة بالاستصحاب لإحرازها كما هو واضح.

وبعبارة أخرى : كان من المناسب أن يعلل الإمام «عليه‌السلام» عدم الإعادة بأنه واجد للشرط الذي هو إحراز الطهارة لا أن يعلل بوجود الطهارة كما هو مقتضى قوله

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

«عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين ...» الخ ، حيث يكون ظاهرا في أن وجه الصحة نفس الطهارة لا إحرازها.

وبالجملة : فالتعليل بالصغرى أعني : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» ، والكبرى وهي : «فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك» ينتج كون الشرط نفس الطهارة لا إحرازها ، ضرورة : أن اليقين في الاستصحاب طريق محض ، فالمدار على الواقع الذي تعلق به اليقين ، والمفروض : انكشاف خلافه ، ولا يبقى مجال لإحراز الشرط بالاستصحاب.

وعلى مبنى شرطية إحراز الطهارة يكون اليقين بالطهارة موضوعا للحكم ؛ كموضوعية اليقين بحياة الولد لوجوب التصدق ؛ إذا نذر والده أن يتصدق كل يوم بدرهم ما دام متيقنا بها ، وانتفاء الوجوب بمجرد الشك فيها ، بخلاف تعليق النذر على نفس الحياة ؛ لإمكان إحرازها حينئذ بالاستصحاب.

فالمتحصل : أن التعليل بثبوت نفس الطهارة كما هو ظاهر القضية يكشف عن عدم صحة جعل الشرط إحراز الطهارة ، فلا بد أن يكون الشرط الطهارة الواقعية ؛ لكن يعود الإشكال وهو : أنه مع فرض فقدان الطهارة من الخبث كيف حكم الإمام «عليه‌السلام» بعدم وجوب الإعادة بقوله : «لا تعيد»؟

وقد أجاب عن هذا الإشكال : بقوله : «فإنه يقال : نعم» ، ومحصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٧ ، ص ١٥٥» ـ أن ما ذكره المستشكل من كون المناسب لشرطية إحراز الطهارة تعليل عدم وجوب الإعادة بالإحراز لا بنفس الطهارة المستصحبة ، وإن كان صحيحا؟ لكنه مبني على كون التعليل بلحاظ حال الانكشاف ، لا بلحاظ حال الصلاة.

توضيحه : أن في التعليل احتمالين :

أحدهما : أن يكون الإمام «عليه‌السلام» في مقام تعليل عدم وجوب الإعادة بعد الفراغ من الصلاة ، والمناسب لهذا الفرض هو : التعليل بإحراز الطهارة ، يعني : «أنك كنت مع إحراز الطهارة بالاستصحاب» ، ولا سبيل حينئذ للتعليل بوجود الطهارة المستصحبة ؛ إذ المفروض : أن زرارة علم بعد الصلاة بانتفاء الطهارة ووقوع الصلاة في الثوب المتنجس ، فلا يصح أن يقال بعد انكشاف الخلاف : «إنك كنت على طهارة مستصحبة» ، وعلى هذا يتجه الإشكال المذكور في المتن بقوله : «لا يقال».

ثانيهما : أن يكون الإمام «عليه‌السلام» في مقام تصحيح الصلاة بلحاظ الحال التي

١٧٣

حينئذ (١) بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة ، هو إحراز الطهارة حالها (٢) باستصحابها ؛ لا الطهارة المحرزة بالاستصحاب (٣) ، مع أن (٤) قضية التعليل أن تكون

______________________________________________________

افتتح زرارة صلاته عليها ، فيقول «عليه‌السلام» : «إنك كنت حين افتتاح الصلاة على يقين من طهارتك ، ثم شككت فيها ، ولا ينبغي نقض اليقين بالشك» ، فهو «عليه‌السلام» علل جواز افتتاح الصلاة مع الجهل بطهارة الثوب بأنه كان على طهارة أحرزها بالاستصحاب.

ويشهد لكون التعليل بهذا اللحاظ : أنه لو كان بلحاظ حال الفراغ من الصلاة لم تكن الإعادة نقضا لليقين بالشك ؛ بل باليقين بوقوع الصلاة في النجس.

لكن يبعده أجنبية العلة عن المعلل ؛ إذ السؤال إنما هو عن علة عدم وجوب الإعادة لا عن علة جواز الشروع في الصلاة.

إلّا أن يقال : إن تعليل جواز الدخول في الصلاة «بأنك كنت على يقين من طهارتك» يراد به : إحراز الطهارة بالاستصحاب تعبيرا عن الإحراز بملزومه وهو الاستصحاب تنبيها على اعتباره ، والاقتصار على عدم نقض اليقين بالشك في مقام تعليل عدم وجوب الإعادة دليل على كون لازمه ـ وهو الإحراز ـ علة لعدم وجوب الإعادة.

والإشكال على استصحاب الطهارة مع عدم كونها شرطا فعلا مندفع بكفاية كونها شرطا اقتضائيا كما أفاده ؛ وإن كان لا يخلو من التأمل.

وبالجملة : فبهذا التقريب يستقيم تعليل عدم وجوب الإعادة بعدم نقض اليقين بالشك ؛ إذ المستفاد منه ـ وهو الإحراز ـ كما يكون علة لجواز الشروع في الصلاة ، كذلك يكون علة لعدم وجوب إعادتها ؛ إذ المفروض : أن الإحراز الثابت بالاستصحاب شرط للصلاة بالنسبة إلى الجاهل حدوثا وبقاء ، فلا وجه للإعادة ولو مع انكشاف وقوعها في الثوب المتنجس ، وليست الطهارة شرطا في حق الجاهل ؛ وإلّا كان اللازم إعادة الصلاة في صورة انكشاف وقوعها في النجس كما لا يخفى.

توضيح بعض العبارات.

(١) أي : حين كون مقتضى التوفيق بين الأخبار شرطية الإحراز لا الطهارة المحرزة.

(٢) أي : حال الصلاة ، وقوله : «حالها ، باستصحابها» ظرفان لقوله : «إحراز الطهارة» ، وقوله : «الطهارة المحرزة» عطف على «إحراز».

(٣) التي هي مفاد قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين من طهارتك».

(٤) أي : والحال أن مقتضى التعليل وجود الطهارة الواقعية التي أحرزت

١٧٤

العلة له (١) هي نفسها لا إحرازها (٢) ، ضرورة (٣) : أن نتيجة قوله : «لأنك كنت على يقين ...» إلى آخره أنه على الطهارة لا أنه مستصحبها (٤) ، كما لا يخفى.

فإنه يقال (٥) : نعم (٦) ؛ ولكن التعليل إنما هو بلحاظ حال قبل انكشاف الحال ، لنكتة (٧) التنبيه على حجية الاستصحاب ، وأنه (٨) كان هناك استصحاب ، مع (٩)

______________________________________________________

بالاستصحاب ؛ إذ اليقين في الاستصحاب طريق محض إلى المتيقن.

(١) أي : لعدم وجوب الإعادة.

(٢) هذا الضمير وضمير «نفسها» راجعان على الطهارة.

(٣) تعليل لقوله : «مع أن قضية التعليل ...» الخ وحاصله : أنه بعد ما تقدم من كون اليقين في الاستصحاب آليا لا استقلاليا يكون التعليل مشيرا إلى قياس مؤلف من صغرى وجدانية وهي «إنك ممن تيقن الطهارة وشك فيها» ، وكبرى تعبدية وهي : «كل من تيقن الطهارة وشك فيها فهو متطهر» ، وينتج «أنك متطهر» ، فالعلة في الحقيقة هي وجود الطهارة الواقعية لا استصحابها.

(٤) يعني : فرق بين أن يقول «عليه‌السلام» : «كانت الطهارة حال الصلاة تعبدا بالاستصحاب» كما هو ظاهر الرواية ، وبين أن يقول : «كان استصحاب الطهارة في حال الصلاة» الظاهر في كون الشرط إحراز الطهارة لا وجودها.

(٥) هذا جواب عن الإشكال الثاني ، وقد تقدم توضيحه ، فلا حاجة إلى التكرار.

(٦) يعني : سلمنا أن مقتضى التعليل كون الشرط الطهارة الواقعية لا إحرازها ، ولكن إنما يتم إن كان التعليل بملاحظة حال الفراغ من الصلاة ، مع أنه ليس كذلك ، وإنما هو بالنظر إلى حال افتتاح الصلاة ، وأن زرارة في تلك الحالة واجد للطهارة الخبثية الواقعية ببركة الاستصحاب.

(٧) تعليل لقوله : «إنما هو بلحاظ» ، وقد عرفته بقولنا : «إلا أن يقال : إن تعليل جواز الدخول في الصلاة ...» الخ.

(٨) عطف على «حجية» ، وقوله : «هناك» أي : قبل انكشاف الحال.

(٩) غرضه : أن لحاظ حال الجهل بالطهارة في التعليل يكون لوجهين :

أحدهما : التنبيه على اعتبار الاستصحاب ، والآخر أن المجدي في عدم وجوب الإعادة بعد انكشاف الحال هو استصحاب الطهارة وإلّا فلا وجه لعدم وجوب الإعادة بعد الانكشاف ؛ إذ لا محرز للطهارة حينئذ سواه ، والمفروض : انكشاف خلافه ، فتجب الإعادة ؛ لعدم كونها من نقض اليقين بالشك ؛ بل باليقين ، فكون الإعادة نقضا لليقين بالشك لا يتصور إلا بالنسبة إلى ما قبل الانكشاف. وقوله : «ذلك» أي : التعليل.

١٧٥

وضوح استلزام ذلك لأن يكون المجدي بعد الانكشاف هو ذاك الاستصحاب لا الطهارة (١) ، وإلّا (٢) لما كانت الإعادة نقضا (٣) كما عرفت في الإشكال (٤).

ثم إنه لا يكاد يصح التعليل لو قيل باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء (٥) كما قيل ، ضرورة (٦) : أن العلة ...

______________________________________________________

(١) إذ الاستناد إلى الطهارة الواقعية لا ينفي وجوب الإعادة ؛ بل يقتضي وجوبها ، فالمجدي لنفي وجوب الإعادة هو إحراز الطهارة الثابت بذاك الاستصحاب لا نفس الطهارة.

(٢) أي : وإن لم يكن التعليل بلحاظ حال قبل الانكشاف ـ بل بلحاظ ما بعده ـ لما كانت الإعادة نقضا لليقين بالشك ؛ بل باليقين ، لوضوح : أن التعليل بنفس الطهارة لا يقتضي عدم وجوب الإعادة بعد انكشاف الخلاف ؛ بل مقتضاه وجوب الإعادة لانكشاف خلوّ الصلاة عن الشرط ، أعني الطهارة الخبثية ، فلا بد أن يكون التعليل بلحاظ ما قبل الانكشاف.

(٣) يعني : نقضا لليقين بالشك بل نقضا له باليقين.

(٤) بقوله : «ثم إنه أشكل على الرواية : بأن الإعادة ...» الخ. هذا تمام تحقيق المصنف فيما اختاره في تطبيق التعليل على قوله : «تغسله ولا تعيد».

(٥) هذا أحد الوجوه التي وجّه بها التعليل المذكور في الرواية ، والمصنف لم يذكر من تلك الوجوه إلا وجهين : أحدهما : ما تقدم من كون التعليل مبنيا على شرطية الإحراز. ثانيهما : ما تعرض له هنا ، وقد عزا هذا الوجه إلى شريف العلماء «قدس‌سره» ، وذكر الشيخ بقوله : «وربما يتخيل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء ، فتكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة وكاشفة عنها».

وحاصله : ابتناء التعليل على اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ، حيث إنه على هذا المبنى تكون الطهارة الظاهرية الثابتة بالاستصحاب بمنزلة الطهارة الواقعية في ترتب صحة العمل عليها واقعا ؛ وإن انكشف خلافها وخطأ الاستصحاب.

(٦) تعليل لقوله : «لا يكاد».

وتوضيح إشكال المصنف على هذا الوجه هو : أن تعليل عدم وجوب الإعادة باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء خلاف ظاهر الصحيحة لظهورها ؛ بل صراحتها في كون علته حرمة نقض اليقين بالشك ، حيث إن الإعادة تكون نقضا له به ؛ لا قاعدة اقتضاء

١٧٦

عليه (١) إنما هو اقتضاء ذاك الخطاب الظاهري حال الصلاة للإجزاء وعدم إعادتها ؛ لا لزوم (٢) النقض من الإعادة كما لا يخفى.

اللهم إلا أن يقال : إن التعليل به (٣) إنما هو بملاحظة ضميمة اقتضاء الأمر الظاهري

______________________________________________________

الأمر الظاهري للإجزاء ، فلو كان المناط في التعليل إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي ، ومبنى المكلف على الإعادة لم يوجب ذلك أن يقال له : «إن الإعادة نقض لليقين بالشك» ؛ لأنه من نقض اليقين باليقين.

وعليه : فمسألة الإجزاء أجنبية عن المقام.

(١) أي : بناء على اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ؛ يكون ذلك مقتضيا للإجزاء وعدم الإعادة.

(٢) عطف على «اقتضاء» يعني : أن تعليل الإعادة بكونها نقضا لليقين بالشك أجنبي عن مسألة الإجزاء ؛ إذ المقتضي بالفرض هو الأمر الظاهري.

(٣) أي : بقوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين ...».

وغرضه : توجيه كلام القائل بأن التعليل بلحاظ الإجزاء بنحو لا يرد عليه الإشكال المتقدم وغيره.

وتوضيحه : أن تعليل عدم الإعادة بعدم جواز نقض اليقين بالشك إن كان بلحاظ ما قبل الانكشاف وقلنا باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ، فلا محيص عن الالتزام بعدم وجوب الإعادة ، ضرورة : أن وجوبها ولو بعد الانكشاف يكشف عن بقاء الأمر الواقعي بالمشروط بالطهارة ، وعدم سقوطه ، وهو خلاف البناء على قاعدة الإجزاء في الأوامر الظاهرية.

والعدول عن التعليل بقاعدة الإجزاء إلى عدم جواز نقض اليقين بالشك للتنبيه على ما يكون علة للأمر الظاهري في المقام من أنه الاستصحاب ؛ لتولد أمر ظاهري بالصلاة من استصحاب طهارة الثوب ، ولمّا كان التعبد الاستصحابي علة لإنشاء هذا الأمر صح التعليل بمنشإ الأمر الظاهري أعني : الاستصحاب : وإلّا فالعلة حقيقة لعدم وجوب الإعادة هي قاعدة الإجزاء في الأوامر الظاهرية ، وهي مطوية ، فهناك قياس كبراه تلك القاعدة بأن يقال : «الاستصحاب أمر ظاهري ، وكل أمر ظاهري يقتضي الإجزاء ، فينتج : أن الاستصحاب يقتضي الإجزاء».

وعليه : فتعليل عدم وجوب إعادة الصلاة بعد الانكشاف بالاستصحاب يكون تعليلا بما هو سبب العلة ومدلول لها كما لا يخفى.

١٧٧

للإجزاء (١) ، بتقريب : أن (٢) الإعادة لو قيل بوجوبها كانت موجبة لنقض اليقين بالشك في الطهارة قبل الانكشاف (٣) وعدم (٤) حرمته شرعا ، وإلّا (٥) للزم عدم اقتضاء ذلك الأمر (٦) له مع اقتضائه شرعا (٧) أو عقلا (٨) ، فتأمل (٩).

______________________________________________________

(١) بأن تكون العلة لعدم وجوب الإعادة مجموع الصغرى ـ وهي حرمة نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها ـ والكبرى وهي اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء.

(٢) يعني : أن القول بوجوب الإعادة يستلزم أن يكون إما لأجل انتفاء الصغرى وهي جواز نقض اليقين بالشك بالنسبة إلى ما قبل الانكشاف ، وإما لأجل انتفاء الكبرى وهي اقتضاء الأمر الظاهري الناشئ عن الاستصحاب للإجزاء ، والمفروض : اقتضاؤه له.

(٣) إذ بعد الانكشاف يكون من نقض اليقين باليقين ، ولذا وجب غسل الثوب.

(٤) عطف على «نقض» أي : موجبة لعدم النقض شرعا.

(٥) يعني : وإن لم تكن الإعادة لنقض اليقين بالشك ؛ بل كان نقض اليقين بالشك حراما ، ومع ذلك كانت الإعادة واجبة للزوم أن تكون الإعادة لأجل عدم اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ، وهو خلاف الفرض من اقتضائه له.

وبالجملة : فغرضه أن وجوب الإعادة إما مستند إلى جواز نقض اليقين بالشك ، وإما إلى عدم اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء.

(٦) أي : الظاهري للإجزاء ، وضمير «له» راجع على الإجزاء.

(٧) كما إذا فرض اشتمال المأتي به على مقدار من المصلحة الداعية إلى التشريع ، مع كون الفائت بمقدار الإلزام وممكن التدارك ، فإن الإجزاء حينئذ لا بد وأن يكون بحكم الشارع ؛ فيكون الإجزاء شرعيا.

(٨) كما إذا فرض اشتمال المأتي به على تمام مصلحة المأمور به ، أو معظمها ؛ ولكن لم يكن الفائت بمقدار الإلزام ، أو كان بذلك المقدار ولكن لم يمكن استيفاؤه ، فإن الإجزاء حينئذ يكون عقليا ، لسقوط الأمر بارتفاع ملاكه الداعي إلى تشريعه.

وبالجملة : فاقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء إمّا شرعي وإما عقلي.

(٩) وجه التأمل : ما أفاده في الهامش. وما في بعض الشروح من «أن المصنف ضرب على هذه الحاشية مؤخرا» ، كأنه نشأ من خلط هذه بحاشية أخرى على قوله : «ثم أشكل» ، حيث ضرب عليها في النسخة المصححة بقلمه بعد طبعتها الأولى.

ويمكن بيان وجه آخر للتأمل ، وهو : أن مقتضى تعليل عدم الإعادة باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء بطلان صلاة من علم بالطهارة الخبثية وصلى عالما بها ، ثم انكشف

١٧٨

ولعل ذلك (١) مراد من قال بدلالة الرواية على إجزاء الأمر الظاهري. هذا (٢) غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل.

مع (٣) أنه لا يكاد يوجب الإشكال فيه ـ والعجز عن التفصي عنه ـ إشكالا في

______________________________________________________

بعد الصلاة خلافه ، وأن صلاته وقعت في النجس ؛ إذ ليس هنا أمر ظاهري يقتضي الإجزاء ، بخلاف ما إذا كان الشرط الفعلي إحراز الطهارة ، لصحة صلاة من علم بعدم النجاسة وصلى ثم انكشف الخلاف ، لأنه أحرز الطهارة.

وقيل في وجه التأمل : إن اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ليس بذلك الوضوح كي يحسن بملاحظته التعليل بلزوم النقض من الإعادة كما لا يخفى.

(١) أي : ولعل ما ذكرناه بقولنا : «اللهمّ إلّا أن يقال ...» الخ. هو مراد القائل «بدلالة الرواية ...» الخ. وإلّا فليس في موضع آخر منها دلالة على ذلك كما لا يخفى.

(٢) أي : ما تقدم من كون المعتبر في حق الملتفت إحراز الطهارة من الخبث ، ومن إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي بناء على توجيه المصنف له. «غاية ما يمكن أن يقال في توجيه التعليل».

(٣) هذا هو الوجه الثاني الذي أفاد المصنف «قدس‌سره» في دفع إشكال عدم مناسبة التعليل للحكم المعلل. وحاصله : أنه لو سلم العجز عن تصحيح مطابقة التعليل مع السؤال في الرواية الشريفة ، فلا يكاد يوجب ذلك قدحا في دلالتها على الاستصحاب ، فإن إشكال عدم مطابقة التعليل مع السؤال هو إشكال لازم على كل حال ، سواء كان مفاد الرواية هو قاعدة الاستصحاب بأن كان المراد من اليقين فيه اليقين بطهارة الثوب من قبل ظن الإصابة كما تقدم ، أو قاعدة اليقين بأن كان المراد من اليقين فيه اليقين بالطهارة الحاصل بالنظر في الثوب ـ «ولم ير شيئا» ـ الزائل برؤية النجاسة بعد الصلاة ، وليس هذا الإشكال مختصا بما إذا كان مفاد الرواية قاعدة الاستصحاب وحجيتها كي يكون ذلك قدحا في دلالتها عليها.

فاللازم هو حمل الرواية على ظاهرها الذي هو الاستصحاب.

هذا تمام الكلام في الاستدلال بالصحيحة الثانية على حجية الاستصحاب.

خاتمة فيما يستفاد من هذه الصحيحة الثانية : علم أنه يستفاد منها اعتبار قواعد :

منها : قاعدة اليقين إن كان المراد من اليقين بالطهارة في قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين» هو اليقين الحاصل بها بالفحص بعد ظن الإصابة ؛ إلّا إن هذا الاستظهار وهذا المعنى يكون خلاف الظاهر منها ، بل الظاهر منها هو اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة.

١٧٩

دلالة الرواية على الاستصحاب ، فإنه لازم على كل حال ، كان مفاده قاعدته أو قاعدة اليقين مع بداهة عدم خروجه منهما ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

ومنها : لزوم الموافقة القطعية في العلم الإجمالي من حكمه «عليه‌السلام» بغسل تمام الناحية التي علم بوصول النجاسة إليها.

ومنها : عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية من قوله «عليه‌السلام» : «لا ولكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك».

ومنها : أن الطهارة الواقعية ليست شرطا للصلاة ولا النجاسة الواقعية مانعة عنها ؛ بل للعلم بالطهارة والنجاسة دخل في الصحة والفساد ، كما يستفاد ذلك من قوله «عليه‌السلام» : «وغسلته ثم بنيت على الصلاة».

ومنها : أن الشك الطارئ يعني : الاستصحاب ، ويستدل بها عليه بفقرتين منها ، وقد عرفت الاستدلال بهما على حجية الاستصحاب. فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ أن هذه الصحيحة تشتمل على ست فقرات ، كل فقرة منها مسألة مستقلة. إلّا إن الاستدلال على حجية الاستصحاب إنما هو بالفقرة الثالثة والسادسة فقط ؛ إذ قد علل الإمام «عليه‌السلام» عدم وجوب إعادة الصلاة فيهما باندراج اليقين والشك تحت القضية الكلية الارتكازية ، وهو مما يكشف عن إمضائه لها ورضائه بها ، ولازم ذلك حجية الاستصحاب.

٢ ـ الإشكال على الرواية : بأن الإمام «عليه‌السلام» علل عدم وجوب الإعادة بأنها نقض اليقين بالشك ، فأشكل الأمر بأنه ليس من نقض اليقين بالشك ؛ بل هو نقض اليقين باليقين ؛ لأن الإعادة مستندة إلى وجدان النجاسة بعد الصلاة.

والجواب عن هذا الإشكال : أن إحراز الطهارة ـ ولو بالاستصحاب ـ كاف في صحة الصلاة ، فالاستصحاب كاف في الحكم بصحة الصلاة ؛ إذ تكون الإعادة نقضا لليقين بالشك ، وهو منهي عنه بقوله : «لا تنقض اليقين بالشك» ، فيجري الاستصحاب ، ولازم ذلك صحة الصلاة وعدم وجوب الإعادة.

٣ ـ «لا يقال : لا مجال حينئذ ...» الخ. توضيح هذا الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : أنه يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم.

١٨٠