دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

من (١) جهة أخرى (٢) ، كما إذا احتمل (٣) أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب ، لا أصله.

فإن كان (٤) من جهة الشك في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان (٥) كالنهار الذي قيد به الصوم مثلا ، فيترتب عليه (٦) وجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله (٧) ، كما لا بأس (٨) باستصحاب نفس المقيد ، فيقال : إن الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار ، والآن كما كان ، فيجب ، فتأمل (٩).

______________________________________________________

(١) متعلق ب «الشك» في قوله : «يكون الشك» ، وضميرا «بانقطاعه ، انتفائه» راجعان إلى الزمان.

(٢) يعني : غير الشك في بقاء القيد وهو الزمان ؛ إذ المفروض : القطع بانتفائه.

(٣) هذا بيان الجهة الأخرى ، وحاصلها : الشك في كيفية قيدية الزمان ، وأنه هل أخذ في الحكم بنحو وحدة المطلوب حتى ينتفي الحكم رأسا بانقطاعه ، وهو المراد بقوله : «لا أصله» أم أخذ فيه بنحو تعدد المطلوب حتى ينتفي المطلوب الأقصى بانقضاء الوقت ؛ لا أصل المطلوب؟ فالشك في بقاء الحكم بعد مضي الوقت ناش من كيفية التقييد بالزمان. وضمير «به» راجع إلى «الزمان» ، وضمير «أصله» إلى «المطلوب».

(٤) هذا شروع في بيان أحكام الوجوه المذكورة ، وقد عرفت أحكام تلك الوجوه تفصيلا ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٥) هذا في قبال الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، حيث أجرى الاستصحاب في مفاد الهيئة وهو الحكم الشرعي المحمول على الفعل المقيد بالزمان قال : «فالأولى التمسك في هذا المقام باستصحاب الحكم المترتب على الزمان ولو كان جاريا فيه كعدم تحقق حكم الصوم والإفطار عند الشك في هلال رمضان أو شوال».

(٦) كترتب وجوب قبول شهادة الشاهد وجواز تقليد المجتهد على استصحاب العدالة والاجتهاد ونحو ذلك.

(٧) أي : زوال النهار ، وضمير «عليه» راجع على الاستصحاب.

(٨) هذا إشارة إلى جريان الاستصحاب في الفعل المقيد بالزمان كالإمساك المقيد بالنهار ، كما أن قوله : «فلا بأس باستصحاب قيده» إشارة إلى جريانه في القيد كالنهار ، وقد مر توضيح كليهما.

(٩) لعله إشارة إلى منع الوجه الأول أعني : قوله : «فلا بأس باستصحاب قيده» ، كما أفاده أيضا في حاشية الرسائل ، وحاصله : عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان ؛ إذ

٣٠١

وإن كان (١) من الجهة الأخرى : فلا مجال إلا لاستصحاب الحكم في خصوص (٢)

______________________________________________________

المستصحب إن كان هو النهار بمفاد كان التامة فلا يثبت به وقوع الإمساك في النهار إلّا على القول بالأصل المثبت ، ضرورة : أن وقوع الإمساك في النهار لازم عقلي لبقاء النهار. وإن كان هو النهار بمفاد كأن الناقصة بأن يقال : «الإمساك في زمان هو نهار كان واجبا ، والآن كما كان» فلا مجال لاستصحابه ، لعدم اليقين السابق ، ضرورة أنه لا علم بأن الإمساك في هذا الزمان إمساك في زمان هو متصف بكونه نهارا.

ويمكن أن يكون إشارة إلى دفع توهم.

أما التوهم فهو : أن الإمساك قبل هذا الآن قد ارتفع قطعا ، والإمساك في هذا الآن لو شك في وجوبه كان شكا في حدوث وجوبه لا شكا في بقاء ما علم من وجوبه سابقا حتى يكون من موارد الاستصحاب ؛ بل يكون من مجاري أصالة البراءة.

وأما الدفع ، فحاصله : أن العرف الذي يكون نظره معتبرا في الاستصحاب يحكم بأن الإمساك في النهار موضوع وحداني ، والشك في شيء منه شك في جزء من أجزائه ، لا في جزئي من جزئياته ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه. وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(١) معطوف على قوله : «فإن كان» يعني : وإن كان الشك في الحكم من جهة أخرى غير الشك في بقاء القيد ؛ بأن يشك فيه مع القطع بانتفاء القيد ، وقد عرفت : تعدد منشأ الشك في بقاء الحكم مع القطع بانقضاء الوقت من كون الزمان قيدا بنحو تعدد المطلوب أو وحدته ، مع احتمال حدوث مصلحة ملزمة في الفعل أوجبت وجوبه بعد ذلك الزمان. والمصنف ذكر صورتين تقدم تفصيل الكلام فيهما فراجع.

(٢) هذا إشارة إلى الصورة الأولى. وضمائر «فيه ، لثبوته ، لموضوعه» راجعة إلى «الحكم».

ثم إن عدّ هذه الصورة الأولى وهي كون الزمان ظرفا من أقسام الفعل المقيد بالزمان مبني على المسامحة لمباينته الظرفية للقيدية ؛ لوضوح : عدم كون الظرف قيدا إلّا أن يقال : إن مراده بقوله : «وأما الفعل المقيد بالزمان ...» الخ الفعل المقترن بالزمان في لسان الدليل ، كما إذا قال : «أكرم العلماء يوم الجمعة» مثلا ، وقيدية الزمان أو ظرفيته تحرز من قرينة داخلية أو خارجية. ويؤيده تصريحه في «لا يقال :» بقوله : «يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم» ، حيث إنه أراد بالتقييد مجرد الاقتران بالزمان ؛ لكن الإنصاف تقابل القيدية والظرفية وتغايرهما ، وهو «قدس‌سره» أعلم بما قال.

٣٠٢

ما لم يؤخذ الزمان فيه إلّا ظرفا لثبوته لا قيدا مقوما لموضوعه ، وإلّا (١) فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه فيما بعد ذلك الزمان ، فإنه (٢) غير ما علم ثبوته له ، فيكون الشك في ثبوته له أيضا (٣) شكا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه.

لا يقال (٤) : إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ، ضرورة (٥) : دخل ...

______________________________________________________

(١) أي : وإن لم يؤخذ الزمان ظرفا بل أخذ قيدا مقوما لموضوع الحكم. وهذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة آنفا بقولنا : «ثانيتهما».

(٢) هذا تعليل لقوله : «وإلّا فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه».

وحاصل التعليل : مغايرة الوجوب الذي يكون بعد زمان الفعل للوجوب الذي يكون في زمان الفعل ، ومغايرة الوجوبين تمنع من جريان الاستصحاب ؛ لكون الشك في حكم الفعل بعد ذلك الزمان شكا في حدوث التكليف ؛ لا شكا في بقائه حتى يجري فيه استصحاب التكليف. وضمائر «عدمه ، ثبوته» في الموضعين راجعة إلى «الحكم» ، وضميرا «له» في الموضعين راجعان إلى «الفعل» المستفاد من الكلام ، يعني : فإن الحكم الثابت بالاستصحاب فيما بعد ذلك الزمان غير الحكم الذي علم ثبوته للفعل قبل ذلك الزمان ، وتغاير الفعلين يوجب تعدد الموضوع ، وكون الحكم الثابت لما بعد ذلك الزمان مغايرا للحكم الثابت لما قبله ، وكون الشك فيه شكا في حدوث الحكم لا بقائه.

(٣) يعني : كما أن الشك في التكليف قبل تشريعه في ذلك الزمان يكون شكا في حدوث التكليف لا في بقائه حتى يجري فيه الاستصحاب ؛ بل لا محيص عن جريان استصحاب عدم التكليف فيه. وضميرا «ثبوته ، بعدمه» راجعان إلى الحكم.

(٤) هذا إشكال على التفصيل الذي أفاده من جريان استصحاب ثبوت التكليف فيما إذا كان الزمان ظرفا ، واستصحاب عدم التكليف فيما إذا كان الزمان قيدا.

تقريب الإشكال : أن الزمان وغيره من الزماني مما أخذ في حيّز الخطاب يصير قيدا للموضوع ودخيلا في ملاك الحكم على مبنى تبعية الأحكام لما في متعلقاتها من المصالح والمفاسد ، وإذا صار الزمان من قيود الموضوع فانتفاؤه مانع عن جريان الاستصحاب ؛ إذ لا أقل من كون انتفائه موجبا للشك في بقاء الموضوع ، ومن المعلوم : أنه مع هذا الشك لا يجري الاستصحاب ، فلا فرق في عدم جريانه في ثبوت التكليف بين ظرفية الزمان وقيديته.

(٥) تعليل لقوله : «لا محالة» وحاصله : أن قيديته للموضوع إنما هي لأجل دخله في ملاك الحكم ، وضمائر «دليله ، لثبوته ، وعدمه» راجعة إلى الحكم.

٣٠٣

مثل (١) الزمان فيما هو المناط لثبوته ، فلا (٢) مجال إلّا لاستصحاب عدمه.

فإنه يقال : نعم (٣) ؛ لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر العقل وأما إذا كانت العبرة بنظر العرف (٤) : فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في الزمانين (٥) قطع (٦) بثبوت الحكم له في الزمان الأول ، وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني ، فلا يكون مجال إلّا لاستصحاب ثبوته (٧).

______________________________________________________

(١) التعبير بالمثل للتنبيه على عدم خصوصيته في الزمان بل هو شأن كل قيد أخذ في موضوع الحكم وإن لم يكن زمانا كالتستر والاستقبال في الصلاة.

(٢) هذه نتيجة دخل الزمان في ملاك الحكم وكونه قيدا للموضوع ؛ لأن انتفاء القيد يوجب تعدد الموضوع وانثلام وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، فلا يجري استصحاب التكليف ؛ بل يجري استصحاب عدمه ، لأن المتيقن انتقاضه هو زمان التكليف ، وما بعده مشكوك الانتقاض فيستصحب عدمه. وضمير «هو» راجع على الموصول المراد به المصلحة الداعية إلى الجعل.

(٣) هذا دفع الإشكال المزبور ومحصله : أن دخل كل قيد في الموضوع إنما هو بنظر العقل المبني على الدقة. وأما بنظر العرف المسامحي الذي هو المعيار في باب الاستصحاب فلا ريب في أن الفعل الذي أخذ الزمان ظرفا لا قيدا له يكون بهذا النظر العرفي في كلا الزمانين واحدا ولا تثلم وحدته باختلاف الزمان ، فإذا شك في ثبوت الحكم بعد مضي الزمان المأخوذ ظرفا له لا يجري فيه إلّا استصحاب التكليف المعلوم حدوثه في الزمان الأول ؛ لكون الشك فيه شكا في بقاء التكليف لا في حدوثه ، فإذا علم بوجوب إكرام العلماء مثلا يوم الجمعة مع العلم بظرفية الجمعة للحكم ، وشك في بقاء الوجوب بعدها جرى استصحاب وجوب الإكرام بلا مانع ؛ إذ المفروض : ظرفية يوم الجمعة للحكم لا قيديته له.

وبالجملة : فالعرف يحكم بوحدة القضية المتيقنة والمشكوكة في صورة ظرفية الزمان ، ووحدة الفعل في الزمانين.

(٤) يعني : كما هو كذلك في باب الاستصحاب ، وأنه لا عبرة فيه بنظر العقل أصلا.

(٥) أي : زمان الفعل وما بعده.

(٦) صفة ل «موضوع واحد» هذا تقريب الاستصحاب وتطبيقه على المقام وبيان ركنيه من اليقين والشك.

(٧) هذا الضمير وضمير ارتفاعه راجعان إلى «الحكم». وضميرا «له» في الموضعين

٣٠٤

لا يقال (١) : فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين (٢) ، ويقع التعارض بين الاستصحابين كما قيل (٣).

فإنه يقال (٤) : إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين ، ...

______________________________________________________

راجعان إلى «الفعل» أو إلى «موضوع واحد» باعتبار قربه إلى الضمير والمعنى واحد ، وقوله : «فلا يكون» تفريع على اعتبار النظر العرفي في الاستصحاب.

(١) غرض هذا المستشكل : إسقاط استصحاب ثبوت التكليف عن الاعتبار في صورة ظرفية الزمان بمعارضته لاستصحاب عدمه ، ببيان : أن كلا من ثبوت التكليف وعدمه مسبوق باليقين والشك ، فكلا ركني الاستصحاب في كل من وجود التكليف وعدمه موجود ، فيجري فيهما الاستصحاب ، ويسقط بالتعارض.

توضيحه : أن وجود الحكم فيما بعد الزمان المأخوذ في دليله مشكوك فيه بعد القطع بوجوده في ذلك الزمان ، كما أن عدم الحكم قبل التشريع كان معلوما وانتقض في قطعة من الزمان قطعا ، ولم يعلم انتقاضه فيما بعده ، فبعد انقضاء ذلك الزمان يشك في وجود الحكم ، لاحتمال بقائه وعدم اختصاصه بذلك الزمان ، فيستصحب وجوده كما أنه يشك في بقاء عدمه الأزلي حيث إن المعلوم انتقاضه هو العدم في خصوص تلك القطعة من الزمان ، وانتقاضه في غيرها مشكوك فيه ، فيستصحب عدمه ، ويسقط الاستصحابان بالتعارض.

(٢) وهما نظر العرف ونظر العقل ، كما اعترف بوجود هذا النظر العقلي بقوله : «نعم ، لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ...» الخ ، فيجري الاستصحاب الوجودي للنظر العرفي والعدمي للنظر العقلي.

(٣) القائل هو الفاضل النراقي «قدس‌سره» في المناهج ، حيث قال فيما حكي عنه : «إذا علم أن الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة ، وعلم أنه واجب إلى الزوال ، ولم يعلم بوجوبه فيما بعده ، فنقول : كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى الزوال وبعده معلوما قبل ورود أمر الشارع ، وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة وعلم ارتفاعه والتكليف بالجلوس فيه قبل الزوال ، وصار بعده موضع شك ، فهاهنا شك ويقينان ، وليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم الآخر» (١). وحاصله : معارضة استصحاب وجود الحكم الثابت قبل زوال يوم الجمعة باستصحاب عدمه الأزلي.

(٤) هذا دفع الإشكال : توضيحه : أن اعتبار نظري العقل والعرف في باب

__________________

(١) نقله في فرائد الأصول ٣ : ٢٠٨.

٣٠٥

وإلّا (١) فلا يكاد يصح إذا سيق بأحدهما ؛ لعدم (٢) إمكان الجمع بينهما ، لكمال المنافاة بينهما (٣) ، ولا يكون في أخبار الباب (٤) ما بمفهومه يعمهما (٥) ، فلا يكون هناك إلّا استصحاب واحد ، وهو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا ، واستصحاب العدم فيما أخذ قيدا ؛ لما (٦) عرفت من : أن العبرة في هذا ...

______________________________________________________

الاستصحاب منوط بشمول أدلته لهما حتى يوجب شمولها لكلا النظرين وقوع التعارض بين النظرين ؛ لكنه ليس فيها لفظ يشملهما ويجمعهما ؛ بل يستحيل ذلك ، لأنه بناء على القيدية لا يكون رفع اليد عن الحكم فيما بعد ذلك الزمان نقضا للحكم السابق ، وبناء على الظرفية يكون رفع اليد عنه بعد ذلك الزمان نقضا له ، فبناء على اعتبار النظرين يلزم التناقض ؛ إذ رفع اليد نقض وليس بنقض. فلا بد أن تكون العبرة بأحد النظرين وهو نظر العرف كما تقدمت الإشارة إليه ، ويأتي تفصيله في خاتمة هذا الفصل إن شاء الله تعالى.

وببيان آخر أفاده في حاشية الرسائل : أن لحاظ تقييد الجلوس بالزوال غير لحاظ إطلاقه ، وهذان اللحاظان يمتنع اجتماعهما ، فلا بد أن يكون الدليل بأحد اللحاظين ، كما لا يمكن أن يكون مهملا ؛ إذ لازمه سقوطه عن الاعتبار ، قال : «وكأن المتوهم ـ أي : الفاضل النراقي ـ نظر في كل استصحاب إلى لحاظ وغفل عن امتناع الجمع بينهما» ويستفاد هذا من عبارة الشيخ أيضا. والحاصل : أنه بناء على ظرفية الزمان لا يجري إلّا استصحاب الوجود ، ولا يجري استصحاب العدم حتى يرد عليه إشكال المعارضة.

والمشار إليه «ذلك» تعارض الاستصحابين وتعارضهما إنما يكون فيما إذا عم الدليل بمفهومه كلا النظرين.

(١) أي : وإن لم يكن في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين فلا يصح جريان الاستصحاب إلّا بلحاظ أحد النظرين ، وهو النظر العرفي ؛ إذ الخطابات ملقاة إليهم.

(٢) تعليل لقوله : «لا يكاد يصح».

(٣) هذا الضمير وضميرا «بينهما ، بأحدهما» راجعة إلى النظرين ، ووجه كمال المنافاة بين النظرين هو ما عرفت من التناقض.

(٤) ولو فرض ظهور دليل في ذلك فلا بد من رفع اليد عنه ؛ لما مر من امتناع الأخذ بكلا النظرين معا ، وضمير «بمفهومه» راجع إلى «ما» الموصول المراد به الخبر.

(٥) أي : يعم النظر العرفي والعقلي.

(٦) تعليل لقوله : «فلا يكون هناك استصحاب واحد».

٣٠٦

الباب (١) بالنظر العرفي ، ولا شبهة (٢) في أن الفعل فيما بعد ذاك الوقت مع ما قبله في الأول (٣) ، ومتعدد في الثاني (٤) بحسبه ، ضرورة (٥) : أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر ولو (٦) بالنظر المسامحي العرفي.

______________________________________________________

وحاصل التعليل كما تقدم هو : أن العبرة في تعيين الموضوع في الاستصحاب هو العرف ، ففيما إذا كان الزمان بنظره ظرفا يجري استصحاب الثبوت ، وفيما إذا كان قيدا يجري استصحاب العدم.

وبالجملة : فالجاري في المقام استصحاب واحد وهو إما وجودي على تقدير ، وإما عدمي على آخر ، لا استصحابان حتى يتعارضان ، فقوله : «إلّا استصحاب واحد» تعريض بمن يجري استصحابين ويلقي بينهما التعارض ، وقوله : «فلا يكون» نتيجة عدم دليل يعم بمفهومه النظرين.

(١) أي : الاستصحاب ، ووجه العبرة بالنظر العرفي في ذلك هو كون الخطابات الشرعية ملقاة إلى العرف ، فلا بد من الرجوع إليهم في فهم معانيها.

(٢) غرضه : بيان ما يفهمه العرف في الفعل المقرون بالزمان من اتحاده في صورة الظرفية ، وتعدده في صورة القيدية ، فالفعل مع الزمان موضوع وبدونه موضوع آخر ، فلا يجري فيه الاستصحاب ، بخلاف ظرفية الزمان ، فإن الفعل معه وبدون موضوع واحد ، فيجري فيه الاستصحاب.

(٣) وهو ما إذا أخذ الزمان ظرفا ، وضمير «قبله» راجع إلى «ذلك الوقت» و «متحد» خبر «أن الفعل».

(٤) وهو ما إذا أخذ الزمان قيدا ، وضمير «بحسبه» راجع إلى العرف ، يعني : ولا شبهة في أن الفعل بحسب نظر العرفي متحد في الأول ، ومتعدد في الثاني.

(٥) تعليل للتعدد في صورة قيدية الزمان ؛ وحاصله : أن القيد يضيق دائرة موضوع الحكم ويخرج الإطلاق عن تمام الموضوعية ، فإذا قال الشارع : «الماء الكر لا ينفعل أو عاصم» اختص الحكم بعدم الانفعال بالماء البالغ كرّا دون غيره ، فالموضوع وهو الماء الكر مغاير للماء غير الكر ولا يتحدان ، ومن القيود الزمان إذ لا فرق في القيد المأخوذ في لسان الدليل موضوعا للحكم بين الزمان وغيره.

(٦) يعني : حتى بالنظر المسامحي العرفي فضلا عن النظر الدقي العقلي.

غرضه : أن العرف مع سعة نظره ومسامحته في تشخيص المفاهيم يحكم بتعدد الفعل المقيد بالزمان كالجلوس إلى الزوال إذا فرض تقيده بزمان آخر ، فإن العرف يرى تعدده وتغايره باعتبار تقيده بزمانين.

٣٠٧

نعم (١) ؛ لا يبعد أن يكون بحسبه أيضا (٢) متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي ، وأن (٣) حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت ؛ وإن لم يكن باقيا بعده (٤) قطعا ، إلّا إنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة (٥) من مراتبه ، فيستصحب (٦) ، فتأمل ...

______________________________________________________

(١) استدراك على قوله : «ومتعدد في الثاني» وإشارة إلى الصورة الرابعة التي أشرنا إليها في صدر البحث عن الفعل المقيد بالزمان. بقولنا : «ثانيتهما : كون الزمان قيدا للحكم بنحو تعدد المطلوب ...» الخ.

وتوضيحه : أن التعدد المانع عن الاستصحاب في صورة قيدية الزمان إنما هو فيما إذا كان قيدا للحكم بنحو وحدة المطلوب ، وأما إذا كان بنحو تعدد المطلوب ؛ بأن يكون الجلوس مطلقا مطلوبا ، وتقيده بزمان خاص مطلوبا آخر ؛ بحيث لا تنثلم وحدة الموضوع وهو الجلوس بانقضاء ذلك الوقت ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه بعد كون الفعل واحدا عرفا ؛ لكون الشك شكا في بقاء مطلوبيته وإن كانت مطلوبيته بقاء ؛ لاستنادها إلى مصلحة في ذات المطلق غير المصلحة القائمة بالمقيد بالزمان الخاص.

وبالجملة : فتكون إحدى صورتي التقييد ـ وهي التقييد بنحو تعدد المطلوب ـ كصورة الظرفية في وحدة الموضوع.

(٢) أي : كاتحاد الفعل في الزمانين بنظر العقل ، وضمير «بحسبه» راجع إلى «النظر المسامحي» ، والضمير المستتر في «يكون» راجع إلى الفعل.

(٣) معطوف على «أنه» ومفسر له ، وبيان لاحتمال كونه بنحو تعدد المطلوب. وضمائر «حكمه» في الموضعين و «أنه» راجعة إلى الفعل ، يعني : إن حكم الفعل الذي كان مع ذلك الوقت بتلك المرتبة القصوى من المطلوبية وإن لم يكن باقيا بعد ذلك الوقت على تلك المرتبة من المطلوبية لدخل الوقت فيها ؛ إلّا إنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة ؛ إذ مع القطع بعدم بقائه بانقضاء الوقت يكون من باب وحدة المطلوب دون تعدده.

(٤) أي : بعد الوقت ، وضمير «بقاؤه» راجع إلى «حكمه».

(٥) أي : المرتبة العليا من المراتب التي كان الحكم واجدا لها في ذلك الزمان.

(٦) بدعوى : أن الحادث على فرض حدوثه يكون وجودا بقائيا بنظر العرف للموجود السابق نظير السواد الضعيف بالنسبة إلى الشديد منه ، ولا يعد بنظرهم موجودا مباينا للموجود السابق ، هذا في الأعراض الخارجية ، ويمكن أن يكون منه وجوب صلاة

٣٠٨

جيدا (١).

إزاحة وهم (٢) : لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلها يكون مما إذا

______________________________________________________

الجمعة في عصر الغيبة بناء على وجوبها التخييري ، بدعوى : أن هذا الوجوب عرفا وجود استمراري لوجوبها في عصر الحضور وإن كان ذلك الوجوب تعيينيا وهذا تخييرا ، فتدبر.

(١) لعله إشارة إلى منع جريان الاستصحاب فيما إذا أخذ الزمان قيدا ، ضرورة : أن القيد دخيل في الموضوع أو المحمول ، وانتفاؤه على كلا التقديرين قادح في وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة ، ومع هذا القدح كيف يجري الاستصحاب؟ وتشابه الحكمين لفعل في زمانين لا يوجب وحدة الموضوع المصححة لجريان الاستصحاب ، فإن حكم الصلاة والصوم وهو الوجوب متحد سنخا مع تغاير متعلقيهما وتباينهما ؛ بل الشك في القدح أيضا يمنع عن جريان الاستصحاب ؛ لكون الشك في وحدة الموضوع موجبا للشك في صدق النقض المانع عن صحة التمسك بدليل الاستصحاب ، كما لا يخفى.

(٢) هذا الوهم من الفاضل النراقي «قدس‌سره» ، فإنه بعد بيان تعارض استصحابي الوجود والعدم في مثال وجوب الجلوس يوم الجمعة إلى الزوال على ما تقدم في عبارته ؛ ذكر أمثلة أخرى للتعارض المزبور :

منها : ما إذا عرض للمكلف مرض يوجب الشك في وجوب الصوم عليه ، فإنه استصحاب وجوب الصوم قبل عروض المرض واستصحاب عدمه الأصلي قبل تشريع وجوب الصوم يجريان ويتعارضان.

ومنها : ما إذا خرج المذي من المتطهر ، فإنه يجري فيه استصحاب الطهارة قبل خروجه ، واستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، ويتعارضان.

ومنها : ما إذا غسل ثوبه المتنجس مرة وشك في حصول الطهارة له بذلك ، فإنه يجري فيه استصحاب النجاسة قبل الغسل ، واستصحاب عدم كون ملاقاة البول مثلا سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، فيتعارضان ويتساقطان.

ففي هذه الأمثلة ونظائرها تسقط الاستصحابات بالتعارض ؛ إلّا أن يكون هناك استصحاب آخر حاكم على استصحاب العدم ؛ كاستصحاب عدم جعل مشكوك الرافعية رافعا ، حيث إن منشأ الشك في بقاء الوضوء بعد خروج المذي هو الشك في رافعية المذي للطهارة ، فإذا جرى الاستصحاب في عدم رافعيته منع ذلك عن جريان استصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم قال الفاضل النراقي : «هذا في الأمور الشرعية ، وأما الأمور الخارجية كاليوم والليل والحياة والرطوبة والجفاف ونحوها مما لا دخل لجعل الشارع في وجودها فاستصحاب الوجود فيها حجة بلا معارض ؛ لعدم تحقق استصحاب حال عقل معارض باستصحاب وجودها» (١). هذا حاصل الوهم.

فالمتحصل : أنه ذكر الفاضل النراقي : أنه لو تطهر الإنسان ثم خرج منه مذي يشك في كونه ناقضا أم لا يتعارض ، هنا استصحابان : استصحاب الطهارة ، واستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، وهكذا إذا غسل الثوب النجس بالماء مرة ـ إذا شك في لزوم الغسل مرة أو مرتين ـ فإنه يتعارض استصحاب النجاسة واستصحاب عدم جعل الشارع الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة.

ثم جعل الفاضل «رحمه‌الله» استصحاب عدم الرافعية للمذي والغسل مرة حاكما على ذينك الاستصحابين المتعارضين ثم ذكر أن التعارض والحكومة إنما هو بالنسبة إلى الأمور الشرعية ، أما الأمور الخارجية كالليل والنهار ، فلا مجال إلّا لاستصحاب الوجود فيها فلا يعقل التعارض.

وقد أجاب المصنف «قدس‌سره» بما ملخصه : أن الطهارة والنجاسة الحدثية والخبثية مما ثبت في الشريعة أنها تدوم إذا حدثت ، فلا مجال إلّا لاستصحاب الطهارة بعد خروج المذي واستصحاب النجاسة بعد الغسل بالماء مرة ؛ إذ «لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلها» أي : يقابل الطهارة ـ وهي النجاسة الحدثية والخبثية ـ «يكون مما إذا وجدت بأسبابها» المقررة في الشريعة ، «لا يكاد يشك في بقائها إلّا من قبل الشك في الرافع لها» ، فالمذي إذا خرج يشك في كونه رافعا للوضوء أم لا ، لا أنه يشك في أن الوضوء له مقتض للبقاء بعده أم لا ، وكذلك بالنسبة إلى الغسل مرة بعد النجاسة فإنه يشك في كون الغسل مرة رافعا أم لا ، لا أنه يشك في كون النجاسة لها مقتض للبقاء بعد الغسل مرة أم لا ؛ «لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها» أي : أسباب الطهارة والنجاسة ، وأنه هل سبب الطهارة والنجاسة ذو مقتض طويل أم مقتض قصير.

ثم قوله : «إن الطهارة الحدثية» إشارة إلى المثال الثاني الذي ذكره الفاضل النراقي «قدس‌سره» من الوضوء المتعقب بالمذي.

قوله : «الخبثية» إشارة إلى المثال الثالث المذكور في كلام النراقي ، وهو الشك في

__________________

(١) نقله في فرائد الأصول ٣ : ٢١٠.

٣١٠

وجدت بأسبابها ، لا يكاد يشك في بقائها إلّا من قبل الشك في الرافع لها ، لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها ، ضرورة (١) أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها ، كانت من الأمور الخارجية (٢) أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها

______________________________________________________

طهارة الثوب المتنجس المغسول مرة ، ولم يتعرض المصنف «قدس‌سره». للمثال الأول وهو وجوب الصوم بعد عروض المرض.

(١) تعليل لكون الشك في بقائها لأجل الشك في وجود رافعها لا لأجل الشك في مقدار تأثير أسبابها.

وحاصل التعليل : الحكم ببقاء المسبب عند وجود سببه وعدم ارتفاعه إلّا بحدوث رافع. وضميرا «أسبابها ، أنها» راجعان إلى الطهارة ، وضمير «بها» راجع إلى «أسبابها» ، وضمير «لها» إلى الطهارة.

(٢) يعني : لا فرق فيما ذكرناه من بقاء الطهارة إذا وجدت بأسبابها وعدم ارتفاعها إلّا بحدوث رافع بين كون الطهارة من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، كما احتمله بعض ، وبين كونها من الأمور الاعتبارية التي اعتبرها الشارع ، وعلى الاحتمال الأول : تكون موضوعا لأحكام شرعية ، وعلى الثاني : الذي هو مذهب الجلّ تكون بنفسها حكما شرعيا إن كان معتبرها الشارع ، وإن كان معتبرها العرف كما هو ظاهر قوله : «أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية» تكون موضوعا لأحكام شرعية كالاحتمال الأول.

وكيف كان ؛ فغرض المصنف «قدس‌سره» هو الإشارة إلى بطلان تفصيل الفاضل النراقي بين الأمور الشرعية والخارجية بتعارض استصحابي الوجود والعدم في الأول ، وجريان استصحاب الوجود فقط في الثاني من دون جريان استصحاب العدم فيه حتى يتعارضا.

وأما وجه البطلان : فلأن الشك في الأمثلة المذكورة كلها شك في الرافع وليس الشك فيها شكا في المقتضي أي : في مقدار تأثير الشك. وعليه : فلا مجال لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، ولا لأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، ولا يكون هاهنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو النجاسة يعني بها : استصحاب الطهارة من قبل المذي أو استصحاب النجاسة من قبل الغسل مرة.

وذلك لم نعلم من أن الشارع جعل الوضوء سببا تاما للطهارة وملاقاة البول سببا تاما للنجاسة لا قصور في سببيتهما أصلا وإنما يقع الشك في رافعية المذي للطهارة أو الغسل

٣١١

آثار شرعية (١) ، فلا أصل (٢) لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، وأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، كما حكي عن بعض الأفاضل (٣) ، ولا يكون هاهنا (٤) أصل إلّا أصالة الطهارة أو النجاسة.

______________________________________________________

مرة للنجاسة. فليس الشك في مقدار سببية السبب وتأثير المؤثر حتى يستصحب عدم جعل جعل الشارع الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، وعدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، ويعارض استصحاب الطهارة من قبل المذي واستصحاب النجاسة من قبل الغسل مرة.

فالنتيجة : أنه ليس هاهنا إلّا استصحاب واحد فلا موضوع لتوهم تعارض الاستصحابين أصلا ، وقد أضربنا عن التطويل رعاية للاختصار.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) هذا التقييد لتصحيح جريان الاستصحاب في الطهارة ؛ إذ لو لم تكن موضوعا لآثار شرعية لم يجر فيها الاستصحاب.

(٢) هذه نتيجة تأثير الأسباب في مسبباتها بنحو الإطلاق بحيث لا يشك في بقائها إلّا من ناحية الشك في وجود الرافع لها ، لا من جهة الشك في مقتضيها حتى يبقى مجال لمثل أصالة عدم الوضوء سببا للطهارة بعد المذي.

والحاصل : أن غرض المصنف «قدس‌سره» منع جريان مثل هذا الأصل في الموارد المذكورة في كلام الفاضل ؛ لكون الشك الموضوع في تلك الأصول شكا في المقتضي ، والمفروض : أن الدليل الاجتهادي بمقتضى إطلاقه الأزماني ينفي هذا الشك ، ويثبت استعداد الطهارة ونظائرها للبقاء في سلسلة الزمان ، وأنها لا ترتفع إلّا بحدوث رافع لها ، فعدم جريان الاستصحاب العدمي في تلك الأمثلة وأشباهها إنما هو لعدم الموضوع أعني :الشك ؛ لا لكونه شكا في المقتضي حتى يقال بعدم قدح ذلك في جريان الاستصحاب فيه كما هو مذهب جماعة ومنهم المصنف «قدس‌سره».

(٣) وهو الفاضل النراقي وقد تقدم نقل كلامه.

(٤) أي : في الطهارة الحدثية والخبثية ، فإنه بعد خروج المذي تستصحب الطهارة الحدثية ، وبعد غسل الثوب المتنجس مرة تستصحب نجاسته ، وكلاهما استصحاب وجودي ولا يجري فيهما استصحاب عدمي حتى يعارض الوجودي. وهنا كلام طويل حول كلام الفاضل النراقي تركناه رعاية للاختصار.

٣١٢

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان ما هو محل الكلام في المقام هي الأمور غير القارة التي لا تجتمع أجزاؤها في الوجود في زمان واحد.

وفي جريان الاستصحاب فيها إشكال ؛ لأن الجزء الأول المتيقن قد زال يقينا ، والجزء الثاني مشكوك الحدوث ، فلا شك في بقاء ما هو المتيقن سابقا حتى يجري فيه الاستصحاب.

ثم الأمور غير القارة على ثلاثة أقسام :

الأول : هو الزمان كالليل والنهار ونحوهما.

الثاني : الزماني الذي لا استقرار لوجوده بل يتجدد شيئا فشيئا على التدريج ؛ كالتكلم والكتابة والمشي ونبع الماء وسيلان الدم ونحو ذلك.

الثالث : المستقر الذي يؤخذ الزمان قيدا له كالصوم المقيد بشهر رمضان المبارك ، والجلوس المقيد بيوم الخميس. وهذا التقسيم الثلاثي هو مختار الشيخ الأنصاري «قدس‌سره». وأما المصنف : فجعل الأمور غير القارة على قسمين وهما : الزمان والزماني.

٢ ـ قد أجاب صاحب الكفاية عن إشكال جريان الاستصحاب في الأمور غير القارة بوجهين :

الوجه الأول : أن الأمور غير القارة هي عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل ، فالزمان عبارة عن سلسلة الآنات المتعاقبة على نهج الاتصال ، وكذا الحال في الزماني ، فإن وجود كل جزء من الكلام يتوقف على انعدام جزئه السابق ، ووجود كل شيء بحسبه ، فالتجددات المتصلة بالاتصال التعاقبي موجود واحد وبقاء آخر الجزء بقاء للأمر التدريجي.

وعليه : فيجري فيه الاستصحاب كما يجري الاستصحاب في الأمور القارة ؛ إذ مدار حجية الاستصحاب على صدق نقض اليقين بالشك عرفا ، ولما كان الأمر التدريجي واحدا بنظرهم ؛ بحيث يعدّ أوّله حدوثا وما بعده بقاء كالأمر القار ؛ فلا محالة يجري الاستصحاب ، فالوجود التدريجي لا يمنع عن جريان الاستصحاب. هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

٣ ـ وأما الوجه الثاني : أن التدرج في الوجود مانع عن جريان الاستصحاب في

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الحركة القطعية ، وهي كون شيء في كل آن في حد أو مكان لا في الحركة التوسطية وهي كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ، فإن الحركة بهذا المعنى أمر مستمر.

وعليه : فلا مجال للإشكال في استصحاب الليل والنهار فإن النهار عبارة عن كون الشمس تحت الأرض بين المغرب والمشرق ، والنهار عبارة عن كونها على وجه الأرض بين المشرق والمغرب ، فهما من مصاديق الحركة التوسطية التي يجري فيها الاستصحاب بلا إشكال أصلا ، فيستصحب عدم وصول الأمر التدريجي إلى المنتهى وأنه بعد في البين.

٤ ـ جريان استصحاب الكلي بأقسامه الثلاثة في الأمور التدريجية ، فإذا اشتغل بقراءة سورة تبارك مثلا ، وشك في الفراغ عنها صح استصحاب قراءتها بنحو استصحاب الشخص والكلي إن كان للكلي أثر شرعا. هذا من القسم الأول.

وإذا اشتغل بقراءة سورة لم يعلم أنها سورة الروم أو القدر مثلا ، فإن كانت الأولى لم يفرغ عنها ، وإن كانت الثانية فقد حصل الفراغ منها ، فيدور الأمر بين الطويل والقصير ، فيجوز استصحاب كلي القراءة دون الفرد. هذا من استصحاب القسم الثاني من الكلي.

وإذا اشتغل بقراءة سورة القدر مثلا ، وتمت ولكن شك في شروعه في سورة أخرى مقارنة لختمها ، فلا يجوز استصحاب القراءة وهو من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي.

٥ ـ أما الفعل المقيد بالزمان : فإن الشك في بقاء الفعل المقيد بالزمان يتصور على وجهين : وكل وجه يتصور على وجهين.

فالوجوه والأقسام فيه هي أربعة :

الوجه الأول : أن يكون الشك فيه ناشئا من الشك في بقاء قيده ؛ كالشك في وجوب الإمساك لأجل الشك في بقاء قيده وهو النهار.

ثم الشبهة فيه قد تكون موضوعية كالشك في انتهاء النهار مع العلم بأنه ينتهي بغياب قرص الشمس.

وقد تكون حكمية ، كما إذا لم يعلم بأن النهار ينتهي باستتار القرص أو بذهاب الحمرة. فهذا الوجه وجهان.

الوجه الثاني : أن يكون الشك في الوجوب مع القطع بانقضاء الزمان ، فللشك في بقاء الحكم في هذا الوجه ـ وهو القطع بانتفاء الوقت أيضا ـ وجهان :

أحدهما : كون الزمان قيدا بنحو وحدة المطلوب ، فبانتفاء الزمان ينتفي الحكم.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : كون الزمان قيدا للحكم بنحو تعدد الحكم بأن تكون ذات الجلوس مطلوبة ، وكونه في النهار مطلوبا آخر ، فمجموع الوجوه والأقسام هي أربعة.

٦ ـ أما أحكام هذه الوجوه : فهي مختلفة بمعنى يجري الاستصحاب في بعضها دون البعض.

وأما الوجه الأول المنقسم إلى الوجهين : فيجري الاستصحاب فيهما ، وأما الوجه الثاني : فيجري فيه الاستصحاب إذا كان الزمان ظرفا ، ولا يجري إذا كان قيدا مقوّما للموضوع لتعدد الموضوع.

٧ ـ تعارض استصحابي الوجود والعدم ، وسقوطه بالتعارض كما يقول به الفاضل النراقي.

وحاصل الجواب : أنه بناء على ظرفية الزمان لا يجري إلّا استصحاب الوجود ، ولا يجري استصحاب العدم حتى يقع التعارض بين الاستصحابين.

وأما بناء على قيدية الزمان : فلا يجري إلّا استصحاب العدم فلا تعارض في البين.

إزاحة وهم :

تقريب الوهم : هو تعارض استصحاب وجوب الصوم قبل عروض المرض باستصحاب عدم وجوب الصوم قبل التشريع.

وكذا تعارض استصحاب الطهارة قبل خروج المذي باستصحاب عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد خروج المذي.

وكذا تعارض استصحاب النجاسة قبل غسل الثوب النجس مرة باستصحاب عدم كون ملاقاة البول مثلا سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، فتسقط هذه الاستصحابات بالتعارض.

وقد دفع المصنف هذا الوهم بما ملخصه : من أن الطهارة والنجاسة تدوم في الشرعية بعد حدوثهما ، فليس هنا إلّا استصحاب الطهارة بعد خروج المذي واستصحاب النجاسة بعد الغسل مرة.

وكذلك استصحاب وجوب الصوم بعد عروض المرض.

ففي كل مورد استصحاب واحد فلا مجال للتعارض والتساقط.

٩ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

جريان الاستصحاب في الأمور غير القارة. كما يجري في الأمور القارة بلا إشكال.

٣١٥

الخامس (١) : إنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا ، لا ينبغي

______________________________________________________

التنبيه الخامس في الاستصحاب التعليقي

(١) وقبل الخوض في البحث ينبغي تحرير ما هو محل الكلام في هذا التنبيه الخامس.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الحكم تارة : يكون فعليا من جميع الجهات ، وأخرى : يكون فعليا من بعض الجهات دون بعض ، ويعبّر عن القسم الأول بالحكم التنجيزي.

وعن القسم الثاني يعبّر بالحكم التعليقي تارة ؛ وبالحكم التقديري أخرى.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام في هذا التنبيه الخامس إنما هو في جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وعدم جريانه بعد القول بجريان الاستصحاب في الأحكام التنجيزية.

وأما على القول بعدم جريان الاستصحاب في الأحكام : فلا يبقى مجال للبحث عن جريانه في الأحكام التعليقية ؛ وذلك لعدم جريانه حينئذ فيها قطعا كما لا يخفى.

وكيف كان ؛ فقبل التكلم في جريان الاستصحاب التعليقي وعدمه لا بد من بيان مقدمة ، وهي : أن العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام على أقسام :

فتارة : يكون أخذ العنوان لمجرد الإشارة إلى حقيقة المعنون بلا دخل للعنوان في ثبوت الحكم أي : بحيث يفهم العرف من نفس الدليل الدال على الحكم أن الحكم ثابت لهذا الموضوع ، مع تبدل العنوان المأخوذ بعنوان آخر ؛ كعنوان الحنطة والشعير مثلا ، فإنه إذا دل دليل على أن الحنطة حلال ، ويستفاد منه عرفا أن الحلية ثابتة لحقيقة الحنطة ـ ولو مع تبدل هذا العنوان ـ كما إذا صار دقيقا ثم عجينا ثم خبزا ، فيستفاد من حليتها الحلية في جميع هذه التبدلات ، ففي مثل ذلك لا شك في بقاء الحكم في حال من الحالات ، حتى نحتاج إلى الاستصحاب.

وأخرى : يكون الأمر بعكس ذلك ـ أي : يفهم العرف من نفس الدليل أن الحكم دائر مدار العنوان فيرتفع بارتفاعه ـ كما في موارد الاستحالة ؛ كاستحالة الكلب ملحا ونحوها من موارد الاستحالات.

وقد يستفاد ذلك في غير موارد الاستحالة ، كما في حرمة الخمر فإنها تابعة لصدق عنوانه ، فإذا تبدل عنوانه لم يحتمل بقاء حكمه ، ففي أمثال ذلك نقطع بارتفاع الحكم بمجرد تبدل العنوان فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب.

وثالثة : لا يستفاد أحد الأمرين من نفس الدليل ، فشك في بقاء الحكم بعد تبدل

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العنوان ؛ لاحتمال مدخلية العنوان في ترتب الحكم ، وهذا كالتغير المأخوذ في نجاسة الماء ، فإنه لا يعلم أن النجاسة دائرة مدار التغير التغير حدوثا وبقاء ، أو أنها باقية بعد زوال التغير أيضا لكونه علة لحدوثها فقط. وهذا القسم هو محل الكلام في جريان الاستصحاب.

وظهر بما ذكرنا من تحقيق موارد الاستصحاب التعليقي : أن تمثيلهم له بماء الزبيب غير صحيح ، فإن الاستصحاب إنما هو فيما إذا تبدلت حالة من حالات الموضوع فشك في بقاء حكمه ، والمقام ليس كذلك ؛ إذ ليس المأخوذ في دليل الحرمة هو عنوان العنب ليجري استصحاب الحرمة بعد كونه زبيبا ؛ بل المأخوذ فيه هو عصير العنب ، وهو الماء المخلوق في كامن ذاته بقدرة الله تعالى ، فإن العصير ما يعصر من الشيء من الماء ، وبعد الجفاف وصيرورته زبيبا لا يبقى ماؤه الذي كان موضوعا للحرمة بعد الغليان.

وأما عصير الزبيب : فليس هو إلا ماء آخر خارج عن حقيقته وصار حلوا بمجاورته ، فموضوع الحرمة غير باق ليكون الشك شكا في بقاء حكمه ، فيجري فيه الاستصحاب.

وبعد الغض عن المناقشة في المثال نقول : إن البحث في الاستصحاب التعليقي ذو أثر كبير في باب الفقه للتمسك به في موارد كثيرة من الأحكام التكليفية والوضعية ، منها : استصحاب حرمة العصير العنبي بعد غليانه إذا شك فيها بعد زوال عنوانه وتبدله إلى زبيب ، فيقال : إنه لا إشكال في ماء العنب إذا غلى قبل أن يذهب ثلثاه يحرم وإنما الإشكال فيما إذا صار العنب زبيبا. هل كان استصحاب الحرمة التعليقية جاريا فيحرم عند تحقق الغليان أم لا؟ بل تستصحب الإباحة السابقة التي كانت لماء الزبيب قبل الغليان.

وكيف كان ؛ فإثبات اعتبار الاستصحاب في الأحكام التعليقية منوط بالبحث في مقامين :

أحدهما : في وجود المقتضي له وهو عموم أو إطلاق أدلة الاستصحاب. والآخر : عدم المانع أعني : معارضة الاستصحاب التعليقي في كل مورد بالاستصحاب التنجيزي على خلاف الحكم المشروط ، وممن التزم بجريان الاستصحاب التعليقي لوجود المقتضي هو صاحب الكفاية «قدس‌سره» ، وذكر في تقريبه : أن قوام الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك في البقاء متحقق في الأحكام التعليقية ، لأن غاية ما يقال في نفيه : أن الحكم التعليقي لا وجود له قبل وجود ما علق عليه ، فلا يقين بحدوثه ، وهذا قول فاسد ؛ لأنه لا وجود له فعلا قبل الشرط ؛ لا أنه لا وجود له أصلا ولو بنحو التعليق ، فإن وجوده

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التعليقي نحو وجود يكون متعلقا لليقين والشك ، ولذا كان متعلقا للخطابات الشرعية من إيجاب وتحريم.

فالوجه في حجية الاستصحاب التعليقي هو اجتماع أركانه فيه من اليقين السابق والشك اللاحق ، ووجود الأثر الشرعي فيشمله عموم أو إطلاق أدلة الاستصحاب.

توضيحه : أن حرمة ماء العنب ـ وإن كانت مشروطة الغليان ـ لكنها من المجعولات الشرعية كمجعولية أحكامه المطلقة كالملكية وجواز البيع والحلية ، وتلك الحرمة المشروطة معلومة ، ومع عروض حالته على العنب ـ كصيرورته زبيبا ـ تصير مشكوكة لاحتمال الحرمة بخصوص ماء العنب على تقدير الغليان ، فيجتمع اليقين بالحرمة المشروطة التي هي حكم شرعي والشك في بقائها الناشئ من عروض وصف الزبيبية عليه ، فيشمله دليل الاستصحاب الموجب لحرمة ماء الزبيب أيضا إذا غلى.

وقد ظهر مما ذكرنا : ما هو الضابط في الاستصحاب التعليقي وهو كون المستصحب حكما ثابتا لموضوع منوطا بوجود شرط مفقود كالغليان الذي هو شرط حرمة العصير العنبي ، أو منوطا بفقد مانع موجود كما إذا أوصى شخص بمال لزيد على تقدير ترك شرب التتن ، فإن كان زيد فقيها وصار تاجرا مثلا قبل موت الموصي فإن الشك في ملكية زيد لتبدل حاله ـ وهو الاشتغال بالعلم ـ بالتجارة يكون من هذا القبيل فيقال : زيد مالك للمال الموصى به بعد موت الموصي الذي هو أحد جزئي موضوع الملكية على تقدير ترك الدخان والآن كما كان هذا إذا لم يعلم ولو من الخارج أن للفقاهة دخلا موضوعيا ، وإلّا دار الحكم مدارها وخرج عن مورد البحث.

وهناك قول بعدم جريان استصحاب الحرمة التعليقية لوجوه ؛ بعضها راجع إلى عدم المقتضي للجريان ، وبعضها راجع إلى وجود المانع من الجريان.

الأول : أنه لا مقتضى للجريان من جهة عدم المتيقن السابق ، حيث لا يكون ماء الزبيب حراما قبل الغليان ، فيكون المرجع بعد الغليان هو استصحاب الإباحة والحلية.

الثاني : أنه لا تكون القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقنة ، حيث إن الزبيب مباين مع العنب عرفا.

الثالث : أنه على فرض تسليم المتيقن السابق واتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة يكون المانع من استصحاب الحرمة وهو أنه معارض باستصحاب الإباحة والحلية الثابتة قبل الغليان ، فبعد التعارض والتساقط يكون المرجع هو قاعدة الحل والطهارة.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابع : أن استصحاب التعليقي يكون من الشك في المقتضي والاستصحاب غير معتبر فيه.

الجواب عن هذه الوجوه :

وأما الوجه الأول : فهو مردود من جهة أن الملاك في جريان الاستصحاب كون الحكم المستصحب بيد الشارع ، من دون فرق بين الشك في الرافع أو في المقتضي ، فيقال في المقام : إنه كما أن الحكم المنجّز حكم وجعله يكون بيد الشارع ، كذلك الحكم التعليقي المشروط أيضا يكون إنشاؤه بيده ، حيث إن تحقق كل شيء يكون بحسبه ، فتستصحب الحرمة التعليقية ، حيث لا يعتبر في الاستصحاب إلّا الشك في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته واختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك.

وخلاصة ما في الكفاية : هو أنه إن كان العموم أو الإطلاق لدليل الحكم فهو ، وإلّا يكون الاستصحاب متمما لدلالة الدليل على الحكم مطلقا كان الحكم أو معلقا ، فبركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة. هذا بناء على أن يكون عنوان العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا من مقوماته.

وأما الجواب عن الوجه الثاني : فمن جهة أنا نمنع عدم الاتحاد ، حيث إن عنوان العنبية والزبيبية يكون من حالات الموضوع لا من مقوماته ، فالمقام يكون من قبيل مراتب وجود زيديّة زيد ، حيث إن عناوينه من صغره وكبره وشبابيته وشيخوخته لا تكون من مقوماته حتى تكون موجبة لتعدده ؛ بل تكون من حالاته ، فهو باق على وحدته ، فكذلك المقام يكون عنوان العنبية والزبيبية من حالات ذلك الحب لا من مقوماته ، فكما يصح استصحاب أحكامه المطلقة يصح استصحاب أحكامه المعلقة ، فكما يحكم ببقاء ملكيته يحكم بحرمته على تقدير غليانه.

وثانيا : على فرض تسليم عدم الاتحاد ـ في خصوص مثال العنب والزبيب ـ لا يكون ذلك موجبا لعدم الاتحاد ومانعا عن جريان الاستصحاب التعليقي في جميع الموارد.

وأما الجواب عن الوجه الثالث : فقد يجاب عنه أولا : بأن استصحاب الحرمة التعليقية حاكم على استصحاب الإباحة والحلية ؛ لأن الشك في الإباحة يكون ناشئا عن الشك في الحرمة التعليقية ، فبعد استصحاب الحرمة التعليقية لا شك في الحلية.

ويجاب ثانيا بمنع المعارضة بما حاصله : أن المستفاد من دليل العصير العنبي هو أن الحلية تكون مغيّا بالغليان ، والحرمة تكون بعد الغليان ، فاستصحاب الحلية يثبت الحلية

٣١٩

الإشكال فيما إذا كان مشروطا معلقا (١) ، فلو شك في مورد لأجل طروء بعض الحالات (٢) عليه في (٣) بقاء أحكامه ؛ ففيما (٤) صح استصحاب أحكامه المطلقة (٥)

______________________________________________________

إلى زمان الغليان ، واستصحاب الحرمة التعليقية يثبت الحرمة بعد الغليان ، فالموضوع متعدد فلا معارضة بعد تعدد الموضوع.

وأما الجواب عن الوجه الرابع : فلأن الاستصحاب معتبر في الشك في المقتضي هذا أولا ، وثانيا نمنع كونه في المقتضي حيث إن جعل الشارع ذهاب الثلثين مطهرا كاشف عن أنه يكون في الرافع لا المقتضي.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) يعني كما لا إشكال في حجية الاستصحاب فيما إذا كان الحكم المتيقن فعليا من جميع الجهات ، وهو المراد بقوله : «مطلقا» كملكية العنب وجواز بيعه وأكله ، وغيرها من التصرفات الاعتبارية والخارجية المجعولة له ، مع وجود شرائطها ، كذلك لا ينبغي الإشكال في حجية الاستصحاب فيما إذا كان الحكم المتيقن مشروطا معلقا.

قوله : «معلقا» بيان لقوله : «مشروطا» ؛ ولكن الاقتصار على قوله : «مشروطا» أولى لإطلاق المعلق على المطلق ، حيث إنه انقسم إلى المعلق والمنجز كما ذهب إليه صاحب الفصول.

(٢) كعروض حالة الزبيبية على العنب في المثال المتقدم ، فإن هذه الحالة منشأ الشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان.

(٣) متعلق ب «شك» ، وضمير «عليه» ، وكذا ضمائر «أحكامه» في المواضع الثلاثة راجعة إلى «مورد».

(٤) جواب «فلو» ، والمراد بأحكامه المطلقة هي الفعلية غير المشروطة بشيء ، سواء كانت تكليفية كجواز شربه وأكله وغيرهما من التصرفات الخارجية ، أم وضعية كملكيته وصحة بيعه وهبته وصلحه وغيرها من التصرفات الاعتبارية ، فكما يصح استصحاب أحكامه المطلقة ـ إذا فرض الشك في بقائها ـ كذلك يصح استصحاب أحكامه المشروطة التي لم يتحقق شرطها إذا شك في بقائها لطروء وصف على الموضوع.

(٥) هذا ظاهر في اعتبار وجود جميع ما يعتبر في الموضوع بالنسبة إلى أحكامه المطلقة كالعنب في المثال ، فإن أحكامه الفعلية التكليفية والوضعية المتقدمة مترتبة عليه بلا قيد ، ولذا يصح استصحاب أحكامه المطلقة إذا شك في بقائها ، والاستصحاب التعليقي يجري في هذا الموضوع الذي لم يحصل فيه القيد المعتبر في الحرمة وهو الغليان مع

٣٢٠