دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

أخبار الباب أن العبرة فيه بما يكون رفع اليد عنه مع الشك بنظر العرف نقضا (١) ؛ وإن لم يكن (٢) بنقض بحس الدقة ، ولذا (٣) لو انعكس الأمر ولم يكن نقض عرفا ، لم يكن الاستصحاب جاريا وإن كان هناك نقض عقلا.

ومما ذكرنا في المقام (٤) يظهر أيضا حال الاستصحاب في متعلقات الأحكام في

______________________________________________________

وعليه : فإذا كان الوجوب والاستحباب فردين متغايرين بحيث يعدان موضوعين لا يصح إجراء الاستصحاب لإثبات الاستحباب بعد ارتفاع الوجوب ؛ لعدم كون الشك حينئذ في البقاء ، بل في حدوث فرد غير ما علم بارتفاعه ، فلا يكون استصحاب الاستحباب إبقاء للمتيقن السابق ، كما لا يكون عدم إجرائه فيه نقضا. وسيأتي في الخاتمة إن شاء الله تعالى مزيد توضيح لذلك.

(١) خبر «يكون» و «لا بنظر العرف» متعلق به ، وضمير «فيه» راجع إلى الاستصحاب.

(٢) يعني : وإن لم يكن رفع اليد عن اليقين السابق نقضا بحسب الدقة العقلية كالتدريجيات من الزمان كالليل والنهار والأسبوع والشهر والسنة ، والزماني كنبع الماء وسيلان الدم والتكلم ونحوها ، فإن رفع اليد عن اليقين بها حال الشك نقض عرفا لا عقلا ؛ لأن المتدرج في الوجود يكون وجوده اللاحق مغايرا للسابق ؛ لتوقف وجوده على انعدام ما قبله ، ومع تعدد الوجود لا يصدق النقض بحسب النظر الدقي العقلي ، وأما بحسب النظر العرفي فيصدق النقض على رفع اليد عن اليقين السابق في التدريجيات ، ولذا يجري الاستصحاب فيها كما سيأتي تفصيله في التنبيه الرابع إن شاء الله تعالى ؛ بل ادعى المصنف فيه صدق بقاء الأمر التدريجي حقيقة في بعض الموارد.

(٣) أي : ولأجل كون العبرة في جريان الاستصحاب بنظر العرف لا يجري الاستصحاب فيما لا يصدق النقض عرفا على رفع اليد عن اليقين السابق لمغايرة المشكوك فيه للمتيقن وجودا وإن صدق عليه النقض عقلا كالاستحباب المشكوك حدوثه عند ارتفاع الوجوب ، فإن الاستحباب بنظر العرف مغاير للوجوب ، فرفع اليد عنه ليس نقضا لليقين بالشك ، لكنه نقض بحسب النظر العقلي.

(٤) من انقسام استصحاب الكلي في الأحكام إلى ثلاثة أقسام :

غرضه : أن ما تقدم من أقسام استصحاب الكلي في الأحكام يجري في متعلقاتها أي : موضوعاتها ، فاستصحاب الكلي بأقسامه لا يختص بالأحكام ؛ بل يجري في كل من الموضوعات والأحكام كما هو ظاهر الشيخ على ما مر في صدر التنبيه ، بخلاف المصنف فإنه جعل العنوان جريان استصحاب الكلي في الأحكام.

٢٨١

الشبهات الحكمية (١) والموضوعية (٢) فلا تغفل (٣).

______________________________________________________

ثم إن المراد بالمتعلق : هو ما لا يتعلق به الجعل الشرعي مطلقا من التأسيسي كالأحكام الخمسة التكليفية والطهارة والنجاسة والولاية من الأحكام الوضعية ، والإمضائي كتنفيذ العقود والإيقاعات ؛ إذا لو كان مما يتعلق به الجعل الشرعي اندرج في الحكم الذي صدّر به التنبيه.

(١) يعني : كالموضوع الذي شك في بقائه للشبهة الحكمية ، كالشك في كرّية ماء أخذ منه مقدار لأجل الشك في أن الشارع جعل الكر ألفا ومائتي رطل عراقي أو تسعمائة رطل مدني ، وكالشك في تحقق الرضاع المحرّم بعشر رضعات أو خمس عشر رضعة ، فيستصحب الكرية وعدم الحرمة.

(٢) كما لو علم أن السفر مما ينتهي شرعا بمشاهدة جدران البلد لا محالة ؛ ولكن لم يعلم أن هذه هي جدران البلد قد انتهى السفر بمشاهدتها أم لا. والحكمية هي ما إذا شك في بقاء السفر شرعا عند مشاهدة الجدران بحيث لم يعلم أن السفر هل هو ينتهي بمشاهدتها أم يبقى إلى سماع الأذان.

كما مثل للشبهة الحكمية بأنه إذا شك في أن الواجب في الكفارة مد أو مدان. وهناك أمثلة كثيرة تركنا ذكرها رعاية للاختصار.

(٣) لعله إشارة إلى ما تقدم آنفا من عدم وضوح جريان استصحاب الكلي في متعلقات الأحكام كوضوح جريانه في نفس الأحكام.

والفرق بينهما من الوضوح على حد لا يحتاج إلى البيان والتوضيح.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ محل الكلام : ما إذا كان المستصحب كليا ؛ لا ما إذا كان جزئيا ؛ إذ لا خلاف في جريان الاستصحاب فيما إذا كان جزئيا كوجوب صلاة الجمعة فيما إذا شك في بقائه زمان الغيبة.

فيقع الكلام في مقامين : المقام الأول : في أقسام الكلي.

المقام الثاني : في أحكام هذه الأقسام.

وأما أقسام الكلي فهي ثلاثة :

١ ـ أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد ، ثم يشك في بقاء الكلي للشك في بقاء ذلك الفرد الذي تحقق الكلي في ضمنه.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

٢ ـ أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد مردد بين طويل العمر وقصيره ؛ كوجود الحدث في ضمن فرد مردد بين الأصغر والأكبر ، فيشك في بقاء الكلي بعد الوضوء.

٣ ـ أن يعلم بوجود الكلي في ضمن فرد ، ثم علم بزوال ذلك الفرد ولكنه يشك في بقاء الكلي لأجل الشك في حدوث فرد آخر مقارن لزوال الفرد الأول.

وهذا على قسمين : فتارة : يقع الشك في وجود آخر مقارنا لارتفاع الفرد الأول ؛ كما إذا علم بوجود الإنسان في الدار في ضمن وجود زيد ، ثم حصل القطع بخروج زيد عنها ، وشك في وجود عمرو مقارنا لوجود زيد في الدار من الأول.

وأخرى : يقع الشك في وجود فرد آخر مقارنا لخروج زيد عنها.

٢ ـ حكم هذه الأقسام : جريان الاستصحاب في القسم الأول في كل من الكلي والفرد.

وأما القسم الثاني فقد التزم بجريان الاستصحاب جمع من الأعلام ومنهم الشيخ والمصنف ؛ وذلك لتمامية أركانه بالنسبة على الكلي.

٣ ـ هناك إشكالان على استصحاب القسم الثاني من أقسام الكلي :

الإشكال الأول هو : انعدام أحد ركني الاستصحاب فيه ، حيث إن الفرد الذي وجد في ضمنه الكلي إن كان الفرد القصير فهو معلوم الارتفاع ، فالركن الثاني ـ وهو الشك في البقاء ـ مفقود. وإن كان الفرد الطويل فهو مشكوك الحدوث من الأول ، فالركن الأول ـ وهو اليقين بالحدوث ـ غير متحقق.

وعلى كلا التقديرين : لا مجال للاستصحاب لانتفاء أحد ركنيه.

٤ ـ ومحصل الإشكال الثاني : أن استصحاب الكلي وإن كان جاريا في حد نفسه ؛ إلّا إنه محكوم بأصل سببي ، لأن الشك في بقاء الكلي مسبب عن الشك في حدوث الفرد الطويل ، فأصالة عدم حدوث الفرد الطويل حاكمة على أصالة بقاء الكلي لحكومة الأصل السببي على الأصل المسببي.

٥ ـ الجواب عن الإشكال الأول : أن اختلال ركني الاستصحاب إنما يقدح في استصحاب الفرد ، ولا يقدح في استصحاب الكلي لاجتماع ركنيه عرفا من اليقين بوجود الكلي والشك في بقائه.

٦ ـ الجواب عن الإشكال الثاني يمكن بأحد وجوه :

الأول : منع السببية والمسببية ؛ لأن الشك في بقاء الكلي وإن كان مسببا عن كون

٢٨٣

الرابع (٤) : أنه لا فرق في المتيقن بين أن يكون من الأمور القارّة أو ...

______________________________________________________

الحادث هو الفرد الطويل ؛ إلّا إن الشك في ارتفاعه ليس مسببا عن عدم كون الحادث هو الفرد الطويل ، بل يكون مسببا عن كون الحادث هو الفرد القصير.

الثاني : أن بقاء الكلي ليس مسببا عن بقاء الفرد الطويل حتى يكون من باب الشك السببي والمسببي ؛ بل بقاء الكلي بعين بقاء الفرد الطويل ، فليس للكلي وجود منحاز عن وجود فرده كي يكون أحدهما سببا والآخر مسببا ، فلا تكون هناك سببية ومسببية.

الثالث : أنه لو سلم كون بقاء الكلي مسببا عن حدوث الفرد الطويل فلا ينفع في الحكومة ؛ لأنها تتوقف على أن يكون اللزوم والسببية شرعية لا عقلية ، وفي المقام الملازمة بين بقاء الكلي وبين حدوث الفرد الطويل لو سلمت فهي عقلية ، فلا تصحح دعوى الحكومة.

٧ ـ وأما حكم القسم الثالث ففيه أقوال :

١ ـ جريان الاستصحاب مطلقا.

٢ ـ عدم جريانه كذلك.

٣ ـ التفصيل بين القسم الأول فيجري فيه الاستصحاب.

والقسم الثاني فلا يجري فيه الاستصحاب كما هو مختار الشيخ «قدس‌سره».

٨ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ جريان الاستصحاب في كل من القسم الأول والثاني من أقسام الكلي.

٢ ـ عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث مطلقا.

يعني : لا يجري الاستصحاب في جميع أقسام القسم الثالث من أقسام الكلي.

التنبيه الرابع : استصحاب الأمور التدريجية

(١) الغرض من عقد هذا الأمر الرابع : هو التنبيه على حجية الاستصحاب في الأمور التدريجية كحجيته في الأمور القارّة ، ودفع الإشكال الوارد على حجيته في الأمور التدريجية ، فهذا التنبيه راجع إلى المتيقن ، وأن الاستصحاب حجة فيه ، من غير فرق بين كون المتيقن أمرا تدريجيا أم دفعيا وقارا.

وقبل الدخول في أصل البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأمور تنقسم إلى قسمين :

الأول : الأمور القارة وهي التي تجتمع أجزاؤها.

في الوجود بحسب الزمان ، من غير فرق بين الجواهر كزيد وعمر وغيرهما من نوع

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإنسان والأعراض كالعلم والعدالة والسواد والبياض.

الثاني : الأمور غير القارة ، وهي التي لا تجتمع أجزاؤها في الوجود بحسب الزمان ، بمعنى : أنه لا يوجد جزء منه إلّا بعد انعدام الجزء الذي قبله كنفس الزمان فإن ساعات النهار لا توجد إلّا تدريجا ؛ بحيث يتوقف وجود كل ساعة منها على انعدام سابقتها ، وكذا الليل والأسبوع والشهر والسنة وأمثالها في الأزمنة ، وكذا الزماني كجريان الماء وسيلان الدم والتكلم والكتابة ونحوها من الأمور المتدرجة في الوجود.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأول وهي الأمور القارة ؛ لأنها كانت موجودة بجميع أجزائها في الزمان الأول ، وكان وجودها متيقنا فيه ، وشك في بقائها في الزمان الثاني فيستصحب بقاؤها في الزمان اللاحق لوجود أركان الاستصحاب من اليقين والشك.

وأما القسم الثاني فهو محل الكلام ؛ إذ في جريان الاستصحاب فيه إشكال.

توضيح الإشكال : أن الجزء الأول السابق المتيقن قد زال يقينا فلا شك في بقائه حتى يجري فيه الاستصحاب.

والجزء الثاني مشكوك الحدوث ، وبأصالة عدمه محكوم بالعدم.

وأما تقريب الإشكال ببيان أوضح : أن شرط جريان الاستصحاب. وهو اتحاد القضيتين المتيقنة والمشكوكة مفقود في الأمور التدريجية ؛ لأن هوية الموجود التدريجي متقومة بالتصرم والتجدد وعدم اجتماع أجزائه في الوجود ، فذات الأمر غير القار متقوم بالأخذ والترك أي : بوجود جزء منه وانعدامه ، ثم وجود جزء آخر منه وهكذا ، ومن المعلوم : مغايرة أحد الكونين للآخر ، فاليقين تعلق بوجود في حد معين ، وقد زال وانعدم والشك تعلق بحدوث كونه في حد آخر ، ومعه لا مجال للاستصحاب لانتفاء أحد ركنيه.

وقد أشار المصنف «قدس‌سره» إلى منشأ هذا الإشكال بقوله : «فإن الأمور الغير القارة وإن كان وجودها ينصرم ...» الخ.

وحاصل الكلام في منشأ الإشكال : أن منشأه هو ملاحظة كل واحد من الأجزاء التدريجية شيئا مستقلا ، ومن المعلوم : أن لحاظ كل جزء بحياله يوجب هذا الإشكال.

وكيف كان ؛ فمحل الكلام والإشكال هو القسم الثاني ـ وهي الأمور غير القارة ـ وهي ثلاثة أقسام على ما جعله الشيخ «قدس‌سره» :

٢٨٥

التدريجية (١) غير القارة ، فإن الأمور غير القارة وإن كان (٢) وجودها ينصرم ولا (٣) يتحقق منه جزء إلّا بعد ما انصرم منه جزء وانعدم ؛ إلّا إنه (٤) ما لم يتخلل في البين

______________________________________________________

١ ـ الزمان كالليل والنهار ونحوهما.

٢ ـ الزماني الذي لا استقرار لوجوده ؛ بل يتجدد شيئا فشيئا على التدريج ؛ كالتكلم والكتابة والمشي ونبع الماء وسيلان الدم ونحو ذلك.

٣ ـ المستقر الذي يؤخذ الزمان قيدا له ؛ كالصوم المقيد بيوم الجمعة أو الجلوس المقيد بيوم الخميس ونحوهما.

وأما صاحب الكفاية «قدس‌سره» : فجعل الأمور غير القارة على قسمين :

وهما الزمان والزماني. هذا تمام الكلام فيما هو محل الكلام في هذا التنبيه الرابع.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) الفرق بين الأمور القارة وغير القارة : أن الأمور القارة هي ما تجتمع أجزاؤها في الوجود زمانا ، وغير القارة هي ما لا تجتمع أجزاؤها فيه زمانا.

(٢) هذا إشارة إلى منشأ الإشكال الذي أشرنا إليه في صدر هذا التنبيه في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية.

أما نفس الإشكال فهو : اختلال أحد ركني الاستصحاب وهو الشك في البقاء فيها بالنسبة إلى الجزء المعلوم ، والشك في الحدوث بالنسبة إلى الجزء غير المعلوم ، وقد تقدم توضيح الإشكال فراجع.

(٣) هذا شروع في شرح وتفسير للأمور غير القارة وقد تقدم توضيحه. وضمير «منه» في الموضعين راجع إلى «الأمور» ، فالأولى تأنيثه.

(٤) هذا إشارة إلى الجواب عن الإشكال ، وقد أجاب المصنف «قدس‌سره» ، عن إشكال جريان الاستصحاب في الأمور غير القارة بوجهين ، والغرض منهما إثبات وحدة القضيتين عقلا أو عرفا.

وبيان الوجه الأول منوط بتقديم أمر من باب المقدمة وهو : أن الأمور التدريجية من الزمان والزمانيات التي لا تجتمع أجزاؤها في الوجود موجودات متقومة في مرتبة ذواتها بالأخذ والترك ، والتركب من الوجود والعدم ، فهي عين التجدد والانقضاء والخروج من القوة إلى الفعل ، فالزمان هو سلسلة الآنات المتعاقبة على نهج الاتصال ، فيوجد آن وينعدم ثم يوجد آن آخر وينصرم وهكذا ، وليس الزمان شيئا وراء هذه الآنات المتصلة.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا الحال في الزماني كالتكلم وجريان الماء ونحوهما ؛ فإن وجود كل جزء من الكلام يتوقف على انعدام جزئه السابق.

وعلى هذا فالأمر التدريجي سنخ وجود يتقوم في ذاته بالتركب من الوجود والعدم ، والاشتباك بينهما ، ومن المعلوم : أن هذا العدم المقوم للأمر التدريجي لا يعقل أن يكون رافعا له ؛ لاستحالة كون مقوم الشيء رافعا له بل رافعه هو العدم البديل له أي : القاطع للحركة ، كما إذا تحرك من داره إلى المسجد ، فإن نفس حركته متقومة بالوجود والعدم أي : بوضع قدم ورفع أخرى ، فهذا العدم دخيل في صميم الحركة وحاقها ، وعادمها هو التوقف في الطريق أو الجلوس فيه للاستراحة مثلا ، وما لم يتحقق هذا العدم النقيض فالحركة واحدة حقيقة ، فإذا شرع فيها فالتجددات المتصلة بالاتصال التعاقبي كلها بقاء ذلك الحادث الوحداني ؛ لأن تعدد الوجود ينشأ من تخلل العدم بين الوجودات ، وما لم يتخلل العدم بينها لا يتعدد الأمر التدريجي.

إذا عرفت هذا اتضح جريان الاستصحاب في الأمور غير القارة كجريانه في الأمور القارة ؛ لكون مدار حجية الاستصحاب على صدق نقض اليقين بالشك عرفا ، ولما كان الأمر التدريجي واحدا بنظرهم ؛ بحيث يعد أوله حدوثا وما بعده بقاء كالأمر القار ، فلا محالة يجري الاستصحاب ؛ لاجتماع أركانه من اليقين بالحدوث والشك في البقاء واتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة.

ولا يخفى : أن صدق النقض عرفا وإن كان كافيا في التمسك بدليل الاستصحاب ؛ إلّا إن المصنف «قدس‌سره» يدعي وحدة القضيتين عقلا في مثل الزمان لاتصال أجزائه وعدم تخلل العدم بينها أصلا ، فيصدق بقاء ما هو المتيقن بحسب الدقة العقلية مع عدم تخلل العدم المضر بالوحدة بأن بقاء كل شيء يكون بحسبه والوحدة الاتصالية باقية في الزمان والزماني ، فبعد أن يصدق البقاء عقلا يصدق ذلك عرفا أيضا ، فالوجود التدريجي لا يمنع عن جريان الاستصحاب. هذا هو الوجه الأول في الجواب.

وأما الوجه الثاني : فقد أشار إليه بقوله : «هذا مع إن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة في الأين ...» الخ.

ومرجع هذا الوجه الثاني إلى خروج الأمور غير القارة عن التصرم واندراجها في الأمور القارة ، ومعه لا يبقى موضوع للإشكال لفرض وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة حقيقة.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح هذا الوجه الثاني من الجواب يتوقف على مقدمة وهي بيان أمرين :

الأمر الأول : أن الحركة تتوقف على أمور ستة :

الأول والثاني : ما منه الحركة ، وما إليه الحركة ، وهما المبدأ والمنتهى.

الثالث : ما به الحركة وهو السبب والعلة الفاعلية لوجودها.

الرابع : ما له الحركة وهو الجسم المتحرك الثابت له الحركة.

الخامس : ما فيه الحركة وهي المقولة التي تكون حركة الجسم في تلك المقولة.

السادس : الزمان الذي تقع فيه الحركة. هذا تمام الكلام في الأمر الأول.

الأمر الثاني : أن الحركة كما نبه عليها المصنف على قسمين : قطعية وتوسطية.

والفرق بينهما : أن الحركة القطعية هي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان إذا كانت الحركة في المكان كحركة السائر بين نقطتين ، فإن مكانه في آن غير مكانه في الآن السابق ، أو كون الشيء في حد غير الحد السابق إذا كانت الحركة في غير المكان ، كما إذا كانت في الكم كحركة الجسم النامي كالشجر والطفل إذا أخذا في النمو ، أو في الكيف كصيرورة الماء البارد حارا أو الورق الأخضر من الشجر أصفر ، ونحو ذلك ، أو في الوضع كصيرورة القائم قاعدا أو العكس.

وعليه : فالحركة في أيّ مقولة كانت هي الصورة المرتسمة في الخيال المنتزعة عن الأكوان المتعاقبة الموافية للحدود الواقعة بين المبدأ والمنتهى ، فهذه الأكوان أجزاء لهذه الحركة ، وهي متفرقة في الخارج ومجتمعة في الخيال.

وأما الحركة التوسطية فهي عبارة عن كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ؛ كالسائر بين بلدين كالسائر بين البصرة والكوفة ، فإذا خرج زيد ماشيا من البصرة إلى الكوفة ، فكونه في كل آن في مكان هي حركته القطعية ، وكونه بين البصرة والكوفة هي حركته التوسطية.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن الانصرام والتدرج في الوجود شيئا فشيئا المانع عن الاستصحاب. أما من ناحية تبدل الموضوع أو المحمول فإنما هو في الحركة القطعية ، وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا الحركة التوسطية ، وهي كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ، فإن الحركة بهذا المعنى أمر مستمر قار.

وعليه : فلا مجال للإشكال في استصحاب الليل والنهار ، فإن الليل عبارة عن كون

٢٨٨

العدم ؛ بل وإن تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا (١) وإن انفصل حقيقة (٢) كانت (٣)

______________________________________________________

الشمس تحت الأرض بين المغرب والمشرق والنهار عبارة عن كونها على وجه الأرض بين المشرق والمغرب ، فهما من مصاديق الحركة التوسطية ، فإذا شك في بقاء الليل أو النهار فمرجعه إلى الشك في وصول الشمس إلى المنتهى ، أو أنه بعد في البين فيستصحب عدم وصولها إليه ، وهكذا الأمر في كل أمر تدريجي إذا كان الشك في بقائه من جهة الشك في انتهاء حركته التوسطية ووصوله إلى المنتهى أو أنه بعد في البين فيستصحب عدم وصوله إلى المنتهى وأنه بعد في البين.

ففي مثال خروج زيد ماشيا من البصرة إلى الكوفة إذا شك في بقاء مشيه من جهة الشك في انتهاء حركته التوسطية ووصوله على الكوفة ، فيستصحب عدم وصوله إليها. وأنه بعد في البين.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح الوجه الثاني من الجواب عن إشكال جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية الغير القارة.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

قوله : «ما لم يتخلل في البين العدم» كقطعات الزمان من الليل والنهار والأسبوع والشهر ، فإنه لا يتخلل بين أجزائها عدم.

(١) كتخلل التنفس في أثناء القراءة ، وانقطاع الدم لحظة في الأيام الثلاثة ، ونحو ذلك ، فإن تخلل هذا المقدار من العدم لا يخل عرفا بالاتصال المساوق للوحدة والمراد ب «ما» الموصول هو العدم.

(٢) أي : بالنظر الدقي العقلي ، فإن تخلل العدم مطلقا مخلّ بالوحدة العقلية ، لكونه مانعا عن تحقق الاتصال بنظره.

(٣) جواب «ما» في «ما لم يتخلل» ، يعني : كانت الأمور غير القارة في صورة عدم تخلل العدم أصلا أو العدم غير المخل بالاتصال عرفا باقية إما مطلقا أي : بنظر العقل والعرف معا ؛ كما في صورة عدم تخلل العدم أصلا بين الأجزاء كما في الزمان على ما مر آنفا.

وإما بنظر العرف فقط ؛ كما في صورة تخلل العدم غير المخل بالاتصال عرفا ، كالسكوت اليسير المتخلل بين أجزاء القراءة وغيرها من التكلمات ، ومع صدق الشك في البقاء في الأمور التدريجية يجري فيها الاستصحاب على حذو جريانه في الأمور القارة.

٢٨٩

باقية مطلقا أو عرفا (١) ، ويكون (٢) رفع اليد عنها مع الشك في استمرارها وانقطاعها نقضا (٣) ، ولا يعتبر (٤) في الاستصحاب بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته غير صدق النقض والبقاء كذلك (٥) قطعا ، هذا مع أن الانصرام (٦) والتدرج في الوجود في الحركة في الأين وغيره (٧) إنما هو في الحركة القطعية (٨) ، وهي كون الشيء في كل آن في حد أو مكان ، لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى ، فإنه (٩)

______________________________________________________

(١) قد عرفت المراد بهاتين الكلمتين بقولنا : «إما مطلقا» أي : «بنظر العقل والعرف معا ...» الخ.

(٢) عطف على قوله : «كانت» والأولى تبديله ب «وكان» أو «فيكون» يعني : بعد إثبات صدق الشك في البقاء على الأمور التدريجية يشمله دليل الاستصحاب ؛ لصدق نقض اليقين بالشك على رفع اليد عن اليقين حال الشك في بقائها واستمرارها ، وصدق إبقاء اليقين السابق على العمل بمقتضاه حين الشك ، ومع صغروية الشك في بقاء الأمور التدريجية لكبرى : «لا تنقض اليقين بالشك» لا وجه للتوقف في إجراء الاستصحاب فيها.

(٣) خبر «يكون». وضمائر «عنها ، استمرارها ، انقطاعها» راجعة إلى «الأمور غير القارة».

(٤) هذا بمنزلة الكبرى لما قبلها من صدق الشك في البقاء ، فكأنه قيل : الشك في الأمور غير القارة شك في البقاء ، وكلما كان كذلك يجري فيه الاستصحاب.

(٥) أي : عرفا ، وحاصله : أن ما يعتبر في الاستصحاب وهو صدق النقض والبقاء عرفا متحقق في الأمور غير القارة ، فالمقتضي لجريانه فيها موجود والمانع مفقود.

ثم إن الأولى ذكر لفظ «عرفا» عقيب قوله : «نقضا» حتى يشار إليه بقوله : «كذلك».

وكيف كان ؛ فالجواب المذكور عن الإشكال مما تعرض له الشيخ أيضا في الرسائل ببيان آخر مرجعه إلى ما أفاده المصنف «قدس‌سرهما».

(٦) هو جواب آخر عن الإشكال المذكور ، ومرجعه إلى خروج الأمور غير القارة عن التصرم ، واندراجها في الأمور القارة ، ومعه لا يبقى موضوع للإشكال ؛ لفرض وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة حقيقة. وتقدم توضيح هذا الجواب مع المقدمة فراجع.

(٧) من المقولات الأخر كالكم والكيف والوضع كما مر آنفا ؛ بل الجوهر.

(٨) وقد تقدم بيان الفرق تفصيلا بين الحركة القطعية والحركة التوسطية.

(٩) أي : فإن الحركة بهذا المعنى ـ وهو كون الشيء بين المبدأ والمنتهى ـ من الأمور القارة المستمرة ؛ لا الأمور التدريجية المتصرمة.

٢٩٠

بهذا المعنى يكون قارا مستمرا (١).

فانقدح بذلك (٢) : أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار ، وترتيب ما لهما من الآثار (٣).

______________________________________________________

والأولى تأنيث ضمير «فإنه» ، وكذا المستتر في «يكون» وقوله : لا التوسطية معطوف على «القطعية».

(١) حقيقة عقلا أو عرفا ، ومعه لا حاجة إلى التصرف في معنى البقاء كما أفاده الشيخ في مقام حل الإشكال ، قال «قدس‌سره» : «وإنما وقع التعبير بالبقاء في تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى في الزمانيات ، حيث جعلوا الكلام في استصحاب الحال ، أو لتعميم البقاء لمثل هذا مسامحة» (١).

وحاصله : حل الإشكال إما بالتصرف في المستصحب بجعل الليل والنهار أمرا خارجيا واحدا بنظر العرف ، والمراد ببقائه : عدم تحقق جزئه الأخير ، أو عدم حدوث جزء مقابله. وإما بالتصرف في لفظ البقاء بإرادة البقاء المسامحي ، يعني : أن النهار وإن لم يصدق عليه البقاء حقيقة لتجدد الآنات والأكوان ، وكلها حدوثات ، إلّا إنه يصدق البقاء عليها مسامحة ، هذا.

(٢) أي : بكون الوحدة العرفية محفوظة في الأمور السيالة ما دامت متصلة.

اعلم : أن المصنف «قدس‌سره» بعد دفع إشكال الاستصحاب عن الأمور التدريجية أشار إلى ما تعرض له الشيخ «قدس‌سره» في مقامات ثلاثة :

الأول : جريان الاستصحاب في نفس الزمان كالليل والنهار والأسبوع والشهر ونحوها ، وقد أشار إلى هذا المقام بقوله : «أنه لا مجال للإشكال ...» الخ.

الثاني : جريانه في الزماني الذي لا استقرار لوجوده كالتكلم.

الثالث : جريانه في الفعل المقيد بالزمان ، والكلام فعلا في المقام الأول.

(٣) فيما إذا كان الأثر الشرعي مترتبا على وجود الزمان بمفاد كان التامة أو على عدمه بمفاد ليس التامة ؛ بأن يكون الزمان شرطا للوجوب ، كما إذا نذر التصدق بدرهم أو زيارة إمام ونحوهما إذا كان النهار باقيا ، فلو شك حينئذ في بقاء النهار جرى استصحابه ، وترتب عليه وجوب الوفاء بالنذر.

وأما إذا أخذ الزمان قيدا لمتعلق الحكم الشرعي ؛ بحيث اعتبر وقوع الفعل فيه كوقوع الصوم في شهر رمضان ، ووقوع الظهرين في النهار ونحو ذلك ، فإجراء الاستصحاب فيه

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٠٤.

٢٩١

وكذا (١) كلما إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة ...

______________________________________________________

ـ لإحراز عنوانه من الرمضانية والنهارية ـ مشكل جدا ؛ لأن المستصحب وجود محمول ، والمقصود إحراز الوجود النعتي ، وهو اتصاف الزمان المشكوك بالرمضانية والنهارية ، حتى يحرز وقوع الصوم في شهر رمضان ، والصلاة في النهار وإثبات الوجود النعتي باستصحاب الوجود المحمولي منوط بحجية الأصل المثبت ، ولذا تقل فائدة استصحاب الوقت والزمان وتختص بمثل النذر كما أشرنا إليه.

وأما الأثر المهم وهو إثبات وقوع الموقتات في أوقاتها فلا يترتب على استصحاب الزمان بمفاد «كان» التامة ؛ لأن ما يثبت به هو بقاء التكليف بالموقتات ، ووجوب الإتيان بها ، وأما إثبات وقوعها في أوقاتها ليترتب عليه الامتثال فلا ؛ لعدم ثبوت نهارية الزمان الحاضر أو ليليته حتى يحرز وقوع الفعل الموقت به فيه ، قال الشيخ «قدس‌سره» في أوائل التنبيه الثاني : «أما نفس الزمان فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه لتشخيص كون الجزء المشكوك فيه من أجزاء الليل والنهار ، لأن نفس الجزء لم يتحقق في السابق فضلا عن وصف كونه نهارا أو ليلا» (١).

وفي الوصول إلى كفاية الأصول ، في شرح قول المصنف : «فانقدح بذلك» الذي ذكرنا من صحة استصحاب الأمور التدريجية : «أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار» إما ببيان أن كلا منهما أمر واحد عرفا ، فإذا شك في زواله استصحب لليقين السابق ، وإما ببيان أن النهار عبارة عن كون الشمس بين المشرق والمغرب ، والليل عبارة عن كونها بين المغرب والمشرق ، وهما أمران باقيان قاران لا متصرمان تدريجيان غير قارين ، وعليه : يجب الاستصحاب «وترتيب ما لهما من الآثار» الشرعية عليهما.

فحاصل الكلام : أنه لا إشكال في جريان الاستصحاب في نفس الزمان كالليل والنهار.

(١) يعني : وكذا لا إشكال في جريان الاستصحاب في الزماني.

وهذا إشارة إلى المقام الثاني وهو جريان الاستصحاب في الزماني الذي لا استقرار لوجوده ، قال الشيخ «قدس‌سره» : «وأما القسم الثاني : أعني : الأمور التدريجية غير القارة كالتكلم والكتابة والمشي ونبع الماء من العين وسيلان دم الحيض من الرحم فالظاهر جواز

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٠٣.

٢٩٢

الشك (١) في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى ، أو أنه بعد في البين.

______________________________________________________

إجراء الاستصحاب فيما يمكن أن يفرض فيها أمرا واحدا مستمرا ...» (١) ، كالحركة التوسطية في المشي مثلا.

(١) وتوضيح كلام صاحب الكفاية في المقام الثاني يتوقف على مقدمة وهي : أن الشك في الأمر التدريجي الذي يوجد تدريجا بحسب الزمان ـ كالأمثلة المذكورة في كلام الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ـ تارة : ينشأ من الشك في وجود الرافع. وأخرى : من الشك في وجود المقتضي.

الأول : كما إذا أحرز أن في العين الكذائية استعداد جريان مائها إلى أول برج السرطان مثلا ، ولكن يشك في برج الجوزاء في انقطاع مائها لمانع ، وكذا إذا أحرز اقتضاء زمان خطبة الخطيب أو وعظ الواعظ أو قراءة قارئ القرآن مثلا إلى ساعة ، وشك قبل انتهاء الساعة في انقطاع الكلام لمانع خارجي منع المقتضي عن دوام تأثيره وكذا في سائر الأمور التدريجية.

والثاني : وهو الشك في وجود المقتضي على قسمين :

الأول : أن يكون منشأ الشك الجهل بالكميّة والمقدار.

الثاني : أن يكون منشؤه احتمال تكوّن مقدار زائد على المقدار المعلوم.

فالأول : كما إذا شك في جريان الماء وسيلان الدم من جهة الشك في بقاء شيء من الماء في المنبع ، ومن الدم في الرحم غير ما سال وجرى منهما. وكذا إذا شك في بقاء التكلم أو القراءة لأجل الشك في استعداد المتكلم أو القارئ وأنه هل كان فيهما اقتضاء التكلم والقراءة ساعة أم أقل؟

وكذا في سائر الأمور التدريجية.

الثاني : كما إذا شك في جريان الماء من المنبع من جهة احتمال تكوّن مقدار من الماء زيادة على المقدار المعلوم أوّلا ، كما إذا كانت كمية ماء المنبع ثلاثة أكرار مثلا ، وقد جرى هذا المقدار ، لكن يحتمل ورود مقدار آخر مقارنا لجريان هذا المقدار من المطر وغيره فيه ، وعلى فرض وروده لم ينقطع جريان الماء على وجه الأرض.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب في الصورة الأولى وهي صورة الشك في وجود الرافع لاجتماع أركان الاستصحاب فيها.

وأما القسم الأول من الصورة الثانية ـ وهي الشك في وجود المقتضي ـ فقد يشكل

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ٢٠٥.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

جريان الاستصحاب فيه بما حاصله : من أن الشك الذي يجري فيه الاستصحاب هو الشك في البقاء دون الشك في الحدوث كما في هذا القسم ، حيث إن الشك هنا إنما هو في جريان جزء آخر من الماء والدم والتكلم والقراءة غير ما وجد منها قبل ذلك وانعدم قطعا ؛ فالشك حينئذ تعلق بالحدوث لا بالبقاء ، ومن المعلوم : أن الشك المعتبر في الاستصحاب هو الشك في البقاء دون الحدوث.

وعليه : فثاني ركني الاستصحاب في الأمور التدريجية التي كون الشك فيها في المقتضي منهدم ، فلذا يشكل الاستصحاب فيها.

وأما القسم الثاني من الصورة الثانية فهو في الحقيقة خارج عن الشك في المقتضي بمعناه المصطلح وهو العلم بمقدار استعداد الماء للجريان في مدة معينة ، كما أنه خارج عن الشك في الرافع والغاية أيضا للعلم بعدم طروء المانع.

وأما بالنسبة إلى جريان الاستصحاب فالظاهر جريانه فيه بلحاظ أن الجريان أمر واحد شخصي عرفا ، سواء كان من المادة المعلومة أوّلا أم عن المادة المحتملة زيادتها ، واختلاف المبادئ لا يوجب تغيّرا في عنوان المستصحب وهو جريان الماء عرفا كي يعدّ الموجود اللاحق مغايرا للموجود السابق ، فهذا نظير تبدل عمود الخيمة بعمود آخر من حيث عدم اقتضاء تعدد الأعمدة تغيّرا في هيئة الخيمة.

فالمتحصل : أن المقام الثاني ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، يجري الاستصحاب في القسم الأول والثالث ، دون القسم الثاني كما عرفت.

بقي الكلام في المقام الثالث ـ وهو ما أشار إليه بقوله : «وأما الفعل المقيد بالزمان» ـ.

وتوضيح الكلام فيه يتوقف على مقدمة : وهي بيان ما يتصور فيه من الصور والأقسام فيقال : إن الشك في بقاء وجوب الفعل المقيد بالزمان يتصوّر على وجهين ، وكل وجه يتصور على وجهين : فالصور والأقسام هي أربعة : وتفصيل تلك الصور والأقسام : أن القسم الأول أن يكون الشك فيه ناشئا من الشك في بقاء قيده ، كما إذا شك في بقاء النهار الموجب للشك في وجوب الإمساك المقيد به ؛ إذ لو كان بقاء النهار معلوما كان وجوب الإمساك أيضا معلوما ، فلا منشأ للشك في وجوبه إلّا الشك في بقاء قيده وهو النهار.

وهذا قد يكون بنحو الشبهة الموضوعية ؛ كما إذا شك في انتهاء النهار مع العلم بأنه ينتهي بغياب القرص واستتاره ، وقد يكون بنحو الشبهة الحكمية ؛ كما إذا لم يعلم أن

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

النهار ينتهي باستتار القرص أو بذهاب الحمرة.

فللشك في بقاء القيد صورتان :

إحداهما : كون الشك بنحو الشبهة الموضوعية. وثانيتهما : كونه بنحو الشبهة الحكمية.

ثانيها : أن يكون الشك في الوجوب مع القطع بانقضاء الزمان ، فمنشأ الشك في الحكم حينئذ هو احتمال كون الزمان قيدا للحكم بنحو وحدة المطلوب ، فبانقطاع الزمان ينتفي الحكم ، واحتمال كون الزمان قيدا له بنحو تعدد المطلوب ؛ بأن يكون ذات الفعل مطلوبا ، ووقوعه في زمان خاص مطلوبا آخر ، فبانقضاء ذلك الزمان لا ينتفي الحكم بل هو باق ، فللشك في بقاء الحكم في هذا الوجه والقسم وهو القطع بانتفاء الوقت أيضا صورتان :

إحداهما : كون الزمان قيدا بنحو وحدة المطلوب ؛ لكن مع احتمال وجود ملاك آخر ملزم لمثل ذلك الحكم في غير ذلك الزمان ، كما إذا فرض وجوب الجلوس في المسجد في النهار ، وشك في وجوبه في الليل لاحتمال وجود مصلحة ملزمة للجلوس فيه.

ثانيتهما : كون الزمان قيدا للحكم بنحو تعدد المطلوب ، بأن تكون ذات الجلوس مطلوبة ، وإيقاعه في النهار مطلوبا آخر.

وعليه : فهذا القسم الثاني أيضا صورتان ، فالصور والأقسام هي أربعة.

هذا تمام الكلام في بيان الصور والأقسام المتصورة في الفعل المقيد بالزمان.

وأما أحكام هذه الأقسام من جريان الاستصحاب وعدم جريانه فهي مختلفة ، بمعنى : أن الاستصحاب يجري في بعض الصور دون بعض.

وأما القسم الأول ـ وهو أن يكون الشك في الحكم ناشئا من الشك في بقاء قيده ـ فقد حكم المصنف فيه باستصحاب الزمان وترتيب الأثر عليه ، من دون فرق فيه بين كون الشبهة موضوعية أو حكمية ، فكما يجوز إجراء الاستصحاب في نفس الزمان المأخوذ قيدا كالنهار فيثبت به المقيد ويترتب عليه حكمه ، فإذا وجب الإمساك في النهار وشك في بقاء النهار وانقضائه جاز استصحابه ، فيجب الإمساك ويحرم ارتكاب المفطرات في الزمان الذي ثبتت نهاريته بالاستصحاب ، كما يجوز استصحاب الفعل المقيد بالزمان ، فيقال : إن الإمساك قبل هذا الآن كان في النهار ، والآن كما كان فيجب.

٢٩٥

وأما (١) إذا كان من جهة الشك في كميته ومقداره كما في نبع الماء وجريانه

______________________________________________________

وكيف كان ؛ ففي صورة كون الشك في الحكم ناشئا من الشك في بقاء الزمان يجوز جريان الاستصحاب في نفس الزمان وفي الفعل المقيد به. هذا تمام الكلام في حكم القسم الأول المنقسم إلى قسمين ، حيث يجري الاستصحاب فيهما.

وقد أشار إليه بقوله : «فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده» ، ومقتضى إطلاق كلام المصنف «قدس‌سره» يشمل كلّا من الشبهة الموضوعية والحكمية ، ضرورة : أن الشك في بقاء القيد يشمل كلتا الشبهتين ، فحكمهما هو جريان الاستصحاب في نفس الزمان وفي الفعل المقيد به كما عرفت.

وأما القسم الثاني : فقد أشار إليه بقوله : «وإن كان من الجهة الأخرى» ، وقد ذكر المصنف فيه صورتين : إحداهما كون الزمان ظرفا لا قيدا مقوما لموضوع الحكم ودخيلا في ملاكه والحكم فيها جريان الاستصحاب في نفس الحكم ، فإذا وجب الجلوس مثلا في يوم الجمعة ولم يؤخذ يوم الجمعة قيدا بل ظرفا وشك في وجوب الجلوس يوم السبت جرى استصحابه ؛ لعدم تعدد الموضوع.

ثانيتهما : كون الزمان قيدا مقوما لموضوع الحكم كتقييد الصوم بشهر رمضان في قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(١) ، والأصل الجاري فيه بعد انقضاء الزمان هو استصحاب عدم الحكم ؛ لأن التقييد بالزمان يوجب تعدد الموضوع ، وكون الصوم في غير رمضان مغايرا لصوم شهره ، ومع تعدد الموضوع يكون الشك في حدوث التكليف ، وهو مجرى استصحاب عدم التكليف ؛ إذ المتيقن من انتقاض عدم وجوب الصوم هو الزمان الخاص ـ أعني : شهر رمضان ـ ويشك في انتقاضه في غير ذلك الزمان ، فيستصحب عدم الوجوب ، ولا يجري استصحاب الوجوب ؛ إذ المفروض : تعدد الموضوع ، ومع تعدد الموضوع لا يكون الشك شكا في البقاء حتى يجري فيه استصحاب الوجوب. هذا تمام الكلام في المقام الثالث.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) هذا في قبال قوله : «من جهة الشك في انتهاء حركته» المراد به : بيان الشك في الرافع ؛ بأن يكون الشك في بقاء الأمر التدريجي لأجل الشك في وجود الرافع مع إحراز المقتضي. وقد تقدم توضيحه بقولنا : «تارة : من الشك في وجود الرافع ...» الخ.

وأما قوله : «وأما إذا كان ...» الخ ، فهو إشارة إلى كون الشك في بقاء الأمور

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

٢٩٦

وخروج الدم وسيلانه فيما كان (١) سبب الشك في الجريان والسيلان الشك في أنه بقي في المنبع (٢) والرحم فعلا (٣) شيء من الماء والدم وغير ما سال وجرى منهما ،

______________________________________________________

التدريجية لأجل الشك في المقتضي ، وهو بمنطوقه ومفهومه متكفل لبيان صورتين إحداهما : الشك في أصل استعداد الأمر التدريجي.

وثانيتهما : الشك في تكوّن مقدار زائد على المقدار المعلوم ، والصورة الأولى تستفاد من المنطوق. والثانية من مفهوم قوله : «فيما كان سبب الشك».

وقد تقدم بيان الصورتين بقولنا : «وأخرى : من الشك في وجود المقتضي وهو على قسمين ...» ، والضمير المستتر في «كان» راجع إلى الشك ، وضميرا «كميته ، مقداره» راجعان إلى الأمر التدريجي.

(١) مفهوم هذا القيد هو الصورة الثالثة ، أعني : ما إذا كان الشك في الجريان والسيلان غير ناش عن الشك في الكمية ؛ للعلم بها حسب الفرض ؛ بل كان ناشئا من احتمال تكوّن مادة زائدة على المقدار المعلوم.

ولو لم يكن قوله : «فيما كان» لإخراج هذه الصورة عن مصب الإشكال وجوابه الآتيين لكان تقييد الشك في المقتضي بقوله : «فيما كان» لغوا ؛ لكفاية قوله : «من جهة الشك في كميته» في الدلالة على إرادة الشك في المقتضي. فدفع محذور اللغوية منوط بجعل هذه الكمية لإخراج الصورة الثالثة.

لكن يشكل حينئذ أنه لا وجه لتخصيص الإشكال الآتي وجوابه بالصورة الثانية مع جريانهما في الصورة الثالثة أيضا فتأمل.

(٢) وهو عروق الأرض ، وضمير «أنه» للشأن ، وهذا تقريب الشك في المقتضي وقد عرفته آنفا.

(٣) لا حاجة إلى هذا القيد بعد ظهور قوله : «بقي» في بقاء الموجود الفعلي من الماء والدم في المنبع والرحم ، لا فيما يمكن أن يوجد منهما فيهما.

وضمير «منهما» راجع إلى الماء والدم.

ثم إن الشك من جهة المقتضي في الأمور التدريجية ليس راجعا إلى الحركة القطعية ، بل مورده الحركة التوسطية ، كما إذا فرض كون المتحرك بين الكوفة والبصرة ؛ ولكن لا يعلم أن مقدار المسافة بينهما عشرون فرسخا أو أكثر ، فعلى الأول : تنتهي الحركة في ساعة ، وعلى الثاني : تنتهي في ساعة ونصف مثلا ، فالشك في انتهاء الحركة ووصول المتحرك إلى المنتهى ناش عن الشك في كمية المسافة ، فالشك في بقاء الأمر التدريجي

٢٩٧

فربما (١) يشكل في استصحابهما حينئذ (٢) ، فإن الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا ؛ بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه.

ولكنه (٣) يتخيل بأنه لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب بحسب تعريفه ودليله حسب ما عرفت (٤).

ثم إنه (٥) لا يخفى أن استصحاب بقاء الأمر التدريجي إما من قبيل استصحاب

______________________________________________________

في الحركة التوسطية يتصور في كل من الشك في المقتضي والرافع.

(١) جواب قوله : «وأما». وقد تقدم آنفا تقريب الإشكال بقولنا : «وقد يشكل جريان الاستصحاب في هذا القسم بما حاصله ...» الخ. وضمير «استصحابهما» راجع إلى «الجريان والسيلان».

(٢) أي : حين الشك في الكمية والاستعداد ، وقوله : «فإن الشك ليس ...» الخ. تقريب الإشكال وقد عرفته. وضميرا «جريانه ، حدوثه» راجعان إلى جزء آخر.

(٣) أي : ولكن الإشكال يتخيل اندفاعه ، وهذا إشارة إلى دفع الإشكال عن جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية إذا كان الشك في بقائها ناشئا من الشك في المقتضي ؛ كعدم الإشكال في جريانه فيها إذا كان منشأ الشك في بقائها الشك في وجود الرافع.

توضيح دفع الإشكال هو : أن مناط جريان الاستصحاب ـ وهو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة عرفا ـ منطبق هنا ، ضرورة : أن اتصال الأمر التدريجي وعدم تخلل العدم بين أجزائه موجب لوحدته ، وكون الشك شكا في بقائه عرفا لا في حدوثه ؛ لعدم تعدده بنظر العرف الذي هو المدار في باب الاستصحاب ، فلا وجه لعدم جريانه في الأمور التدريجية ، مع كون الشك فيها شكا في البقاء عرفا. وضمير «بأنه» للشأن ، وضمير «به» راجع على الإشكال المتصيد من العبارة ، و «ما» الموصول فاعل «يختل» ، والمراد ب «الملاك» هو وحدة الأمر التدريجي عرفا.

(٤) من قوله : في أوائل هذا التنبيه : «إلّا إنه ما لم يتخلل في البين العدم بل وإن تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا وإن انفصل ...» الخ ، وحاصله : أن المدار في جريان الاستصحاب ـ تعريفا ودليلا ـ على وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة عرفا ، والاتصال موجب لهذه الوحدة ، ومع شمول تعريف الاستصحاب ودليله للأمور التدريجية كالأمور القارة لا وجه لعدم اعتبار الاستصحاب فيها.

(٥) غرضه «قدس‌سره» بعد ـ تصحيح جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية ـ :

٢٩٨

الشخص ، أو من قبيل استصحاب الكلي بأقسامه (١) ، فإذا شك (٢) في أن السورة

______________________________________________________

بيان إمكان جريان استصحاب الكلي بأقسامه الثلاثة فيها.

وحاصل الكلام في المقام : إن الأقسام الأربعة للاستصحاب وهو الاستصحاب الشخصي ، والاستصحاب الكلي بأقسامه الثلاثة وهي ما كان الشك في الكلي من جهة الشك في بقاء الفرد المتحقق في ضمنه ، والشك في الكلي من جهة تردد الأمر بين الفرد القصير والفرد الطويل ، والشك في الكلي من جهة الشك في أنه هل حدث فرد جديد عند ذهاب الفرد الأول أم لا؟ وإنما قلنا : بجريان الاستصحاب في جميع هذه الأقسام في الأمور التدريجية لما عرفت من : جريان دليل الاستصحاب وتعريفه فيها.

(١) أي : بأقسامه الثلاثة. وكيف كان ؛ فيجري استصحاب الشخصي والكلي بأقسامه في الأمور التدريجية على اختلاف مواردها ، فإذا اشتغل بقراءة سورة تبارك مثلا وشك في فراغه عنها صح استصحاب قراءتها بنحو استصحاب الشخصي والكلي ؛ إن كان للكلي أثر شرعي ويكون هذا من قبيل القسم الأول من أقسام استصحاب الكلي. من غير فرق بين كون منشأ الشك في بقائه الشك في المقتضي ؛ بأن لا يحرز مقدار بقائه في عمود الزمان ، وبين كونه الشك في وجود المانع مع إحراز مقدار بقائه كساعة مثلا ، وكون الشك في ارتفاعها قبل انقضاء الساعة ؛ لاحتمال وجود مانع.

هذا في استصحاب الشخص والقسم الأول من استصحاب الكلي.

وإذا اشتغل بسورة لم يعلم أنها سورة الروم أو القدر مثلا ، فإن كانت هي الروم فلم يفرغ منها ، وإن كانت هي القدر فقد فرغ منها ، فيدور الأمر بين الفرد القصير والفرد الطويل ، وحينئذ يجوز استصحاب كلي القراءة ، ولا يجوز استصحاب الفرد لعدم اليقين السابق الذي هو أحد ركني الاستصحاب ، واستصحاب الكلي في هذه الصورة من قبيل القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي.

وإذا علم بأنه اشتغل بسورة القدر مثلا وتمت ؛ ولكن شك في شروعه في سورة أخرى مقارنة لختمها ، فلا يجوز استصحاب القراءة وهو من قبيل القسم الثاني من ثالث أقسام استصحاب الكلي.

وأما القسمان الآخران ـ أي : الأول والثالث من أقسام القسم الثالث ـ فلا يتصوران في قراءة شخص وتكلمه كما لا يخفى.

(٢) هذا إشارة إلى القسم الأول من استصحاب الكلي الجاري في الأمور التدريجية وقد تقدم توضيح ذلك.

٢٩٩

المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شيء منها صح فيه (١) استصحاب الشخص والكلي.

فإذا شك فيه (٢) من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة كان من القسم الثاني (٣) ، وإذا شك (٤) في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث (٥).

هذا في الزمان ونحوه من سائر التدريجيات (٦).

وأما الفعل المقيد بالزمان (٧) فتارة : يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده ، وطورا (٨) مع القطع بانقطاعه وانتفائه ...

______________________________________________________

(١) أي : في هذا الشك المتعلق ببقاء السورة ، وضميرا «فيها ، منها» راجعان إلى السورة.

(٢) أي : في بقاء السورة. أشار بهذا إلى جريان استصحاب الكلي من القسم الثاني ، وهو تردد الكلي بين ما هو معلوم الارتفاع ، وبين ما هو مقطوع البقاء.

وقد تقدم ذلك آنفا بقولنا : «وإذا اشتغل بسورة لم يعلم أنها سورة الروم أو القدر مثلا ...» الخ.

(٣) وهو تردد الكلي بين فردين أحدهما طويل العمر كالفيل والآخر قصير العمر كالبق.

(٤) هذا إشارة إلى جريان القسم الثالث من استصحاب الكلي في الأمور التدريجية.

وقد مر ذلك بقولنا : «وإذا علم بأنه اشتغل بسورة القدر وتمت ولكن شك في شروعه ...» الخ. وضمير «أنه» راجع إلى القارئ المستفاد من العبارة. وقوله : «أخرى» صفة لمحذوف وهي «سورة» ، وضمير «بأنه» للشأن ، و «كان» في الموضعين جواب «إذا» في الموردين.

(٥) وهو القطع بانتفاء الفرد المعلوم الوجود والشك في وجود فرد آخر من الكلي ، وقد عرفت : عدم جريان الاستصحاب فيه.

(٦) وقد علمت : أنها كسائر الأمور القارة في جميع الخصوصيات ومنها جريان الاستصحاب فيها كالأمور القارة.

(٧) هذا إشارة إلى المقام الثالث أعني : الفعل المقيد بالزمان. وقد تقدم تفصيل الكلام فيه فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٨) عطف على «فتارة» ، وهذا إشارة إلى الوجه الثاني الذي تقدم بقولنا : «الثاني : أن يكون الشك في الوجوب مع القطع بانقضاء الزمان».

٣٠٠