دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

أو غفلة (١) كما هو (٢) الحال في سائر الحيوانات دائما وفي الإنسان أحيانا.

وثانيا : سلمنا ذلك (٣) لكنه لم يعلم أن الشارع به (٤) راض ، وهو عنده ماض ، ويكفي في الردع عن مثله (٥) : ما (٦) دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم ، وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات ، فلا (٧) وجه لاتباع هذا البناء فيما لا بد في اتباعه من الدلالة على إمضائه ، فتأمل جيدا (٨).

______________________________________________________

وحيث إن المدار على الظن الشخصي ، فلذا أتى ب «لو» لبيان الفرد الخفي من الظن المعمول به.

(١) بمعنى : عدم التفاتهم إلى العلم السابق والشك اللاحق ، فيكون عملهم بالحالة السابقة غفلة ومن دون التفات.

(٢) أي : العمل على الحالة السابقة غفلة حال غير الإنسان من الحيوانات دائما لاختصاص صفتي العلم والشك بالإنسان ، فلا يستند عمل غير الإنسان بالحالة السابقة إلى الاستصحاب ؛ بل إلى العادة الحاصلة من تكرار الفعل ما لم تتبدل بعادة أخرى ، ومع التبدل لا يرجع الحيوان إلى محله السابق إلا مع الغفلة ، بخلاف الإنسان ، فإنه قد يكون للغفلة ، وقد يكون لغيرها ، ولذا قال «قدس‌سره» : «وفي الإنسان أحيانا».

(٣) أي : سلمنا استقرار بناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة ... وهذا ثاني إيراد المصنف على الدليل المزبور ، وقد تقدم بقولنا : «الثاني : ما يرجع على المقدمة الثانية ...».

(٤) هذا الضمير وضمير «هو» راجعان على بناء العقلاء.

(٥) التعبير بالمثل لأجل شمول دليل النهي عن اتباع غير العلم لهذا البناء على العمل باليقين السابق وغيره من الموارد كبناء العقلاء على العمل بخبر الثقة ؛ إلا أن يجاب عنه بخروجه تخصصا لا تخصيصا.

(٦) فاعل «يكفي» ، وهذا إشارة إلى أول طائفة تدل على المنع. وقوله : «وما دل» معطوف عليه وإشارة إلى الطائفة الثانية المانعة عن العمل بهذا البناء العقلائي.

(٧) هذا متفرع على عدم العلم بإمضاء الشارع لبناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة.

(٨) ولا تتوهم : أن مردوعية السيرة بالآيات الناهية عن متابعة غير العلم دورية لعين ما تقدم في بحث حجية خبر الواحد فيقال في المقام : إن رادعية الآيات عن السيرة على العمل بالاستصحاب متوقفة على عمومها لها ، وعمومها لها متوقف على عدم تخصيصها ببناء العقلاء ، وعدم التخصيص متوقف على عدم حجية بناء العقلاء ؛ إذ لو

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

كان حجة لخصص العموم ، فإثبات عدم حجية بنائهم على الاستصحاب بأصالة عموم الآيات متوقف على عدم حجية بنائهم ، وهو الدور. فلا فارق بين المقام ومسألة حجية الخبر.

لأنه يقال : إن هذا التوهم توهم فاسد ، للفرق بين المقامين ؛ إذ في بحث الخبر بعد تقرير الدور من الطرفين أثبت المصنف اعتبار السيرة التي كانت على حجية الخبر بالاستصحاب المفروغ عن اعتباره ، وخصص به الآيات الناهية. وهذا بخلاف المقام ؛ إذ لا دليل على اعتبار بناء العقلاء على الحالة السابقة ؛ لفرض : عدم ثبوت حجية الاستصحاب بعد ، فكيف تخصص الآيات الرادعة بالسيرة التي لم يثبت اعتبارها شرعا؟ وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

خلاصة بحث الدليل الأول من الأدلة على حجية الاستصحاب وهو بناء العقلاء :

١ ـ المراد من بناء العقلاء وسيرتهم : هو عملهم في قبال الإجماع القولي ، والاستدلال ببناء العقلاء على اعتبار الاستصحاب مؤلف من مقدمتين :

أما المقدمة الأولى : فمحصلها استقرار بناء العقلاء على إبقاء ما كان على ما كان ـ بمعنى كون الاعتماد على الوجود السابق المتيقّن في ظرف الشك في بقائه ـ من مرتكزات العقلاء في جميع أمورهم ؛ بل يمكن دعوى عدم اختصاص هذا البناء بالعقلاء لأنه دأب كل ذوي الشعور ؛ لما يرى من رجوع الحيوانات إلى أو كارها بعد تركها.

وأما المقدمة الثانية : فلأن هذا البناء حجة شرعا لعدم ردع الشارع عنه وهذا المقدار كاف في الإمضاء.

إيراد المصنف على هذا البناء بوجهين :

٢ ـ الوجه الأول : ما يرجع إلى منع المقدمة الأولى ؛ إذ ليس المقصود بالاستدلال بهذا البناء إثبات تعويلهم على الحالة السابقة تعبدا ؛ إذ لا معنى للتعبد المحض في عمل العقلاء به ارتكازا ؛ بل لا بد من استناده إلى منشأ عقلائي وهو أحد أمور ثلاثة :

١ ـ بأن يكون منشؤه الاحتياط ؛ كإرسال الأموال إلى الولد في بلد آخر رجاء واحتياطا خوفا من ابتلاء ابنه بضيق المعاش على تقدير كونه حيا.

٢ ـ أن يكون منشؤه الاطمئنان بالبقاء ؛ كإرسال التاجر البضائع إلى تاجر في بلد آخر.

١٢٢

الوجه الثاني (١) : أن الثبوت في السابق موجب للظن به في اللاحق.

______________________________________________________

٣ ـ أن يكون منشؤه الغفلة عن شكه الفعلي في بقاء ما كان ؛ كما إذا غير مسكنه وغفل عنه ، فإنه قد يذهب إلى داره الأولى غفلة.

وعليه : فليس من ارتكازيات العقلاء العمل تعبدا بالمتيقن السابق في ظرف الشك في بقائه ؛ كي يتجه الاستدلال به على اعتبار الاستصحاب.

٣ ـ الوجه الثاني : ما يرجع إلى منع المقدمة الثانية ، أعني : تحقق شرط الاعتبار ؛ إذ من شرائط حجية بناء العقلاء هو : إمضاء الشارع ولو بعدم الردع لكنه ممنوع ؛ إذ لا دليل على الإمضاء ، بل دل على الردع عنه طائفتان من الأدلة :

الأولى : هي الآيات والروايات الناهية عن العمل بغير علم كقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، ومن المعلوم : أن كل ما ليس بعلم موضوع للنهي عن اتباعه ، فهي شاملة للمقام إذ المفروض : زوال اليقين ببقاء الحالة السابقة.

الثانية : ما دل من الكتاب والسنة على كون المرجع في الشبهات أصالة البراءة ، كما هو مذهب الأصوليين ، أو أصالة الاحتياط كما هو مذهب الأخباريين.

فالمتحصل : أن بناء العقلاء على الأخذ باليقين السابق على تحققه يكون مردوعا عنه ، فلا عبرة به لإثبات حجية الاستصحاب.

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو عدم صحة الاستدلال ببناء العقلاء على حجية الاستصحاب.

الدليل الثاني : حجية الاستصحاب من باب الظن

(١) وحاصل هذا الوجه العقلي على حجية الاستصحاب : أن الثبوت السابق مفيد للظن به في اللاحق.

إما بدعوى : أن مجرد ثبوت شيء مع عدم الظن بارتفاعه يوجب الظن بالبقاء.

أو دعوى : أن الغالب هو بقاء ما لم يعلم ارتفاعه بعد العلم بثبوته ، وإليه استند شارح المختصر الحاجبي فقال : معنى استصحاب الحال : أن الحكم الفلاني قد كان ولم يظن عدمه ، وكل ما كذلك فهو مظنون البقاء.

وقد أورد المصنف «قدس‌سره» على هذا الوجه الثاني بوجوه :

الوجه الأول : ما يرجع على الدعوى الأولى فقط وحاصله : منع علّية مجرد الوجود السابق للظن بالبقاء ، ضرورة : أن الممكن كما يحتاج في حدوثه إلى مؤثر كذلك يحتاج

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

١٢٣

وفيه (١) : منع اقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء فعلا (٢) ولا نوعا فإنه لا وجه له (٣) أصلا إلّا كون الغالب فيما ثبت أن يدوم مع إمكان أن لا يدوم ، وهو (٤) غير معلوم ، ولو سلم (٥) : فلا دليل على اعتباره بالخصوص مع نهوض الحجة على عدم اعتباره بالعموم.

______________________________________________________

في بقائه أيضا إلى المؤثر ؛ إذ وجه الحاجة إلى العلة المحدثة هو الإمكان ، وهو موجود بالنسبة إلى البقاء أيضا ؛ وذلك لعدم خروج الممكن بحدوثه ووجوده عن الإمكان الذاتي ، وإن صار واجبا بالغير. وحينئذ : لا يحصل الظن بالبقاء بمجرد الثبوت السابق بل البقاء يحتاج إلى مؤثر ، فلا يحصل الظن به إلا بالظن بوجود مؤثر في بقائه ، والمفروض : عدم الظن بوجود المؤثر بالنسبة إلى بقائه.

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : «وهو غير معلوم» ، يعني : كون الغالب فيما ثبت أن يدوم غير معلوم ؛ إذ لم تثبت هذه الغلبة فيما شك في بقائه بعد العلم بحدوثه ؛ لأن ما ثبت جاز أن يدوم وأن لا يدوم ، فالحكم بالدوام مع احتمال عدم الدوام وتساوي الاحتمالين ليس إلا ترجيحا من غير مرجح وهو باطل عقلا. وهذا الوجه كالوجه الثالث الآتي راجع على إبطال الدعوى الثانية.

الوجه الثالث : ما أشار إليه بقوله : «ولو سلم» وحاصله : أنه ـ بعد تسليم الغلبة المذكورة ـ لا دليل على اعتبارها ؛ بل نهض على عدم اعتبارها عموم الكتاب والسنة الناهية عن اتباع غير العلم ؛ كما تقدم في بيان الردع عن السيرة العقلائية.

(١) أي : الإشكال في هذا الوجه الثاني ، وقد تقدم إيراد المصنف بالوجوه الثلاثة على هذا الوجه الثاني ، فلا حاجة إلى التكرار.

(٢) أي : الظن الشخصي في قبال الظن النوعي.

(٣) أي : لا وجه لاقتضاء مجرد الثبوت للظن بالبقاء. وضمير «أنه» للشأن.

(٤) يعني : وكون الغالب فيما ثبت أن يدوم غير معلوم. وهذا إشارة إلى الوجه الثاني كما عرفت.

(٥) هذا إشارة إلى الوجه الثالث ، وضمير «اعتباره» راجع على الظن بالبقاء ، يعني : حيث لا دليل على حجية هذا الظن بالخصوص فهو باق تحت عموم الأدلة الناهية عن اتباع غير العلم.

وبالجملة : فالجواب الأول : ناظر إلى عدم تسليم الغلبة ، والثاني : إلى عدم اعتبارها بعد تسليمها ؛ لعدم دليل على اعتبارها ، والثالث : إلى الدليل العام على اعتبار هذه الغلبة ؛

١٢٤

الوجه الثالث : دعوى الإجماع عليه كما عن المبادئ حيث قال : الاستصحاب حجة ، لإجماع الفقهاء على أنه متى حصل حكم ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا ولو لا القول بأن الاستصحاب حجة لكان ترجيحا لأحد طرفي الممكن من غير مرجح (١) (*). انتهى. وقد نقل (٢) عن غيره أيضا.

______________________________________________________

للعمومات الناهية عن العمل بغير العلم.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ حجية الاستصحاب من باب الظن إما بدعوى : أن مجرد ثبوت شيء مع عدم الظن بارتفاعه موجب للظن بالبقاء ، أو دعوى : أن الغالب هو بقاء ما لم يعلم ارتفاعه بعد العلم بثبوته.

٢ ـ إيراد المصنف على هذا الوجه :

أولا : منع علّية مجرد الوجود السابق للظن بالبقاء.

وثانيا : عدم ثبوت كون الغالب فيما ثبت أن يدوم إذ لم تثبت هذه الغلبة فيما شك في بقائه.

وثالثا : لا دليل على اعتبار هذه الغلبة على فرض تسليمها ؛ بل نهض الدليل على عدم اعتبارها ، وهو عموم الكتاب والسنة الناهية عن العمل بغير العلم.

٣ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو عدم تمامية الاستدلال بهذا الوجه الثاني على حجية الاستصحاب.

الدليل الثالث : الإجماع

(١) يعني : البناء على الحالة السابقة ، مع تساوي الوجود والعدم بالنسبة إلى الممكن لا يكون إلا لأجل حجية الاستصحاب ؛ إذ لو لم يكن حجة لكان ترجيح البقاء على الارتفاع من دون مرجح ، وهو باطل عقلا.

(٢) الناقل هو : الشيخ الأنصاري (١) «قدس‌سره» ، نقل الإجماع عن صاحب النهاية وصاحب المعالم والفاضل الجواد ؛ لكن في المعالم نسبته إلى الأكثر ، وهو ينافي تصريح المحقق «الإطباق عليه» ، والعلامة «الاتفاق عليه». وضمير «غيره» راجع على المبادئ.

__________________

(*) مبادئ الأصول : ٢٥١ ، ونقله الشيخ في فرائد الأصول ٣ : ٥٣.

(١) فرائد الأصول ٣ : ٥٣.

١٢٥

وفيه (١) : أن تحصيل الإجماع في مثل هذه المسألة مما له مبان مختلفة في غاية الإشكال ولو مع الاتفاق ، فضلا (٢) عما إذا لم يكن وكان (٣) مع الخلاف من المعظم ، حيث ذهبوا إلى عدم حجيته مطلقا أو في الجملة ، ونقله موهون جدا لذلك (٤) ، ولو

______________________________________________________

(١) وقد ردّ المصنف الإجماع بما حاصله : أن الإجماع إما محصل وإما منقول ، وكل منهما لا يخلو عن إشكال.

ويرد على الأول وجهان :

الأول : أن تحصيل الإجماع الكاشف عن قول المعصوم «عليه‌السلام» في المسألة التي لها مدارك مختلفة في غاية الصعوبة ؛ حتى مع الاتفاق فضلا عمّا إذا كانت هي محل الخلاف ؛ لأن حجية الاستصحاب عند القائلين بها مستندة إلى مبان مختلفة مذكورة في كلامهم ، والإجماع كذلك ليس كاشفا عن رأي المعصوم «عليه‌السلام» ؛ لاحتمال استناد بعضهم إلى بعض تلك المباني ، وبعضهم إلى بعضها الآخر ، فيكون الإجماع حينئذ مدركيا ، ولا أقل من احتمال مدركيته ، ومن المعلوم : أنه لا عبرة به ؛ إذ العبرة بالمدرك.

ووجه عدم كشفه عن رأي المعصوم «عليه‌السلام» ـ الذي هو مناط حجية الإجماع ـ واضح ، إذ يمكن أن يكون المتشبث في اعتبار الاستصحاب ببناء العقلاء مثلا منكرا له ؛ بناء على عدم تمامية مستنده المزبور ، لعدم تمامية سائر الأدلة أيضا في نظره.

الثاني : أن دعوى الإجماع باطلة من أساسها ؛ لكثرة الأقوال في المسألة ، ومع كثرتها لا يحصل الاتفاق أصلا.

ويرد على الثاني أيضا ـ وجهان :

الأول : أن الإجماع المنقول ليس حجة في خصوص المقام ، لكون نقله موهونا بخلاف المعظم.

الثاني : أن الإجماع ليس حجة في نفسه كما ثبت في محله.

(٢) هذا إشارة الإشكال الثاني على تقدير كون الإجماع المدعى محصلا. والضمير المستتر في «يكن» راجع على «الاتفاق».

(٣) يعني : وكان عدم الاتفاق مع الخلاف من المعظم.

(٤) أي : لخلاف المعظم ، وهذا أول الإشكالين المتقدم بقولنا : «الأول أن الإجماع المنقول ليس حجة في خصوص المقام ...» الخ.

١٢٦

قيل (١) بحجيته لو لا ذلك (٢).

الوجه الرابع : وهو العمدة في الباب ، الأخبار المستفيضة (٣) منها : صحيحة زرارة قال : قلت له : الرجل ينام (٤) وهو على وضوء ، أيوجب الخفقة (٥) والخفقتان عليه الوضوء (٦)؟ قال : «يا زرارة ، قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، وإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء». قلت : فإن حرّك (٧) في جنبه شيء وهو لا يعلم ،

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الإشكال الثاني على الإجماع المنقول ، وهو عدم حجية الإجماع في نفسه.

(٢) يعني : لو لا الإشكال في تحصيل الإجماع مع اختلاف المباني في حجية الاستصحاب ، ويمكن الإشكال في الإجماع في خصوص المقام : بأن ما حكاه المحقق في المعارج هو إطباق العلماء على البراءة الأصلية ، وأنها ليست غير الاستصحاب ، فكان دعوى الإجماع على الاستصحاب حدسية من جهة انطباق البراءة الأصلية عليه ؛ لكونه إحدى صغرياتها ، فإذا تحقق تعددهما انهدم أساس الإجماع على الاستصحاب. والبحث ملخص فلا حاجة إلى التلخيص.

وكيف كان ؛ فظاهر كلام المصنف «قدس‌سره» هو : عدم حجية الإجماع في المقام ، فلا يتم الاستدلال به على حجية الاستصحاب.

الدليل الرابع : الأخبار المستفيضة

(٣) وهي الأخبار الكثيرة التي لم تبلغ حدّ التواتر.

(٤) أي : يأخذه النوم.

(٥) الحركة حركة الرأس بسبب النعاس ، يقال : خفق برأسه خفقة أو خفقتين : إذا أخذت حركة من النعاس برأسه ، فمال برأسه دون سائر جسده.

(٦) يفهم من هذا السؤال : أنه سؤال عن الشبهة المفهومية بمعنى : أن مفهوم النوم مشتبه عند زرارة ، بحيث لا يعلم أنه يشمل الخفقة والخفقتين أم لا.

(٧) ماض مجهول من باب التفعيل ، وهو سؤال عن الشبهة المفهومية. والكلام في هذه الصحيحة تارة : يقع في سندها ، وأخرى : في دلالتها.

وأما الكلام فيه من حيث السند : فلا إشكال فيه لكون رواتها من الأجلة. ولا يضرها الإضمار وذلك بأحد وجهين :

الوجه الأول : أن الإضمار من مثل زرارة يكون بمنزلة الإظهار ، فلا يوجب القدح في اعتبار الرواية ؛ إذ مثل زرارة لا يسأل غير المعصوم «عليه‌السلام» ؛ لأن نقل الرواية عن غير

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المعصوم «عليه‌السلام» للغير من دون نصب قرينة على تعيين المسئول عنه خيانة لا تصدر عن مثل زرارة ، فيكون الإضمار من دون نصب قرينة على تعيين المسئول عنه دليلا على كون المسئول عنه هو المعصوم «عليه‌السلام» (١).

والوجه الثاني : أن هذه الرواية رويت مسندة إلى الإمام الباقر «عليه‌السلام» ، على ما ذكره السيد الطباطبائي في الفوائد ، والفاضل النراقي على ما ذكره الشيخ «قدس‌سره» في تنبيهات الاستصحاب وغيرهما من الأفاضل ، ومن البعيد أن مثل السيد وأمثاله نقلها مسندة ، ولم يعثر على أصل من الأصول (٢). هذا تمام الكلام في سند الرواية.

وأما دلالة الرواية فتتوقف على ذكرها وهذا نصها :

قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال : «يا زرارة ، قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، إذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء» ، قلت : فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ قال : «لا ، حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكنه ينقضه بيقين آخر».

وقبل تقريب الاستدلال بهذه الصحيحة ينبغي بيان تعيين مورد السؤال فيها فنقول : إنه لا شك في أن الصحيحة تتضمن سؤالين ، السؤال الأول : «أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء»؟

السؤال الثاني : «فإن حرّك على جنبه شيء وهو لا يعلم»؟ ومن الواضح أن السؤال الثاني كان سؤالا عن شبهة موضوعية ، وهي أنه هل يمكن الاستدلال بعدم الالتفات عند تحريك شيء على جنبه وهو لا يعلم أنه قد نام؟ فأجاب الإمام «عليه‌السلام» بقوله : «لا حتى يستيقن أنه قد نام».

وأما تعيين مقام السؤال الأول ففيه احتمالات :

الأول : أن الشبهة في مورد الرواية كانت مفهومية لا بمعنى أن الراوي كان غير عارف بمفهوم النوم إجمالا ؛ بل كان يعرفه لكن كان غير عارف بحدّه الدقيق حتى يطبقه على موارد الشبهة ، وكان الشك في تحقق النوم بالخفقة والخفقتين ناشئا عن عدم التعرف على مفهومه الدقيق الجامع.

__________________

(١ ـ ٢) مصباح الأصول ٣ : ١٣.

١٢٨

قال : «لا ، حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشك ولكنه ينقضه بيقين آخر» (*).

______________________________________________________

الثاني : كان السؤال عن الناقض وأنه هل هو المرتبة الكاملة من النوم ، أو تكفي المرتبة الضعيفة مع العلم بمفهوم النوم وأن له مراتب قويها ما تتعطل به القوى الثلاث ـ العين ، والأذن ، والقلب ـ وضعيفها ما تتعطل به العين ، أو هي مع السمع ولكن القلب يدرك ولا يتعطل.

الثالث : كان السؤال عن ناقضية الخفقة والخفقتين مع العلم بأنها ليست داخلة في النوم ؛ لكنه يحتمل أن تكون بنفسها ناقضة وإن لم تكن نوما. وهذا الاحتمال الثالث مردود ؛ لأن النواقض محدودة ، وبعيد عن زرارة أن لا يعرفها ، ويحتمل كون الخفقة برأسها ناقضة وإن لم تكن داخلة تحت النوم.

فتعيّن أحد المعنيين الأول والثاني ، فعلى الأول : الشبهة حكمية مفهومية ، وعلى الثاني : حكمية محضة وهو الظاهر ، بقرينة أن الإمام «عليه‌السلام» قام بتبيين مراتب النوم ، وصرّح بأن نوم العين والأذن مع التصديق بأنه من مراتبه لا يكفي ، وإنما الناقض هو المرتبة الكاملة منه أي : إذا نام الجميع.

هذا تمام الكلام في بيان تعيين مورد السؤال في هذه الصحيحة.

وأما تقريب الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب : فيتوقف على مقدمة وهي : بيان الجزاء لقوله : «وإلّا فإنه على يقين من وضوئه». أو لقوله : «فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم». والأول هو مختار الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، حيث جعل الشرط «وإلّا» أي : وإن لم يستيقن أنه قد نام. والثاني هو مختار صاحب الكفاية حيث جعل الشرط «فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم».

وفي الجزاء على كلا الاحتمالين في الشرط احتمالات :

الاحتمال الأول : أن الجزاء محذوف مستفاد من قوله : «لا» في جواب «فإن حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم» أي : لا يجب الوضوء «حتى يستيقن أنه قد نام». هذا على تقرير صاحب الكفاية الاستدلال بها على حجية الاستصحاب ؛ ولكن تقرير الشيخ الأنصاري الاستدلال بها على حجية الاستصحاب يكون مخالفا لتقرير صاحب الكفاية.

وحاصل ما أفاده الشيخ في تقرير الاستدلال بها على حجية الاستصحاب هو : أن

__________________

(*) تهذيب الأحكام ١ : ٨ / ١١ ، الوسائل ١ : ٢٤٥ / ٦٣١.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط عبارة عن قوله «عليه‌السلام» : «وإلّا» وجوابه ـ وهو لا يجب عليه الوضوء ـ محذوف وقوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» علّة للجواب المحذوف وأقيم مقامه ، وقيام العلة مقام الجزاء كثير في القرآن. ثم ذكر جملة من الآيات لقيام العلة مقام الجزاء فيها. راجع «دروس في الرسائل ، ج ٤ ، ص ٣٥٤».

فيكون معنى الرواية : أنه إن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب عليه الوضوء ؛ لأنه على يقين من وضوئه في السابق ، وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء عن الوضوء ، وجعل العلّة نفس اليقين ـ لا اليقين بالوضوء ـ يكون قوله «عليه‌السلام» ـ : «ولا ينقض اليقين أبدا بالشك» ـ بمنزلة كبرى كلية للصغرى المزبورة. ثم أشار إلى الاحتمالين الآخرين في الجواب حيث قال ما مفاده : إنه لا يكون جواب الشرط عبارة عن قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» ، ولا قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين» الخ ، وكان ذكر قوله : «على يقين» الخ توطئة وتمهيد له حتى يلزم محذوران :

الأول : لا يستفاد منها إلّا عدم جواز النقض على نحو التعبد في باب الوضوء فقط ، حيث إنه يكون خلاف الظاهر منه.

الثاني : يلزم الفصل بالواو بين الشرط والجزاء ، وهو لا يصح على قانون اللغة العربية.

فالحاصل : أنه لا يصح أن يكون الجزاء قوله : «لا ينقض اليقين» الخ ، وكان قوله : «على يقين» الخ ، تمهيدا له لما ذكر من الإشكالين.

هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالصحيحة على حجية الاستصحاب على ما قرره الشيخ «قدس‌سره».

ولكن صاحب الكفاية قرر الاستدلال بنحو آخر وهو : أن الشرط عبارة عن قوله «عليه‌السلام» : «فإن حرّك ...» الخ ، وجوابه عبارة عن لفظ «لا». وقوله «فإنه على يقين» تعليل للجواب بالأمر الارتكازي الغير المختص بباب الوضوء ، يعني : أن السائل لما سأل عن وجوب إعادة الوضوء أجاب الإمام «عليه‌السلام» : بأنه لا يجب. ثم علل الإمام عدم الوجوب بأن المورد داخل في قضية ارتكازية شرعية على عدم نقض اليقين بالشك وهي قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين أبدا بالشك».

وكيف كان ؛ فإن التعليل لما كان بأمر ارتكازي وهو : أن اليقين ذو صلابة ولا ينقضه شيء ذو رخوة كالشك صحّ للعرف انتزاع قاعدة كلية من المورد وهو أن الشك كالقطن لا يمكن له أن ينقض اليقين الذي هو كالحجر.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى ذلك فما هو الدخيل في التعليل هو نفس اليقين والشك لا اليقين بالوضوء والشك فيه ، ولو كان الأمر كما توهم لكان للإمام «عليه‌السلام» التنبيه عليه.

فالنتيجة هي : صحة الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب في جميع الأبواب لا في باب الوضوء فقط.

فلا يكون جواب الشرط عبارة عن قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين ...» الخ ، ولا قوله : «ولا ينقض اليقين بالشك ...» الخ ، وجعل قوله : «فإنه على يقين ...» تمهيدا للجواب حتى لا يكون دليلا على اعتبار الاستصحاب في جميع الأبواب بنحو الكلية ؛ بل يكون حكما تعبديا ونهيا عن نقض اليقين بالشك في باب الوضوء فقط ، حيث إن جعل الجواب قوله : «فإنه على يقين من وضوئه» يكون على خلاف الظاهر منه ؛ لأن كلمة «فإنه على يقين» ظاهرة في التعليل ، فجعل الجملة الاسمية الخبرية ـ يعني قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» بمعنى الإنشاء والأمر بالمضي على اليقين والبناء عليه بحسب العمل حال الشك ـ تعسف ، كما أن جعل الجواب عبارة عن قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين ...» الخ ، وجعل قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين ...» الخ. تمهيدا للجواب ـ لا أنه علّة قامت مقام الجزاء ـ أيضا يكون على خلاف الظاهر منه ؛ بل لا وجه له بعد عدم صحة الفصل بالواو بين الشرط والجزاء على قانون العربية ، إلّا إن الظاهر من الصحيحة : ما سلك إليه الشيخ «قدس‌سره».

وأما كلام صاحب الكفاية فلا يخلو عن المناقشة :

أولا : من جهة أنه إن كان الشرط عبارة عن قوله «عليه‌السلام» : «فإن حرّك ...» الخ. يتعين أن يكون جوابه لفظة «لا» على حسب الصناعة العرفية ، ولا يحتمل أن يكون الجواب قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين ...» الخ ، ولا قوله : «ولا ينقض اليقين ...» الخ ، لأنه خلاف الظاهر منه عرفا ؛ بل لا يصح لاستلزامه الفصل بالواو بين الشرط والجزاء.

وثانيا : مرّ أنه منع بناء العقلاء ، فكيف قال في المقام : بأن التعليل يكون بالأمر الارتكازي العقلائي الغير المختص بباب الوضوء؟ فلا يخلو كلامه عن التناقض.

وكيف كان ؛ سواء جعل الشرط قوله : «فإن حرّك ...» الخ ، وجوابه لفظة «لا» ، وجعل قوله : «فإنه على يقين» تعليلا للجواب ـ كما يقول صاحب الكفاية ـ أو جعل الشرط قوله : «وإلّا» وكان الجواب محذوفا ، وجعل قوله : «فإنه على يقين» علة له ،

١٣١

وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلّا إن إضمارها لا يضر باعتبارها ، حيث كان مضمرها مثل زرارة ، وهو ممن لا يكاد يستفتى من غير الإمام «عليه‌السلام» ، لا سيما مع هذا الاهتمام (١).

وتقريب الاستدلال بها (٢) : أنه لا ريب في ظهور قوله «عليه‌السلام» : «وإلّا فإنه على يقين ...» إلى آخره عرفا (٣) في النهي عن نقض اليقين بشيء بالشك (٤) فيه ،

______________________________________________________

فكانت الرواية دليلا على اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد لظهور التعليل في بيان الأمر الارتكازي ، وأنه لا يجوز نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ؛ لأنه يكون من مصاديق الكبرى الكلية الارتكازية من عدم جواز نقض اليقين على الوجه الكلي بالشك فيه. هنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) يعني : اهتمام زرارة ، المستكشف من تصديقه للسؤال عن شقوق المسألة من تحديد مفهوم النوم الناقض والأمارة عليه.

(٢) أي : تقريب الاستدلال بالصحيحة ومورده فيها هو قوله «عليه‌السلام» : «وإلّا فإنه على يقين» ؛ إذ هو بمنزلة قوله : «وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب الوضوء ، لأنه كان متيقنا بالوضوء» ، وهذا هو الاستصحاب ، حيث إن جملة «فإنه على يقين» اسمية فهي ظاهرة في تحقق اليقين فعلا ، أي : في زمان تحقق الشك ، غاية الأمر : أن اليقين تعلق بالحدوث ، والشك بالبقاء.

فالمكلف متيقن في حال عروض الخفقة والخفقتين بتحقق الوضوء سابقا ، وشاك في انتقاضه بعروض النعاس عليه.

ومحصل الكلام في المقام : أن النهي عن نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ليس لخصوصية في الوضوء ؛ بل لكونه من صغريات القضية الكلية الارتكازية على ما هو ظاهر التعليل بقوله : «فإنه على يقين» من كونه بأمر ارتكازي ؛ لوضوح أن عدم نقض اليقين بخصوص الوضوء بسبب الشك فيه ليس من مرتكزات العقلاء بما هم عقلاء حتى يتجه التعليل به ، وعلى هذا فالصحيحة دليل على حجية الاستصحاب مطلقا من دون اختصاصها بباب دون باب.

(٣) هذا ، و «في النهي» متعلقان ب «ظهور» يعني : أنه يستفاد النهي من مجموع الجزاء المحذوف وهو «فلا يجب الوضوء» ؛ وعلته وهو «فإنه على يقين من وضوئه».

(٤) متعلق ب «نقض» ، وضمير «فيه» راجع على «شيء».

١٣٢

وأنه (١) «عليه‌السلام» بصدد بيان ما هو علّة الجزاء المستفاد (٢) من قوله «عليه‌السلام» : «لا» في جواب «فإن حرك في جنبه ...» إلى آخره ، وهو (٣) اندراج اليقين والشك في مورد السؤال في القضية الكلية الارتكازية الغير المختصة بباب دون باب.

واحتمال (٤) أن يكون الجزاء هو قوله : «فإنه على يقين ...» إلى آخره غير

______________________________________________________

(١) معطوف على «النهي».

(٢) صفة ل «الجزاء» والجزاء المستفاد من قوله «عليه‌السلام» : «لا» هو «لا يوجب الوضوء».

(٣) الضمير راجع على الموصول في «ما هو» يعني : أن علّة عدم وجوب الوضوء عند عروض الخفقة والخفقتين هو : أن الشك في مورد السؤال يندرج في القضية الارتكازية من البناء على ما كان وعدم نقض اليقين إلّا بمثله.

وبالجملة : فقوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» علة للجزاء المحذوف ، وهو قوله : «فلا تجب إعادة الوضوء». والغرض من هذا التعليل هو : إدراج اليقين بالوضوء والشك فيه تحت القضية الكلية غير المختصة بباب دون باب.

وبيانه : أنه يعتبر في تعليل حكم بشيء أن تكون العلة المنصوصة قضية كلية مرتكزة في ذهن المخاطب ، ويكون الغرض من التعليل التنبيه على صغروية المعلل لعموم تلك العلة ؛ كما إذا قال الشارع : «لا تشرب الخمر فإنه مسكر» ، أو قال الطبيب للمريض : «لا تأكل الرمان فإنه حامض» ، فإن المفهوم من نحو هذا التعبير استناد النهي عن شرب الخمر وأكل الرمان إلى انطباق عنوان المسكر المفروغ حرمته وعنوان الحامض المضر بحال المريض عليهما ، وعليه : فالمناط في حسن التعليل كون العلة كبرى كلية ارتكازية ، والمعلل من صغرياتها.

وعلى هذا : فتعليل عدم وجوب إعادة الوضوء في الصحيحة بقوله «عليه‌السلام» : «فإنه لا ينقض اليقين بالشك» تعليل بأمر مغروس في أذهان العقلاء ؛ لأجل أن اليقين بما أنه كاشف ذاتي عن الواقع مما ينبغي سلوكه ، والشك حيث إنه محض التحير والتردد لا يجوز البناء عليه ؛ لكونه محتمل الضرر ، وهذه الكبرى العقلائية المسلمة طبقها الإمام «عليه‌السلام» على الاستصحاب وإن زال اليقين وتبدل بالشك.

(٤) هذا شروع في تقريب دلالة الصحيحة على اعتبار الاستصحاب وعموم حجيته لسائر الأبواب ، مع أن ظهورها الأوّلي بيان قاعدة الاستصحاب في باب الوضوء خاصة بعدم الاعتناء باحتمال وجود الناقض.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومحصل ما أفاده هنا : إن الوجوه المحتملة في جزاء الشرط في قوله «عليه‌السلام» : «وإلّا» ثلاثة :

الأول : ما تقدم من كون جزاء الشرط محذوفا ، وقيام علته وهي قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» مقامه ، وأنه مبني استفادة حجية الاستصحاب في جميع الموارد.

الثاني : كون جزاء الشرط نفس قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين» ؛ ليكون اللام في «اليقين» في قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك» للعهد كي يختص اليقين غير المنقوض بالشك بباب الوضوء.

فالجملة خبرية في مقام الإنشاء وهو الأمر بالمضيّ على اليقين بوضوئه والبناء عليه بحسب العمل ، فالمعنى : من شك في وضوئه فليأخذ بيقينه السابق.

والمصنف أورد عليه بما حاصله : أن قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين» جملة خبرية لا يصح وقوعها جزاء للشرط فيما نحن فيه ؛ لأن الجزاء يكون مترتبا على الشرط ترتب المعلول على العلة ؛ بحيث إذا تبدلت القضية الشرطية بالحملية يصير الشرط موضوعا والجزاء محمولا ، ففي قولنا : «إن جاء زيد فأكرمه» يصح أن يقال : المجيء علة لوجوب الإكرام. ومن المعلوم : عدم انطباق هذا الضابط على المقام ؛ لأن معنى قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» وهو كونه سابقا على اليقين بالوضوء غير مترتب على الشرط أعني : «وإن لم يستيقن أنه قد نام» ؛ لوضوح : عدم كون ذلك اليقين معلولا لعدم العلم بالنوم ، بل هو معلول لأمر لا يرتبط بالشك بالنوم.

ولأجل عدم الترتب المزبور قال المصنف «قدس‌سره» بعدم صحة جعله جزاء إلا بعد انسلاخه عن الخبرية إلى الإنشائية ؛ بأن يكون المراد : إنشاء وجوب العمل بالحالة السابقة ، والبناء على وجود الوضوء السابق من حيث الآثار ، غاية الأمر : أن الإنشاء تارة : يكون لسان جعل الحكم ك (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) و «لا تشرب الخمر» ونحوهما ، وأخرى : يكون بلسان جعل الموضوع كقوله «عليه‌السلام» : «الطواف بالبيت صلاة» (١) و «أنت متيقن

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٢١٤ / ٧٠ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، المستدرك ٢ : ٢٦٧ ، وفيهم « .. إلا إن الله أحل فيه النطق ، فمن نطق فيه فلا ينطق إلا بخير».

وورد بلفظ : «لا بأس أن يقضي المناسك على غير وضوء ؛ إلا الطواف فإن فيه صلاة». تهذيب الأحكام ٥ : ١٥٤ / ٥٠٩ ، الوسائل ١ : ٣٧٤ / ٩٨٦.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالوضوء» مثلا ، فمعنى الجملة حينئذ : «أنه إن لم يستيقن النوم فليبني على وضوئه» ، ويكون قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك» تأكيدا له. وضابط الجزاء ينطبق حينئذ على المقام ؛ لأن التعبّد بالبقاء على الحالة السابقة مترتب على اليقين بالوضوء والشك في النوم.

لكن الحمل على الإنشاء بعيد إلى الغاية ؛ لأن حمل الخبر على الإنشاء مخالف للأصل لا يصار إليه إلا بقرينة ، وهي مفقودة في المقام ؛ إذ لا حاجة إلى ذلك بعد الاستغناء عن جعله جزاء بالمحذوف المدلول عليه بالجملة السابقة وهي قوله «عليه‌السلام» : «لا» في جواب قول السائل : «فإن حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم».

نعم ؛ قد يراد الطلب من الجملة الفعلية الخبرية مثل : «يعيد» إذا كان المتكلم في مقام الإنشاء ، وكذا تستعمل الجملة الاسمية لإنشاء المادة ، والمحمول كما في ألفاظ العقود والإيقاعات مثل : «أنت طالق ، وأنت حر» ونحوهما. وأما مثل : «فإنه على يقين» فحمله على الإنشاء خلاف الظاهر ؛ لو لا دعوى أنه غير معهود.

فالمتحصل : أنه لا وجه لاحتمال كون «فإنه على يقين ...» جزاء الشرط.

الثالث : أن يكون الجزاء قوله «عليه‌السلام» : «ولا تنقض اليقين بالشك» ، وقد ذكر جملة «فإنه على يقين» توطئة ومقدمة لبيان الجزاء ، والمعنى حينئذ : «وإن لم يستيقن أنه قد نام فلا ينقض اليقين بالوضوء بالشك في النوم» ، ويكون المراد : خصوص اليقين الوضوئي ، فيختص بباب الوضوء ؛ بل يختص بخصوص الشك في النوم ؛ ولا يعم جميع النواقض لأن اليقين الذي لا ينقض ولا ينبغي نقضه هو اليقين الملحوق بالشك في النوم لا غيره ، فيجري الاستصحاب فيما إذا كان الشك متعلقا بالنوم لا مطلقا.

لكن هذا الاحتمال أبعد من سابقه ؛ لكونه مخالفا لما عهد من القواعد العربية من لزوم خلوّ الجزاء عن الواو الظاهرة في المغايرة المنافية لشدة الارتباط والاتصال بين الشرط والجزاء ؛ لما عرفت من ترتب الثاني على الأول ترتب المعلول على علته ، والواو تنافي هذا الترتب ، ويشهد له : أن جملة «لا تنقض» في الروايات الآتية جعلت للحكم بالمضي على الحالة السابقة لا نفس الحكم بالمضي.

وبالجملة : فهذا الاحتمال الثالث في غاية الوهن والسقوط. وقد عرفت وهن الاحتمال الثاني أيضا ، فالمتعين هو الاحتمال الأول ، وقد تقدم تقريب دلالته على اعتبار الاستصحاب مطلقا.

١٣٥

سديد (١) ، فإنه (٢) لا يصح إلا بإرادة لزوم العمل على طبق يقينه ، وهو (٣) إلى الغاية بعيد ، وأبعد منه : كون (٤) الجزاء قوله : «لا ينقض ...» إلى آخره. وقد ذكر : «فإنه على يقين» للتمهيد.

وقد انقدح بما ذكرنا (٥) : ضعف احتمال اختصاص قضية «لا تنقض ...» إلى آخره

______________________________________________________

(١) خبر لقوله : «واحتمال» ، وهذا إشارة إلى الاحتمال الثاني ، وقد تقدم وجه فساده بقولنا : «والمصنف أورد عليه بما حاصله ...» الخ.

(٢) أي : فإن كون الجزاء «فإنه على يقين» لا يصح إلا بتأويل الجملة الخبرية بالإنشائية ، وقد تقدم بيانه بقولنا : «ولأجل عدم الترتب المزبور قال المصنف : ...».

(٣) أي : إرادة لزوم العمل على طبق يقينه بعيد ، وقد عرفت وجه البعد بقولنا : «لكن الحمل على الإنشاء بعيد إلى الغاية ...» الخ.

(٤) هذا هو الاحتمال الثالث ، وقد تقدم بيانه بقولنا : «الثالث أن يكون الجزاء ...» الخ ، وقد عرفت وجه الأبعدية بقولنا : «لكن هذا الاحتمال أبعد من سابقه ...» الخ.

(٥) أي : بما ذكرنا من حمل قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه على التعليل وقيامه مقام الجزاء المحذوف ، وهذا شروع في بيان معممات اعتبار الاستصحاب لغير باب الوضوء. وهي أمور ثلاثة ومؤيد واحد.

وقد تقدم أوّل المعممات مفصلا من اقتضاء التعليل بالأمر الارتكازي عدم اختصاصه بمورد الرواية وهو الوضوء. وقد أشار إلى المعمم الثاني بقوله : «مع أنه لا موجب لاحتماله ...».

وحاصله : إنه لا وجه لاحتمال اختصاص «لا تنقض» في هذه الصحيحة بباب الوضوء إلا كون اللام للعهد ؛ بأن يكون إشارة إلى اليقين في قوله : «فإنه على يقين من وضوئه» ، كما هو الحال في قوله تعالى : (أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً* فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(١) ، لكن لا وجه لاحتمال كون اللام هنا للعهد ؛ لأن الظاهر كون اللام للجنس إلا مع قرينة موجبة للحمل على العهد وهي مفقودة هنا.

ومجرد سبق المدخول وهو اليقين في قوله «عليه‌السلام» : «فإنه على يقين من وضوئه» لا يكون قرينة على كون اللام للعهد ؛ وذلك لكمال الملاءمة مع الجنس موجودة أيضا ، ومعها لا موجب لحمل اللام على العهد.

وقد أشار إلى المعمم الثالث بقوله : «مع أنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء ...» الخ ،

__________________

(١) المزمل : ١٥ ـ ١٦.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصله : منع ظهور «اليقين» في اليقين الوضوئي ولو قيل بكون «فإنه» جزاء الشرط ، وذلك لأن هذا الظهور إنما يكون إذا تعلق «من وضوئه» ـ «اليقين» حتى يكون من قيوده ومتعلقاته ، وأما إذا كان متعلقا بمجموع الجار والمجرور وهو «على يقين» فلا يكون «من وضوئه» من قيوده ؛ إذ يتعلق حينئذ بما يتعلق به قوله : «على يقين» ، والتقدير : «فإنه من طرف وضوئه على يقين» ، فيكون «اليقين» مطلقا غير مقيد ، كما يقال : إن زيدا من ناحية عدالة عمرو وعلمه على يقين ، فلا قيد في اليقين.

وعليه : فلو أصرّ القائل بأن اللام للعهد لم ينفعه ذلك لإثبات اختصاص جملة «ولا ينقض اليقين بالوضوء» ؛ لفرض أن المعهود وهو «فإنه على يقين» مهمل الخصوصية حسب الفرض ، فاليقين المعهود مطلق غير مقيد بشيء حتى يدعى اختصاصه بالوضوء.

هذا تمام الكلام في المعممات الثلاث. وأما المؤيد : فقد أشار إليه بقوله : «ويؤيده تعليل الحكم بالمضي ...» الخ.

أي : ويؤيد ضعف احتمال الاختصاص تعليل الحكم في أكثر روايات الباب بمضامين قريبة مما في المضمرة ، ففي الصحيحة الآتية ورد قوله «عليه‌السلام» : «لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (١).

وفي رواية الخصال عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» : «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن اليقين لا يدفع بالشك» (٢).

وفي رواية عبد الله ابن سنان الواردة في إعارة الثوب من الذمي عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : «فإنك أعرته إياه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه نجسه» (٣).

وفي موثقة عمار عنه «عليه‌السلام» : «إذا شككت فابن على اليقين. قلت : هذا أصل؟ قال : «نعم» (٤) ، وعليه فقد تكررت جملة «ولا ينقض اليقين بالشك» إما بلفظها

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ : ٤٢١ / جزء من ح ١٣٣٥ ، الاستبصار ١ : ١٨٣ / جزء من ح ٦٤١ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ / جزء من ح ٤١٩٢.

(٢) الخصال : ٦١٩ ، جزء من حديث الأربعمائة ، باختلاف.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٦١ ، ج ذيل ح ١٤٩٥ ، الاستبصار ١ : ٣٩٢ / ذيل ح ١٤٩٧ ، الوسائل ٣ : ٥٢١ / ذيل ح ٤٣٤٨.

(٤) الفقيه ١ : ٣٥١ / ١٠٢٥ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ / ١٠٤٥٢.

١٣٧

باليقين والشك في باب الوضوء جدا (١) ، فإنه ينافيه (٢) ظهور التعليل في أنه بأمر ارتكازي لا تعبدي قطعا.

ويؤيده (٣) : تعليل الحكم بالمضي مع الشك في غير الوضوء في غير هذه الرواية بهذه القضية أو ما يرادفها ، فتأمل جيدا ، هذا مع أنه (٤) لا موجب لاحتماله إلا احتمال كون اللام في «اليقين» للعهد إشارة إلى اليقين في «فإنه على يقين من وضوئه» ، مع أن الظاهر أنه للجنس كما هو الأصل (٥) فيه ، ...

______________________________________________________

وإما بما يرادفها في الروايات ، مع عدم كون مورد السؤال الوضوء أو الطهارات الثلاث حتى يدعى اختصاص هذه الكبرى بها.

ثم إن تعبير المصنف هنا بالتأييد ـ دون الشهادة التي ذكرها في حاشية الرسائل ـ لعله لأجل أن ما ورد بلسان التعليل كما في صحيحة زرارة الآتية يحتمل فيه العهد أيضا كما في هذه المضمرة ، فلا بد من قرينة أخرى لإثباته أن اللام للجنس.

وكيف كان ؛ فالمهم إثبات كون التعليل في خصوص هذه المضمرة بأمر ارتكازي وإقامة القرائن على عدم كون اللام للعهد كما سيظهر.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدارية.

(١) قيد لقوله : «ضعف احتمال».

(٢) أي : الاختصاص ، وضمير «فإنه» للشأن وضمير «أنه» راجع على التعليل ، وقوله : «قطعا» قيد ل «ينافيه».

وغرضه : أن الاختصاص خلاف ظاهر التعليل ؛ لظهوره في الارتكازية التي تقتضي اطراد الحكم المعلل وعدم اختصاصه بباب دون باب.

(٣) أي : ويؤيد ضعف احتمال الاختصاص تعليل الحكم في أكثر روايات الباب بمضامين قريبة مما في المضمرة ، وقد تقدم الكلام في هذا التأييد فلا حاجة إلى التكرار.

(٤) الضمير للشأن ، وضمير «لاحتماله» راجع على «اختصاص» ، وهذا إشارة إلى المعمم الثاني ، وقد عرفت توضيح ذلك.

(٥) وحمل اللام على الجنس في خصوص المقام لا يخلو عن إشكال ، وذلك فإن اللام بطبعه وإن كان ظاهرا في الجنس ، وأنه الأصل فيه ولكن سبق «فإنه على يقين من وضوئه» ، مما يوهن الظهور المذكور هذا أولا.

وثانيا : أن هذا الأصل معارض بما اختاره المصنف في بحث ألفاظ العموم بقوله «فالظاهر أن اللام مطلقا تكون للتزيين كما في الحسن والحسين «عليهما‌السلام» ،

١٣٨

وسبق (١) ؛ «فإنه على يقين ...» الخ لا يكون قرينة عليه ، مع كمال الملاءمة مع الجنس أيضا (٢) ، فافهم (٣) مع (٤) إنه غير ظاهر في اليقين بالوضوء ؛ لقوة احتمال أن يكون «من وضوئه» متعلقا بالظرف (٥) لا ب «يقين» ، وكان المعني : فإنه كان من طرف وضوئه على يقين ، وعليه : لا يكون الأوسط (٦) إلا اليقين (٧) لا اليقين بالوضوء (٨) كما لا يخفى على المتأمل.

وبالجملة (٩) : لا يكاد يشك في ظهور القضية في عموم اليقين والشك ،

______________________________________________________

واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعيينها على كل حال. فالكلام محفوف بما يصلح للقرينية على كون اللام للعهد ، ولا دافع لهذا الاحتمال ومعه لا سبيل لإحراز العموم أو الإطلاق وإثبات اعتبار الاستصحاب في جميع الأبواب.

(١) مبتدأ خبره «لا يكون» ، وهو دفع دخل مقدر ، وقد تقدم بقولنا : «ومجرد سبق الدخول ...» الخ ، وضمير «عليه» راجع على العهد.

(٢) أي : مع كمال الملاءمة مع العهد.

(٣) لعله إشارة إلى أن الملاءمة مع الجنس لا تمنع عن كون اللام للعهد إذا كان مقتضى الصناعة العربية حمله على العهد ، فالعمدة في منع العهد ظهور التعليل في إدراج المورد في القضية الكلية الارتكازية غير المختصة بباب دون باب. أو إشارة إلى ما ذكرناه من الإشكال على كون الأصل في اللام هو الجنس ؛ لكونه معارضا لما ذهب إليه المصنف من الأصل فيه هو التزيين لا الجنس ولا العهد.

(٤) أي : مع أن «اليقين» في «فإنه على يقين» غير ظاهر ... وهذا إشارة إلى وجه المعمم الثالث ، وقد تقدم توضيح ذلك فراجع الوجوه الثلاثة للتعميم.

(٥) وهو «على يقين ، لا المجرور فقط».

(٦) وفي بعض النسخ «الأصغر» بدل «الأوسط».

(٧) فصورة القياس من الشكل الأول هكذا : «كان المكلف على يقين من ناحية وضوئه ، ثم شك في حدث النوم. وكل من كان على يقين وشك لم ينقضه به».

والنتيجة : وجوب بناء المكلف على اليقين السابق وعدم نقضه مهما كان متعلقه.

(٨) لما عرفت من : عدم تعلق «من وضوئه» باليقين حتى يكون اليقين مقيدا بالوضوء ؛ بل اليقين مطلق ، فلا يختص بباب الوضوء.

(٩) هذه خلاصة المعممات الثلاثة وتأييدها بتطبيق الإمام «عليه‌السلام» للكبرى على موارد أخرى كالطهارة الخبثية والشك في الركعات وغيرهما.

١٣٩

خصوصا (١) بعد ملاحظة تطبيقها في الأخبار على غير الوضوء أيضا.

ثم لا يخفى (٢) حسن إسناد النقض ـ وهو ضد الإبرام ـ إلى اليقين ، ولو كان

______________________________________________________

(١) قد تقدم هذا التأييد بقوله : «ويؤيده تعليل الحكم ...» ، وقد تقدم توضيحه.

(٢) هذا شروع في بيان حجية الاستصحاب في كل من الشك في المقتضي والرافع وضعف التفصيل بينهما.

وتوضيحه : أن من الأقوال في الاستصحاب ـ كما أشير إليه ـ التفصيل بين الشك في المقتضى والرافع بالحجية في الثاني دون الأول ، واختاره جملة من الأعيان قديما وحديثا كالمحقق الخوانساري وصاحب الفصول والشيخ الأنصاري والمحقق النائيني وغيرهم «قدس الله أسرارهم» ، ولما اهتم به الشيخ وغيره تعرض له من تأخر عنه كالمصنف هنا وفي حاشية الرسائل ، ونذكر قبل المتن بعض كلمات أرباب هذا التفصيل قال صاحب الفصول في الفصول : «واعلم أن المستفاد مما يعتمد عليه من هذه الأخبار ... حجية الاستصحاب في الأشياء التي مقتضاها البقاء والاستمرار لو لا عروض المانع بقرينة لفظ النقض ، فإن المفهوم منه ، اقتضاء الشيء المتيقن للبقاء على تقدير عدم طرو الناقض المشكوك فيه ؛ إذ عدم البناء على بقاء ما علم ثبوته في وقت لا يعد نقضا له إذا لم يكن في نفسه مقتضيا للبقاء ...» (١) الخ.

وقال الشيخ الأنصاري : «ثم إن اختصاص ما عدا الأخبار العامة بالقول المختار واضح ، وأما الأخبار العامة فالمعروف بين المتأخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب في جميع الموارد ، وفيه تأمل قد فتح بابه المحقق الخونساري في شرح الدروس ، توضيحه أن حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية ...» (٢).

وتوضيح كلام الشيخ : أن الأخبار المستدل بها على اعتبار الاستصحاب على طائفتين إحداهما خاصة ، وثانيتهما عامة ، أما الخاصة كمضمرة زرارة الواردة في الوضوء ، وموثق عمار الوارد في إعارة الثوب الطاهر من الذمي وغيرهما ، فموردها الشك في الرافع بعد الفراغ عن اقتضاء المستصحب للبقاء لو لا المزيل.

وأما العامة ـ مثل خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» : «فإن الشك لا ينقض اليقين» وغيره ـ فهي أيضا تدل على القول المختار لوجود المقتضي وفقد المانع.

__________________

(١) الفصول الغروية : ٣٧١.

(٢) فرائد الأصول ٣ : ٧٨.

١٤٠