دروس في الكفاية - ج ٦

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الطهارة حال الصلاة ليست حكما شرعيا ولا موضوعا ذا حكم ، وأما عدم كونها حكما : فواضح ؛ إذ ليست الطهارة واحدة من الأحكام الخمسة وهي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة.

وأما عدم كونها موضوعا : فلأن الموضوع هو شرط الواجب ، وأن الشرط فيما نحن فيه هو إحراز الطهارة لا نفسها ، فلا يجري الاستصحاب فيها لانتفاء ما يعتبر في جريانه.

٤ ـ وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بوجهين :

أحدهما : أن الشرط وإن كان هو إحراز الطهارة ؛ إلّا إن نفس الطهارة ليست منعزلة عن الشرطية رأسا بل هي شرط واقعي اقتضائي ، فتكون موضوعا ذا حكم فيجري فيها الاستصحاب.

ثانيهما : أنه لا يعتبر في جريان الاستصحاب أزيد من كونه دخيلا في الشرط ، وعليه : فإذا فرض كون الشرط في المقام إحراز الطهارة تصير الطهارة قيدا للإحراز الذي هو الشرط ، وهذا المقدار يكفي في جريان الاستصحاب في الطهارة.

٥ ـ «لا يقال : سلمنا ذلك» ، هذا هو الإشكال الثاني على شرطيته إحراز الطهارة وحاصله : أنه سلمنا أن الشرط في الصلاة هو إحراز الطهارة لا نفسها ؛ ولكن مقتضى ذلك هو : تعليل عدم وجوب الإعادة بالإحراز بأن يقال : لا تجب الإعادة «لأنك أحرزت الطهارة حال الصلاة» ؛ لا أن يقال : «لأنك كنت على يقين من طهارتك» الظاهر في الطهارة الواقعية ، حيث يكون وجه صحة الصلاة نفس الطهارة لا إحرازها.

٦ ـ وحاصل الجواب عن هذا الإشكال : أن ما ذكره المستشكل من كون المناسب لشرطية إحراز الطهارة تعليل عدم وجوب الإعادة بالإحراز لا بنفس الطهارة ؛ وإن كان صحيحا ، لكنه مبني على كون التعليل بلحاظ حال الانكشاف لا بلحاظ حال الصلاة ، والتعليل في المقام إنما هو بلحاظ حال افتتاح الصلاة ، فيكون في محله ؛ لأن الإمام «عليه‌السلام» يكون في مقام تصحيح الصلاة بلحاظ حال الافتتاح فيقول : «إنك كنت حين افتتاح الصلاة على يقين من طهارتك ثم شككت فيها ، ولا ينبغي نقض اليقين بالشك» ، فيصح التعليل ولازمه جريان الاستصحاب.

وتوهم : أن التعليل لعدم الإعادة إنما هو بملاحظة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء مدفوع ؛ بأن تعليل عدم وجوب الإعادة باقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء خلاف ظاهر

١٨١

ومنها (١) : صحيحة ثالثة لزرارة : «وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع ، وقد أحرز

______________________________________________________

الصحيحة ؛ لظهورها في كون علته حرمة نقض اليقين بالشك ، لا قاعدة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء فمسألة الإجزاء أجنبية عن المقام.

٧ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو تمامية دلالة الرواية على حجية الاستصحاب.

(١) أي : ومن الأخبار المستدل بها على اعتبار الاستصحاب : صحيحة ثالثة لزرارة ، ولا إشكال في سندها فإنها صحيحة.

وأما تقريب الاستدلال بها على حجية الاستصحاب ، ثم بيان ما يرد عليها فيتوقف على ذكرها تماما.

فنقول : روى زرارة عن أحدهما «عليهما‌السلام» قال : (قلت له : من لم يدر في أربع هو أو في ثنتين وقد أحرز الثنتين.

قال : «يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ، يتشهد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها أخرى ، ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات» (١).

ومحل الاستشهاد هو : قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك» فإنه «عليه‌السلام» قد حكم بنحو القضية الكلية بعدم نقض اليقين بالشك. ومنهما اليقين والشك في المورد أي : اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك في إتيانها وهو المطلوب.

وأما تقريب الاستدلال بها على حجية الاستصحاب : فهو مبني على أمور :

١ ـ أن يكون المراد باليقين في قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك» هو اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة قبل دخوله في الركعة المشكوك كونها ثالثة أو رابعة.

٢ ـ أن يكون قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك» بمنزلة الكبرى الكلية ، وكانت صغراها مطوية في الكلام ، فكأنه قال : إنه كان على يقين بعدم إتيان الركعة الرابعة ، «ولا ينقض اليقين بالشك».

٣ ـ أن يكون المراد بالركعة المضافة إلى الركعات السابقة : هي الركعة الموصولة ؛ لا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥١ / ٣ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٨٦ / ٧٤٠ ، الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ٤١٦ ، الوسائل ٨ : ٢١٩ / ١٠٤٧١.

١٨٢

الثلاث ، قام فأضاف إليها أخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشك ؛ ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنه ينقض الشك باليقين ، ويتم على اليقين فيبني عليه ولا يعتد بالشك في حال من الحالات».

والاستدلال بها (١) على الاستصحاب مبني على إرادة اليقين بعدم الإتيان بالركعة

______________________________________________________

الركعة المفصولة عنها إذ على الثاني لا تنطبق الرواية على الاستصحاب ، وذلك لأن المراد من قوله «عليه‌السلام» : «لا ينقض اليقين بالشك» ـ حينئذ ـ : هو قاعدة البناء على اليقين بفراغ الذمة ، أي : يجب على المكلف إذا يعمل أن يحصل على اليقين بالفراغ ، واليقين بفراغ الذمة في الشك في عدد الركعات إنما يحصل بالبناء على الأكثر ، ثم الإتيان بركعة الاحتياط منفصلة ، كما هو المستفاد من أخبار أخر كقوله «عليه‌السلام» : «ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنك نقصت أو أتممت لم يكن عليك شيء؟» (١).

هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالصحيحة الثالثة على حجية الاستصحاب.

وبقي شيء واحد وهو : تفسير قوله «عليه‌السلام» : «ولا يدخل الشك في اليقين». والظاهر : أن إدخال الشك في اليقين هو عبارة أخرى عن نقض اليقين بالشك والاعتناء بالشك ، فإذا نقض اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك فيها واعتنى بالشك ، ولم يأت بالرابعة المشكوكة فقد أدخل الشك في اليقين ، وخلط أحدهما بالآخر ، كما أن الظاهر أن نقض الشك باليقين هو عبارة أخرى عن عدم الاعتناء بالشك ، فإذا لم ينقض اليقين السابق بالشك اللاحق ولم يعتن بالشك أبدا فقد نقض الشك باليقين ، وتم على اليقين وبنى عليه ولم يعتد بالشك في حال من الحالات.

(١) هذا إشارة إلى تقريب دلالة الرواية على حجية الاستصحاب ، وقد ذكرنا توضيح ذلك.

وتوضيحه بعبارة أخرى : أن ظاهر السؤال هو إحراز المصلي للركعة الثالثة أي : علمه بإتيانها ، وإنما الشك في وجود الرابعة. وظاهر جوابه «عليه‌السلام» أنه يبني على عدم الإتيان بالرابعة ، فإن المصلي قبل عروض الشك عالم بعدم تحقق الركعة الرابعة ، حيث إنه قبل الشروع في الصلاة ، وبعد افتتاحها لم يكن آتيا بشيء من الركعات ، ثم قطع بانتقاض العدم في الركعات الثلاث ، وشك في انتقاض عدم الإتيان بالرابعة ، فيستصحب عدمه. ولو لم يبن على يقينه السابق بعدم تحقق الرابعة ، ولم يأت بها فعلا كان عدم إتيانه بها نقضا لليقين بالشك.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٤٩ / صدر ح ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ / صدر ح ١٠٤٥٣.

١٨٣

الرابعة سابقا (١) ، والشك في إتيانها. وقد أشكل (٢) بعدم إمكان إرادة ذلك على

______________________________________________________

وعليه : فقوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك». بمنزلة العلة للجواب ، وهو قوله «عليه‌السلام» : «قام فأضاف إليها أخرى» ، يعني : أن علة الحكم بوجوب إضافة ركعة إليها ـ في الشك بين الثلاث والأربع ـ هو التعبد الشرعي الاستصحابي ؛ لأن عدم إضافة ركعة نقض لليقين بالشك. ثم أكد «عليه‌السلام» حجيّة كبرى الاستصحاب بقوله : «ولا يدخل الشك في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر».

(١) قيد لعدم الإتيان ، وضمير «إتيانها» راجع على الركعة الرابعة ، وضمير «بها» إلى الرواية.

(٢) المستشكل هو الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، حيث قال بعد ذكر الصحيحة الثالثة : «وفيه تأمل» (١).

وحاصل كلامه في توضيح الإشكال : أن يقال : إن المراد من قوله «عليه‌السلام» : «قام فأضاف إليها أخرى» : إن كان هو القيام إلى ركعة أخرى موصولة ، وكان المراد من اليقين فيها اليقين بعدم الإتيان بالرابعة ، فالصحيحة تكون من باب الاستصحاب ، ولكنها حينئذ مخالفة لمذهب الشيعة وموافقة لقول العامة ، ومخالفة للفقرة الأولى منها الظاهرة في الإتيان بركعتين منفصلتين ، حيث إن ظاهرها بقرينة تعيين الفاتحة إرادة ركعتين منفصلتين أعني : صلاة الاحتياط ، فيتعين أن يكون المراد من القيام فيها : القيام بعد التسليم إلى ركعة أخرى مفصولة ، ويكون المراد من اليقين فيها اليقين بالبراءة الحاصلة بالبناء على الأكثر ، والإتيان بركعة مستقلة ، فتكون الصحيحة الثالثة حينئذ أجنبية عن الاستصحاب ؛ بل يكون المراد تحصيل اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط ، وفعل صلاة مستقلة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه ، فلا تكون الصحيحة الثالثة دليلا على حجية الاستصحاب.

إلا أن يقال ـ كما في الكفاية ـ بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة المشكوكة ؛ بل كان أصل الإتيان باقتضائه ، غاية الأمر : إتيانها مفصولة ينافي إطلاق حرمة النقض ، وقد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة وغيره ، وأن المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة.

وتوضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية. والمشار إليه في قوله : «ذلك» هو : إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة المجدي لإثبات اعتبار الاستصحاب. هذا مما ليس مرادا

__________________

(١) فرائد الأصول ٣ : ٦٢.

١٨٤

مذهب الخاصة ، ضرورة : أن قضيته (١) إضافة ركعة أخرى موصولة ، والمذهب قد استقر على إضافة ركعة بعد التسليم مفصولة. وعلى هذا (٢) : يكون المراد باليقين : اليقين بالفراغ بما علّمه الإمام «عليه‌السلام» من (٣) الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان (٤) بالمشكوك بعد التسليم مفصولة.

ويمكن ذبّه (٥) : بأن الاحتياط كذلك لا يأبى عن إرادة اليقين بعدم الركعة

______________________________________________________

«على مذهب الخاصة» من البناء على الأكثر بالتسليم على الثالثة المتيقنة ، والإتيان بصلاة الاحتياط مفصولة لا موصولة.

«ضرورة» : تعليل لقوله : «عدم إمكان».

(١) يعني : أن مقتضى اليقين بعدم الإتيان بالرابعة والشك فيه ـ الذي هو الاستصحاب ـ الإتيان بركعة موصولة ، مع أن المذهب قد استقر على خلافه والإتيان بها مفصولة. وعليه : فالواو وفي «والمذهب» للحال.

(٢) أي : وبناء على استقرار المذهب على وجوب فعل صلاة الاحتياط مستقلة ، فلا محيص عن إرادة اليقين بالفراغ الحاصل بالبناء على الأكثر ـ الذي علّمه الإمام «عليه‌السلام» ـ حتى لا يخالف المذهب كما عرفت ؛ لا اليقين بعدم الإتيان بالرابعة ؛ إذ مع حمل الرواية على الاستصحاب الموافق لرأي المخالفين يسقط الاستدلال بها ـ على حجية الاستصحاب ـ عندنا عن الاعتبار ؛ لعدم العبرة بالحكم الصادر تقية. وعلى كل : فهذه الرواية أجنبية عن الاستصحاب.

(٣) بيان ل «ما» الموصول ، ومبيّن لليقين بالفراغ.

(٤) عطف على «الأكثر» ، يعني : وعلى الإتيان بالمشكوك ، والأولى إلحاق «فيه» بالمشكوك بأن يقال : «بالمشكوك فيه».

(٥) وحاصل الكلام في دفع الإشكال : أن يقال : بأن الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة أخرى مفصولة مما لا ينافي إرادة اليقين بعدم الإتيان بالرابعة ، بمعنى : أن أصل الإتيان بالرابعة يكون بمقتضى الاستصحاب ، والإتيان بها مفصولة يكون بأخبار أخر دالة على الإتيان بها كذلك ، مثل : ما رواه في الوسائل في باب وجوب البناء على الأكثر ، عن عمار عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» أنه قال له : يا عمار «أجمع لك السهو كله في كلمتين : متى شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتم ما ظننت أنك نقصت» (١). وما رواه في الباب أيضا عن عمار بن موسى الساباطي قال : (وسألت أبا

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٤٠ / ٩٩٢ ، الوسائل ٨ : ٢١٢ / ١٠٤٥١.

١٨٥

المشكوكة ؛ بل (١) كان أصل الإتيان بها باقتضائه ، غاية الأمر : إتيانها مفصولة ينافي إطلاق النقض (٢) ، وقد قام الدليل على التقييد في الشك في الرابعة وغيره ، وأن

______________________________________________________

عبد الله «عليه‌السلام» عن شيء من السهو في الصلاة فقال : «ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثم ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» قلت بلى. قال : «إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلمت فقم وصل ما ظننت أنك نقصت ...» (١) الحديث ونحوهما ، فتكون هذه الأخبار كلها مقيدة لإطلاق قوله «عليه‌السلام» في الصحيحة : «ولا ينقض اليقين بالشك» المقتضي للإتيان بالرابعة مطلقا ، سواء كانت موصولة أو مفصولة.

وبهذه الأخبار يرفع اليد أيضا عن ظهور قوله «عليه‌السلام» : «قام فأضاف إليها أخرى» في الإتيان بها موصولة.

فالمتحصل : أنه لا ينبغي الإشكال في كون الصحيحة من باب الاستصحاب ، وإن المراد من اليقين فيها هو اليقين بعدم الإتيان بالرابعة لا اليقين بالبراءة كما احتمله الشيخ (٢) فإنه بعيد جدا.

قوله : «بأن الاحتياط كذلك» أي : بإتمام الصلاة وإتيان ركعة مفصولة.

(١) إضراب على قوله «لا يأبى» وحاصله : أن استقرار المذهب على الإتيان بالركعة المشكوكة منفصلة لا ينافي ولا يمنع عن الاستدلال بهذه الصحيحة على حجية الاستصحاب ، حتى نلتجئ إلى حمل «اليقين» على اليقين بالفراغ بالبناء على الأكثر ؛ لا اليقين بعدم الركعة المشكوكة ؛ بل يمكن أن يقال : إن وجوب أصل الإتيان بالركعة المشكوكة إنما هو لأجل استصحاب الإتيان بها ، غاية الأمر : أن الدليل على الخاص دل على إتيانها مفصولة ، وهو لا ينافي أصل وجوب الإتيان بها بالاستصحاب.

وبالجملة : فلا تنافي بين دلالة الصحيحة على الاستصحاب المقتضي إطلاقه لزوم فعل الركعة المشكوكة موصولة ، وبين ما دل على وجوب فعلها مفصولة ؛ إذ التنافي بينهما إنما هو بالإطلاق والتقييد.

(٢) إذ ظاهر إطلاق «لا ينقض» إتيانها موصولة. وضميرا «بها ، إتيانها» راجعان على الركعة ، وضمير «باقتضائه» راجع على «اليقين بعدم الركعة».

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨ ، الوسائل ٨ : ٢١٣ / ١٠٤٥٣.

(٢) فرائد الأصول ٣ : ٦٣.

١٨٦

المشكوكة لا بد أن يؤتى بها مفصولة ، فافهم (١).

وربما أشكل أيضا (٢) : بأنه لو سلّم دلالتها على الاستصحاب كانت من الأخبار

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى أن أصل الإتيان بالرابعة لو كان بمقتضى الاستصحاب أي : استصحاب عدم الإتيان بها لوجب الإتيان بها حينئذ موصولة ، كما إذا قطع بعدم الإتيان بها لا الإتيان بها مفصولة.

(٢) أي : كالإشكال المتقدم المانع عن أصل دلالة الرواية على الاستصحاب. هذا هو الإشكال الثاني على الاستدلال بالصحيحة الثالثة على حجية الاستصحاب ، وهذا يفترق عن الإشكال الأوّل.

والفرق بينهما : أن الإشكال الأول كان موهنا لأصل الدلالة ، وهذا الإشكال ناظر إلى منع عموم حجية الاستصحاب ؛ لأن الصحيحة تكون أخص من المدعى أعني اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد ، فإن هذه الصحيحة واردة في المورد الخاص أي : الصلاة فتدل على حجية الاستصحاب في باب الصلاة ، وفي الشك في عدد الركعات ، ضرورة : ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل بقرينة العطف على «قام فأضاف» ، ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك ، فلا يكون دليلا على اعتبار الاستصحاب على نحو الكلية إلغاء خصوصية المورد ليس في الوضوح ، مثل الصحيحتين الأولتين ، حيث إن التعليل فيهما يكون بأمر ارتكازي ، فيستفاد منهما كبرى كلية ، بخلاف هذه الصحيحة ، حيث ليس فيها تعليل حتى يقال : إن التعليل يكون بأمر ارتكازي فيستفاد منها كبرى كلية.

وقد أجاب عن هذا الإشكال بأمرين :

أحدهما : أن تطبيق قضية «لا ينقض اليقين بالشك» على غير مورد كما في الصحيحتين المتقدمتين ، مما يؤيد إلغاء خصوصية المورد في الصحيحة الثالثة ؛ لأن التعبير بعنوان «لا ينقض اليقين بالشك» المذكور في غيرها يجعلها ظاهرة في القضية الكلية.

ثانيهما : أن الظاهر من نفس القضية أن ملاك حرمة النقض إنما هو ما في نفس اليقين ، والشك لا لما في المورد من الخصوصية كي يختص الحكم به دون غيره.

«في خصوص المورد» وهو الشك بين الثلاث والأربع ، وضمير «عليه» يرجع إلى الاستصحاب. «لا العامة» عطف على الخاصة أي : لا تكون الصحيحة من الأخبار العامة كما كانت الصحيحتان المتقدمتان من الأخبار العامة.

١٨٧

الخاصة الدالة عليه في خصوص المورد ، لا العامة لغير مورد (١) ، ضرورة (٢) : ظهور الفقرات في كونها مبنية للفاعل (٣) ، ومرجع الضمير فيها هو المصلي الشاك ، وإلغاء خصوصية المورد ليس بذاك الوضوح (٤) ، وإن كان (٥) يؤيده تطبيق قضية «لا ينقض

______________________________________________________

(١) يعني : لا لمورد واحد ؛ بل لكل مورد كما هو المدعى.

(٢) تعليل لكون هذه الصحيحة من الأخبار الخاصة ، ومنشأ الظهور : ما عرفته من قوله «عليه‌السلام» : «قام فأضاف إليها أخرى» ، وهكذا سائر الفقرات.

(٣) بقرينة العطف ، ولو كانت الأفعال من «لا ينقض ، ولا يدخل ، ولا يخلط» مبنية للمفعول كانت ظاهرة في حجية الاستصحاب في جميع الموارد ؛ لأن شأن اليقين أن لا ينقض بالشك ، وهذا بخلاف البناء للفاعل ؛ لظهوره في حكم اليقين بعدم الرابعة لا غيره ، مضافا إلى أنه «عليه‌السلام» في مقام تعليم السائل وظيفة الشك بين الركعات ، فلا دلالة لها على حكم اليقين والشك في موارد أخرى.

(٤) لتوقفه على قرينة قطعية ، حيث إنه لا سبيل إلى إحراز الملاك من الخارج إلا بقرينة قطعية ، وهي مفقودة.

(٥) كلمة «إن» وصلية ، وضمير «يؤيده» راجع على إلغاء الخصوصية ، وهذا جواب الإشكال المتقدم ، وهو يرجع إلى وجهين :

أوّلهما : الذي مرجعه إلى تنقيح المناط من الخارج ، وحاصله : أن تطبيق «لا ينقض اليقين» في غير هذه الصحيحة على موارد ـ كالصحيحتين المتقدمتين اللتين طبّق الإمام «عليه‌السلام» «لا تنقض اليقين» في أولاهما على الطهارة الحدثية ، وفي ثانيتهما على الطهارة الخبثية ، وكذا في غيرهما كبعض الأخبار الآتية ـ يؤيد إرادة العموم هنا وعدم الاختصاص بالمورد أعني : الصلاة.

ثانيهما : الذي مرجعه إلى تنقيح المناط اللفظي ؛ بحيث يوجب اندراج الخبر في الأخبار العامة ، ومحصله : أنه يمكن دعوى ظهور نفس «لا تنقض» في العموم عرفا ؛ لا أنه ظاهر في اختصاصه بباب الصلاة حتى يحتاج استفادة العموم منه إلى إلغاء خصوصية المورد.

وتوضيح ظهوره في العموم : أن المناسب لاستناد النقض إلى اليقين هو : كون اليقين أمرا مبرما وشيئا مستحكما ، وهذه المناسبة تقتضي عدم دخل مورد اليقين والشك ـ أي : المتيقن والمشكوك ـ في الحكم بعدم نقض اليقين بالشك.

١٨٨

اليقين» وما يقاربها (١) على غير مورد (٢) ؛ بل دعوى (٣) : أن الظاهر من نفس القضية (٤) هو أن مناط حرمة النقض إنما يكون لأجل ما في اليقين والشك (٥) لا لما في المورد من الخصوصية ، وأن (٦) مثل اليقين لا ينقض بمثل الشك غير بعيدة.

______________________________________________________

فالمستفاد من الرواية حينئذ : أن المصلي الشاك في إتيان الركعة الرابعة لا ينقض اليقين ـ بما هو اعتقاد جزمي ـ بالشك لكونه موهونا ، لا لخصوصية تعلق اليقين بعدم الركعة الرابعة. وعلى هذا فيكون «ولا ينقض اليقين» في هذه الصحيحة ظاهرا ـ لأجل مناسبة الحكم والموضوع ـ في عدم نقض اليقين من حيث هو بالشك ، وأن المناط هو اليقين والشك ، فيستفاد منه : حجية الاستصحاب مطلقا من دون خصوصية المورد ، وهذه الاستفادة تنشأ من نفس ألفاظ الرواية لا من القرينة الخارجية ، هذا مضافا إلى اقتضاء نفس التعليل كون المعلل به حكما كليا كي يصلح تعليل الأمر التعبدي به ، وعليه فلا خصوصية لليقين بالركعات الثلاث.

وجه التعبير بالتأييد ـ في قوله : «يؤيده» ـ دون الدلالة هو : أن ورود جملة «لا تنقض» بنحو العموم أو في موارد خاصة كباب الطهارة وصوم شهر رمضان ونحوهما لا يقتضي إلغاء خصوصية المورد في هذه الرواية ، لعدم انعقاد ظهوره في العموم مع احتفافه بقرينة المورد. فالعمدة في إثبات العموم هو الوجه الثاني أعني : تنقيح المناط.

(١) أي : ما يقارب قضية «لا تنقض» في المضمون كقوله «عليه‌السلام» في الروايات الآتية : «فإن الشك لا ينقض اليقين» ، أو «بأن اليقين لا يدفع بالشك» ، أو «اليقين لا يدخل فيه الشك».

(٢) أي : على غير مورد واحد ، بل بعضها في الطهارة وبعضها مطلقة.

(٣) مبتدأ «غير بعيدة» خبره ، وهذا هو الوجه الثاني المتقدم بيانه بقولنا : «ثانيهما ...».

(٤) أي : مع الغض عما يتحد معها لفظا أو يقاربها معنى الرواية في سائر الأخبار.

(٥) يعني : ما في اليقين من الإبرام والاستحكام ، وما في الشك من الوهن ، فلا ينبغي نقض الأمر المبرم بما ليس فيه إبرام ، ومن المعلوم : عدم دخل مورد اليقين فيه أصلا.

(٦) عطف على «أن مناط» يعني : أن الظاهر من نفس الجملة أن مثل اليقين مما فيه إبرام وإتقان لا ينقض بالشك.

وعلى هذا : فهذه الصحيحة تدل على الاستصحاب بصورة عامة ، وتركنا ما في المقام من تطويل الكلام رعاية للاختصار.

١٨٩

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ أما تقريب الاستدلال بالصحيحة الثالثة على حجية الاستصحاب فهو مبني على أمور :

١ ـ أن يكون المراد باليقين في «لا ينقض اليقين بالشك» هو : اليقين بعدم الإتيان بالرابعة.

٢ ـ أن يكون قوله : «لا ينقض اليقين بالشك» بمنزلة الكبرى الكلية ، وكانت صغراها مطوية في الكلام ، والتقدير : «أنه كان على اليقين بعدم إتيان الرابعة ولا ينقض اليقين بالشك».

٣ ـ أن يكون المراد بالركعة المضافة هي الركعة الموصولة لا المفصولة.

إذا عرفت هذه الأمور فنقول : إن محل الاستشهاد هو قوله «عليه‌السلام» : «ولا ينقض اليقين بالشك» ، فإنه «عليه‌السلام» قد حكم بنحو القضية الكلية بعدم نقض اليقين بالشك ، ومن اليقين والشك هو اليقين بعدم الإتيان بالرابعة بالشك في إتيانها ، وهو المطلوب في المقام.

٢ ـ إشكال الشيخ على الاستدلال بهذه الرواية :

وحاصل الإشكال : أن المراد بقوله «عليه‌السلام» : «قام فأضاف إليها أخرى» إن كان هو القيام إلى ركعة أخرى موصولة ، وكان المراد من اليقين فيها اليقين بعدم الإتيان بالرابعة : فالصحيحة وإن كانت من باب الاستصحاب ؛ إلّا إنها حينئذ مخالفة لمذهب الشيعة وموافقة لقول العامة ، ومخالفة للفقرة الأولى منها الظاهرة في الإتيان بركعتين منفصلتين أعني : صلاة الاحتياط ، فيتعين أن يكون المراد من القيام فيها هو : القيام بعد التسليم إلى ركعة أخرى مفصولة. ويكون المراد باليقين فيها : اليقين بالبراءة بالبناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط مفصولة.

فالصحيحة أجنبية عن الاستصحاب أصلا.

٣ ـ والجواب عن هذا الإشكال : أن الاحتياط بالبناء على الأكثر والإتيان بركعة أخرى مفصولة لا ينافي اليقين بعدم الإتيان بالرابعة ، بمعنى : أن أصل الإتيان بالرابعة كان بمقتضى الاستصحاب ، والإتيان بها مفصولة كان بأخبار أخر دالة على الإتيان بها مفصولة.

١٩٠

ومنها (١) : قوله : «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فإن الشك لا ينقض اليقين» أو «فإن اليقين لا يدفع بالشك».

______________________________________________________

فالمتحصل : أنه لا ينبغي الإشكال في كون الصحيحة دليلا على الاستصحاب ، وأن المراد باليقين فيها هو اليقين بعدم الإتيان بالرابعة لا اليقين بالبراءة ، كما احتمله الشيخ فإنه بعيد جدا.

٤ ـ الإشكال بأن الرواية على تقدير تسليم دلالتها على حجية الاستصحاب لا تعم جميع الموارد ؛ بل خاصة بباب الصلاة ، فتكون من الأخبار الخاصة لا العامة.

والفرق بين هذا الإشكال والإشكال الأول هو : أن الإشكال الأول موهن لأصل الدلالة ، وهذا الإشكال ناظر إلى منع عموم حجيّة الاستصحاب ، فإن هذه الصحيحة واردة في المورد الخاص أعني : باب الصلاة ، فتدل على حجية الاستصحاب في باب الصلاة.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

إن دلالة هذه الرواية على حجية الاستصحاب في جميع الموارد غير بعيدة.

(١) أي : ومن الأخبار المستدل بها على الاستصحاب قوله : «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه فإن الشك لا ينقض اليقين» (١) ، أو «فإن اليقين لا يدفع بالشك» ، فإن قوله : «فإن اليقين لا يدفع بالشك» إشارة إلى الرواية الأخرى ، وتمام الرواية الثانية : «من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه ، فإن اليقين لا يدفع بالشك» (٢).

وهذه روايتان قد جمع بينهما المصنف بلفظ واحد.

وكيف كان ؛ فالبحث في هذه الرواية يقع في جهتين : الأولى : في السند ، والثانية : في الدلالة.

وأما الجهة الأولى : فإنه ليس في سند هذه الرواية من يناقش فيه سوى القاسم بن يحيى ، فإنه لا توثيق له ؛ بل ضعفه ابن الغضائري (٣) والعلامة (٤) ، ولذا عدّت الرواية من الضعاف ، كما في تقرير سيّدنا الأستاذ الإمام الخوئي «قدس‌سره» ؛ «مصباح الأصول

__________________

(١) الخصال : ٦١٩ ، ضمن حديث الأربعمائة ، الوسائل ١ : ٢٤٦ / ٦٣٦.

(٢) الإرشاد ١ : ٣٠٢ ، بحار الأنوار ٢ : ٢٧٢ / ٢.

(٣) رجال ابن الغضائري : ٨٦ / ١١٢.

(٤) خلاصة الأقوال : ٣٨٩ / ٦.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

قسم الاستصحاب ص ٧٥». مع أنه حكم بوثاقة الرجل في كتاب رجاله لوقوعه في إسناد كامل الزيارات (١).

وعلى هذا ينبغي عد هذه الرواية معتبرة لا ضعيفة.

وأما الجهة الثانية ـ وهي دلالة الرواية ـ فيقال في تقريب الاستدلال بهاتين الروايتين : إن قوله «عليه‌السلام» : «فإن الشك لا ينقض اليقين» في الرواية الأولى ، وقوله «عليه‌السلام» : «فإن اليقين لا يدفع بالشك» في الرواية الثانية يدل على حجية الاستصحاب ؛ إذ المستفاد منهما هي قاعدة كلية عامة ؛ بل العموم فيهما أولى وأوضح من العموم في الصحاح المتقدمة ، وذلك لعدم تطرق كون «اللام» للعهد هاهنا ؛ إذ لم يذكر لليقين والشك متعلق حتى يكون «اللام» إشارة إلى ذلك ، فدلالة هاتين الروايتين على حجية الاستصحاب إذا أوضح من دلالة الصحاح المتقدمة.

ومع ذلك رجح المصنف ابتداء قاعدة اليقين من الرواية ، حيث قال : «لظهوره في اختلاف زمان الوصفين ، وإنما يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب».

فالمصنف وافق الشيخ في دعوى ظهورها البدوي في قاعدة اليقين ، وفي ختام البحث استفاد كل منهما حجية الاستصحاب.

وتوضيح ظهور الرواية في قاعدة اليقين يتوقف على مقدمة وهي : بيان الفرق بين قاعدة اليقين والاستصحاب ، والفرق بينهما يحتاج إلى مقدمة وهي : أن الشك واليقين مما لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد على متعلق واحد ؛ وذلك لتنافيهما مفهوما ، فوجودهما معا لا يمكن إلا بالاختلاف والتعدد من جهة متعلقيهما أو من جهة زمان الوصفين.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إن المعتبر في الاستصحاب هو الاختلاف والتعدد في متعلق الشك واليقين وإن اتحد زمان الوصفين ، بينما في قاعدة اليقين هو الاختلاف والتعدد في زمان الوصفين مع وحدة المتعلق كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة ، ثم شك يوم السبت في عدالته يوم الجمعة ، فالشك ـ حينئذ ـ يسري إلى متعلق اليقين. هذا تمام الكلام في الفرق بين القاعدتين.

وأما بيان ظهور الرواية في قاعدة اليقين : فلأن صريحها هو اختلاف زمان الوصفين وظاهرها وحدة متعلقيهما ، وقد عرفت : أن اختلاف الوصفين زمانا مع وحدتهما متعلقا هو المعتبر والمناط في قاعدة اليقين دون الاستصحاب.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٥ : ٦٧ / ٩٥٨٩.

١٩٢

وهو (١) وإن كان يحتمل قاعدة اليقين لظهوره في اختلاف زمان الوصفين ، وإنما

______________________________________________________

وبعبارة أخرى : أن لفظ «كان» ـ في قوله «عليه‌السلام» : «من كان على يقين» في كلتا الروايتين ـ ظاهر في انعدام اليقين حين الشك ، وهذا هو المناط في قاعدة اليقين ، وذلك لأن اليقين في قاعدة الاستصحاب لا ينعدم زمان الشك ولا ينافيه ، لاختلافهما في المتعلق كما مرّ.

فالمتحصل من الجميع هو : أن المراد من الروايتين هي قاعدة اليقين دون الاستصحاب ؛ لأنهما تدلان على اختلاف زمان الوصفين.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : وقوله «عليه‌السلام» : «وإن كان يحتمل ...» الخ شروع في دلالة الرواية على حجية الاستصحاب.

وحاصل ما أفاده المصنف «قدس‌سره» : أن الروايتين يحتمل فيهما كل من قاعدة اليقين والاستصحاب.

أما الأول : فلأن قوله «عليه‌السلام» : «فأصابه شك» أو «فشك» ظاهر في اختلاف زمان حصول وصفي اليقين والشك ، حيث إن الفاء العاطفة ظاهرة في التعقيب ، ومن المعلوم : أن اختلاف زمان الوصفين مع اتحاد متعلقيهما يكون في قاعدة اليقين دون الاستصحاب ؛ لعدم اعتبار اختلاف زمانهما فيه ؛ بل المعتبر فيه اختلاف زمان الموصوفين أعني : المتيقن والمشكوك ، دون زمان الوصفين ؛ لإمكان اتحاد زمانهما فيه ، بل إمكان تقدم زمان الشك على زمان اليقين أيضا ـ كما إذا فرض أنه حصل يوم السبت الشك في عدالة زيد ، وفي يوم الأحد صار عالما بعدالته يوم الجمعة ـ كما هو واضح. هذا بخلاف قاعدة اليقين ، فإن الشك يكون ساريا إلى اليقين ومزيلا له وموجبا لتبدله بالشك ، ولازمه اتحاد زماني المتيقن والمشكوك ، واختلاف زمان حصول الوصفين ؛ لامتناع وحدة أزمنة الوصفين ومتعلقيهما ، كما إذا علم بعدالة زيد في يوم الجمعة واقتدى به ، وفي يوم السبت شك في عدالته ، وسرى هذا الشك إلى ذلك اليقين ، حتى صارت العدالة في يوم الجمعة مشكوكة بعد أن كانت معلومة ، ومقتضى البناء على اليقين وعدم نقضه لزوم ترتيب آثار اليقين على المتيقن ، بمعنى : عدم قضاء الصلاة في المثال.

والحاصل : أن الشك في القاعدة يتعلق بالحدوث ، ولأجله سمي بالشك الساري ؛ لسرايته إلى حدوث اليقين ، بخلاف الاستصحاب ، فإن الشك طارئ متعلق بالبقاء ، ولا يهدم اليقين بالحدوث لعدم سرايته إليه. هذا تمام الكلام في الأول أي : في احتمال قاعدة اليقين من الروايتين.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما الثاني ـ أعني : احتمال الاستصحاب منهما ـ فلوجهين :

أحدهما : أن المتعارف في التعبير عن مورد الاستصحاب هو مثل هذه العبارة الظاهرة في اختلاف زمان الوصفين ، ولعل الوجه في التعبير عن الاستصحاب بالعبارة الظاهرة في اختلاف زمان الوصفين ، مع عدم اعتباره فيه هو : اتحاد الوصفين مع متعلقيهما من المتيقن والمشكوك اللذين هما مختلفان زمانا في الاستصحاب ، فإن اليقين لمرآتيته للمتيقن وفنائه فيه فناء الحاكي في المحكي يتحد مع متعلقه ، فيسري اختلاف زماني الموصوفين إلى الوصفين ، بحيث يصح أن يعبر عن الاستصحاب بمثل هذه العبارة الظاهرة في اختلاف زمان الوصفين ، فيكون إسناد التأخر إلى الشك مجازا وبالعرض بملاحظة تأخر المشكوك عن المتيقن كما إذا قال : «كنت على يقين من عدالة زيد فشككت الآن فيها» ، فإنه ظاهر في إرادة اليقين بها قبل هذا اليوم ، وقد شك في عدالته اليوم.

ثانيهما : أن الذيل قرينة على إرادة الاستصحاب من الصدر ، حيث إن قوله «عليه‌السلام» : «فإن الشك لا ينقض اليقين» هو القضية الارتكازية التي أريد بها الاستصحاب في غير واحدة من روايات الباب فهذا الذيل الذي هو كالنص في الاستصحاب بملاحظة وروده في سائر الروايات يصير قرينة على إرادة الاستصحاب من الصدر.

فالنتيجة : أنه ينبغي عد هذه الرواية من الأخبار الدالة على الاستصحاب ؛ إلّا أن يناقش في سندها بقاسم بن يحيى.

قوله : «لظهوره» تعليل لكون المنسبق إلى الذهن ـ بدوا ـ من الرواية قاعدة اليقين أي لظهور قوله «عليه‌السلام» : «من كان على يقين فشك ...» ، حيث إن صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين ، وظاهرها اتحاد زمان متعلقهما تعيّن حملها على قاعدة اليقين ؛ إذ لا يقين في زمان حدوث الشك ، ولا شك في حال حدوث اليقين ، وهذا شأن قاعدة اليقين.

إلّا إن الصحيح ما أفاده في آخر كلامه من دلالة الرواية على الاستصحاب لورود مثل هذه التعبير في صحاح زرارة ، مما لا يراد منه إلّا الاستصحاب دون القاعدة. وعلى هذا : فلا ينطبق المضمون إلّا على الاستصحاب ، وذلك لظهور الكلام في وجوب المضي على اليقين الموجود فعلا ، فإن قوله «عليه‌السلام» : «فليمض على يقينه» ظاهر في بقاء وصف اليقين السابق على فعليته في ظرف الشك الذي هو زمان وجوب المضي عليه أي : لزوم ترتيب الآثار والجري العملي على طبق اليقين السابق ، وهذا غير متصور في

١٩٤

يكون ذلك في القاعدة دون الاستصحاب ، ضرورة (١) : إمكان اتحاد زمانهما ، إلّا (٢) إن المتداول في التعبير عن مورده هو : مثل هذه العبارة ، ولعله (٣) بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته (٤) إلى الوصفين ، لما بين اليقين والمتيقن من نحو من الاتحاد فافهم (٥).

______________________________________________________

القاعدة ؛ لتبدل اليقين بالشك فيها.

ومما ذكرنا ـ من الفرق بينهما ـ ظهر : عدم إرادة الجامع بين القاعدة والاستصحاب من الرواية ؛ إذ المطلوب في القاعدة هو البناء على صحة الأعمال الصادرة حال اليقين ، وعدم وجوب تداركها في حال الشك ، لا ترتيب الآثار في ظرف الشك وتنزيل شكه منزلة اليقين كما هو المطلوب في الاستصحاب ، وحيث لا يصلح الجزاء لإرادة الجامع فلا محالة لا يراد من الشرط إلا الاستصحاب.

والمشار إليه في «ذلك» هو : اختلاف زمان الوصفين.

(١) تعليل لقوله : «وإنما يكون ذلك في القاعدة ...» ، حيث إنه يمكن حصول العلم بعدالة زيد والشك فيها في آن واحد مع اختلاف زمان المتعلقين وهما كون العدالة في يوم الجمعة ومشكوكة في يوم السبت مثلا ، فالعلم والشك يحصلان في زمان واحد مع اختلاف زمان متعلقيهما في الاستصحاب.

(٢) استدراك على قوله : «وإن كان يحتمل».

وغرضه : استظهار الاستصحاب من الرواية وذلك لوجهين تقدم بيانهما. وضمير «مورده» راجع على الاستصحاب.

(٣) أي : ولعل التعبير عن الاستصحاب ـ بالعبارة الظاهرة في قاعدة اليقين ـ إنما هو «بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين ...» ، وهذا إشارة إلى أول الوجهين المتقدم بقولنا «أحدهما ...».

(٤) أي : سراية اختلاف زمان الموصوفين إلى الوصفين ، وهذه السراية لأجل الربط الوثيق بين اليقين والمتيقن ربط الكاشف بالمنكشف والحاكي بالمحكي.

(٥) لعله إشارة على ضعف قوله : «ولعله بملاحظة اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين ..» الخ ، فإن السر في تداول التعبير عن الاستصحاب بمثل تلك العبارة : «من كان على يقين فشك أو فأصابه شك» ليس هو اختلاف زمان الموصوفين وسرايته إلى الوصفين ؛ بل السر هو اتحاد متعلقي اليقين والشك في الاستصحاب عرفا كما في قاعدة اليقين عينا. غايته : أنه في الاستصحاب متحد عرفا وفي قاعدة اليقين متحد دقة

١٩٥

هذا مع (١) وضوح : أن قوله : «فإن الشك لا ينقض ...» الخ. هي القضية المرتكزة الواردة مورد الاستصحاب في غير واحد من أخبار الباب (٢).

______________________________________________________

وعرفا ، فإذا اتحد متعلق اليقين والشك في الاستصحاب عرفا كما في قاعدة اليقين فقهرا يختلف زمان اليقين والشك فيه ، كما يختلف فيها ، فيكون اليقين سابقا والشك لاحقا ، ويحسن التعبير في كليهما جميعا بمثل «من كان على يقين فشك أو فأصابه شك».

أو لعله إشارة إلى أن هذا التعليل لا يخرج الفاء عن ظاهرها الذي هو ترتب الزمان بين اليقين والشك ؛ الذي هو معيار قاعدة اليقين.

(١) هذا هو الوجه الثاني لاستظهار الاستصحاب من الرواية ، وقد تقدم بقولنا : «ثانيهما ...».

(٢) وهذا قرينة على إرادة الاستصحاب من العبارة ؛ لا إرادة القاعدة. هذا تمام الكلام في هذه الرواية التي اشتهرت برواية الخصال.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ هناك روايتان جمعهما المصنف بلفظ واحد.

وتقريب الاستدلال بهما على حجية الاستصحاب : أن قوله «عليه‌السلام» : «فإن الشك لا ينقض اليقين» في إحداهما ، وقوله «عليه‌السلام» : «فإن اليقين لا يدفع بالشك» في الأخرى يدل على حجية الاستصحاب ؛ إذ المستفاد منهما هي : قاعدة كلية عامة ، فدلالة هاتين الروايتين على حجية الاستصحاب أوضح من دلالة الصحاح المتقدمة. ومع ذلك رجح المصنف ابتداء قاعدة اليقين ، حيث قال بظهور الرواية في قاعدة اليقين.

نعم ؛ رجح في ختام البحث حجية الاستصحاب منهما.

٢ ـ وأما توضيح ظهور الرواية في قاعدة اليقين فيتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين القاعدة والاستصحاب.

وحاصل الفرق : أن المناط والمعتبر في الاستصحاب هو الاختلاف والتعدد في متعلق الشك واليقين وإن اتحد زمان الوصفين ، بينما في قاعدة اليقين هو الاختلاف والتعدد في زمان الوصفين مع وحدة المتعلق.

وبعد هذه المقدمة وبيان الفرق بينهما ، فنقول في ظهور الرواية في القاعدة : إن صريح الرواية هو اختلاف زمان الوصفين وظاهرها وحدة متعلقيهما ، وقد عرفت : أن اختلاف الوصفين زمانا مع وحدتهما متعلقا هو المعتبر والمناط في قاعدة اليقين دون الاستصحاب.

١٩٦

ومنها (١) : خبر الصفار عن علي بن محمد القاساني ، قال : (كتبت إليه ـ وأنا بالمدينة ـ عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب : «اليقين لا

______________________________________________________

فالمتحصل : أن المراد من الروايتين هي قاعدة اليقين دون الاستصحاب ؛ لأنهما تدلان على اختلاف زمان الوصفين. هذا تمام الكلام في احتمال قاعدة اليقين من الروايتين.

٣ ـ وأما احتمال الاستصحاب من الروايتين فلوجهين :

أحدهما : أن المتعارف في التعبير عن مورد الاستصحاب هو مثل هذه العبارة الظاهرة في اتحاد زمان الوصفين ، وهو مناط الاستصحاب.

وثانيهما : أن الذي قرينة على إرادة الاستصحاب من الصدر. حيث إن قوله «عليه‌السلام» : «فإن الشك لا ينقض اليقين» هو القضية الارتكازية التي أريد بها الاستصحاب في غير واحدة من روايات الباب. فهذا الذيل الذي هو كالنص في الاستصحاب بملاحظة وروده في سائر الروايات يصير قرينة على إرادة الاستصحاب.

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو ترجيح احتمال الاستصحاب على القاعدة. فتكون الروايتان من أدلة الاستصحاب.

(١) أي : من الأخبار المستدل بها على الاستصحاب : خبر الصفار.

والبحث في هذه المكاتبة يقع في جهتين :

الأولى : السند.

الثانية : الدلالة.

وأما الجهة الأولى فمحصلها : أن الظاهر عدم صحة السند لأجل علي بن محمد القاساني (١) ؛ إذ لا توثيق له حتى بنحو العموم ؛ بل حكي تضعيف الشيخ إياه (٢).

وأما الجهة الثانية ـ وهي دلالة المكاتبة ـ فتوضيحها يتوقف على مقدمة : وهي إن في يوم الشك احتمالين :

أحدهما : يشك في إنه هل هذا اليوم من شعبان أو من رمضان؟

ثانيهما : يشك في إنه هل هو آخر رمضان أو أول شوال؟

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول في تقريب دلالة المكاتبة على الاستصحاب : إن المراد

__________________

(١) هو علي بن محمد بن شيرة القاساني ـ القاشاني ـ ، قال عنه النجاشي : «كان فقيها ، مكثرا من الحديث ، فاضلا ، غمز عليه أحمد بن محمد بن عيسى ، وذكر أنه سمع منه مذاهب منكرة ، وليس في كتبه ما يدل على ذلك». رجال النجاشي : ٢٥٥ / ٦٦٩.

(٢) رجال الطوسي : ٣٨٨ / ٥٧١٢.

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بقوله «عليه‌السلام» : «اليقين لا يدخل فيه الشك» هو اليقين بشعبان إن كان يوم الشك في أول رمضان ، فإن اليقين بشعبان أو بعدم دخول رمضان لا ينقض بالشك في دخول رمضان ؛ بل ينقض بالعلم بدخوله.

فالمستفاد منه : الحكم ببقاء شعبان عند الشك في دخول الشهر المبارك ، أو اليقين بشهر رمضان إن كان يوم الشك في آخره ، فإنه يبني على بقائه حتى يحصل العلم بدخول شوال.

وعلى كلا التقديرين : تدل المكاتبة على اعتبار الاستصحاب ، فلا يجوز الصوم بنيّة شهر رمضان إلّا بالعلم بدخول الشهر ، ويحرم الإفطار إلّا بالعلم بدخول شوال ؛ لأن الإمام «عليه‌السلام» حدّد وجوب الصوم برؤية هلال رمضان ووجوب الإفطار برؤية هلال شوال بعد قوله : «اليقين لا يدخل فيه الشك» ، فإنه كبرى. وقوله «عليه‌السلام» : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» صغرى ، والإمام فرّع الصغرى على الكبرى ، فهذا التفريع والتحديد لا يستقيم ؛ إلّا أن يراد من قوله : «اليقين لا يدخل فيه الشك» : أن اليقين السابق لا ينقض بالشك اللاحق ، ولا يكون اليقين السابق مدخولا به ، فيكون معنى الرواية : لا تصم فيما شككت في أنه أوّل رمضان ، استصحابا لليقين بعدم وجوبه ، ولا تفطر فيما إذا شككت في أنه آخر رمضان استصحابا لوجوب الصوم.

ثم لا يخفى : أن الاستدلال بهذه المكاتبة يكون مبنيا على أن يكون المراد من اليقين : هو اليقين بشهر شعبان ، وعدم دخول شهر رمضان ، فتكون المكاتبة حينئذ دليلا على الاستصحاب.

وأما إذا كان المراد من اليقين أنه يعتبر في صحة الصوم بعنوان شهر رمضان القطع بكونه شهر رمضان ، فلا ربط لها بالمقام ، ومع هذا الاحتمال الثاني تكون المكاتبة مجملة لا ظهور لها في واحد من الاحتمالين ، فقول الشيخ في الرسائل ـ حيث قال : «الإنصاف أن هذه الرواية أظهر ما في هذا الباب من أخبار الاستصحاب». «دروس في الرسائل ، ج ٤ ، ص ٣٩٠» ـ غير وجيه ؛ بل يؤكد الاحتمال الثاني بعض الآيات ، ومجموعة من الأخبار.

وأما الآية : فقوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)(١). وأما الأخبار التي تشرف الفقيه على القطع بلزوم إحراز رمضان فهي كثيرة ، ولكن نكتفي بذكر جملة منها :

__________________

(١) البقرة : ١٨٥.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الأولى : رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر «عليه‌السلام» قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية» (١).

الثانية : رواية محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا «عليه‌السلام» في حديث قال : «صوموا للرؤية ، وافطروا للرؤية» (٢).

الثالثة : رواية سماعة أو رفاعة عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» قال : «صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظن» (٣).

الرابعة : رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» أنه قال : «في كتاب علي «عليه‌السلام» : صم لرؤيته وأفطر لرؤيته ، وإياك والشك والظن ، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين» (٤).

وهكذا سائر روايات الباب ، ولا بعد في دعوى تواتر جملة «صم للرؤية وأفطر للرؤية» ، فقد تكررت في أكثر أخبار الباب البالغة ثمانية وعشرين خبرا. ونظرا إلى وجود جملة «صم للرؤية وأفطر للرؤية» في كثير من أخبار الباب لا ينعقد لقضية «اليقين لا يدخل فيه الشك». ظهور في الاستصحاب ، فضلا عن أظهريتها فيه ؛ لاحتفاف الكلام بقوله «عليه‌السلام» : «صم للرؤية وأفطر للرؤية» ؛ لأن المفروض : اعتبار اليقين في فريضة صوم رمضان بدوا وختاما ، وعدم إدخال اليوم المشكوك كونه من رمضان في المتيقن وهو الزمان المعلوم كونه شهر رمضان.

وبعبارة أخرى : أن مفاد «اليقين لا يدخل فيه الشك» هو عدم قيام الشك مقام اليقين في ترتيب آثار رمضان من الالتزام بالصوم بنيّة كونه من رمضان ، فيكون الإتيان به بهذا العنوان منوطا باليقين بدخول شهر رمضان ، وكذلك الكلام في منتهاه.

وعليه : فالرواية تكون بصدد بيان الحكم الواقعي من أحكام صوم رمضان ، ولا مساس لها بالحكم الظاهري ، وهو استصحاب شعبانية يوم الشك ، أو استصحاب رمضانية يوم الشك في آخره.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٦ / ٤٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٣. الوسائل ١٠ : ٢٥٢ / ١٣٣٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٤ : ١٦٦ / ٤٧٤ ، الوسائل ١٠ : ٢٦٣ / ١٣٣٧٥.

(٣) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٦ / ٤٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٦٣ / ٢٠٢ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٣ / ١٣٣٤٤.

(٤) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٨ / ٤٤١ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٢٠٨ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٥ / ١٣٣٤٩.

١٩٩

يدخل فيه الشك ، صم للرؤية (١) وأفطر للرؤية» (*) حيث دل على أن اليقين بشعبان لا يكون مدخولا بالشك في بقائه وزواله بدخول شهر رمضان ، ويتفرع عليه عدم وجوب الصوم إلّا بدخول شهر رمضان.

وربما يقال (٢) : إن مراجعة الأخبار الواردة في يوم الشك يشرف (٣) على القطع بأن المراد باليقين (٤) هو : اليقين بدخول شهر رمضان (٥) ، وأنه (٦) لا بد في وجوب الصوم والإفطار من اليقين بدخول شهر رمضان وخروجه ، وأين هذا من الاستصحاب؟ فراجع ما عقد في الوسائل لذلك من الباب (٧) ...

______________________________________________________

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) الظاهر : أن اللام في الموضعين للتوقيت ، بمعنى : «عند» فالصوم للرؤية ناظر إلى حكم يوم الشك في أوّل رمضان ، والإفطار للرؤية ناظر إلى حكم آخر الشهر أي : الشك في إنه يوم الثلاثين من رمضان أو عيد الفطر. وليس اللام بمعنى «إلى» ؛ إذ ينعكس الأمر ويصير المعنى : «صم إلى الرؤية وأفطر إلى الرؤية» ، فتكون الجملة الأولى ناظرة إلى حكم يوم الشك في آخر رمضان ، ومن المعلوم : مخالفته لظهور سؤال الكاتب «هل يصام» في أنه شاك في دخول شهر رمضان ، ويشهد له كلام ابن هشام في المغني من كون التوقيت أحد معاني اللام ، فراجع مغني اللبيب ، ص ٢٨١ ، الطبعة الحديثة.

قوله : «حيث دل ...» الخ شروع في تقريب دلالة المكاتبة على الاستصحاب ، وقد تقدم توضيح ذلك.

قوله : «بدخول» متعلق ب «زواله» وضميره وضمير «بقائه» راجعان على شعبان.

وضمير «عليه» راجع على عدم دخول الشك في اليقين.

(٢) إشارة إلى ما ذكر من إشكال منع دلالة هذه المكاتبة على الاستصحاب ، وقد تقدم توضيح الإشكال ، فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار.

(٣) الأولى أن يقال : تشرف الفقيه على القطع.

(٤) في قوله «عليه‌السلام» : «اليقين لا يدخل فيه الشك».

(٥) لا اليقين بشعبان الذي هو مبنى الاستصحاب.

(٦) عطف على «أن المراد» ومفسر له وضمير «أنه» للشأن.

(٧) الظاهر : أن مراده هو عنوان الباب الثالث الذي استظهره الشيخ الحر العاملي «قدس‌سره» من مجموع الأخبار الواردة بهذا المضمون ، فقال : «باب أن علامة شهر

__________________

(*) تهذيب الأحكام ٤ : ١٥٩ / ٤٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢١٠ ، الوسائل ١ / ٢٥٥ / ١٣٣٥١.

٢٠٠