التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) : كلّ من اختار لنفسه دينا ، فهو فرح به.

ثمّ خاطب الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (فَذَرْهُمْ) يا محمد (فِي غَمْرَتِهِمْ) أي في سكرتهم وشكّهم (حَتَّى حِينٍ) ثم قال عزوجل : (أَيَحْسَبُونَ) يا محمّد (أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ) هو خير نريده بهم (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) أنّ ذلك شرّ لهم.

ثم ذكر عزوجل من يريد بهم الخير ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) إلى قوله (يُؤْتُونَ ما آتَوْا) قال : من الطاعة والعبادة (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي خائفة. (أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) وهو معطوف على قوله : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ)(١).

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قال : «هي شفاعتهم (٢) ، ورجاؤهم ، يخافون أن تردّ عليهم أعمالهم ، إن لم يطيعوا الله عزوجل ، ويرجون أن يقبل منهم» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في رواية أخرى ـ : «يعملون ما عملوا من عمل ، وهم يعلمون أنّهم يثابون عليه» (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ : في قوله : (أُولئِكَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

(٢) في كتاب الزهد : ص ٢٤ ، ح ٥٣ (الحسين بن سعيد) عن علي قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ عن هذه الآية ـ فقال : «من شفقتهم ...».

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٢٩ ، ح ٢٩٤.

(٤) المحاسن : ص ٢٤٩ ، ح ٢٥٦.

٨١

يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) ، يقول : «هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، لم يسبقه أحد» (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦٢) [سورة المؤمنون : ٦٢]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة في معنى هذه الآية عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام نذكر منها روايتين هما :

١ ـ قال علي بن أسباط : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الاستطاعة ، فقال : «يستطيع العبد بعد أربع خصال : أن يكون مخلّى السّرب (٢) ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من الله».

قال : قلت له : جعلت فداك ، فسّر لي هذا. قال : «أن يكون العبد محلى السّرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، يريد أن يزني فلا يجد امرأة ، ثمّ يجدها ، فإمّا أن يعصم نفسه ، فيمتنع كما امتنع يوسف عليه‌السلام ، أو يخلّي بينه وبين إرادته ، فيزني ، فيسمّى زانيا ، ولم يطع الله بإكراه ، ولم يعصه بغلبة» (٣).

٢ ـ قال رجل من أهل البصرة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الاستطاعة ، فقال : «أتستطيع أن تعمل ما لم يكوّن؟». قال : لا. قال : «فتستطيع أن تنهى عمّا قد كوّن؟» قال : لا. قال : فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «فمتى أنت مستطيع؟» قال : لا أدري.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٢.

(٢) يقال : خلّ له سربه ، أي طريقه. وفلان مخلّى السرب ، أي موسع عليه غير مضيّق عليه «أقرب الموارد ـ سرب ـ ج ١ ، ص ٥٠٨».

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٢٢ ، ح ١.

٨٢

فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله خلق خلقا ، فجعل فيهم آلة الاستطاعة ثمّ لم يفوّض إليهم ، فهم مستطيعون للفعل ، وقت الفعل ، مع الفعل ، إذا فعلوا ذلك الفعل ، فإذا لم يفعلوه في ملكه ، لم يكونوا مستطيعين أن يفعلوا فعلا لم يفعلوه ، لأنّ الله عزوجل أعزّ من أن يضادّه في ملكه أحد».

قال البصريّ : فالناس مجبورون؟

قال : «لو كانوا مجبورين ، كانوا معذورين».

قال : ففوّض إليهم؟

قال : «لا».

قال : فما هم؟

قال : «علم منهم فعلا ، فجعل فيهم آلة الفعل ، فإذا فعلوا ، كانوا مع الفعل مستطيعين».

قال البصريّ : أشهد أنّه الحق أو أنّكم أهل بيت النبوّة والرسالة (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢) بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ (٦٣) حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ (٦٤) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ (٦٥) قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ (٦٧) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٠) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٢٣ ، ح ٢.

٨٣

بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (٧١) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (٧٤) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٧٥) [سورة المؤمنون : ٦٢ ـ ٧٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : وقوله : (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا) يعني من القرآن ـ وقال : أي في شكّ مما يقولون ـ (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ) يقول : ما كتب عليهم في اللّوح ما هم عاملون قبل أن يخلقوا ، هم لتلك الأعمال المكتوبة عاملون.

وقوله : (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) يعني كبراءهم (بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي يضجّون ، فردّ الله عليهم : (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) إلى قوله : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) أي جعلتموه سمرا (١) ، وهجرتموه.

وقوله : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) يعني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فردّ الله عليهم : (بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).

وقوله : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) قال : الحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والدليل على ذلك ، قوله : (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ)(٢) يعني ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وقوله : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ) أي يا محمد ، أهل مكّة في عليّ (أَحَقٌّ هُوَ)

__________________

(١) السمر : المسامرة ، وهو الحديث بالليل.

(٢) النساء : ١٧٠.

٨٤

أي إمام (قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ)(١) أي الإمام ، ومثله كثير والدليل على أنّ الحقّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، قول الله عزوجل : (وَلَوِ اتَّبَعَ) رسول الله ، وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسّلام) قريشا ، (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ ، وَمَنْ فِيهِنَ) ، ففساد السماء إذا لم تمطر ، وفساد الأرض إذا لم تنبت ، وفساد الناس من ذلك.

وقوله : (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال : إلى ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) قال : عن الإمام لحائدون (٢).

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «عن ولايتنا أهل البيت» (٣).

وقال الطبرسي في (مجمع البيان) : (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ) في الآخرة (وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ) ورددناهم إلى دار التكليف (لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) مثل قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) ... وقيل : إنه في الدنيا أي : ولو أنا رحمناهم ، وكشفنا ما بهم من جوع ونحوه ، لتمادوا في ضلالتهم وغوايتهم ، يترددون (٤).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ (٧٦) حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (٧٧) [سورة المؤمنون : ٧٦ ـ ٧٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال محمد بن مسلم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله

__________________

(١) يونس : ٥٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٢.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، ح ٦.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٢.

٨٥

عزوجل : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ)؟ ، فقال : الاستكانة هي الخضوع ، والتضرّع هو رفع اليدين ، والتضرّع بهما» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في رواية أبي الجارود في قوله تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)(٢) يقول : أم تسألهم أجرا ، فأجر ربك خير (خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٣) قوله : (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) فهو الجوع ، والخوف والقتل» (٤).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ، يقول : «آيسون» (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أخرى ـ : «هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، إذا رجع في الرّجعة» (٦).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٨٠) بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) (٨١) [سورة المؤمنون : ٨١ ـ ٧٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم بين سبحانه أنه المنعم على خلقه بأنواع النعم ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي : خلق هذه الحواس ابتداء لا من شيء ، وخص هذه الثلاثة لأن

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٤٨ ، ح ٢.

(٢) المؤمنون : ٧٢.

(٣) المؤمنون : ٧٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٤.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٤.

(٦) مختصر بصائر الدرجات : ص ١٧.

٨٦

الدلائل مبنية عليها ، ينظر العاقل ، ويسمع ، ويتفكر ، فيعلم (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) أي : يقل شكركم لها ، و (قَلِيلاً) : منصوب على المصدر ، وتقديره : تشكرون قليلا لهذه النعم التي أنعم الله بها عليكم. وقيل : معناه أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه ... (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي : خلقكم وأوجدكم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يوم القيامة ، فيجازيكم على أعمالكم. (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي : يحييكم في أرحام أمهاتكم ، ويميتكم عند انقضاء آجالكم. (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي : وله تدبيرهما بالزيادة والنقصان. وقيل : وله ملك اختلافهما وهو ذهاب أحدهما ، ومجيء الآخر (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي : أفلا تعلمون بأن تفكروا فتعلموا أن لذلك صانعا قادرا ، عالما حيا حكيما ، لا يستحق الإلهية سواه ، ولا تحسن العبادة إلا له.

ثم أخبر سبحانه عن الكفار المكذبين بالبعث ، فقال : (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ) المنكرون للبعث بعد الموت (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٨٢) لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٨٣) قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ ، ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

٨٧

كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٩٢) [سورة المؤمنون : ٨٢ ـ ٩٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : ثمّ حكى الله عزوجل قول الدهريّة : (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) ـ إلى قوله ـ (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) يعني أحاديث الأولين ـ وقيل أكاذيب الأوّلين ـ فردّ الله عليهم ، فقال : (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ثمّ ردّ الله على الثنوية (١) الذين قالوا بإلهين فقال الله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) قال : لو كان إلهين ـ كما زعمتم ـ لكانا يختلفان ، فيخلق هذا ولا يخلق هذا ، ويريد هذا ولا يريد هذا ، ويطلب كلّ واحد منهم الغلبة لنفسه ـ وقيل : ولا يستبد كل واحد بخلقه ، وإذا أراد أحدهما خلق إنسان ، وأراد الآخر خلق بهيمة ، فيكون إنسانا وبهيمة في حالة واحدة ، وهذا غير موجود ، فلما بطل هذا ، ثبت التدبير والصنع لواحد ، ودلّ أيضا التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض ، على أنّ الصانع واحد ، وذلك قوله : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) إلى قوله : (لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ثمّ قال آنفا : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : «الغيب ، ما لم يكن ، والشهادة : ما قد كان» (٣).

__________________

(١) الثّنوية : هم أصحاب الاثنين الأزليين ، يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان «الملل والنحل : ج ١ ، ص ٢٢٤». والثنوية : فرقة من القدريّة (المعتزلة) وهي التي قالت إنّ الخير من الله والشرّ من إبليس. «معجم الفرق الإسلامية : ص ٧٥».

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٣.

(٣) معاني الأخبار : ص ١٤٦ ، ح ١.

٨٨

* س ٢٠ : ما هو سبب نزول قوله تعالى :

(قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) (٩٥) [سورة المؤمنون : ٩٣ ـ ٩٥]؟!

الجواب / قال عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) : إنّي كنت لأدناهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سمعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في حجّة الوداع بمنى ، يقول : «لأعرفنّكم بعدي ترجعون كفّارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، ولايم الله ، إن فعلتموها لتعرفني في كتيبة يضاربونكم». قال : ثم التفت خلفه ، ثمّ أقبل بوجهه ، فقال : «أو عليّ ، أو عليّ».

قال : حدثنا أنّ جبرائيل غمزه ، وقال مرّة أخرى ، فرأينا أنّ جبرائيل قال له ، فنزلت هذه الآية : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي) ـ إلى قوله ـ (ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ)(١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ)(٩٦) [سورة المؤمنون : ٩٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصبر إلى أن ينقضي الأجل المضروب للعذاب فقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) أي : إدفع بالإغضاء والصفح إساءة المسيء .. وهذا قبل الأمر بالقتال. وقيل : معناه ادفع باطلهم ببيان الحجج على ألطف الوجوه ، وأوضحها ، وأقربها إلى الإجابة والقبول.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) أي : بما يكذبون ويقولون من الشرك.

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥٥ ، ح ٨.

٨٩

والمعنى : إنا نجازيه بما يستحقونه (١).

* س ٢٢ : ما هو معنى «همزات الشياطين» في قوله تعالى :

(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) (٩٨) [سورة المؤمنون : ٩٧ ـ ٩٨]؟! وما هو معنى الآية الثانية؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : ما يقع في القلب من وسوسة الشياطين (٢).

٢ ـ قال الطبرسيّ : في قوله تعالى : (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) أي : يشهدوني ، ويقاربوني ، ويصدوني عن طاعتك. وقيل : معناه أن يحضروني في الصلاة عند تلاوة القرآن. وقيل : في الأحوال كلها (٣).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١٠٠) [سورة المؤمنون : ٩٩ ـ ١٠٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إذا مات الكافر ، شيّعه سبعون ألف ملك من الزّبانية إلى قبره ، وإنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شيء إلا الثقلان ، ويقول : لو أنّ لي كرّة فأكون من المؤمنين ، ويقول : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) فتجيبه الزّبانية : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها)(٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٠٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٣.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٠٨.

(٤) أمالي الصدوق : ص ٢٣٩ ، ح ١٢.

٩٠

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت ، وهو قول الله عزوجل : وتلا الآية» (١).

٢ ـ قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «أشدّ ساعات ابن آدم ثلاث ساعات : الساعة التي يعاين فيها ملك الموت ، والساعة التي يقوم فيها من قبره ، والساعة التي يقف فيها بين يدي الله تبارك وتعالى ، فإمّا إلى الجنة ، وإمّا إلى النار».

ثمّ قال : «إن نجوت ـ يابن آدم ـ عند الموت ـ فأنت أنت ، وإلّا هلكت ، وإن نجوت ـ يابن آدم ـ حين توضع في قبرك ، فأنت أنت ، وإلّا هلكت ، وإن نجوت حين يحمل الناس على الصّراط ، فأنت أنت ، وإلّا هلكت ، وإن نجوت حين يقوم الناس لربّ العالمين ، فأنت أنت ، وإلّا هلكت». ثمّ تلا : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) قال : «هو القبر ، وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكا ، والله إنّ القبر لروضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران».

ثم أقبل على رجل من جلسائه ، فقال له : «لقد علم ساكن السّماء ساكن الجنّة من ساكن النار ، فأيّ الرجلين أنت ، وأي الدارين دارك»؟ (٢).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٢) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ (١٠٣) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) (١٠٤) [سورة المؤمنون : ١٠١ ـ ١٠٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠٤ ، ح ١١.

(٢) الخصال : ص ١١٩ ، ح ١٠٨.

٩١

فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) : فإنّه ردّ على من يفتخر بالأنساب. قال الصادق عليه‌السلام : «لا يتقدّم يوم القيامة أحد إلّا بالأعمال ، والدليل على ذلك ، قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الناس ، إنّ العربية ليست بأب وجد ، وإنّما هو لسان ناطق ، فمن تكلّم به فهو عربيّ ، ألا إنّكم ولد آدم ، وآدم من تراب ، والله لعبد حبشي أطاع الله ، خير من سيّد قرشيّ عاص لله ، وإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، والدليل على ذلك قوله عزوجل : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ)(١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) يعني بالأعمال الحسنة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) قال : من الأعمال الحسنة (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ)(٢).

وقال الطّبرسي في (الاحتجاج) : عن الصادق عليه‌السلام ، وقد سأله سائل ، قال : أو ليس توزن الأعمال؟

قال عليه‌السلام : «لا ، إنّ الأعمال ليست بأجسام ، وإنما هي صفة ما عملوا ، وإنّما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء ، ولا يعرف ثقلها أو خفّتها ، وإنّ الله لا يخفى عليه شيء».

قال : فما معنى الميزان؟ قال عليه‌السلام : «العدل» ، قال : فما معناه في كتابه : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ)؟ قال عليه‌السلام : «فمن رجح عمله» (٣).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم القمي : وقوله : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ) : تلهب عليهم ، فتحرقهم ، (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) أي مفتحو الفم ، متربدو (٤) الوجوه (٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٤.

(٣) الاحتجاج : ص ٣٥١.

(٤) أربد وجهه وتربّد : احمر حمرة فيها سواد عند الغضب.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٤.

٩٢

وقال الزمخشري في (ربيع الأبرار) : عن الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في قوله سبحانه (وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) : «تشويه النار ، فتقلّص شفته العليا ، حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السّفلى ، حتى تبلغ سرّته» (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٠٥) قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ (١٠٦) رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ (١٠٧) قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (١٠٨) [سورة المؤمنون : ١٠٥ ـ ١٠٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال الباقر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) في علي عليه‌السلام (فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ)(٢).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا) ، «بأعمالهم شقوا» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : فإنهم علموا حين عاينوا أمر الآخرة أنّ الشّقاء كتب عليهم ، علموا حين لا ينفعهم العلم ، قالوا : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) فبلغني ـ والله أعلم ـ أنهم تداركوا بعضهم على بعض سبعين عاما ، حتى انتهوا إلى قعر جهنّم (٤).

__________________

(١) ربيع الأبرار : ج ١ ، ص ١٦٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥٦ ، ح ١٠.

(٣) التوحيد : ص ٣٥٦ ، ح ٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٤.

٩٣

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١٠٩) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (١١٠) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ)(١١١)؟! [سورة المؤمنون : ١٠٩ ـ ١١١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي) أي : طائفة من عبادي ، وهم الأنبياء ، والمؤمنون (يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) أي : يدعون بهذه الدعوات في الدنيا ، طلبا لما عندي من الثواب (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ) أنتم يا معشر الكفار (سِخْرِيًّا) أي : كنتم تهزؤون وتسخرون منهم. وقيل : معناه تستعبدونهم وتصرفونهم في أعمالكم وحوائجكم كرها بغير أجر. وقيل : إنهم كانوا إذا آذوا المؤمنين. قالوا : انظروا إلى هؤلاء رضوا من الدنيا بالعيش الدني طمعا في ثواب الآخرة ، وليس وراءهم آخرة ، ولا ثواب ، فهو مثل قوله : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ. حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) أي : نسيتم ذكري لاشتغالكم بالسخرية منهم ، فنسب الإنساء إلى عبادة المؤمنين ، وإن لم يفعلوه ، لما كانوا السبب في ذلك (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) ظاهر المعنى.

ثم أخبر سبحانه عن المؤمنين الذين سخر الكافرون منهم في دار الدنيا فقال : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) أي : بصبرهم على أذاكم ، وسخريتكم ، واستهزائكم بهم (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) أي : الظافرون بما أرادوا ، الناجون في الآخرة ، والمراد بقوله (الْيَوْمَ) أيام الجزاء ، لا يوم بعينه (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢١٢ ـ ٢١٤.

٩٤

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (١١٨) [سورة المؤمنون : ١١٢ ـ ١١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : في قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ) ، قال : سل الملائكة الذين كانوا يعدّون علينا الأيّام ، فيكتبون ساعاتنا وأعمالنا التي اكتسبناها فيها ، فردّ الله عليهم فقال : قل لهم : يا محمد : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ).

وقوله تعالى : (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) أي لا حجّة له به (فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وَقُلْ) يا محمد (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)(١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٥.

٩٥
٩٦

تفسير

سورة النور

رقم السورة ـ ٢٤ ـ

٩٧
٩٨

سورة النور

* س ١ : ما هو فضل سورة النور؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «حصّنوا أموالكم وفروجكم بتلاوة سورة النور ، وحصّنوا بها نساءكم ، فإنّ من أدمن قراءتها في كلّ يوم ، أو في كلّ ليلة ، لم ير أحد من أهل بيته سوءا حتى يموت ، فإذا هو مات ، شيّعه إلى قبره سبعون ألف ملك ، كلّهم يدعون ويستغفرون الله له ، حتى يدخل في قبره» (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وجعلها في كسائه ، أو فراشه الذي ينام عليه ، لم يحتلم أبدا ، وإن كتبها بماء زمزم لم يجامع ، ولم ينقطع عنه أبدا ، وإن جامع لم يكن له لذّة تامّة ، ولا يكون إلّا منكسر القوّة» (٢).

* س ٢ : متى نزل قوله تعالى :

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) [سورة النور : ١ ـ ٢] ، وما هو معناه؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «سورة النور نزلت بعد سورة النساء ،

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٩.

(٢) خواص القرآن : ص ٤٥ (مخطوط).

٩٩

وتصديق ذلك أنّ الله عزوجل أنزل عليه في سورة النساء : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً)(١) والسبيل الذي قال الله عزوجل : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) ، قال : «في إقامة الحدود».

وفي قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال : «الطائفة واحد ـ وقال ـ لا يستحلف صاحب الحد» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) يقول : «ضربهما (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يجمع لهم الناس إذا جلدوا» (٤).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣) [سورة النور : ٣]؟!

الجواب / قال زرارة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، قال : «هنّ نساء مشهورات بالزنا ، ورجال مشهورون بالزنا. شهروا وعرفوا به.

ـ وفي رواية قال : هم رجال ونساء ، كانوا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) النساء : ١٥.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٧ ، ح ١.

(٣) التهذيب : ج ١٠ ، ص ١٥٠ ، ح ٦٠٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩٥.

١٠٠