التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٣) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٢٤) [سورة العنكبوت : ٢١ ـ ٢٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم ذكر سبحانه الوعد والوعيد ، فقال : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) معناه أنه المالك للثواب والعقاب ، وإن كان لا يشاء إلّا الحكمة والعدل ، وما هو الأحسن من الأفعال فيعذب من يشاء ممن يستحق العقاب (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) ممن هو مستحق للرحمة ، بأن يغفر له بالتوبة وغير التوبة (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) معاشر الخلق أي : إليه ترجعون يوم القيامة ، والقلب هو الرجوع والرد ، فمعناه : إنكم تردون إلى حال الحياة في الآخرة ، حيث لا يملك فيه النفع والضر إلّا الله.

وهذا يتعلق بما قبله ، كأن المنكرين للبعث قالوا : إذا كان العذاب غير كائن في الدنيا ، فلا نبالي به.

فقال : وإليه تقلبون. وكأنهم قالوا إذا صرفنا إلى حكم الله فررنا ، فقال : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي : ولستم بفائتين عن الله في الدنيا ، ولا في الآخرة ، فاحذروا مخالفته.

ومتى قيل : كيف وصفهم بذلك ، وليسوا من أهل السماء؟ فالجواب عنه من وجهين ، أحدهما : إن المعنى لستم بمعجزين فرأوا في الأرض ، ولا في السماء ، كقولك : ما يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة ، يعني ولا بالبصرة لو

٣٦١

صار إليها ...

والآخر : إن المعنى ولا من في السماء بمعجزين ، فحذف من الدلالة الكلام عليه ، كما قال حسان :

أمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه ، وينصره ، سواء

فكأنه قال : ومن يمدحه وينصره سواء أم لا يتساوون. وهذا ضعيف عند البصريين.

(وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) ينصركم ، ويدفع عذاب الله عنكم. فلا تغتروا بأن الأصنام تشفع لكم. وقيل : إن الولي الذي يتولى المعونة بنفسه ، والنصير يتولى النصرة تارة بنفسه ، وتارة بأن يأمر غيره به. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي : جحدوا بالقرآن وبأدلة الله (وَلِقائِهِ) أي : وجحدوا بالبعث بعد الموت (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) أخبر أنه سبحانه أيسهم من رحمته وجنته ، أو يكون معناه يجب أن ييأسوا من رحمتي. (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم. وفي هذا دلالة على أن المؤمن بالله واليوم الآخر ، لا ييأس من رحمة الله.

ثم عاد سبحانه إلى قصة إبراهيم فقال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) يعني حين دعاهم إلى الله تعالى ، ونهاهم عن عبادة الأصنام (إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) وفي هذا تسفيه لهم إذ قالوا حين انقطعت حجتهم لا تحاجوه ، ولكن اقتلوه أو حرقوه ليتخلصوا منه. (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) وها هنا حذف تقديره : ثم اتفقوا على إحراقه ، فأججوا نارا فألقوه فيها ، فأنجاه الله منها. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : علامات واضحات ، وحجج بينات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بصحة ما أخبرناه به ، وبتوحيد الله ، وكمال قدرته (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ١٨ ـ ١٩.

٣٦٢

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢٦) [سورة العنكبوت : ٢٥ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله تعالى : (وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، قال : «يعني يتبرأ بعضكم من بعض» (١).

وقال علي بن إبراهيم : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي لإبراهيم عليه‌السلام (وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) ، قال : المهاجر : من هجر السيئات ، وتاب إلى الله (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، قال : «فآمن له لوط ، وخرج مهاجرا إلى الشام هو وسارة ولوط» (٣).

وقال أبو زياد الكرخيّ : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، وذكر حديث مهاجرة إبراهيم عليه‌السلام ، وذكر في آخره : «وسار إبراهيم عليه‌السلام حتى نزل بأعلى الشامات ، وخلّف لوطا عليه‌السلام في أدنى الشامات» (٤).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨٧ ، ح ١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٩.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٦٨ ، ح ٥٥٩.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٠ ، ح ٥٦٠.

٣٦٣

لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ (٣١) قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٢) وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٣٣) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٣٤) وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٣٥) [سورة العنكبوت : ٢٧ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في حديث عهده عليه‌السلام إلى محمد بن أبي بكر ، يعمل به ويقرأه على أهل مصر حين ولاه مصر ، وقال فيه عليه‌السلام : «اعلموا ـ يا عباد الله ـ أنّ المؤمن من يعمل الثلاث من الثّواب : أمّا الخير فإنّ الله يثيبه بعمله في دنياه ، قال الله سبحانه لإبراهيم : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فمن عمل لله تعالى ، أعطاه أجره في الدنيا والآخرة ، وكفاه المهمّ فيهما» (١).

وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : «وكان أهل المؤتفكات من أجلّ الناس ، وكانوا في حسن وجمال ، فأصابهم الغلاء والقحط ، فجاءهم إبليس اللعين ، وقال لهم : إنما جاءكم القحط لأنكم منعتم الناس من دوركم ولم تمنعوهم من بساتينكم الخارجة. فقالوا : وكيف السّبيل إلى المنع؟ فقال

__________________

(١) الأمالي : ج ١ ، ص ٢٤.

٣٦٤

لهم : اجعلوا السّنّة بينكم إذا وجدتم غريبا في بلدكم سلبتموه ونكحتموه في دبره ، حتى أنكم إذا فعلتم ذلك لم يتطرّقوا عليكم».

قال : «فعزموا على ذلك ، فخرجوا إلى ظاهر البلد يطلبون من يفجرون به ، فتصوّر لهم إبليس اللعين غلاما أمرد ، فتزيّن ، فحملوا عليه ، فلمّا رأوه سلبوه ونكحوه في دبره ، فطاب لهم ذلك ، حتى صار هذا عادة لهم في كلّ غريب وجدوه ، حتى تعدّوا من الغرباء إلى أهل البلد ، وفشا ذلك فيهم ، وظهر ذلك من غير انتقام بينهم ، فمنهم من يؤتى ، ومنهم من يأتي.

وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه‌السلام : أنّي اخترت لوطا نبيّا ، فابعثه إلى هؤلاء القوم. فأقبل إبراهيم إلى لوط فأخبره بذلك ، ثمّ قال له : انطلق إلى مدائن سدوم (١) ، وادعهم إلى عبادة الله ، وحذّرهم أمر الله وعذابه ، وذكّرهم بما نزل بقوم نمرود بن كنعان. فسار لوط حتى صار إلى المدائن ، فوقف وهو لا يدري بأيّها يبدأ ، فأقبل حتى دخل مدينة سدوم ، وهي أكبرها ، وفيها ملكهم ، فلمّا بلغ وسط السّوق ، قال : يا قوم اتّقوا الله وأطيعوني ، وازجروا أنفسكم عن هذه الفواحش التي لم تسبقوا إلى مثلها ، وانتهوا عن عبادة الأصنام ، فإني رسول الله إليكم. فذلك معنى قوله تعالى : (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ)(٢) ، يعني عن إتيان الرجال ، وقال في مكان آخر : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) ، يعني الحذف بالحصى ، والتصفيق واللعب بالحمام ،

__________________

(١) سدوم : قرى بين الحجاز والشام. «آثار البلاد وأخبار العباد : ص ٢٠٢».

(٢) الأعراف : ٨٠ ـ ٨٢.

٣٦٥

وتصفيق الطيور ، ومناقرة الديوك ، ومهارشة الكلاب (١) ، والحبق (٢) في المجالس ، ولبس المعصفرات (٣) ، (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

وبلغ ذلك ملكهم في سدوم ، فقال : ائتوني به. فلما وقف بين يديه ، قال له : من أنت ، ومن أرسلك ، وبماذا جئت ، وإلى من بعثت؟ فقال له : أمّا اسمي فلوط ابن أخي إبراهيم عليه‌السلام ، وأمّا الذي أرسلني فهو الله ربي وربكم ، وأما ما جئت به ، فأدعوكم إلى طاعة الله [وأمره] ، وأنهاكم عن هذه الفواحش. فلمّا سمع ذلك من لوط وقع في قلبه الرعب والخوف ، فقال له : إنما أنا رجل من قومي ، فسر إليهم ، فإن أجابوك فأنا معهم».

قال : «فخرج لوط من عنده ووقف على قومه ، وأخذ يدعوهم إلى عبادة الله ، وينهاهم عن المعاصي ، ويحذّرهم عذاب الله ، حتى وثبوا عليه من كل جانب ، وقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ)(٤) من هذه الدعوة (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)(٥) أي من بلدنا ، (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ)(٦) الخبيث (مِنَ الْقالِينَ)(٧) أي من المبغضين (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ)(٨) يعني من الفواحش.

فأقام فيهم لوط عشرين سنة ، وهو يدعوهم ، وتوفّيت امرأته وكانت

__________________

(١) المهارشة بالكلاب : تحريش بعضها على بعض. «الصحاح ـ هرش ـ ج ٣ ، ص ١٠٢٧».

(٢) الحبق : الضراط. «لسان العرب ـ حبق ـ ج ١٠ ، ص ٣٧».

(٣) العصفر : الذي يصبغ به. «لسان العرب ـ عصفر ـ ج ٤ ، ص ٥٨١».

(٤) الشعراء : ١٦٧.

(٥) نفس المصدر.

(٦) الشعراء : ١٦٨.

(٧) نفس المصدر.

(٨) الشعراء : ١٦٩.

٣٦٦

مؤمنة ، فتزوج بأخرى من قومه ، وكانت قد آمنت به ، يقال لها (قواب) ، فقام معها يدعوهم إلى طاعة الله ، فجعلوا يشتمونه ويضربونه ، حتى بقي فيهم من أوّل ما بعث إلى أربعين سنة ، فلم يبالوا به ، ولم يطيعوه ، فضجّت الأرض إلى ربها ، واستغاثت الأشجار ، والأطيار ، والجنّة والنار من فعلهم إلى الله تعالى ، فأوحى الله تعالى إليهم : إنّي حليم لا أعجل على من عصاني حتى يأتي الأجل المحدود».

قال : «فلمّا استخفّوا بنبي الله ولم يذعنوا إلى طاعته ، وداموا على ما كانوا فيه من المعاصي ، أمر الله تعالى أربعة من الملائكة ، وهم : جبرئيل ، ميكائيل ، وإسرافيل ، ودردائيل أن يمرّوا بإبراهيم عليه‌السلام. ويبشّرونه بولد من سارة بنت هاراز بن فاخور ، وكانت قد آمنت به حين جعل الله عليه النار بردا وسلاما ، فأوحى الله إليه : أن تزوّج بها يا إبراهيم ـ قال ـ فتزوّج بها ، فجاءوا على صورة البشر ، المعتجرين (١) بالعمائم وكان إبراهيم عليه‌السلام لا يأكل إلا مع الضّيف ـ قال ـ فانقطعت الأضياف عنه ثلاثة أيام ، فلما كان بعد ذلك ، قال : يا سارة ، قومي واعملي شيئا من الطعام ، فلعلّي أخرج عسى أن ألقى ضيفا. فقامت لذلك ، وخرج إبراهيم عليه‌السلام في طلب الضّيف ، فلم يجد ضيفا ، فقعد في داره يقرأ الصّحف المنزلة عليه ، فلم يشعر إلا والملائكة قد دخلوا عليه مفاجأة على خيلهم في زينتهم ، فوقفوا بين يديه ، ففزع من مفاجأتهم ، حتى قالوا : سلاما ، فسكن خوفه ، فذلك معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً)(٢) ، وقال تعالى في آية أخرى :

__________________

(١) الاعتجار : لفّ العمامة على الرأس. «الصحاح ـ عجر ـ ج ٢ ، ص ٧٣٧».

(٢) هود : ٦٩.

٣٦٧

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)(١) ، لأنّه لا يعرف صورهم ، فرحّب بهم ، وأمرهم بالجلوس ، ودخل على سارة ، وقال لها : قد نزل عندنا أربعة أضياف حسان الوجوه واللباس ، وقد دخلوا وسلّموا عليّ بسلام الأبرار ، فقال لها : وحاجتي إليك أن تقومي وتخدميهم. فقالت : عهدي بك يا إبراهيم وأنت أغير الناس. فقال : هو كما تقولين ، غير أن هؤلاء أعزاء خيار.

ثم عمد إبراهيم إلى عجل سمين فذبحه ، ونظّفه ، وعمد إلى التنّور فسجره ، فوضع العجل في التنّور حتى اشتوى ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)(٢) ، والحنيذ الذي يشوى في الحفرة ، وقد انتهى خبزه ونضاجته ، فوضع إبراهيم العجل على الخوان ، ووضع الخبز من حوله ، وقدّمه إليهم ، ووقفت سارة عليهم تخدمهم ، وإبراهيم يأكل ولا ينظر إليهم ، فلما رأت سارة ذلك منهم ، قالت : يا إبراهيم ، إن أضيافك هؤلاء لا يأكلون شيئا. فقال لهم إبراهيم عليه‌السلام : ألا تأكلون؟ وداخله الخوف من ذلك ، وذلك معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ)(٣) ، أي أضمر منهم خوفا.

ثم قال إبراهيم عليه‌السلام : لو علمت أنكم ما تأكلون ما قطعنا العجل عن البقرة. فمدّ جبرئيل يده نحو العجل ، وقال : قم بإذن الله تعالى. فقام وأقبل نحو البقرة حتى التقم ضرعها ، فعند ذلك اشتدّ خوف إبراهيم عليه‌السلام ، وقال : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ

__________________

(١) الذاريات : ٢٤ و ٢٥.

(٢) هود : ٦٩.

(٣) هود : ٧٠.

٣٦٨

الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)(١) ـ قال ـ وكانت سارة قائمة فلمّا سمعت ، قالت : أوه (٢). وهي الصّرّة التي قال الله تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ)(٣) يعني ضربت وجهها (فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)(٤) أي كبيرة لم تلد (قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)(٥) الموجود ذو الشرف والمجد والكرم ، وفي آية أخرى : (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ)(٦) تخدمهم (فَضَحِكَتْ)(٧) أي حاضت (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٨).

فإسحاق قد مضى عليه ثمانون سنة فكفّ بصره ، وكان ملازما لمسجده ، فبينما هو ذات يوم جالس إلى جانب امرأته إذ راودها ، فضحكت حتى بدت نواجذها ، فقالت زوجته ، واسمها رباب بنت لوط عليه‌السلام ، ويل قدرة : يا إسحاق. فقال : نعم ، إن شاء الله ، فواقعها ، فحملت بولدين ذكرين ، وأخبرته بحملها ، فقال لها إسحاق : لا تعجبي من ذلك ، لأني رأيت في أوّل عمري في المنام ذات ليلة كأنه خرجت من ظهري شجرة عظيمة

__________________

(١) الحجر : ٥٢ ـ ٥٦.

(٢) أوه : كلمة معناها التحزّن. «لسان العرب ـ أوه ـ ج ١٣ ، ص ٤٧٢».

(٣) الذاريات : ٢٩.

(٤) نفس المصدر.

(٥) هود : ٧٢ و ٧٣.

(٦) هود : ٧٠ و ٧١.

(٧) هود : ٧١.

(٨) نفس المصدر.

٣٦٩

خضراء لها أغصان وفروع ، كل واحد منها على لون ، فقيل لي في المنام : هذه الأغصان أولادك الأنبياء على قدر أنوارهم ، فانتبهت فزعا مرعوبا ، فهذا تأويل رؤياي. فقالت زوجته : يا نبيّ الله ورسوله ، إنهما اثنان ، لأنهما يتضاربان في بطني كالمتخاصمين. فقال إسحاق : يكون خيرا إن شاء الله تعالى. فلمّا تمّت مدّة الحمل وضعتهما وأحدهما بعقب صاحبه ، متعلّق بعقبه ، فسمّي : يعقوب ، لأنه بعقب أخيه ، والآخر اسمه عيص ، لأنّه أخّر أخاه ، وتقدم عليه».

وقيل : إنّ سارة قد مضى من عمرها تسع وتسعون سنة ، وإبراهيم ثماني وتسعون ، وحملت سارة بإسحاق في الليلة التي خسف الله فيها قوم لوط ، فلما تمّت أشهرها وضعته في ليلة الجمعة يوم عاشوراء ، وله نور شعشعانيّ ، فلمّا سقط من بطن أمّه خرّ لله ساجدا ، ثم استوى قاعدا ، ورفع يديه إلى السّماء بالثناء لله تعالى والتوحيد.

قال : «فأخذت تردّد قولها : عجوز عقيم ؛ وهي لا تدري أن هؤلاء ملائكة ، فرفع جبرئيل عليه‌السلام طرفه إليها ، وقال لها : يا سارة ، كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم. فلما فرغوا من ذلك ، قال لهم إبراهيم : (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ)(١) ، يعني ما بالكم بعد هذه البشارة؟ (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) يعنون قوم لوط (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ)(٢)». قال قتادة : كانت حجارة مخلوطة بالطين ، مطبوخة في نار جهنّم (مُسَوَّمَةً)(٣) يعني معلّمة ، وقيل : إنه كان مكتوبا على كلّ حجر اسم صاحبه من المسرفين من قوم لوط في معاصيهم.

__________________

(١) الذاريات : ٣١.

(٢) الذاريات : ٣٢ و ٣٣.

(٣) الذاريات : ٣٤.

٣٧٠

قال : «فعاد جبرئيل إلى صورته حتى عرفه إبراهيم عليه‌السلام ، فأخبره : أنّ هذا أخي ميكائيل ، وهذان إسرافيل ودردائيل. فاغتمّ إبراهيم عليه‌السلام شفقة على ابن أخيه لوط وأهله ، وذلك معنى قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام : (إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) ، يعني من الباقين في العذاب. ثمّ سألهم عن عدد المؤمنين في هذه المدائن ، قال له جبرئيل : ما فيها إلّا لوط ، وابنتاه. فذلك معنى قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(١).

قال الله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ)(٢) ، أي الخوف (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى)(٣) يعني بإسحاق (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(٤) يعني ما جرى بينه وبين جبرئيل ، يقول الله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)(٥) يعني هو مؤمن في الدعاء مقبل على عبادة ربّه ـ قال ـ فعند ذلك قال لإبراهيم : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ)(٦) يعني عذابه (وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)(٧) أي غير مصروف ـ قال ـ فعند ذلك قال إبراهيم عليه‌السلام : يا ملائكة ربّي ورسله ، امضوا حيث تؤمرون».

قال : «فاستوت الملائكة على خيلهم ، وقاربت مدائن لوط وقت المساء ، فرأتهم رباب بنت لوط زوجة إسحاق عليه‌السلام ، وهي الكبرى ، وكانت تستقي الماء ، فنظرت إليهم وإذا هم قوم عليهم جمال وهيئة حسنة ، فتقدّمت إليهم ، وقالت لهم : ما لكم تدخلون على قوم فاسقين! ليس فيهم من يضيّفكم إلّا ذلك الشيخ ، وإنّه ليقاسي من القوم أمرا عظيما ـ قال ـ وعدلت الملائكة

__________________

(١) الذاريات : ٣٥ و ٣٦.

(٢) هود : ٧٤.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

(٥) هود : ٧٥.

(٦) هود : ٧٦.

(٧) نفس المصدر.

٣٧١

إلى لوط ، وقد فرغ من حرثه ، فلمّا رآهم لوط اغتمّ لهم ، وفزع عليهم من قومه ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ)(١) ، يعني شديد شرّه. وقال في آية أخرى : (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ)(٢) ، أنكرهم لوط كما أنكرهم إبراهيم عليه‌السلام ، فقال لهم لوط عليه‌السلام : من أين أقبلتم؟ قال له جبرئيل عليه‌السلام ، ولم يعرفه : من موضع بعيد ، وقد حللنا بساحتك ، فهل لك أن تضيّفنا في هذه الليلة ، وعند ربّك الأجر والثواب؟ قال : نعم ، ولكن أخاف عليكم من هؤلاء القوم الفاسقين عليهم لعنة الله.

فقال جبرئيل لإسرافيل عليه‌السلام : هذه واحدة. وقد كان الله تعالى أمرهم أن لا يدمّروهم إلا بعد أربع شهادات تحصل من لوط بفسقهم ، ولعنته عليهم ، ثمّ أقبلوا عليه ، وقالوا : يا لوط ، قد أقبل علينا الليل ، ونحن أضيافك ، فاعمل على حسب ذلك. فقال لهم لوط : قد أخبرتكم أن قومي يفسقون ، ويأتون الذكور شهوة ويتركون النساء ، عليهم لعنة الله. فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه ثانية. ثم قال لهم لوط : انزلوا عن دوابكم ، واجلسوا ها هنا حتى يشتدّ الظلام ، ثم تدخلون ولا يشعر بكم منهم أحد ، فإنهم قوم سوء فاسقين ، عليهم لعنة الله. فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه الثالثة.

ثم مضى لوط ـ بعد أن أسدل الظلام ـ بين أيديهم إلى منزله ، والملائكة خلفه ، حتى دخلوا منزله ، فأغلق عليهم الباب ، ثم دعا بامرأته ، يقال لها (قواب) وقال لها : يا هذه ، إنك عصيت مدة أربعين سنة ، وهؤلاء أضيافي قد ملؤوا قلبي خوفا ، اكفيني أمرهم هذه الليلة حتى أغفر لك ما مضى. قالت : نعم. قال الله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ

__________________

(١) هود : ٧٧.

(٢) الحجر : ٦١ ، ٦٢.

٣٧٢

كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما)(١) ، ولم تكن خيانتهما في الفراش ، لأن الله تعالى لا يبتلي أنبياءه بذلك ولكن خيانة امرأة نوح عليه‌السلام أنها كانت تقول لقومه : لا تضربوه لأنّه مجنون ؛ وكان ملك قومه رجلا جبارا قويا عاتيا ، يقال له : درقيل بن عويل بن لامك بن جنح بن قابيل ، وهو أول من شرب الخمر ، وقعد على الأسرّة ، وأول من أمر بصنعة الحديد والرّصاص والنّحاس ، وأوّل من اتخذ الثياب المنسوجة بالذّهب ، وكان يعبد هو وقومه الأصنام الخمس : ودّا ، وسواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا ، وهي أصنام قوم إدريس عليه‌السلام ، ثمّ اتّخذوا في كثرة الأصنام حتى صار لهم ألف وتسع مائة صنم على كراسيّ الذهب ، وأسرة من الفضة مفروشة بأنواع الفرش الفاخرة ، متوّجين الأصنام بتيجان مرصّعة بالجواهر واللآلىء واليواقيت ، ولهذه الأصنام خدم يخدمونها تعظيما لها.

وخيانة امرأة لوط أنها كانت إذا رأت ضيفا نهارا أدخنت ، وإذا أنزل ليلا أوقدت ، فعلم القوم أن هناك ضيوفا ، فلما كان في تلك الليلة ، خرجت وبيدها سراج كأنها تريد أن تشعله ، وطافت على جماعة من قومها وأهلها وأخبرتهم بجمال القوم وبحسنهم ـ قال ـ فعلم لوط بذلك ، فأغلق الباب وأوثقه ، وأقبل الفسّاق يهرعون من كلّ جانب ومكان ، وينادون ، حتى وقفوا على باب لوط ، ففزّعوه ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ)(٢) ، أي يسرعون إليه (وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ)(٣) ، قبال ـ فناداهم لوط عليه‌السلام ، وقال : (يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) يعني بالزواج والنكاح إن آمنتم (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي)(٤) ، يعني لا تفضحوني في

__________________

(١) التحريم : ١٠.

(٢) هود : ٧٨.

(٣) هود : ٧٨.

(٤) هود : ٧٨.

٣٧٣

ضيافتي (أَلَيْسَ مِنْكُمْ)(١) يا قوم (رَجُلٌ رَشِيدٌ)(٢) أي حليم ، يأمركم بالمعروف ، وينهاكم عن المنكر؟ فقالوا له : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ)(٣) ، أي من حاجة ، ولا شهوة لنا فيهنّ (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ)(٤) ، يعني عملهم الخبيث ، وهو إتيان الذكور.

ثمّ كسروا الباب ودخلوا ، فقالوا : يا لوط (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ)(٥)؟ ، يعني عن الناس أجمعين ـ قال ـ فوقف لوط على الباب دون أضيافه ، وقال : والله لا أسلم أضيافي إليكم وفيّ عرق يضرب دون أن تذهب نفسي ، أو لا أقدر على شيء ، وذلك معنى قوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ)(٦) ، فتقدّم بعضهم إليه ، فلطم وجهه ، وأخذ بلحيته ، ودفعه عن الباب ، فعند ذلك قال لوط : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) ـ قال ـ فرفع لوط عليه‌السلام رأسه إلى السّماء ، وقال : إلهي خذ لي من قومي حقّي ، والعنهم لعنا كثيرا ، فقال جبرئيل لإسرافيل : هذه الرابعة.

ثم قال جبرئيل : (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ)(٧) فأبشر ، ولا تحزن علينا. فهجم القوم عليه ، وهم يقولون : (أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) ، أي لا تؤوي ضيفا ، فرأوا جمال القوم وحسن وجوههم ، فبادروا نحوهم ، فطمس الله على أعينهم ، وإذا هم عمي لا يبصرون ، وصارت وجوههم كالقار ، وهم يدورون ووجوههم تضرب الحيطان ، فذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ)(٨) ـ قال ـ وإذا نفر آخرون قد لحقوا بهم ، ونادوهم : إن كنتم قضيتم شهوتكم منهم ، فاخرجوا حتى ندخل

__________________

(١) هود : ٧٨.

(٢) هود : ٧٨.

(٣) هود : ٧٩.

(٤) هود : ٧٩.

(٥) الحجر : ٧٠.

(٦) هود : ٨٠.

(٧) هود : ٨١.

(٨) القمر : ٣٧.

٣٧٤

ونقضي شهوتنا منهم. فصاحوا : يا قوم ، إنّ لوطا أتى بقوم سحرة ، لقد سحروا أعيننا ، فادخلوا إلينا وخذوا بأيدينا. فدخلوا وأخرجوهم. وقالوا : يا لوط ، إذا أصبح الصّبح نأتيك ونريك ما تحب ؛ فسكت عنهم لوط حتى خرجوا.

ثم قال لوط عليه‌السلام للملائكة : بماذا أرسلتم؟ فأخبروه بهلاك قومه ، فقال : متى ذلك؟ فقال جبرئيل عليه‌السلام : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)(١). فقال جبرئيل عليه‌السلام : اخرج الآن ـ يا لوط ـ (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ)(٢) ، يعني في آخر الليل (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)(٣) قواب (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ)(٤) من العذاب».

قال : «فجمع لوط عليه‌السلام بناته وأهله ومواشيه وأمتعته ، فأخرجهم جبرئيل عليه‌السلام من المدينة ، ثمّ قال جبرئيل عليه‌السلام : يا لوط قد قضى ربك أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين. فقالت له امرأته : إلى أين تخرج ـ يا لوط ـ من دورك؟ فأخبرها أن هؤلاء رسل ربّي ، جاءوا لهلاك المدن. فقالت : يا لوط ، وما لربّك من القدرة حتى يقدر على هلاك هؤلاء المدائن السّبع؟! فما استتمّت كلامها حتى أتاها حجر من حجارة السجّيل ، فوقع على رأسها فأهلكها ، وقيل : إنّها بقيت ممسوخة حجرا أسود عشرين سنة ، ثم خسف بها في بطن الأرض».

قال : «وخرج لوط عليه‌السلام من تلك المدائن وإذا بجبرئيل الأمين قد بسط جناح الغضب ، وإسرافيل قد جمع أطراف المدائن ، ودردائيل قد جعل جناحه تحت تخوم الأرض السابعة ، وعزرائيل قد تهيّأ لقبض أرواحهم في حراب

__________________

(١) هود : ٨١.

(٢) هود : ٨١.

(٣) هود : ٨١.

(٤) هود : ٨١.

٣٧٥

النيران ، حتى إذا برز عمود الصّبح ، صاح جبرئيل الأمين بأعلى صوته : يا بئس صباح قوم كافرين. وصاح ميكائيل من الجانب الثاني : يا بئس صباح قوم فاسقين. وصاح إسرافيل من الجانب الثالث : يا بئس صباح قوم مجرمين. وصاح دردائيل : يا بئس صباح قوم ضالّين. وصاح عزرائيل بأعلى صوته : يا بئس صباح قوم غافلين».

قال : «فقلع جبرئيل الأمين ـ طاوس الملائكة المطوّق بالنور ، ذو القوّة ـ تلك المدائن السّبع عن آخرها ، من تحت تخوم الأرض السابعة السفلى بجناح الغضب ، حتى بلغ الماء الأسود ، ثم رفعها بجبالها ، ووديانها ، وأشجارها ، ودورها ، وغرفها ، وأنهارها ، ومزارعها ، ومراعيها ، حتى انتهى بها إلى البحر الأخضر الذي في الهواء ، حتى سمع أهل السماء صياح صبيانهم ، ونبيح كلابهم ، وصقيع (١) الديكة ، فقالوا : من هؤلاء المغضوب عليهم؟ فقيل : هؤلاء قوم لوط عليه‌السلام. ولم تزل كذلك على جناح جبرئيل ، وهي ترتعد كأنّها سعفة في ريح عاصف ، تنتظر متى يؤمر بهم ، فنودي : در القرى بعضها على بعض. فقلبها جبرئيل الأمين ، وجعل عاليها سافلها ، فذلك معنى قوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى فَغَشَّاها ما غَشَّى)(٢) ، يعني من رمي الملائكة لهم بالحجارة من فوقهم.

قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا)(٣) يعني عذابنا (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ)(٤) يعني متتابع بعضه على بعض ، وكل حجر عليه اسم صاحبه ـ قال ـ فاستيقظ القوم وإذا هم بالأرض تهوي

__________________

(١) صقيع الدّيك : صوته. «لسان العرب ـ صقع ـ ج ٨ ، ص ٢٠٣».

(٢) النجم : ٥٣ و ٥٤.

(٣) هود : ٨٢.

(٤) هود : ٨٢.

٣٧٦

بهم من الهواء ، والنيران من تحتهم ، والملائكة تقذفهم بالحجارة وهي مطبوخة بنار جهنّم ، وهي عليهم كالمطر ، فساء صباح المنذرين».

وروي أن كل واحد كان غائبا عن هذه المدائن ، ممّن كان على مثل حالهم في دينهم وفعلهم أتاه الحجر ، فانقضّ على رأسه حتى قتله.

وكان النبيّ محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إني لأسمع صوت القواصف من الريح ، والرعود ، وأحسب أنّها الحجارة التي وعد الله بها الظلمة ، كما قال الله تعالى : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(١) ، وقوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ)(٢) ، يعني بالحجارة (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)(٣) يعني الخسف».

قال كعب : وجعل يخرج من تلك المدائن دخان أسود نتن لا يقدر أحد أن يشمّه لنتن رائحته ، وبقيت آثار المدائن والقوم يعتبر بها كلّ من يراها ، فذلك معنى قوله تعالى : (وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

قال : «ومضى لوط عليه‌السلام إلى عمّه إبراهيم عليه‌السلام ، فأخبره بما نزل بقومه ، فذلك معنى قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ)(٤)» (٥).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٣٦) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ

__________________

(١) هود : ٨٣.

(٢) الأنعام : ٦٥.

(٣) الأنعام : ٦٥.

(٤) الأنبياء : ٧٤.

(٥) تحفة الأخوان : ص ٤٨.

٣٧٧

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (٣٨) [سورة العنكبوت : ٣٦ ـ ٣٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال : (وَإِلى مَدْيَنَ) أي : وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) وهذا مفسر فيما مضى (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) بدأ بالدعاء إلى التوحيد والعبادة (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي : وأملوا ثواب اليوم الآخر ، واخشوا عقابه بفعل الطاعات ، وتجنب السيئات (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي : لا تسعوا في الأرض بالفساد. ثم أخبر أن قومه كذبوه ، ولم يقبلوا منه فعاقبهم الله ، وذلك قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وقد مر بيانه. (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي : باركين على ركبهم ميتين (وَعاداً وَثَمُودَ) أي : وأهلكنا أيضا عادا وثمودا ، جزاء لهم على كفرهم (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) معاشر الناس كثير (مِنْ مَساكِنِهِمْ) وقيل : معناه ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجر واليمن ، آية في هلاكهم.

(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي : فمنعهم عن طريق الحق (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي : وكانوا عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر ، ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا. وقيل : معناه أنهم كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة ، يحسبون أنهم على هدى ، ... (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (٣٩) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٥ ـ ٢٦.

٣٧٨

حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠) مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤٢) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ) (٤٣) [سورة العنكبوت : ٣٩ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ) : فهذا ردّ على المجبرة الذين زعموا أن الأفعال لله عزوجل ولا صنع لهم فيها ولا اكتساب ، فردّ الله عليهم ، فقال : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) ، ولم يقل بفعلنا به ، لأن الله عزوجل أعدل من أن يعذّب العبد على فعله الذي يجبره عليه. فقال الله : (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) ، وهم قوم لوط (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) ، وهم قوم شعيب وصالح (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) ، وهم قوم هود (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) ، وهم فرعون وأصحابه.

ثم قال : قال الله عزوجل تأكيدا وردّا على المجبرة : (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ، ثم ضرب الله مثلا فيمن اتّخذ من دون الله أولياء ، فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) ، وهو الذي نسجته العنكبوت على باب الغار الذي دخله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو أوهن البيوت ـ قال ـ فكذلك من اتّخذ من دون الله أولياء.

ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هي الحميراء» (١) ـ.

ثم قال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) ، يعني

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٠ ، ح ٧.

٣٧٩

آل محمد عليهم‌السلام (١). وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) : «نحن هم» (٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)(٤٤) [سورة العنكبوت : ٤٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم بين سبحانه ما يدل على إلهيته واستحقاقه العبادة فقال : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : أخرجهما من العدم إلى الوجود ، ولم يخلقهما عبثا ، بل خلقهما ليسكنهما خلقه ، وليستدلوا بهما على إثباته وحدانيته. (بِالْحَقِ) أي : على وجه الحكمة. وقيل : معناه للحق ، وإظهار الحق. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) لأنهم المنتفعون بذلك (٣).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥) وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (٤٦) [سورة العنكبوت : ٤٥ ـ ٤٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : ثم خاطب الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥٠.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٠ ، ح ٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٢٨.

٣٨٠