التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

وَالْمُنْكَرِ) قال : من لم تنهه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا (١).

وقال الطّبرسي : روى أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من أحبّ أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل ، فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه» (٢).

وقال سعد الخفّاف ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : يا أبا جعفر ، هل يتكلّم القرآن؟ فتبسّم ، ثمّ قال : «رحم الله الضعفاء من شيعتنا ، إنهم أهل تسليم». ثم قال : «نعم يا سعد ، والصلاة تتكلّم ، ولها صورة وخلق ، تأمر وتنهى».

قال سعد : فتغيّر لذلك لوني ، وقلت : هذا شيء لا أستطيع أن أتكلّم به في الناس. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وهل الناس إلا شيعتنا ، فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقّنا». ثم قال : «يا سعد ، أسمعك كلام القرآن؟». قلت : بلى ، (صلّى الله عليك). قال : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) ، فالنهي كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ، ونحن أكبر» (٣).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ولذكر الله أكبر عند ما أحلّ وحرّم» (٤).

٣ ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) ، يقول : «ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه ، ألا ترى أنه يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)(٥)؟».

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٤٧.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٣٧ ، ح ١.

(٤) البحار : ص ٨٢ ، ح ٢٠٠ ، وأخرجه في نور الثقلين : ج ٤ ، ص ١٦٢ ، ح ٦١ عن مجمع البيان.

(٥) البقرة : ١٥٢.

٣٨١

قوله : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، قال : اليهود والنصارى (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، قال : بالقرآن (١).

وقال الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام : «قال الصادق عليه‌السلام ، وقد ذكر عنده الجدال في الدين ، وأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام قد نهوا عنه ، فقال الصادق عليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا ، لكنّه نهي عن الجدال بغير التي هي أحسن ، أما تسمعون الله عزوجل يقول : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ)(٢)؟.

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدّين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم ، حرّمه الله تعالى على شيعتنا ؛ وكيف يحرّم الله الجدال جملة ، وهو يقول : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى)(٣) وقال تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٤)؟ فجعل الله علم الصدق والإيمان بالبرهان ، وهل يكون البرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟

فقيل : يا بن رسول الله ، فما الجدال بالتي هي أحسن ، والتي ليست بأحسن؟ قال : أمّا الجدال بغير التي هي أحسن ، بأن تجادل مبطلا ، فيورد عليك باطلا ، فلا تردّه بحجة قد نصبها الله ، ولكن تجحد قوله ، أو تجحد حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحق مخافة أن يكون له عليك حجّة ، لأنك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أن يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم ، وعلى المبطلين : أما المبطلون فيجعلون

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥٠.

(٢) النحل : ١٢٥.

(٣) البقرة : ١١١.

(٤) البقرة : ١١١.

٣٨٢

ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته ، وضعف ما في يده ، حجّة له على باطله ، وأمّا الضعفاء منكم فتغمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل.

وأمّا الجدال بالتي هي أحسن ، فهو ما أمر الله تعالى به نبيّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت ، وإحياءه له ، فقال الله تعالى حاكيا عنه : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)(١)؟ فقال الله في الردّ عليه : (قُلْ)(٢) يا محمد (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ)(٣) إلى آخر السورة.

فأراد الله من نبيّه أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث الله هذه العظام وهي رميم؟ فقال الله تعالى : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى؟ بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته.

ثم قال : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) ، أي إذا كان قد أكمن النار الحارّة في الشجر الأخضر الرّطب ، يستخرجها ، فعرّفكم أنه على إعادة ما يبلى أقدر ، ثم قال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ)(٤) ، أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أوهامكم وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ، ولم تجوّزوا ما هو أسهل عندكم من إعادة البالي؟

__________________

(١) يس : ٧٨.

(٢) يس : ٧٩.

(٣) يس : ٧٩ و ٨٠.

(٤) يس : ٨١.

٣٨٣

فقال الصادق عليه‌السلام : فهذا الجدال بالتي هي أحسن ، لأن فيه انقطاع عرى الكافرين ، وإزالة شبههم ، وأما الجدال بغير التي هي أحسن ، فأن تجحد حقا لا يمكنك أن تفرّق بينه وبين باطل من تجادله ، وإنّما تدفعه عن باطله بأن تجحد الحق ، فهذا هو المحرّم ، لأنك مثله ، جحد هو حقّا ، وجحدت أنت حقّا آخر» (١).

٤ ـ قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) ، في قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) ـ بعدما ذكر أقوالا عدة ـ : والأولى أن يكون معناه : إلا الذين ظلموك في جدالهم ، أو في غيره مما يقتضي الإغلاظ لهم ، فيجوز أن يسلكوا معهم طريقة الغلظة ...

(وَقُولُوا) لهم ، في المجادلة ، وفي الدعوة إلى الدين (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) أي : بالكتاب الذي أنزل إلينا ، وبالكتاب الذي أنزل إليك (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) لا شريك له (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي : مخلصون طائعون (٢).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ) (٤٧) [سورة العنكبوت : ٤٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) ، قال : «هم آل محمد عليهم‌السلام (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) ، يعني أهل الإيمان من أهل القبلة» (٣).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٥٢٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٢.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣١ ، ح ٩.

٣٨٤

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٤٨) [سورة العنكبوت : ٤٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) ، وهو معطوف على قوله في سورة الفرقان : (اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(١) ، فردّ الله عليهم ، فقال : كيف يدّعون أن الذي تقرأه وتخبر به تكتبه عن غيرك ، وأنت (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) أي شكّوا (٢).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ) (٤٩) [سورة العنكبوت : ٤٩]؟!

الجواب / قال هارون بن حمزة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قال : «هم الأئمّة عليهم‌السلام خاصّة ، وما يعقلها إلا العالمون ، فزعم أنّ من عرف الإمام والآيات يعقل ذلك» (٣).

وقال علي بن أسباط : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عزوجل : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، قال : «نحن هم».

فقال الرجل : جعلت فداك ، حتى ـ وقيل متى ـ يقوم القائم عليه‌السلام؟ قال : «كلّنا قائم بأمر الله عزوجل واحد بعد واحد حتى يجيء صاحب السيف ، فإذا جاء صاحب السيف جاء أمر غير هذا» (٤).

__________________

(١) الفرقان : ٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥٠.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٢ ، ح ١١.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٢ ، ح ١٣.

٣٨٥

وقال علي بن إبراهيم القمي : في قوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) ، يعني يجحد بأمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام (إِلَّا الظَّالِمُونَ)(١).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥٢) [سورة العنكبوت : ٥٠ ـ ٥٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) :

١ ـ (وَقالُوا) : يعني كفار مكة. (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ) أراد به الآيات التي اقترحوها في قوله : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) الآيات. وأن يجعل الصفا ذهبا. وقيل : إنهم سألوا آية كآية موسى عليه‌السلام من فلق البحر ، وقلب العصا حية ، وجعلوا ما أتى به من المعجزات والآيات غير آية وحجة ، إلقاء للشبهة بين العوام ، فقال الله تعالى : (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ينزلها ويظهرها بحسب ما يعلم من مصالح عباده ، ينزل على كل نبي منها ما هو أصلح له ولأمته ، ولذلك لم تتفق آيات الأنبياء كلها ، وإنما جاء كل نبي بفن منها. (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : منذر مخوف من معصية الله ، مظهر طريق الحق والباطل. وقد فعل الله سبحانه ما يشهد بصدقي من المعجزات (٢).

٢ ـ قال : لما تقدم طلبهم للآيات أجابهم سبحانه فقال : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥١.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٣ و ٣٤.

٣٨٦

أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) أي : القرآن (يُتْلى عَلَيْهِمْ) بين سبحانه أن في إنزال القرآن دلالة واضحة ، ومعجزة لائحة ، وحجة بالغة ، تنزاح معه العلة ، وتقوم به الحجة ، فلا يحتاج في الوصول إلى العلم بصحة نبوته إلى غيره. على أن إظهار المعجزات ، مع كونها إزاحة للعلة ، تراعى فيه المصلحة. فإذا كانت المصلحة في إظهار نوع منها ، لم يجز إظهار غيرها ، ولو أظهر الله سبحانه الآيات التي اقترحوها ، ثم لم يؤمنوا ، لاقتضت الحكمة إهلاكهم بعذاب الاستئصال ، كما اقتضت ذلك في الأمم السالفة. وقد وعد الله سبحانه أن لا يعذب هذه الأمة بعذاب الاستئصال. وفي هذا دلالة على أن القرآن كافي المعجز ، وأنه في أعلى درجات الإعجاز ، لأنه جعله كافيا عن جميع المعجزات ، والكفاية : بلوغ حد ينافي الحاجة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) معناه إن في القرآن (لَرَحْمَةً) أي : نعمة عظيمة الموقع ، لأن من تبعه ، وعمل به ، نال الثواب ، وفاز بالجنة (وَذِكْرى) أي : وتذكير ، أو موعظة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي : يصدقون به. وقيل : إن قوما من المسلمين كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب ، فهددهم سبحانه في هذه الآية ، ونهاهم عنه. وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جئتكم بها بيضاء نقية» (١).

٣ ـ قال : ثم قال سبحانه : (قُلْ) يا محمد (كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) لي بالصدق والإبلاغ ، وعليكم بالتكذيب والعناد. وشهادة الله له قوله (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) وهو في كلام معجز قد ثبت أنه من الله سبحانه. وقيل : إن شهادة الله له إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه.

(يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيعلم أني على الهدى. وأنكم على الضلالة. (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) أي : صدقوا بغير الله ... وقيل : بعبادة

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٣ و ٣٤.

٣٨٧

الشيطان .. (وَكَفَرُوا بِاللهِ) أي : جحدوا وحدانية الله (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا ثواب الله بارتكاب المعاصي ، والجحود بالله (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٣) [سورة العنكبوت : ٥٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وقال عزوجل : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمد (بِالْعَذابِ) يعني قريشا ، فقال الله تعالى : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(٢).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٥) [سورة العنكبوت : ٥٤ ـ ٥٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) يعني : إن العذاب ، وإن لم يأتهم في الدنيا ، فإن جهنم محيطة بهم أي : جامعة لهم ، وهم معذبون فيها لا محالة. (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) يعني : أن العذاب يحيط بهم ، لا أنه يصل إلى موضع منهم دون موضع ، فلا يبقى جزء منهم إلا وهو معذب في النار ... وهذا كقوله : (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ. وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : جزاء أعمالكم وأفعالكم القبيحة (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٣ و ٣٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥١.

(٣) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٥ ـ ٣٦.

٣٨٨

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٥٧) [سورة العنكبوت : ٥٦ ـ ٥٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) يقول : «لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك ، فإن خفتموهم أن يفتنوكم عن دينكم ، فإنّ أرضي واسعة ، وهو يقول : (فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)(١). فقال : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها)(٢) ، ثمّ قال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ، فاصبروا على طاعة الله فإنكم إليه ترجعون» (٣).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٠) [سورة العنكبوت : ٥٨ ـ ٦٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم ذكر سبحانه ثواب من هاجر فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني المهاجرين (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) أي : لننزلنهم (مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) أي : علالي عاليات (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قال ابن عباس : لنسكننهم غرف الدر ، والزبرجد ، والياقوت ، ولننزلنهم قصور الجنة.

(خالِدِينَ فِيها) يبقون فيها ببقاء الله (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) لله تلك

__________________

(١) النساء : ٩٧.

(٢) النساء : ٩٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥١.

٣٨٩

الغرف. ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ صَبَرُوا) على دينهم فلم يتركوه لشدة نالتهم ، وأذى لحقهم ، وصبروا على مشاق الطاعات (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في مهمات أمورهم ، ومهاجرة دورهم.

ثم قال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) أي : وكم من دابة لا يكون رزقها مدخرا معدا ، ... وقيل : معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها ، وتأكل بأفواهها ... وقيل : إن الحيوان أجمع من البهائم والطيور وغيرهما مما يدب على وجه الأرض ، لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم ، والنملة ، والفارة ، بل تأكل منه قدر كفايتها فقط ... (اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ) أي : يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها ، ويرزقكم أيضا ، فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب. وعن عطا عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار ، فجعل يلتقط من التمر ويأكل. فقال : يا ابن عمر! مالك لا تأكل؟ فقلت : لا أشتهيه يا رسول الله. قال : «لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يابن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين». فو الله ما برحنا حتى نزلت هذه الآية : (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ. وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي : السميع لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم ، العليم بأحوالكم ، لا يخفى عليه شيء من سركم وإعلانكم (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٣٨.

٣٩٠

عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٦٨) [سورة العنكبوت : ٦١ ـ ٦٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم عجب سبحانه ورسوله والمؤمنون من إيمان المشركين بالباطل مع اعترافهم بأن الله هو الخالق الفاعل ، فقال : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي : إن سألت يا محمد هؤلاء المشركين (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : من أنشأهما وأخرجهما من العدم إلى الوجود.

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي : من ذللهما وسيرهما في دورانهما على طريقة واحدة لا تختلف. (لَيَقُولُنَ) في جواب ذلك (اللهُ) الفاعل لذلك ، لأنهم كانوا يقولون بحدوث العالم ، والنشأة الأولى. (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : فكيف يصرفون عن عبادته إلى عبادة حجر لا ينفع ، ولا يضر.

(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي : يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي : ويضيق ذلك على قدر ما تقتضيه المصلحة. وإنما خص بذكر الرزق على الهجرة ، لئلا يخلفهم عنها خوف العيلة (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) يعلم مصالح عباده فيرزقهم بحسبها (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَ) في الجواب عن ذلك (اللهُ قُلِ) يا محمد عند ذلك (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على كمال قدرته ، وتمام نعمته ، وعلى ما وفقنا

٣٩١

للاعتراف بتوحيده ، والإخلاص في عبادته. ثم قال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) توحيد ربهم مع إقرارهم بأنه خالق الأشياء ، ومنزل المطر من السماء ، لأنهم لا يتدبرون ، وعن الطريق المفضي إلى الحق يعدلون ، فكأنهم لا يعقلون. (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) لأنها تزول كما يزول اللهو واللعب ، ويستمتع بها الإنسان مدة ، ثم تنصرم وتنقطع.

(وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) يعني الجنة (لَهِيَ الْحَيَوانُ) أي : الحياة على الحقيقة ، لأنها الدائمة الباقية التي لا زوال لها ، ولا موت فيها ، وتقديره : وإن الدار الآخرة لهي دار الحيوان ، أو ذات الحيوان ، لأن الحيوان مصدر كالنزوان والغليان ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه. والمعنى : إن حياة الدار الآخرة هي الحياة التي لا تنغيص فيها ، ولا تكدير. (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) الفرق بين الحياة الفانية ، والحياة الباقية الدائمة أي : لو علموا لرغبوا في الباقي ، وزهدوا في الفاني ، ولكنهم لا يعلمون.

(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أخبر الله سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال : إنهم إذا ركبوا في السفن في البحر ، وهاجت به الرياح ، وتلاطمت به الأمواج ، وخافوا الهلاك. أخلصوا الدعاء لله مستيقنين أنه لا يكشف السوء إلا هو ، وتركوا شركاءهم فلم يطلبوا منهم إنجاءهم. (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أي : فلما خلصهم إلى البر ، وأمنوا الهلاك ، عادوا إلى ما كانوا عليه من الإشراك معه في العبادة (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) إن جعلت اللام للأمر فمعناه التهديد أي : ليجحدوا نعم الله في إنجائه إياهم ، وليتمتعوا بباقي عمرهم ، فسوف يعلمون عاقبة كفرهم. وإن جعلتها لام كي : فالمعنى أنهم يشركون ليكفروا ...

(أَوَلَمْ يَرَوْا) أي : ألم يعلم هؤلاء الكفار (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) يأمن أهله فيه من القتل والغارة (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) أي : يقتل بعضهم

٣٩٢

بعضا فيما حولهم ، وهم آمنون في الحرم. ذكرهم سبحانه النعمة بذلك ، ليذعنوا له بالطاعة ، وينزجروا عن عبادة غيرهم. ثم قال مهددا لهم : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أي : يصدقون بعبادة الأصنام ، وهي باطلة مضمحلة (وَبِنِعْمَةِ اللهِ) التي أنعم بها عليهم (يَكْفُرُونَ).

ثم قال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي : لا ظالم أظلم ممن أضاف إلى الله ما لم يقله من عبادة الأصنام وغيرها ، (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) أي بالقرآن. وقيل بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) هذا استفهام تقرير أي : أما لهؤلاء الكفار المكذبين مثوى في جهنم. وهذا مبالغة في إنجاز الوعيد لهم (١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٦٩) [سورة العنكبوت : ٦٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) ، أي صبروا وجاهدوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) أي لنثبتنهم (٢) (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(٣).

ثم قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «هذه الآية (٤) لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأشياعهم» (٥).

وقال أبو جعفر محمد بن عليّ عليهم‌السلام : «خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة منصرفه من النهروان ، وبلغه أن معاوية يسبه ، ويعيبه ، ويقتل أصحابه ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٠ ـ ٤١.

(٢) في «ج ، ي» : لنثيبهم.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥١.

(٤) أي الآية (٦٩) من هذه السورة.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٥١.

٣٩٣

فقام خطيبا ـ وذكر الخطبة إلى أن قال فيها ـ : ألا وإنّي مخصوص في القرآن بأسماء ، احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم ، قال الله عزوجل : «إن الله مع الصادقين» (١) أنا ذلك الصّادق ، وأنا المؤذّن في الدنيا والآخرة ، قال الله عزوجل : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(٢) ، أنا ذلك المؤذّن ، وقال : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٣) ، فأنا ذلك الأذان من الله ورسوله ، وأنا المحسن ، يقول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) وأنا ذو القلب ، يقول الله عزوجل : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ)(٤) ، وأنا الذاكر ، يقول الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ)(٥).

ونحن أصحاب الأعراف : أنا وعمّي وأخي وابن عمّي ، والله فالق الحبّ والنوى ، لا يلج النار لنا محبّ ، ولا يدخل الجنة لنا مبغض ، يقول الله عزوجل : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ)(٦) ، وأنا الصّهر ، يقول الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً)(٧). وأنا الأذن الواعية ، يقول الله عزوجل : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ)(٨) ، وأنا السّلم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يقول الله عزوجل : (وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ)(٩). ومن ولدي مهديّ هذه الأمّة» (١٠). وعن محمد بن الحنفيّة ، عن أبيه علي عليه‌السلام ، قال : «يقول الله عزوجل : (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ، فأنا ذلك المحسن» (١١).

__________________

(١) لم ترد الآية بهذا الشكل في القرآن الكريم ، والذي في سورة التوبة : ١١٩ (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

(٢) الأعراف : ٤٤.

(٣) التوبة : ٣.

(٤) سورة ق : ٣٧.

(٥) آل عمران : ١٩١.

(٦) الأعراف : ٤٦.

(٧) الفرقان : ٥٤.

(٨) الحاقة : ١٢.

(٩) الزمر : ٢٩.

(١٠) معاني الأخبار : ص ٥٨ ، ح ٩.

(١١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٣ ، ح ١٥.

٣٩٤

تفسير

سورة الروم

رقم السورة ـ ٣٠ ـ

٣٩٥
٣٩٦

سورة الروم

* س ١ : ما هو فضل سورة الرّوم؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة العنكبوت والرّوم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين فهو ـ والله يا أبا محمّد ـ من أهل الجنّة ، لا أستثني فيه أبدا ، ولا أخاف أن يكتب عليّ في يميني إثم ، وإنّ لهاتين السورتين عند الله مكانا» (١).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «من قرأ هذه السورة كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ ملك يسبّح الله تعالى في السماء والأرض ، وأدرك ما ضيّع في يومه وليلته ، ومن كتبها وجعلها في منزل من أراد ، اعتلّ جميع من في الدار ، ولو دخل في الدار غريب اعتلّ أيضا مع أهل الدار» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ومن كتبها في قرطاس ، ومحاها بماء المطر ، وجعلها في ظرف مطيّن ، كلّ من شرب من ذلك الماء يصير مريضا ، وكلّ من غسل وجهه من ذلك الماء يظهر في عينه رمد ، كاد أن يصير أعمى (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣)

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٩.

(٢) البرهان : ج ٧ ، ص ٣٨٥.

(٣) نفس المصدر السابق.

٣٩٧

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦)) [سورة الروم : ١ ـ ٦]؟!

الجواب / ١ ـ (الم) تقدم تفسيرها في بداية سورة البقرة والعنكبوت.

٢ ـ قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن تفسير : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) ، قال : «هم بنو أميّة ، وإنما أنزلها الله عزوجل : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ) بنو أمية (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) عند قيام القائم عليه‌السلام» (١).

وقال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) ، قال : «في قبورهم بقيام القائم عليه‌السلام» (٢).

وقال محمد بن صالح الأرمني : قلت لأبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام : عرّفني عن قول الله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ). فقال عليه‌السلام : «لله الأمر من قبل أن يأمر ، ومن بعد أن يأمر بما يشاء».

فقلت في نفسي : هذا تأويل قول الله : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)(٣). فأقبل عليه‌السلام عليّ ، وقال : «هو كما أسررت في نفسك (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ). فقلت : أشهد أنّك حجّة الله ، وابن حجّته على عباده (٤).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٣٤ ، ح ٢.

(٢) دلائل الإمامة : ص ٢٤٨ ، ينابيع المودة : ص ٤٢٦.

(٣) الأعراف : ٥٤.

(٤) الثاقب في المناقب : ص ٥٦٤ ، ح ٥٠٢.

٣٩٨

وقال أبو عبيدة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ).

فقال : «يا أبا عبيدة ، إنّ لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله ، والراسخون في العلم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما هاجر إلى المدينة وأظهر الإسلام ، كتب إلى ملك الروم كتابا ، وبعث به مع رسول يدعوه إلى الإسلام ، وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام ، وبعثه إليه مع رسوله ، فأمّا ملك الروم فعظّم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأكرم رسوله ، وأما ملك فارس فإنه استخف بكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومزّقه ، واستخفّ برسوله.

وكان ملك فارس يومئذ يقاتل ملك الروم ، وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس ، وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس ، فلمّا غلب ملك فارس ملك الروم كره ذلك المسلمون واغتمّوا به ، فأنزل الله عزوجل بذلك كتابا قرآنا : (الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض ، وهي الشامات ومن حولها (وَهُمْ) يعني فارس (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) الروم (سَيَغْلِبُونَ) يعني يغلبهم المسلمون (فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) ، فلما غزا المسلمون فارس وافتتحوها فرح المسلمون بنصر الله عزوجل».

قال : قلت : أليس الله عزوجل يقول : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) ، وقد مضى للمؤمنين سنون كثيرة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي إمارة أبي بكر ، وإنما غلب المؤمنون فارس في إمارة عمر؟

فقال : «ألم أقل لكم أن لهذا تأويلا وتفسيرا ، والقرآن ـ يا أبا عبيدة ـ ناسخ ومنسوخ ، أما تسمع لقول الله عزوجل : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)؟ يعني إليه المشيئة في القول أن يؤخّر ما قدّم ، ويقدّم ما أخّر في القول

٣٩٩

إلى يوم يحتم القضاء بنزول النّصر فيه على المؤمنين ، فذلك قوله عزوجل : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) ، يوم يحتم القضاء بنصر الله» (١).

وقال الشيخ الطبرسيّ : (وَعْدَ اللهِ) أي : وعد الله ذلك (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) بظهور الروم على فارس. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) يعني كفار مكة (لا يَعْلَمُونَ) صحة ما أخبرناه لجهلهم بالله تعالى (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (٧) [سورة الروم : ٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي في قوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني ما يرونه حاضرا (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) ، قال : يرون حاضر الدنيا ، ويتغافلون عن الآخرة (٣). وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) فقال : منه الزجر والنجوم (٤).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠) اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(١١) [سورة الروم : ٨ ـ ١١]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : ثم حثّ سبحانه على التفكر والتدبر فيما يدل

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٩٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٤.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٤.

٤٠٠