التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

إليهما؟ قال : «كان موسى الذي يناجي ربّه ، ويكتب العلم ، ويقضي بين بني إسرائيل ، وهارون يخلفه إذا غاب عن قومه للمناجاة».

قلت : فأيّهما مات قبل صاحبه؟ قال : «مات هارون قبل موسى عليه‌السلام ، وماتا جميعا في التّيه».

قلت : فكان لموسى عليه‌السلام ولد؟ قال : «لا ، كان الولد لهارون ، والذرّيّة له» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) : «أشدّه ثماني عشر سنة ، واستوى : التحى» (٢).

وقال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وعنده الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ـ وذكر حديث عصمة الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد ذكرنا منه غير مرّة ـ فكان فيما سأل المأمون الرضا عليه‌السلام أن قال له : أخبرني عن قول الله عزوجل : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ).

قال الرضا عليه‌السلام : «إنّ موسى عليه‌السلام دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها ، وذلك بين المغرب والعشاء ، فوجد فيها رجلين يقتتلان : هذا من شيعته ، وهذا من عدوّه ، فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه.

ـ أقول : قال الطّبرسي : روى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : «ليهنئكم الاسم» قال : قلت : وما الاسم؟ قال : «الشيعة ، أما سمعت الله سبحانه يقول : (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)(٣) ـ.

فقضي موسى عليه‌السلام على العدوّ بحكم الله تعالى ، فوكزه فمات ، قال :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٥.

(٢) معاني الأخبار : ص ٢٢٦ ، ح ١.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٢٦ ، ح ١.

٣٠١

(هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) يعني الاقتتال الذي كان وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى عليه‌السلام من قتله ، إنه يعني الشيطان (عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ).

قال المأمون : فما معنى قول موسى عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)؟

قال : «يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة ، فاغفر لي ، أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، قال موسى عليه‌السلام : (رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من القوّة حتى قتلت رجلا بوكزة (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) بل أجاهد في سبيلك بهذه القوّة حتى ترضى. (فَأَصْبَحَ) موسى عليه‌السلام (فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) ، قال له موسى : إنّك لغويّ مبين ، قاتلت رجلا بالأمس ، وتقاتل هذا اليوم؟ لأؤذينّك (١) ، وأراد أن يبطش به ، فلمّا أراد أن يبطش بالذي هو عدوّ لهما ، وهو من شيعته ، قال : يا موسى : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ).

قال المأمون : جزاك الله عن أنبيائه خيرا ، يا أبا الحسن (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ

٣٠٢

وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) (٣٥) [سورة القصص : ٢٠ ـ ٣٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال محمد بن مسلم : قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في حديث

__________________

(١) في «ط» : لأؤدبنّك.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٩٥.

٣٠٣

طويل قد مر ذكره ـ : «وكان خازن فرعون مؤمنا بموسى ، قد كتم إيمانه ستمائة سنة ، وهو الذي قال الله : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ)(١) ، وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل ، فطلبه ليقتله ، فبعث المؤمن إلى موسى عليه‌السلام : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها) ، كما حكى الله : (خائِفاً يَتَرَقَّبُ) ـ قال ـ يلتفت يمنة ويسرة ، ويقول : (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).

ومرّ نحو مدين ، وكان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة أيّام ، فلمّا بلغ باب مدين ، رأى بئرا يستقي الناس منها لأغنامهم ودوابهم ، فقعد ناحية ، ولم يكن أكل منذ ثلاثة أيام شيئا ، فنظر إلى جاريتين في ناحية ، ومعهما غنيمات ، لا تدنوان من البئر ، فقال لهما : ما لكما لا تستقيان؟ قالتا ، كما حكى الله : (لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) ، فرحمهما موسى ، ودنا من البئر ، فقال لمن على البئر : أستقي لي دلوا ، ولكم دلوا ، وكان الدلو يمدّه عشرة رجال ، فاستقى وحده دلوا لمن على البئر ودلوا لبنتي شعيب ، وسقى أغنامهما (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وكان شديد الجوع.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ موسى كليم الله حيث سقى لهما ، ثمّ تولّى إلى الظلّ ، فقال : ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير ، والله ما سأل الله إلا خبزا يأكل ، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض ، ولقد رأوا خضرة البقل في صفاق بطنه ، من هزاله.

فلمّا رجعت بنتا شعيب إلى شعيب ، قال لهما : أسرعتما الرّجوع!

__________________

(١) غافر : ٢٨.

٣٠٤

فأخبرتاه بقصّة موسى عليه‌السلام ، ولم تعرفاه ، فقال شعيب لواحدة منهما : اذهبي إليه ، فادعيه لنجزيه أجر ما سقى لنا. فجاءت إليه ، كما حكى الله تعالى : (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) ، فقام موسى معها ، ومشت أمامه ، فصفقتها (١) الريح ، فبان عجزها ، فقال لها موسى : تأخّري ، ودلّيني على الطريق بحصاة تلقينها أمامي أتبعها ، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء.

فلمّا دخل على شعيب ، قصّ عليه قصّته ، فقال له شعيب : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، قالت إحدى بنات شعيب : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ). فقال لها شعيب : أمّا قوّته ، فقد عرفته بسقي الدّلو وحده ، فبم عرفت أمانته؟ فقالت له : إنه لما قال لي : تأخّري عني ، ودليني على الطريق ، فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء ، عرفت أنّه من القوم الذين لا ينظرون أعجاز النساء ، فهذه أمانته.

فقال له شعيب : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

فقال له موسى : (ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ) أي لا سبيل عليّ إن عملت عشر سنين ، أو ثمان سنين. فقال موسى (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).

قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيّ الأجلين قضى؟ قال : «أتمّها عشر سنين».

قلت له : فدخل بها قبل أن يقضي الأجل ، أو بعده؟ قال : «قبل».

__________________

(١) الصّفق : الضرب الذي يسمع له صوت. «لسان العرب ـ صفق ـ ج ١٠ ، ص ٢٠٠».

٣٠٥

قلت : فالرجل يتزوّج المرأة ، ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلا ، أيجوز ذلك؟ قال : «إنّ موسى علم أنه يتمّ له شرطه ، فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى حتى يفي» (١).

قلت له : جعلت فداك ، أيّهما زوّجه شعيب من بناته؟ قال : «التي ذهبت إليه فدعته ، وقالت لأبيها : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).

«فلمّا قضى موسى الأجل ، قال لشعيب : لا بد لي أن أرجع إلى وطني ، وأمي ، وأهل بيتي ، فما لي عندك؟ فقال شعيب : ما وضعت أغنامي في هذه السنة من غنم بلق (٢) فهو لك؟ فعمد موسى عند ما أراد أن يرسل الفحل على الغنم إلى عصا ، فشقّ منها بعضا ، وترك بعضا ، وغرزها في وسط مربض الغنم ، وألقى عليها كساء أبلق ، ثم أرسل الفحل على الغنم ، فلم تضع الغنم في تلك السنة إلّا بلقا.

فلمّا حال عليه الحول ، حمل موسى امرأته ، وزوّده شعيب من عنده ، وساق غنمه ، فلمّا أراد الخروج ، قال لشعيب : أبغي عصا تكون معي ، وكانت عصي الأنبياء عنده ، قد ورثها مجموعة في بيت ، فقال له شعيب : ادخل هذا البيت ، وخذ عصا من بين العصي. فدخل ، فوثبت إليه عصا نوح وإبراهيم عليهما‌السلام ، وصارت في كفّه ، فأخرجها ، ونظر إليها شعيب ، فقال : ردّها ، وخذ غيرها. فردّها ليأخذ غيرها ، فوثبت إليه تلك بعينها ، فردّها ، حتى فعل ذلك ثلاث مرّات ، فلمّا رأى شعيب ذلك ، قال له : اذهب ، فقد خصّك الله بها.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٩٠.

(٢) البلق : سواد وبياض ، وبلق الدابة : ارتفاع التحجيل إلى الفخذين. «لسان العرب ـ بلق ـ ج ١٠ ، ص ٢٥».

٣٠٦

فساق غنمه ، فخرج يريد مصر ، فلمّا صار في مفازة ومعه أهله ، أصابهم برد شديد وريح وظلمة ، وجهنّم الليل ، فنظر موسى إلى نار قد ظهرت ، كما قال الله : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ)(١) ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لمّا قضى موسى الأجل ، وسار بأهله نحو بيت المقدس ، أخطأ الطريق ليلا ، فرأى نارا ، فقال لأهله : امكثوا ، إنّي آنست نارا» (٢) ـ.

فأقبل نحو النار يقتبس ، فإذا شجرة ونار تلتهب عليها ، فلما ذهب نحو النار يقتبس منها أهوت إليه ، ففزع منها وعدا ، ورجعت النار إلى الشجرة ، فالتفت إليها وقد رجعت إلى مكانها ، فرجع الثانية ليقتبس ، فأهوت إليه ، فعدا وتركها ، ثمّ التفت إليها وقد رجعت إلى الشجرة ، فرجع إليها ثالثة ، فأهوت إليه ، فعدا ولم يعقّب ، أي لم يرجع ، فناداه الله : (أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ، قال موسى : فما الدليل على ذلك؟ قال الله : ما في يمينك يا موسى؟ قال : هي عصاي. قال : (أَلْقِها يا مُوسى)(٣) فألقاها ، فصارت حيّة تسعى ، ففزع منها موسى عليه‌السلام ، وعدا ، فناداه الله : خذها (وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ). أي من غير علّة ، وذلك أن موسى عليه‌السلام كان شديد السّمرة ، فأخرج يده من جيبه ، فأضاءت له الدنيا ، فقال الله عزوجل : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).

فقال موسى ، كما حكى الله عزوجل : (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً

__________________

(١) قد مر ذكر هذه القصة في تفسير الآيات (٣ و ٤) من هذه السورة.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٩١.

(٣) طه : ١٩.

٣٠٧

فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ)(١).

٢ ـ وقال أنس بن مالك : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مصدّقا إلى قوم ، فعدوا على المصدّق فقتلوه ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فبعث إليهم عليّا عليه‌السلام ، فقتل المقاتلة ، وسبى الذرّيّة ، فلمّا بلغ عليّ عليه‌السلام أدنى المدينة ، تلقّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتزمه ، وقبل ما بين عينيه ، وقال : «بأبي أنت وأمّي ، من شدّ الله به عضدي ، كما شدّ عضد موسى بهارون» (٢).

وقال البرسيّ : روي أن فرعون (لعنه الله) لمّا لحق هارون بأخيه موسى ، دخلا عليه يوما فأوجسا خيفة منه ، فإذا فارس يقدمهما ، ولباسه من ذهب ، وبيده سيف من ذهب ، وكان فرعون يحبّ الذّهب ، فقال لفرعون : أجب هذين الرّجلين ، وإلا قتلتك. فانزعج فرعون لذلك ، وقال : عودا إليّ غدا. فلمّا خرجا ، دعا البوّابين وعاقبهم ، وقال : كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون أنه ما دخل إلا هذان الرّجلان. وكان الفارس مثال علي عليه‌السلام ، هذا الذي أيّد الله به النبيّين سرّا ، وأيّد به محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جهرا ، لأنّه كلمة الله الكبرى التي أظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصّور ، فنصرهم بها ، وبتلك الكلمة يدعون الله فيجيبهم وينجيهم ، وإليه الإشارة بقوله : (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا).

قال ابن عباس : كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤١٥ ، ح ٦ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٤٣٥ ، ح ٥٩٨.

(٣) مشارق أنوار اليقين : ص ٨١ ، وفيه زيادة : والسلطان.

٣٠٨

وروى البرسيّ أيضا ، قال : روى أصحاب التواريخ : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا وعنده جنّي يسأله عن قضايا مشكلة ، فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام فتصاغر الجنّي حتى صار كالعصفور ، ثم قال : أجرني ، يا رسول الله. فقال : «ممّن؟» فقال : من هذا الشابّ المقبل. فقال : «وما ذاك؟» فقال الجنّي : أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان ، فلمّا تناولتها ضربني هذا فقطع يدي ، ثم أخرج يده مقطوعة ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هو ذاك» (١).

ثم قال البرسيّ : وبهذا الإسناد : أنّ جنيّا كان جالسا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فاستغاث الجنيّ ، وقال : أجرني ـ يا رسول الله ـ من هذا الشاب المقبل. قال : «وما فعل بك؟» قال : تمرّدت على سليمان ، فأرسل إليّ نفرا من الجنّ ، فطلت (٢) عليهم ، فجاءني هذا الفارس فأسرني وجرحني ، وهذا مكان الضّربة إلى الآن لم يندمل (٣).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٣٧) [سورة القصص : ٣٦ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال سبحانه : (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) التقدير : فمضى موسى إلى فرعون وقومه. فلما جاءهم بآياتنا أي : بحججنا البينات ، ومعجزاتنا الظاهرات (قالُوا ما هذا

__________________

(١) مشارق أنوار اليقين : ص ٨٥.

(٢) طال عليه : علاه وترفّع عليه. «لسان العرب ـ طول ـ ج ١١ ، ص ٤١٢.»

(٣) مشارق أنوار اليقين : ص ٨٥.

٣٠٩

إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي : مختلق مفتعل ، لم يبن على أصل صحيح ، لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة. فوصفوا الآيات بالسحر والاختلاف على هذا المعنى ، جهلا منهم ، وذهابا عن الصواب.

(وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي : لم نسمع ما يدعيه ويدعو إليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا. وإنما قالوا ذلك مع اشتهار قصة نوح وهود وصالح ، وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله ، وإخلاص عبادته ، لأحد أمرين : إما للفترة التي دخلت بين الوقتين ، والزمان الطويل. وأما لأن آبائهم ما صدقوا بشيء من ذلك ، ولا دانوا به ، فيكون المعنى : ما سمعنا بآبائنا أنهم صدقوا الرسل فيما جاءوا به. ووجه شبهتهم في ذلك أنهم قالوا إنهم الكبراء. فلو كان حقا لأدركوه ، فإنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في الرأي والعقل ، ولا يدركه الأفضل فيهما. وهذا غلط لأن ما طريقه الاستدلال ، لا يمتنع أن يصيبه الأدون في الرأي إذا سلك طريقه ، ولا يصيبه الأكمل في الرأي إذا لم يسلك طريقه.

(وَقالَ مُوسى) مجيبا لهم (رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) ومعناه : ربّي يعلم أني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده ، فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني ، ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ، ولأهل الحق والإنصاف. وهذا كما يقال على سبيل المظاهرة : الله أعلم بالمحق منا والمبطل. وحجتي ظاهرة فأكثرها إن قدرت على ذلك. (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) أي : لا يفوز بالخير من ظلم نفسه ، وعصى ربه ، وكفر نعمه (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٣٩.

٣١٠

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) (٤١) [سورة القصص : ٣٨ ـ ٤١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : فبنى هامان له في الهواء صرحا ، حتى بلغ مكانا في الهواء لا يتمكن الإنسان أن يقوم عليه من الرياح القائمة في الهواء ، فقال لفرعون : لا نقدر أن نزيد على هذا. فبعث الله رياحا ، فرمت به ، فاتخذ فرعون وهامان ، عند ذلك التابوت ، وعمدا إلى أربعة أنسر ، فأخذا أفراخها وربّياها ، حتى إذا بلغت القوة ، وكبرت ، عمدا إلى جوانب التابوت الأربعة ، فغرسا في كلّ جانب منه خشبة ، وجعلا على رأس كل خشبة لحما ، وجوّعا الأنسر ، وشدّا أرجلها بأصل الخشبة ، فنظرت الأنسر إلى اللحم ، فأهوت إليه ، وصفقت بأجنحتها ، وارتفعت بهما في الهواء ، وأقبلت تطير يومها ، فقال فرعون لهامان : انظر إلى السّماء ، هل بلغناها؟ فنظر هامان ، فقال : أرى السّماء كما كنت أراها من الأرض في البعد. فقال : انظر إلى الأرض. فقال : لا أرى الأرض ، ولكني أرى البحار والماء.

قال : فلم تزل الأنسر ترتفع ، حتى غابت الشمس ، وغابت عنهم البحار والماء ، فقال فرعون : يا هامان ، انظر إلى السّماء. فنظر ، فقال : أراها كما كنت أراها من الأرض. فلمّا جنّهم الليل ، نظر هامان إلى السّماء ، فقال فرعون : هل بلغناها؟ قال : أرى الكواكب كما كنت أراها من الأرض ، ولست

٣١١

أرى من الأرض إلا الظلمة.

قال : ثم حالت الرياح القائمة في الهواء بينهما ، فانقلب التابوت بهما ، فلم يزل يهوي بهما حتى وقع على الأرض ، وكان فرعون أشد ما كان عتوّا في ذلك الوقت. ثمّ قال الله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ)(١).

وقال علي بن إبراهيم في قوله : (فَحَشَرَ فَنادى)(٢) : يعني فرعون (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى)(٣) ، والنّكال : العقوبة. والآخرة : هو قوله : أنا ربكم الأعلى. والأولى : قوله : ما علمت لكم من إله غيري. فأهلكه الله بهذين القولين (٤).

وقال الطّبرسيّ : جاء في التفسير عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّه كان بين الكلمتين أربعون سنة (٥).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الأئمة في كتاب الله عزوجل إمامان : قال الله تبارك وتعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا)(٦) لا بأمر الناس ، يقدّمون أمر الله قبل أمرهم ، وحكم الله قبل حكمهم ، وقال : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله عزوجل» (٧).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٠.

(٢) النازعات : ٢٣.

(٣) النازعات : ٢٤ و ٢٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٤٠٣.

(٥) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٦٥٦.

(٦) الأنبياء : ٧٣.

(٧) الكافي : ج ١ ، ص ١٦٨ ، ح ٢.

٣١٢

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٣) [سورة القصص : ٤٢ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) :

١ ـ قوله (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي : أردفناهم لعنة بعد لعنة ، وهي البعد عن الرحمة والخيرات. وقيل : معناه ألزمناهم اللعنة في هذه الدنيا ، بأن أمرنا المؤمنين بلعنهم ، فلعنوهم.

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) أي : من المهلكين ... وقيل : من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه ، وزرقة الأعين ... وقيل : من الممقوتين المفضوحين (١).

٢ ـ قال : ثم ذكر سبحانه من أخبار موسى عليه‌السلام ما فيه دلالة على معجزة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) أي : الجموع التي كانت قبله من الكفار ، مثل قوم نوح وعاد وثمود. ويجوز أن يريد بالقرون قوم فرعون ، لأنه سبحانه أعطاه التوراة بعد إهلاكهم بمدة (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) أي : حججا وبراهين للناس ، وعبرا يبصرون بها أمر دينهم ، وأدلة يستدلون بها في أحكام شريعتهم. (وَهُدىً) أي : دلالة لمن اتبعه يهتدي بها (وَرَحْمَةً) لمن آمن به (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي : يتعظون ويعتبرون.

وجاءت الرواية بالإسناد عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ما أهلك الله قوما ، ولا قرنا ، ولا أمة ، ولا أهل قرية ، بعذاب من السماء ، منذ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤٠.

٣١٣

أنزل التوراة على وجه الأرض ، غير أهل القرية التي مسخوا قردة. ألم تر أن الله تعالى قال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى)(١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٤٥) [سورة القصص : ٤٤ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّما هي : أو ما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين» (٢).

وقال ابن عباس في قول الله عزوجل : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) قال : بالخلافة ليوشع بن نون من بعده.

ثم قال الله تعالى : لن أدع نبيّا من غير وصيّ ، وأنا باعث نبيّا عربيّا ، وجاعل وصيّه عليّا. فذلك قوله تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) في الوصاية ، وحدّثه بما هو كائن بعده.

قال ابن عبّاس : وحدّث الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو كائن ، وحدّثه باختلاف هذه الأمّة من بعده ، فمن زعم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مات بغير وصيّة فقد كذب على الله عزوجل ، وعلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وقال علي بن إبراهيم القمي : ثمّ خاطب الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَما كُنْتَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤٢.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤١٧ ، ح ٨.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤١٦ ، ح ٧.

٣١٤

بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) يا محمد (إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) أي أعلمناه (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا)(١) يعني موسى عليه‌السلام.

قوله : (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) ، أي طالت أعمارهم فعصوا. وقوله : (وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) ، أي باقيا (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٤٦) [سورة القصص : ٤٦]؟!

الجواب / قال أبو سعيد المدائني : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما معنى قول الله عزوجل في محكم كتابه : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا)؟ فقال عليه‌السلام : «كتاب لنا كتبه الله ـ يا أبا سعيد ـ في ورق قبل أن يخلق الخلائق بألفي عام ، صيّره معه في عرشه ، أو تحت عرشه ، فيه : يا شيعة آل محمد ، أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، من أتاني منكم بولاية محمد وآل محمد أسكنته جنتي برحمتي» (٣).

وقال الإمام أبو محمد العسكريّ عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لمّا بعث الله عزوجل موسى بن عمران ، واصطفاه نجيّا ، وفلق له البحر فنجى بني إسرائيل ، وأعطاه التوراة والألواح ، رأى مكانه من ربّه عزوجل ، فقال : ربّ لقد كرّمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي. قال الله عزوجل : يا موسى ، أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع خلقي؟

قال موسى : يا ربّ ، فإن كان محمد أفضل عندك من جميع خلقك ، فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟ قال الله عزوجل : يا موسى ، أما علمت أن

__________________

(١) القصص : ٤٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤١.

(٣) الاختصاص : ص ١١١ ، الشيخ المفيد.

٣١٥

فضل آل محمد على جميع آل النبيّين كفضل محمد على جميع المرسلين؟

قال موسى : يا ربّ ، فإن كان آل محمد عندك كذلك ، فهل في أصحاب الأنبياء أكرم عندك من أصحابي؟ قال الله عزوجل : يا موسى ، أما علمت أن فضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيّين ، وفضل محمد على جميع المرسلين؟

قال موسى : يا رب ، فإن كان محمد وآله عليهم‌السلام ، وأصحابه كما وصفت ، فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمّتي ، ظلّلت عليهم الغمام ، وأنزلت عليهم المنّ والسّلوى ، وفلقت لهم البحر؟ فقال الله تعالى : يا موسى ، أما علمت أن فضل أمّة محمد على جميع الأمم كفضله على جميع خلقي؟

قال موسى : يا ربّ ، ليتني كنت أراهم. فأوحى الله عزوجل إليه : يا موسى ، إنك لن تراهم ، فليس هذا أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنّة ، جنّات عدن والفردوس ، بحضرة محمد في نعيمها يتقلّبون ، وفي خيراتها يتبحبحون (١) ، أفتحبّ أن تسمع كلامهم؟ قال : نعم ، يا ربّ ، قال : قم بين يدي ، واشدد مئزرك ، قيام العبد الذليل بين يدي السيد الجليل. ففعل ذلك ، فنادى ربنا عزوجل : يا أمّة محمد. فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبّيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك ـ قال ـ فجعل تلك الإجابة منهم شعار الحجّ.

ثم نادى ربّنا عزوجل : يا أمة محمد ، إن قضائي عليكم : أن رحمتي سبقت غضبي ، وعفوي قبل عقابي ، فقد استجبت لكم من قبل أن تدعوني وأعطيتكم من قبل أن تسألوني ، من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده

__________________

(١) التبحبح : التمكّن في الحلول والمقام. «الصحاح ـ بحح ـ ج ١ ، ص ٣٥٤».

٣١٦

لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، صادق في أقواله ، محقّ في أفعاله ، وأنّ علي بن أبي طالب أخوه ووصيّه من بعده ، ووليّه ، ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد ، وأنّ أولياءه المصفين ، الأخيار ، المطهّرين ، الميامين ، المبلغين بعجائب آيات الله ، ودلائل حجج الله من بعدهما أولياؤه ، أدخلته جنّتي وإن كانت ذنوبه مثل زبد البحر».

قال : «فلمّا بعث الله عزوجل نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يا محمد ، وما كنت بجانب الطور إذ نادينا أمتك بهذه الكرامة. ثمّ قال عزوجل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل : الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصّني به من هذه الكرامة والفضيلة. وقال لأمّته : وقولوا أنتم : الحمد لله ربّ العالمين على ما اختصّنا به من هذا الفضل» (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥٠) [سورة القصص : ٤٧ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) معناه : لو لا أن لهم أن يحتجوا لو أصابتهم عقوبة

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٣١.

٣١٧

بأن يقولوا : هلا أرسلت إلينا رسولا يدعونا إلى ما يجب الإيمان به ، فنتبع الرسول ، ونأخذ بشريعته ، ونصدق به ، لما أرسلنا الرسل ، ولكنا أرسلنا رسلا لقطع حجتهم ، وهو في معنى قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ). وقيل : إن جواب (لَوْ لا) ههنا : «لعجلنا لهم العقوبة». وقيل : المراد بالمصيبة ههنا : عذاب الاستئصال. وقيل : عذاب الدنيا والآخرة.

(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) أي : محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقرآن والإسلام (قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ) أي : هلا أعطي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) من فلق البحر ، واليد البيضاء ، والعصا. وقيل : معناه هلا أوتي كتابا جملة واحدة. وإنما قاله اليهود ، أو قريش ، بتعليم اليهود ، فاحتج الله عليهم بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) أي : وقد كفروا بآيات موسى كما كفروا بآيات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و (قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا) يعنون التوراة والقرآن ... ومن قرأ ساحران تظاهران فمعناه : أنهم قالوا تظاهر موسى ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ أقول : وقال علي بن إبراهيم : موسى وهارون (١) ـ.

(وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ) من التوراة والقرآن. قال الكلبي : وكانت مقالتهم هذه حين بعثوا الرهط منهم إلى رؤوس اليهود بالمدينة في عيد لهم ، فسألوهم عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبروهم بنعته ، وصفته في كتابهم التوراة. فرجع الرهط إلى قريش ، فأخبروهم بقول اليهود ، فقالوا عند ذلك : سحران تظاهرا. (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) معناه : قل يا محمد لكفار قومك : فأتوا بكتاب هو أهدى من التوراة والقرآن ، حتى أتبعه إن صدقتم أن التوراة والقرآن سحران ، وقيل : معناه فأتوا بكتاب من عند الله ، يؤمن معه التكذيب أي : لم يكذب به طائفة من الناس.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤١.

٣١٨

ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ) أي : فإن لم يأتوا بمثل التوراة والقرآن. وقيل : فإن لم يستجيبوا لك إلى الإيمان ، مع ظهور الحق. (فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ) أي : ما تميل إليه طباعهم ، لأن الهوى ميل الطبع إلى المشتهى.

قال الزجاج : أي فاعلم أنما ركبوه من الكفر ، لا حجة لهم فيه ، وإنما أثروا فيه الهوى.

ثم ذمهم فقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) أي : لا أحد أضل ممن اتبع هواه بغير رشاد ، ولا بيان جاءه من الله.

ـ أقول وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو من يتّخذ دينه برأيه ، بغير إمام من الله من أئمّة الهدى (صلوات الله عليهم)» (١) ـ.

(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى طريق الجنة. وقيل : معناه لا يحكم الله بهدايتهم. وقيل : إنهم إذا لم يهتدوا بهدى الله ، فكأنه لم يهدهم (٢).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥١) [سورة القصص : ٥١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) قال : «إمام بعد إمام» (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٢٠ ، ح ١٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٢٠ ، ح ١٤.

٣١٩

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (٥٥) [سورة القصص : ٥٢ ـ ٥٥]؟!

الجواب / قال أبو الجارود : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : لقد آتى الله أهل الكتاب خيرا كثيرا. قال : «وما ذاك؟» قلت : قول الله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا).

قال : فقال : «قد آتاكم الله كما آتاهم ـ ثمّ تلا ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ)(١) يعني إماما تأتمّون به» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بما صبروا على التقيّة». (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ، قال : «الحسنة : التقيّة ، والسيئة : الإذاعة» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : معناه : يدفعون بالمداراة مع الناس أذاهم عن أنفسهم (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا دخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه ، والزكاة عن يساره ، والبرّ مطلّ عليه ، ويتنحى الصّبر ناحية ، فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته ، قال الصبر للصلاة والزكاة : دونكما

__________________

(١) الحديد : ٢٨.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٥٠ ، ح ٣.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٧٢ ، ح ١.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٠٤.

٣٢٠