التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

آية في كتاب الله عزوجل ، سألت عنها جابر بن يزيد فأرشدني إليك. فقال : وما هي؟ قال : قوله عزوجل : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).

فقال أبي : نعم ، فينا نزلت ، وذلك أن فلانا ، وفلانا ، وطائفة معهما ـ وسمّاهم ـ اجتمعوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إلى من يصير هذا الأمر بعدك ، فو الله لئن صار إلى رجل من أهل بيتك ، إنا لنخافهم على أنفسنا ولو صار إلى غيرهم فلعلّ غيرهم أقرب وأرحم بنا منهم. فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك غضبا شديدا ، ثم قال : أما والله لو آمنتم بالله وبرسوله ما أبغضتموهم ، لأنّ بغضهم بغضي ، وبغضي هو الكفر بالله ، ثمّ نعيتم إليّ نفسي ، فو الله لئن مكّنهم الله في الأرض ليقيموا الصلاة ، وليؤتوا الزكاة ، وليأمروا بالمعروف ، ولينهوا عن المنكر ، إنّما يرغم الله أنوف رجال يبغضوني ، ويبغضون أهل بيتي وذريّتي ، فأنزل الله عزوجل : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) فلم يقبل القوم ذلك ، فأنزل الله سبحانه : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هذه الآية لآل محمد ، المهديّ عليه‌السلام وأصحابه ، يملكّهم الله مشارق الأرض ومغاربها ، ويظهر الدين ، ويميت الله عزوجل به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهة الحق ، حتى لا يرى أثر من الظلم ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور» (٢).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٢ ، ح ٢٤.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٣ ، ح ٢٥.

٤١

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (٤٥) [سورة الحج : ٤٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وأما قوله : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) العروش : سقف البيت وحولها وجوانبها.

قال : وأمّا قوله : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) قال : هو مثل جرى لآل محمد عليهم‌السلام ، قوله : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) : هي التي لا يستقى منها ، وهو الإمام الذي قد غاب فلا يقتبس منه العلم ـ إلى وقت ظهوره ـ ، والقصر المشيد : هو المرتفع ، وهو مثل لأمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام ، وفضائلهم المنتشرة في العالمين ، المشرفة على الدنيا ، وتستطار ثم تشرق على الدنيا ، وهو قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(١).

وقال الشاعر في ذلك :

بئر معطلة وقصر مشرف

مثل لآل محمد مستطرف

فالقصر مجدهم الذي لا يرتقى

والبئر علمهم الذي لا ينزف (٢)

وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، في قوله تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) ، قال : «البئر المعطّلة : الإمام الصامت ، والقصر المشيد : الإمام الناطق» (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٥ و ٨٧ ، والآيات من سورة التوبة : ٣٣ ، سورة الفتح : ٢٨ ، سورة الصف : ٩.

(٢) أي لا يفنى.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧٥.

٤٢

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أمير المؤمنين عليه‌السلام القصر المشيد ، والبئر المعطّلة ، فاطمة عليها‌السلام وولدها ، معطّلون من الملك» (١).

وقيل أنه عليه‌السلام قال : «القصر المشيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والبئر المعطلة علي عليه‌السلام» (٢).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٤٦) [سورة الحج : ٤٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم حث سبحانه على الاعتبار بحال من مضى من القرون المكذبة لرسلهم فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي : أو لم يسر قومك يا محمد في أرض اليمن والشام ، (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) أي يعلمون بها ما يرون من العبر. والمعنى : فيعقلون بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم (أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أخبار الأمم المكذبة (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الهاء في أنها ضمير القصة والجملة بعدها تفسيرها. قال الزجاج : وقوله (الَّتِي فِي الصُّدُورِ) من التوكيد الذي يورده العرب في الكلام ، كقوله : (عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) ، وقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) ، وقوله : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ). وقيل : إنه إنما ذكر ذلك لئلا يتوهم إلى غير معنى القلب نحو قلب النخلة ، فيكون أنفى للبس بتجوز الاشتراك ، وكذلك قوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) لأن القول قد يكون بغير الفم. والمعنى : إن الأبصار وإن كانت عمياء ، فلا تكون في

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٤ ، ح ٢٦.

(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٨٨.

٤٣

الحقيقة كذلك ، إذا كان أصحابها عارفين بالحق ، وإنما يكون العمى عمى القلب الذي يقع معه الجحود بوحدانية الله (١).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٤٧) [سورة الحج : ٤٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرهم أنّ العذاب قد أتاهم ، فقالوا : فأين العذاب؟ استعجلوه ، فقال الله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(٢).

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٤٩) [سورة الحج : ٤٨ ـ ٤٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم أعلم سبحانه أنه أخذ قوما بعد الإملاء والإمهال فقال : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ) مستحقة لتعجيل العقاب. (ثُمَّ أَخَذْتُها) أي أهلكتها (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) لكل أحد.

ثم خاطب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (قُلْ) لهم (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي مخوف عن معاصي الله ، مبين لكم ما يجب عليكم فعله ، وما يجب عليكم تجنبه (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٦٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٦١ ـ ١٦٢.

٤٤

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٥٠) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (٥١) [سورة الحج : ٥٠ ـ ٥١]؟!

الجواب / عن الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، في قوله عزوجل : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ).

قال : «أولئك آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ، (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي) قطع مودّة آل محمد عليهم‌السلام (مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ـ قال ـ هم الأربعة نفر : التّيميّ ، والعدويّ ، والأمويّان» (١).

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٥٥) [سورة الحج : ٥٢ ـ ٥٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : إنّ العامة رووا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في الصلاة ، فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام ، وقريش يستمعون لقراءته ، فلما أنتهى إلى هذه الآية : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى)(٢) أجرى

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ح ٢٩.

(٢) سورة النجم : ١٩ ـ ٢٠.

٤٥

إبليس على لسانه : فإنّها للغرانيق الأولى ، وإن شفاعتهنّ لترجى. ففرحت قريش ، وسجدوا ، وكان في القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير ، فأخذ كفّا من حصى ، فسجد عليه وهو قاعد ، وقالت قريش : قد أقرّ محمد بشفاعة اللات والعزّى ، قال : فنزل جبرئيل عليه‌السلام ، فقال له : قد قرأت ما لم أنزل به عليك ، وأنزل عليه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ).

وأما الخاصّة فإنهم رووا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصابته خصاصة ، فجاء إلى رجل من الأنصار ، فقال له : هل عندك من طعام؟ فقال : نعم ، يا رسول الله. وذبح له عناقا (١) ، وشواه ، فلما أدناه منه تمنّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أن يكون معه علي وفاطمة والحسن ، والحسين عليهما‌السلام.

فجاء أبو بكر وعمر ، ثم جاء علي عليه‌السلام بعدهما ، فأنزل الله في ذلك : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) ولا محدّث (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) يعني فلانا وفلانا (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) يعني لمّا جاء علي عليه‌السلام بعدهما (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) يعني بنصرة أمير المؤمنين عليه‌السلام».

ثم قال : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) يعني فلانا وفلانا (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) قال : الشكّ (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) إلى قوله : (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني إلى الإمام المستقيم. ثم قال : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) أي في شكّ من أمير المؤمنين عليه‌السلام (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) قال : العقيم : الذي لا مثل له في الأيام (٢).

__________________

(١) العناق : بالفتح ، الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول. «مجمع البحرين ـ عنق ـ ج ٥ ، ص ٢١٩».

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٥.

٤٦

وقال الحارث بن المغيرة النّصري : قال لي الحكم بن عتيبة : إن مولاي علي بن الحسين عليه‌السلام قال لي : «إنّما علم علي عليه‌السلام كلّه في آية واحدة». قال : فخرج عمران بن أعين ليسأله ، فوجد عليّا عليه‌السلام قد قبض ، فقال لأبي جعفر عليه‌السلام : إن الحكم حدثنا عن علي بن الحسين عليهما‌السلام أنه قال : «إن علم علي عليه‌السلام كله في آية واحدة»؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وما تدري ما هي؟ قلت : لا. قال : «هي قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) ولا محدّث ، ثم أبان شأن الرسول ، والنبيّ ، والمحدّث (صلوات الله عليهم أجمعين» (١).

وقال بريد العجلي : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، عن الرسول ، والنبيّ ، والمحدّث.

فقال : «الرسول : الذي تأتيه الملائكة ، ويعاينهم ، وتبلغه الرسالة من الله. والنبيّ : الذي يرى في المنام ، فما رأى فهو كما رأى ، والمحدّث : الذي يسمع صوت الملائكة وحديثهم ، ولا يرى شيئا ، بل ينقر في أذنيه ، وينكت في قلبه» (٢).

وقال عبد الله بن أبي يعفور : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكان علي عليه‌السلام ينكت في قلبه ، أو ينقر في صدره وأذنه؟ قال : «إنّ عليا عليه‌السلام كان محدّثا».

قال : فلمّا أكثرت عليه ، قال : «إنّ عليا عليه‌السلام يوم بني قريظة وبني النضير كان جبرائيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، يحدّثانه» (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ح ٣١.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ح ٣٢.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٣٤١ ، ح ٢.

٤٧

وقال الطّبرسي في (الاحتجاج) في حديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : «فذكر عزّ ذكره لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يحدثه عدوّه في كتابه من بعده ، بقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) يعني أنّه ما من نبيّ يتمنّى مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه وعقوقهم ، والانتقال عنهم إلى دار الإقامة ، إلا ألقى الشيطان المعرّض بعداوته ـ عند فقده ـ في الكتاب الذي أنزل إليه ذمّه ، والقدح فيه ، والطعن عليه ، فينسخ الله ذلك من قلوب المؤمنين فلا تقبله ، ولا تصغي إليه غير قلوب المنافقين والجاهلين ، ويحكم الله آياته بأن يحمي أولياءه من الضّلال والعدوان ، ومتابعة أهل الكفر والطغيان ، الذين لم يرض الله أن يجعلهم كالأنعام ، حتى قال : (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(١)» (٢).

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٥٦) [سورة الحج : ٥٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : يقول الله تعالى إن الملك في اليوم الذي وصفه بأنه «عقيم» وأنه لا مثل له في عظم الأهوال ، فيه الملك لله تعالى وحده. لا ملك لأحد معه. وإنما خص ذلك به ، لأن في الدنيا قد ملك الله تعالى أقواما أشياء كثيرة. والملك اتساع المقدور لمن له تدبير الأمور ، فالله تعالى يملك الأمور لنفسه ، وكل مالك سواه ، فإنما هو مملك له بحكمه ، أما بدليل السمع أو بدليل العقل.

وقوله (يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) أي يفصل في ذلك اليوم بين الخلائق ، وينصف

__________________

(١) الفرقان : ٤٤.

(٢) الاحتجاج : ص ٢٥٧.

٤٨

بينهم في الحكم ، والحكم الخبر بالمعنى الذي تدعو إليه الحكمة ، ولهذا قيل : الحكم له ، لأن كل حاكم غيره ، فإنما يحكم بإذنه وإعلام من جهته إما من جهة العقل أو جهة السمع. ثم أخبر تعالى أن (فَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بوحدانيته ، وصدقوا أنبياءه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) التي أمر الله بها أنهم (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) منعمين فيها (١).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) (٥٩) [سورة الحج : ٥٧ ـ ٥٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) ولم يؤمنوا بولاية أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام (فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ أي ذليل ـ. ثمّ ذكر النبي (٢) والمهاجرين من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) ـ إلى قوله ـ (لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ).

قال : «نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة» (٤).

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٣٣.

(٢) في (ط) : أمير المؤمنين.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٦.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٨ ، ح ٣٥.

٤٩

* س ٣٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٦٠) [سورة الحج : ٦٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : فهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لمّا أخرجته قريش من مكة ، وهرب منهم إلى الغار ، وطلبوه ليقتلوه ، فعاقبهم الله يوم بدر ، فقتل عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وأبو جهل ، وحنظلة بن أبي سفيان وغيرهم ، فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بدمائهم ، فقتل الحسين عليه‌السلام ، وآل محمد عليهم‌السلام بغيا وعدوانا ، وهو قول يزيد ، حين تمثّل بهذا الشعر :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل (١)

لأهلّوا واستهلّوا فرحا

ثم قالوا : يا يزيد ، لا تشل

لست من خندف (٢) إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

قد قتلنا القرم (٣) من ساداتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

وقال الشاعر في مثل ذلك :

وكذاك الشيخ أوصاني به

فاتّبعت الشيخ فيما قد سأل

وقال أيضا شعرا :

يقول والرأس مطروح يقلبه

يا ليت أشياخنا الماضين بالحضر

حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به

أيام بدر لكان الوزن بالقدر

فقال الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ عاقَبَ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بِمِثْلِ ما

__________________

(١) الأسل : الرماح.

(٢) خندف : لقب ليلى بنت عمران بن قضاعة زوجة الياس بن مضر بن نزار ، يفتخرون بها لأن نسب قريش ينتهي إليها. «محيط المحيط : ص ٢٥٧».

(٣) في «ط» : القوم. والقرم : السيّد العظيم.

٥٠

عُوقِبَ بِهِ) حين أرادوا أن يقتلوه (ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) يعني بالقائم عليه‌السلام من ولده (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سمعت أبي محمد بن علي عليه‌السلام كثيرا ما يردد هذه الآية : (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ) قلت : يا أبت ـ جعلت فداك ـ أحسب هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصّة؟ [قال : «نعم»](٢).

* س ٣٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) (٦٦) [سورة الحج : ٦١ ـ ٦٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : معنى ذلك أن «ذلك» الأمر (بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أي يدخل الليل على النهار ، والإيلاج الإدخال بإكراه ... وإنما قال يولج الليل في النهار ـ ههنا ـ لأن ذلك يقتضي أن ذلك صادر من مقتدر لولاه لم يكن كذلك. وقيل : معنى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أن يدخل ما انتقص من ساعات الليل في النهار ، وما انتقص من

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٦.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٩ ، ح ٣٦.

٥١

ساعات النهار في الليل. ومعنى (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ـ ههنا ـ أنه يسمع ما يقول عباده في هذا بصير به ، لا يخفى عليه شيء منه حتى يجازي به. وقوله : (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) وصفه بأنه الحق يحتمل أمرين :

١ ـ أنه ذو الحق في قوله وفعله.

٢ ـ أنه الواحد في صفات التعظيم التي من اعتقدها ، فهو محق ، وقوله (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) من قرأ بالتاء (١) خاطب بذلك الكفار. ومن قرأ بالياء (٢) أخبر عنهم بأن ما يدعونه من دون الله من الأصنام والأوثان هو الباطل ، على الحقيقة (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) فالعلي القادر الذي كل شيء سواه تحت معنى صفته ، بأنه قادر عليه ، ولا يجوز وصفه ب (رفيع) على هذا المعنى ، لأن صفة علي منقولة إليه ، ولم تنقل صفة (رفيع) ووصفه بأنه الكبير ، يفيد أن كل شيء سواه يصغر مقداره عن معنى صفته ، لأنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، العالم الذي لا يخفى عليه شيء.

وقوله (أَلَمْ تَرَ) خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به جميع المكلفين يقول الله لهم ألم تعلموا (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني غيثا ومطرا (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ) بذلك (مُخْضَرَّةً) بالنبات (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) فاللطيف معناه أنه المختص بدقيق التدبير الذي لا يخفى عنه شيء ولا يتعذر عليه ، فهو لطيف باستخراج النبات من الأرض بالماء ، وابتداع ما يشاء (خَبِيرٌ) بما يحدث عنه وما يصلح له. وقوله (فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ) إنما رفع (فَتُصْبِحُ) لأنه لم يجعله جوابا للاستفهام ، لأن الظاهر وإن كان الاستفهام فالمراد به الخبر ، كأنه قال : قد رأيت أن الله ينزل من السماء ماء ، فتصبح الأرض مخضرة ، إلا أنه نبه على

__________________

(١) أي ما تدعون.

(٢) أي ما يدعون ، وهي قراءة أهل العراق إلا أبا بكر.

٥٢

ما كان رآه ليتأمل ما فيه ... ثم أخبر تعالى أن (لَهُ) ملك (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) لا ملك لأحد فيه. ومعناه إن له التصرف في جميع ذلك لا اعتراض عليه. وأخبر (إِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فالغني هو الحي الذي ليس بمحتاج ، فهو تعالى المختص بأنه لو بطل كل شيء سواه لم تبطل نفسه القادرة العالمة. الذي لا يجوز عليه الحاجة بوجه من الوجوه ، وكل شيء سواه يحتاج إليه ، لأنه لو لاه لبطل ، لأنه لا يخلو من مقدوره أو مقدور مقدوره. و (الْحَمِيدُ) معناه الذي يستحق الحمد على أفعاله ، وهو بمعنى أنه محمود.

ثم قال (أَلَمْ تَرَ) يا محمد والمراد جميع المكلفين (أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) من الجماد والحيوان أي قد ذلله لكم ، تتصرفون فيه كيف شئتم ، وينقاد لكم ، على ما تؤثرونه. وإن الفلك تجري في البحر بأمر الله أي بفعل الله ، لأنها تسير بالريح ، وهو تعالى المجري لها و (يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) أي يمنعها من الوقوع على الأرض ، ولا يقدر على إمساكها أحد سواه مع عظمها وثقلها (إِلَّا بِإِذْنِهِ) أي لا تقع السماء على الأرض إلا إذا أذن الله في ذلك بأن يريد إبطالها وإعدامها.

ومعنى (أَنْ تَقَعَ) ألا تقع. وقيل معناه كراهية أن تقع ، ثم أخبر أنه تعالى (بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي متعطف منعم عليهم.

لما ذكر الله تعالى أنه الذي سخر للخلق ما في الأرض من الحيوان وذللها لهم وأجري الفلك في البحر ، كنا عنه بأن قال (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) أيضا بعد أن لم تكونوا كذلك ، يقال أحياه الله ، فهو محي له (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد هذا الإحياء (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) يوم القيامة للحساب إما إلى الجنة وإما إلى النار ، ثم أخبر عن الإنسان بأنه (لَكَفُورٌ) أي جحود لنعم الله بما فعل به من أنواع النعم ، وجحوده ما ظهر من الآيات الدالة على الحق في كونه قادرا على

٥٣

الإحياء والإماتة. والإحياء بعدها ، لا يعجزه شيء من ذلك (١).

* س ٣٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (٧٠) [سورة الحج : ٦٧ ـ ٧٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما نزلت هذه الآية : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) جمعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم قال : يا معاشر المهاجرين والأنصار ، إن الله تعالى يقول : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) والمنسك هو الإمام لكل أمة بعد نبيّها ، حتى يدركه نبيّ ، ألا وإن لزوم الإمام وطاعته هو الدّين ، وهو المنسك ، وهو علي ابن أبي طالب عليه‌السلام إمامكم بعدي ، فإني أدعوكم إلى هداه فإنه على هدى مستقيم. فقام القوم يتعجّبون من ذلك ويقولون : والله إذن لننازعنّ الأمر ، ولا نرضى طاعته أبدا ، وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المفتون به. فأنزل الله عزوجل : (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٣٥ ـ ٣٣٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٩ ، ح ٣٧.

٥٤

* س ٣٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (٧١) [سورة الحج : ٧١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : يقول الله تعالى مخبرا عن حال الكفار الذين يعبدون مع الله الأصنام ، والأوثان : إنهم (يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي لا حجة ولا برهانا ، وإنما قيل للبرهان سلطان لأنه يتسلط على إنكار المنكر ، فكل محق في مذهبه ، فله برهان يتسلط به على الإنكار لمذهب خصمه.

وقوله (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ) معناه ولا هو معلوم لهم أيضا من جهة الدلالة ، لأن الإنسان قد يعلم صحة أشياء يعمل بها من غير برهان أدى إليها كعلمه بوجوب شكر المنعم ، ووجوب رد الوديعة ، ومدح الحسن وذم المسيء ، وغير ذلك ، مما يعلمه بكمال عقله ، وإن لم يكن معلوما بحجة ، فلذلك قال (وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ).

ثم أخبر أنه ليس (لِلظَّالِمِينَ) أنفسهم بارتكاب المعاصي وترك المعرفة بالله من ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم (١).

* س ٤٠ : ما هو سبب قوله تعالى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧٢) [سورة الحج : ٧٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان القوم إذا نزلت في أمير

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

٥٥

المؤمنين عليه‌السلام آية في كتاب الله ، فيها فرض طاعته ، أو فضيلة فيه ، أو في أهله سخطوا ذلك ، وكرهوا ، حتى هموا به ، وأرادوا به العظيم (١) ، وأرادوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا ليلة العقبة ، غيظا ، وحنقا ، وغضبا ، وحسدا ، حتى نزلت هذه الآية» (٢).

* س ٤١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٧٣) [سورة الحج : ٧٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثمّ احتجّ الله عزوجل على قريش ، والملحدين الذين يعبدون غير الله ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني الأصنام (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) يعني الذّباب (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كانت قريش تلطّخ الأصنام التي كانت حول الكعبة بالمسك والعنبر ، وكان يغوث قبال الباب ، وكان يعوق عن يمين الكعبة ، وكان نسر عن يسارها ، وكانوا إذا دخلوا ، خرّوا سجدا ليغوث ، ولا ينحنون ، ثم يستديرون بحيالهم إلى يعوق ، ثم يستديرون بحيالهم إلى نسر ، ثم يلبّون ، فيقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك ، تملكه وما ملك».

قال : «فبعث الله ذبابا أخضر ، له أربعة أجنحة ، فلم يبق من ذلك

__________________

(١) في «ط» : العزم.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥٠ ، ح ٣٨.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٧.

٥٦

المسك والعنبر شيئا إلّا أكله ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(١).

* س ٤٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٧٤) [سورة الحج : ٧٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : اختلفوا في معنى (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) :

١ ـ معناه ما عظموه حق عظمته ، إذ جعلوا له شريكا في عبادته.

٢ ـ قال قوم : معناه : ما عرفوه حق معرفته.

٣ ـ قال آخرون : ما وصفوه حق صفته ، وهو مثل قول أبي عبيدة ، قال : يقول القائل : ما عرفت فلانا على معرفته ، أي ما عظمته حق تعظيمه.

وفي ذلك دلالة على أن من جوز عبادة غير الله فهو كافر ، وكذلك من جوز أن يكون المنعم ـ بخلق النفس ، والبصر ، والسمع ، والعقل ـ غير الله ، فهو كافر بالله.

ثم أخبر تعالى عن نفسه ، فقال (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) أي قادر على ما يصح أن يكون مقدورا (عَزِيزٌ) لا يقدر أحد على منعه (٢).

* س ٤٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (٧٥) [سورة الحج : ٧٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : أي يختار ، وهو : جبرئيل ، وميكائيل ،

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٤٢ ، ح ١١.

(٢) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٤٢.

٥٧

وإسرافيل ، وملك الموت ، ومن الناس : الأنبياء ، والأوصياء ، فمن الأنبياء : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد (صلّى الله عليهم أجمعين) ، ومن هؤلاء الخمسة : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ومن الأوصياء : أمير المؤمنين ، والأئمّة عليهم‌السلام. وفيه تأويل غير هذا (١).

وقال الطّبرسيّ في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في جواب سؤال زنديق ، قال عليه‌السلام : «أمّا قول الله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(٢) وقوله : (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ)(٣) و (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا)(٤) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ)(٥) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ)(٦) فهو تبارك وتعالى ، أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ، لأنهم بأمره يعملون ، فاصطفى جلّ ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه ، وهم الذين قال الله فيهم : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) فمن كان من أهل الطاعة تولّى قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولى قبض روحه ملائكة النقمة.

ولملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة والنّقمة يصدرون عن أمره ، وفعلهم فعله ، وكل ما يأتون به منسوب إليه ، وإذن كان فعلهم فعل ملك الموت ، وفعل ملك الموت فعل الله ، لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب على يد من يشاء ، وإن فعل أمنائه فعله ، كما قال : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٧)» (٨).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٧.

(٢) الزمر : ٤٢.

(٣) السجدة : ١١.

(٤) الأنعام : ٦١.

(٥) النحل : ٣٢.

(٦) النحل : ٢٨.

(٧) الإنسان : ٣٠ ، والتكوير : ٢٩.

(٨) الاحتجاج : ٢٤٧.

٥٨

* س ٤٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٧٦) [سورة الحج : ٧٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما أخبر الله تعالى عن نفسه بأنه (سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وصف أيضا نفسه بأنه (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعني ما بين أيدي الخلائق من القيامة وأحوالها ، وما يكون في مستقبل أحوالهم ، (وَما خَلْفَهُمْ) أي ما يخلفونه من دنياهم. وقال الحسن : يعلم ما بين أيديهم : أول أعمالهم ، وما خلفهم آخر أعمالهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يعني يوم القيامة ترجع جميع الأمور إلى الله تعالى بعد أن كان ملكهم في دار الدنيا منها شيئا كثيرا (١).

* س ٤٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٧٧) وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٧٨) [سورة الحج : ٧٧ ـ ٧٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال بريد العجليّ ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ)؟

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٤٣.

٥٩

قال : «إيّانا عنى ، ونحن المجتبون ، ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدّين من حرج ، فالحرج أشدّ من الضيق ، (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) إيانا عنى خاصة (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الله سمانا المسلمين] (مِنْ قَبْلُ) في الكتب التي مضت (وَفِي هذا) القرآن (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشّهيد علينا بما بلّغنا عن الله تبارك وتعالى ، ونحن الشهداء على الناس يوم القيامة ، فمن صدّق يوم القيامة صدّقناه ، ومن كذّب كذّبناه» (١).

وقال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : «إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا ، وعصمنا ، وجعلنا شهداء على خلقه ، وحجّته في أرضه ، وجعلنا مع القرآن ، وجعل القرآن معنا ، لا نفارقه ولا يفارقنا» (٢).

٢ ـ وقال عيسى بن داود : حدثنا الإمام موسى بن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، في قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) الآية : «أمركم بالركوع ، والسجود ، وعبادة الله ، وقد افترضها عليكم ، وأما فعل الخير ، فهو طاعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ) يا شيعة آل محمد (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) قال : من ضيق (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ) يا آل محمد ، يا من قد استودعكم المسلمين ، وافترض طاعتكم عليهم (وَتَكُونُوا) أنتم (شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) بما قطعوا من رحمكم ، وضيّعوا من حقّكم ، ومزّقوا من كتاب الله ، وعدلوا حكم غيركم بكم ، فالزموا الأرض (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) يا آل محمد ، وأهل بيته (هُوَ مَوْلاكُمْ)

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٤٧ ، ح ٤.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٤٧ ، ح ٥.

٦٠