التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه ، وإذا ذكر لهم شيء من فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام أنكروه ـ قال ـ والهباء المنثور : هو الذي تراه يدخل البيت من الكوّة ، من شعاع الشمس» (١).

وقال سليمان بن خالد : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الأعمال تعرض كلّ خميس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا كان يوم عرفة ، هبط الربّ تبارك وتعالى (٢) ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً).

فقلت : جعلت فداك ، أعمال من هذه؟ فقال : «أعمال مبغضينا ، ومبغضي شيعتنا» (٣).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)(٢٤) [سورة الفرقان : ٢٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) فبلغنا ـ والله أعلم ـ أنّه إذا استوى أهل النار إلى النار لينطلق بهم قبل أن يدخلوا النار ، فيقال لهم : ادخلوا إلى ظلّ ذي ثلاث شعب من دخان النار ؛ فيحسبون أنها الجنّة ، ثم يدخلون النار أفواجا ، وذلك نصف النهار ، وأقبل أهل الجنة فيما اشتهوا من التحف ، حتى يعطوا منازلهم في الجنة نصف النهار ، فذلك قول الله عزوجل : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)(٤).

وقال سويد بن غفلة : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث إذا وضع

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٢.

(٢) أي هبط أمره تبارك وتعالى.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٤٤٦ ، ح ١٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٣.

١٦١

المؤمن في قبره ـ : «ثم يفسحان ـ يعني الملكين ـ له في قبره مدّ بصره ، ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنة ، ثم يقولان له : نم قرير العين ، نوم الشابّ الناعم ، فإن الله عزوجل يقول : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً)(١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) (٢٥) [سورة الفرقان : ٢٥]؟!

الجواب / قال يونس بن ظبيان ، سألت : أبا عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) ، قال : «الغمام : أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٢).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً)(٢٦) [سورة الفرقان : ٢٦]؟!

الجواب / قال علي بن أسباط : روى أصحابنا في قول الله عزوجل : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) ، قال : «إن الملك للرّحمن اليوم وقبل اليوم وبعد اليوم ، ولكن إذا قام القائم عليه‌السلام لم يعبد إلا الله عزوجل بالطاعة» (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً) (٢٩) [سورة الفرقان : ٢٧ ـ ٢٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطّبرسيّ في (مجمع البيان) : قال عطاء : يأكل يديه

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٣١ ، ح ١ ، الأمالي : ج ١ ، ص ٣٥٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٣.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٧٢ ، ح ٤.

١٦٢

حتى تذهبا إلى المرفقين ، ثم تنبتان ، ولا يزال هكذا ، كلّما نبتت يده أكلها ، ندامة على ما فعل (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قوله عزوجل : (يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) يعني علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «والله ما كنّى الله في كتابه حتى قال : (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) ، وإنّما هي في مصحف علي عليه‌السلام : يا ويلتي ليتني لم أتّخذ الثاني خليلا ، وسيظهر يوما» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يقول : الأول للثاني» (٤).

٣ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يقول : يا ليتني اتخذت مع الرسول عليّا وليّا : (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) يعني الثاني (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي). يعني الولاية (وَكانَ الشَّيْطانُ) وهو الثاني (لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٥).

وقال الشيبانيّ : عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : «السبيل ها هنا : علي عليه‌السلام ، (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) يعني عليّا عليه‌السلام» (٦).

وقال أيضا : روي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : «أنّ هذه الآيات نزلت في رجلين من مشايخ قريش ، أسلما بألسنتهما وكانا ينافقان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وآخى بينهما يوم الإخاء ، فصدّ أحدهما صاحبه عن الهدى ، فهلكا جميعا ، فحكى الله تعالى حكايتهما في الآخرة ، وقولهما عندا ينزل عليهما من العذاب ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٦٣.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٥.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٧٤ ، ح ٨.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٧٤ ، ح ٩.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٣.

(٦) نهج البيان «مخطوط» : ص ٢٠٨.

١٦٣

فيحزن ويتأسّف على ما قدّم ، ويتندم حيث لم ينفعه النّدم» (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (٣٠) [سورة الفرقان : ٣٠]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فأنا الذّكر الذي عنه ضلّ ، والسبيل الذي عنه مال ، والإيمان الذي به كفر ، والقرآن الذي إيّاه هجر ، والدّين الذي به كذّب» (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (٣٣) [سورة الفرقان : ٣١ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال الطوسيّ : معنى قوله (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) قيل فيه قولان :

١ ـ قال ابن عباس : جعل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدوا من المجرمين ، كما جعل لمن قبله.

٢ ـ كما جعلنا النبي يعادي المجرم مدحا له وتعظيما ، كذلك جعلنا المجرم يعادي النبي ذما له وتحقيرا. والمعنى إنّ الله تعالى حكم بأنه على هذه الصفة.

__________________

(١) نهج البيان «مخطوط» : ص ٢٠٨.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨ ، ح ٤.

١٦٤

وقيل : (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) ببياننا أنهم أعداؤهم ، كما يقال جعله لصا أو خائنا. وقيل : معناه أمرنا بأن يسموهم أعداء. والجعل وجود ما به يصير الشيء على ما لم يكن ، ومثله التصيير ، والعدو المتباعد من النصرة للبغضة ، ونقيضه الولي ، وأصله البعد. ومنه عدونا الوادي أي جانباه ، لأنهما بعداه ونهايتاه ، وعدا عليه يعدو عدوا إذا باعد خطوة للإيقاع به ، وتعدى في فعله إذا أبعد في الخروج عن الحق (١).

ـ أقول : قال الصادق عليه‌السلام : «ما كان ولا يكون وليس بكائن ، نبيّ ولا مؤمن ، إلّا وقد سلط عليه حميم يؤذيه ، فإن لم يكن حميم فجار يؤذيه ، وذلك قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ)(٢) ـ.

وقال الشيخ الطوسيّ : ثم قال تعالى (وَكَفى بِرَبِّكَ) يا محمد (هادِياً وَنَصِيراً) أي حسبك الله الهادي إلى الحق ، والناصر إلى العدو ، و (هادِياً) منصوب على الحال أو التمييز ، فالحال كفى به في حال الهداية والنصرة ، والتمييز من الهادين والناصرين ـ ذكره الزجاج ـ ولا يقدر أحد أن يهدي كهداية الله ، ولا أن ينصر كنصرته ، فلذلك قال (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) ثم حكى أن الكفّار ، قالوا (لَوْ لا) أي هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ) على النبي (جُمْلَةً واحِدَةً) فقيل لهم إن التوراة أنزلت جملة ، لأنها أنزلت مكتوبة على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى ، وأما القرآن ، فإنما أنزل متفرقا ، لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : إنما لم ينزل جملة واحدة ، لأن فيه الناسخ والمنسوخ ، وفيه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، وفيه ما هو إنكار لما كان. وفي الجملة المصلحة معتبرة في إنزال القرآن ، فإذا كانت

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٤٨٨.

(٢) مشكاة الأنوار : أبو الفضل الطبرسي : ص ٢٨٧.

١٦٥

المصلحة تقتضي إنزاله متفرقا كيف ينزل جملة واحدة؟! فقال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنا أنزلناه متفرقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) وقال أبو عبيدة : معناه لنطيب به نفسك ونشجعك. وقوله (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) فالترتيل التبيين في تثبت وترسل. وقوله (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) أي لم ننزل القرآن جملة واحدة لأنهم لا يأتونك بشيء يريدون به إبطال أمرك (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) الذي يبطله (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) أي نجيؤك بأحسن تفسيرا مما يأتونك به وأجود معاني (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (٣٤) [سورة الفرقان : ٣٤]؟!

الجواب / قال محمد بن إبراهيم النّعماني في (الغيبة) : قال كعب الأحبار :

إذا كان يوم القيامة حشر الناس على أربعة أصناف : صنف ركبان ، وصنف على أقدامهم يمشون ، وصنف مكبّون ، وصنف على وجوههم صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون ، ولا يتكلّمون ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون ، أولئك الذين تلفح وجوههم النار ، وهم فيها كالحون.

فقيل : يا كعب ، من هؤلاء الذين يحشرون على وجوههم ، وهذه الحال حالهم؟ قال كعب : أولئك الذين كانوا على الضّلال والارتداد والنّكث ، فلبئس ما قدّمت لهم أنفسهم إذا لقوا الله بحرب خليفتهم ووصيّ نبيّهم ، وعالمهم ، وسيّدهم ، وفاضلهم ، وحامل اللواء ، ووليّ الحوض ، والمرتجى ، والرجاء دون هذا العالم ، وهو العلم الذي لا يجهل ، والمحجّة التي من زال

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٤٨٨ ـ ٤٨٩.

١٦٦

عنها عطب ، وفي النار هوى ، ذلك عليّ وربّ كعب ، أعلمهم علما ، وأقدمهم سلما ، وأوفرهم حلما ، عجب كعب ممّن قدّم على عليّ غيره.

ومن نسل عليّ عليه‌السلام القائم المهديّ عليه‌السلام ، الذي يبدّل الأرض غير الأرض ، وبه يحتجّ عيسى بن مريم عليه‌السلام على نصارى الروم والصين ، إنّ القائم المهديّ من نسل عليّ عليه‌السلام أشبه الناس بعيسى بن مريم خلقا وخلقا وسمتا وهيبة ، يعطيه الله عزوجل ما أعطى الأنبياء ويزيده ويفضّله.

إنّ القائم عليه‌السلام من ولد علي عليه‌السلام له غيبة كغيبة يوسف ، ورجعة كرجعة عيسى بن مريم ، ثم يظهر بعد غيبته مع طلوع النّجم الأحمر ، وخراب الزّوراء وهي الرّيّ ، وخسف المزورة وهي بغداد ، وخروج السفيانيّ ، وحرب ولد العبّاس مع فتيان أرمينية وآذربيجان ، تلك حرب يقتل فيها ألوف وألوف ، كل يقبض على سيف محلّى ، تخفق عليه رايات سود ، تلك حروب يشوبها الموت الأحمر ، والطاعون الأغبر» (١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) (٣٧) [سورة الفرقان : ٣٥ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم ذكر سبحانه حديث الأنبياء أسمهم ، تسلبية للنبي فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً) أي : معينا يعينه على تبليغ الرسالة ،

__________________

(١) الغيبة : ص ١٤٥ ، ح ٤.

١٦٧

ويتحمل عنه بعض أثقاله. (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) يعني فرعون وقومه وفي الكلام حذف أي : فذهبا إليهم ، فلم يقبلوا منهما ، وجحدوا نبوتهما.

(فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) أي : أهلكناهم إهلاكا بأمر فيه أعجوبة. (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) أي : وأغرقنا قوم نوح بالطوفان ، وهو مجيء السماء بماء منهمر ، وتفجير الأرض عيونا ، حتى التقى الماء على أمر قد قدر. قال الزجاج : من كذب نبيا فقد كذب بجميع الأنبياء.

(وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) أي : عبرة وعظة (وَأَعْتَدْنا) أي : وهيأنا (لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً) سوى ما حل بهم في الدنيا (١).

* س ٢١ : من هم ، أصحاب الرّسّ في قوله تعالى :

(وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) (٣٨) [سورة الفرقان : ٣٨]؟!

الجواب / قال أبو الصلت عبد السّلام بن صالح الهرويّ : حدثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ (صلوات الله عليهم أجمعين) ، قال : «أتى علي بن أبي طالب عليه‌السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم ، يقال له : عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن أصحاب الرسّ ، في أي عصر كانوا ، وأين كانت منازلهم ، ومن كان ملكهم ، وهل بعث الله عزوجل إليهم رسولا ، أم لا ، وبماذا أهلكوا؟ فإني أجد في كتاب الله عزوجل ذكرهم ، ولا أجد خبرهم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٩٦.

١٦٨

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد من قبلك ، ولا يحدّثك به أحد بعدي إلّا عنّي ، وما في كتاب الله عزوجل آية إلّا وأنا أعرفها ، وأعرف تفسيرها ، وفي أي مكان نزلت ، من سهل ، أو جبل ، وفي أي وقت من ليل أو نهار ، وإن ها هنا لعلما جمّا ـ وأشار إلى صدره ـ ولكنّ طلابه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني.

كان من قصّتهم ـ يا أخا تميم ـ أنّهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر ، يقال لها : شاه درخت ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين ، يقال لها دوشاب ، كانت أنبتت لنوح عليه‌السلام بعد الطّوفان ، وإنّما سمّوا أصحاب الرسّ ، لأنّهم رسّوا (١) نبيّهم في الأرض ، وذلك بعد سليمن بن داود عليه‌السلام.

وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطىء نهر يقال له : الرسّ ، من بلاد المشرق ، وبهم سمّي ذلك النهر ، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ، ولا أعذب منه ، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها ، تسمّى إحداهنّ آبان ، والثانية آذر ، والثالثة دي ، والرابعة بهمن ، والخامسة اسفندار ، والسادسة فروردين ، والسابعة أردي بهشت ، والثامنة خرداد ، والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادية عشر مهر ، والثانية عشر شهريور.

وكانت أعظم مدائنهم إسفندار ، وهي التي ينزلها ملكهم ، وكان يسمّى : تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم عليه‌السلام ، وبها العين والصنوبرة ، وقد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة ، وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة ، فنبتت الحبّة ، وصارت شجرة عظيمة ، وحرّموا ماء العين والأنهار ، فلا يشربون منها ، ولا أنعامهم ، ومن فعل ذلك قتلوه ، ويقولون : هو حياة آلهتنا ، فلا

__________________

(١) رسّوه في الأرض : دسّوه فيها. «لسان العرب ـ رسس ـ ج ٦ ، ص ٩٨».

١٦٩

ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرّس ، الذي عليه قراهم.

وقد جعلوا في كل شهر من السنة يوما ، في كلّ قرية ، عيدا يجتمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة التي بها كلّة (١) من حرير ، فيها من أنواع الصور ، ثمّ يأتون بشاة وبقر ، فيذبحونها قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها (٢) في الهواء ، وحال بينهم وبين النّظر إلى السّماء ، خرّوا للشجرة سجّدا ، ويبكون ويتضرّعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجيء فيحرّك أغصانها ، ويصيح من ساقها صياح الصبيّ : إني قد رضيت عنكم ـ عبادي ـ فطيبوا نفسا ، وقرّوا عينا. فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ، ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ، ويأخذون الدّست بند (٣) ، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ، ثمّ ينصرفون.

وإنّما سمّت العجم شهورها بآبان ماه ، وآذر ماه ، وغيرهما ، اشتقاقا من أسماء تلك القرى ، لقول أهلها بعضهم لبعض : هذا عيد شهر كذا ، وعيد شهر كذا ؛ حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى ، اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباح ، عليه من أنواع الصور ، وجعلوا له اثني عشر بابا ، كلّ باب لأهل قرية منهم ، ويسجدون للصنوبرة ، خارجا من السّرادق ، ويقرّبون إليها الذبائح ، أضعاف ما قرّبوه للشجرة التي في قراهم ، فيجيء إبليس عند ذلك ، فيحرّك الصنوبرة تحريكا شديدا ، ويتكلّم من جوفها كلاما جهوريّا ، ويعدهم ويمنّيهم بأكثر مما وعدتهم ومنّتهم الشياطين

__________________

(١) الكلّة : الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق. «الصحاح ـ كلل ـ ج ٥ ، ص ١٨١٢».

(٢) القتار : ريح الشواء. «الصحاح ـ قتر ـ ج ٢ ، ص ٧٨٦».

(٣) دستبند : فارسية ، نوع من الرقص الجماعي الشبيه بالدبكة. «المعجم الذهبي : ص ٢٦٨».

١٧٠

كلّها ، فيرفعون رؤوسهم من السّجود ، وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ، ولا يتكلّمون ، من الشرب والعزف ، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها ، بعدد أعيادهم بسائر السنة ، ثمّ ينصرفون.

فلمّا طال كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره ، بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل ، من ولد يهودا بن يعقوب عليه‌السلام ، فلبث فيهم زمانا طويلا ، يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ، ومعرفة ربوبيّته ، فلا يتّبعونه ، فلمّا رأى شدة تماديهم في الغيّ والضلال ، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح ، وحضر عيد قريتهم العظمى ، قال : يا ربّ ، إنّ عبادك أبوا إلّا تكذيبي ، والكفر بك ، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضرّ ، فأيبس شجرهم أجمع ، وأرهم قدرتك وسلطانك. فأصبح القوم وقد يبس شجرهم ، فهالهم ذلك ، وفظع بهم ، وصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السّماء والأرض إليكم ، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه. وفرقة قالت : لا ، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ، ويقع فيها ـ ، ويدعوكم إلى عبادة غيرها ، فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها ، فتنتصروا منه.

فأجمع رأيهم على قتله ، فاتّخذوا أنابيب طوالا من رصاص ، واسعة الأفواه ، ثمّ أرسلوها في قرار العين ، إلى أعلى الماء ، واحدة فوق الأخرى ، مثل البرابخ (١) ، ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيّقة المدخل ، عميقة ، وأرسلوا فيها نبيّهم ، وألقموا فاها سخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء ، وقالوا : الآن نرجو أن ترضى عنّا آلهتنا ، إذا رأيت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصدّ عن عبادتها ، ودفنّاه تحت كبيرها ، يتشفّى

__________________

(١) البرابخ : البالوعة الواسعة من الخزف. «أقرب الموارد ـ برخ ـ ج ١ ، ص ٣٥».

١٧١

منه ، فيعود إليها نورها ونضرتها كما كان ، فبقوا عامّة يومهم يسمعون أنين نبيّهم عليه‌السلام ، وهو يقول : سيّدي ، قد ترى ضيق مكاني ، وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني ، وقلّة حيلتي ، وعجّل بقبض روحي ، ولا تؤخّر إجابة دعوتي ، حتى مات عليه‌السلام.

فقال الله عزوجل لجبرئيل عليه‌السلام : يا جبرئيل ، أيظن عبادي هؤلاء ، الذين قد غرّهم حلمي ، وأمنوا مكري ، وعبدوا غيري ، وقتلوا رسولي ، أن يقيموا لغضبي ، أو يخرجوا من سلطاني؟ كيف وأنا المنتقم ممّن عصاني ، ولم يخش عقابي ، وإنّي حلفت بعزّتي وجلالي لأجعلنّهم عبرة ونكالا للعالمين. فلم يرعهم (١) وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديدة الحرة ، فتحيّروا فيها ، وذعروا منها ، وتضام (٢) بعضهم إلى بعض ، ثم صارت الأرض من تحتهم كحجر كبريت يتوقّد وأظلّتهم سحابة سوداء ، فألقيت عليهم كالقبة جمرا يلتهب ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرّصاص في النار. فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ، ونزول نقمته ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم» (٣).

ودخلت امرأة مع مولاة لها على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقالت : ما تقول في اللّواتي مع اللّواتي؟ قال : «هنّ في النار ، إذا كان يوم القيامة أتي بهنّ ، فألبسن جلبابا من نار ، وخفّين من نار ، وقناعا من نار ، وأدخل في أجوافهنّ وفروجهنّ أعمدة من نار ، وقذف بهنّ في النار».

فقالت : أليس هذا في كتاب الله؟ قال : «بلى» قالت : أين هو؟ قال : «قوله : (وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِ) فهن الرسّيّات» (٤).

__________________

(١) الرّوع : الفزع. «لسان العرب ـ روع ـ ج ٨ ، ص ١٣٥».

(٢) تضام القوم : إذا انضم بعضهم إلى بعض. «الصحاح ـ ضمم ـ ج ٥ ، ص ١٩٧٢».

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٠٥ ، ح ١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٣.

١٧٢

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) (٤٠) [سورة الفرقان : ٣٩ ـ ٤٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطبرسيّ : في قوله تعالى : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) أي : وكلا بينا لهم أن العذاب نازل بهم ، إن لم يؤمنوا ... وقيل : معناه بينا لهم الأحكام في الدين والدنيا (١). وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً) : «يعني كسّرنا تكسيرا ـ قال ـ وهي بالنبطية» (٢).

٢ ـ قال الشيخ الطبرسي : في قوله : (وَلَقَدْ أَتَوْا) يعني كفار مكة (٣). وفي قوله تعالى : (عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وأمّا القرية التي أمطرت مطر السّوء فهي سدوم ، قرية قوم لوط ، أمطر الله عليهم حجارة من سجّيل ، يقول : من طين» (٤).

وقال الشيخ الطبرسيّ : في قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) في أسفارهم إذا مروا بها فيخافوا ويعتبروا (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً) يعني : بل رأوها ، وإنما لم يعتبروا بها ، لأنهم كانوا لا يخافون البعث.

وقيل : لا يأملون ثوابا. ولا يؤمنون بالنشأة الثانية ، فركبوا المعاصي (٥).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٩٧.

(٢) معاني الأخبار : ص ٢٢٠ ، ح ١.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٩٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٤.

(٥) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٩٧.

١٧٣

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٢) [سورة الفرقان : ٤١ ـ ٤٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين وصفهم فيا تقدم ، فقال : (وَإِذا رَأَوْكَ) أي : وإذا شاهدوك يا محمد (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) أي : ما يتخذونك إلا مهزوا به ، والمعنى أنهم يستهزئون بك ، ويستصغرونك ، ويقولون على وجه السخرية : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) أي : بعثه الله إلينا رسولا (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا) قال ابن عباس : معناه لقد كاد يصرفنا عن عبادة آلهتنا ، وتأويله : قد قارب أن يأخذ بنا في غير جهة عبادة آلهتنا ، على وجه يؤدي إلى هلاكنا ، فإن الإضلال : الأخذ بالشيء إلى طريق الهلاك. (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) أي : على عبادتها ، لأزلنا عن ذلك ، وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه.

فقال سبحانه متوعدا لهم : (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ) الذي ينزل بهم في الآخرة عيانا (مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) أي : من أخطأ طريقا عن الهدى ، أهم أم المؤمنون (١).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (٤٣) [سورة الفرقان : ٤٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في قريش ، وذلك أنّه ضاق عليهم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٩٩.

١٧٤

المعاش ، فخرجوا من مكّة ، وتفرّقوا ، فان الرجل إذا رأى شجرة حسنة أو حجرا حسنا ، هويه فعبده ، وكانوا ينحرون لها النّعم ، ويلطّخونها بالدم ، ويسمّونها سعد صخرة ، وكانوا إذا أصابهم داء في إبلهم وأغنامهم ، جاءوا إلى الصخرة ، فيمسحون بها الغنم والإبل ، فجاء رجل من العرب بإبل له ، يريد أن يتمسّح بالصّخرة لإبله ، ويبارك عليها ، فنفرت إبله وتفرّقت ، فقال الرجل شعرا :

أتينا إلى سعد (١) ليجمع شملنا

فشتّتنا سعد فما نحن من سعد

وما سعد إلا صخرة بتنوفة (٢)

من الأرض لا تهدي لغيّ ولا رشد

ومر به رجل من العرب ، والثعلب يبول عليه ، فقال شعرا :

وربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب (٣)

* * *

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٤٤) [سورة الفرقان : ٤٤]؟!

الجواب / قال هشام بن الحكم ، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «يا هشام ، ثمّ ذمّ الله الذين لا يعقلون ، فقال : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(٤).

__________________

(١) سعد اسم صنم لبني ملكان بن كنانة. «لسان العرب ـ سعد ـ ج ٣ ، ص ٢١٨».

(٢) في «ج ، ي ، ط» : مستوية ، وما أثبتناه من الصحاح ولسان العرب ، مادة (سعد) والتّنوفة : المفازة. «الصحاح ـ تنف ـ ج ٤ ، ص ١٣٣٣».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٤.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ١١ ، ١٢.

١٧٥

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «فأمّا أصحاب المشأمة ، فهم اليهود والنّصارى ، يقول الله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(١) يعرفون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والولاية ، في التّوراة والإنجيل ، كما يعرفون أبناءهم في منازلهم (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) أنك الرسول إليهم (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٢) ، فلمّا جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك ، فسلبهم روح الإيمان ، وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح : روح القوّة ، وروح الشّهوة ، وروح البدن ، ثمّ أضافهم إلى الأنعام ، فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) ، لأنّ الدّابة إنما تحمل بروح القوّة ، وتعتلف بروح الشّهوة ، وتسير بروح البدن» (٣).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) (٤٥) [سورة الفرقان : ٤٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «الظلّ : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (٤).

وقال ابن شهر آشوب : نزل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة ، تحت شجرة قليلة الظلّ ، ونزل أصحابه حوله ، فتداخله شيء من ذلك ، فأذن الله تعالى لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت وظللت الجميع ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً)(٥).

__________________

(١) البقرة : ١٤٦.

(٢) البقرة : ١٤٦ و ١٤٧.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢١٤ ، ١٦.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٥.

(٥) المناقب : ج ١ ، ص ١٣٥.

١٧٦

٢ ـ قال الشيخ الطبرسيّ : (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ) أي : على الظل (دَلِيلاً) قال ابن عباس : تدل الشمس على الظل بمعنى : أنه لو لا الشمس لما عرف الظل ، ولو لا النور لما عرفت الظلمة ، وكل الأشياء تعرف بأضدادها. وقيل : معناه ثم جعلنا الشمس عليه دليلا بإذهابها إياه عند مجيئها : وقيل لأن الظل يتبع الشمس في طوله وقصره ، كما يتبع السائر الدليل ، فإذا ارتفعت الشمس قصر الظل ، وإذا انحطت الشمس طال الظل. وقيل : إن على هنا بمعنى مع ، فالمعنى : ثم جعلنا الشمس مع الظل دليلا على وحدانيتنا (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) (٤٧) [سورة الفرقان : ٤٦ ـ ٤٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) أي : قبضنا الظل بارتفاع الشمس ، لأن الشمس كلما تعلو ينقص الظل ، فجعل سبحانه ذلك قبضا. وأخبر أن ذلك يسير ، بمعنى أنه سهل عليه ، لا يعجزه. قال الكلبي : إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضا خفيا ، والمعنى : ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه ، حتى ننسخها شيئا فشيئا. وقيل : معناه ثم قبضنا الظل بغروب الشمس إلينا أي : إلى الموضع الذي حكمنا بكون الظل فيه. قبضا يسيرا أي : خفيا. وإنما قيل ذلك ، لأن الظل لا يذهب بغروب الشمس دفعة ، بل يذهب جزءا فجزءا بحدوث الظلام. فكلما حدث جزء من الظلام نقص جزء من الظل.

٢ ـ وقال في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) أي :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٠٠.

١٧٧

غطاء ساترا للأشياء بالظلال ، كاللباس الذي يشتمل على لابسه. فالله سبحانه ألبسنا الليل ، وغشانا به ، لنسكن ونستريح من كد الأعمال ، كما قال في موضع آخر (لِتَسْكُنُوا فِيهِ). (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أي : راحة لأبدانكم ، وقطعا لأعمالكم. قال الزجاج : السبات أن ينقطع عن الحركة ، والروح في بدنه. (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) لانتشار الروح باليقظة فيه ، مأخوذ من نشور البعث. وقيل : لأن الناس ينتشرون فيه لطلب حوائجهم ومعايشهم ، فيكون النشور هنا بمعنى التفرق لابتغاء الرزق.

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٤٨) [سورة الفرقان : ٤٨]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «إذا أردت الطهارة والوضوء ، فتقدّم إلى الماء تقدّمك إلى رحمة الله تعالى ، فإنّ الله تعالى قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ، ودليلا إلى بساط خدمته ، وكما أن رحمة الله تطهّر ذنوب العباد ، كذلك النّجاسات الظاهرة يطهّرها الماء لا غير ، قال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) ، وقال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(١) ، فكما أحيا به كلّ شيء من نعيم الدنيا ، كذلك برحمته وفضله جعل حياة القلب والطاعات والتفكّر في صفاء الماء ورقّته وطهره وبركته ولطيف امتزاجه بكل شيء ، واستعمله في تطهير الأعضاء التي أمرك الله بتطهيرها ، وتعبّدك بأدائها في فرائضه وسننه ، فإنّ تحت كلّ واحدة منها فوائد كثيرة ، فإذا استعملتها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائده

__________________

(١) الأنبياء : ٣٠.

١٧٨

عن قريب ، ثم عاشر خلق الله كامتزاج الماء بالأشياء ، يؤدي كلّ شيء حقّه ، ولا يتغيّر عن معناه ، معبّرا لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل المؤمن المخلص كمثل الماء ، ولتكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعاتك كصفوة الماء حين أنزله من السّماء ، وسمّاه طهورا ، وطهّر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء» (١).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠) وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (٥٢) [سورة الفرقان : ٤٩ ـ ٥٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) قد مات بالجدب ، وأراد بالبلدة ، البلد ، أو المكان. فلذلك قال (مَيْتاً) بالتذكير ، والمعنى : لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت. قال ابن عباس : لنخرج به النبات والثمار (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً) أي : ولنسقي من ذلك الماء أنعاما جمة ، أو نجعله سقيا لأنعام (وَأَناسِيَّ كَثِيراً) أي : أناسا كثيرة.

٢ ـ وقال : قوله : (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ) أي : صرفنا المطر (بَيْنَهُمْ) ، يدور في جهات الأرض ، وقيل : قسمناه بينهم يعني المطر ، فلا يدوم على مكان فيهلك ، ولا ينقطع عن مكان فيهلك. ويزيد لقوم ، وينقص لآخرين على حسب المصلحة. (لِيَذَّكَّرُوا) أي : ليتفكروا ويستدلوا به على سعة مقدورنا ،

__________________

(١) مصباح الشريعة : ص ١٢٨.

١٧٩

ولأنه لا يستحق العبادة غيرنا (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي : جحودا لما عددناه من النعم وإنكارا ، فيقولون : مطرنا نبوء كذا وكذا ... وقيل : فأبوا إلا كفورا بالبعث والنشور.

ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزل جبرئيل على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية هكذا ، فأبى أكثر الناس من أمّتك بولاية عليّ إلا كفورا» (١).

٣ ـ وقال : قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) ينذرهم ، ولكن بعثناك يا محمد إلى القرى كلها ، رسولا لعظيم منزلتك لدينا. والنذير : هو الداعي إلى ما يؤمن معه الخوف من العقاب. وقيل : إنه إخبار عن قدرته سبحانه ، والمعنى : لو شئنا لقسمنا بينهم النذر ، كما قسمنا الأمطار بينهم ، ولكن نفعل ما هو الأصلح لهم ، والأعود عليهم في دينهم ودنياهم ، فبعثناك إليهم كافة. (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) فيما يدعونك إليه من المداهنة والإجابة إلى ما يريدون. (وَجاهِدْهُمْ) في الله (بِهِ) أي : بالقرآن (جِهاداً كَبِيراً) أي : تاما شديدا.

وفي هذه الآية دلالة على أن من أجل الجهاد وأعظمه منزلة عند الله سبحانه ، جهاد المتكلمين في حل شبه المبطلين ، وأعداء الدين ، ويمكن أن يتأول عليه قوله : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» (٢).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٥٣) [سورة الفرقان : ٥٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ)

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٧٥ ، ح ١١.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٠٣.

١٨٠