التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها ، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف ، والكون ، والقدر ، والحدّ والأين ، والمشيئة ، وصفة الإرادة ، وعلم الألفاظ والحركات والترك ، وعلم العود والبداء ، فهما في العلم بابان مقرونان ، لأنّ ملك العرش سوى ملك ملك الكرسيّ ، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ ، فمن ذلك قال : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي صفته أعظم من صفة الكرسيّ ، وهما في ذلك مقرونان».

قلت : جعلت فداك ، فلم صار في الفضل جار الكرسيّ؟ قال : «إنّه صار جاره ، لأنّ فيه علم الكيفوفيّة ، وفيه الظاهر من أبواب الباء ، وأينيّتها ، وحدّ رتقها وفتقها. فهذان جاران ، أحدهما حمل صاحبه في الصرف ، وبمثل صرف العلماء يستدلون على صدق دعواها ، لأنّه يختصّ برحمته من يشاء ، وهو القويّ العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش ، أنه قال تبارك وتعالى : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)(١) وهو وصف عرش الوحدانية ، لأنّ قوما أشركوا كما قلت لك : قال تبارك وتعالى : (رَبُّ الْعَرْشِ) ربّ الوحدانيّة عمّا يصفون. وقوما وصفوه بيدين ، فقالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(٢) وقوما وصفوه بالرجلين ، فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السماء ، وقوما وصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات ، قال : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) يقول : ربّ المثل الأعلى عمّا به مثّلوه ، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ، ولا يوصف ، ولا يتوهّم ، فذلك المثل الأعلى.

__________________

(١) الزخرف : ٨٢.

(٢) المائدة : ٦٤.

٢٦١

ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم ، فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال ، وشبّهوه لمشابهة منهم فيما جهلوا به ، فلذلك قال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)(١) فليس له شبه ، ولا مثل ، ولا عدل ، وله الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره. وهي التي وصفها في الكتاب ، فقال : (فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ)(٢) جهلا ، بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم ، يشرك وهو لا يعلم ، ويكفر به وهو يظنّ أنّه يحسن ، فلذلك قال : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(٣) فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم ، فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان ، إنّ الله تبارك وتعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء ، فهم الذين أعطاهم الفضل ، وخصّهم بما لم يخصّ به غيرهم ، فأرسل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكان الدليل على الله ، بإذن الله عزوجل حتى مضى دليلا هاديا ، فقام من بعده وصيّه عليه‌السلام دليلا هاديا على ما كان هو دلّ عليه من أمر ربّه ، من ظاهر علمه ، ثمّ الأئمة الراشدون عليهم‌السلام» (٤).

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم القمي : ثم قال سليمان : (سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ) إلى قوله : (ما ذا يَرْجِعُونَ) ، فقال الهدهد : إنها في حصن منيع ، في سبأ (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) أي سرير.

قال سليمان : «ألق الكتاب على قبتها» فجاء الهدهد ، فألقى الكتاب في حجرها ، فارتاعت من ذلك ، وجمعت جنودها ، وقالت لهم ، كما حكى الله : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ) أي مختوم ، (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي لا تتكبّروا علي ـ

__________________

(١) الإسراء : ٨٥.

(٢) الأعراف : ١٨٠.

(٣) يوسف : ١٠٦.

(٤) التوحيد : ص ٣٢١.

٢٦٢

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : لا تعظموا علي (١).

ثم قالت : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) ، فقالوا لها ، كما حكى الله : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) فقالت لهم : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً). فقال الله عزوجل : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ).

ثمّ قالت : إن كان هذا نبيّا من عند الله ـ كما يدّعي ـ فلا طاقة لنا به ، فإنّ الله لا يغلب ، ولكن سأبعث إليه بهديّة ، فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها ، وعلمت أنه لا يقدر علينا. فبعثت إليه حقّة (٢) فيها جوهرة عظيمة ، وقالت للرسول : قل له يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ، ولا نار. فأتاه الرسول بذلك ، فأمر سليمان جنوده من الديدان ، فأخذ خيطا في فيه ، ثمّ ثقبها ، وأخرج الخيط من الجانب الآخر ، وقال سليمان لرسولها : (فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) أي لا طاقة لهم بها ـ وهو ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ).

فرجع إليها الرسول ، فأخبرها بذلك ، وبقوّة سليمان ، فعلمت : أنه لا محيص لها. فخرجت وارتحلت نحو سليمان ، فلمّا علم سليمان بإقبالها نحوه ، قال للجنّ والشياطين : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) ، قال سليمان : «أريد أسرع من ذلك». فقال آصف بن برخيا : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ، فدعا الله باسمه الأعظم ، فخرج السرير

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

(٢) الحقّة : وعاء من خشب ، وقد تسوّى من العاج «أقرب الموارد ـ حقق ـ ج ١ ، ص ٢١٥».

٢٦٣

من تحت كرسيّ سليمان ، ـ [أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد ، فتكلّم به ، فخسف بالأرض ، ما بينه وبين سرير بلقيس ، حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت ، أسرع من طرفة العين ، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تبارك وتعالى ، استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله» (١).

وقال سدير : كنت أنا ، وأبو بصير ، وميسّر ، ويحيى البزّاز ، وداود الرقيّ ، في مجلس أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذ خرج إلينا وهو مغضب ، فلمّا أخذ مجلسه ، قال : «عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب! ما يعلم الغيب إلا الله ، لقد هممت بضرب خادمتي فلانة ، فذهبت عنّي ، فما عرفتها في أيّ البيوت هي من الدار».

فلمّا أن قام من مجلسه ، وصار إلى منزله ، دخلت أنا ، وأبو بصير ، وميسّر على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقلنا له : جعلنا فداك ، سمعناك تقول كذا وكذا في أمر خادمتك ، ونحن نعلم أنّك تعلم علما كثيرا ولا ننسبك إلى علم الغيب ، فقال : «يا سدير ، أما تقرأ القرآن؟» قلت : قد قرأناه ، جعلنا الله فداك.

فقال : «هل وجدت فيما قرأت من كتاب الله : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)؟ ، قلت : جعلت فداك ، قد قرأته. قال : «فهل عرفت الرجل ، وعرفت ما كان عنده من علم الكتاب؟». قال : قلت : فأخبرني حتى أعلم ، قال : «قدر قطرة من المطر الجود (٢) ، في البحر الأخضر ، ما يكون ذلك من علم الكتاب؟».

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٧٩ ، ح ١.

(٢) المطر الجود : المطر الواسع الغزير.

٢٦٤

قلت : جعلت فداك ، ما أقلّ هذا؟ قال : «يا سدير ، ما أكثره إن لم ينسبه إلى العلم الذي أخبرك به! يا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(١) كلّه؟». قال : وأومأ بيده إلى صدره ، فقال : «علم الكتاب كلّه ، والله عندنا ـ ثلاثا ـ» (٢).

ولعل سائل يسأل هل أن سليمان عليه‌السلام كان محتاجا إلى علم غيره مثل آصف بن برخيا؟! يكون الجواب الرواية التالية :

قال الطبرسي : روى العياشيّ في (تفسيره) بالإسناد قال : التقى موسى ابن محمد بن علي بن موسى عليهم‌السلام ، ويحيى بن أكثم ، فسأله عن مسائل ، قال : فدخلت على أخي علي بن محمد عليهما‌السلام ، إذ دار بيني وبينه من المواعظ ، حتى انتهت إلى طاعته ، فقلت له : جعلت فداك ، إنّ ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها؟ فضحك ، ثمّ قال : «هل أفتيته فيها؟» ، قلت : لا. قال : «ولم؟» ، قلت : لم أعرفها ، قال : «وما هي؟» ، قلت : قال : أخبرني عن سليمان ، أكان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا؟ ثم ذكر المسائل الأخر.

قال : «اكتب ـ يا أخي ـ بسم الله الرحمن الرحيم ، ـ سألت عن قول الله تعالى في كتابه : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) فهو آصف بن برخيا ، ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرف آصف ، لكنّه (صلوات الله عليه) أحبّ أن يعرّف أمّته من الجنّ والإنس أنّه الحجّة من بعده ، وذلك من علم سليمان بن داود عليه‌السلام ، أودعه آصف بأمر الله تعالى ، ففهّمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته ، ودلالته ، كما فهّم سليمان في حياة داود لتعرف إمامته ونبوّته من بعده ، لتأكيد الحجّة على الخلق» (٣).

__________________

(١) الرعد : ٤٣.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٢٣٣ ، ح ٣.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٥١.

٢٦٥

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «... وقول سليمان : (لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ) لما أتاني من الملك (أَمْ أَكْفُرُ) إذا رأيت من هو أدون منّي أفضل منّي علما؟ فعزم الله له على الشكر» (١).

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم القمي : فقال سليمان (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) أي غيّروه (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ).

وكان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيتا من قوارير ، ووضعه على الماء ، ثمّ قيل لها (ادْخُلِي الصَّرْحَ) فظنّت أنه ماء ، فرفعت ثوبها ، وأبدت ساقيها ، فإذا عليها شعر كثير ، فقيل لها : (إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فتزوّجها سليمان ، وهي بلقيس بنت الشرح الحميرية ، وقال سليمان للشياطين ـ وقيل وقالت الشياطين ـ : «اتخذوا لها شيئا يذهب الشعر عنها». فعملوا الحمّامات ، وطبخوا النورة والزرنيخ. ، فالحمامات والنورة ممّا اتخذته الشياطين لبلقيس ، وكذا الأرحية (٢) التي تدور على الماء» (٣).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

(٢) الأرحية : واحدتها الرّحى ، وهي الأداة التي يطحن بها.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٦.

٢٦٦

يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٤٩) [سورة النمل : ٤٥ ـ ٤٩]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) : «يقول : مصدّق ، ومكذّب. قال الكافرون منهم : أتشهدون أنّ صالحا مرسل من ربّه؟ وقال المؤمنون : إنّا بالذي أرسل به مؤمنون. قال الكافرون منهم : إنّا بالذي آمنتم به كافرون ، وقالوا : يا صالح ائتنا بما تعدنا ـ وقيل : بآية ـ إن كنت من الصادقين. فجاءهم بناقة ، فعقروها ، وكان الذي عقرها أزرق ، أحمر ، ولد زنا» (١).

٢ ـ وقال عليه‌السلام : وأما قوله : (لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) فإنّهم سألوه قبل أن تأتيهم الناقة ، أن يأتيهم بعذاب أليم ، وأرادوا بذلك امتحانه. فقال : (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) يقول : بالعذاب قبل الرحمة (٢).

٣ ـ وقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) فإنهم أصابهم جوع شديد ، فقالوا : هذا من شؤمك ، وشؤم من معك أصابنا هذا القحط ، وهي الطّيرة (قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ) يقول : خيركم ، وشرّكم ، وشؤمكم من عند الله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) يقول : تبتلون بالاختبار (٣).

٤ ـ وقال عليه‌السلام : وأمّا قوله : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) كانوا يعملون في الأرض بالمعاصي.

وأمّا قوله : (تَقاسَمُوا بِاللهِ) أي تحالفوا (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَ) أي

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٢.

٢٦٧

لنحلفنّ (لِوَلِيِّهِ) منهم (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) يقول : لنفعلنّ ، فأتوا صالحا ليلا ليقتلوه ، وعند صالح ملائكة يحرسونه ، فلمّا أتوه قاتلتهم الملائكة في دار صالح رجما بالحجارة ، فأصبحوا في داره مقتّلين ، وأخذت قومه الرّجفة ، وأصبحوا في دارهم جاثمين ... (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٣) [سورة النمل : ٥٠ ـ ٥٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قال الله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) أي : جازيناهم جزاء مكرهم بتعجيل عقوبتهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بمكر الله بهم ، فإنهم دخلوا على صالح ليقتلوه ، فأنزل الله سبحانه الملائكة ، فرموا كل واحد منهم بحجر حتى قتلوهم ، وسلم صالح من مكرهم ..».

وقيل : إن الله أمر صالحا بالخروج من بينهم ، ثم استأصلهم بالعذاب. وقيل : نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضا ، ليأتوا صالحا ، فخر عليهم الجبل ...

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) أي : أهلكناهم بما ذكرناه من العذاب (وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) بصيحة جبرائيل (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ) أشار إلى بيوتهم ، والمعنى فانظر إليها (خاوِيَةً) نصب على الحال أي : فارغة خالية (بِما ظَلَمُوا) أي بظلمهم ، وشركهم بالله تعالى. (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٢.

٢٦٨

إهلاكهم (لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : لعبرة لمن نظر إليها ، واعتبر بها. وفي هذه الآية دلالة على أن الظلم يعقب خراب الدور. وروي عن ابن عباس أنه قال : أجد في كتاب الله على أن الظلم يخرب البيوت ، وتلا هذه الآية. وقيل : إن هذه البيوت بوادي القرى ، بين المدينة والشام. (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) به (وَكانُوا يَتَّقُونَ) قالوا : إنهم أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت ، وسمي حضرموت لأن صالح لما دخلها مات (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (٥٨) [سورة النمل : ٥٤ ـ ٥٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) ثم ذكر سبحانه قصة لوط ، عاطفا بها على ما تقدم ، فقال : (وَلُوطاً) أي : وأرسلنا لوطا (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) منكرا عليهم أفعالهم (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعني الخصلة القبيحة ، الشنيعة ، الظاهرة القبح ، وهي إتيان الذكران في أدبارهم (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) أي : تعلمون أنها فاحشة. وقيل : معناه وأنتم يرى بعضكم ذلك من بعض. ثم بين سبحانه الفاحشة التي يأتونها فقال : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ) اللاتي خلقهن الله لكم. (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) أي : تفعلون أفعال الجهال. قال ابن عباس : تجهلون القيامة ، وعاقبة العصيان.

(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٩٢.

٢٦٩

أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) عن إتيان الرجال في أدبارهم (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) أي : جعلناها (مِنَ الْغابِرِينَ) أي : الباقين في العذاب (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) وهو الحجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) الذين أبلغهم لوط النذارة ، وأعلمهم بموضع المخافة ليتقوها ، فخالفوا ذلك (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (٦٠) [سورة النمل : ٥٩ ـ ٦٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) قال : هم آل محمّد عليهم‌السلام ، وقوله : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا)(٢) قال : لا تكون الخلافة في آل فلان ، ولا آل فلان ، ولا آل فلان ، ولا طلحة ، ولا الزبير.

وأمّا قوله : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) أي بساتين ذات حسن (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) وهو على حدّ الاستفهام ، (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يعني فعل هذا مع الله ، (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) ، قال : عن الحقّ (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٩٣.

(٢) النمل : ٥٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

٢٧٠

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦١) [سورة النمل : ٦١]؟!

الجواب / ١ ـ روي ابن شهر آشوب : عن أنس بن مالك ، قال : لمّا نزلت الآيات الخمس في طس : (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً)(١) انتفض علي عليه‌السلام انتفاض العصفور ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مالك ، يا عليّ؟» قال : «عجبت ـ يا رسول الله ـ من كفرهم ، وحلم الله تعالى عنهم» فمسحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده ، ثم قال : «أبشر ، فإنه لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق ، ولو لا أنت لم يعرف حزب الله» (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وأمّا قوله (بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) يقول : فضاء» (٣).

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام قوله : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : «أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد» (٤).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٦٢) [سورة النمل : ٦٢]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة ومتقاربة في المعنى في معنى هذه

__________________

(١) الآيات الخمس : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ـ إلى قوله تعالى ـ (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦٠ ـ ٦٤).

(٢) المناقب : ج ٢ ، ص ١٢٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٠١ ، ح ٢.

٢٧١

الآيات نذكر منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ القائم عليه‌السلام إذا خرّج ، دخل المسجد الحرام ، فيستقبل الكعبة ، ويجعل ظهره إلى المقام ، ثمّ يصلّي ركعتين ، ثم يقوم ، فيقول : يا أيها الناس ، أنا أولى الناس بآدم. يا أيها الناس ، أنا أولى الناس بإبراهيم. يا أيّها الناس ، أنا أولى الناس بإسماعيل ، يا أيها الناس ، أنا أولى الناس بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ يرفع يديه إلى السماء ، ويدعو ، ويتضرّع ، حتى يقع على وجهه ، وهو قوله عزوجل : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هذه الآية نزلت في القائم عليه‌السلام ، إذا خرج تعمّم ، وصلى عند المقام ، وتضرّع إلى ربّه ، فلا تردّ له راية أبدا» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نزلت في القائم من آل محمّد عليهم‌السلام ، هو والله المضطرّ ، إذا صلى في المقام ركعتين ، ودعا إلى الله فأجابه ، ويكشف السوء ، ويجعله خليفة في الأرض». وهذا ممّا ذكرنا أنّ تأويله بعد تنزيله (٣) ـ هذا القول لعلي بن إبراهيم القميّ.

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (٦٥) [سورة النمل : ٦٣ ـ ٦٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال ـ تعالى ـ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٠٢ ، ح ٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٠٣ ، ح ٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

٢٧٢

(يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) بما نصب لكم من الدلالات التي تستدلون بها ، من الكواكب وغيرها (وَمَنْ) الذي (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يعني بين يدي المطر والغيث.

ومن قرأ بالنون أراد ملقحات. وقيل : معناه منتشرة. ومن قرأ بالباء أراد مبشرات بالمطر.

ثم نزه نفسه عن الإشراك به واتخاذ إله معه فقال (تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ثم قال (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يبدؤهم بأن يخترعهم ابتداء ، ثم يعيدهم بعد أن يميتهم ، ويعيدهم إلى ما كانوا عليه (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) من السماء بالغيث والمطر. ومن الأرض بالنبات وأنواع الثمار (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) يقدر على ذلك (قُلْ) لهم يا محمد (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) وحجتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في قولكم محقين في الإشراك معه ، فإذا لم تقدروا على إقامة البرهان على ذلك ، فاعلموا أنه لا إله معه ، ولا يستحق العبادة سواه ، لأن كان ما يكون حقا من أمر الدين لا بد أن يكون عليه دلالة وبرهان.

ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْ) يا محمد (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) يعني الغائب عن الخلق لا يعلم به إلّا الله تعالى أو من أعلمه الله ، ثم أخبر أنهم لا يشعرون : متى يبعثون ويحشرون يوم القيامة (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ١١٠ ـ ١١١.

٢٧٣

كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) (٧٢) [سورة النمل : ٦٦ ـ ٧٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) يقول : «علموا ما كانوا جهلوا في الدنيا» (١).

وقال علي بن إبراهيم : ثمّ حكى الله عزوجل قول الدهرية ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أي أكاذيب الأوّلين ، فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ).

ثم حكى أيضا قولهم : (وَيَقُولُونَ) يا محمد (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)

(قُلْ) لهم (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) أي قد قرب من خلفكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) ثمّ قال : (إِنَّكَ) يا محمد (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ)(٢) أي أنّ هؤلاء الذين تدعوهم لا يسمعون ما تقول ، كما لا يسمع الموتى والصمّ (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٤) [سورة النمل : ٧٣ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال ـ تعالى ـ :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٢.

(٢) النمل : ٨٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

٢٧٤

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) والفضل الزيادة على ما للعبد بما يوجبه الشكر ، فالعدل حق العبد ، والفضل فيه واقع من الله لا محالة إلا أنه على ما يصح وتقتضيه الحكمة.

ثم أخبر أن (أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) الله على نعمه بل يكفرونه.

ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) أي ما تخفيه صدورهم ، يقال : كتمت الشيء في نفسي ، وأكننته إذا سترته في نفسك ، فهو مكن ومكنون لغتان. قال الرماني ؛ الإكنن جعل الشيء بحيث لا يلحقه أذى لمانع يصد عنه (وَما يُعْلِنُونَ) أي يعلم ما يظهرونه أيضا (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٧٥) [سورة النمل : ٧٥]؟!

الجواب / تقدم تفسير هذه الآية بهامش الكافي : ج ١ ، ص ١٧٦ ، ح ٧ ، في تفسير آية رقم (٢٠) من سورة النمل.

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٨١) [سورة النمل : ٧٦ ـ ٨١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم ذكر سبحانه من الحجج ما يقوي قلب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ)

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ١١٥.

٢٧٥

أي : يخبرهم بالصدق (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من حديث مريم وعيسى والنبي المبشر به في التوراة ، حيث قال بعضهم : هو يوشع ، وقال بعضهم : لا بل هو منتظر لم يأت بعد ، وغير ذلك من الأحكام.

وكان ذلك معجزة لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كان لا يدرس كتبهم ، ولا يقرؤها ، ثم أخبرهم بما فيها. (وَإِنَّهُ) يعني القرآن (لَهُدىً) أي : دلالة على الحق (وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : نعمة لهم. (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) يريد بين المختلفين في الدين يوم القيامة.

وأشار بذلك إلى شيئين أحدهما : إن الحكم له ، فلا ينفذ حكم غيره ، فيوصل إلى كل ذي حق حقه والآخر : إنه وعد المظلوم بالانتصاف من الظالم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) القادر على ما يشاء ، لا يمتنع عليه شيء (الْعَلِيمُ) بالمحق والمبطل ، فيجازي كلا بحسب عمله. وفي هذه الآية تسلية للمحقين من الذين خولفوا في أمور الدين ، وأن أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين.

ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) يا محمّد (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي : الواضح البين الظاهر. والمحق أولى بالتوكل من المبطل المدغل. المراد بهذا الخطاب : سائر المؤمنين ، وإن كان في الظاهر لسيد المرسلين.

ثم شبه الكفار بالموتى فقال : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) يقول : كما لا يسمع ، ولا يقبل بالموعظة ، ولا يتدبر فيها. (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) إنما قال ذلك ، لأن الأصم إذا كان قريبا ، فالإنسان يطمع في إسماعه. فإذا أعرض وأدبر وتباد ، انقطع الطمع في إسماعه. فجعل سبحانه المصمم على الجهل كالميت في أنه لا يقبل الهدى ، وكالأصم في أنه لا يسمع الدعاء.

٢٧٦

(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) في الدين بالآيات الدالة على الهدى إذا أعرضوا عنها ، كما لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى قصد الطريق. جعل سبحانه الجهل بمنزلة العمى ، لأنه يمنع عن إدراك الحق ، كما يمنع العمى من إدراك المبصرات. (إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) أي : ما يسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) أي : مستسلمون منقادون. جعل سبحانه استماعهم ، وقبولهم الحق سماعا ، وتركهم للقبول تركا للسماع. وقيل : مسلمون ، أي : موحدون مخلصون (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨٤) [سورة النمل : ٨٢ ـ ٨٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو نائم في المسجد ، وقد جمع رملا ووضع رأسه عليه ، فحرّكه برجله ، ثم قال له : يا دابّة الأرض ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيسمّي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال : لا والله ، ما هو إلا له خاصّة ، وهو الدابّة التي ذكرها الله تعالى في كتابه (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ).

ثم قال : يا علي ، إذا كان آخر الزمان ، أخرجك الله في أحسن صورة ، ومعك ميسم ، تسم به أعداءك».

فقال رجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الناس يقولون : هذه الدابّة إنّما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٠٣.

٢٧٧

تكلمهم (١)؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كلمهم الله في نار جهنّم ، وإنما هو يكلّمهم من الكلام ، والدليل على أن هذا في الرجعة قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ قال ـ الآيات : أمير المؤمنين ، والأئمّة عليهم‌السلام.

فقال الرجل لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ العامّة تزعم أن قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) ، عنى في القيامة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أفيحشر الله من كل أمة فوجا ، ويدع الباقين؟! لا ، ولكنه في الرجعة ، وأما آية القيامة فهي : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٢)» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث قدسيّ : يا محمد ، عليّ أوّل من أخذ ميثاقه من الأئمّة. يا محمد ، عليّ آخر من أقبض روحه من الأئمّة ، وهو الدابّة التي تكلّم الناس» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) : «ليس أحد من المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل» (٥).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٨٦) [سورة النمل : ٨٥ ـ ٨٦]؟!

قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ)

__________________

(١) الكلم : الجرح.

(٢) الكهف : ٤٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٠.

(٤) مختصر بصائر الدرجات : ص ٣٦ و ٦٤.

(٥) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٠٦ و ٤٠٨.

٢٧٨

أي : وجب العذاب عليهم (بِما ظَلَمُوا) أي : بظلمهم إذ صاروا بحيث لا يفلح جهد منهم بسببهم (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) إذ ذاك بكلام ينتفعون به. ويجوز أن يكون المراد : أنهم لا ينطقون أصلا ، لعظم ما يشاهدونه ، وهول ما يرونه.

ثم بين سبحانه قدرته على الإعادة والبعث ، بما احتج به على الكفار ، فقال : (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ) عن التعب والحركات (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : يبصر فيه ، ويمكن التصرف فيه لضيائه ، ويدرك بنوره جميع الأشخاص ، كما يدرك بنور البصر (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : دلالات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لأن جعل الشئ لما يصلح له من الإنتفاع ، إنما يكون بالإختيار ، ولا يكون بالطباع (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٨٨) [سورة النمل : ٨٧ ـ ٨٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) منصوب بتقدير ، واذكر يوم ينفخ إسرافيل بأمر الله تعالى ، في الصور ، وذلك اليوم الذي يقع عليهم القول بما ظلموا ويجوز أن يكون على حذف في الكلام ، والتقدير : ويوم ينفخ في الصور ، وتكون النشأة الثانية. واختلف في معنى الصور فقيل : هو صور الخلق جمع صورة ... ويكون معناه : يوم ينفخ الروح في الصور ، فيبعثون.

وقيل : هو قرن فيه شبه البوق ... وقد ورد ذلك في الحديث (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي ماتوا لشدة الخوف والفزع ، يدل عليه

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٥.

٢٧٩

قوله في موضع آخر (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ) الآية. وقيل : هي ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين. (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من الملائكة الذين يثبت الله قلوبهم ، وهم : جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل. وقيل : يعني الشهداء ، فإنهم لا يفزعون في ذلك اليوم. وروي ذلك في خبر مرفوع ـ عنه عليه‌السلام ـ (وَكُلٌ) من الأحياء الذين ماتوا ، ثم أحيوا (أَتَوْهُ) أي : يأتونه في المحشر (داخِرِينَ) أي : أذلاء صاغرين ـ أقول «هذا ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام» (١) ـ.

وقال : قوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) أي : واقفة مكانها ، لا تسير ، ولا تتحرك في مرأى العين (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أي : تسير سيرا حثيثا مثل سير السحاب ... وفي مثل هذا المعنى قول النابغة الجعدي ، يصف جيشا :

بأرعن مثل الطود ، تحسب أنهم

وقوف الحاج ، والركاب تهملج

أي : تحسب أنهم وقوف من أجل كثرتهم والتفافهم ، فكذلك المعنى في الجبال ، أنك لا ترى سيرها لبعد أطرافها ، كما لا ترى سير السحاب إذا انبسط ، لبعد أطرافه. وذلك إذا أزيلت الجبال عن أماكنها ، للتلاشي ، كما في قوله : (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ. صُنْعَ اللهِ) أي صنع الله ذلك صنعا ، وانتصب بما دل عليه ما تقدمه من قوله : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ). وذكر اسم الله ، لأنه لم يأت ذكره فيما قبل ، وإنما دل عليه (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي : خلق كل شيء على وجه الإتقان والإحكام والإتساق ، قال قتادة :

أي أحسن كل شيء خلقه.

ـ أقول «هذا ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام» (٢) ـ.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٣١.

٢٨٠