التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

قلت : جعلت فداك ، زدني. قال : المؤمن يزوّج ثمان مائة عذراء ، وأربعة آلاف ثيّب ، وزوجتين من الحور العين».

قلت : جعلت فداك ، ثمان مائة عذراء! قال : «نعم ، ما يفترش منهن شيئا إلا وجدها كذلك».

قلت : جعلت فداك ، من أي شيء خلقت الحور العين؟ قال : «من تربة الجنّة النورانية ، ويرى مخّ ساقيها من وراء سبعين حلّة ، كبدها مرآته ، وكبده مرآتها».

قلت : جعلت فداك ، ألهنّ كلام يكلمن به أهل الجنة؟ قال : «نعم ، كلام يتكلمن به ، لم يسمع الخلائق بمثله وأعذب منه».

قلت : ما هو؟ قال : «يقلن بأصوات رخيمة : نحن الخالدات فلا نموت ، ونحن الناعمات فلا نيبس ، ونحن المقيمات فلا نظعن ، ونحن الراضيات فلا نسخط ، طوبى لمن خلق لنا ، وطوبى لمن خلقنا له ، ونحن اللواتي لو أن قرن إحدانا علّق في جوّ السماء لأغشى نوره الأبصار» (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) (٢٤) [سورة الحج : ٢٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ).

«ذلك جعفر وحمزة وعبيدة وسلمان وأبو ذرّ والمقداد بن الأسود وعمّار ، هدوا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨١.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، ح ٧١ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٣٩٤ ، ح ٥٤٦.

٢١

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية : التوحيد والإخلاص (وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ) قال : إلى الولاية (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٥) [سورة الحج : ٢٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : نزلت في قريش ، حين صدّوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن مكّة (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ معاوية أول من علّق على بابه مصراعين بمكّة ، فمنع حاجّ بيت الله ما قال الله عزوجل : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) وكان الناس إذا قدموا مكّة نزل البادي على الحاضر حتى يقضي حجّه ، وكان معاوية صاحب السلسلة التي قال الله تعالى : (فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ) (٣) وكان فرعون هذه الأمّة» (٤).

وقال عبيد الله بن عليّ الحلبي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ).

فقال : «لم يكن ينبغي أن يصنع على دور مكة أبواب ، لأنّ الحاج أن ينزلوا معهم في ساحة الدار حتى يقضوا مناسكهم ، وإنّ أوّل من جعل لدور مكّة أبوابا معاوية» (٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٣.

(٣) الحاقة : ٣٢ ـ ٣٣.

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٤٣ ، ح ١.

(٥) علل الشرائع : ص ٣٩٦ ، ح ١.

٢٢

وقال عليّ عليه‌السلام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أهل مكّة عن إجارة بيوتهم ، وأن يغلقوا عليها أبوابا ، وقال : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ). قال : وفعل ذلك أبو بكر وعمر وعثمان [وعليّ عليه‌السلام] حتى كان في زمن معاوية (١).

٢ ـ قال أبو الصباح الكناني : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).

فقال : كلّ ظلم يظلمه الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد ، أو شيء من الظلم ، فإني أراه إلحادا» ولذلك كان يتّقي أن يسكن الحرم (٢).

وقال عليه‌السلام أيضا : «من عبد فيه غير الله عزوجل ، أو تولّى فيه غير أولياء الله ، فهو ملحد بظلم ، وعلى الله تبارك وتعالى أن يذيقه من عذاب أليم» (٣).

وقال عبد الرحمن بن كثير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).

قال : «نزلت فيهم حيث دخلوا الكعبة ، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووليّه عليه‌السلام ، فبعدا للقوم الظالمين» (٤).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٢٦) [سورة الحج : ٢٦]؟!

الجواب / قال عبد الله بن علي الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) قرب الإسناد : ص ٥٢.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٢٧ ، ح ٣.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٣٧ ، ح ٥٣٣.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٨ ، ح ٤٤.

٢٣

أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ قال عليه‌السلام : «نعم ، إنّ الله عزوجل يقول : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١) فينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر ، قد غسل عنه العرق والأذى وتطهّر» (٢).

وقال الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) يعني بهم آل محمد (صلوات الله عليهم) (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢٧) [سورة الحج : ٢٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام بالمدينة عشر سنين لم يحجّ ، ثم أنزل الله عزوجل عليه : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) فأمر المؤذّنين أن يؤذّنوا بأعلى أصواتهم ، بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحجّ في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب ، فاجتمعوا لحجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون به ويتّبعونه ، أو يصنع شيئا فيصنعونه.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة (٤) زالت الشمس ، فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند

__________________

(١) البقرة : ١٢٥.

(٢) علل الشرائع : ص ٤١١ ، ح ١.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٥ ، ح ٧.

(٤) وهي قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، منها ميقات أهل المدينة : «معجم البلدان : ج ٢ ، ص ٢٩٥».

٢٤

الشجرة ، فصلّى فيه الظهر ، وعزم بالحجّ مفردا ، وخرج حتى انتهى إلى البيداء (١) عند الميل الأوّل ، فصفّ له سماطان ، فلبّى بالحجّ مفردا ، وساق الهدي ستّا وستّين أو أربعا وستّين ، حتى انتهى إلى مكّة في سلخ أربع من ذي الحجّة (٢) ، فطاف بالبيت سبعة أشواط ، ثم صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام.

ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، وقد كان استلمه في أوّل طوافه ، ثمّ قال : إن الصفا والمروة من شعائر الله ، فابدأ بما بدأ الله عزوجل ، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٣).

ثم أتى الصفا فصعد عليه ، واستقبل الركن اليماني ، فحمد الله وأثنى عليه ، ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا ، ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها ، كما توقف على الصفا ، ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه.

فلما فرغ من سعيه وهو على المروة ، أقبل على الناس بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ هذا جبرئيل ـ وأومأ بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر من لم يسق هديا أن يحلّ ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكنّي سقت الهدي ، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحلّ حتى يبلغ الهدي محلّه».

__________________

(١) وهي أرض ملساء بين مكة والمدينة. «معجم البلدان : ج ١ ، ص ٥٢٣».

(٢) في سلخ أربع من ذي الحجة : أي بعد مضي أربع منه. «مجمع البحرين ـ سلخ ـ ج ٢ ، ص ٤٣٤».

(٣) تفسير القمّي : ج ٢.

٢٥

قال : «فقال له رجل من القوم : لنخرجنّ حجّاجا ورؤوسنا وشعورنا تقطر. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنّك لن تؤمن بهذا أبدا.

فقال : سراقة بن مالك بن جعشم الكناني (١) : يا رسول الله ، علّمنا ديننا كأنّا خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا ، أم لما يستقبل؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بل هو للأبد إلى يوم القيامة. ثمّ شبّك أصابعه ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة».

قال : «وقدم عليّ عليه‌السلام من اليمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكّة ، فدخل على فاطمة عليها‌السلام وقد أحلّت ، فوجد ريحا طيبا ، ووجد عليها ثيابا مصبوغة ، فقال : ما هذا ، يا فاطمة؟ فقالت : أمرنا بهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فخرج عليّ عليه‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستفتيا ، فقال : يا رسول الله ، إني رأيت فاطمة قد أحلّت ، وعليها ثياب مصبوغة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا أمرت الناس بذلك ، فأنت ـ يا علي ـ بما أهللت؟ قال : يا رسول الله ، إهلالا كإهلال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قرّ على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي».

قال : «ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة بالبطحاء هو وأصحابه ، ولم ينزل الدور ، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ ، وهو قول الله عزوجل الذي أنزل على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ) أبيكم (إِبْراهِيمَ) (٢) فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتى منى ، فصلّى

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

(٢) سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي الكناني : أبو سفيان ، صحابي ، له شعر ، كان ينزل قديدا ، وكان في الجاهلية قائفا ـ أي يقتص الأثر ، ويصيب الفراسة ، وقد اشتهر بهذا من العرب آل كنانة ، ومن كنانة آل مدلج ـ أخرجه أبو سفيان ليقتاف أثر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين خرج إلى الغار ، وأسلم بعد غزوة الطائف سنة (٨) ه ، وتوفي سنة (٢٤) ه ، طبقات ابن سعد ج ١ ، ص ٢٣٢ ، الإصابة : ج ٣ ، ص ١٩.

٢٦

الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، ثمّ غدا والناس معه ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة ، وهي جمع ، ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله عزوجل : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) (١) يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم‌السلام قد مضت ، كأنه دخل في أنفسهم شيء للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم ، حتى انتهى إلى نمرة ، وهي بطن عرفة بحيال الأراك ، فضربت قبّته ، وضرب الناس أخبيتهم عندها.

فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه قريش ، وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلّى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته ، يقفون إلى جانبها ، فنحّاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيها الناس ، ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ، ولكن هذا كلّه. وأومأ بيده إلى الموقف ، فتفرّق الناس ، وفعل مثل ذلك بالمزدلفة ، فوقف الناس بالدعاء حتى وقع قرص الشمس ، ثمّ أفاض ، وأمر الناس بالدّعة حتى انتهى إلى المزدلفة ، وهو المشعر الحرام ، فصلّى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثمّ أقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجّل ضعفاء بني هاشم بليل ، وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ، فلمّا أضاء له النهار أفاض ، حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة.

وكان الهدي الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعة وستين ، أو ستة وستين ، وجاء علي عليه‌السلام بأربعة وثلاثين ، أو ستّة وثلاثين ، فنحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستّة وستين ، ونحر علي عليه‌السلام أربعة وثلاثين بدنة ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يؤخذ

__________________

(١) آل عمران : ٩٥.

٢٧

من كل بدنة منها جذوة (١) من لحم ، ثم تطرح في برمة (٢) ، ثم تطبخ ، فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام وحسيا من مرقها ، ولم يعطيا الجزّارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها ، وتصدّق به ، وحلق وزار البيت ، ورجع إلى منى ، وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ، ثم رمى الجمار ، ونفر حتى انتهى إلى الأبطح ، فقالت له عائشة : يا رسول الله ، ترجع نساؤك بحجّة وعمرة معا ، وأرجع بحجّة؟ فأقام بالأبطح ، وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فأهلّت بعمرة ، ثم جاءت وطافت بالبيت وصلّت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وسعت بين الصفا والمروة ، ثم أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارتحل من يومه ، ولم يدخل المسجد الحرام ، ولم يطف بالبيت ، ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيّين ، وخرج من أسفل مكة من ذي طوى» (٣).

وقال عبيد الله بن علي الحلبي ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : لم جعلت التلبية؟ فقال : «إنّ الله عزوجل أوحى إلى إبراهيم عليه‌السلام : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) فنادى فأجيب من كلّ فج عميق يلبّون» (٤).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (٢٨) [سورة الحج : ٢٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال سلمة بن محرز : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ جاءه رجل ، يقال له : أبو الورد ، فقال لأبي عبد الله عليه‌السلام : رحمك الله ، إنك لو

__________________

(١) البقرة : ١٩٩.

(٢) أي قطعة.

(٣) البرمة : القدر مطلقا ، وهي في الأصل المتخذة من الحجر. «النهاية : ج ١ ، ص ١٢١».

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٤٥ ، ح ٤.

٢٨

كنت أرحت بدنك من المحمل.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا أبا الورد ، إني أحب أن أشهد المنافع التي قال الله تبارك وتعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) إنه لا يشهدها أحد إلا نفعه الله ، أما أنتم فترجعون مغفورا لكم ، وأمّا غيركم فيحفظون في أهاليهم وأموالهم» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) ، قال : «هو الزمن الذي لا يستطيع أن يخرج من زمانته» (٢).

وقال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٣).

قال : «الفقير : الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم ، فكلّ ما فرض الله عزوجل عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكل ما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه ، ولو أنّ رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فيقسّمها علانية ، كان ذلك حسنا جميلا» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «اليائس هو الفقير» (٥).

٣ ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) : «أيّام العشر».

وقوله : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٦) قال : «أيام التشريق» (٧).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٤١٦ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٢٦٣ ، ح ٤٦.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٤٦ ، ح ٤.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠١ ، ح ١٦.

(٦) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٠٠ ، ح ٦.

(٧) البقرة : ٢٠٣.

٢٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله تبارك وتعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) : «المعلومات والمعدودات واحدة ، وهي أيّام التشريق» (١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٢٩) [سورة الحج : ٢٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في حديث من تمام الحجّ والعمرة : «اتّق المفاخرة ، وعليك بورع يحجزك عن معاصي الله ، فإن الله عزوجل يقول : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من التّفث أن تتكلّم في إحرامك بكلام قبيح ، فإذا دخلت مكة وطفت بالبيت وتكلّمت بكلام طيب ، فكان ذلك كفّارة» (٢).

وقال عبد الله بن سنان : أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : جعلت فداك ، ما معنى قول الله عزوجل : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)؟ قال : «أخذ الشارب ، وقصّ الأظفار ، وما أشبه ذلك».

قال : قلت : جعلت فداك ، فإن ذريما المحاربي حدّثني عنك بحديث ، أنّك قلت : (لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) لقاء الإمام (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) تلك المناسك»؟ قال : «صدق ذريح وصدقت ، إنّ القرآن له ظاهر وباطن ، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح؟» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لذريح بن يزيد المحاربي : «إنّ الله عزوجل

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ، ص ٤٨٧ ، ح ١٧٣٦.

(٢) معاني الأخبار : ص ٢٩٧ ، ح ٣.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٣٣٧ ، ح ٣.

٣٠

أغرق الأرض كلّها يوم نوح إلا البيت ، فيومئذ سمّي العتيق ، لأنّه أعتق يومئذ من الغرق».

فقلت له : أصعد إلى السماء؟ فقال : «لا ، لم يصل إليه الماء ، ورفع عنه» (١).

وقال أبو حمزة الثمالي : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام في المسجد الحرام : لأيّ شيء سمّاه الله العتيق؟

فقال : «إنه ليس من بيت وضعه الله على وجه الأرض إلا له ربّ ، وسكّان يسكنونه ، غير هذا البيت ، فإنّه لا ربّ له إلا الله عزوجل ، وهو الحرّ» ثم قال : «إنّ الله عزوجل خلقه قبل الأرض ، ثم خلق الأرض من بعده ، فدحاها من تحته» (٢).

وقال أبو الحسن عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) ، قال : «طواف الفريضة طواف النساء» (٣).

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد نظر إلى الناس يطوفون بالبيت ، فقال : «طواف كطواف الجاهلية ، أما والله ما بهذا أمروا ، ولكنّهم أمروا أن يطوفوا بهذه الأحجار ، ثمّ ينصرفوا إلينا ويعرّفونا مودّتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم» وتلا هذه الآية : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) وقال : «التفث : الشعث ، والنذر : لقاء الإمام عليه‌السلام» (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ، ص ٢٩٠ ، ح ١٤٣٧.

(٢) علل الشرائع : ص ٣٩٩ ، ح ٥.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ١٨٩ ، ح ٥.

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٥١٢ ، ح ١.

٣١

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ)(٣١) [سورة الحج : ٣٠ ـ ٣١]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ).

قال : «هي ثلاث حرمات واجبة ، فمن قطع منها حرمة فقد أشرك بالله : الأولى : انتهاك حرمة الله في بيته الحرام ، والثانية : تعطيل الكتاب والعمل بغيره ، والثالثة : قطيعة ما أوجب الله من فرض طاعتنا ومودّتنا» (١).

٢ ـ قال عبد الأعلى : سألت جعفر بن محمد عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) : «الرّجس من الأوثان : الشّطرنج ، وقول الزور : الغناء».

قلت : قوله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ)(٢)؟ قال عليه‌السلام : «منه الغناء» (٣). وقال عليه‌السلام في قول الزور : «منه : قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت» (٤).

٣ ـ قال زرارة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) وعن الحنيفية. قال : «هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ـ وقال ـ فطرهم الله على التوحيد» (٥). وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : وقوله : (حُنَفاءَ) أي طاهرين ، وقوله : (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) أي بعيد» (٦).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٦ ، ح ٩.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٦ ، ح ١.

(٣) لقمان : ٦.

(٤) معاني الأخبار : ص ٣٤٩ ، ح ١.

(٥) معاني الأخبار : ص ٣٤٩ ، ح ١.

(٦) التوحيد : ص ٣٣٠ ، ح ٩.

٣٢

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٣٢) [سورة الحج : ٣٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنما يكون الجزاء مضاعفا فيما دون البدنة (١) ، فإذا بلغ البدنة فلا تضاعف لأنه أعظم ما يكون ، قال الله عزوجل : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(٢).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (٣٣) [سورة الحج : ٣٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى). قال : «إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف عليها ، وإن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : البدن يركبها المحرم من موضعه الذي يحرم فيه غير مضربها ، ولا معنّف عليها ، وإن كان لها لبن يشرب من لبنها إلى يوم النّحر ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٤).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣٥) [سورة الحج : ٣٤ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٤.

(٢) في طبعة أخرى زيادة : حتى يبلغ البدنة.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٣٩٥ ، ح ٥.

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٤٩٢ ، ح ١.

٣٣

مَنْسَكاً) أي : لكل جماعة مؤمنة من الذين سلفوا ، جعلنا عبادة في الذبح. وقيل : قربانا أحل لهم ذبحه. وقيل : متعبدا وموضع نسك يقصده الناس. وقيل : منهاجا وشريعة (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) أي : تعبدناهم بذلك ليذكروا اسم الله على ما رزقناهم من بهيمة الأنعام ، وبهيمة غير الأنعام لا يحل ذبحها ، ولا التقرب بها. وفي هذا دلالة على أن الذبائح غير مختصة بهذه الأمة ، وأن التسمية على الذبح كانت مشروعة قبلنا (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي : معبودكم الذي توجهون إليه العبادة واحد ، لا شريك له.

والمعنى : فلا تذكروا على ذبائحكم إلا الله وحده (فَلَهُ أَسْلِمُوا) أي : انقادوا وأطيعوا.

(وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) أي : المتواضعين المطمئنين إلى الله. وقيل : الذين لا يظلمون ، وإذا ظلموا لا ينتصرون. كأنهم اطمأنوا إلى يوم الجزاء.

ـ [وقال موسى بن جعفر عليه‌السلام : «سألت أبي عن قول الله عزوجل : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) الآية ، قال : نزلت فينا خاصّة» (١) وقال علي بن إبراهيم : أي العابدين (٢)] ـ.

ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي : إذا خوفوا بالله خافوا (وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ) من البلايا والمصائب في طاعة الله (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها يؤدونها كما أمرهم الله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) أي يتصدقون من الواجب وغيره (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٤.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٧ ، ح ١١.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٨٤.

٣٤

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣٦) [سورة الحج : ٣٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ).

قال : «ذلك حين تصف للنحر ، تربط يديها ما بين الخفّ والركبة ، ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) قال : «إذا وقعت على الأرض». (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) قال : «القانع : الذي يرضى بما أعطيته ، ولا يسخط ، ولا يكلح (٢) ، ولا يلوي شدقه غضبا ، والمعترّ : المارّ بك لتطعمه» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن سعد بن عبد الملك قدم حاجّا فلقي أبي ، فقال : إنّي سقت هديا ، فكيف أصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثا ، وأطعم القانع والمعترّ ثلثا ، فقلت : المساكين هم السّؤال؟ فقال : نعم. وقال : القانع الذي يقنع بم أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعترّ ينبغي له أكثر من ذلك ، وهو أغنى من القانع الذي يعتريك فلا يسألك» (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٥٢.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٤٩٧ ، ح ١.

(٣) الكلوح : تكشّر في عبوس. «الصحاح ـ كلح ـ ج ١ ، ص ٣٩٩».

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٤٩٩ ، ح ٢. وفي المصدر : لتطعمه.

٣٥

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٣٧) [سورة الحج : ٣٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ)(١).

«هي أيام التشريق ـ وساق الحديث إلى أن قال عليه‌السلام ـ والتكبير : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام» (٢).

وقال محمد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ)(٣).

قال : «التكبير في أيام التشريق : من صلاة الظهر يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث ، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات ، فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار ، ومن أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر فليكبّر» (٤).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) (٣٨) [سورة الحج : ٣٨]؟!

الجواب / قال إسحاق بن عمار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا).

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ، ص ٢٢٣ ، ح ٧٥٣.

(٢) البقرة : ٢٠٣.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٥١٦ ، ح ٣.

(٤) البقرة : ٢٠٣.

٣٦

قال : «نحن الذين آمنوا ، والله يدافع عنّا ما أذاعت عنّا شيعتنا» (١).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٤٠) [سورة الحج : ٣٩ ـ ٤٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).

قال : «إنّ العامّة يقولون : نزلت في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أخرجته قريش من مكّة ، وإنما هو القائم عليه‌السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه‌السلام ، وهو قوله : نحن أولياء الدم ، وطلّاب الدية. ثم ذكر عبادة الأئمّة عليهم‌السلام ، وسيرتهم ، فقال : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ)(٢)» (٣).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : نزلت في علي عليه‌السلام وجعفر ، وحمزة (رضي الله عنهما) ثمّ جرت. وقوله : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) قال : الحسين عليه‌السلام ، حين طلبه يزيد لعنه الله ليحمله إلى الشام فهرب إلى الكوفة ، وقتل بالطفّ (٤). وهذا هو ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) الكافي : ج ٤ ، ص ٥١٦ ، ح ١.

(٢) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٧ ، ح ١٢.

(٣) الحج : ٤١.

(٤) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٨٤.

(٥) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٩ ، ح ١٧ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٣٩٩ ، ح ٥٥٢.

٣٧

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نزلت فينا خاصة ، في أمير المؤمنين وذريّته عليهم‌السلام ، وما ارتكب من أمر فاطمة عليهم‌السلام» (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : «أنّها نزلت في المهاجرين ، وجرت في آل محمد عليهم‌السلام الذين أخرجوا من ديارهم ، وأخيفوا» (٢).

٣ ـ وقال الطبرسي : قرأ الصادق عليه‌السلام «وصلوات» بضمّ الصاد واللام ، وفسّرها بالحصون ، والآطام (٣).

وقال حمران سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً).

فقال : «كان قوم صالحون ، وهم مهاجرون قوم سوء خوفا أن يفسدوهم ، فيدفع الله أيديهم عن الصالحين ، ولم يأجر أولئك بما يقع بهم ، وفينا مثلهم» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) ، قال : «هم الأئمة الأعلام ، ولو لا صبرهم ، وانتظارهم الأمر أن يأتيهم من الله لقتلوا جميعا. قال الله عزوجل : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).

أقول : قال شرف الدين النجفيّ : بيان معنى هذا التأويل الأول : قوله :

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٣٩ ، ح ١٨.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ١٣٨.

(٣) جوامع الجامع : ص ٣٠١. والآطام : جمع أطم ، بسكون الطاء وضمّها : الحصن والبيت المرتفع.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٠ ، ح ١٩.

٣٨

«كان قوم صالحون ، وهم مهاجرون قوم سوء خوفا أن يفسدوهم» أي يفسدوا عليهم دينهم ، فهاجروهم لأجل ذلك ، فالله تعالى يدفع أيدي القوم السوء عن الصالحين.

وقوله : «وفينا مثلهم» قوم صالحون وهم الأئمّة الراشدون ، وقوم سوء وهم المخالفون ، والله تعالى يدفع أيدي المخالفين عن الأئمة الراشدين ، والحمد لله رب العالمين (١).

ثمّ قال : وأمّا معنى التأويل الثاني : قوله : «هم الأئمّة» بيانه : أنّ الله سبحانه يدفع بعض الناس عن بعض ، فالمدفوع عنهم : [هم] الأئمّة عليهم‌السلام والمدفوعون : هم الظالمون.

وقوله : «ولو لا صبرهم وانتظارهم الأمر أن يأتيهم من الله لقتلوا جميعا» معناه : ولو لا صبرهم على الأذى والتكذيب ، وانتظارهم أمر الله أن يأتيهم بفرج آل محمّد ، وقيام القائم عليه‌السلام ، لقاموا كما قام غيرهم [بالسيف] ، ولو قاموا لقتلوا جميعا ، [ولو قتلوا جميعا] لهدّمت صوامع ، وبيع ، وصلوات ، ومساجد.

والصوامع : عبارة [عن مواضع عبادة] النصارى في الجبال ، والبيع في القرى ، والصلوات : أي مواضعها ، ويشترك فيها المسلمون واليهود ، فاليهود لهم الكنائس ، والمسلمون المساجد ، فيكون قتلهم جميعا سببا لهدم هذه

__________________

(١) قال المجلسي (رحمه‌الله) في تفسير ذلك : أي كان قوم صالحون هجروا قوم سوء خوفا أن يفسدوا عليهم دينهم ، فالله تعالى يدفع بهذا القوم السوء عن الصالحين شرّ الكفّار ، كما كان الخلفاء الثلاثة وبنو أميّة وأضرابهم يقاتلون المشركين ويدفعونهم عن المؤمنين الذين لا يخالطونهم ولا يعاونونهم خوفا من أن يفسدوا عليهم دينهم لنفاقهم وفجورهم ، ولم يأجر الله هؤلاء المنافقين بهذا الدفع ، لأنه لم يكن غرضهم إلا الملك والسلطنة والاستيلاء على المؤمنين وأئمتهم ، كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم» وأما قوله عليه‌السلام : «وفينا مثلهم» يعني نحن أيضا نهجر المخالفين لسوء فعالهم ، فيدفع الله ضرر الكافرين وشرّهم عنا بهم. «البحار : ص ٢٤ ، ح ٣٦١».

٣٩

المواضع ، وهدمها سببا لتعطيل الشرائع الثلاث : شريعة موسى ، وعيسى ، ومحمد (صلّى الله عليه وعليهم أجمعين) ؛ لأنّ الشرائع لا تقوم إلّا بالكتاب ، والكتاب يحتاج إلى التأويل ، والتأويل لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم ، وهم الأئمّة (صلوات الله عليهم) ، لأنّهم يعلمون تأويل كتاب موسى ، وعيسى ، ومحمد (صلّى الله عليه وعليهم أجمعين) ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، حتى تنطق الكتب ، وتقول : صدق».

وقوله : «هم الأعلام». الأعلام : الأدلّة الهادية إلى دار السّلام ، فعليهم من الله أفضل التحيّة والإكرام ؛ ولما علم الله سبحانه وتعالى منهم الصّبر وعدهم النصر ، فقال : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) [أي ينصر دينه] (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ) في سلطانه (عَزِيزٌ) في جبروت شأنه (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤٤) [سورة الحج : ٤١ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : «كنت عند أبي يوما في المسجد إذ أتاه رجل ، فوقف أمامه ، وقال : يابن رسول الله ، أعيت عليّ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٤٠ ، ح ٢٠ ، وقطعة منه في شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٣٨٤ ، وتذكرة الخواص : ص ١٦ وفرائد السمطين : ج ١ ، ص ٣٣٩ ، ح ٢٦١ ، وينابيع المودة : ص ٧٠ و ٧٢ و ٧٤ و ١٢٠.

٤٠