التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

آدم عليه‌السلام» (١).

وعن ابن عبّاس : المعنى يراك حين تقوم إلى الصلاة منفردا ، (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) إذا صليت في جماعة (٢).

وعنه أيضا : في قوله تعالى : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) أي فوض أمرك إلى العزيز المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأولياءه [ليكفيك كيد أعدائك الذين عصوك فيما أمرتهم به] (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) [أي الذي يبصرك حين تقوم من مجلسك أو فراشك إلى الصلاة وحدك وفي الجماعة. وقيل : معناه : يراك حين تقوم] في صلاتك ، [عن ابن عباس](٣).

وقال الطبرسي : في قوله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع ما تتلو في صلاتك ، ويعلم ما تضمر فيها (٤).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)(٢٢٢) [سورة الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ، قال : «هم سبعة : المغيرة ، وبنان ، وصائد ، وحمزة بن عمارة البربريّ ، والحارث الشاميّ ، وعبد الله بن الحارث ، وابن الخطّاب» (٥).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٩٦ ، ح ٢٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٢٣».

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٢٣.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٥٨.

(٥) الخصال : الصدوق : ص ٤٠٢ ، ح ١١١.

٢٤١

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) (٢٢٣) [سورة الشعراء : ٢٢٣]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : (يُلْقُونَ السَّمْعَ) معناه أن الشياطين يلقون ما يسمعونه إلى الكهنة والكذابين ، ويخلطون به كثيرا من الأكاذيب ، ويوحونه إليهم (وَأَكْثَرُهُمْ) أي : وأكثر الشياطين (كاذِبُونَ) وقيل : أكثر الكهنة كاذبون. قال الحسن : هم الذين يسترقون السمع من الملائكة ، فيلقون إلى الكهنة ، وهذا كان قبل أن أوحي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وبعد ذلك (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً)(١).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) [سورة الشعراء : ٢٢٤ ـ ٢٢٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) ، قال : «هل رأيت شاعرا يتّبعه أحد؟! إنما هم قوم تفقّهوا لغير الدّين ، فضلّوا وأضلوا» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من رأيتم من الشعراء يتّبع؟ إنما عنى هؤلاء الفقهاء الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل ، فهم الشعراء الذين يتبعون» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : نزلت في الذين غيّروا دين الله [بآرائهم] ، وخالفوا أمر الله ، هل رأيت شاعرا قط يتّبعه أحد ، إنّما عنى بذلك الذين

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٥٩.

(٢) معاني الأخبار : ص ٣٨٥ ، ح ١٩.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٩٩ ، ح ٢٨.

٢٤٢

وضعوا دينا بآرائهم ، فتبعهم على ذلك الناس ، ويؤكد ذلك قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) يعني يناظرون بالأباطيل ، ويجادلون بالحجج المضلّة ، وفي كلّ مذهب يذهبون ، (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) ، قال : يعظون الناس ولا يتّعظون ، وينهون عن المنكر ولا ينتهون ، ويأمرون بالمعروف ولا يعملون ، وهم الذين قال الله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) ، أي في كل مذهب يذهبون ، (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) ، وهم الذين غصبوا آل محمد عليهم‌السلام حقّهم.

ثم ذكر آل محمد (عليه وعليهم‌السلام) ، وشيعتهم المهتدين ، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) ثمّ ذكر أعداءهم ومن ظلمهم ، فقال : «وسيعلم الذين ظلموا آل محمّد حقّهم أيّ منقلب ينقلبون» هكذا والله نزلت (١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

٢٤٣
٢٤٤

تفسير

سورة النمل

رقم السورة ـ ٢٧ ـ

٢٤٥
٢٤٦

سورة النمل

* س ١ : ما هو فضل سورة النمل؟!

الجواب / قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هذه السورة كان له بعدد من صدّق سليمان عليه‌السلام ، ومن كذّب هودا وصالحا ، وإبراهيم عليهم‌السلام عشر حسنات ، وخرج من قبره وهو ينادي : لا إله إلا الله ، ومن كتبها في رقّ غزال ، وجعلها في منزله ، لم يقرب ذلك المنزل حيّة ، ولا عقرب ، ولا دود ، ولا جرذ ، ولا كلب عقور ، ولا ذئب ، ولا شيء يؤذيه أبدا».

وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بزيادة : «ولا جراد ولا بعوض» (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (٦) [سورة النمل : ١ ـ ٦]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام : معنى (طس) : «أنا الطالب السميع» (٢).

__________________

(١) مصباح الكفعمي : ص ٤٤٢ ، جوامع الجامع : ص ٣٣٤.

(٢) معاني الأخبار : ص ٢٢.

٢٤٧

وقال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وقوله (تِلْكَ) إشارة إلى ما وعدوا بمجيئه من القرآن. وقيل إن (تِلْكَ) بمعنى «هذا» وآيات القرآن هي القرآن ، وإنما أضافها إليه ، كما قال (إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ). والقرآن والكتاب معناهما واحد ، ووصفه بالوصفين ليفيد أنه مما يظهر بالقراءة ، ويظهر بالكتابة ، وهو بمنزلة الناطق بما فيه من الأمرين جميعا وذلك يبطل قول من قال : إن كلام الله شيء واحد لا يتصرف بالقراءة والكتابة. ووصفه بأنه مبين تشبيه له بالناطق بكذا ، وإذا وصفه بأنه بيان جرى مجرى وصفه له بالنطق بكذا في ظهور المعنى به للنفس. والبيان هو الدلالة التي تبين بها الأشياء. والمبين المظهر ، وحكم القرآن الموعظة بما فيها من الترغيب والترهيب والحجة الداعية إلى الحق الصارفة عن الباطل ، وأحكام الشريعة التي فيها مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال ، والمصلحة فيما يجب من حق النعمة لله تعالى ما يؤدي إلى الثواب ويؤمن من العقاب. ثم وصفه بأنه (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) وموضع (هُدىً) نصب على الحال ، وتقديره هاديا ومبشرا ، ويجوز أن يكون رفعا على تقدير هو (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) والمعنى أن ما فيه من البيان والبرهان يهديهم إلى الحق ، ومالهم في وجه كونه معجزا الذي فيه من اللطف ما يؤديهم إلى الثواب ويبشرهم بالجنة.

ثم وصف المؤمنين الذين بشرهم القرآن بأنهم (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) بحدودها ويداومون على أوقاتها ويخرجون ما يجب عليهم من الزكاة في أموالهم إلى مستحقيها ، وهم مع ذلك يوقنون بالآخرة ، ويصدقون بها. ثم وصف تعالى من خالف ذلك ولم يصف بالآخرة ، ويصدقون بها. ثم وصف تعالى من خالف ذلك ولم يصدق بالآخرة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) قيل في معناه قولان :

١ ـ زينا لهم أعمالهم التي أمرناهم بها ، فهم يتحيرون بالذهاب عنها.

٢٤٨

٢ ـ زينا لهم أعمالهم بخلقنا فيهم شهوة القبيح الداعية لهم إلى فعل المعاصي ليجتنبوا المشتهى (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) عن هذا المعنى ، أي : يتحيرون بالذهاب عنها.

ثم أخبر تعالى أن من وصفه بذلك لهم (سُوءُ الْعَذابِ) ووصفه بأنه سوء لما فيه من الألم و (هُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) لأنهم يخسرون الثواب ويحصل لهم بدلا منه العقاب فهو أخسر صفقة تكون.

ثم قال : يقول الله تعالى مخاطبا لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (إِنَّكَ) يا محمد (لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) أي إنك لتعطى لأن الملك يلقيه إليه من قبل الله تعالى ، من عند حكيم بصير بالصواب من الخطاء في تدبير الأمور بما يستحق به التعظيم. وقد يفيد «الحكيم» العامل بالصواب المحكم للأمور المتقن لها.

وعليم بمعنى عالم إلا أن فيه مبالغة ، وقال الرماني هو مثل سامع وسميع ، فوصفنا له بأنه عالم يفيد أن له معلوما ، كما أن وصفه بأنه سامع يفيد بأن له مسموعا ، ووصفه بأنه عليم يفيد أنه متى صح معلومه. فهو (عَلِيمٍ) به ، كما أن «سميعا» يفيد إنه متى وجد مسموع لا بد أن يكون سامعا (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١١) [سورة النمل : ٧ ـ ١١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله (إِذْ قالَ مُوسى

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ٧٦.

٢٤٩

لِأَهْلِهِ) قال الزجاج : العامل في (إِذْ) اذكر أي : اذكر في قصة موسى ، إذ قال لأهله أي : امرأته ، وهي بنت شعيب ، (إِنِّي آنَسْتُ) أي : أبصرت ورأيت (ناراً) ومنه اشتقاق الإنس ، لأنهم مرئيون ، وقيل : آنست أي أحسست بالشيء من جهة يؤنس بها. وما آنست به فقد أحسست به ، مع سكون نفسك إليه.

(سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) معناه : فالزموا مكانكم ، لعلي آتيكم من هذه النار بخبر الطريق ، وأهتدي بها إلى الطريق ، لأنه كان أضل الطريق. (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) أي : بشعلة نار. والشهاب : نور كالعمود من النار ، وكل نور يمتد مثل العمود ، يسمى شهابا. وإنما قال لامرأته (آتِيكُمْ) على لفظ خطاب الجمع ، لأنه أقامها مقام الجماعة في الأنس بها ، والسكون إليها في الأمكنة الموحشة. (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) أي : لكي تستدفئوا بها ، وذلك لأنهم كانوا قد أصابهم البرد ، وكانوا شاتين ...

(فَلَمَّا جاءَها) أي : جاء موسى إلى النار ، يعني التي ظن أنها نار ، وهي نور (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) ، قال وهب : لما رأى موسى النار ، وقف قريبا منها ، فرآها تخرج من فرع شجرة خضراء ، شديدة الخضرة ، لا تزداد النار إلّا اشتعالا ، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة وحسنا. فلم تكن النار بحرارتها تحرق الشجرة ، ولا الشجرة برطوبتها تطفىء النار ، فعجب منها ، وأهوى إليها بضغث في يده ، ليقتبس منها ، فمالت إليها ، فخافها ، فتأخر عنها. ثم لم تزل تطمعه ، ويطمع فيها ، إلى أن نودي. والمراد به نداء الوحي (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) أي : بورك فيمن في النار ، وهم الملائكة ، وفيمن حولها : يعني موسى ، وذلك أن النور الذي رأى موسى ، كان فيه ملائكة ، لهم زجل بالتقديس والتسبيح ، ومن حولها هو موسى ، لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها ، فكأنه قال : بارك الله على من في النار ،

٢٥٠

وعليك يا موسى. ومخرجه الدعاء ، والمراد الخبر. قال الكسائي : تقول العرب باركه الله ، وبارك عليه ، وبارك فيه وقيل : بورك من في النار معناه من في النار سلطانه وقدرته وبرهانه. فالبركة ترجع إلى اسم الله ، وتأويله : تبارك من نور هذا النور ، ومن حولها ، يعني موسى والملائكة ...

وقيل : معناه بورك من في طلب النار ، وهو موسى عليه‌السلام. فحذف المضاف ، ومن حولها الملائكة أي : دامت البركة لموسى والملائكة ، وهذا تحية من الله سبحانه لموسى عليه‌السلام بالبركة ، كما حيا إبراهيم عليه‌السلام بالبركة على ألسنة الملائكة ، حين دخلوا عليه فقالوا (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ).

ثم نزه سبحانه نفسه فقال : (وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي : تنزيها له عما لا يليق بصفاته تعالى ، عن أن يكون جسما يحتاج إلى جهة ، أو عرضا يحتاج إلى محل ، أو يكون ممن يتكلم بآلة. ثم أخبر سبحانه موسى عن نفسه ، وتعرف إلي بصفاته ، فقال : (يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي : إن الذي يكلمك هو الله العزيز أي : القادر الذي لا يغالب ، ولا يمتنع عليه شيء ، الحكيم في أفعاله ، المحكم لتدابيره. ثم أراه سبحانه آية يعلم بها صحة النداء ، فقال : (وَأَلْقِ عَصاكَ) وفي الكلام حذف تقديره : فألقاها ، فصارت حية. (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) أي : تتحرك كما يتحرك الجان ، وهو الحية التي ليست بعظيمة ، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها واهتزازها ، مع أنها ثعبان في عظمها ، ولذلك هاله ذلك ، حتى ولى مدبرا. وقيل : إن الحالتين مختلفتان ، لأن الحال التي صارت ثعبانا هي الحال التي لقي فيها فرعون ، والحال التي صارت جانا هي الحال التي خاطبه الله في أول ما بعثه نبيا.

(وَلَّى مُدْبِراً) أي : رجع إلى ورائه (وَلَمْ يُعَقِّبْ) أي : لم يرجع ، وكل

٢٥١

راجع معقب. والمفسرون يقولون : لم يلتفت. ولم يقف ، فقال الله سبحانه : (يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) وهذا تسكين من الله سبحانه لموسى ، ونهي له عن الخوف. يقول له : إنك مرسل ، والمرسل لا يخاف ، لأنه لا يفعل قبيحا ، ولا يخل بواجب ، فيخاف عقابي على ذلك.

ثم قال سبحانه (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) المعنى : لكن من ظلم نفسه بفعل القبيح من غير المرسلين ، لأن الأنبياء لا يقع منهم ظلم ، لكونهم معصومين من الذنوب والقبائح. فيكون هذا استثناء منقطعا. وإنما حسن ذلك لاجتماع الأنبياء وغيرهم في معنى شملهم ، وهو التكليف. (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) أي : بدل توبة وندما على ما فعله من القبيح ، وعزما أن لا يعود إليه في المستقبل. (فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : ساتر لذنبه ، قابل لتوبته (١).

* س ٤ : ما هو معنى «السوء» و «التسع آيات» في قوله تعالى :

(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١٢) [سورة النمل : ١٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لرجل من أصحابه : «إذا أردت الحجامة ، وخرج الدم من محاجمك ، فقل قبل أن تفرغ ، والدم يسيل : بسم الله الرحمن الرحيم ، أعوذ بالله الكريم في حجامتي هذه من العين في الدم ، ومن كلّ سوء».

قال : «وما علمت ـ يا فلان ـ أنّك إذا قلت هذا فقد جمعت الأشياء كلّها ، إنّ الله تبارك وتعالى يقول : (اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ)(٢) يعني الفقر ، وقال عزوجل : (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٦٥ و ٣٦٦.

(٢) الأعراف : ١٨٨.

٢٥٢

وَالْفَحْشاءَ)(١) يعني أن يدخل في الزنا ، وقال لموسى عليه‌السلام : (أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ، قال : من غير برص» (٢).

وفي رواية قال أبو جعفر عليه‌السلام : يعني من غير مرض (٣).

٢ ـ قال موسى الكاظم عليه‌السلام : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ذات يوم وأنا طفل خماسيّ ، إذ دخل عليه نفر من اليهود ـ وذكر الحديث إلى أن قال ـ قالوا : أخبرنا عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران.

قلت : العصا ، وإخراجه يده من جيبه بيضاء ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، ورفع الطور ، والمنّ والسلوى آية واحدة ، وفلق البحر. قالوا : صدقت» (٤).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (١٤) [سورة النمل : ١٣ ـ ١٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قرأ علي بن الحسين عليهما‌السلام : «مبصرة» بفتح الميم والصاد» (٥).

٢ ـ قال أبو عمرو الزبيري : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزوجل؟!

قال عليه‌السلام : «الكفر في كتاب الله عزوجل على خمسة أوجه ، فمنها كفر الجحود ، والجحود على وجهين ، والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ،

__________________

(١) يوسف : ٢٤.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٧٢ ، ح ١.

(٣) طب الأئمة : ص ٥٥.

(٤) قرب الإسناد : ص ١٣٣.

(٥) مجمع البيان.

٢٥٣

وكفر النعم ، فأمّا كفر الجحود : فهو الجحود بالربوبية ، وهو قول من يقول ، لا ربّ ، ولا جنّة ، ولا نار ، وهو قول صنفين من الزنادقة ، يقال لهم : الدهرية ، وهم الذين يقولون : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)(١) ، وهو دين وضعوه لأنفسهم ، بالاستحسان ، على غير تثبّت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون. قال الله عزوجل : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)(٢) ، إن ذلك كما يقولون ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(٣) ، يعني بتوحيد الله تعالى ، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأمّا الوجه الآخر من الجحود ـ فهو الجحود ـ على معرفة ، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حق قد استقرّ عنده ، وقد قال الله عزوجل : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) ، وقال الله عزوجل : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)(٤) ، فهذا تفسير وجهي الجحود» (٥).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦) [سورة النمل : ١٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وستّة أشهر ، ملك أهل الدنيا كلّهم ، من الجنّ والإنس ، والشياطين ، والدوابّ ، والطير ، والسباع ، وأعطي

__________________

(١) الجاثية : ٢٤.

(٢) الجاثية : ٢٤.

(٣) البقرة : ٦.

(٤) البقرة : ٨٩.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٨٧ ، ح ١.

٢٥٤

علم كلّ شيء ، ومنطق كلّ شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس ، وذلك قوله : (عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)(١).

وقال عليه‌السلام أيضا : «إن داود ورث علم الأنبياء ، وإنّ سليمان ورث داود ، وإنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورث سليمان ، وإنا ورثنا محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ عندنا صحف إبراهيم ، وألواح موسى عليه‌السلام».

فقال أبو بصير : إنّ هذا لهو العلم فقال : «يا أبا محمّد ، ليس هذا هو العلم ، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنهار ، يوما بيوم ، وساعة بساعة» (٢).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : أعطي داود وسليمان عليهما‌السلام ما لم يعط أحد من أنبياء الله من الآيات ، علّمهما منطق الطير ، وألان لهما الحديد والصفر من غير نار ، وجعلت الجبال يسبّحن مع داود ، وأنزل الله عليه الزبور ، فيه توحيده ، وتمجيده ، ودعاؤه ، وأخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والأئمّة عليهم‌السلام من ذرّيتهما ، وأخبار الرجعة والقائم عليه‌السلام ، لقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ)(٣)» (٤).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ

٢٥٥

وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٣٥.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٧٥ ، ح ٤.

(٣) الأنبياء : ١٠٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٦.

٢٥٦

وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٤) [سورة النمل : ١٧ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قعد على كرسيّه ، فحملته الريح ، فمرّت به على وادي النمل ، وهو واد ينبت الذهب والفضّة ، وقد وكّل الله به النمل ، وهو قول الصادق عليه‌السلام : «إنّ لله واديا ينبت الذهب والفضّة ، قد حماه بأضعف خلقه ، وهو النمل ، لو رامته البخاتيّ من الإبل ما قدرت عليه».

ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ) : «يحبى أولهم على آخرهم» (١).

فلمّا انتهى سليمان إلى وادي النمل ، قالت نملة : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) إلى قوله تعالى : (فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ).

ـ أقول : قال الإمام الصادق عليه‌السلام في قول الله : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) : «لمّا قالت النملة : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ، حملت الريح صوت النملة إلى سليمان عليه‌السلام ، وهو مارّ في الهواء ، والريح قد حملته ، فوقف ، وقال : عليّ بالنملة. فلمّا أتي بها ، قال سليمان : يا أيّتها النملة ، أما علمت أنّي نبيّ ، وأني

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

٢٥٧

لا أظلم أحدا؟ قالت النملة : بلى. قال سليمان عليه‌السلام : فلم حذّرتهم ظلمي ، فقلت : (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ)؟ قالت النملة : خشيت أن ينظروا إلى زينتك ، فيفتنوا بها ، فيبعدوا عن ذكر الله تعالى.

ثم قالت : أنت أكبر ، أم أبوك داود عليه‌السلام؟ قال سليمان : بل أبي داود. قالت النملة : فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود عليه‌السلام؟.

فقال سليمان : ما لي بهذا علم. قالت النملة : لأن أباك داود داوى جرحه بودّ ، فسمّي داود ، وأنت ـ يا سليمان ـ أرجو أن تلحق بأبيك (١).

ثم قالت النملة : هل تدري لم سخّرت لك الريح ، من بين سائر المملكة؟ ، قال سليمان : ما لي بهذا علم. قالت النملة : يعني عزوجل بذلك : لو سخّرت لك جميع المملكة ، كما سخّرت لك هذه الريح ، لكان زوالها من يدك كزوال الريح. فحينئذ تبسّم ضاحكا من قولها» (٢).

وكان سليمان إذا قعد على كرسيّه ، جاءت جميع الطير التي سخّرها الله لسليمان ، فتظلّ الكرسيّ والبساط ـ بجميع من عليه ـ من الشمس ، فغاب عنه الهدهد من بين الطير ، فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان عليه‌السلام ،

__________________

(١) ذكر المجلسي (رحمه‌الله) وجوها أربعة في تفسير هذه العبارة ، ارتضى التالي منها : أن المعنى أن أباك لما ارتكب ترك الأولى ، وصار قلبه مجروحا بذلك ، فداواه بودّ الله تعالى ومحبته ، فلذا سمي داود اشتقاقا من الدواء بالودّ ، وأنت لمّا لم ترتكب بعد ، وأنت سليم منه سميت سليمان ، فخصوص العلّتين للتسميتين ، صارتا علّة لزيادة اسمك على اسم أبيك. ثم لمّا كان كلامها موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه ، استدركت ذلك بأنّ ما صدر عنه لم يصر سببا لنقصه ، بل صار سببا لكمال محبّته وتمام مودّته ، وأرجو أن تلحق أنت أيضا بأبيك في ذلك ليكمل محبتك ، البحار : ج ١٤ ، ص ٩٣.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٧٨ ، ح ٨.

٢٥٨

فرفع رأسه ، وقال ، كما حكى الله : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) إلى قوله تعالى : (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجّة قويّة ـ أقول : قال أبو إبراهيم : قلت لأبي الحسن الأوّل عليه‌السلام : جعلت فداك ، أخبرني عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورث النبيين كلهم؟ قال : «نعم» قلت : من لدن آدم ، حتى انتهى إلى نفسه؟ قال : «ما بعث الله نبيّا إلا ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم منه».

قال : قلت : إن عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله. قال : «صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقدر على هذه المنازل».

قال : فقال : «إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده ، وشكّ في أمره ، فقال : (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ) حين فقده. وغضب عليه. فقال : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) وإنما غضب لأنه كان يدلّه على الماء ، فهذا وهو طائر ، قد أعطي ما لم يعط سليمان ، وكانت الريح ، والنّمل ، والجن والإنس ، والشياطين ، والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه».

وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى)(١) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء. وإنّ في كتاب الله لآيات ، ما يراد بها أمر إلّا أن يأذن الله به ، مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون ، وجعله الله لنا في أمّ الكتاب ، إنّ الله يقول : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٢).

__________________

(١) الرعد : ٣١.

(٢) النمل : ٧٥.

٢٥٩

ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)(١) فنحن الذين اصطفانا الله عزوجل ، وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شيء» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) : يقول لأنتفنّ ريشه (٣).

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم ، قال : فلم يمكث إلّا قليلا إذ جاء الهدهد ، فقال له سليمان : «أين كنت؟» قال : (أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) ، أي بخبر صحيح (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) ، وهذا ممّا لفظه عام ، ومعناه خاصّ ، لأنّها لم تؤت أشياء كثيرة ، منها : الذكر ، واللّحية.

ثم قال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى قوله تعالى : (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) ، ثمّ قال الهدهد : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ) أي المطر ، وفي (الْأَرْضِ) النبات.

ـ [أقول في قوله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) : قال حنان بن سدير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العرش والكرسيّ ، فقال : «إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة ، فقوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) يقول : الملك العظيم ، وقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٤) يقول : على الملك احتوى ، وهذا ملك الكيفوفيّة في الأشياء.

ثمّ العرش في الوصل متفرد عن الكرسي ، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، وهما جميعا غيبان ، وهما في الغيب مقرونان ، لأنّ الكرسيّ هو

__________________

(١) فاطر : ٣٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٧٦ ، ح ٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٩.

(٤) طه : ٥.

٢٦٠