التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

على توحيده من خلق السماوات والأرض ، ثم في أحوال القرون الخالية ، والأمم الماضية فقال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) أي : في حال الخلوة ، لأن في تلك الحالة يتمكن الإنسان من نفسه ، ويحضره ذهنه وقيل : معناه أو لم يتفكروا في خلق الله أنفسهم ، والمعنى : أو لم يتفكروا فيعلموا ، وحذف لأن في الكلام دليلا عليه. (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) قال الزجاج : معناه إلّا للحق أي : لإقامة الحق ، ومعناه للدلالة على الصانع ، والتعريض للثواب. (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي : ولوقت معلوم توفى فيه كل نفس ما كسبت. وقيل : معناه خلقها في أوقات قدرها اقتضت المصلحة خلقها فيها ، ولم يخلقها عبثا ...

(سؤال) : قالوا كيف يعلم المتفكر في نفسه أن الله سبحانه لم يخلق شيئا إلّا بالحق؟ وكيف يعلم الآخرة؟

(جواب) : قلنا إذا علم بالنظر في نفسه أنه محدث مخلوق ، وأن له محدثا قديما ، قادرا عالما حيا ، وأنه لا يفعل القبيح ، وأنه حكيم ، علم أنه لم يخلقه عبثا ، وإنما خلقه لغرض ، وهو التعريض للثواب ، وذلك لا يتم إلا بالتكليف ، فلا بد إذا من الجزاء ، فإذا لم يوجد في الدنيا ، فلا بد من دار أخرى يجازى فيها. ويعلم إذا خلق ما لا ينتفع بنفسه ، فلا بد أن يكون الغرض أن ينتفع الحي به.

(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) أي : بلقاء جزاء ربهم ، وبالبعث ، وبيوم القيامة ، لجاحدون غير معترفين ، ثم نبههم سبحانه دفعة أخرى فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فهلكوا وبادوا ، فيعتبروا بهم لعلمهم أنهم أهلكوا بتكذيبهم.

(وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أي : وقلبوها وحرثوها بعمارتها ... (وَعَمَرُوها

٤٠١

أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أي : أكثر مما عمرها هؤلاء الكفار ، لأنهم كانوا أكثر أموالا ، وأطول أعمارا ، وأكثر عددا ، فحفروا الأنهار ، وغرسوا الأشجار ، وبنوا الدور ، وشيدوا القصور ، ثم تركوها ، وصاروا إلى القبور ، وإلى الهلاك والثبور.

(وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : أتتهم رسلهم بالدلالات من عند الله. وفي الكلام حذف تقديره : فجحدوا الرسل ، وكذبوا بتلك الرسل ، فأهلكهم الله بالعذاب (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بأن يهلكهم من غير استحقاق (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بأن جحدوا رسل الله ، وأشركوا معه في العبادة سواه ، حتى استحقوا العذاب عاجلا وآجلا.

(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا) إلى نفوسهم بالكفر بالله ، وتكذيب رسله ، وارتكاب معاصيه (السُّواى) أي الخلة التي تسوء صاحبها إذا أدركها ، وهي عذاب النار ، ...

(أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : لتكذيبهم بآيات الله ، واستهزائهم بها.

ثم ذكر سبحانه قدرته على الإعادة فقال : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي : يخلقهم ابتداء ، ثم يعيدهم بعد الموت أحياء ، كما كانوا. (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) ، فيجازيهم بأعمالهم (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٤٨ ـ ٤٩.

٤٠٢

كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) (١٦) [سورة الروم : ١٢ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) أي يئسوا (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ) يعني شركاء يعبدونهم ، ويطيعونهم ، لا يشفعون لهم. وقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) ، قال : إلى الجنّة والنار (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) أي يكرمون (١).

قال الطبرسيّ : ثم أخبر ـ الله تعالى ـ عن حال الكافرين فقال : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي : بدلائلنا ، وبالبعث يوم القيامة (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أي محصلون (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (١٨) [سورة الروم : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي ، ـ في معنى الآية ـ : يقول : سبّحوا بالغداة ، والعشيّ ، ونصف النهار (٣).

وقال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، قال : «جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله ، [أن] قال : أخبرني عن الله عزوجل ، لأي شيء فرض هذه الخمس صلوات ، في خمس مواقيت على أمّتك ، في ساعات الليل والنهار؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الشّمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٣.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥١.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٢.

٤٠٣

دخلت فيها زالت الشمس فيسبّح كل شيء دون العرش بحمد ربّي جلّ جلاله ، وهي الساعة التي يصلّي عليّ فيها ربي ، ففرض الله عزوجل علي وعلى أمتي فيها الصلاة ، وقال : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(١) ، وهي الساعة التي يؤتى فيها بجهنّم يوم القيامة ، فما من مؤمن يوفق تلك الساعة أن يكون ساجدا ، أو راكعا ، أو قائما ، إلّا حرّم الله جسده على النار.

وأمّا صلاة العصر ، فهي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة فأخرجه الله من الجنّة ، فأمر الله عزوجل ذريّته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة ، واختارها لأمّتي ، فهي من أحبّ الصلوات إلى الله عزوجل ، وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات.

وأمّا صلاة المغرب ، فهي الساعة التي تاب الله عزوجل فيها على آدم ، وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب الله عليه ثلاث مائة سنة من أيام الدنيا ، وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر والعشاء ، فصلّى آدم ثلاث ركعات : ركعة لخطيئته ، وركعة لخطيئة حوّاء ، وركعة لتوبته ، فافترض الله عزوجل هذه الركعات الثلاث على أمّتي ، وهي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء ، فوعدني ربّي عزوجل أن يستجيب لمن دعاه فيها ، وهي الصلاة التي أمرني بها ربّي في قوله عزوجل : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ).

وأمّا صلاة العشاء الآخرة ، فإنّ للقبر ظلمة ، وليوم القيامة ظلمة ، فأمرني الله عزوجل وأمتي بهذه الصلاة في ذلك الوقت لتنوّر القبور ، وليعطيني وأمتي النور على الصّراط ، وما من قدم مشت إلى صلاة العتمة (٢) إلّا حرّم الله

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) العتمة : صلاة العشاء ، أو وقت صلاة العشاء. «مجمع البحرين ـ عتم ـ ج ٦ ، ص ١١٠».

٤٠٤

جسدها على النار ، وهي الصلاة التي اختارها الله للمرسلين قبلي.

وأمّا صلاة الفجر ، فإنّ الشّمس إذا طلعت تطلع على قرني شيطان ، فأمرني الله عزوجل أن أصلّي صلاة الغداة قبل طلوع الشّمس ، وقبل أن يسجد لها الكافر ، فتسجد أمتي لله عزوجل ، وسرعتها أحبّ إلى الله عزوجل ، وهي الصلاة التي تشهدها ملائكة الليل ، وملائكة النهار. قال اليهودي : صدقت ، يا محمد» (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (٢٠) [سورة الروم : ١٩ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وقال الله عزوجل : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ)(٢) فالحيّ : المؤمن الذي تخرج طينته من طينة الكافر ، والميت الذي يخرج من الحيّ : هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن ، والميّت : الكافر ، وذلك قول الله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٣) فكان موته اختلاط طينته مع طينة الكافر ، وكان حياته حين فرق الله عزوجل بينهما بكلمته. كذلك يخرج الله عزوجل المؤمن في الميلاد من الظلمة بعد دخوله فيها إلى النور ، ويخرج الكافر من النور إلى الظلمة بعد دخوله إلى النور ، وذلك قول الله عزوجل : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ)(٤)» (٥).

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٣٣٧ ، ح ١ ، ومن لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ١٣٧ ، ح ٦٤٣.

(٢) الأنعام : ٩٥.

(٣) الأنعام : ١٢٢.

(٤) يس : ٧٠.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٤ ، ح ٧.

٤٠٥

وقال علي بن إبراهيم ، قوله : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) ردّ على الدهريّة. ثم قال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) أي تسيرون ـ وقيل تنثرون ـ في الأرض (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) (٢٥) [سورة الروم : ٢١ ـ ٢٥]؟!

الجواب / قال الطبرسي : ثم عطف سبحانه على ما قدمه من تنبيه العبيد على دلائل التوحيد ، فقال : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي : جعل لكم من شكل أنفسكم ، ومن جنسكم (أَزْواجاً). وإنما من سبحانه علينا بذلك ، لأن الشكل إلى الشكل أميل ... وقيل : معناه أن حواء خلقت من ضلع آدم عليه‌السلام ... وقيل : إن المراد بقوله (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أن النساء خلقن من نطف الرجل. (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) أي : لتطمئنوا إليها ، وتألفوا بها ، ويستأنس بعضكم ببعض. (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) يريد بين المرأة وزوجها ، جعل سبحانه بينهما المودة والرحمة ، فيهما يتوادان ويتراحمان ، وما شيء أحب إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. قال السدي : المودة والمحبة ،

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٤.

٤٠٦

والرحمة : الشفقة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في خلق الأزواج مشاكلة للرجال (لَآياتٍ) أي : لدلالات واضحات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) في ذلك ، ويعتبرون به. ثم نبه سبحانه على آية أخرى ، فقال : (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على توحيده (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما فيهما من عجائب خلقه ، وبدائع صنعه ، مثل ما في السموات من النجوم والشمس والقمر ، وجريها في مجاريها على غاية ، الاتساق والنظام ، وما في الأرض من أنواع الجماد والنبات والحيوان ، المخلوقة على وجه الإحكام. (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) فالألسنة جمع لسان ، واختلافها هو أن ينشئها الله تعالى مختلفة في الشكل والهيئة والتركيب ، فتختلف نغماتها وأصواتها ، حتى إنه لا يشتبه صوتان من نفسين هما إخوان. وقيل : إن اختلاف الألسنة هو اختلاف اللغات من العربية والعجمية وغيرهما. ولا شيء من الحيوانات تتفاوت لغاتها ، كتفاوت لغات الإنسان ، فإن كانت اللغات توقيفا من قبل الله تعالى ، فهو الذي فعلها وابتدأها. وإن كانت مواضعة من قبل العباد ، فهو الذي يسرها.

ـ أقول : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لعبد الله بن سليمان ـ بعد ما سأله عن الإمام وهل فوّض الله إليه كما فوّض إلى سليمان بن داود؟ ـ في حديث طويل ـ : «نعم ، إنّ الإمام إذا أبصر إلى الرجل عرفه ، وعرف لونه ، وإن سمع كلامه من خلف حائط عرفه ، وعرف ما هو ، إنّ الله يقول : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) ، وهم العلماء ، فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به إلّا عرفه ناج أو هالك ، فلذلك يجيبهم بالذي يجيبهم» (١).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦٤ ، ح ٣.

٤٠٧

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢٧)

[سورة الروم : ٢٦ ـ ٢٧]؟!

الجواب / قال الطبرسي : ثم قال سبحانه بعد أن ذكر الدلالات الدالة على توحيده : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من العقلاء يملكهم ، ويملك التصرف فيهم ، وإنما خص العقلاء لأن ما عداهم في حكم التبع لهم. ثم أخبر سبحانه عن جميعهم فقال : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) أي : كل له مطيعون في الحياة والبقاء ، والموت والبعث ، وإن عصوا في العبادة. وهذا مفسر في سورة البقرة (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي : يخلقهم إنشاء ، ويخترعهم ابتداء ، ثم يعيدهم بعد الإفناء. فجعل سبحانه له ظهر من ابتداء خلقه ، دليلا على ما خفي من إعادته ، استدلالا بالشاهد على الغائب. ثم أكد ذلك بقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هو يعود إلى مصدر يعيده فالمعنى : والإعادة أهون. وقيل فيه أقوال أحدها : إن معناه وهو هين عليه كقوله : (اللهِ أَكْبَرُ) أي : كبير لا يدانيه أحد في كبريائه ، وكقول الشاعر :

لعمرك ما أدري ، وإني لأوجل

على أينا تغدو المنية أول

فمعنى لأوجل أي : وجل. وقال الفرزدق.

إن الذي سمك السماء بنى

لنا بيتا دعائمه أعز ، وأطول

أي : عزيزة طويلة ، وقد قيل فيه : إنه أراد أعز وأطول من دعائم بيوت العرب. وقال آخر : تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد أي : بواحد هذا قول أهل اللغة

والثاني : إنه إنما قال (أَهْوَنُ) لما تقرر في العقول أن إعادة الشيء

٤٠٨

أهون من ابتدائه. ومعنى (أَهْوَنُ) أيسر وأسهل ، وهم كانوا مقرين بالابتداء. فكأنه قال لهم : كيف تقرون بما هو أصعب عندكم ، وتنكرون ما هو أهون عندكم؟

الثالث : إن الهاء في (عَلَيْهِ) يعود إلى الخلق ، وهو المخلوق أي : والإعادة على المخلوق أهون من النشأة الأولى ، لأنه إنما يقال له في الإعادة كن فيكون ، وفي النشأة الأولى كان نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم كسيت العظام لحما ، ثم نفخ فيه الروح. فهذا على المخلوق أصعب ، والإنشاء يكون أهون عليه ، وهذا قول النحويين ، ومثله يروى عن ابن عباس قال : وهو أهون على المخلوق ، لأنه يقول له يوم القيامة : كن فيكون. وأما ما يروى عن مجاهد أنه قال : الإنشاء أهون عليه من الابتداء ، فقوله مرغوب عنه ، لأنه تعالى لا يكون عليه شيء أهون من شيء. (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي : وله الصفات العليا (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهي أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، لأنها دائمة يصفه بها الثاني كما يصفه بها الأول. وقيل : هي أنه ليس كمثله شيء. وقيل : هي جميع ما يختص به ، عز اسمه ، من الصفات العلى التي لا يشاركه فيها سواه ، والأسماء الحسنى التي تفيد التعظيم كالقاهر ، والإله. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في ملكه (الْحَكِيمُ) في خلقه (١).

(وَأَلْوانِكُمْ) أي : واختلاف ألوانكم من البياض والحمرة والصفرة والسمرة وغيرها ، فلا يشبه أحد أحدا مع التشاكل في الخلقة ، وما ذلك إلا للتراكيب البديعة ، واللطائف العجيبة ، الدالة على كمال قدرته وحكمته ، حتى لا يشتبه اثنان من الناس ، ولا يلتبسان مع كثرتهم. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : أدلة واضحات (لِلْعالِمِينَ) أي : للمكلفين. (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٦.

٤٠٩

توحيده. وإخلاص العبادة له (مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بالنهار. وهذا تقديره أي : يصرفكم في طلب المعيشة. والمنام ، والنوم بمعنى واحد. وقيل : إن الليل والنهار معا وقت للنوم ، ووقت لابتغاء الفضل ، لأن من الناس من يتصرف في كسبه ليلا ، وينام نهارا ، فيكون معناه : ومن دلائله النوم الذي جعله الله راحة لأبدانكم بالليل ، وقد تنامون بالنهار ، فإذا انتبهتم انتشرتم لابتغاء فضل الله. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ذلك ، فيقبلونه ويتفكرون فيه ، لأن من لا يتفكر فيه ، لا ينتفع به ، فكأنه لم يسمعه (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) معناه : ومن دلالاته أن يريكم النار تنقدح من السحاب ، يخافه المسافر ، ويطمع فيه المقيم. وقيل : خوفا من الصواعق ، وطمعا في الغيث. وقيل : خوفا من أن يخلف ولا يمطر ، وطمعا في المطر. (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً) أي : غيثا ومطرا (فَيُحْيِي بِهِ) أي : بذلك الماء (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي : بعد انقطاع الماء عنها وجدوبها. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) أي : للعقلاء المكلفين. (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) بلا دعامة تدعمها ، ولا علاقة تتعلق بها ، بأمره لهما بالقيام كقوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). وقيل : بأمره أي : بفعله وإمساكه ، إلا أن أفعال الله ، عز اسمه ، تضاف إليه بلفظ الأمر ، لأنه أبلغ في الاقتدار. فإن قول القائل أراد فكان ، أو أمر فكان ، أبلغ في الدلالة على الاقتدار من أن يقول فعل فكان. ومعنى القيام الثبات والدوام. ويقال : السوق قائمة. (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ) أي : من القبر ، يأمر الله عز اسمه إسرافيل عليه‌السلام فينفخ في الصور بعدما يصور الصور في القبور ، فيخرج الخلائق كلها من قبورهم. (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) من الأرض أحياء. وقيل : إنه سبحانه جعل النفخة دعاء ، لأن إسرافيل يقول أجيبوا داعي الله ، فيدعو بأمر الله سبحانه. وقيل : إن معناه أخرجكم من

٤١٠

قبوركم بعد أن كنتم أمواتا فيها. فعبر عن ذلك بالدعاء إذ هو بمنزلة الدعاء ، وبمنزلة كن فيكون في سرعة تأتي ذلك ، وامتناع التعذر. وإنما ذكر سبحانه هذه المقدورات على اختلافها ، ليدل عباده على أنه القادر الذي لا يعجزه شيء ، العالم الذي لا يعزب عنه شيء. وتدل هذه الآيات على فساد قول من قال : إن المعارف ضرورية ، لأن ما يعرف ضرورة ، لا يمكن الاستدلال عليه (١).

* س ١٠ : ما هو معنى وسبب نزول قوله تعالى :

(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢٨) [سورة الروم : ٢٨]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : إنه كان سبب نزولها أن قريشا والعرب كانوا إذا حجّوا يلبّون ، وكانت تلبيتهم : لبيك اللهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، وهي تلبية إبراهيم عليه‌السلام والأنبياء ، فجاءهم إبليس في صورة شيخ ، فقال : ليست هذه تلبية أسلافكم. قالوا : وما كانت تلبيتهم؟ قال : كانوا يقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك ، فنفرت قريش من هذا القول ، فقال لهم إبليس : على رسلكم حتى آتي على آخر كلامي. فقالوا : ما هو؟ فقال : إلّا شريك هو لك ، تملكه وما يملك ، ألا ترون أنه يملك الشريك وما ملكه؟ فرضوا بذلك ، وكانوا يلبّون بهذا قريش خاصة.

فلمّا بعث الله رسوله أنكر ذلك عليهم ، وقال : «هذا شرك» فأنزل الله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، الشيخ الطبرسي : ص ٥٤ ـ ٥٥.

٤١١

رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) ، أترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك؟ فإذا لم ترضوا أنتم أن يكون لكم فيما تملكون شريك ، فكيف ترضون أن تجعلوا لي شريكا فيما أملك (١)؟

٢ ـ قال الطبرسيّ : قوله : (تَخافُونَهُمْ) أن يشاركوكم فيما ترثونه من آبائكم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : كما يخاف الرجل الحر شريكه الحر في المال ، يكون بينهما أن ينفرد دونه فيه بأمر ، وكما يخاف الرجل شريكه في الميراث أن يشاركه ، لأنه يحب أن ينفرد به ، فهو يخاف شريكه ، يعني أن هذه الصفة لا تكون بين المالكين والمملوكين ، كما تكون بين الأحرار. ومعنى أنفسكم ههنا : أمثالكم من الأحرار كقوله : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، وكقوله : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) أي : بأمثالهم من المؤمنين والمؤمنات ، والمعنى : إنكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء لكم في أموالكم وأملاككم ، فكيف ترضون لربكم أن يكون له شركاء في العبادة. قال سعيد بن جبير : لأنه كانت تلبية قريش : (لبيك اللهم لبيك ، لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك). فأنزل الله تعالى الآية ردا عليهم ، وإنكارا لقولهم. (كَذلِكَ) أي : كما ميزنا لكم هذه الأدلة (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : الأدلة (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فيتدبرون ذلك (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٢٩) [سورة الروم : ٢٩]؟!

الجواب / قال الطبرسي : قال سبحانه مبينا لهم أنهم إنما اتبعوا أهواءهم فيما أشركوا به : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : أشركوا بالله (أَهْواءَهُمْ) في

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٨.

٤١٢

الشرك (بِغَيْرِ عِلْمٍ) يعلمونه جاءهم من الله (فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) أي : فمن يهدي إلى الثواب والجنة من أضله الله عن ذلك. وقيل : معناه من أضل عن الله الذي هو خالقه ، ورازقه ، والمنعم عليه مع ما نصبه له من الأدلة ، فمن يهديه بعد ذلك ، عن أبي مسلم قال : وهو من قولهم : أضل فلان بعيره. بمعنى ضل بعيره عنه. (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونهم ، ويدفعون عنهم عذاب الله تعالى إذا حل بهم. ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد جميع المكلفين (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠) [سورة الروم : ٣٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) ، قال : «هي الولاية» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قم في الصلاة ، ولا تلتفت يمينا ولا شمالا» (٣).

وفي رواية أخرى قال أبو بصير سألته عن قول الله عزوجل : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً)؟!. قال : «أمره أن يقيم وجهه للقبلة ليس فيه شيء من عبادة الأوثان ، خالصا مخلصا» (٤).

قال عبد الله بن سنان : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) ، ما تلك الفطرة؟ قال : «هي

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٥٨.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٦ ، ح ٣٥.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٥.

(٤) التهذيب : ج ٣ ، ص ٤٢ ، ح ١٣٣.

٤١٣

الإسلام ، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ، قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(١)؟ قالوا : بلى ، وفيه المؤمن والكافر» (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام في قوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) : «هي : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عليّ أمير المؤمنين وليّ الله ، إلى ها هنا التوحيد» (٣).

وقال الطبرسيّ ، في معنى الآية : قوله عليه‌السلام : «كلّ مولود يولد على الفطرة ، حتى يكون أبواه هما اللذان يهوّدانه وينصّرانه» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فطرهم جميعا على التوحيد» (٥).

قال زرارة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)(٦) ، قال : «الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) قال : فطرهم على المعرفة به».

قال زرارة : وسألته عن قول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٧) الآية ، قال : «أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذر ، فعرّفهم ، وأراهم نفسه ، ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه ـ قال ـ وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ مولود يولد على الفطرة ، يعني على المعرفة بأنّ الله عزوجل خالقه ، كذلك قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(٨)» (٩).

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠ ، ح ٢.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ١٥٤.

(٤) جوامع الجامع : ص ٣٥٩.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠ ، ح ٣.

(٦) الحج : ٣١.

(٧) الأعراف : ١٧٢.

(٨) لقمان : ٢٥ ، الزمر : ٣٨.

(٩) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠ ، ح ٤.

٤١٤

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٣٧) [سورة الروم : ٣١ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم قال سبحانه (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) قال الزجاج : زعم جميع النحويين أن معناه فأقيموا وجوهكم منيبين إليه ، لأن مخاطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تدخل معه فيها الأمة والدليل على ذلك قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) فقوله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) معناه فأقيموا وجوهكم منيبين إليه أي : راجعين إلى كل ما أمر به مع التقوى ، وأداء الفرض ، وهو قوله (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ). ثم أخبر سبحانه أنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد ، فقال : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) أي : لا تكونوا من أهل الشرك من جملة الذين فرقوا دينهم. ويجوز أن يكون قوله من الذين فرقوا دينهم. (وَكانُوا شِيَعاً) ابتداء كلام ومعناه : الذين أوقعوا في دينهم الاختلاف ، وصاروا ذوي أديان مختلفة ، فصار بعضهم يعبدوننا ، وبعضهم يعبد نارا وبعضهم شمسا ، إلى غير ذلك. وقد تقدم تفسيره في سورة الأنعام. (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي : كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون. وقيل : كل فريق بدينهم معجبون مسرورون ، يظنون أنهم على

٤١٥

حق. (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ) أي : إذا أصابهم مرض ، أو فقر ، أو شدة ، دعوا الله تعالى. (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أي : منقطعين إليه ، مخلصين في الدعاء له. (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) بأن يعافيهم من المرض ، أو يغنيهم من الفقر ، أو ينجيهم من الشدة. (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) أي : يعودون إلى عبادة غير الله على خلاف ما يقتضيه العقل من مقابلة النعم بالشكر.

ثم بين سبحانه أنهم يفعلون ذلك (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) من النعم إذ لا غرض في الشرك إلا كفران نعم الله سبحانه. وقيل : إن هذه اللام للأمر على معنى التهديد ، مثل قوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) ثم قال سبحانه يخاطبهم مهددا لهم : (فَتَمَتَّعُوا) بهذه الدنيا ، وانتفعوا بنعيمها الفاني ، كيف شئتم. (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة كفركم (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً) هذا استفهام مستأنف معناه : بل أنزلنا عليهم برهانا وحجة ، يتسلطون بذلك على ما ذهبوا إليه. (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) أي : فذلك البرهان كأنه يتكلم بصحة شركهم ، ويحتج لهم به ، والمعنى. إنهم لا يقدرون على تصحيح ذلك ، ولا يمكنهم ادعاء برهان وحجة عليه (١).

وقال : تقدم ذكر المشركين ، عقبه سبحانه بذكر أحوالهم في البطر عند النعمة ، واليأس عند الشدة. فقال : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً) أي : إذا آتيناهم نعمة من عافية ، وصحة جسم ، أو سعة رزق ، أو أمن ودعة (فَرِحُوا بِها) أي : سروا بتلك الرحمة (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي : وإن أصابهم بلاء وعقوبة بذنوبهم التي قدموها. وسمي ذلك سيئة توسعا لكونه جزاء على السيئة. وقيل : وإن يصبهم قحط ، وانقطاع مطر ، وشدة ، وسميت سيئة لأنها تسوء صاحبها (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) أي : ييأسون من رحمة الله. وإنما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٨ ، ص ٦٠ ـ ٦١.

٤١٦

قال (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ولم يقل بما قدموا على التغليب للأظهر الأكثر ، فإن أكثر العمل لليدين ، والعمل للقلب وإن كان كثيرا ، فإنه أخفى. ثم نبههم سبحانه على توحيده فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي : يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي : ويضيق لمن يشاء على حسب ما تقتضيه مصالح العباد (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : في بسط الرزق لقوم ، وتضييقه لقوم آخرين (لَآياتٍ) أي دلالات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بالله.

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣٨) [سورة الروم : ٣٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما بويع لأبي بكر ، واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار ، بعث إلى فدك ، فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها ، فجاءت فاطمة عليها‌السلام إلى أبي بكر ، فقالت : يا أبا بكر ، منعتني ميراثي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر الله؟! فقال لها : هاتي على ذلك شهودا. فجاءت بأمّ أيمن ، فقالت : لا أشهد حتى احتجّ ـ يا أبا بكر ـ عليك بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : أنشدك الله ـ يا أبا بكر ـ ألست تعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ أم أيمن امرأة من أهل الجنّة؟ قال : بلى. قالت : فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فجعل فدكا لفاطمة عليها‌السلام بأمر الله. وجاء علي عليه‌السلام فشهد بمثل ذلك ، فكتب لها كتابا بردّ فدك ، ودفعه إليها ، فدخل عمر ، فقال : ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر : إنّ فاطمة ادّعت في فدك ، وشهدت لها أمّ أيمن وعليّ ، فكتبت لها بفدك. فأخذ عمر الكتاب من فاطمة عليها‌السلام فمزّقه ، وقال : هذا فيء للمسلمين ، وقال : أوس بن الحدثان ،

٤١٧

وعائشة ، وحفصة يشهدون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة ، وإن عليا زوجها يجر إلى نفسه ، وأم أيمن فهي امرأة صالحة ، لو كان معها غيرها لنظرنا فيه.

فخرجت فاطمة عليها‌السلام من عندهما باكية حزينة ، فلمّا كان بعد هذا جاء عليّ عليه‌السلام إلى أبي بكر وهو في المسجد ، حوله المهاجرون والأنصار ، فقال : يا أبا بكر ، لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال أبو بكر : هذا فيء للمسلمين ، فإن أقامت شهودا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله لها ، وإلا فلا حق لها فيه. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا بكر ، تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين! قال : لا. قال : فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ، ادّعيت أنا فيه ، من تسأل البيّنة؟ قال : إيّاك كنت أسأل البيّنة على ما تدّعيه على المسلمين. قال : فإذا كان في يدي شيء وادّعى فيه المسلمون ، تسألني البيّنة على ما في يدي ، وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعده (١) ، ولم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادّعوا عليّ شهودا كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر ، ثم قال عمر : يا عليّ ، دعنا من كلامك ، فإنّا لا نقوى على حججك ، فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء للمسلمين لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أبا بكر ، تقرأ كتاب الله؟ قال : نعم. قال : فأخبرني عن قول الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٢) ، فيمن نزلت ، أفينا أم في غيرنا؟ قال : بل فيكم.

قال : فلو أنّ شاهدين شهدا على فاطمة عليهم‌السلام بفاحشة ، ما كنت صانعا؟

__________________

(١) في «ج ، ط» : قال : فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يديها وقد ملكته في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده.

(٢) الأحزاب : ٣٣.

٤١٨

قال : كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على سائر المسلمين. قال : كنت إذن عند الله من الكافرين. قال : ولم؟ قال : لأنّك رددت شهادة الله لها بالطهارة ، وقبلت شهادة الناس عليها ، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها فدك وقبضته في حياته ، ثم قبلت شهادة أعرابي بوال على عقبيه ، مثل أوس بن الحدثان ، وأخذت منها فدك ، وزعمت أنّه فيء للمسلمين ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيّنة على المدّعي ، واليمين على من ادّعي عليه ـ قال ـ فدمدم الناس ، وبكى بعضهم ، فقالوا : صدق ـ والله ـ عليّ. ورجع عليّ إلى منزله».

قال : «ودخلت فاطمة المسجد ، وطافت بقبر أبيها (عليه وآله السّلام) وهي تبكي ، وتقول :

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختل قومك فاشهدهم ولا تغب (١)

قد كان بعدك أنباء وهنبثة (٢)

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنا وكلّ الخير محتجب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

تقمصتها رجال واستخف بنا

إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب

فكلّ أهل له قربى ومنزلة

عند الإله على الأدنين مقترب

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم

لما مضيت وحالت دونك الكثب (٣)

__________________

(١) في البيت إقواء بيّن ، إذ أن حرف الروي في القصيدة مرفوع وهنا مجرور ، وروي في مصادر أخرى : «فاشهدهم قد انقلبوا» وروي أيضا : «فأشهدهم فقد نكبوا».

(٢) الهنبثة : واحدة الهنابث ، وهي الأمور الشداد المختلفة. «لسان العرب ـ هنبث ـ ج ٢ ، ص ١٩٩».

(٣) الكثيب من الرمل : هو ما اجتمع واحدودب ، والجمع : كثب. «لسان العرب ـ كثب ـ ج ١ ، ص ٧٠٢».

٤١٩

فقد رزينا (١) بما لم يرزه أحد

من البريّة لا عجم ولا عرب

فقد رزينا به محضا خليقته

صافي الضرائب والأعراق والنسب

فأنت خير عباد الله كلّهم

وأصدق الناس حين الصّدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت

منا العيون بتهمال لها سكب

سيعلم المتولي ظلم حامتنا (٢)

يوم القيامة أنى سوف ينقلب»

* * *

قال : «فرجع أبو بكر إلى منزله ، وبعث إلى عمر ، فدعاه ، فقال : ما رأيت مجلس عليّ منّا اليوم؟ والله لئن قعد مقعدا مثله ليفسدنّ أمرنا ، فما الرأي؟ قال عمر : الرأي أن تأمر بقتله. قال : فمن يقتله؟ قال : خالد بن الوليد. فبعثا إلى خالد ، فأتاهما ، فقالا : نريد أن نحملك على أمر عظيم. قال : احملاني على ما شئتما ، ولو قتل علي بن أبي طالب. قالا : فهو ذاك. قال خالد : متى أقتله؟ قال أبو بكر : إذا حضر المسجد ، فقم بجنبه في الصلاة ، فإذا أنا سلمت فقم إليه فاضرب عنقه. قال : نعم.

فسمعت أسماء بنت عميس ذلك ، وكانت تحت أبي بكر ، فقالت لجاريتها : اذهبي إلى منزل علي وفاطمة قأقرئيهما السّلام ، وقولي لعليّ : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)(٣) ، فجاءت إليهما ، فقالت لعليّ عليه‌السلام : إنّ أسماء بنت عميس تقرأ عليكما السّلام ، وتقول : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ). فقال علي عليه‌السلام : قولي لها : إن الله يحيل بينهم وبين ما يريدون.

__________________

(١) الرّزء : المصيبة. «لسان العرب ـ رزأ ـ ج ١ ، ص ٨٦».

(٢) الحامّة : خاصة الرجل من أهله وولده وذي قرابته. «لسان العرب ـ حمم ـ ج ١٢ ، ص ١٥٣» ، وهي بتشديد الميم ، وخففت هنا للضرورة.

(٣) القصص : ٢٠.

٤٢٠