التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

ـ [أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام قوله : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) يقول : اقض بيني وبينهم قضاء» (١). وقال عليه‌السلام في قوله : (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) : «المجهّز الذي قد فرغ منه ، ولم يبق إلّا دفعه»](٢).

قال : (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) أي بعد نجاة نوح ، ومن معه (الْباقِينَ) أي : الخارجين عن السفينة ، الكافرين به (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) واضحة على توحيد الله (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) وليس هذا بتكرار ، وإنما كل واحد في قصة على حدة. فهذا ذكر آية في قصة نوح ، وما كان من شأنه ، بعد ذكر آية مما كان في قصة إبراهيم ، وذكر آية أخرى في قصة موسى وفرعون ، فبين أنه ذكر كلا من ذلك لما فيه من الآية الباهرة : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في إهلاك قوم نوح بالغرق (الرَّحِيمُ) في إنجائه نوحا ومن معه في الفلك (٣).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٤٠) [سورة الشعراء : ١٢٣ ـ ١٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٣.

(٢) نفس المصدر السابق ص ١٢٥.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٤١.

٢٢١

عاد ، فقال : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) والتأنيث لمعنى القبيلة ، لأنه أراد بعاد القبيلة (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) في النسب (هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) الله باجتناب معاصيه (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) إلى قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ مر تفسيرها في السؤال السابق ـ (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) أي : بكل مكان مرتفع. وقيل : بكل شرق .. وقيل : بكل طريق ـ [أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام وأمّا قوله : (بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) : «يعني بكل طريق آية ، والآية عليّ عليه‌السلام (تَعْبَثُونَ)](١).

ثم قال : قوله : (آيَةً تَعْبَثُونَ) أي : بناء لا تحتاجون إليه لسكناكم ، وإنما تريدون العبث بذلك ، واللعب واللهو. كأنه جعل بناهم ما يستغنون عنه عبثا منهم ...

ويؤيده الخبر المأثور عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خرج فرأى قبة مشرفة ، فقال : ما هذه؟ قال له أصحابه : هذا الرجل من الأنصار. فمكث حتى إذا جاء صاحبها ، فسلم في الناس ، أعرض عنه ، وصنع ذلك به مرارا ، حتى عرف الرجل الغضب ، والإعراض عنه ، فشكا ذلك إلى أصحابه ، وقال : والله إني لأنكر نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما أدري ما حدث في ، وما صنعت؟ قالوا : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرأى قبتك ، فقال : لمن هذه؟ فأخبرناه. فرجع إلى قبته ، فسواها بالأرض. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم ، فلم ير القبة ، فقال : ما فعلت القبة التي كانت ههنا؟ قالوا : شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه ، فأخبرناه فهدمها. فقال : إن لكل بناء يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة ، إلا ما لا بد منه.

وقيل : معناه أنهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ، ليشرفوا على المارة والسائلة ، فيسخروا منهم ، ويعبثوا بهم ، ... وقيل : إن هذا في بنيان الحمام ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

٢٢٢

أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجا للحمام عبثا ... (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) أي : حصونا وقصورا مشيدة ... وقيل : مأخذا للماء تحت الأرض ... (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) كأنكم تخلدون فيها ، فلا تموتون. فإن هذه الأبنية بناء من يطمع في الخلود.

قال الزجاج : معناه تتخذون مباني للخلود ، لا تتفكرون في الموت. (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) البطش : الأخذ باليد أي : إذا بطشتم بأحد تريدون إنزال عقوبة به ، عاقبتموه عقوبة من يريد التجبر بارتكاب العظائم ، كما قال : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ).

وقيل : معناه وإذا عاقبتم قتلتم ، فمعنى الجبار : القتال على الغضب بغير حق. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) ـ مر تفسيره في الآية رقم (١٠٨) ـ (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) أي : أعطاكم ما تعلمون من الخير. والإمداد : إتباع الثاني ما قبله شيئا بعد شيء على انتظام. وهؤلاء أمدوا بأنواع من النعم ، وهو قوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فأعطاهم رزقهم على إدرار (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) إن عصيتموني (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) يريد يوم القيامة. وصفه بالعظم لما فيه من الأهوال العظيمة. (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) أي : أنهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا ... والمعنى : إنا لا نقبل ما تدعونا إليه على كل حال ، أو عظت أم سكت أي : حصول الوعظ منك وارتفاعه مستويان عندنا.

ثم قالوا (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) أي : ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين الذين ادعوا النبوة ، ولم يكونوا أنبياء ، وأنت مثلهم. ومن قرأ (خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) بضم الخاء فالمعنى : ما هذا الذي نحن عليه من تشييد الأبنية ، واتخاذ المصانع ، والبطش الشديد ، إلا عادة الأولين من قبلنا. وقيل : معناه ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين ، في أنهم كانوا يحيون ويموتون ،

٢٢٣

ولا بعث ولا حساب. وقيل : معناه ما الذي تدعيه من النبوة والرسالة ، إلا عادة الأولين.

(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) على ما تدعيه لا في الدنيا ، ولا بعد الموت (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) بعذاب الاستئصال (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١) ـ مر تفسيره في الآيتين (٦٧ ـ ٦٨).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١٥٤) [سورة الشعراء : ١٤١ ـ ١٥٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن ثمود فقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) وهو مفسر في هذه السورة إلى قوله (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) معناه : أتظنون أنكم تتركون فيما أعطاكم الله من الخير في هذه الدنيا ، آمنين من الموت والعذاب. وهذا إخبار بأن ما هم فيه من النعم ، لا يبقى عليه ، وأنها ستزول عنهم ، ثم عدد نعمهم التي كانوا فيها ، فقال : (فِي جَنَّاتٍ) أي : بساتين يسترها الشجر (وَعُيُونٍ) جارية (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) الطلع : الكفرى ، مشتق من الطلوع ، لأنه يطلع من

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٤٣.

٢٢٤

النخل. والهضيم : اليانع النضيج ... وقيل : هو الرطب اللين ... وقيل : هو الضامر بدخول بعضه في بعض ... وقيل : هو الذي إذا مس تفتت ... وقيل : هو الذي ليس فيه نوى ...

(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) أي : حاذقين بنحتها من فره الرجل فراهة فهو فاره. وفرهين : أشرين بطرين ... (فَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفته (وَأَطِيعُونِ) فيما أمركم به (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) يعني الرؤساء منهم ، وهم تسعة رهط من ثمود الذين عقروا الناقة. ثم وصفهم فقال : (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قالُوا) في جوابه (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) قد أصبت بسحر ففسد عقلك ، فصرت لا تدري ما تقول. وهو بمعنى المسحورين. والمراد : سحرت مرة بعد أخرى. وقيل : معناه من المخدوعين. وقيل من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب ... وقيل : معناه أنت مثلنا لك سحر أي : رئة تأكل وتشرب ، فلم صرت أولى منا بالنبوة.

[أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «قوله : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) يقول : أجوف ، مثل خلق الإنسان ، ولو كنت رسولا ما كنت مثلنا»](١) ـ (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أي : آدمي مثلنا.

(فَأْتِ بِآيَةٍ) أي : بمعجزة تدل على صدقك (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٤٦.

٢٢٥

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٥٩) [سورة الشعراء : ١٥٥ ـ ١٥٩]؟!

الجواب / قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)(١)؟.

قال : «هذا فيما كذّبوا به صالحا ، وما أهلك الله عزوجل قوما قطّ حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل ، فيحتجّوا عليهم ، فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله ، فلم يجيبوه وعتوا عليه ، وقالوا : لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصّخرة ناقة عشراء ، وكانت الصخرة يعظّمونها ويعبدونها ، ويدعون عندها في رأس كلّ سنة ، ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا ، فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصمّاء ناقة حمراء ، فأخرجها الله كما طلبوا منه.

ثم أوحى الله تبارك وتعالى إليه : أن ـ يا صالح ـ قل لهم : إنّ الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ، ولكم شرب يوم. وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلّا شرب من لبنها يومهم ذلك ، فإذا كان الليل وأصبحوا ، غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ، ولم تشرب الناقة ذلك اليوم ، فمكثوا بذلك ما شاء الله.

ثم إنّهم عتوا على الله ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : اعقروا هذه

__________________

(١) القمر : ٢٣ ـ ٢٥.

٢٢٦

الناقة واستريحوا منها ، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم. ثم قالوا : من الذي يلي قتلها ، ونجعل له جعلا ما أحبّ؟ فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ، ولد زنا ، لا يعرف له أب ، يقال له : قدار ، شقي من الأشقياء ، مشؤوم عليهم ، فجعلوا له جعلا ، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده ، تركها حتى شربت وأقبلت راجعة ، فقعد لها في طريقها ، فضربها بالسّيف ضربة فلم تعمل شيئا ، فضربها ضربة أخرى فقتلها ، وخرّت إلى الأرض على جنبها ، وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل ، فرغا ثلاث مرّات إلى السّماء.

وأقبل قوم صالح ، فلم يبق منهم أحد إلا شركه في ضربته ، واقتسموا لحمها فيما بينهم ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلّا أكل منها.

فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم ، فقال : يا قوم ، ما دعاكم إلى ما صنعتم ، أعصيتم أمر ربّكم؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إلى صالح عليه‌السلام : إنّ قومك قد طغوا وبغوا ، وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ، ولم يكن عليهم فيها ضرر ، وكان لهم منها أعظم المنفعة ، فقل لهم : إنّي مرسل عليهم عذابي إلى ثلاثة أيّام ، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم ، وصددت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.

فأتاهم صالح عليه‌السلام فقال لهم : يا قوم ، إني رسول ربّكم إليكم ، وهو يقول لكم : إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم ، وتبت عليكم ، فلمّا قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا وأخبث ، وقالوا : يا صالح ، ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.

قال : يا قوم ، إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة ، واليوم الثاني وجوهكم محمرّة ، واليوم الثالث وجوهكم مسودّة. فلمّا أن كان أوّل يوم أصبحوا ووجوهم مصفرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : قد جاءكم ما

٢٢٧

قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله ، وإن كان عظيما ، فلمّا كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح. فقال العتاة منهم : لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ، ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها. ولم يتوبوا ولم يرجعوا. فلمّا كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم ، أتاكم ما قال لكم صالح. فقال العتاة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح. فلمّا كان نصف الليل أتاهم جبرئيل عليه‌السلام ، فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم ، وقلعت قلوبهم ، وصدعت أكبادهم ، وقد كانوا في تلك الثلاثة أيّام قد تحنّطوا وتكفّنوا ، وعلموا أنّ العذاب نازل بهم ، فماتوا جميعا في طرفة عين ، صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلا أهلكه الله ، فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ، ثم أرسل الله عليهم مع الصّيحة النار من السّماء فأحرقتهم أجمعين ، وكانت هذه قصّتهم» (١).

وقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تقدم تفسيرها سابقا في هذه السورة.

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩)

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٨٧ ، ح ٢١٤.

٢٢٨

فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٧٥) [سورة الشعراء : ١٦٠ ـ ١٧٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن قوم لوط ، فقال : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) وقد فسرناه إلى قوله : (أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ) أي : تصيبون الذكور من جملة الخلائق. (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) أي : وتتركون ما خلقه الله لكم من الأزواج والنساء. والزوجة : هي التي وقع عليها العقد بالنكاح الصحيح ، يقال لها : زوجة وزوج. قال سبحانه : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) أي : ظالمون معتدون الحلال إلى الحرام ، والطاعة إلى المعصية. (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) وترجع عما تقوله ، ولم تمتنع عن دعوتنا ، وتقبيح أفعالنا (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) عن بلدنا. (قالَ) لوط لهم عند ذلك : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) أي : من المبغضين الكارهين.

ثم دعا ربه فقال : (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) أي : من عاقبة ما يعملونه ، وهو العذاب النازل بهم. وأجاب الله سبحانه دعائه قال : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) يعني من العذاب الذي وقع بهم. ويجوز أن يكون أراد : نجيناه وأهله من نفس عملهم ، وتكون النجاة من العذاب النازل بهم تبعا لذلك. والأول أوضح ويدل عليه قوله (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) وأراد بالعجوز امرأته ، لأنها كانت تدل أهل الفساد على أضيافه ، فكانت من الباقين في العذاب ، وهلكت فيما بعده مع من خرج من القرية ، بما أمطره الله من الحجارة (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أهلكناهم بالخسف. وقيل : بالائتفاك ، وهو الانقلاب. ثم أمطر على من كان غائبا منهم عن القرية ، الحجارة من السماء ، وهو قوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) أي : بئس واشتد مطر

٢٢٩

الكافرين مطرهم ، وما بعده مفسر قبل (١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) (وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٩١) [سورة الشعراء : ١٧٦ ـ ١٩١]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) : «الأيكة : الغيضة (٢) من الشجر» (٣).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : هم أهل مدين ... وقيل : إنهم غيرهم ، وقال : إن الله سبحانه أرسل شعيبا إلى أمتين (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل أخوهم ، لأنه لم يكن من نسبهم ، وكان من أهل مدين ، فلذلك قال في ذلك الموضع : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً). (أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) مفسر فيما قبل إلى قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ). وإنما حكى الله سبحانه دعوة كل نبي بصيغة واحدة ، ولفظ واحد ، إشعارا بأن الحق الذي

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٤٨.

(٢) الشجر الملتف.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

٢٣٠

تأتي به الرسل ، ويدعون إليه واحد ، من اتقاء الله تعالى ، واجتناب معاصيه ، والإخلاص في عبادته ، وطاعة رسله. وإن أنبياء الله تعالى لا يكونون إلا أمناء الله في عباده ، فإنه لا يجوز على واحد منهم أن يأخذ الأجرة على رسالته ، لما في ذلك من التنفير عن قبولهم.

ثم قال : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أي : أعطوا الكيل وافيا غير ناقص ، ويدخل الوفاء في الكيل والوزن والذرع والعدد ، (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أي : من الناقصين للكيل والوزن. (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي : بالعدل الذي لا حيف فيه ، يعني زنوا وزنا يجمع الإيفاء والاستيفاء (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي : ولا تنقصوا الناس حقوقهم ، ولا تمنعوها (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي : ولا تسعوا في الأرض بالفساد. والعثي : أشد الفساد والخراب ...

(وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي أوجدكم بعد العدم (وَالْجِبِلَّةَ) أي : الخليقة (الْأَوَّلِينَ) يعني : وخلق الأمم المتقدمين.

(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) مر معناه (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) أي : وإنا نظنك كاذبا من جملة الكاذبين. وإن هذه مخففة من الثقيلة ، ولذلك لزمها اللام في الخبر. (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) أي : قطعا من السماء جمع كسفة ... (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك (قالَ) شعيب (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) ومعناه : إنه إن كان في معلومه أنه إن بقاكم تبتم ، أو تاب بعضكم ، لم يقتطعكم بالعذاب. وإن كان في معلومه أنه لا يفلح واحد منكم ، فسيأتيكم عذاب الاستئصال.

ثم قال : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) أصابهم حر شديد سبعة أيام ، وحبس عنهم الريح ، ثم غشيتهم سحابة. فلما خرجوا إليها طلبا للبرد من شدة الحر الذي أصابهم ، أمطرت عليهم نارا فأحرقتهم ، فكان من أعظم

٢٣١

الأيام في الدنيا عذابا. وذلك قوله (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ومعنى الظلة ها هنا السحابة التي قد أظلتهم.

ـ [أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : أنّه أصابهم حرّ وهم في بيوتهم ، فخرجوا يلتمسون الروح من قبل السّحابة التي بعث الله فيها العذاب ، فلمّا غشيتهم أخذتهم الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ، وهم قوم شعيب] ـ (١) (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) مفسر إلى آخره (٢).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١٩٦) [سورة الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) : «الولاية التي نزلت لأمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الغدير» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : يعني القرآن (٤).

٢ ـ قال أبو محمّد : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن الولاية ، أنزل بها جبرائيل من ربّ العالمين يوم الغدير؟ فتلا : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) قال : «هي الولاية لأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)» (٥).

__________________

(١) نفس المصدر السابق : ص ١٢٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٤.

(٤) نفس المصدر.

(٥) بصائر الدرجات : ص ٩٣ ، ح ٦.

٢٣٢

٣ ـ وقال الحجّال : سألت ـ عمن ذكره ـ أحدهما عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ، قال : «يبيّن الألسن ، ولا تبيّنه الألسن (١)» (٢).

٤ ـ قال أبو الحسن عليه‌السلام : «ولاية عليّ عليه‌السلام مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، ولم يبعث الله رسولا إلّا نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولاية وصيّه علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : قوله : (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) يعني في كتب الأولين (٤).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) (١٩٧) [سورة الشعراء : ١٩٧]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : معناه : أو لم يكن لهم علم علماء بني إسرائيل بمجيئه ، على ما تقدمت البشارة ، دلالة لهم على صحة نبوته ، لأن العلماء الذين آمنوا من بني إسرائيل ، كانوا يخبرون بوجود ذكره في كتبهم ، وكانت اليهود تبشر به ، وتستفتح على العرب به ، وكان ذلك سبب إسلام الأوس والخزرج ... وعلماء بني إسرائيل عبد الله بن سلام وأصحابه ... وقيل : هم خمسة : عبد الله بن سلام ، وابن يامين ، وثعلبة ، وأسد وأسيد (٥).

__________________

(١) قال المجلسي (رحمه‌الله) : المراد أن القرآن لا يحتاج إلى الاستشهاد بأشعار العرب وكلامهم ، بل الأمر بالعكس لأن القرآن أفصح الكلام ، مرآة العقول : ج ١٢ ، ص ٥٢٢.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٢ ، ح ٢٠.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦٣ ، ح ٦.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

(٥) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٥٣.

٢٣٣

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) (١٩٩) [سورة الشعراء : ١٩٨ ـ ١٩٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه‌السلام : «لو أنزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم». فهي فضيلة للعجم (١).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) (٢٠٤) [الشعراء : ٢٠٠ ـ ٢٠٤]؟!

قال الشيخ الطبرسي : (كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي : كما أنزلنا القرآن عربيا مبينا ، أمررناه ، وأدخلناه وأوقعناه في قلوب الكافرين ، بأن أمرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى قرأه عليهم ، وبينه لهم. ثم بين أنهم مع ذلك (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فيلجئهم إلى الإيمان به. وهذا خبر عن الكفار الذين علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا. (فَيَأْتِيَهُمْ) أي العذاب الذي يتوقعونه ، ويستعجلونه (بَغْتَةً) أي فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بمجيئه (فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أي : مؤخرون لنؤمن ولنصدق. قال مقاتل : لما أوعدهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العذاب ، استعجلوا العذاب تكذيبا له ، فقال الله : (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) توبيخا لهم (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٤.

(٢) القهقري : الرجوع إلى خلف. «الصحاح ـ قهر ـ ج ٢ ، ص ٨٠١».

٢٣٤

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ)(٢٠٧) [سورة الشعراء : ٢٠٥ ـ ٢٠٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منامه بني أميّة يصعدون على منبره من بعده ، ويضلّون الناس عن الصراط القهقرى (١) ، فأصبح كئيبا حزينا ـ قال ـ فهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا رسول الله ، مالي أراك كئيبا ، حزينا؟ قال : يا جبرئيل ، إني رأيت بني أميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي ، ويضلّون الناس عن الصّراط القهقرى! فقال : والذي بعثك بالحقّ نبيّا ، إن هذا شيء ما اطّلعت عليه. فعرج إلى السماء ، فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها ، قال : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) ، وأنزل عليه : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(٢) جعل الله عزوجل ليلة القدر لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيرا من ألف شهر ، ملك بني أميّة» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) ، قال : «خروج القائم عليه‌السلام» (ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) ، قال : «هم بنو أميّة الذين متّعوا في دنياهم» (٤).

__________________

(١) القدر : ١ ـ ٣.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ١٥٩ ، ح ١٠.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٩٢ ، ح ١٨.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٥٥.

٢٣٥

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) (٢١٣) [سورة الشعراء : ٢٠٨ ـ ٢١٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي : وما أهلكنا قرية. (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) أي : إلا بعد إقامة الحجج عليهم بتقديم الإنذار ، وإرسال الرسل. (ذِكْرى) أي : تذكيرا وموعظة لهم ، ليتعظوا ويصلحوا. فإذا لم يصلحوا مع التخويف والتحذير ، واستحقوا عذاب الاستئصال بإصرارهم على الكفر والعناد ، أهلكناهم. (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) أي : وما ظلمناهم بالإهلاك ، لأنا لا نظلم أحدا.

نفى سبحانه عن نفسه الظلم ، وفي هذا تكذيب لمن زعم أن كل ظلم وكفر في الدنيا ، هو من خلقه وإرادته. وغاية الظلم أن يعاقب عباده على ما خلقه فيهم ، وأراده منهم ، تعالى الله عن ذلك ، وتقدس ، (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) أي : بالقرآن (الشَّياطِينُ) كما يزعمه بعض المشركين (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) إنزال ذلك أي : الشياطين (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ذلك ولا يقدرون عليه ، لأن الله تعالى يحرس المعجزة عن أن يموه بها المبطل ، فإنه إذا أراد أن يدل بها على صدق الصادق ، أخلصها بمثل هذه الحراسة ، حتى تصح الدلالة بها. ومعنى قول العرب : ينبغي لك أن تفعل كذا أنه يطلب منك فعله في مقتضى العقل من البغية التي هي الطلب.

(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) أي : مصروفون عن استماع القرآن أي : عن المكان الذي يستمعون ذلك فيه ، ممنوعون عنه بالشهب الثاقبة. وقيل : معناه إن الشياطين عن سمع القرآن منحون ... فإن العزل تنحية الشيء عن

٢٣٦

موضع إلى خلافه وإزالته عن أمر إلى نقيضه. قال مقاتل : قالت قريش إنما تجيء بالقرآن الشياطين ، فتلقيه على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأكذبهم الله تعالى بأن قال : إنهم لا يقدرون بأن يأتوا بالقرآن من السماء ، قد حيل بينهم وبين السمع بالملائكة والشهب.

ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد به سائر المكلفين ، فقال : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) بسبب ذلك ، وإنما أفرده بالخطاب ، ليعلم أن العظيم الشأن إذا أوعد ، فمن دونه كيف حاله ، وإذا حذر هو فغيره أولى بالتحذير (١).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤) [سورة الشعراء : ٢١٤]؟!

الجواب / قال الريّان بن الصلت : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ، وذكر الحديث ، إلى أن قال : قالت العلماء : فأخبرنا ، هل فسر الله عزوجل الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه‌السلام : «فسّر الاصطفاء في الظاهر ، سوى الباطن ، في اثني عشر موطنا وموضعا ، فأوّل ذلك : قوله تعالى : «وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك المخلصين». هكذا في قراءة أبي بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود ، وهذه منزلة رفيعة ، وفضل عظيم ، وشرف عال ، حين عنى الله عزوجل بذلك الآل ، فذكره لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «لما نزلت هذه الآية على رسول

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٣١ ، ح ١.

٢٣٧

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لي : يا عليّ ، إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ـ قال ـ فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت أني متى أبادرهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتّ على ذلك ، وجاءني جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، إنك إن لم تفعل ما أمرت به ، عذّبك ربّك عزوجل ، فاصنع لنا ـ يا عليّ ـ صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّا (١) من لبن ، ثم اجمع بني عبد المطّلب ، حتى أكلّمهم ، وأبلّغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم أجمع ، وهم يومئذ أربعون رجلا ، يزيدون رجلا ، أو ينقصون رجلا ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا له دعاني بالطعام الذي صنعته لهم ، فجئت به ، فلمّا وضعته ، تناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جذمة (٢) من اللحم ، فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال : خذوا ، بسم الله. فأكل القوم حتّى صدروا ، ما لهم بشيء من الطعام حاجة ، وما أرى إلا مواضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس عليّ بيده ، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم ، ثم جئتهم بذلك العسّ ، فشربوا حتى رووا جميعا ، وأيم الله ، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.

فلمّا أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكلّمهم ، ابتدره أبو لهب بالكلام ، فقال : لشدّ ما سحركم صاحبكم! فتفرّق القوم ، ولم يكلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال لي من الغد : يا عليّ ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم ، فعدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثم اجمعهم لي ـ قال ـ ففعلت ، ثم جمعتهم ، فدعاني بالطعام ، فقرّبته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، وأكلوا حتى ما لهم به من حاجة ، ثم قال : اسقهم فجئتهم بذلك

__________________

(١) العسّ : القدح العظيم. «الصحاح ـ عسس ـ ج ٣ ، ص ٩٤٩».

(٢) الجذمة : القطعة من الشيء. «لسان العرب ـ جذم ـ ج ١٢ ، ص ٨٧».

٢٣٨

العسّ ، فشربوا حتّى رووا منه جميعا.

ثمّ تكلّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا بني عبد المطّلب ، إنّي والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتم به ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربّي عزوجل أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يؤمن بي ، ويؤازرني على أمري ، فيكون أخي ، ووصيّي ، ووزيري ، وخليفتي في أهلي من بعدي؟ ـ قال ـ فأمسك القوم ، وأحجموا عنها جميعا ـ قال ـ فقمت ، وإني لأحدثهم سنّا ، وأرمصهم (١) عينا ، وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم (٢) ساقا ، فقلت : أنا ـ يا نبيّ الله ـ أكون وزيرك على ما بعثك الله به ـ قال ـ فأخذ بيدي ، ثمّ قال : إن هذا أخي ، ووصيّي ، ووزيري ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك ، وتطيع!» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : في قوله عزوجل : «ورهطك منهم المخلصين» عليّ ، وحمزة ، وجعفر والحسن ، والحسين ، وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين خاصّة» (٤).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢١٦) [سورة الشعراء : ٢١٥ ـ ٢١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ عَصَوْكَ)

__________________

(١) الرّمص : وسخ يتجمع في موق العين. «مجمع البحرين ـ رمص ـ ج ٤ ، ص ١٧٢».

(٢) حمش الساقين ، وأحمشهما : دقيقهما. «لسان العرب ـ حمش ـ ج ٦ ، ص ٢٨٨».

(٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ١٩٤.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٩٥ ، ح ٢١.

٢٣٩

يعني من بعدك في ولاية عليّ والأئمّة عليهم‌السلام ، (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ومعصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ميّت ، كمعصيته وهو حيّ (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٢٠) [سورة الشعراء : ٢١٧ ـ ٢٢٠]؟!

الجواب / قال أبو ذرّ (رضي الله عنه) : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : خلقت أنا وعلي من نور واحد ، نسبّح الله تعالى عند العرش قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلمّا أن خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه ، ولقد سكن الجنّة ونحن في صلبه. ولقد همّ بالخطيئة ونحن في صلبه ، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه ، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه ، فلم يزل ينقلنا الله عزوجل من أصلاب طاهرة ، إلى أرحام طاهرة ، حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب ، فقسّمنا نصفين : فجعلني في صلب عبد الله ، وجعل عليّا في صلب أبي طالب ، وجعل في النبوّة والبركة ، وجعل في عليّ الفصاحة والفروسية ، وشقّ لنا اسمين من أسمائه : فذو العرش محمود ، وأنا محمد ، والله أعلى ، وهذا عليّ» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ) في النبوّة (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ـ قال ـ في أصلاب النبيين» (٣).

وقال أبو الجارود ، سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ، قال : «يرى تقلّبه في أصلاب النبيّين ، من نبيّ إلى نبيّ ، حتى أخرجه من صلب أبيه ، من نكاح غير سفاح ، من لدن

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٦.

(٢) معاني الأخبار : ص ٥٦ ، ح ٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٥.

٢٤٠