التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(١).

وقال أبو بصير : سألته أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) ، قال : «تخضع لها رقاب بني أمية ـ قال ـ ذلك بارز عند زوال الشمس ، وذلك عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، يبرز عند زوال الشمس ، ونزلت الشمس على رؤوس الناس ساعة حتى يبرز وجهه ، ويعرف الناس حسبه ونسبه».

ثمّ قال : «أما إنّ بني أميّة ليختبئنّ الرجل إلى جنب شجرة ، فتقول : هذا رجل من بني أمية ، فاقتلوه» (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩) [سورة الشعراء : ٥ ـ ٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم أخبر تعالى عن هؤلاء الكفار الذين تأسف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عدولهم عن إيمانهم أنه ليس يأتيهم ذكر من الرحمن يعني القرآن. كما قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقال : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ووصفه بأنه محدث ، ولذلك جره ، لأنه صفة ل (ذِكْرٍ). وقوله (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) أي يتولون عنه ولا ينظرون فيه.

قال الفراء : إنما قال (فَظَلَّتْ) ولم يقل «فتظل» لأنه يجوز أن يعطف على مجزوم الجزاء ب «فعل» لأن الجزاء يصلح في موضع (فعل ، يفعل) وفي موضع

__________________

(١) الغيبة : ص ٢٦٠ ، ح ١٩ ، والآية من سورة القمر : ٢.

(٢) الرجعة : ص ٥٢ «مخطوط».

٢٠١

(يفعل ، فعل) لأنك تقول : إن زرتني زرتك وإن تزرني أزرك ، والمعنى واحد.

ثم قال : أخبر الله تعالى عن هؤلاء الكفار الذين وصفهم بأنهم كذبوا بآيات الله وجحدوا رسوله وأنه سيأتيهم فيما بعد ، يعني يوم القيامة أخبار (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وإنما خص المكذب بإتيان الأنباء ، مع أنها تأتي المصدق والمكذب ، من حيث أن المكذب يعلم بها بعد أن كان جاهلا. والمصدق كان عالما بها ، فلذلك حسن وعيد المكذب بها ، لأن حاله يتغير إلى الحسرة والندم. والاستهزاء السخرية ، وهو طلب اللهو بما عند الطالب صغير القدر.

ثم قال (أَوَلَمْ يَرَوْا) هؤلاء الكفار (إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) من أنواع النبات ، فيستدلوا على توحيده ، بأن يعلموا أن ذلك لا يقدر عليه غيره. ولا يتأتى من سواه ، ممن هو قادر بقدرة ، لأنه لو تأتي من غيره لتأتي منا لأنا قادرون أيضا بقدرة ، فلما استحال منا علمنا استحالة ذلك ممن يجري مجرانا ، فإذا الفاعل لذلك مخالف لنا ، وأنه قادر لنفسه.

ثم أخبر تعالى أن فيما ذكره من إنبات النبات من كل زوج كريم ، لدلالة لمن يستدل بها ، ومن يتمكن من ذلك ، وإن أكثر الكفار لا يصدقون بذلك ، ولا يعترفون به عنادا وتقليدا لأسلافهم ، وحبا للراحة ، وهربا من مشقة التكليف ومعنى (كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) يعني مما يأكل الناس والأنعام ... وقيل : من الشيء ومشاكله في الانتفاع به. وقيل : من كل زوج كريم من أنواع تكرم عند أهلها. وقيل : من كل نوع معه قرينة من أبيض وأحمر وأصفر. وحلو وحامض ، وروائح وغير ذلك مختلفة. ثم قال : (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا محمّد (لَهُوَ الْعَزِيزُ) الغني القادر الذي لا يعجز ولا يغلب (الرَّحِيمُ) أي المنع م على عباده بأنواع النعم التي ذكرها (١).

__________________

(١) التبيان : ج ٨ ، ص ٧ ـ ٨.

٢٠٢

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ

٢٠٣

الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٦٣) [سورة الشعراء : ١٠ ـ ٦٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما بعث الله موسى عليه‌السلام إلى فرعون أتى بابه ، فاستأذن عليه ، فلم يأذن له ، فضرب بعصاه الباب ، فاصطكّت الأبواب ففتحت ، ثم دخل على فرعون ، فأخبره أنه رسول الله ، وسأله أن يرسل معه بني إسرائيل. فقال له فرعون ، كما حكى الله : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) أي قتلت الرجل (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) يعني كفرت نعمتي. قال موسى ، كما حكى الله : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).

ـ قال علي بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون ، وذكر الحديث في عصمة الأنبياء ، من سؤال المأمون للرضا عليه‌السلام ، فكان فيما سأله : فما معنى قول موسى لفرعون : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)؟.

قال الرضا عليه‌السلام : «إنّ فرعون قال لموسى عليه‌السلام لمّا أتاه : (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) بي قال موسى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ

٢٠٤

الضَّالِّينَ) عن الطريق ، بوقوعي إلى مدينة من مدائنك (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ) وقد قال الله تعالى لنبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى)(١).

يقول ألم يجدك وحيدا فأوى إليك الناس؟ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا)(٢) يعني عند قومك (فَهَدى)(٣) أي هداهم إلى معرفتك. (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى)(٤) يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا».

فقال المأمون : بارك الله فيك ، يابن رسول الله (٥).

(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) إلى قوله تعالى : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ف (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ)؟ وإنّما سأله عن كيفيّة الله ، فقال موسى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ، فقال فرعون ـ متعجّبا ـ لأصحابه : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) أسأله عن الكيفيّة ، فيجيبني عن الصّفات؟! فقال موسى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) قال فرعون لأصحابه : اسمعوا ، قال : ربّكم وربّ آبائكم الأولين!

ثم قال لموسى : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) قال موسى : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ). قال فرعون : (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) فلم يبق أحد من جلساء فرعون إلا هرب ، ودخل فرعون من الرّعب ما لم يملك به نفسه ، فقال فرعون : نشدتك بالله ، وبالرّضاع ، إلا ما كففتها عنّي ، فكفّها ، ثم (نَزَعَ يَدَهُ ، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) ، فلمّا أخذ موسى العصا رجعت إلى فرعون نفسه ، وهمّ

__________________

(١) الضحى : ٦ ـ ٨.

(٢) الضحى : ٦ ـ ٨.

(٣) الضحى : ٦ ـ ٨.

(٤) الضحى : ٦ ـ ٨.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٩٩ ، ح ١.

٢٠٥

بتصديقه ، فقام إليه هامان ، فقال له : بينما أنت إله تعبد ، إذ صرت تابعا لعبد!

ثم قال فرعون للملأ الذين حوله : (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) إلى قوله : (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ). وكان فرعون وهامان قد تعلّما السّحر ، وإنما غلبا الناس بالسحر ، وادّعى فرعون الربوبيّة بالسّحر ، فلما أصبح بعث (فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) ، مدائن مصر كلّها ، وجمعوا ألف ساحر ، واختاروا من الألف مائة ، ومن المائة ثمانين ، فقال السحرة لفرعون : قد علمت أنّه ليس في الدنيا أسحر منا ، فإن غلبنا موسى فما يكون لنا عندك؟ قال : (إِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) عندي ، أشارككم في ملكي. قالوا : فإن غلبنا موسى ، وأبطل سحرنا ، علمنا أن ما جاء به ليس من قبل السحر ، ولا من قبل الحيلة ، وآمنّا به ، وصدّقناه. فقال فرعون : إن غلبكم موسى ، صدّقته أنا أيضا معكم ، ولكن أجمعوا كيدكم ، أي حيلتكم».

قال : «وكان موعدهم يوم عيد لهم ، فلمّا ارتفع النهار من ذلك اليوم ، جمع فرعون الخلق ، والسحرة ، وكانت له قبة طولها في السّماء ثمانون ذراعا ، وقد كانت كسيت بالحديد والفولاذ المصقول ، فكانت إذا وقعت الشمس عليها ، لم يقدر أحد أن ينظر إليها ، من لمع الحديد ، ووهج الشمس ، وجاء فرعون وهامان ، وقعدا عليها ينظران ، وأقبل موسى ينظر إلى السّماء ، فقالت السحرة لفرعون : إنا نرى رجلا ينظر إلى السماء ، ولن يبلغ سحرنا إلى السماء ، وضمنت السحرة من في الأرض. فقالوا لموسى : (إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ)(١) قال لهم موسى : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) فأقبلت تضطرب ، وصالت (٢) مثل الحيّات ، وهاجت ، فقالوا :

__________________

(١) الأعراف : ١١٥.

(٢) صال عليه : إذا استطال ووثب. «الصحاح ـ صول ـ ج ٥ ، ص ١٧٤٦».

٢٠٦

(بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ). فهال الناس ذلك ، فأوجس في نفسه خيفة موسى ، فنودي : (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى)(١). (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ) ، فذابت في الأرض مثل الرّصاص ، ثم طلع رأسها ، وفتحت فاها ، ووضعت شدقها الأعلى على رأس قبّة فرعون ، ثم دارت ، وأرخت شفتها السّفلى ، والتقمت عصيّ السحرة ، وحبالهم ، وغلب كلّهم ، وانهزم الناس حين رأوها ، وعظمها ، وهولها ، مما لم تر العين ، ولا وصف الواصفون مثله قبل ، فقتل في الهزيمة ، من وطء الناس بعضهم بعضا ، عشرة آلاف رجل وامرأة وصبيّ ، ودارت على قبّة فرعون ـ قال ـ فأحدث فرعون وهامان في ثيابهما ، وشاب رأسهما ، وغشي عليهما من الفزع.

ومرّ موسى في الهزيمة مع الناس ، فناداه الله : (خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى)(٢) ، فرجع موسى ، ولفّ على يده عباءة كانت عليه ، ثمّ أدخل يده في فيها ، فإذا هي عصا كما كانت ، فكان كما قال الله : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) لمّا رأوا ذلك ، و (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) ، فغضب فرعون عند ذلك غضبا شديدا ، وقال : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) يعني موسى (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) فقالوا ، كما حكى الله : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ).

فحبس فرعون من آمن بموسى في السجن ، حتى أنزل الله عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، فأطلق فرعون عنهم فأوحى

__________________

(١) طه : ٦٨ و ٦٩.

(٢) طه : ٢١.

٢٠٧

الله إلى موسى : (أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ، فخرج موسى ببني إسرائيل ، ليقطع بهم البحر ، وجمع فرعون أصحابه ، وبعث في المدائن حاشرين ، وحشر الناس ، وقدم مقدّمته في ست مائة ألف ، وركب هو في ألف ألف ، وخرج كما حكى الله عزوجل : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ).

قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) يقول : عصبة قليلة (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) يقول : مؤدّون في الأداة ، وهو الشاكي في السّلاح وأمّا قوله : (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) يقول : مساكن حسنة. وأمّا قوله : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) يعني عند طلوع الشمس. وأمّا قوله : (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) يقول : سيكفين» (١).

فلمّا قرب موسى من البحر ، وقرب فرعون من موسى ، قال أصحاب موسى : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) ، قال موسى : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) أي سينجيني : فدنا موسى عليه‌السلام من البحر ، فقال له : انفلق ، فقال البحر له : استكبرت ـ يا موسى ـ أن تقول لي أنفلق (٢) لك ، ولم أعص الله طرفة عين ، وقد كان فيكم المعاصي؟ فقال له موسى : فاحذر أن تعصي الله وقد علمت أن آدم أخرج من الجنّة بمعصيته ، وإنّما إبليس لعن بمعصيته ، فقال البحر : ربّي عظيم ، مطاع أمره ، ولا ينبغي لشيء أن يعصيه.

فقام يوشع بن نون ، فقال لموسى : يا رسول الله ، ما أمرك ربّك؟ قال : بعبور البحر. فاقتحم يوشع فرسه في الماء ، فأوحى الله إلى موسى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) ، فضربه (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) ، أي كالجبل العظيم ، فضرب له في البحر اثني عشر طريقا ، فأخذ كل سبط منهم في طريق ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٢.

(٢) في «ط» : أنفرق انفرق ، وفي «ي» افترق افترق.

٢٠٨

فكان الماء قد ارتفع ، وبقيت الأرض يابسة ، طلعت فيها الشمس ، فيبست ، كما حكى الله : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى)(١).

ودخل موسى وأصحابه البحر ، وكان أصحابه اثني عشر سبطا ، فضرب الله لهم في البحر اثني عشر طريقا ، فأخذ كلّ سبط في طريق ، وكان الماء قد ارتفع على رؤوسهم مثل الجبال ، فجزعت الفرقة التي كانت مع موسى عليه‌السلام في طريقه ، فقالوا : يا موسى أين إخواننا؟ فقال لهم : معكم في البحر. فلم يصدّقوه ، فأمر الله البحر ، فصارت طاقات ، حتى كان ينظر بعضهم إلى بعض ، ويتحدّثون.

وأقبل فرعون وجنوده ، فلمّا انتهى إلى البحر ، قال لأصحابه : ألا تعلمون أنّي ربّكم الأعلى؟ قد فرج لي البحر. فلم يجسر أحد أن يدخل البحر ، وامتنعت الخيل منه لهول الماء ، فتقدّم فرعون ، حتى جاء إلى ساحل البحر ، فقال له منجّمه : لا تدخل البحر. وعارضه فلم يقبل منه ، وأقبل على فرس حصان ، فامتنع الحصان أن يدخل الماء ، فعطف عليه جبرئيل ، وهو على ماديانة (٢) ، فتقدّمه ودخل ، فنظر الفرس إلى الرمكة (٣) فطلبها ، ودخل البحر ، واقتحم أصحابه خلفه. فلمّا دخلوا كلّهم ، حتى كان آخر من دخل من أصحابه ، وآخر من خرج من أصحاب موسى ، أمر الله الرياح ، فضربت البحر بعضه ببعض ، فأقبل الماء يقع عليهم مثل الجبال ، فقال فرعون عند ذلك : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٤) فأخذ جبرئيل كفّا من حمأ ، فدسّها في فيه ، ثم قال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ

__________________

(١) طه : ٧٧.

(٢) الماديانة : المراد بها الرمكة ، كما في ظاهر الحديث.

(٣) الرّمكة : الفرس التي تتّخذ للنسل. «لسان العرب ـ رمك ـ ج ١٠ ، ص ٤٣٤».

(٤) ينس : ٩٠.

٢٠٩

وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(١)» (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٦٨) [سورة الشعراء : ٦٤ ـ ٦٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي : قربنا إلى البحر فرعون وقومه حتى أغرقناهم ... وقيل : معناه جمعنا في البحر فرعون وقومه ... وقيل : معناه وقربناهم إلى المنية لمجيء وقت هلاكهم. (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) يعني بني إسرائيل أنجينا جميعهم من الغرق والهلاك (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) فرعون وجنوده (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) معناه : إن في فلق البحر ، وإنجاء موسى وقومه ، وإغراق فرعون وقومه ، لدلالة واضحة على توحيد الله ، وصفاته التي لا يشاركه فيها غيره.

(وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) معناه : إنهم مع هذا السلطان الظاهر ، والبرهان الباهر ، والمعجز القاهر ، ما آمن أكثره ، فلا تستوحش يا محمد من قعود قومك عن الحق الذي تأتيهم به ، وتدلهم عليه ، فقد جروا على عادة أسلافهم في إنكار الحق ، وقبول الباطل (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في سلطانه (الرَّحِيمُ) بخلقه. وقيل : العزيز في انتقامه من أعدائه ، الرحيم في إنجائه من الهلاك لأوليائه. وقيل : إنه لم يؤمن من أهل مصر غير آسية امرأة فرعون ، ومؤمن آل فرعون ، ومريم التي دلت على عظام يوسف (٣).

__________________

(١) يونس : ٩١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٣٣.

٢١٠

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ) (٧٧) [سورة الشعراء : ٦٩ ـ ٧٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال سبحانه : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) يا محمد (نَبَأَ إِبْراهِيمَ) أي : خبر إبراهيم ، فإنه شجرة الأنبياء ، وبه افتخار العرب ، وفيه تسلية لك ، وعظة لقومك. (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) على وجه الإنكار عليهم (ما تَعْبُدُونَ) أي : أي شيء تعبدون من دون الله (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) أي : فنظل لها مصلين ... وقيل : معناه فنقيم على عبادتها مداومين. (قالَ) إبراهيم (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) أي : هل يسمعون دعاءكم (إِذْ تَدْعُونَ) معناه : هل يستجيبون دعاءكم إذا دعوتموهم (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) إذا عبدتموهم (أَوْ يَضُرُّونَ) إن تركتم عبادتها. وفي هذا بيان أن الدين إنما يثبت بالحجة ، ولو لا ذلك لم يحاجهم إبراهيم عليه‌السلام هذا الحجاج.

(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) وهذا إخبار عن تقليدهم آباءهم في عبادة الأصنام (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام منكرا عليهم التقليد (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) أي : الذي كنتم تعبدونه من الأصنام (أَنْتُمْ) الآن (وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) أي المتقدمون ، أي : والذين كان آباؤكم يعبدونهم. وإنما دخل لفظة كان ، لأنه جمع بين الحال والماضي. (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) معناه : إن عبادة الأصنام مع الأصنام ، عدو لي إلا أنه غلب ما يعقل. وقيل : إنه يعني الأصنام. وإنما قال : (فَإِنَّهُمْ) فجمعها جمع العقلاء ، لما وصفها بالعداوة

٢١١

التي لا تكون إلا من العقلاء ، وجعل الأصنام كالعدو في الضرر من جهة عبادتها. ويجوز أن يكون قال (فَإِنَّهُمْ) : لأنه كان منهم من يعبد الله مع عبادته الأصنام ، فغلب ما يعقل ، ولذلك استثنى فقال : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) استثناء من جميع المعبودين. قال الفراء : إنه من المقلوب ، والمعنى فإني عدو لهم ، ومن عاديته فقد عاداك (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) (٩١) [سورة الشعراء : ٧٨ ـ ٩١]؟!

الجواب / قال المفضل بن عمر : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) وذكر الحديث فيما ابتلاه به ربّه ، إلى أن قال : «والتوكّل ، بيان ذلك في قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).

ثمّ الحكم ، والانتماء إلى الصالحين ، في قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) يعني بالصالحين : الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عزّ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٣٦.

٢١٢

وجلّ ، ولا يحكمون بالآراء والمقاييس ، حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق ، بيان ذلك في قوله : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) أراد في هذه الأمّة الفاضلة ، فأجابه الله ، وجعل له ولغيره من الأنبياء : (لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذلك قوله : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)(١).

ثم استقصار النفس في الطاعة ، في قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في حديث غيبة إبراهيم ، إلى أن قال : «ثمّ غاب عليه‌السلام الغيبة الثانية ، وذلك حين نفاه الطاغوت عن بلده ، فقال : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا)(٣). قال الله تقدّس ذكره : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)(٤) يعني به علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّ إبراهيم عليه‌السلام قد كان دعا الله عزوجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين ، فجعل الله تبارك وتعالى له ولإسحاق ويعقوب لسان صدق عليّا ، فأخبر علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّ القائم عليه‌السلام هو الحادي عشر من ولده ، وأنّه المهديّ الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت جورا وظلما ، وأنه تكون له غيبة ، وحيرة ، يضلّ فيها أقوام ، ويهتدي فيها آخرون ، وأنّ هذا كائن كما أنّه مخلوق» (٥).

__________________

(١) مريم : ٥٠.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٢٦ ، ح ١.

(٣) مريم : ٤٨.

(٤) مريم : ٤٩ و ٥٠.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٣٩ ، ح ٧.

٢١٣

ومن طريق المخالفين : قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : «هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، عرضت ولايته على إبراهيم عليه‌السلام ، فقال : اللهمّ اجعله من ذريّتي ، ففعل الله ذلك» (١).

وقال الطبرسيّ : قوله : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) أي : من الذين يرثون الفردوس (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) أي : من الذاهبين عن الصواب في اعتقاده. ووصفه بأنه ضال يدل على أنه كان كافرا كفر جهالة ، لا كفر عناد (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي : لا تفضحني ، ولا تعيرني بذنب يوم تحشر الخلائق. وهذا الدعاء كان منه عليه‌السلام على وجه الانقطاع إلى الله تعالى ، لما بينا أن القبيح لا يجوز وقوعه من الأنبياء عليهم‌السلام.

ثم فسر ذلك اليوم بأن قال : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) أي : لا ينفع المال والبنون أحدا إذ لا يتهيأ لذي المال أن يفتدي من شدائد ذلك اليوم به ، ولا يتحمل من صاحب البنين بنوه شيئا من معاصيه (٢).

وقال سفيان بن عيينة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ). قال : «السليم الذي يلقى ربّه ، وليس فيه أحد سواه».

قال : وقال : «كلّ قلب فيه شرك ، أو شكّ ، فهو ساقط ، وإنما أرادوا الزهد في الدنيا ، لتفرغ قلوبهم للآخرة» (٣).

وقال الطّبرسي : روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «هو القلب الذي سلم من حب الدنيا». قال الطبرسيّ : ويؤيّده قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبّ الدنيا رأس كل خطيئة» (٤).

__________________

(١) كشف الغمّة : ج ١ ، ص ٣٢٠.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٣٨.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٣ ، ح ٥.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٠٥.

٢١٤

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قوله : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) يقول : قرّبت (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) يقول : نحّيت» (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ) (٩٣) [سورة الشعراء : ٩٢ ـ ٩٣]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : قوله : (وَقِيلَ لَهُمْ) في ذلك اليوم على وجه التوبيخ. (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام والأوثان وغيرهما. وإنما وبخوا بلفظ الاستفهام ، لأنه لا جواب لهم عن ذلك إلا بما فيه فضيحتهم. (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم في ذلك اليوم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) لكم إذا عوقبتم. وقيل : ينتصرون أي : يمتنعون من العذاب (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٢) [سورة الشعراء : ٩٤ ـ ١٠٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ) : «هم قوم وصفوا عدلا بألسنتهم ، ثمّ خالفوه إلى غيره» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام ـ في رواية علي بن إبراهيم ـ : «هم بنو أميّة ، والغاوون هم بنو فلان» (٤).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٣٨.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٨ ، ح ٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٣.

٢١٥

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) : جنود إبليس : ذريّته من الشياطين» (١).

٣ ـ قال الصادق عليه‌السلام : «نزلت في قوم وصفوا عدلا ، ثم خالفوه إلى غيره».

ثمّ قال : وفي خبر آخر : «هم بنو أميّة ، والغاوون هم بنو فلان».

(قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) يقولون لمن تبعوهم : أطعناكم كما أطعنا الله ، فصرتم أربابا. ثمّ يقولون : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٢).

٤ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ).

«يعني المشركين الذين اقتدى بهم هؤلاء ، واتبعوهم على شركهم ، وهم قوم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد ، وتصديق ذلك ، قول الله عزوجل : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ)(٣) ، (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ)(٤) ، (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ)(٥) ، ليس فيهم اليهود الذين قالوا : عزير ابن الله ، ولا النصارى الذين قالوا : المسيح ابن الله ، سيدخل الله اليهود والنصارى النار ، ويدخل كلّ قوم بأعمالهم.

وقولهم : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ) إذ دعونا إلى سبيلهم ، ذلك قول الله عزوجل فيهم حين جمعهم إلى النار : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ)(٦) ، وقوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً)(٧) برىء بعضهم من بعض ، ولعن بعضهم بعضا ،

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٣.

(٣) الشعراء : ١٠٥».

(٤) الشعراء : ١٧٦.

(٥) القمر : ٣٣.

(٦) الأعراف : ٣٨.

(٧) الأعراف : ٣٨.

٢١٦

يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج (١) ، فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم ، وليس بأوان بلوى ، ولا اختبار ، ولا قبول معذرة ، ولات حين نجاة» (٢).

٥ ـ قال عبد الحميد الوابشيّ ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ لنا جارا ينتهك المحارم كلّها ، حتى أنه ليترك الصلاة فضلا عن غيرها. فقال : «سبحان الله ـ وأعظم ذلك ـ ألا أخبرك بمن هو شرّ منه؟» فقلت : بلى. فقال : «الناصب لنا شرّ منه ، أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت ، فيرقّ لذكرنا ، إلّا مسحت الملائكة ظهره ، وغفر له ذنوبه كلها ، إلا أن يجيء بذنب يخرجه عن الإيمان ، وإنّ الشفاعة لمقبولة ، وما تقبل في ناصب ، وإن المؤمن ليشفع لجاره وما له حسنة ، فيقول : يا ربّ ، جاري كان يكفّ عني الأذى ؛ فيشفّع فيه ، فيقول الله تبارك وتعالى : أنا ربّك ، وأنا أحقّ من كافى عنك ، فيدخله الجنّة ، وما له من حسنة ، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنسانا ، فعند ذلك ، يقول أهل النار : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٣).

وقال أبو حفص الأعشى : سمعت الحسن بن صالح بن حيّ يقول : سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : «لقد عظمت منزلة الصديق ، حتى أنّ أهل النار يستغيثون به ، ويدعونه قبل القريب الحميم ، قال الله سبحانه مخبرا عنهم : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٤).

وقال سليمان بن خالد : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل :

__________________

(١) الفلج : الظفر والفوز ، وقد فلج الرجل على خصمه ، أي غلبه. «لسان العرب ـ فلج ـ ج ٢ ، ص ٣٤٧».

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٦.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ١٠١ ، ح ٧٢.

(٤) الأمالي : ج ٢ ، ص ٢٢٢.

٢١٧

(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) ، فقال : «لمّا يرانا هؤلاء وشيعتنا ، نشفع يوم القيامة ، يقولون : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) يعني بالصديق : المعرفة ، وبالحميم : القرابة» (١).

وقال عليه‌السلام في رواية أخرى : «الشافعون : الأئمّة ، والصديق من المؤمنين» (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الرجل يقول في الجنّة ، ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم ، فيقول الله تعالى : أخرجوا له صديقه إلى الجنّة ، فيقول من بقي في النار : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٣).

٦ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام وأبو جعفر عليه‌السلام : «والله ، لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا ، حتى يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ـ قال ـ من المهتدين ـ قال ـ لأنّ الإيمان قد لزمهم بالإقرار» (٤).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) [سورة الشعراء : ١٠٣ ـ ١٠٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : فيما قصصناه (لَآيَةً) أي : دلالة لمن نظر فيها ، واعتبر بها. (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) فيها تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإعلام له بأن الشر قديم. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في سلطانه (الرَّحِيمُ) بخلقه (٥).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٨٩ ، ح ١٠.

(٢) المحاسن : ص ١٨٤ ـ ١٨٧.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٠٥.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢٣.

(٥) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٤٠.

٢١٨

* س ١٢ : من هم المرسلون في قوله تعالى :

(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) [سورة الشعراء : ١٠٥]؟!

الجواب / قال الطّبرسيّ : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يعني بالمرسلين : نوحا ، والأنبياء الذين كانوا بينه وبين آدم عليه‌السلام» (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٢٢) [سورة الشعراء : ١٠٦ ـ ١٢٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ) أي : في النسب لا في الدين (أَلا تَتَّقُونَ) عذاب الله تعالى في تكذيبي ومخالفتي. (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) على الرسالة فيما بيني وبين ربكم. (فَاتَّقُوا اللهَ) بطاعته وعبادته (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : على الدعاء إلى التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من مزيدة. (إِنْ أَجْرِيَ) ما جزائي وثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) وخالق

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٣٠٧.

٢١٩

الخلائق أجمعين. ثم كرر عليهم قوله (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) لاختلاف المعنى ، لأن التقدير فاتقوا الله وأطيعوني ، لأني رسول أمين ، واتقوا الله وأطيعوني لأني لا أسألكم عليه أجرا ، فتخافوا تلف أموالكم به ، وكل واحد من هذين المعنيين يقوي الداعي إلى قبول قول الغير ، ويبعد عن التهمة. (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ) أي : نصدقك فيما تقول (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) ... قال : والمعنى : إن أتباعك أراذلنا وفقراؤنا ، وأصحاب الأعمال الدنية ، والمهن الخسيسة ، فلو اتبعناك لصرنا مثلهم ، ومعدودين في جملتهم. وهذا جهل منهم لأنه ليس في إيمان الأرذلين به ما يوجب تكذيبه ، فإن الرذل إذا أطاع سلطانه ، استحق التقرب عنده دون الشريف العاصي.

(قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : ما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، ولم أكلف ذلك ، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الله ، وقد أجابوني إليه (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) أي : ليس حسابهم إلا على ربي الذي خلقني وخلقهم ، لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم. (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : ما أنا بالذي لا يقبل الإيمان من الذين تزعمون أنهم الأرذلون ، لأني لست إلا نذيرا مخوفا من معصية الله ، داعيا إلى طاعته ، مبينا لها.

(قالُوا) له عند ذلك : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) أي : إن لم ترجع عما تقوله ، وتدعو إليه (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) بالحجارة ... وقيل : من المرجومين بالشتم .... (قالَ) نوح (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي : فاقض بيننا قضاء بالعذاب ، لأنه قال : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : من ذلك العذاب (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أي : فخلصناه ومن معه من المؤمنين في السفينة المملوءة من الناس وغيرهم من الحيوانات.

٢٢٠