التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٦٠) [سورة النور : ٦٠]؟!

الجواب / قال الحلبيّ ، أن أبا عبد الله عليه‌السلام ، قرأ : (أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ) ، قال : «الخمار والجلباب». ـ وفي رواية ، قال عليه‌السلام : «الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنّة (١) ـ قلت : بين يدي من كان؟ فقال : «بين يديّ من كان ، غير متبرجة بزينة ، فإن لم تفعل فهو خير لها ، والزينة التي يبدين لهنّ شيء في الآية الأخرى» (٢)(٣).

وقال يونس : ذكر الحسين أنه كتب إليه يسأله عن حدّ القواعد من النّساء اللاتي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها وذراعها؟ فكتب عليه‌السلام : «من قعدت عن النكاح» (٤).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : نزلت في العجائز اللاتي قد يئسن من المحيض والتزويج ، أن يضعن الثياب ، ثمّ قال : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) ، قال : أي لا يظهرن للرجال (٥).

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٢٢ ، ح ٤.

(٢) قال المجلسي (رحمه‌الله) : قوله عليه‌السلام : «لهنّ شيء» أي شيء يثبت لهن جوازه في الآية الأخرى ، وهي قوله عزوجل : إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها فإن ما سوى ذلك داخل في النهي عن التبرج بها ، ولا يبعد أن يكون «لهنّ» تصحيف «هي». مرآة العقول : ج ٢٠ ، ص ٣٤٥.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٦٧ ، ح ١٨٧١.

(٤) التهذيب : ج ٧ ، ص ٤٦٧ ، ح ١٨٧١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٨.

١٤١

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦١) [سورة النور : ٦١]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ).

«وذلك أن أهل المدينة ، قبل أن يسلموا ، كانوا يعتزلون الأعمى والأعرج والمريض ، وكانوا لا يأكلون معهم ، وكان الأنصار فيهم تيه (١) وتكرّم (٢) ، فقالوا : إنّ الأعمى لا يبصر الطّعام ، والأعرج لا يستطيع الزّحام على الطعام ، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح ، فعزلوا لهم طعامهم على ناحية ، وكانوا يرون عليهم في واكلتهم جناحا ، وكان الأعمى والمريض يقولون : لعلّنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم. فاعتزلوا مؤاكلتهم. فلمّا قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سألوه عن ذلك ، فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً)(٣).

٢ ـ قال محمّد الحلبيّ : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية : (وَلا

__________________

(١) التيه : الصلف والكبر. «القاموس المحيط : ج ٤ ، ص ٢٨٤».

(٢) التكرم : التنزه. «القاموس المحيط : ج ٤ ، ص ١٧٢».

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٨.

١٤٢

عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) إلى آخر الآية ، قلت : ما يعني بقوله : (أَوْ صَدِيقِكُمْ)؟ قال : «هو والله الرجل يدخل بيت صديقه ، فيأكل بغير إذنه» (١).

وقال زرارة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ) ، قال : «هؤلاء الذين سمّى الله عزوجل في هذه الآية ، تأكل بغير إذنهم من التّمر والمأدوم ، وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه ، وأمّا ما خلا ذلك من الطعام ، فلا» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) : «الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله ، فيأكل بغير إذنه» (٣).

٣ ـ قال زرارة : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن هذه الآية : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ) الآية ، قال : «ليس عليك جناح فيما أطعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ، ما لم تفسده» (٤).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) الآية : «بإذن ، وبغير إذن» (٥).

وقال علي بن إبراهيم : إنها نزلت لما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ، وآخى بين المسلمين ، من المهاجرين والأنصار ، وآخى بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين طلحة والزبير ، وبين سلمان وأبي ذرّ ، وبين المقداد وعمّار ، وترك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فاغتمّ من ذلك غمّا شديدا ، فقال : «يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، لم لا تؤاخي بيني وبين

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٧٧ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٧٧ ، ح ٢.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٧٧ ، ح ٥.

(٤) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٧٧ ، ح ٤.

(٥) المحاسن : ص ٤١٥ ، ح ١٧١.

١٤٣

أحد؟» فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والله ـ يا عليّ ـ ما حبستك إلّا لنفسي ، أما ترضى أن تكون أخي ، وأنا أخوك في الدنيا والآخرة؟ وأنت وصيّي ، ووزيري ، وخليفتي في أمّتي ، تقضي ديني ، وتنجز عداتي ، وتتولّى غسلي ، ولا يليه غيرك ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبيّ بعدي» فاستبشر أمير المؤمنين بذلك ، فكان بعد ذلك إذا بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدا من أصحابه في غزاة ، أو سريّة ، يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدّين ، ويقول له : خذ ما شئت ، وكل ما شئت ؛ فكانوا يمتنعون من ذلك ، حتى ربّما فسد الطعام في البيت ، فأنزل الله : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) ، يعني إن حضر صاحبه ، أو لم يحضر ، إذا ملكتم مفاتحه (١).

٥ ـ قال أبو الصبّاح : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) الآية ، قال : «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ، ثم يردّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام يقول : «إذ دخل الرجل منكم بيته ، فإن كان فيه أحد ، يسلم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد ، فليقل : السّلام علينا من عند ربّنا ، يقول الله : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً).

وقيل : إذا لم ير الداخل بيتا أحدا فيه ، يقول : السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يقصد به الملكين اللذين عليه (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٩.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٦٢ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٩.

١٤٤

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٢) [سورة النور : ٦٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله تعالى (حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) فإنّها نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمر من الأمور ، في بعث يبعثه ، أو حرب قد حضرت ، يتفرّقون بغير إذنه ، فنهاهم الله عزوجل عن ذلك (١).

وعنه ، في قوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) قال : نزلت في حنظلة بن أبي عامر وذلك أنه تزوج في الليلة التي في صبيحتها حرب أحد ، فاستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقيم عند أهله ، فأنزل الله هذه الآية (فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) ، فأقام عند أهله ، ثم أصبح وهو جنب ، فحضر القتال ، واستشهد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن ؛ في صحائف فضّة ، بين السماء والأرض» فكان يسمى غسيل الملائكة (٢).

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٦٣) [سورة النور : ٦٣]؟!

الجواب / قالت فاطمة عليها‌السلام : «عليّ سيدي (صلوات الله وسلامه عليه)

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٠٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٠.

١٤٥

قرأ هذه الآية : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) ـ قالت فاطمة ـ فجئت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أقول له : يا أباه ، فجعلت أقول : يا رسول الله. فأقبل عليّ ، وقال : يا بنيّة ، لم تنزل فيك ولا في أهلك من قبل ، قال : أنت منّي ، وأنا منك ، وإنما نزلت في أهل الجفاء ، وإنّ قولك : يا أباه ، أحبّ إلى قلبي ، وأرضى للربّ ، ثم قال : أنت نعم الولد ، وقبّل وجهي ، ومسحني من ريقه ، فما احتجت إلى طيب بعده» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في معنى الآية : لا تدعوا رسول الله كما يدعو بعضكم بعضا. ثمّ قال : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) ـ يعني بليّة ـ (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) قال : القتل» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يقول : لا تقولوا يا محمّد ، ولا يا أبا القاسم ، ولكن قولوا : يا نبيّ الله ، ويا رسول الله ، قال الله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) أي يعصون أمره (أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فتنة في دينه ، أو جراحه لا يأجره الله عليها» (٤).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٦٤) [سورة النور : ٦٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم عظم سبحانه نفسه

__________________

(١) مناقب ابن المغازلي : ص ٣٦٤ ، ح ٤١١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٠.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٨٧ ، ح ٥١.

١٤٦

بأن قال : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له التصرف في جميع ذلك. ولا يجوز لأحد الاعتراض عليه ، ولا مخالفة أمره. فليس للعبد أن يخالف أمر مالكه. (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) من الخيرات والمعاصي ، ومن الإيمان والنفاق ، لا يخفى عليه شيء من أحوالكم (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ) يعني يوم البعث ، يعلمه الله سبحانه متى هو (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) من الخير والشر ، والطاعات والمعاصي (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم وغيرها (عَلِيمٌ) معناه يريدون إليه للجزاء ، فيجازي كلا على قدر عمله من الثواب والعقاب (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٧٧.

١٤٧
١٤٨

تفسير

سورة الفرقان

رقم السورة ـ ٢٥ ـ

١٤٩
١٥٠

سورة الفرقان

* س ١ : ما هو فضل سورة الفرقان؟!

الجواب / قال أبو الحسن عليه‌السلام : «يابن عمّار ، لا تدع قراءة سورة تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ، فإنّ من قرأها في كلّ ليلة ، لم يعذّبه الله أبدا ، ولم يحاسبه ، وكان منزله في الفردوس الأعلى» (١).

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة بعثه الله يوم القيامة وهو موقن أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ودخل الجنّة بغير حساب ، ومن كتبها وعلّقها عليه ثلاثة أيّام لم يركب جملا ولا دابة إلا ماتت بعد ركوبه بثلاثة أيام ، فإن وطىء زوجته وهي حامل طرحت ولدها في ساعته ، وإن دخل على قوم بينهم بيع وشراء لم يتمّ لهم ذلك ، وفسد ما كان بينهم ، ولم يتراضوا على ما كان بينهم من بيع وشراء» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (١) [سورة الفرقان : ١]؟!

الجواب / قال ابن سنان ، عمّن ذكره ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القرآن والفرقان ، أهما شيئان ، أو شيء واحد؟ فقال عليه‌السلام : «القرآن : جملة الكتاب ، والفرقان : المحكم الواجب العمل به» (٣).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٩.

(٢) خواص القرآن : ص ٩ و ٤٥ «مخطوط».

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦١ ، ح ١١.

١٥١

وسأل يزيد بن سلّام ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : لم سمّي الفرقان فرقانا؟ قال : «لأنّه متفرّق الآيات ، والسّور أنزلت في غير الألواح ، وغيره من الصّحف والتوراة والإنجيل والزّبور أنزلت كلّها جملة في الألواح والورق» (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (٢) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً (٣) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً (٤) وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) (٦) [سورة الفرقان : ٢ ـ ٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثمّ مدح الله عزوجل نفسه ، فقال : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله تعالى : (تَقْدِيراً).

ثمّ احتجّ عزوجل على قريش في عبادة الأصنام ، فقال : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) إلى قوله تعالى : (وَلا نُشُوراً) ثمّ حكى عزوجل أيضا ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا) يعني القرآن (إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) قالوا : إنّ هذا الذي يقرؤه محمد ، ويخبرنا به ، إنّما يتعلّمه من اليهود ، ويكتبه من علماء النصارى ، ويكتب عن رجل يقال له : ابن قبيصة (٢) ، ينقله عنه بالغداة والعشيّ. فحكى الله سبحانه قولهم ، وردّ عليهم ، فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ) إلى

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٤٧٠ ، ح ٣٣.

(٢) في طبعة : قبيطة.

١٥٢

قوله : (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) فردّ الله عليهم ، فقال : (قُلْ) يا محمّد (أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً)(١).

ثم قال علي بن إبراهيم ، وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ) قال : «الإفك : الكذب (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) يعنون أبا فكيهة ، وحبرا ، وعدّاسا ، وعابسا مولى حويطب وقوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة : قال أساطير الأوّلين اكتتبها محمد ، فهي تملى عليه بكرة وأصيلا» (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧) أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩) تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) (١٠) [سورة الفرقان : ٧ ـ ١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : ثمّ حكى الله قولهم أيضا ، فقال : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) ، فردّ الله عزوجل عليهم ، فقال :

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ـ إلى قوله تعالى ـ (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)(٣). أي أختبارا. فعيّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالفقر ، فقال الله تعالى :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١١.

(٣) الفرقان : ٢٠.

١٥٣

(تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)(١).

وقد تقدّم حديث في هذه الآية ، في قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) من سورة الإسراء (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الآية هكذا : (وَقالَ الظَّالِمُونَ) لآل محمد حقّهم (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) ـ قال : إلى ولاية عليّ عليه‌السلام ، وعلي عليه‌السلام هو السّبيل» (٣).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) (١١) [سورة الفرقان : ١١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام : «الليل اثنتا عشرة ساعة ، والنّهار اثنتا عشرة ساعة ، والشّهور اثنا عشر شهرا ، والأئمّة اثنا عشر إماما ، والنقباء اثنا عشر نقيبا ، وإن عليا عليه‌السلام ساعة من اثنتي عشرة ساعة ، وهو قول الله عزوجل : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً)(٤).

وقال ابن شهر آشوب : عن علي بن حاتم ، في كتاب (الأخبار) لأبي الفرج ابن شاذان ، أنه نزل قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) يعني كذّبوا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١١.

(٢) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٩٠ ـ ٩٥) من سورة الإسراء.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١١.

(٤) الغيبة : ص ٨٥ ، ح ١٥ ، للنعماني.

١٥٤

بولاية علي عليه‌السلام ، قال : وهو المرويّ عن الرضا عليه‌السلام (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) (١٤) [سورة الفرقان : ١٢ ـ ١٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم ، (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) : من مسيرة سنة (٢).

قال الطّبرسيّ : وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

وقال علي بن إبراهيم أيضا : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً وَإِذا أُلْقُوا مِنْها) أي فيها (مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) قال : مقيّدين ، بعضهم مع بعض (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(٤).

٢ ـ قال كثير بن طارق : سألت زيد بن علي بن الحسين عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً).

قال : يا كثير ، إنّك رجل صالح ، ولست بمتّهم ، وإني أخاف عليك أن تهلك ، إنّ كلّ إمام جائر ، فإنّ أتباعه إذا أمر بهم إلى النار نادوه باسمه ، فقالوا : يا فلان ، يا من أهلكنا ، هلمّ الآن فخلّصنا مما نحن فيه ، ثم يدعون بالويل والثبور ، فعندها يقال لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً).

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ١٠٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٥٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٢.

١٥٥

ثم قال زيد بن علي (رحمه‌الله) : حدّثني أبي عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ ، أنت وأصحابك في الجنة. يا علي ، أنت وأتباعك في الجنّة» (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) (١٦) [سورة الفرقان : ١٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْ) لهم يا محمّد (أَذلِكَ خَيْرٌ) يعني ما ذكره من السعير وأوصافه خير (أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) وإنما قال ذلك على وجه التنبيه لهم على تفاوت ما بين الحالين. وإنما قال (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) وليس في النار خير ، لأن المراد بذلك أي المنزلين خير؟! تبكتا لهم وتقريعا. وقوله (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي وعد الله بهذه الجنة من يتقي معاصيه ويخاف عقابه (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً) يعني الجنة مكافأة وثوابا على طاعاتهم ، ومرجعهم إليها ومستقرهم فيها ، و (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) ويشتهون من اللذات والمنافع (خالِدِينَ) أي مؤبدين لا يفنون فيها (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً) وقيل في معناه قولان :

١ ـ إن المؤمنين يسألون الله عزوجل الرحمة في قولهم : (رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا)(٢) ، وقولهم : (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ)(٣).

__________________

(١) الأمالي : ج ١ ، ص ٥٦ ، الصدوق.

(٢) المؤمنون : ١٠٩.

(٣) آل عمران : ١٩٤.

١٥٦

٢ ـ أنه بمنزلة قولك : لك ما تمنيت مني أي متى تمنيت شيئا فهو لك ، فكذلك متى سألوا شيئا ، فهو لهم بوعد الله (عزوجل) إياهم.

وقيل : ذلك هو الوعد المسؤول في دار الدنيا (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (١٩) [سورة الفرقان : ١٧ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثمّ ذكر عزوجل احتجاجه على الملحدين ، وعبدة الأصنام والنّيران يوم القيامة ، وعبدة الشّمس والقمر والكواكب ، وغيرهم ، فقال : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ) الله لمن عبدوهم : (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ) فيقولون : (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) إلى قوله تعالى (قَوْماً بُوراً) أي قوم سوء.

ثم يقول الله عزوجل للناس الذين عبدوهم : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً)(٢).

وقال أميّة بن يزيد القرشيّ : قيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما العدل ، يا رسول الله؟ قال : «الفدية». قال : قيل : ما الصّرف ، يا رسول الله؟ قال : «التوبة» (٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٤٧٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٢.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٦٤ ، ح ٢.

١٥٧

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠) [سورة الفرقان : ٢٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم رجع سبحانه إلى مخاطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) قال الزجاج : وهذا احتجاج عليهم في قوله (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) أي : فقل لهم كذلك كان من خلا من الرسل ، فكيف يكون محمد بدعا منهم (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أي اختبارا (٢).

وقال أبو جعفر عليهم‌السلام : «جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) ، فأغلق عليهم الباب ، فقال : يا أهلي وأهل الله ، إن الله عزوجل يقرأ عليكم السّلام ، وهذا جبرئيل معكم في البيت ، ويقول : إن الله عزوجل يقول : إني قد جعلت عدوّكم لكم فتنة ، فما تقولون؟ قالوا : نصبر ـ يا رسول الله ـ لأمر الله ، وما نزل من قضائه ، حتى نقدم على الله عزوجل ، ونستكمل جزيل ثوابه ، وقد سمعناه يعد الصابرين الخير كلّه ، فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى سمع نحيبه من خارج البيت ، فنزلت هذه الآية : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أنّهم سيصبرون ، أي سيصبرون كما قالوا (صلوات الله عليهم أجمعين) (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٨٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١١.

(٣) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٧٢ ، ح ٣.

١٥٨

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢١) [سورة الفرقان : ٢١]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : ثم حكى سبحانه عن حال الكفار بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي : لا يأملون لقاء جزائنا. وهذا عبارة عن إنكارهم البعث والمعاد. وقيل : معناه لا يخافون ، فهي لغة تهامة. وهذيل يضعون الرجاء موضع الخوف إذا كان معه جحد ، لأن من رجا شيئا خاف فوته ، فإنه إذا لم يخف كان يقينا ، ومن خاف شيئا رجا الخلاص منه. فوضع أحدهما موضع الآخر. (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) أي : هلا أنزل الملائكة ليخبرونا بأن محمد نبي (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخبرنا بذلك ، ويأمرنا باتباعه وتصديقه.

قال الجبائي : وهذا يدل على أنهم كانوا مجسمة ، فلذلك جوزوا الرؤية على الله. ثم أقسم الله عز اسمه فقال : (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا) بهذا القول (فِي أَنْفُسِهِمْ) أي : طلبوا الكبر والتجبر بغير حق (وَعَتَوْا) بذلك أي : طغوا وعاندوا (عُتُوًّا كَبِيراً) أي : طغيانا وعنادا عظيما ، وتمردوا في رد أمر الله تعالى غاية التمرد (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢٢) [سورة الفرقان : ٢٢]؟!

الجواب / وفي كتاب (الجنّة والنار) : عن سعيد بن جناح ، قال : حدّثني

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٢٩٠ ـ ٢٩١.

١٥٩

عوف ابن عبد الله الأزدي ، عن جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وذكر حديث قبض روح الكافر ، قال عليه‌السلام : «فإذا بلغت الحلقوم ، ضربت الملائكة وجهه ودبره ، وقيل : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(١) ، وذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) فيقولون : حراما عليكم الجنّة محرّما» (٢).

وقال علي بن إبراهيم القمي : أي قدرا مقدورا (٣).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢٣) [سورة الفرقان : ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) : «إن كانت أعمالهم لأشدّ بياضا من القباطي (٤) ، فيقول الله عزوجل لها : كوني هباء ؛ وذلك أنهم كانوا إذا شرع لهم الحرام أخذوه» (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يبعث الله يوم القيامة قوما بين أيديهم نور كالقباطيّ ، ثم يقال له : كن هباء منثورا».

ثم قال : «أما والله ـ يا أبا حمزة ـ إنّهم كانوا يصومون ، ويصلّون ، ولكن

__________________

(١) الأنعام : ٩٣.

(٢) الاختصاص : ص ٣٥٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١١٢.

(٤) القباطيّ ، جمع القبطية : وهي ثياب بيض رقاق من كتان. «الصحاح ـ قبط ـ ج ٣ ، ص ١١٥١».

(٥) الكافي : ج ٥ ، ص ١٢٦ ، ح ١٠.

١٦٠