التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

أنتم وشيعتكم (فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مما أعطى الله أمتي وفضّلهم به على سائر الأمم ، أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلّا نبيّ ، وذلك أنّ الله تبارك وتعالى كان إذا بعث نبيّا ، قال له : اجتهد في دينك ، ولا حرج عليك ، وأنّ الله تبارك وتعالى أعطى ذلك أمّتي ، حيث يقول : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) يقول : من ضيق. وكان إذا بعث نبيا قال له : إذا أحزنك أمر تكرهه فادعني ، أستجب لك ، وأنه أعطى أمتي ذلك ، حيث يقول : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(٢). وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه ، وأنّ الله تبارك وتعالى جعل أمتي شهداء على الخلق ، حيث يقول : (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ)(٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥١ ، ح ٤١.

(٢) غافر : ٦٠.

(٣) قرب الإسناد : ص ٤١.

٦١
٦٢

تفسير

سورة المؤمنون

رقم السورة ـ ٢٣

٦٣
٦٤

سورة المؤمنون

* س ١ : ما هو فضل سورة المؤمنون؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في فضل هذه السورة نذكر منها :

١ ـ قال الصادق عليه‌السلام : «من قرأ سورة المؤمنين ، ختم الله له بالسّعادة ، وإذا كان مدمنا قراءتها في كلّ جمعة ، كان منزله في الفردوس الأعلى ، مع النبيّين والمرسلين» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هذه السورة ، بشّرته الملائكة بروح وريحان ، وما تقرّ به عينه عند الموت» (٢).

٢ ـ قال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها ليلا في خرقة بيضاء ، وعلّقها على من يشرب النّبيذ ، لم يشربه أبدا ، ويبغض الشّراب بإذن الله» (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) (٤) [سورة المؤمنون : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قال كامل التمّار : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : «يا كامل ، أتدري

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١٠٨.

(٢) ثواب الأعمال : ص ١٠٨.

(٣) خواص القرآن : ص ٩ «مخطوط».

٦٥

ما قول الله عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)؟ قلت : أفلحوا : فازوا ، وأدخلوا الجنّة ، قال : «قد أفلح المسلمون ، إنّ المسلمين هم النجباء».

وزاد في غيره قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(١) بفتح السين مثقّلة ، هكذا قرأها (٢).

وفي رواية أخرى قال كامل التمّار : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : «قد أفلح المؤمنون ، أتدري من هم»؟ قلت : أنت أعلم. قال : «قد أفلح المسلمون ، إن المسلمين هم النجباء ، والمؤمن غريب ، والمؤمن غريب ـ ثمّ قال ـ طوبى للغرباء» (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «لمّا خلق الله الجنّة قال لها : تكلّمي ، فقالت : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ). قال : قوله : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) قال : غضّك بصرك في صلاتك ، وإقبالك عليها. قال وقوله : (الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) يعني عن الغناء والملاهي.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) قال الصادق عليه‌السلام : «من منع قيراطا من الزكاة ، فليس هو بمؤمن ، ولا مسلم ولا كرامة له» (٤).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ

__________________

(١) الحجر : ٢.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ص ٧١.

(٣) المحاسن : ص ٢٧١ ، ح ٣٦٦.

(٤) تفسير القمّي : ج ٢ ، ٨٨.

٦٦

الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١١) [سورة المؤمنون : ٥ ـ ١١]؟!

الجواب / قال أبو سارة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عنها ـ يعني المتعة ـ فقال لي : «حلال ، فلا تتزوج إلّا عفيفة ، إنّ الله عزوجل يقول : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على دراهمك» (١).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) ـ يعني الإماء ـ (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ، والمتعة حدّها حدّ الإماء (٢).

ـ وقال علي بن إبراهيم القميّ : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) : من جاوز ذلك فأولئك هم العادون. وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) قال : على أوقاتها وحدودها (٣).

وقال الفضيل : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) ، قال : «هي الفريضة». قلت : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ)(٤)؟ قال : «هي النافلة» (٥).

ـ وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما خلق الله خلقا إلا جعل له في الجنّة منزلا ، وفي النار منزلا ، فإذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنّة ، أشرفوا ، فيشرفون على أهل النار ، وترفع لهم منازلهم فيها ، ثم يقال لهم : هذه منازلكم التي لو عصيتم الله لدخلتموها ـ يعني النار ، قال ـ فلو أنّ أحدا مات فرحا ، لمات أهل الجنّة في ذلك اليوم فرحا ، لما

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٤٥٣ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٩.

(٤) المعارج : ٢٣.

(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٦٩ ، ح ١٢.

٦٧

صرف عنهم من العذاب.

ثمّ ينادي مناد : يا أهل النار ، ارفعوا رؤوسكم ، فيرفعون رؤوسهم ، فينظرون إلى منازلهم في الجنّة ، وما فيها من النعيم ، فيقال لهم : هذه منازلكم التي لو أطعتم ربّكم لدخلتموها ـ قال ـ فلو أن أحدا مات حزنا ، لمات أهل النار حزنا ، فيورث هؤلاء منازل هؤلاء ، ويورث هؤلاء منازل هؤلاء ، وذلك قول الله : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فيّ نزلت» (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (١٢) [سورة المؤمنون : ١٢]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم عليه‌السلام : السّلالة : الصّفوة من الطعام والشّراب الذي يصير نطفة ، والنّطفة أصلها من السّلالة ، والسّلالة هي صفوة الطعام والشّراب. والطعام من أصل الطين ، فهذا معنى قوله : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(٣).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤) [سورة المؤمنون : ١٣ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل إذا أراد أن يخلق

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٩.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٦٥ ، ح ٢٨٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٨٩.

٦٨

النطفة التي ممّا أخذ عليها الميثاق في صلب آدم ، أو ما يبدو له فيه ، ويجعلها في الرّحم ، حرّك الرّجل للجماع ، وأوحى إلى الرّحم : أن افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي ، وقضائي النافذ ، وقدري ، فتفتح الرّحم بابها ، فتصل النطفة إلى الرّحم (١) ، فتردّد فيه أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ، ثمّ تصير مضغة أربعين يوما ، ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة.

ثم يبعث الله ملكين خلاقين ، يخلقان في الأرحام ما يشاء ، فيقتحمان في بطن المرأة ، من فم المرأة ، فيصلان إلى الرّحم ، وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ، ويشقان له السّمع والبصر وجميع الجوارح ، وجميع ما في البطن ، بإذن الله تعالى (٢).

ثمّ يوحي الله إلى الملكين : اكتبا عليه قضائي ، وقدري ، ونافذ أمري ، واشترطا لي البداء فيما تكتبان. فيقولان : يا ربّ ، ما نكتب؟ فيوحي الله إليهما : أن ارفعا رؤوسكما إلى رأس أمه ، فيرفعان رؤوسها ، فإذا اللوح يقرع جبهة أمه ، فينظران فيه ، فيجدان في اللوح صورته ، وزينته ، وأجله ، وميثاقه ، شقيّا أو سعيدا ، وجميع شأنه ـ قال ـ فيملي أحدهما على صاحبه ، فيكتبان جميع ما في اللوح ، ويشترطان البداء فيما يكتبان ، ثمّ يختمان الكتاب ، ويجعلانه بين عينيه ، ثم يقيمانه قائما في بطن أمّه ـ قال ـ فربّما عتا فانقلب ، ولا يكون ذلك إلا في كلّ عات أو مارد.

وإذا بلغ أوان خروج الولد تامّا ، أو غير تامّ ، أوحى الله عزوجل إلى الرّحم ، أن افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي ، وينفذ فيه أمري ، فقد

__________________

(١) أقول : وهو قوله تعالى : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ).

(٢) أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) : «فهو نفخ الروح فيه». (تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١).

٦٩

بلغ أوان خروجه ـ قال ـ فيفتح الرّحم باب الولد ، فيبعث الله إليه ملكا ، يقال له زاجر ، فيزجره زجرة ، فيفزع منها الولد ، فينقلب ، فيصير رجلاه فوق رأسه ، ورأسه في أسفل البطن. ليسهّل الله على المرأة ، وعلى الولد الخروج ـ قال ـ فإذا احتبس ، زجره الملك زجرة أخرى ، فيفزع منها ، فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة» (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) (١٦) [سورة المؤمنون : ١٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ... ثم خاطب ـ الله تعالى ـ الخلق ، فقال (ثُمَّ إِنَّكُمْ) معاشر الخلق بعد هذا الخلق والأحياء (لَمَيِّتُونَ) أي تموتون عند انقضاء آجالكم ، يقولون لمن لم يمت ويصح عليه الموت : ميت ومائت ، ولا يقولون لمن مات : مائت ، وكذلك في نظائره سيد وسائد. وقوله (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) أي تحشرون إلى الموقف والحساب والجزاء بعد أن كنتم أمواتا ، ولا يدل ذلك على أنه لا يحييهم في القبور للمسألة ، لأن قوله : إنه يميتهم عند فناء آجالهم ويبعثهم يوم القيامة ، لا يمنع من أن يحييهم فيما بين ذلك ، ألا ترى أن القائل لو قال : دخلت بغداد في سنة مئة. وخرجت منها في سنة عشر ومئة ، لم يدل على أنه لم يخرج فيما بينهما وعاد ، فكذلك الآية ، على أن الله تعالى أخبر أنه أحيا قوما ، فقال لهم الله موتوا ، ثم أحياهم ، فلا بد من تقدير ما قلناه للجميع. وفيه دلالة على بطلان قول معمر ، والنظام في الإنسان (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ١٣ ، ح ٤.

(٢) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٥٥.

٧٠

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ (١٧) وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) (٢٠) [سورة المؤمنون : ١٧ ـ ٢٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القمّي في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) : السماوات (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) : «فهي الأنهار ، والعيون والآبار» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يعني ماء العقيق» (٣).

٣ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : وقوله : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) : «فالطور : الجبل ، وسيناء : الشجرة ، وأمّا الشجرة التي تنبت بالدّهن ، فهي الزّيتون» (٤).

وقال علي بن إبراهيم في هذه الآية : شجرة الزيتون ، وهو مثل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام (٥).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٢١) [سورة المؤمنون : ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : يقول الله تعالى (وَإِنَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٩١ ، ح ٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

٧١

لَكُمْ) معاشر العقلاء (فِي الْأَنْعامِ) وهي الماشية التي تمشي على نعمة في مشيها ، خلاف الحافر في وطئها ، وهي الإبل والبقر والغنم (لَعِبْرَةً) يعني دلالة تستدلون بها على توحيد الله ، وصفاته التي يختص بها دون رسوله. وقوله (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) فالسقي إعطاء ما يصلح للشرب ، فلما كان الله تعالى قد أعطى العباد ألبان الأنعام ، بإجرائه في ضروعها ، وتمكينهم منها ، من غير حظر لها ، كان قد سقاهم إياها.

ثم قال (وَلَكُمْ فِيها) يعني في الأنعام (مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) ولذات عظيمة ، ببيعها والتصرف فيها وأكل لحومها ، وشرب ألبانها ، وغير ذلك من الانتفاع بأصوافها وأوبارها ، وأشعارها ، وغير ذلك (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) يعني اللحم ، وغيره من الألبان وما يعمل منها (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) (٢٢) [سورة المؤمنون : ٢٢]؟!

الجواب / قوله (وَعَلَيْها) أي الأنعام (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ، قال علي بن إبراهيم القمّي : يعني السّفن (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٢٣) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٢٤) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (٢٥) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٢٦) فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٦٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

٧٢

وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٢٧) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٨) وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٢٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (٣٠) [سورة المؤمنون : ٢٣ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أقسم تعالى أنه أرسل نوحا إلى قومه ، يدعوهم إلى الله ، ويقول له (اعْبُدُوا اللهَ) وحده لا شريك له ، فإنه لا معبود لكم غيره ، ويحذرهم من عقابه ، ويقول (أَفَلا تَتَّقُونَ) نقمة الله بالإشراك معه في العبادة. ثم حكى أن الملأ وهم ـ جماعة أشراف قومه ـ الكفار ، قال بعضهم لبعض : ليس نوح هذا إلا مخلوقا مثلكم ، وبشر مثلكم ، وليس بملك (يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) فيسودكم ويترأسكم وأن يكون أفضل منكم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) ما قاله من توحيده واختصاصه بالعبادة (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) عليكم يدعونكم إلى ذلك. ثم قالوا (ما سَمِعْنا بِهذا) يعني بما قال نوح ، وبمثل دعوته. وقيل بمثله بشرا أتى برسالة من ربه في أسلافنا الماضين وآبائنا وأجدادنا الذين تقدمونا. ثم قالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي ليس هذا ـ يعنون نوحا ـ إلا رجلا به جنة أي تعتاده غمرة تنفي عقله حتى يتخيل إليه ما يقوله ويخرجه عن حال الصحة وكمال العقل ، فكان أشراف قومه يصدون الناس عن اتباعه ، بما حكى الله عنهم ، وقالوا : إنه لمجنون يأتي بجنونه بمثل هذا. ويحتمل أن يكونوا أرادوا كأنه في طعمه فيما يدعوه إليه مجنون. ثم قال بعضهم لبعض : (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي إلى وقت ما ، كأنهم قالوا لهم تربصوا به الهلاك وتوقعوه.

وقال الطوسيّ : يقول الله تعالى أن نوحا عليه‌السلام لما نسبه قومه إلى الجنة ، وذهاب العقل ، ولم يقبلوا منه ، دعا الله تعالى ، فقال (رَبِّ انْصُرْنِي

٧٣

بِما كَذَّبُونِ) أي أعني عليهم ، فالنصرة المعونة على العدو. فأجاب الله تعالى دعاءه. وأهلك عدوه ، فأغرقهم ونجاه من بينهم بمن معه من المؤمنين. وقوله (بِما كَذَّبُونِ) يقتضي أن يكون دعا عليهم بالإهلاك جزاء على تكذيبهم إياه ، فقال الله تعالى إنا (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) وهو السفينة (بِأَعْيُنِنا) وقيل في معناه قولان :

١ ـ بحيث نراها ، كما يراها الرائي من عبادنا بينه ، ليتذكر أنه يصنعها ، والله (عزوجل) يراه.

٢ ـ بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين ، فإنهم يحرسونك من منع مانع لك.

وقوله (وَوَحْيِنا) أي بإعلامنا إياك كيفية فعلها. وقوله (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) يعني إذا جاء وقت إهلاكنا لهم (وَفارَ التَّنُّورُ) روي أنه كان جعل الله تعالى علامة وقت الإهلاك فوران التنور بالماء. فقال له : إذا جاء ذلك الوقت (فَاسْلُكْ فِيها) يعني في السفينة ، وكان فوران الماء من التنور المسجور بالنار ، معجزة لنوح عليه‌السلام ودلالة على صدقه ، وأكثر المفسرين على أنها التنور التي يخبز فيها. وروي عن علي عليه‌السلام أنه أراد طلوع الفجر ... ومعنى (فَاسْلُكْ فِيها) احمل فيها وأدخل إلى السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أي من كل زوجين ، من الحيوان اثنين : ذكرا وأنثى. والزوج واحد له قرين من جنسه وقوله (وَأَهْلَكَ) أي أجمل أهلك معهم ، يعني الذين آمنوا معك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بالإهلاك منهم (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي لا تسلني في الظالمين أنفسهم بالإشراك معي ف (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) هالكون. ثم قال له (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ) يا نوح (وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) واستقررتم فيه وعلوتم عليه ، وتمكنتم منه فقل شكرا لله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا) وخلصنا (مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لنفوسهم بجحدهم توحيد الله.

٧٤

وقل داعيا (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) وقال الجبائي : المنزل المبارك هو السفينة. وقال مجاهد : قال ذلك حين خرج من السفينة. وقال الحسن : كان في السفينة سبعة أنفس من المؤمنين ، ونوح ثامنهم. وقيل : ستة. وقيل : ثمانين. وقيل : إنه هلك كل ما كان على وجه الأرض إلّا من نجا مع نوح في السفينة.

وقال الحسن : كان طول السفينة ألفا ومئتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع. وكانت مطبقة تسير بين ماء السماء وبين ماء الأرض.

ثم قال تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني فيما أخبرناك به وقصصنا عليك (لَآياتٍ) ودلالات للعقلاء ، يستدلون بها على توحيد الله وصفاته (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) أي وإن كنا مختبرين عبادنا بالاستدلال على خالقهم بهذه الآيات ، ومعرفته وشكره على نعمه عليهم ، وبعبادته وطاعته وتصديق رسله (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (٤٠) [سورة المؤمنون : ٣١ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم عطف سبحانه على

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ٣٦٢ ـ ٣٦٤.

٧٥

قصة نوح ، فقال : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : أحدثنا وخلقنا من بعد قوم نوح (قَرْناً آخَرِينَ) أي : جماعة آخرين من الناس. والقرن : أهل العصر على مقارنة بعضهم لبعض. قيل : يعني عادا قوم هود ، لأنه المبعوث بعد نوح. وقيل : يعني ثمود لأنهم أهلكوا بالصيحة ...

(فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ) سبق تفسيره (١) (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي : بالبعث والجزاء (وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : نعمناهم فيها بضروب الملاذ (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) من الأشربة فليس هو أولى بالرسالة منا (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ) فيما يدعوكم إليه (إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) باتباعه (أَيَعِدُكُمْ) هذا الرسول (أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً) وصرتم بعد الموت رميما (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) من قبوركم أحياء (هَيْهاتَ) فيه ضمير مرتفع عائد إلى قوله (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) والمعنى : هيهات هو أي بعد إخراجكم جدا حتى امتنع. (هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) قال ابن عباس : بعدا بعدا لما توعدون. وقال الكلبي : بعيد بعيد ما يعدكم ليوم البعث (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي : ليس الحياة إلا الحياة التي نحن فيها القريبة منا (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي : يموت قوم منا ، ويحيا قوم ، ولا نبعث. وقيل : يموت الآباء ، ويحيا الأبناء ... وقيل : يموت قوم ويولد قوم. (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) بعد ذلك (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي : اختلق كذبا. (وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) أي : بمصدقين فيما يقول (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) تقدم بيانه (٢) (قالَ) أي : قال الله سبحانه (عَمَّا قَلِيلٍ) أي : عن قليل من الزمان والوقت ، يعني عند الموت أو عند نزول العذاب.

__________________

(١) آية : ٢٣.

(٢) آية : ٢٦.

٧٦

وما هاهنا مزيدة (لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) هذا وعيد لهم ، واللام للقسم (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤) ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٤٩) [سورة المؤمنون : ٤١ ـ ٤٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما قال سبحانه : إن هؤلاء الكفار يصبحون نادمين على ما فعلوه ، عقبه بالإخبار عن إهلاكهم ، فقال : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبرائيل صيحة واحدة ، ماتوا عن آخرهم (بِالْحَقِ) أي : باستحقاقهم العقاب بكفرهم (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) وهو ما جاء به السيل من نبات قد يبس ، وكل ما يحمله السيل على رأس الماء من قصب ، وعيدان شجرة ، فهو غثاء ، والمعنى : فجعلناهم هلكى قد يبسوا كما يبس الغثاء ، وهمدوا.

ـ أقول : قال أبو جعفر عليه‌السلام : والغثاء : اليابس الهامد من نبات الأرض (٢). ـ

(فَبُعْداً) أي : ألزم الله بعدا من الرحمة (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) المشركين المكذبين (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد هؤلاء (قُرُوناً آخَرِينَ) أي :

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٩٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

٧٧

أمما وأهل أعصار آخرين (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) هذا وعيد للمشركين معناه : ما تموت أمة قبل أجلها المضروب لها ، ولا تتأخر عنه. وقيل : عنى بالعذاب الموعود لهم على التكذيب أنه لا يتقدم على الوقت المضروب لهم لذلك ، ولا يتأخر عنه. والأجل هو الوقت المضروب لحدوث أمر من الأمور. والأجل المحتوم لا يتأخر ، ولا يتقدم. والأجل المشروط بحسب الشرط. والمراد بالأجل المذكور في الآية : الأجل المحتوم. (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) أي : متواترة يتبع بعضهم بعضا ... وقيل : متقاربة الأوقات. وأصله الاتصال لاتصاله بمكانه من القوس ، ومنه الوتر وهو الفرد عن الجمع المتصل. قال الأصمعي : يقال : واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا ، وبين الخبرين هنيهة.

ـ أقول قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) يقول بعضهم في إثر بعض» (١).

(كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) ولم يقروا بنبوته (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) يعني في الإهلاك أي : أهلكنا بعضهم في أثر بعض (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) أي : يتحدث بهم على طريق المثل في الشر ، وهو جمع أحدوثة ، ولا يقال هذا في الخير. والمعنى : إنا صيرناهم بحيث لم يبق بين الناس منهم إلّا حديثهم (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) ظاهر المعنى.

(ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا) أي : بدلائلنا الواضحة (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : وبرهان ظاهر بين (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) خص الملأ وهم الأشراف بالذكر ، لأن الآخرين كانوا أتباعا لهم (فَاسْتَكْبَرُوا) أي : تجبروا وتعظموا عن قبول الحق (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) أي : متكبرين قاهرين ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

٧٨

قهروا أهل أرضهم ، واتخذوهم خولا. (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) أي أنصدق لإنسانين خلقهم مثل خلقنا ، ويسمى الإنسان بشرا لانكشاف بشرته ، وهي جلدته الظاهرة حتى احتاج إلى لباس يكنه ، وغيره من الحيوان مغطى البشرة بصوف ، أو ريش ، أو غيره ، لطفا من الله سبحانه بخلقه ، إذ لم يكن هناك عقل يدبر أمره مع حاجته إلى ما يكنه. والإنسان يهتدي إلى ما يستعين به في هذا الباب.

(وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) أي : مطيعون طاعة العبد لمولاه. قال الحسن : كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون ، وفرعون يعبد الأوثان (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) أي : فكذبوا موسى وهارون ، فكان عاقبة تكذيبهم أن أهلكهم الله ، وغرقهم. (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي : التوراة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) أي : لكي يهتدوا إلى طريق الحق والصواب (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (٥٢) [سورة المؤمنون : ٥٠ ـ ٥٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) : «أي حجّة» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) قال : الرّبوة : الكوفة ، والقرار : المسجد ، والمعين : الفرات» (٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٧ ، ص ١٩١ ـ ١٩٢.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٨.

(٣) معاني الأخبار : ص ٣٧٣ ، ح ١.

٧٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : الرّبوة : نجف الكوفة ... (١).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : الرّبوة : الحيرة ، وذات قرار ومعين : الكوفة (٢).

٢ ـ قال رجل من جعفى : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال رجل : اللهمّ إنّي أسألك رزقا طيبا ـ قال ـ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هيهات ، هيهات ، هذا قوت الأنبياء ، ولكن سل ربّك رزقا لا يعذّبك عليه يوم القيامة ، هيهات ، إنّ الله يقول : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً)(٣).

٣ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ـ في رواية أبي الجارود ـ في قوله تعالى : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) : «آل محمد عليهم‌السلام» (٤).

وقال علي بن إبراهيم القمي ، في قوله : (أُمَّةً واحِدَةً) : على مذهب واحد (٥).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦) إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ) (٦١) [سورة المؤمنون : ٥٣ ـ ٦١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي في قوله تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِما

__________________

(١) كامل الزيارات : ص ٤٧ ، ح ٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

(٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ٢٩١.

(٤) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٣٥٢ ، ح ٢.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٩١.

٨٠