التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٥

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

صاحبكما ، فإن عجزتما عنه فأنا دونه» (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نحن صبّر ، وشيعتنا أصبر منّا ، لأن صبرنا بعلم ، وصبروا بما لا يعلمون» (٢).

قال : قوله : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي يدفعون سيّئة من أساء إليهم بحسناتهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) ، قال : اللّغو : الكذب ، واللهو : الغناء. وهم الأئمّة عليهم‌السلام ، يعرضون عن ذلك كلّه (٣).

وقال الطبرسيّ : (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) أي : لا نسأل نحن عن أعمالكم ، ولا تسألون عن أعمالنا ، بل كل منا يجازى على عمله. وقيل : معناه لنا ديننا ولكم دينكم. وقيل : لنا حلمنا ، ولكم سفهكم. (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي : أمان منا لكم أن نقابل لغوكم بمثله. وقيل : هي كلمة حلم ، واحتمال بين المؤمنين والكافرين. وقيل : هي كلمة تحية بين المؤمنين. (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) أي : لا نطلب مجالستهم ومعاونتهم ، وإنما نبتغي الحكماء والعلماء. وقيل : معناه لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه. وقيل : لا نبتغي دين الجاهلين ، ولا نحبه (٤).

* س ١٥ : بمن نزل قوله تعالى :

(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(٥٦)

[سورة القصص : ٥٦] ، وهل صحيح أنها نزلت بأبي طالب عليه‌السلام؟!

الجواب / نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٤٠ ، ح ١٣ ، والمحاسن : ص ٢٥٧ ، ص ٢٩٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٦٥.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٢.

(٤) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤٦.

٣٢١

يحبّه ، ويحبّ إسلامه (١).

ولم تنزل بأبي طالب عليه‌السلام كما يرويه العامة وبعض الروايات الضعيفة ، ونذكر بعض الروايات التي تدل على إيمان وإسلام أبي طالب عليه‌السلام :

١ ـ قال ابن عباس ، عن أبيه ، قال : قال أبو طالب للنبيّ عليه‌السلام : يابن أخي ، أرسلك الله؟ قال : «نعم» قال : فأرني آية. قال : «ادع لي تلك الشجرة» فدعاها ، فأتت حتّى سجدت بين يديه ، ثم انصرفت ، فقال أبو طالب : أشهد أنك صادق. يا عليّ ، صل جناح ابن عمّك (٢).

٢ ـ قيل للصادق عليه‌السلام : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا؟ فقال : «كذبوا ، كيف يكون كافرا وهو يقول :

ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا

نبيّا كموسى خطّ في أول الكتب»؟

وفي حديث آخر : «كيف يكون أبو طالب كافرا وهو يقول :

لقد علموا أن ابننا لا مكذّب

لدينا ، ولا يعنى بقيل الأباطل

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال (٣) اليتامى عصمة للأرامل»؟ (٤)

٣ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بينا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد الحرام ، وعليه ثياب له جدد ، فألقى المشركون عليه سلى (٥) ناقة ، فملؤوا ثيابه بها ، فدخله

__________________

(١) بحار الأنوار : ص ٣٥ ، ح ١٥٢.

(٢) أمالي الصدوق : ص ٤٩١ ، ح ١٠.

(٣) الثمال : الغياث ، والذي يقوم بأمر قومه. «مجمع البحرين ـ ثمل ـ ج ٥ ، ص ٣٣٢».

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٢٩.

(٥) السّلى : الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد ، يكون ذلك للناس والخيل والإبل. «لسان العرب ـ سلا ـ ج ١٤ ، ص ٣١٦».

٣٢٢

من ذلك ما شاء الله ، فذهب إلى أبي طالب ، فقال له : يا عمّ ، كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له : وما ذلك ، يا بن أخي؟ فأخبره الخبر ، فدعا أبو طالب حمزة ، وأخذ السّيف ، وقال لحمزة : خذ السلى ، ثم توجّه إلى القوم ؛ والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه ، فأتى قريشا وهم حول الكعبة ، فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه ، ثمّ قال لحمزة : أمرّ السلى على سبالهم (١) ، ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم. ثم التفت أبو طالب عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يابن أخي ، هذا حسبك فينا» (٢).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا توفّي أبو طالب عليه‌السلام نزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، اخرج من مكّة ، فليس لك بها ناصر. وثارت قريش بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج هاربا ، حتى أتى إلى جبل بمكّة يقال له الحجون ، فصار إليه» (٣).

٥ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أسلم أبو طالب عليه‌السلام بحساب الجمّل ، وعقد بيده ثلاثة وستّين».

ثم قال عليه‌السلام : «إنّ مثل أبي طالب عليه‌السلام مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين» (٤).

وقال أحمد الداوديّ : كنت عند أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) إذ سأله رجل : ما معنى قول العبّاس للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عمّك أبو طالب قد أسلم بحساب الجمّل ، وعقد بيده ثلاثة وستّين؟ فقال : عنى بذلك : إله أحد جواد.

__________________

(١) السّبلة : الشارب. «الصحاح ـ سبل ـ ج ٥ ، ص ١٧٢٤».

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٣٠.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٣١.

(٤) معاني الأخبار : ص ٢٨٥ ، ح ١.

٣٢٣

وتفسير ذلك : إنّ الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والهاء خمسة ، والألف واحد ، والحاء ثمانية ، والدال أربعة ، والجيم ثلاثة ، والواو ستة ، والألف واحد ، والدال أربعة. فذلك ثلاثة وستّون (١).

٦ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف ، أسرّوا الإيمان ، وأظهروا الشّرك ، فآتاهم الله أجرهم مرّتين» (٢).

٧ ـ قال الأصبغ بن نباتة : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «والله ما عبد أبي ، ولا جدّي عبد المطلب ، ولا هاشم ، ولا عبد مناف ، صنما قط».

قيل له : فما كانوا يعبدون؟

قال عليه‌السلام : «كانوا يصلّون إلى البيت ، على دين إبراهيم عليه‌السلام ، متمسّكين به» (٣).

٨ ـ ذكر ابن بابويه في كتاب (التوحيد) من شعر أبي طالب قوله :

أنت الأمين محمّد

قرم أغرّ مسوّد

لمسوّدين أطائب

كرموا وطاب المولد

أنت السّعيد من السّعو

د تكنّفتك الأسعد

من بعد آدم لم يزل

فينا وصيّ مرشد

فلقد عرفتك صادقا

بالقول لا تتفنّد

ما زلت تنطق بالصّواب

وأنت طفل أمرد

* * *

قال ابن بابويه : ولأبي طالب في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك في قصيدته

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٨٦ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٧٣ ، ح ٢٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ١٤ ، ص ٧٠.

(٣) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٧٤ ، ح ٣٢.

٣٢٤

اللاميّة ، حيث يقول :

وما مثله في الناس سيّد معشر

إذا قايسوه عند وقت التماصل

فأيّده ربّ العباد بنوره

وأظهر دينا حقّه غير زائل

ومنها :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل

يطيف به الهلاك من آل هاشم

فهم عنده في نعمة وفواضل

وميزان صدق لا يخيس (١) شعيرة

وميزان عدل وزنه غير عائل (٢)(٣)

٩ ـ قال الطّبرسيّ في (مجمع البيان) : ثبت إجماع أهل البيت عليهم‌السلام على إيمان أبي طالب عليه‌السلام ، وإجماعهم حجّة ، لأنّهم أحد الثقلين اللذين أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسّك بهما ، بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا».

ذكره الطّبرسيّ في قوله تعالى : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ)(٤) ، وذكر من أشعار أبي طالب ما يدلّ على إيمانه ، لم نذكر منها هنا شيئا مخافة الإطالة (٥).

وقال ابن طاوس ، في (طرائفه) : ومن عجيب ما بلغت إليه العصبيّة على أبي طالب من أعداء أهل البيت عليهم‌السلام أنهم زعموا أن المراد من قوله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) أبو طالب عليه‌السلام! وقد ذكر أبو المجد بن رشادة الواعظ الواسطي في مصنّفه (كتاب أسباب نزول القرآن) ما هذا لفظه ، قال : قال الحسن بن مفضّل ، في قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) كيف يقال أنّها نزلت في أبي طالب ، وهذه السورة من آخر ما نزل

__________________

(١) خاس به : غدر به. «الصحاح ـ خيس ـ ج ٣ ، ص ٩٢٦».

(٢) عال الميزان : جار. «لسان العرب ـ عيل ـ ج ١١ ، ص ٤٨٩».

(٣) التوحيد : ص ١٥٨ ، ح ٤.

(٤) الأنعام : ٢٦.

(٥) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٤٤.

٣٢٥

من القرآن في المدينة ، ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكّة؟!

وإنّما نزلت هذه الآية في الحارث بن النعمان بن عبد مناف (١) ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحبّه ، ويحبّ إسلامه ، فقال يوما للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّا لنعلم أنك على الحقّ ، وأن الذي جئت به حقّ ، ولكن يمنعنا من اتّباعك أن العرب تتخطّفنا من أرضنا ، لكثرتهم وقلّتنا ، ولا طاقة لنا بهم ، فنزلت الآية ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤثر إسلامه لميله إليه (٢).

وقال ابن طاوس أيضا : وكيف استجاز أحد من المسلمين العارفين مع هذه الروايات ، ومضمون الأبيات (٣) أن ينكروا إيمان أبي طالب عليه‌السلام؟ وقد تقدّمت رواياتهم بوصيّة أبي طالب عليه‌السلام أيضا لولده عليّ عليه‌السلام بملازمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقوله : إنّه لا يدعو إلا إلى خير. وقول نبيّهم : «جزاك الله خيرا ، يا عمّ». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو كان حيا قرّت عيناه».

ولو لم يعلم نبيّهم أن أبا طالب مات مؤمنا ما دعا له ، ولا كانت تقرّ عينه بنبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لم يكن إلّا شهادة عترة نبيّهم له بالإيمان لوجب تصديقهم لما شهد نبيّهم أنّهم لا يفارقون كتاب الله ، ولا ريب أنّ العترة أعرّف بباطن أبي طالب من الأجانب ، وشيعة أهل البيت عليهم‌السلام مجمعون على ذلك ، ولهم فيه مصنّفات (٤).

__________________

(١) في مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٠٦ : الحارث بن نوفل بن عبد مناف.

(٢) الطرائف : ص ٣٠٦.

(٣) في «ط ، ي» : الآيات.

(٤) الطرائف : ص ٣٠٦.

٣٢٦

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨) وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٦٠) [سورة القصص : ٥٧ ـ ٦٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال سبحانه حاكيا عن الكفار : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) أي : نستلب من أرضنا ، يعني أرض مكة والحرم. وقيل : إنما قاله الحرث بن نوفل بن عبد مناف ، فإنه قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنا لنعلم أن قولك حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع الهدى معك ، ونؤمن بك ، مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا ، ولا طاقة لنا بالعرب ، فقال سبحانه رادا عليه هذا القول (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) أي : أو لم نجعل لهم مكة في أمن وأمان قبل هذا ، ودفعنا ضرر الناس عنهم ، حتى كانوا يأمنون فيه؟ فكيف يخافون زواله الآن ، أفلا نقدر على دفع ضرر الناس عنهم ، لو آمنوا. بل حالة الإيمان والطاعة أولى بالأمن والسلامة من حالة الكفر. (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) أي : تجمع إليه ثمرات كل أرض وبلد (رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا) أي : إعطاء من عندنا ، جاريا عليهم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما أنعمنا به عليهم. وقيل : لا يعلمون الله ، ولا يعبدونه فيعلموا ما يفوتهم من الثواب.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي : من أهل قرية. (بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) أي : في معيشتها بأن أعرضت عن الشكر. وتكبرت ، والمعنى : أعطيناهم المعيشة

٣٢٧

الواسعة ، فلم يعرفوا حق النعمة ، وكفروا فأهلكناهم. (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) تلك إشارة إلى ما يعرفونه هم من ديار عاد وثمود وقوم لوط. أي : صارت مساكنهم خاوية ، خالية عن أهلها ، وهي قريبة منكم. فإن ديار عاد ، إنما كانت بالأحقاف ، وهو موضع بين اليمن والشام ، وديار ثمود بوادي القرى ، وديار قوم لوط بسدوم. وكانوا هم يمرون بهذه المواضع في تجاراتهم.

(وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) أي : المالكين لديارهم ، لم يخلفهم أحد فيها. ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَما كانَ رَبُّكَ) يا محمد (مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً) قيل : أن معنى أمها أم القرى ، وهي مكة. وقيل : يريد معظم القرى من سائر الدنيا (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي : يقرأ عليهم حججنا وبيناتنا. (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) لنفوسهم بالكفر والطغيان ، والعتو والعصيان. ثم خاطب سبحانه خلقه ، فقال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ) أي : وما أعطيتموه من شيء. (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) أي : هو شيء تتمتعون به في الحياة ، وتتزينون به (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب ، ونعيم الآخرة (خَيْرٌ) من هذه النعم (وَأَبْقى) لأنها فانية ، ونعم الآخرة باقية. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ذلك ، وتتفكرون فيه ، حتى تميزوا بين الباقي والفاني (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

٣٢٨

غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) (٦٤) [سورة القصص : ٦١ ـ ٦٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : لما تقدم ذكر ما أوتوا من زينة الحياة الدنيا ، عقبه سبحانه بالفرق بين من أوتي نعيم الدنيا ، وبين من أوتي نعيم الآخرة ، فقال : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) من ثواب الجنة ونعيمها ، جزاء على طاعته (فَهُوَ لاقِيهِ) أي : فهو واصل إليه ، ومدركه لا محالة. (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) من الأموال وغيرها. (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) للجزاء والعقاب. وقيل : من المحضرين في النار.

والمعنى : أيكون حال هذا ، كحال ذلك أي : لا يكون حالهما سواء ، لأن نعم الدنيا مشوبة بالغموم ، وتعرض للزوال والفناء. ونعم الآخرة خالصة صافية ، دائمة لا تتكدر بالشوب ، ولا تنتقص بالانقضاء.

أقول ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ) : «الموعود : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا ، ووعده الجنّة له ولأوليائه في الآخرة» (١) ـ.

قال : قوله : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي : واذكر يوم ينادي الله الكفار ، وهو يوم القيامة ، وهذا نداء تقريع وتبكيت. (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي : كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركاء في الإلهية ، وتعبدونهم ، وتدعون أنهم ينفعونكم. (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : حق عليهم الوعيد بالعذاب ، من الجن والشياطين ، والذين أغووا الخلق من الإنس. (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) يعنون أتباعهم (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) أي :

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٤٤٢ ، ح ١٨.

٣٢٩

أضللناهم عن الدين بدعائنا إياهم إلى الضلال ، كما ضللنا نحن بأنفسنا. (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ، ومن أفعالهم. قال الزجاج : برىء بعضهم من بعض ، وصاروا أعداء كما قال سبحانه : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ).

(ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أي : لم يكونوا يعبدوننا ، بل كانوا يعبدون الشياطين الذين زينوا لهم عبادتنا. وقيل : معناه لم يعبدونا باستحقاق وحجة (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي : ويقال للأتباع : أدعوا الذين عبدتموهم من دون الله ، وزعمتم أنهم شركائي ، لينصروكم ، ويدفعوا عنكم عذاب الله. وإنما أضاف الشركاء إليهم ، لأنه لا يجوز أن يكون لله شريك ، ولكنهم كانوا يزعمون أنهم شركاء لله بعبادتهم إياهم. (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي : فيدعونهم فلا يجيبونهم إلى ملتمسهم. (وَرَأَوُا الْعَذابَ) أي : ويرون العذاب.

(لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) جواب لو محذوف تقديره : لو أنهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب أي : لاعتقدوا أن العذاب حق. وهذا القول أولى لدلالة الكلام على المحذوف (١).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) (٦٥) [سورة القصص : ٦٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : إنّ العامة رووا أن ذلك في القيامة. وأمّا الخاصّة ، فإنه حدثني أبي ، عن النّضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن عبد الحميد الطائيّ ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن العبد إذا دخل قبره جاءه منكر ، وفزع منه ، يسأل عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول له :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٥١ ـ ٤٥٢.

٣٣٠

ماذا تقول في هذا الرجل الذي كان بين أظهركم؟ فإن كان مؤمنا ، قال : أشهد أنّه رسول الله ، جاء بالحقّ. فيقال له : أرقد رقدة لا حلم فيها ، ويتنحّى عنه الشيطان ، ويفسح له في قبره سبعة أذرع ، ويرى مكانه في الجنّة».

قال : «وإذا كان كافرا ، قال : ما أدري. فيضرب ضربة يسمعها كل من خلق الله إلّا الإنسان ، ويسلّط عليه الشيطان ، وله عينان من نحاس ، أو نار ، يلمعان كالبرق الخاطف ، فيقول له : أنا أخوك ، وتسلّط عليه الحيّات والعقارب ، ويظلم عليه قبره ، ثمّ يضغطه ضغطة تختلف أضلاعه عليه» ثم قال بأصابعه (١) ، فشرجها (٢).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (٦٧) [سورة القصص : ٦٦ ـ ٦٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) أي : فخفيت واشتبهت عليهم طرق الجواب يومئذ ، فصاروا كالعمي لانسداد طرق الأخبار عليهم ، كما تنسد طرق الأرض على العمي. وقيل : معناه فالتبست عليهم الحجج. وسميت حججهم أنباء ، لأنها أخبار يخبر بها ، فهم لا يحتجون ، ولا ينطقون بحجة ، لأن الله تعالى أدحض حجتهم ، وأكل ألسنتهم ، فسكتوا. فذلك قوله : (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) أي : لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج. وقيل : لا يسأل بعضهم بعضا عن العذر الذي يعتذر به في الجواب ، فلا يجيبون. وقيل : معناه لا يتساءلون بالأنساب والقرابة كما في الدنيا ، وقيل : لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله ، لشغله

__________________

(١) أي أشار بها.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٣. وشرحها : داخل بينها.

٣٣١

بنفسه ... وقيل : لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل ذنوبه عنه (١).

٢ ـ قال : ثم ذكر سبحانه التائبين ، ورغب في التوبة بعد التخويف ، فقال : (فَأَمَّا مَنْ تابَ) أي : رجع عن المعاصي والكفر. (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي : وأضاف إلى إيمانه الأعمال الصالحة. (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) وإنما أتى بلفظة «عسى» مع أنه مقطوع بفلاحه ، لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك ، فيفلح. وقد يجوز أن يزل فيما بعد ، فيهلك. على أنه قد قيل : إن «عسى» من الله سبحانه لفظة وجوب في جميع القرآن. ولما كان المفلح مختار الله تعالى ، ذكر عقيبه أن الاختيار إلى الله تعالى ، والخلق والحكم له ، لكونه قادرا عالما على الكمال (٢).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) (٦٩) [سورة القصص : ٦٨ ـ ٦٩]؟!

الجواب / قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله خلق آدم من طين كيف شاء ، ثم قال : (وَيَخْتارُ). إن الله تعالى اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا (٣) ، فجعلني الرسول ، وجعل علي بن أبي طالب الوصيّ ، ثم قال : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ، يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ، ولكنّي أختار من أشاء. فأنا وأهل بيتي صفوة الله ، وخيرته من خلقه ، ثمّ قال : (سُبْحانَ اللهِ) ، يعني تنزيها لله (عَمَّا يُشْرِكُونَ) به كفّار مكّة» (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤٥٢.

(٢) نفس المصدر السابق : ص ٤٥٣.

(٣) المنتجب : المختار من كل شيء. «لسان العرب ـ نجب ـ ج ١ ، ص ٧٤٨».

(٤) المناقب : ج ١ ، ص ٢٥٦. ابن شهر آشوب.

٣٣٢

وقال علي بن إبراهيم القمّي : في قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ، قال : يختار الله الإمام ، وليس لهم أن يختاروا.

ثمّ قال : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) ، قال : ما عزموا عليه من الاختيار ، وأخبر الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ذلك (١).

ومن طريق المخالفين : ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه المستخرج من التفاسير الإثني عشر ـ وهو من مشايخ أهل السنّة ـ في تفسير قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ، يرفعه إلى أنس بن مالك ، قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية ، فقال : «إن الله خلق آدم من الطين كيف يشاء ويختار ، وإن الله تعالى اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق ، فانتجبنا ، فجعلني الرسول ، وجعل عليّ بن أبي طالب الوصيّ ، ثم قال : (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) ، يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ، ولكنّي أختار من أشاء ؛ فأنا وأهل بيتي صفوته ، وخيرته من خلقه ، ثمّ قال : (سُبْحانَ اللهِ) يعني تنزّها لله عما يشركون به كفّار مكّة ، ثمّ قال : (وَرَبُّكَ) يعني يا محمّد (يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) من بغض المنافقين لك ، ولأهل بيتك (وَما يُعْلِنُونَ) بألسنتهم من الحب لك ، ولأهل بيتك» (٢).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٣.

(٢) الطرائف : ص ٩٧ ، ح ١٣٦.

٣٣٣

تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٧٤) [سورة القصص : ٧٠ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أكد سبحانه ذلك بقوله : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا يستحق العبادة سواه (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي : له الثناء والمدح والتعظيم ، على ما أنعم به على خلقه في الدنيا ، والعقبى. (وَلَهُ الْحُكْمُ) بينهم بما يميز به الحق من الباطل. قال ابن عباس : يحكم لأهل طاعته بالمغفرة والفضل ، ولأهل معصيته بالشقاء والويل. (وَإِلَيْهِ) أي : وإلى جزائه وحكمه (تُرْجَعُونَ).

ثم بين سبحانه ما يدل على توحيده ، قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ) يا محمد لأهل مكة الذين عبدوا معي آلهة ، تنبيها لهم على خطئهم. (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) أي : دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا يكون معه نهار (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) كضياء النهار ، تبصرون فيه ، فإنهم لا يقدرون على الجواب عن ذلك ، إلا بأنه لا يقدر على ذلك سوى الله ، فحينئذ تلزمهم الحجة بأنه لا يستحق العبادة غيره. (أَفَلا تَسْمَعُونَ) أي : أفلا تقبلون ما وعظتم به. وقيل : أفلا تسمعون ما بينه الله لكم من أدلته ، وتتفكرون فيه.

(قُلْ) يا محمد لهم (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) أي : دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا يكون معه ليل (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) أي : تستريحون فيه من الحركة والنصب. (أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي أفلا تعلمون من البصيرة. وقيل : أفلا تشاهدون الليل والنهار ، وتتدبرون فيهما ، فتعلموا أنهما من صنع مدبر حكيم.

ثم قال : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي : ومن نعمته

٣٣٤

عليكم ، وإحسانه إليكم ، أن جعل لكم الليل والنهار ، (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي في الليل. (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي في النهار (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعم الله في تصريف الليل والنهار ، وفي سائر أنواع النعم).

(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(١) : (مر تفسيرها في الآية رقم ٦٢ من هذه السورة).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥) إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) (٧٨) [سورة القصص : ٧٥ ـ ٧٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ـ في راية أبي الجارود ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) يقول : «من كل فرقة من هذه الأمة إمامها (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) والعصبة :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٥٤ ـ ٤٥٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٣.

٣٣٥

ما بين العشرة إلى تسعة عشر. قال : كان يحمل مفاتح خزائنه العصبة أولوا القوّة ، فقال قارون كما حكى الله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) يعني ماله ، وكان يعمل الكيمياء ، فقال الله : (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ). أي لا يسأل من كان قبلهم عن ذنوب هؤلاء (١).

وقال علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم) ، في قول الله عزوجل : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) ، قال : «لا تنس صحتك وقوتك وفراغك وشبابك ونشاطك أن تطلب بها الآخرة» (٢).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (٨٢) [سورة القصص : ٧٩ ـ ٨٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) : في الثياب المصبّغات يجرها في الأرض ، (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). فقال لهم الخلّص من أصحاب موسى : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٣.

(٢) أما لي الصدوق : ص ١٨٩ ، ح ١٠.

٣٣٦

الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ). قال : هي لفظة سريانيّة. (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ).

وكان سبب هلاك قارون : أنّه لما أخرج موسى بني إسرائيل من مصر ، وأنزلهم البادية ، وأنزل الله عليهم المنّ والسلوى ، وانفجر لهم من الحجر اثنتا عشرة عينا ، بطروا ، وقالوا : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها)(١). قال لهم موسى : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ)(٢). فقالوا كما حكى الله : (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها)(٣). ثمّ قالوا لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ)(٤). ففرض الله عليهم دخولها ، وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فكانوا يقومون من أوّل الليل ، ويأخذون في قراءة التّوراة والدعاء والبكاء ، وكان قارون منهم ، وكان يقرأ التّوراة ، ولم يكن فيهم أحسن صوتا منه ، وكان يسمّى (المنون) لحسن قراءته ، وقد كان يعمل الكيمياء.

فلمّا طال الأمر على بني إسرائيل في التّيه والتّوبة ، وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التّوبة ، وكان موسى يحبه ، فدخل عليه موسى ، فقال له : «يا قارون ، قومك في التوبة وأنت قاعد عنها؟! أدخل معهم ، وإلا أنزل الله بك العذاب» فاستهان به ، واستهزأ بقوله ، فخرج موسى من عنده مغتما ، فجلس في فناء قصره ، وعليه جبّة من شعر ، ونعلان من جلد حمار ، شراكهما من خيوط شعر ، بيده العصا ، فأمر قارون أن يصبّ عليه رماد قد خلط بالماء ،

__________________

(١) البقرة : ٦١.

(٢) البقرة : ٦١.

(٣) المائدة : ٢٢.

(٤) المائدة : ٢٤.

٣٣٧

فصّبّ عليه ، فغضب موسى غضبا شديدا. وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدّم ، فقال موسى : «يا ربّ ، إن لم تغضب لي فلست لك بنبيّ» فأوحى الله إليه : «قد أمرت الأرض أن تطيعك ، فمرها بما شئت».

وقد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر ، فأقبل موسى ، فأومأ إلى الأبواب فانفرجت ، فدخل عليه ، فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتي بالعذاب ، فقال : يا موسى ، أسألك بالرّحم الذي بيني وبينك. فقال له موسى : «يا بن لاوي ، لا تزدني من كلامك ، يا أرض خذيه». فدخل القصر بما فيه في الأرض ، ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه فبكى ، وحلّفه بالرّحم ، فقال له موسى : «يابن لاوي ، لا تزدني من كلامك ، يا أرض خذيه». فابتلعته بقصره وخزائنه.

وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله ، فعيّره الله بما قال لقارون ، فعلم موسى أن الله قد عيّره بذلك ، فقال : «يا ربّ ، إن قارون قد دعاني بغيرك ، ولو دعاني بك لأجبته». فقال الله : «ما قلت : يا بن لاوي ، لا تزدني من كلامك؟». فقال موسى : «يا ربّ ، لو علمت أن ذلك لك رضا لأجبته».

فقال الله : «يا موسى ، وعزّتي وجلالي ، وجودي ومجدي ، وعلوّ مكاني لو أن قارون كما دعاك دعاني لأجبته ، ولكنه لمّا دعاك وكلته إليك. يابن عمران ، لا تجزع من الموت ، فإني كتبت الموت على كلّ نفس ، وقد مهّدت لك مهادا لو قد وردت عليه لقرّت عيناك».

فخرج موسى إلى جبل طور سيناء مع وصيّه ، وصعد موسى عليه‌السلام الجبل ، فنظر إلى رجل قد أقبل ومعه مكتل (١) ومسحاة ، فقال له موسى : «ما

__________________

(١) المكتل : الزبيل الكبير. «النهاية : ج ٤ ، ص ١٥٠».

٣٣٨

تريد؟». قال : إنّ رجلا من أولياء الله قد توفي ، فأنا أحفر له قبرا. فقال له موسى : «ألا أعينك عليه؟» فقال : بلى. قال : فحفر القبر ، فلما فرغا أراد الرجل أن ينزل إلى القبر ، فقال له موسى : «ما تريد؟» قال : أدخل القبر فانظر كيف مضجعه؟ فقال له موسى : «أنا أكفيك» فدخل موسى عليه‌السلام ، فاضطجع فيه ، فقبض ملك الموت روحه ، وانضمّ عليه الجبل (١).

وقال الطّبرسيّ : قارون كان من بني إسرائيل ، ثم من سبط موسى ، وهو بن خالته. قال : وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٨٣) [سورة القصص : ٨٣]؟!

الجواب / قال حفص بن غياث : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا حفص ، ما منزلة الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة ، إذا اضطررت إليها أكلت منها. يا حفص ، إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون ، وإلى ما هم صائرون ، فحلم عنهم عند أعمالهم السيّئة لعلمه السابق فيهم ، فلا يغرّنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت» ثم تلا قوله : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) الآية ، وجعل يبكي ويقول : «ذهبت والله الأماني عند هذه الآية».

ثم قال : «فاز والله الأبرار ، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذرّ (٣) ، كفى بخشية الله علما ، وكفى بالاغترار جهلا. يا حفص ، إنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد ، من تعلّم وعلّم ، وعمل بما علم ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٧ ، ص ٤١٥.

(٣) الذر : جمع ذرّة ، وهي أصغر النمل. «الصحاح ـ ذرر ـ ج ٢ ، ص ٦٦٣».

٣٣٩

دعي في ملكوت السماوات عظيما ، فقيل : تعلّم لله ، وعمل لله ، وعلّم لله».

قلت : جعلت فداك ، ما حدّ الزهد في الدنيا؟ قال : «قد حدّ الله في كتابه ، فقال عزوجل : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(١) ، إنّ أعلم الناس بالله أخوفهم لله ، وأخوفهم له أعلمهم به ، وأعلمهم به أزهدهم فيها».

فقال له رجل : يابن رسول الله أوصني ، فقال : «اتّق الله حيث كنت ، فإنّك لا تستوحش» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام أيضا ، في قوله : (عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) ، قال : «العلوّ : الشرف ، والفساد : البناء ـ (وقيل النساء) ـ» (٣).

وقال سعد بن طريف : كنا عند أبي جعفر عليه‌السلام ، ثمانية رجال ، فذكرنا رمضان ، فقال : «لا تقولوا هذا رمضان ، ولا جاء رمضان ، وذهب رمضان ؛ فإنّ رمضان اسم من أسماء الله ، لا يجيء ولا يذهب ، وإنما يجيء ويذهب الزائل ، ولكن قولوا : شهر رمضان ، فالشهر المضاف إلى الاسم ، والاسم اسم الله ، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن ، جعله الله مثلا وعيدا.

ألا ومن خرج في شهر رمضان من بيته في سبيل الله ـ ونحن سبيل الله الذي من دخل فيه يطاف بالحصن ، والحصن هو الإمام ـ فيكبّر عند رؤيته ، كانت له يوم القيامة صخرة في ميزانه أثقل من السماوات السبع ، والأرضين السبع ، وما فيهنّ ، وما بينهن وما تحتهنّ».

قلت : يا أبا جعفر ، وما الميزان؟ فقال : «إنّك قد ازددت قوّة ونظرا. يا

__________________

(١) الحديد : ٢٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٧.

٣٤٠