تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

أخيره» (١).

وفي ترجمة «عبد اللَّه بن الجهم الرازي» عن أبي زرعة : «رأيته ولم أكتب عنه وكان صدوقاً. وقال أبو حاتم : رأيته ولم أكتب عنه وكان يتشيّع» (٢).

وكم من راوٍ كبير ومحدِّث شهير ، تركوا أحاديثه لأنّ «عامّه ما يرویه في فضائل أهل البيت» (٣).

وكم وقع الكلام بينهم بشأن «أحمد بن الأزهر» لأنّه روی بسندٍ صحيح عن ابن عبّاس أنّه قال : «نظر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم إلی عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : أنت سيّد في الدنيا وسيّد في الآخره ، حبيبك حبيبی وحبيبی حبيب اللّٰه ، وعدوّك عدوّی وعدوّی عدوّ اللّٰه ، فالويل لمن أبغضك بعدي» ، فقال الذهبي : «هو ثقه بلا تردّد ، غآيه ما نقموا عليه ذاك الحديث في فضل عليّ رضي اللّٰه عنه» (٤).

وجاء بترجمة «أحمد بن محمّد الستيتی» ـ المتوفي سنه ٤١٧ ـ أنّه : «كان يتّهم بالتشيّع ، فحلف لنا أنّه بریء من ذلك ، وأنّه من موالی يزيد ، وأنّه قد زار قبر يزيد»!! (٥).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ : ٣٣٨.

(٢) تهذيب التهذيب ٥ : ١٥٥.

(٣) انظر مثلاً : تهذيب التهذيب ٢ : ٤١ ـ ترجمة جابر بن يزيد الجعفي ـ ، وج ٣ : ١٧٠ و ٣٧٤ ـ ترجمة أبي الجحاف داود بن أبي عوف ، وترجمة سالم بن أبي حفصه ـ وج ٥ : ٢٦٥ ـ ترجمة عبد اللَّه بن عبد القدّوس ـ.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٣٦٤.

(٥) سير أعلام النبلاء ١٧ : ٣٥٩ ، ويدلّ هذا علی أنّ «التسنّن» المقابل ل : «التشيّع» هو اتّباع بني أُمیه ، وله شواهد كثيره في التاريخ والرجال ، وقد حققّنا ذلك في بعض رسائلنا.

١٢١

لكنّ الأكثر ياخذون بروآيه الشيعي ، إذا كانوا يرونه ثقه صدوقاً في نقله ..

سواء كان ممّن يتكلّم في معاوية وأمثاله ، أو في عثمان وأعوانه ، أو في الشيخين وأصحابهما.

واختلفوا في الاحتجاج بروآيه الرافضي الصدوق علی ثلاثه أقوال :

أحدها : المنع مطلقاً.

والثاني : الترخّص مطلقاً.

والثالث : التفصيل ، فتقبل روآيه غير الداعيه ، وتردّ روآيه الداعيه (١).

فإن كان المراد من «الرافضي» هو «الشيعي الغال» : وهو الذي يقدّم عليّاً عليه السلام علی أبي بكر وعمر ، كما هو صريح الحافظ ابن حجر ، وتدلّ عليه الشواهد والقرائن الكثيره ؛ فهو ..

وإنْ كان المراد من «الشيعي» : من يحبُّ عليّاً عليه السلام أو يقدّمه علی عثمان أو يتكلّم في معاوية ، ومن «الرافضي» : خصوص من يقدّم عليّاً عليه السلام علی أبي بكر وعمر ؛ ففي الصحاح ممّن يقدّمه عليهما كثيرون ، بل فيها مَن كان يتكلّم فيهما أيضاً.

وعلی كلّ تقدير يصحُّ قول السيّد في عنوان المراجعه : «مائه من أسناد الشيعه في أسناد السُنّة».

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٢٧ ، علوم الحديث لابن الصلاح ، وقد عزا القول بالتفصيل إلی الكثير أو الأكثر من العلماء ، ونصّ شارحه الزين العراقی علی أنّ البخاري ومسلماً احتجّا أيضاً بالدعاه .. انظر : التقييد والإيضاح : ١٥٠. قلت : قد ذكرنا سابقاً أسامی جمعٍ منهم.

١٢٢

خامساً ـ زياده توضيح لعنوان المراجعه

ونقول في تشييد كلام السيّد وتوضيح عنوان المراجعه ـ مضافاً إلی ما تقدّم ـ :

إنّه قد تمثّل التشيّع في القرون الثلاثه الأُولي بالقول بأفضليه عليّ عليه السلام من جميع الصحابه ، وتقدیمه علی أبي بكر وعمر خاصّهً .. إلّا أنّه قد مرّ بظروفٍ صعبه جدّاً ؛ فقد كانت السلطات تلاحق من عرفت فيه سمه من سمات التشيّع ، حتّی الاسم مثل «علی» و «الحسن» و «الحسين» ...فلم يجد الشيعه بُدّاً من إخفاء عقيدتهم في أهل البيت عليهم السلام ، بل لقد جاء بترجمة بعض المحدّثين أنّه كان علويا ولم يكن يظهر نَسبَه (١) ، وكم من عالمٍ محدِّثٍ عُرض عليه سبُّ أمير المؤمنين والبراءه منه ، فلمّا أبي عن ذلك أُوذی من قِبَل السلطه آنذاك وبكلّ قسوه!! (٢).

وفي مثل هذه الظروف يكون التكلّم في عثمان ، بل تفضيل عليّ عليه السلام عليه من أجلی آيات التشيّع ، ومن أقوی الأدلّه علی القول بإمامه عليّ عليه السلام بلا فصلٍ ؛ ولذا قال الدارقطني : «اختلف قوم من أهل بغداد ، فقال قوم : عثمان أفضل ، وقال قوم : عليّ أفضل ، فتحاكموا إلیَّ فأمسكت وقلت : الإمساك خير ، ثمّ لم أرَ لديني السكوت وقلت للّذی استفتاني : ارجع إليهم وقل لهم :

__________________

(١) انظر مثلاً : ترجمة أبي عبد اللَّه بن المطبقی في تاريخ بغداد ٨ : ٩٧.

(٢) انظر مثلاً : ترجمة عطیّه العوفي في تهذيب التهذيب ٧ : ٢٠٠ ، وترجمة مصدع المعرقب في تهذيب التهذيب ١٠ : ١٤٣ ، ولهما نظائر كثيرون ويصعب حصرهم.

١٢٣

أبو الحسن يقول : عثمان أفضل من عليّ باتّفاق جماعه أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وهو أوّل عقدٍ يحلّ في الرفض» (١).

والسبب في ذلك واضح ؛ لأنّ القول بأفضليه عليّ من عثمان يفضی إلی بطلان خلافه عثمان ، وبذلك تبطل خلافه أبي بكر وعمر ، لأنّ خلافه عثمان منهما وفرع علی خلافتهما ، ولذا كان سكوت الدارقطني مضرّاً بدينه!! ولذا أيضاً كان القول بأفضليه عثمان أوّل عقدٍ يحلّ في الرفض!!

أتصدّق أن يكون الراوي عن أبي سعيد الخدري : «إنّ عثمان أُدخل حفرته وإنّه لكافر باللّٰه» من القائلين بأنّ أبا بكر وعمر إماما هدیً؟!!

إنّه أبو هارون العبدی الشيعي ، وقد روی ذلك عنه ابن عدی في الكامل حيث ترجمة ، وذكر أسماء بعض الأكابر الّذين حدّثوا عنه ، ثمّ قال : «وقد كتب الناس حديثه» (٢).

لكن أوّل عقدٍ يحلُّ في الرفض ـ حسب تعبيره ـ هو الدفاع عن معاوية والمنع من لعنه ، وطرد من تكلّم فيه (٣) وإيذاؤه ، كما فعلوا بغير واحدٍ من أئمّتهم ..

لا أقول : إنّ كلّ من تكلّم في معاوية فهو شيعي إمامی (٤).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٦ : ٤٥٧.

(٢) انظر : ترجمة أبي هارون العبدی ـ من رجال الترمذي وابن ماجه ـ في ميزان الاعتدال ٣ : ١٧٣ ، والكامل ـ لابن عدی ـ ٦ : ١٤٦.

(٣) بل عليهم أنْ يدافعوا عن يزيد!! ولذا قال التفتازاني بعد أن لَعَنَ يزيد بن معاوية وكلّ من حمل ظلماً علی أهل البيت عليهم السلام : «فإنْ قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوز اللعن علی يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو علی ذلك ويزيد. قلنا : تحاميا عن أنْ يرتقی إلی الأعلی فالأعلی ، كما هو شعار الروافض ...». شرح المقاصد ٥ : ٣١١.

(٤) فالحاكم النيسابوري صاحب المستدرك علی الصحيحين لا نعدّه شيعيا إماميا لمجرّد

١٢٤

بل أقول : بأنّ ذلك كان أحد الأساليب للإعلان عن العقيده ؛ لأنّ التكلّم في معاوية ينتهی إلی التكلّم في عمر فأبي بكر ..

ولذا قال الذهبي في «يحيی بن عبد الحميد الحماني» ـ بعد قول ابن عدی : لا بأس به ـ : «قلت : إلّا أنّه شيعي بغیض ، قال زياد بن أیوب : سمعت يحيی الحماني يقول : كان معاوية علی غير ملّه الإسلام. قال زياد : كذب عدوّ اللّٰه» (١) ..

ولذا مزّقوا ما كتبوا عمّن روی مثالب معاوية (٢).

ولعلّ هذا الذي ذكرناه هو مرادهم من قولهم بترجمة بعض الأعلام : «فيه تشيّع يفضی به إلی الرفض» (٣).

وكيف يكون المحدِّث ابن أبي دارم الكوفي «مستقیم الأمر عامّه دهره» «ثمّ في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب»؟!

إنّ معني استقامه أمر الرجل أنْ يكون ثقهً صدوقاً في نقله ، وكذلك كان ابن أبي دارم ـ المتوفي سنه ٣٥١ ـ إلّا أنّه من ناحية العقيده كان يعیش في تقیّهٍ عامّه دهره ، فلا يتظاهر بما يخالف عقيده الجمهور ، حتّی آخر أيام حياته ، فلمّا

__________________

تصحيحه علی شرط البخاري ومسلم حديث الطير ونحوه من الأحاديث المعتبره الدالّه علی إمامه أمير المؤمنين عليه السلام ، أو لمجرّد انحرافه عن معاوية وتكلّمه فيه بصراحهٍ ووضوح .. ولكنْ إذا ثبت قول ابن طاهر فيه : «كان شدید التعصّب للشيعه في الباطن ، وكان يظهر التسنّن في التقديم والخلافه» ، وأنّه كان يقول : إنّ عليّاً وصي ، ـ ولهذه الأُمور وغيرها وصفه بعضهم ب : «رافضی خبيث» ـ ؛ كان من القائلين بإمامه مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاه والسلام ، وعلی هذا الأساس أورده السيّد رحمه اللّٰه في المائه ، والله العالم.

(١) ميزان الاعتدال ٤ : ٣٩٢.

(٢) انظر مثلاً : ميزان الاعتدال ١ : ٢٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٧ : ٥٠٧ ، ترجمة ابن السمسار الدمشقي.

١٢٥

حضرته الوفاه روی : «إنّ عمر رفس فاطمة حتّی أسقطت بمحسن» ، وروی في قوله تعالی (وَجٰاءَ فِرْعَوْنُ ...) (١) : «جاء فرعون : عمر ، وقبله : أبو بكر ، والمؤتفكات : عائشه وحفصه» ومن هذا الوقت وصف ب : «الرافضي الكذّاب» (٢).

أقول :

أمّا كونه «رافضيا» فنعم ، وأمّا كونه «كذّاباً» فلما ذا وقد شهدتم باستقامته عامّه دهره؟!

إنّ هذا من موارد تناقضات الذهبي أيضاً ؛ فقد نصّ في غير موضع علی أنّ الرفض غير مضرٍّ بالوثاقه ، وتبعه علی ذلك ابن حجر في مقدّمه فتح الباری حيث يريد الدفاع عن كتاب البخاري ، لكنّه ـ هو الآخر ـ ناقض نفسه في مواضع كثيره.

ولو أنّك راجعت ميزان الاعتدال والمغني في الضعفاء للذهبی ، لوجدته يجرح ويضعّف ـ لا سیّما في الثاني ـ كثيراً من الأعلام ورجال الحديث ، لا لشيء فيهم سوی التشيّع ..

وكذا ابن حجر في تهذيب التهذيب ولسان الميزان.

فما أكثر تناقضات القوم في كلّ باب!!

ولكنّ اللّٰه تعالی شاء أنْ يشتمل أصحّ كتب القوم علی روايات ثلّهٍ من الرجال المشاهير ، مع وصفهم لهم ب : «الغلوّ في التشيّع» أو ب : «الرفض» ، ومع تصریحهم بتراجم كثير منهم بأنّه «كان يشتم ...» ونحو ذلك ، ممّا يدلُّ علی كونهم من القائلين بإمامه أمير المؤمنين بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم مباشرهً ،

__________________

(١) سوره الحاقّه ٦٩ : ٩.

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ١٣٩.

١٢٦

وهو مذهب الشيعه الإماميه (١).

ففي ترجمة (أبان بن تغلب) : «كان مذهبه مذهب الشيعه ، وهو معروف في الكوفيّين» ، و : «كان غاليا في التشيّع».

وفي ترجمة (إبراهيم بن أبي يحيی) : «كذّاب رافضی».

وفي ترجمة (أحمد بن المفضّل) : «كان من رؤساء الشيعه».

وفي ترجمة (إسماعيل الملائي) : «كان شيعيا من الغلاه الّذين يكفّرون عثمان».

وفي ترجمة (السدّي) : «يشتم أبا بكر وعمر».

وفي ترجمة (إسماعيل الفزاري) : «يشتم السلف».

وفي ترجمة (تليد بن سليمان) : «رافضی يشتم أبا بكر وعمر».

وفي ترجمة (جابر الجعفي) : «رافضی يشتم».

وفي ترجمة (جعفر بن سليمان) : «البغض ما شئت».

وفي ترجمة (جمع بن عميرة) : «من عتق الشيعه».

وفي ترجمة (أبي النعمان الأزدي) : «من المحترقین في التشيّع».

وفي ترجمة (الحارث الهمداني) : «كان غاليا في التشيّع» «نقم عليه إفراطه في حبّ عليّ وتفضيله له علی غيره».

وفي ترجمة (الحسن بن حي) : «كان لا يترحّم علی عثمان».

وفي ترجمة (خالد بن مخلد القطواني) : «كان شتّاماً معلناً بسوء مذهبه».

وفي ترجمة (داود بن أبي عوف ـ أبي الجحاف ـ) : «شيعي ، عامّه ما يرویه

__________________

(١) اقتصرنا علی الشخصيات الّذين استشهد بهم السيّد ، وإلّا فهم أكثر وأكثر.

١٢٧

في فضائل أهل البيت».

وفي ترجمة (زبيد اليامي) : «من أهل الكوفه الّذين لا يحمدون علی مذاهبهم».

وفي ترجمة (سالم بن أبي حفصه) : «كان من رؤوس مَن ينتقص من أبي بكر وعمر».

وفي ترجمة (سعد بن طريف) : «يفرط في التشيّع».

وفي ترجمة (سلمه بن الفضل) : «كان أهل الری لا يرغبون فيه لسوء رآيه».

وفي ترجمة (سليمان بن قرم) : «كان رافضيا غاليا».

وفي ترجمة (شریك القاضي) : «أنت تنتقص أبا بكر وعمر».

وفي ترجمة (عبّاد بن يعقوب) : «كان داعيه إلی الرفض» «يشتم عثمان» و «السلف».

وفي ترجمة (عبد اللَّه بن عمر ـ مشكدانه ـ) : «كان غاليا في التشيّع».

وفي ترجمة (عبد الرحمن بن صالح الأزدي) : «ألَّف كتاباً في مثالب الصَّحابه ، رجل سوء».

وفي ترجمة (عبد الرزّاق بن همّام) : «مذهبه مذهب التشيّع ، و «حدّث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد ، وبمثالب لغيرهم مناكير».

وفي ترجمة (عبد الملك بن أعين) : «كان رافضيا» و : «من عتق الشيعه».

وفي ترجمة (عبيد اللّٰه بن موسی) : «شيعي منحرف».

وفي ترجمة (عثمان بن عمير) : «رديء المذهب ، يؤمن بالرجعه» (١).

__________________

(١) العقيده بالرجعه من عقائد الشيعه الإماميه الاثني عشريه ، وهی في مجملها : القول بأنّ اللّٰه

١٢٨

وفي ترجمة (عدی بن ثابت) : «رافضی غال».

وفي ترجمة (العلاء بن صالح) : «من عتق الشيعه».

وفي ترجمة (علی بن زيد بن جدعان) : «كان رافضيا».

وفي ترجمة (علی بن صالح) : «هو من سلف الشيعه وعلمائهم».

وفي ترجمة (علی بن غراب) : «كان غاليا في التشيّع».

وفي ترجمة (علی بن هاشم بن البرید) : «كان مفرطاً في التشيّع».

وفي ترجمة (فطر بن خليفه) : «مذهبه مذهب الشيعه» و : «خشبی (١) مفرط».

وفي ترجمة (موسی بن قيس الحضرمی) : «من الغلاه في الرفض».

وفي ترجمة (نفیع بن الحارث) : «يغلو في الرفض».

__________________

يرجع إلی الدنيا عليّاً والأئمّة والمخلصین من شیعتهم ، في زمن المهدی عليه السلام ، ويرجع أيضاً رؤساء الظلم والنفاق في هذه الأُمّه ، فینتقم أولئك من هؤلاء .. وكأنّ القول بالرجعه عند الجمهور نقص موجبٌ للضعف ، مع أنّ به آيات من القرآن الكريم ؛ قال أبو حريز البصری ـ من رجال البخاري في التعالیق والأربعه ـ : هی ٧٢ آيه. تهذيب التهذيب ٥ : ١٦٤. وبه روايات معتبره كثيره ، وقد قال به بعض الصحابه كأبي الطفيل ـ كما في المعارف ـ وعدّه من الأئمّة من غير الإماميه. كما أنّ في كتب الجمهور أيضاً أحاديث في وقوع ذلك في زمن بعض الأنبياء ، وفي زمن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بل لقد رووا أنّ رسول اللّٰه أرجع إلی الدنيا والدیه وعرض عليهما الإسلام ـ في ما يروون ـ فقبلا ، وعادا فماتا. انظر : شرح المواهب اللدنّیه ١ : ١٦٦ ـ ١٦٨. ولو شئنا التفصيل لفعلنا ، لكنّه خارج عمّا نحن بصدده الآن ، وبما ذكرناه الكفايه.

(١) من ألقاب القائلين بإمامه عليّ عليه السلام بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم وأنّ إمامه غيره باطله ، في كلام النواصب.

١٢٩

وفي ترجمة (هارون بن سعد) : «رافضی بغيض».

وفي ترجمة (يزيد بن أبي زياد) : «من أئمّة الشيعه الكبار».

وتلخّص :

إنّ «التشيّع» ليس إلّا «الرفض» لخلافه من تقدّم علی عليّ عليه السلام ، وقد كان هذا هو المرتكز في أذهان الناس وعند قدماء علماء الجرح والتعديل ، الّذين تكلّموا في الرواه الموصوفین بالتشيّع ، وضعّفوهم وردّوا أحاديثهم بهذا السبب ..

وأمّا الفصل بين المصطلحين المذكورین ، بتخصيص «التشيّع» بمن يتكلّم في معاوية وعائشه وطلحة والزبير ، أو يتكلّم فيهم وفي عثمان ، أو يقدّم عليّاً عليه ، وجعل «الرفض» لمن يقدّم عليّاً علی أبي بكر وعمر ، كما جاء في كلام الذهبي وابن حجر ، وتبعهما عليه بعض الكتّاب المعاصرین ، فهو علی إطلاقه غير صحيح ؛ لأنّ من الموصوفین بالتشيّع بسبب التكلّم في معاوية مَن هو من أهل السُنّة يقیناً ، كالنسائي ، الذي لاقی ما لاقی من أهل الشام كما هو معروف ، وفيهم مَن هو من القائلين بإمامه عليّ عليه السلام بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، كالرواجني ، الذي وصِف أيضاً بالمبتدع تارهً وبالرافضي أُخری ..

وأمّا المتكلّمون في عثمان ، فهم قائلون بإمامه عليّ عليه السلام كذلك يقیناً ، إلّا أنّهم كانوا في تقيّه ، وما كان بإمكانهم أنْ يتظاهروا بعقيدتهم إلّا بهذه الطريقه ، ثمّ إنّ جماعهً كبيره منهم باحوا بعقيدتهم ، من رفض خلافه مَن تقدّم علی أمير المؤمنين ، والتكلّم فيه ، كما جاء بترجمتهم.

ولا يخفي إنّ هذا التحقيق في أحوال المائه ، الّذين ذكرهم السيّد ـ طاب ثراه ـ إنّما جاء علی ضوء كلمات القوم ، وبغضّ النظر عمّا في كتب أصحابنا عنهم ،

١٣٠

وإلّا فإنّ العدید منهم يعدّون من أخصّ أصحاب الأئمّة المعصومين ، عليهم وعلی جدّهم صلوات ربّ العالمين.

قال السيّد :

«هذا آخر من أردنا ذكرهم في هذه العجاله ، وهم مائه بطل من رجال الشيعه ، كانوا حجج السُنّة وعیبه علوم الأُمّه ، بهم حفظت الآثار النبوية ، وعليهم مدار الصحاح والسُنن والمسانید ، ذكرناهم بأسمائهم ، وجئنا بنصوص أهل السُنّة علی تشیّعهم ، والاحتجاج بهم ...وأظنّ المعترضين سیعترفون بخطئهم في ما زعموه من أنّ أهل السُنّة لا يحتجّون برجال الشيعه ...في سلف الشيعه ممّن يحتجّ أهل السُنّة بهم ـ غير الذي ذكرناهم ـ وانّهم أضعاف أضعاف تلك المائه عدداً ، وأعلی منهم سنداً ، وأكثر حديثاً ، وأغزر علماً ، وأسبق زمناً ، وأرسخ في التشيّع قدماً ، ألا وهم رجال الشيعه من الصحابه ...وفي التابعين ...ممّن يستغرق تفصيلهم المجلّدات الضخمه ...» (١).

أقول :

وقد أوضحنا ـ وللّٰه الحمد ـ مقاصد السيّد وشیّدنا مطالبه ، بما لا مزيد عليه ، ولا يدع مجالاً للمكابره ..

ومن المعلوم ، إنّ التشيّع لعليّ عليه السلام بمعني تقدیمه علی غيره من الصحابه والقول بإمامته وخلافته بعد رسول اللّٰه بلا فصل ، إنّما يتحقّق بالاقتداء به واتّباعه والأخذ منه ، وكذلك بالأئمّة المعصومين من بعده ، عملاً بقول

__________________

(١) المراجعات : ١٠٤ ـ ١٠٥.

١٣١

الرسول الأكرم : «إني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّٰه ، وعترتی أهل بيتی ، ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا ...» ، وقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «مثل أهل بيتی كمثل سفينة نوحٍ ، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» (١).

فالشيعه في أُصول الدين وما يجب الاعتقاد به من المبدأ وصفاته والمعاد ، وفروعه من الأحكام الشرعيه ، من الحلال والحرام وغير ذلك ، تبعٌ للكتاب المبين الذي لا ياتیه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولباب مدينه العلم وأهل العصمه .. فإيمانهم بالرجعه ـ مثلاً ـ يرجع إلی الكتاب والسُنّة ، وعملهم بالتقيّه ـ أحياناً ـ امتثالٌ لأمر اللّٰه ورسوله ـ وقد وجدنا إنّ أئمّة العامّه عملوا بها في مسأله خلق القرآن ، كما رأينا إنّ جمعاً من الأعلام منهم يروون حديث الرجعه ويقولون بها ـ وهكذا في سائر الشؤون.

فالشيعه الإماميه أهل السُنّة النبوية حقيقة ، وهم المسلمون حقّاً ، وهم أهل النجاه في الآخره ..

وعلی غيرهم إقامه الدليل القطعی علی صحّه عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم .. وأني لهم ذلك ..

ومن شاء التفصيل فليرجع إلی كتب العقائد ..

والحمد للّٰه ربّ العالمين.

هذا تمام الكلام في هذه المراجعه ، وبه يتمّ الكلام في المبحث الأوّل من

__________________

(١) قد تقدّم البحث عن الحديثين سابقاً. وأمّا الرواية : «إني تارك فیكم الثقلین كتاب اللّٰه وسُنّتی» كما في بعض كتب القوم فقد حقّقنا في رسالهٍ مفردهٍ أنْ لا سند لها ، ولا يتمّ لها معني إلّا بالرجوع إلی أهل بيت الهدی. فراجع : الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعه في كتب السُنّة.

١٣٢

كتاب المراجعات.

١٣٣

١٣٤

المبحث الثانی

في الإمامه العامّه

وهی الخلافه عن رسول اللّٰه

١٣٥

١٣٦

أقول :

كان المبحث الأوّل في : (إمامه المذهب) في الأُصول والفروع ، وقد أورد السيّد فيه أدلّهً من الكتاب والسُنّة علی وجوب الرجوع إلی أهل البيت عليهم السلام بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، في القضايا الاعتقادية والأحكام العملیه والآداب والسُنن الشرعيه ، وأشار إلی حكم العقل في الباب ، في نهآيه المراجعه ١٨ بقوله : «دعنا من نصوصهم وبيناتهم ، وانظر إليهم بقطع النظر عنها ، فهل تجد فيهم قصوراً في علم أو عملٍ أو تقویً عن الإمام الأشعری أو الأئمّة الأربعه أو غيرهم ، وإذا لم يكن فيهم قصور ، فبمَ كان غيرهم أولي بالاتّباع وأحقُّ بأنْ يطاع؟!» ... (١).

هذا ، وقد تقرّر عندنا وعند الجمهور قبح تقدُّم المفضول علی الفاضل ، الأمر الذي أذعن به حتّی ابن تيميّة (٢).

وعنوان المبحث الثاني : (الإمامه العامّه وهی الخلافه عن رسول اللّٰه) وفي هذا العنوان إشاره إلی مطلبين :

* أحدهما : تعريف الإمامه ؛ فقد اتّفق الفريقان علی أنّ الإمامه رئاسه عامّه

__________________

(١) المراجعات : ١٠٨.

(٢) منهاج السُنّة ٦ : ٤٧٥.

١٣٧

في أُمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابه عن النبيّ (١) ..

فالإمامه رئاسه عامّه في أُمور الدين والدنيا ، وزعامه مطلقه في جميع شؤون الأُمّه المادّیه والمعنويّه ، وهی نيابه عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ؛ فيكون للإمام كلّ ما كان للنبيّ من المنازل والحالات والصفات ، إلّا النبوّه.

* والآخر : المرادفه بين «الإمامه العامّه» و «الخلافه الكبری» و «الولايه المطلقه» ..

فالخليفه عن رسول اللّٰه لا بُدّ وأن تتوفرّ فيه كلّ ما يعتبر فيه من الصفات والحالات ، وحينئذ يجب علی الأُمّه الاقتداء به في كلّ الأُمور ، والإطاعه له في كلّ ما يامر به أو ينهی عنه ، وتنفذ فيهم جميع تصرّفاته ، ولا يجوز لأحدٍ الاعتراض عليه في شيء من ذلك.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ «الحكومه» شأنٌ من شؤون الإمام ، ومن الواجب علی أفراد الأُمّه أن يتعاونوا معه في القيام بمهامّها ، لينالوا بذلك الخير والفلاح في الدنيا والآخره.

فموضوع هذا المبحث هو : «إمامه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم مباشرهً».

قال السيّد ـ رحمه اللّٰه ـ :

«إنّ من أحاط علماً بسيره النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في تأسيس دولة

__________________

(١) انظر من كتب أصحابنا : مناهج اليقين في أُصول الدين : ٢٨٩ ، النافع يوم الحشر : ٤٠ ، شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام ، وغيرها ..

ومن كتب الجمهور : شرح المواقف ، شرح المقاصد ؛ في أوّل مباحث الإمامه.

١٣٨

الإسلام ، وتشريع أحكامها ، وتمهيد قواعدها ، وسنّ قوانينها ، وتنظيم شؤونها عن اللّٰه عزّ وجلّ ، يجد عليّاً وزير رسول اللّٰه في أمره ، وظهيره علی عدوّه ، وعيبه علمه ، ووارث حكمه ، وولي عهده ، وصاحب الأمر من بعده ..

ومن وقف علی أقوال النبيّ وأفعاله ، في حلّه وترحاله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، يجد نصوصه في ذلك متواترهً متوإليه ، من مبدإ أمره إلی منتهی عمره» (١).

أقول :

فهذا موضوع المبحث الثاني.

وأمّا بالنسبه إلی غير عليّ عليه السلام ، فقد نصّ كبار أئمّة القوم علی عدم النصّ علی إمامه أبي بكر وولایته وخلافته بعد رسول اللّٰه ؛ قال القاضي العضد الإیجی : «إنّ طريقه إمّا النصّ أو الإجماع ، أمّا النصّ فلم يوجد» (٢).

وقد اكتفي السيّد لإثبات المدّعی بذكر عدّه نصوص ، مع التعرّض لشبهات الخصوم بشأنها ، والجواب عنها ، بحيث يصلح كلّ واحد من تلك النصوص لأنْ يكون دليلاً علی الإمامه العامّه حتّی لو لم يكن دليل غيره ، ومن هنا ، فقد استغرق كلّ واحدٍ منها عدّه مراجعات :

__________________

(١) المراجعات : ١٠٩.

(٢) كتاب المواقف : ٦٠٥.

١٣٩

المراجعه (٢٠) ـ (٢٥)

نصُّ الدار يوم الإنذار

قال السيّد :

«وحسبك منها ما كان في مبدإ الدعوه الإسلامیه قبل ظهور الإسلام بمكه ، حين أنزل اللّٰه تعالی عليه : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبين) ، فدعاهم إلی دار عمّه ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزیدون رجلاً أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزه والعبّاس وأبو لهب ، والحديث في ذلك من صحاح السُنن المأثوره ، وفي آخره قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم :

يا بني عبد المطلب! إني ـ والله ـ ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به ، جئتكم بخير الدنيا والآخره ، وقد أمرني اللّٰه أنْ أدعوكم إليه ، فأیّكم يؤازرني علی أمري هذا؟!

فقال عليّ وكان أحدثهم سناً : أنا يا نبيّ اللّٰه أكون وزیرك عليه.

فأخذ رسول اللّٰه برقبه علی ، وقال : إنّ هذا أخی ووصيی وخليفتی فیكم فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. انتهی.

أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظه الآثار النبوية ، كابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم ، والبيهقی في سُننه وفي دلائله ، والثعلبي والطبري في تفسير سوره الشعراء من تفسيريهما الكبيرين.

١٤٠