تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

وأوّل من نادی بهذا اليوم عیداً هو أحمد بن إسحاق بن عبد اللَّه بن سعد القمّی الأحوص ، شيخ الشيعه القمّیّین ، وأطلق عليه يوم العید الأكبر ويوم المفاخره ويوم التبجیل ويوم الزكاه العظمی ويوم البركه ويوم التسلیه. انظر : ص ٩٠٨ ـ ٢٠٩ (١) من مختصر التحفه الاثني عشريه.

والقمّی هذا إنّما هو من أحفاد الشريف القمّی الذي والی التتار ، ووقف بجانبهم يوم غزوهم ديار المسلمين. انظر : البدآيه والنهآيه ١٤ : ٩».

أقول :

هذا كلام من لا يعقل ما يتفوّه به ...فقد ذكر السيّد رحمه اللّٰه أنّ : «عندنا من النصوص التی لا يعرفها أهل السُنّة صحاح متواتره ، من طريق العتره الطاهرة ، نتلو عليك منها أربعین حديثاً» ..

فهذه النصوص :

أوّلاً : لا يعرفها أهل السُنّة ؛ فالردّ عليه بأنّها : «أحاديث لا يعرفها أهل العلم بالحديث» ما معناه؟!!

وثانياً : هی متواتره في معناها ، وهذه الأربعون طرفٌ منها ؛ فما معني المطالبه بصحّه الأسانيد؟!

وأمّا دعوی أنّ : «أهل العلم بالحديث» هم «أهل السُنّة» والشيعه «قوم لا يعرفون الإسناد وأجهل الناس به» ، فهي في الأصل من ابن تيميّة علی غرار سائر أكاذیبه ودعاویه الفارغه وافتراءاته الفاضحه.

__________________

(١) كذا.

٣٨١

وأمّا تهجّمات هذا المقلّد المفتری علی علماء الشيعه ـ وخاصّهً القمّیّین منهم ـ فهي دليل آخر علی عجزه عن الجواب العلمی ، وجهله بآداب البحث وقوانين المناظره.

وأمّا رمیه الشيخ ابن بابويه القمّی الملقّب ب : «الصدوق» بالكذب ، فمن آيات نصبه العداء للنبيّ وأهل بيته عليهم الصلاه والسلام.

وإنّ من أقبح أباطیل هذا الرجل وأوضح أكاذیبه قوله : «والقمّی هذا إنّما هو من أحفاد الشريف القمّی الذي والی التتار ووقف بجانبهم يوم غزوهم ديار المسلمين» ..

ففي أي سنه كان غزو التتار ديار المسلمین؟

ومَن هو «الشريف القمّی» الذي والاهم؟

وكيف يكون الصدوق القمّی المتوفي سنه ٣٨١ من أحفاده؟

فلیجب المغفّلون الجهله عن هذه الأسئله!!

* * *

٣٨٢

المراجعه (٦٦)

عليّ وارث النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم

قال السيّد ـ رحمه اللّٰه ـ :

«لا ريب في أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قد أورث عليّاً من العلم والحكمه ، ما أورث الأنبياء أوصياءهم ، حتّی قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنا مدينه العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فلياتِ الباب (١).

وقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنا دار الحكمه وعليّ بابها.

وقال : عليّ باب علمی ، ومبين من بعدي لأُمّتی ما أرسلت به ، حبّه إیمان ، وبغضه نفاق. الحديث.

وقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، في حديث زيد بن أبي أوفي (٢) : وأنت أخی ووارثی ، قال : وما أرث منك؟ قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : ما ورث الأنبياء من قبلی.

ونصّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، في حديث بريدة (٣) علی أنّ وارثه عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) أوردنا هذا الحديث والحديثين اللذین بعده في المراجعه ٤٨ ، ودونك من تلك المراجعه الحديث ٩ والحديث ١٠ والحديث ١١ ، فراجع ولا تغفل عمّا علّقناه ثمّه.

(٢) أوردناه في المراجعه ٣٢.

(٣) راجعه في المراجعه ٦٨.

٣٨٣

وحسبك حديث الدار يوم الإنذار.

وكان علی يقول في حياه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : والله إني لأخوه ، ووليه ، وابن عمّه ، ووارث علمه ، فمن أحقّ به مني (١)؟

وقيل له مرّهً : كيف ورثت ابن عمّك دون عمّك؟ فقال : جمع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بني عبد المطلب وهم رهط ، كلّهم ياكل الجذعه ، ويشرب الفرق ، فصنع لهم مدّاً من طعام ، فأكلوا حتّی شبعوا ، وبقی الطعام كما هو كأنّه لم يمس ، فقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : يا بني عبد المطلب ، إني بُعثت إليكم خاصّه ، وإلی الناس عامّه ، فأیّكم يبايعني علی أن يكون أخی ، وصاحبی ، ووارثی؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه ، وكنت من أصغر القوم ، فقال لي : اجلس ، ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتّی كان في الثالثه ، ضرب بیده علی يدی ، فلذلك ورثت ابن عمّی دون عمّی (٢).

وسئل قثم بن العبّاس ـ في ما أخرجه الحاكم في المستدرك (٣) ، والذهبي في تلخيصه ، جازمین بصحّته ـ فقيل له : كيف ورث عليّ رسول اللّٰه دونكم؟

فقال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً.

قلت : كان الناس يعلمون أنّ وارث رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ،

__________________

(١) هذه الكلمه بعین لفظها ثابته عن عليّ ، أخرجها الحاكم في صفحه ١٢٦ من الجزء ٣ من المستدرك بالسند الصحيح علی شرط البخاري ومسلم ، واعترف الذهبي في تلخيصه بذلك.

(٢) هذا الحديث ثابت ومستفيض ، أخرجه الضياء المقدسی في المختاره ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، وهو الحديث ٣٦٥٢٠ في صفحه ١٧٤ من الجزء ١٣ من كنز العمّال ، وأخرجه النسائي في ص ١٨ من الخصائص العلويه ، ونقله ابن أبي الحدید عن تاريخ الطبري في أواخر شرح الخطبه القاصعه ص ٢١٢ ج ١٣ من شرح النهج ، ودونك ص ٢٥٧ ج ١ من مسند الإمام أحمد بن حنبل ، تجد الحديث بالمعني.

(٣) ص ١٢٥ ج ٣ ، وأخرجه ابن أبي شيبه أيضاً ، وهو الحديث ٣٦٤٤٧ في ص ١٤٣ ج ١٣ من كنز العمّال.

٣٨٤

إنما هو علی ، دون عمّه العبّاس وغيره من بني هاشم ، وكانوا يرسلون ذلك إرسال المسلمّات ، كما تری ، وإنّما كانوا يجهلون السبب في حصر ذلك التراث بعليّ ، وهو ابن عمّ النبي دون العبّاس ، وهو عمّه ، ودون غيره من بني أعمامه وسائر أرحامه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، ولذلك سألوا عليّاً تاره ، وقثماً أُخری ، فأجابهم بما سمعت ، وهو غآيه ما تصل إليه مدارك أولئك السائلین ، وإلّا فالجواب : إنّ اللّٰه عزّ وجلّ اطّلع إلی أهل الأرض فاختار منهم محمّداً فجعله نبيا ، ثمّ اطّلع ثانیه فاختار عليا ، فأوحی إلی نبیّه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أن يتّخذه وارثاً ووصيا.

قال الحاكم ـ في ص ١٢٥ ج ٣ من المستدرك ، بعد أن أخرج عن قثم ما سمعته ـ : حدّثني قاضی القضاه أبو الحسن محمّد بن صالح الهاشمی ، قال : سمعت أبا عمر القاضي ، يقول : سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي ، يقول : وقد ذكر له قول قثم هذا ، فقال : إنّما يرث الوارث بالنسب ، أو بالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أن ابن العمّ لا يرث مع العمّ (قال) فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبي دونهم. انتهی.

قلت : والأخبار في هذا متواتره ، ولا سیّما من طريق العتره الطاهرة.

وحسبنا الوصيه ونصوصها الجلیّه».

فقيل :

«زعم الموسوی أنّ عليّاً وارث النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، وفسّر الوراثه هنا بالخلافه من بعده ، واستدلّ علی ذلك بأحاديث.

١ ـ «أنا مدينه العلم وعليّ بابها» ، و «أنا دار الحكمه وعليّ بابها».

لقد سبق الكلام ببيان ضعفهما في ردّنا علی المراجعه رقم ٤٨. وقال

٣٨٥

الذهبي في تلخيصه : «موضوع».

٢ ـ حديث : «أنت أخی ووارثی ...».

لقد سبق الكلام عليه في الردّ علی المراجعه رقم ٣٢ ، وبينا أنه لا خصوصيه في ذلك لعليّ رضي اللّٰه عنه ، لأنّ الصحابه كلّهم قد ورثوا عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم الكتاب والسُنّة ، حالهم في ذلك حال عليّ رضي اللّٰه عنه.

٣ ـ أمّا حديث بريدة : «لكلّ نبيّ وصي ووارث ...الحديث» ، فهو حديث ضعيف بسبب محمّد بن حميد الرازي ، وسيأتي الكلام عليه في المراجعه رقم ٦٨.

أمّا قول عليّ في حياه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم : «والله إني لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه فمن أحقّ به مني».

فجوابه : أنّ الموسوی قد اجتزأ هذا الجزء من كلام عليّ رضي اللّٰه عنه ، فأوهم القارئ بأنّه حديث مستقلّ ، وجعله دليلاً علی مذهبه ، وحَمَّله ما لا يحتمل ، وهذا دیدن الرافضه مع كلّ دليل.

والرواية التی في المستدرك تؤكد هذه الحقيقة ، وتوضّح أنها لا تصلح دليلاً علی مذهب هذا الرافضي.

ونصّ الرواية في المستدرك ٣ : ١٢٦ : «عن ابن عبّاس رضي اللّٰه عنهما ، قال : كان عليّ يقول في حياه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم إنّ اللّٰه يقول : (أَفَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلیٰ أَعْقٰابِكمْ) (١) والله لا ننقلب علی أعقابنا بعد إذ هدانا اللّٰه ، والله لئن مات أو قتل لأقاتلن علی ما قاتل عليه حتّی أموت ، والله إنّی

__________________

(١) سوره آل عمران ٣ : ١٤٤.

٣٨٦

لأخوه ووليه وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به مني».

إنّ من أمعن النظر في هذه الرواية يجد أنّ الإمام عليّ رضي اللّٰه عنه يصرّح بإیمانه الذي لا يتزعزع ، وثباته علی الحقّ الذي جاء به النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، وأنّه لن يتخلّی عنه في حياه النبيّ ولا في مماته ، وأنّه سیدفع عن هذا الدين ويقاتل دونه بعد وفاه النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، كما هو الحال في حياته عليه الصّلاه والسلام ، متمثّلاً الآيه التی ساقها أوّل كلامه ، وأنّه أولي من غيره في هذا كلّه ، لِما بينه وبين النبي صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم من صلات تمیّزه عن غيره من الصحابه رضي اللّٰه عنهم أجمعين.

ولو سلّمنا بدعوی الموسوی في هذا الخبر عن عليّ ، للزم من ذلك تخاذل عليّ عن قتال الشيخين أبي بكر وعمر عند ما وليا الخلافه قبله ، وكذا عثمان رضي اللّٰه عنه. فتأمّل هذا.

٥ ـ أمّا حديث : «جمع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم بني عبد المطلب وهم رهط ...».

فقد مضی الحديث عليه في الردّ علی المراجعه رقم ٢٠ ، وبينا كذبه.

أمّا ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن شریك بن عبد اللَّه ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت قثم بن العبّاس كيف ورث عليّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم دونكم ، قال : لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً ، وأشدّنا به لزوقاً.

فليس فيه وجه استدلال علی مدّعی الموسوی بحال ، لأنّ المقصود بالمیراث هنا إنّما هو میراث العلم فقط ، ولا يصحّ حمله علی المال ، لقوله عليه الصلاه والسلام : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقه» ، ولو جاز ذلك فليس لعليّ من میراث النبي صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم شيئاً لأنّه محجوب

٣٨٧

بعمّه العبّاس.

كما لا يصحّ حمله علی الولايه والخلافه من بعده ، لأنّها لا تُستحقّ بالوراثه بالاتّفاق.

فإذا لم يصحّ حمله علی الوجهين السابقین ، كان لا بُدّ من حمله علی الوراثه في العلم ، ويؤيّد هذا الرواية الأُخری التی أخرجها الحاكم ٣ : ١٢٥ : «إنّما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء ، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العمّ لا يرث مع العمّ ، فقد ظهر بهذا الاجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم دونهم».

وعند ذلك لا تكون هذه صفه خاصّه بعليّ رضي اللّٰه عنه ، بل كلّ أصحابه حصل له نصیب من العلم بحسبه ، فقد يرث الواحد من الناس من العلم ما ورثه الآخر ، وقد يزيد عليه ، كعليّ بن أبي طالب ، حيث ورث من العلم أكثر ممّا ورثه غيره من آل البيت ، بحسب منطوق هذه الروايات».

أقول :

أمّا أنّ عليّاً عليه السلام وارث النبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فهذا هو المدّعی في هذه المراجعه ، وعلينا إثباته.

وأمّا أنّ السيّد رحمه اللّٰه «فسّر (الوارث) هنا ب «الخلافه من بعده» فهذه دعوی عليه ، ولم نجد في كلامه هذا التفسير ....

غير أنّ العِلم من الشروط الأساسية في الخليفه بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عند الفريقين ؛ لأنّ أهل السُنّة ـ وإن أوكلوا أمر الإمامه والخلافه بعد النبيّ إلی الأُمّه ـ قد اشترطوا في الخليفه المختار أن يكون عالماً ....

٣٨٨

قال في شرح المواقف : «المقصد الثاني ، في شروط الإمامه : الجمهور علی أنّ أهل الإمامه ومستحقّها مَن هو مجتهد في الأُصول والفروع ، لیقوم بأُمور الدين متمكناً من إقامه الحجج ، وحلّ الشُبه في العقائد الدينیه ، مستقلّاً بالفتوی في النوازل والأحكام؟ الوقائع ، نصّاً واستنباطاً ، لأنّ أهم مقاصد الإمامه : حفظ العقائد ، وفصل الحكومات ، ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط» (١).

فهل كان عليّ الواجد لهذا الشرط ، حتّی يكون أهلاً للإمامه والخلافه بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، أو غيره؟!

يقول السيّد ـ رحمه اللّٰه ـ :

«لا ريب في أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قد أورث عليّاً من العلم والحكمه ، ما أورث الأنبياء أوصياءهم ، حتّی قال ...» واستشهد بالأحاديث من كتب أهل السُنّة :

١ و ٢ ـ حديث : أنا مدينه العلم وعليّ بابها ، وحديث : أنا دار الحكمه وعليّ بابها (٢).

وقد تقدَّم منّا مجمل الكلام علی هذين الحديثين ـ في المراجعه ٤٨ ـ وذكرنا هناك أسماء جماعه من الأئمّة والحفّاظ من أهل السُنّة ، الّذين أخرجوهما في كتبهم بأسانيدهم ، وأثبتنا صحّتها عندهم باعتراف غير واحد من الأعلام المشاهير منهم.

__________________

(١) شرح المواقف ٨ : ٣٤٩.

(٢) المراجعات : ١٩٦.

٣٨٩

وقول المفتری : «قال الذهبي في تلخيصه : موضوع».

یَردّه : إنّه قد أخرج الحاكم حديث : «أنا مدينه العلم» بأسانيد ، فأخرجه أوّلاً بسنده عن أبي الصّلت عبد السلام بن صالح : «ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّٰه ...».

ثمّ قال : «وأبو الصّلت ثقه مأمون ، فإني سمعت أبا العبّاس محمّد بن يعقوب في التاريخ يقول : سمعت العبّاس بن محمّد الدوری يقول : سألت يحيی بن معين عن أبي الصّلت الهروی؟ فقال : ثقه. فقلت : أليس قد حدّث عن أبي معاوية ، عن الأعمش : أنا مدينه العلم؟ فقال : قد حدّث به محمّد بن جعفر الفیدی ، وهو ثقه مأمون ...» (١).

فأقول :

أوّلاً : قد ظهر أنّ النزاع في هذا الحديث بهذا السند ، يعود إلی الخلاف في «أبي الصّلت» ، والحاكم قد وثّقه ، ثمّ استشهد بتوثيق يحيی بن معين.

وثانياً : إنّ جرح الذهبي لا يصلح لأن يعارض توثيق يحيی بن معين ، وذلك لوجوه :

١ ـ إنّ يحيی بن معين عندهم من أئمّة الجرح والتعديل ، وقد ترجم له الذهبي نفسه فوصفه ب : «الإمام الحافظ الجهبذ ، شيخ المحدّثين ...أحد الأعلام ...» وذكر عن الأئمّة في حقّه ما لم يرد في حقّ غيره (٢).

٢ ـ إنّ ابن معين كان معاصراً لأبي الصّلت ، فيكون توثیقه شهادهً حسّیه منه

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، كتاب معرفه الصحابه.

(٢) سير أعلام النبلاء ١١ : ٧١.

٣٩٠

له ؛ فلا يعارضها كلام من تأخّر عنه بقرونٍ ، عن اجتهاد من عنده!

٣ ـ وليت الذهبي تكلّم في أبي الصلت عن اجتهاد مبني علی أصلٍ ولو فاسد! لكنّه يتكلّم في الرجال تبعاً لهواه ، كما نصّ علی ذلك تلميذه السبكی بترجمته من الطبقات ...حتّی قال الحافظ ابن حجر في اللسان بترجمة علی بن صالح الأنماطی متعقبّاً كلام الذهبي فيه : «فینبغی التثبيت في الّذين يضعّفهم المؤلّف من قبله» (١).

وثالثاً : قد أخرج الحاكم الحديث بسنده عن محمّد بن جعفر الفیدی : «ثنا أبو معاوية ...» ثمّ قال مؤكداً علی صحّه الحديث : «لیعلم المستفید لهذا العلم أنّ الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقه مأمون حافظ».

أقول :

فهذا السند ليس فيه «أبو الصّلت» ، وراويه : «الحسين بن فهم» وثّقه الحاكم ، وهو حافظ كبير ، من تلامذه يحيی بن معين ، وأمّا «الفیدی» فهو من مشايخ البخاري في صحيحه ، كما ذكر الحافظ وغيره (٢).

وهذا السند لم يتكلّم عليه الذهبي في تلخيصه بشيء ، فهو موافق للحاكم فيه ...والحمد للّٰه.

ورابعاً : قال الحاكم بعد ذلك : «ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوری ، بإسناد صحيح» فأخرجه بإسناده عن الثوری : «عن عبد اللَّه ابن عثمان بن خثیم ، عن عبد الرحمن بن عثمان التیمی ، قال : سمعت جابر بن

__________________

(١) لسان الميزان ٤ : ٢٣٥.

(٢) تهذيب التهذيب ٩ : ٨٤.

٣٩١

عبد اللَّه يقول : سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يقول : «أنا مدينه العلم وعليّ بابها ، فمن أراد العلم فلياتِ الباب» (١).

وأخرج بالإسناد المذكور : قال جابر : «سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ـ وهو آخذ بضبع عليّ بن أبي طالب رضي اللّٰه عنه ـ وهو يقول : هذا أمير البرره ، قاتل الفجره ، منَصور من نصره ، مخذول من خذله ، ثمّ مدّ بها صوته» ، فقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (٢).

لكنّ الذهبي تكلّم في «أحمد بن عبد اللَّه بن يزيد الحرّاني».

قلت :

وروآيه مثل هذا الحديث لا تتحمّله النفوس الأُمویّه ، فحقّ لها أن تطعن راویها.

والمهمُّ : إنّ الحاكم قد أخرج حديث : «أنا مدينه العلم» بأسانيد صحيحه ، وقد وافقه الذهبي علی واحد منها ....

فنقول للمفتری :

إن كنت مقلِّداً للذهبی ، فإنّه قد وافق الحاكم علی سند وخالفه علی آخر ، فلما ذا أخذت بالمخالفه وسكتَّ عن الموافقه؟

وإن كنت من أهل العلم والتحقيق ، فكان عليك النظر في أسانيد الحديث ودراستها ، ومراجعه كلمات أعلام الفنّ منكم فيها ، ك : الحافظ جلال الدين

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٧.

(٢) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٩.

٣٩٢

السيوطي ، والحافظ العلائی ، والحافظ ابن حجر ، وغيرهم ، الّذين ردّوا بشدّهٍ علی القول بوضعه (١).

ثمّ تتخذّ الرأي الصحيح ..

ولكنّك ـ وللأسف ـ رجل جاهلٌ مفترٍ!!

ثمّ إنّ في كلام هذا المفتری خيانه وتدليسا آخر ، فقد وضع قول الذهبي : «موضوع» بعد الحديثين ، والحال أنّه قال ذلك في حديث : «أنا مدينه العلم» فقط ، وبالنسبه إلی أحد طرقه كما عرفت ، وأمّا حديث : «أنا دار الحكمه» فلم يقل الذهبي ذلك فيه ، كيف؟ وقد أخرجه الترمذي وحسّنه ، والطبري وصحّحه ، وأخرجه جماعه من الأئمّة ولم يتكلّموا عليه بشيء ، كما تقدّم في المراجعه ٤٨ ؛ فراجع.

٣ ـ حديث : «عليّ باب علمی ...».

وهذا الحديث قد أغفله المفتری هنا ، فلم يتكلّم عليه بشيء.

أمّا في المراجعه ٤٨ ـ حيث أورده السيّد برقم ١١ ، وأورد بعده الحديث : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لعليّ عليه السلام : «أنت تبين لأُمّتی ما اختلفوا فيه من بعدي» ـ فقد قال : «١١ ، ١٢ ـ عليّ باب علمی ...الحديث. موضوع ، ذكره الذهبي في ترجمة ضرار بن صرد بلفظ : «علی عیبه علمی» ، وقال فيه البخاري : متروك ، وقال يحيی بن معين ، كذّابان بالكوفه ، هذا وأبو نعيم النخعی. وكذا حديث رقم ١٢ : «أنت تبين لأُمّتی ما اختلفوا فيه من الحقّ» ذكره الذهبي في ترجمة ضرار بن صرد. المستدرك ٣ : ١٢٢».

__________________

(١) اللآلی المصنوعه في الأحاديث الموضوعه ١ : ٣٢٩ ـ ٣٣٤.

٣٩٣

هذا نصّ كلام هذا الرجل هناك ..

فنقول :

أمّا الحديث : «عليّ باب علمی ...» فقد رواه السيّد عن كنز العمّال عن الديلمي ، عن أبي ذر ، وقد أورده الحافظ السيوطي في سياق أحاديث «أنا مدينه العلم» وغيره ؛ إذ قال : «وبقی للحديث طرق» ، فأورد بعض الأحاديث ، وكان من جملتها : «وقال الديلمي : أنبأنا أبي أنبأنا المیداني ، أنبأنا أبو محمّد الحلّاج ، أنبأنا أبو الفضل محمّد بن عبد اللَّه ، حدّثنا أحمد بن عبيد الثقفي ، حدّثنا محمّد بن علی بن خلف العطّار ، حدّثنا موسی بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علی بن عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب ، حدّثنا عبد المهیمن بن العبّاس ، عن أبيه ، عن جدّه سهل بن سعد ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم : عليّ باب علمی ومبين لأُمّتی ما أُرسلت به من بعدي ، حبّه إیمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفه» (١).

ورواه السيوطي كذلك في كتابه في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ، الذي أسماه ب : القول الجلیّ في فضائل عليّ (٢).

كما رواه جماعه عن الديلمي ، عن أبي ذرّ باللفظ المذكور.

ولم أجد كلاماً من أحد منهم فيه.

وأمّا الحديث : «عليّ عیبه علمی» ، فحديث آخر ، والخلط بينهما تدليس وخيانه .. هذا أوّلاً.

__________________

(١) اللآلی المصنوعه في الأحاديث الموضوعه ١ : ٣٣٥.

(٢) القول الجلیّ في فضائل عليّ : الحديث رقم ٣٨.

٣٩٤

وثانياً : فإنّ هذا الحديث قد أخرجه أبو نعيم الأصفهاني ، وابن عساكر الدمشقي ، وغيرهما من الأعلام ، وقال المناوی بشرحه : «قال ابن درید : وهذا من الكلام الموجز الذي لم يسبق ضرب المثل به في إراده اختصاصه بأُموره الباطنه ، التی لا يطّلع عليها أحد غيره ، وذلك غآيه في مدح عليّ ، وقد كانت ضمائر أعدائه منطویهً علی اعتقاد تعظیمه. وفي شرح الهمزیه : إنّ معاوية كان يرسل يسأل عليّاً عن المشكلات فیجیبه ، فقال أحد بنیه : تجیب عدوّك؟ قال : أما يكفینا أن احتاجنا وسألنا؟» (١).

وثالثاً : إنّ الأصل في ذكر هذا الحديث بترجمة ضرار بن صُرد هو ابن عدی ، وقد تبعه الذهبي في الميزان (٢) ، قال ابن عدی : «حدّثنا أحمد بن حمدون النيسابوري ، حدّثنا ابن بنت أبي أُسامه ـ هو جعفر بن هذيل ـ حدّثنا ضرار بن صرد ، حدّثنا يحيی بن عيسی الرملی ، عن الأعمش ، عن عبآيه ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، قال : عليّ عیبه علمی.

قال الشيخ : وضرار بن صرد هذا من المعروفین بالكوفه ، وله أحاديث كثيره ، وهو في جمله من ينسب إلی التشيّع بالكوفه» (٣).

لكنّ الذهبي لم يذكر كلمه ابن عدی هذه في الرجل!

ورابعاً : لقد اختلفت كلمات القوم في ضرار بن صرد ؛ قال المزّي : «روی عنه البخاري في كتاب أفعال العباد» ، ثمّ ذكر أسماء الرواه عنه من كبار الأئمّة : ك : أبي حاتم الرازي ، وأبي زرعة الرازي ، ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبه ، ومحمّد بن

__________________

(١) فيض القدير شرح الجامع الصغير ٤ : ٣٥٦.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٣٢٧.

(٣) الكامل في ضعفاء الرجال ٥ : ١٦١.

٣٩٥

عبد اللَّه مطیّن ، وأبي بكر زهير بن حرب ، وحنبل بن إسحاق ...وأمثالهم.

قال : «وقال أبو حاتم : صدوق ، صاحب قرآن وفرائض ، يكتب حديثه ولا يحتجّ به ، روی حديثاً عن معتمر ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أنس ، عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، في فضيلهٍ لبعض الصحابه ، ينكرها أهل المعرفة بالحديث» (١).

فنقول للذهبی ولمن ياخذ بقوله هنا لأنّه يوافق هواه :

لقد ذكرتَ بترجمة أبي حاتم الرازي أنّه إن وثّق أحداً فتمسّك بقوله (٢) ، وقد قال في الرجل : «صدوقٌ» فلما ذا لم تأخذ بقوله؟!

إذا كانت آراء ابن معين في الرجال حجّهً ، فلما ذا لم تأخذ بقوله في «أبي الصلت» كما أخذت بقوله في «ضرار»؟!

أليس المستفاد من كلام أبي حاتم وكلام ابن عدی أنّ السبب في رمي الرجل بالكذب هو روايته لمثل هذه الأحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه وآله الصّلاه والسلام؟!

وقد وجدنا بعض الإنصاف لدی الحافظ ابن حجر ؛ لأنّه لم يورد الرجل في لسان الميزان ، لكونه من رجال البخاري في كتابه أفعال العباد ، وقال في تقريب التهذيب : «ضرار ـ بكسر أوّله مخفّفاً ـ ابن صرد ـ بضمّ المهمله وفتح الراء ـ التیمی ، أبو نعيم ، الطّحان ، الكوفي. صدوقٌ ، له أوهام وخطأ ، ورمي بالتشيّع ، وكان عارفاً بالفرائض ، من العاشره. مات سنه ٢٩ عخ» (٣).

__________________

(١) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ١٣ : ٣٠٤ و ٣٠٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٦٠.

(٣) تقريب التهذيب ١ : ٣٧٤.

٣٩٦

وأمّا الحديث أنّه قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لعليّ عليه السلام : «أنت تبين لأُمّتی ما اختلفوا فيه بعدي» فقد أخرجه الحاكم في مستدركه بسنده عن أنس ، عن النبيّ ، وقال : «هذا حديث صحيح علی شرط الشيخين ، ولم يخرجاه» (١).

وفي السند : «ضرار بن صرد» ، الذي تقدّم الكلام عنه ، وظهر من كلام الحاكم هنا كونه علی شرط الشيخين أيضاً ..!! فثبت صحّه استدلال السيّد به في المراجعه رقم ٤٨ ، وبطل قول الذهبي في تلخيصه فيه.

٤ ـ حديث : «.. وأنت أخی ووارثی ..».

قال السيّد ـ في المراجعه ٣٢ ـ في بحث المؤاخاه :

«وحسبك ممّا جاء من طريق غيرهم في المؤاخاه الأُولي : حديث زيد بن أبي أوفي ، وقد أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب عليّ ، وابن عساكر في تاريخه ، والبغوي والطبراني في معجمیهما ، والباوردی في المعرفة ، وابن عدی ، وغيرهم. والحديث طويل قد اشتمل علی كيفيه المؤاخاه ، وفي آخره ما هذا لفظه :

فقال عليّ : يا رسول اللّٰه! لقد ذهب روحی ، وانقطع ظهری ، حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت ، غيری ، فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العُتبی والكرامه.

فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : والذي بعثني بالحقّ ، ما أخّرتك إلّا لنفسی ، وأنت مني بمنزله هارون من موسی غير أنه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخی ووارثی.

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٢.

٣٩٧

فقال : وما أرث منك؟

قال : ما ورّث الأنبياء من قبلی ، كتاب ربّهم وسُنّة نبیّهم ، وأنت معی في قصری في الجنّه مع فاطمة ابنتی ، وأنت أخی ورفیقی ..

ثمّ قرأ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : (إِخْوٰاناً عَلیٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِینَ) (١) المتحابين في اللّٰه ينظر بعضهم إلی بعض».

وقد روی السيّد حديث أحمد عن المتّقی الهندی في كنز العمّال ، فإنّه قد رواه فيه وقال في آخره : «حم في كتاب مناقب عليّ» (٢) أي : هو عن كتاب مناقب علی لأحمد ، وهو من رواياته لا من زيادات القطیعی ، وكذلك روی عن أحمد في كتابه المذكور في الرياض النضره ١ : ٢٥ ـ ٢٦ ، فالسيّد لم ينسبه إلی مسند أحمد وإنّما رواه عن المتّقی الذي رواه عن كتاب مناقب عليّ.

لو سلّم كونه من زيادات القطیعی ، فإنّ هذا الرجل من كبار أعلام المحدّثين عندهم ، وهو الراوي لكتب أحمد : المسند والمناقب والزهد ، كما ذكر الذهبي بترجمته ، وحكی توثیقه عن الدارقطني والحاكم والبرقاني وغيرهم (٣).

ثمّ إنّ هذا الحديث يشتمل علی عدّهٍ من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، ك : حديث المؤاخاه ، وحديث أنت مني بمنزله هارون من موسی ، فكذلك إرثه منه ...بعد أن قال له : «ما أخّرتك إلّا لنفسی» ولذا كان كبار الأصحاب متی أشكل عليهم أمرٌ أرسلوا إليه يسألونه ، وهذا ما نصّ عليه غير واحدٍ من الحفّاظ ، كالحافظ النووی بترجمة الإمام عليه السلام (٤) ، فكان هو المتمكن من

__________________

(١) سوره الحِجر ١٥ : ٤٧.

(٢) كنز العمّال ١٣ : ١٠٥ برقم ٣٦٣٤٥.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٦ : ٢١٠ ـ ٢١٣.

(٤) تهذيب الأسماء واللّغات ١ : ٣٤٦.

٣٩٨

إقامه الحجج وحلّ الشبه دونهم ...فكان هو الإمام والخليفه بعد النبيّ عليه وعلی آله الصّلاه والسّلام.

٥ ـ حديث : «لكلّ نبيّ وصي ووارث ...».

وهذا حديث بريدة ، أورده السيّد في المراجعه ٦٨ ؛ لأنّه يشتمل علی «الوصيه» أيضاً ، وهی موضوع تلك المراجعه ، وسيأتي البحث عنه هناك ؛ فانتظر.

٦ ـ حديث الدار.

قال السيّد : «وحسبك حديث الدار يوم الإنذار».

قلت :

وقد أوضحناه في محلّه سنداً ودلالهً ، فلا نعید.

قال السيّد : «وكان عليّ يقول في حياه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ...».

فقيل :

إنّه قد اجتزأ هذا الجزء من كلام علی ....

قلت :

إنّ السيّد رحمه اللّٰه قد أرجع القارئ إلی كتاب المستدرك ، وإلی نفس الحديث الذي أورده هذا المفتری عنه ، فكيف يتّهم بأنّه أراد أن يوهم القارئ بأنّه حديث مستقل؟!

ثمّ هل وجود هذه الجملة ـ التی هی مورد الاستدلال هنا ـ في ضمن

٣٩٩

حديث طويل يشتمل علی جملٍ عدیده ، يضرّ بالاستدلال بها حتّی يحتاج إلی آيهام كونها مستقلّهً؟!

ولما ذا لم يعترف المفتری ـ قبل هذا ـ بصحّه هذا الحديث ، وقد اعترف بذلك الذهبي في تلخيصه؟!

هذا من ناحية سند الحديث.

وأمّا من ناحية المتن ، فقد نصّ الإمام عليه السلام في هذا الحديث علی منازل له من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يختصُ بها دون غيره من الصحابه علی الإطلاق ، ومن ذلك أنّه : «وارث علمه» ، وهذا موضع استدلال السيّد بهذا الحديث.

وأمّا من ناحية المعني والدلاله ، فقد أفاد عليه السلام اختصاصه من بين الصحابه كلّهم بالبقاء علی ما عاهد عليه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بخلاف غيره ، وإنّهم قد ارتدّوا علی أعقابهم ولم يبق منهم إلّا مثل همل النعم ، كما في روآيه الصحاح.

وما قيل من أنّه : «لو سلّمنا بدعوی الموسوی في هذا الخبر ...».

فجوابه : إنّ شأن عليّ شأن هارون ، لمّا ارتدّ قوم موسی ، ولم يتمكن من ردعهم ، بل قال : (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني وَكٰادُوا يقْتُلُونَني) (١) ...وهذا أحد أوجه الشبه بينهما في حديث : «أنت مني بمنزله هارون من موسی إلّا أنّه لا نبيّ بعدي» ؛ فتأمّل.

٧ ـ قال السيّد : «وسئل قثم ...».

__________________

(١) سوره الأعراف ٧ : ١٥٠.

٤٠٠