تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

وزهير بن معاوية ، وسفيان الثوری ، وسوید بن عبد العزيز ، وشعبه بن الحجّاج ....

قال إسحاق بن منصور عن يحيی بن معين : ثقه.

وكذلك قال محمّد بن سعد ، والنسائي ، والدارقطني.

وقال البخاري : فيه نظر.

وقال أبو حاتم : صالح الحديث لا بأس به.

وقال محمّد بن سعد : قال يزيد بن هارون : قد رأيت أبا بلج ، وكان جاراً لنا ، وكان يتّخذ الحمام يستأنس بهنّ ، وكان يذكر اللّٰه كثيراً وقال : لو قامت القيامه لدخلت الجنّه ، يقول : لذكر اللّٰه عزّ وجلّ.

روی له الأربعه» (١).

فأبو بلج من رجال أربعهٍ من الصحاح الستّه ، وأصحابها ـ وهم : أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ـ يصحّحون حديثه ..

وابن معين وابن سعد والدارقطني ينصّون علی وثاقته ..

وأبو حاتم يقول : صالح الحديث ، لا بأس به ..

وكبار الأئمّة كشعبه وسفيان الثوری ...يروون عنه ..

وليس في المقابل إلّا قول البخاري : «فيه نظر» ، وهو لا يصلح لمعارضه ذلك كلّه ، كما لا يخفي.

ترجمة جعفر بن سليمان الضبعی

و «جعفر بن سليمان الضبعی» من رجال البخاري ومسلم في كتابيهما (٢) ،

__________________

(١) تهذيب الكمال ٣٣ : ١٦٢.

(٢) الجمع بين رجال الصحيحين ١ : ٧١.

٢٤١

وكلّ من أُخرج له في هذين الكتابين فهو ثقه عند الجمهور.

ولذا وثّقه الذهبي فقال : «ثقه ، فيه شيء ، مع كثره علومه قيل : كان أُمّيا. وهو من زهّاد الشيعه» (١).

وقال الحافظ ابن حجر : «صدوق زاهد ، لكنّه كان يتشيّع» (٢).

وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات كتاب أتباع التابعين ، ونصّ علی أنّه :

«كان يبغض الشيخين» ، ثمّ أوضح السبب في توثیقه والأخذ برواياته ، وسيأتي نصّ كلامه.

ترجمة الأجلح الكندی

و «الأجلح الكندی» من رجال البخاري في المتابعات ، ومن رجال الكتب الأربعه من الصحاح الستّه ؛ فهو ثقه عند هؤلاء (٣).

ووثّقه يحيی بن معين (٤).

وعن أحمد بن حنبل : «ما أقرب الأجلح من فطر بن خليفه» (٥) ، و «فطر» ثقه عند أحمد (٦).

وقال عمرو بن علی الفلاّس : «مستقیم الحديث ، صدوق» (٧).

__________________

(١) الكاشف في أسماء رجال الكتب السنه ١ : ١٢٩.

(٢) تقريب التهذيب ١ : ١٣١.

(٣) تقريب التهذيب ١ : ٤٩.

(٤) تهذيب التهذيب ١ : ١٦٦ ، تهذيب الكمال ٣١ : ٥٤٩.

(٥) تهذيب الكمال ٢ : ٢٧٧ ، تهذيب التهذيب ١ : ١٦٦.

(٦) تهذيب التهذيب ٨ : ٢٧١.

(٧) تهذيب التهذيب ١ : ١٦٦.

٢٤٢

وقال العجلی : «كوفي ثقه» (١).

وقال يعقوب بن سفيان الفسوی : «ثقه ، حديثه ليّن» (٢).

وقال ابن عدی : «هو عندی مستقیم الحديث ، صدوق» (٣).

وقال ابن حجر : «صدوق شيعي» (٤).

بقی أمران :

١ ـ إنّ علماء الشيعه إنّما يحتجّون علی أهل السُنّة بما يرویه رجالهم الموثّقون من قِبَل كبار علماء الجرح والتعديل ، كما يری القارئ الكريم ، وليس لأحدٍ أنْ يطالب علماء الشيعه بالاحتجاج بمَن لم يرد في حقّه أي جرحٍ وقدح ؛ إذْ ليس في رجالهم من اتّفق كلّهم اجمعون علی توثیقه ، فإنّ البخاري نفسه ـ وهو صاحب أصحّ الكتب عندهم ـ قد قدح فيه غير واحدٍ من أئمّتهم ، حتّی ذكره الحافظ الذهبي في كتابه في الضعفاء ودافع عنه (٥).

٢ ـ إنّ التشيّع والرفض لا يمنع من قبول الراوي عند المحقّقين منهم ، كابن حبّان ، والذهبي ، وابن حجر العسقلاني وغيرهم ، وقد حقّقنا ذلك في بحوثنا المتقدّمه ، ونكتفي هنا بإيراد كلام الحافظ أبي حاتم ابن حبّان بترجمة «جعفر بن سليمان» ، فإنّه قال :

«جعفر بن سليمان ...روی عنه ابن المبارك وأهل العراق ، ومات في رجب

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢ : ٢٧٧ ، تهذيب التهذيب ١ : ١٦٦.

(٢) تهذيب التهذيب ١ : ١٦٦.

(٣) تهذيب التهذيب ١ : ١٦٦.

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٤٩.

(٥) المغني في الضعفاء ٢ : ٢٦٨.

٢٤٣

سنه ١٧٨ ، وكان يبغض الشيخين ؛ حدّثنا الحسن بن سفيان ، حدّثنا إسحاق بن أبي كامل ، ثنا جرير بن يزيد بن هارون ـ بين يدی أبيه ـ قال : بعثني أبي إلی جعفر ابن سليمان الضبعی ، فقلت له : بلغنا أنّك تسبّ أبا بكر وعمر. قال : أمّا السبّ فلا ، ولكنّ البغض ما شئت. قال : وإذا هو رافضی مثل الحمار.

قال أبو حاتم : وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنین في الروايات ، غير أنّه كان ينتحل الميل إلی أهل البيت ، ولم يكن بداعيهٍ إلی مذهبه ..

وليس بين أهل الحديث من أئمّتنا خلاف أنّ الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعه ولم يكن يدعو إليها أنّ الاحتجاج بأخباره جائز ، فإذا دعا إلی بدعته سقط الاحتجاج بأخباره ، ولهذه العلّه ما تركوا حديث جماعه ممّن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإنْ كانوا ثقات ، واحتججنا بأقوامٍ ثقات انتحالهم سواء غير أنّهم لم يكونوا يدعون إلی ما ينتحلون. وانتحال العبد بينه وبين ربّه إن شاء عذّبه عليه وإنْ شاء عفا عنه. وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات علی حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا» (١).

هذا بالنسبه إلی السند باختصار.

* وأمّا الدلاله

فقد ذكر السيّد رحمه اللّٰه في الجواب عمّا يقال من كون «الولي» مشتركاً لفظيا ما نصّه :

«ذكرتم في جمله معاني الولي : إنّ كلّ من ولي أمر أحد فهو وليّه ، وهذا هو المقصود من الولي في تلك الأحاديث ، وهو المتبادر عند سماعها ، نظير قولنا : ولي

__________________

(١) كتاب الثقات ٦ : ١٤٠.

٢٤٤

القاصر أبوه وجدّه لأبيه ، ثمّ وصي أحدهما ، ثمّ الحاكم الشرعی ؛ فإنّ معناه أنّ هؤلاء هم الّذين يلون أمره ويتصرّفون بشؤونه.

والقرائن علی إراده هذا المعني من الولي في تلك الأحاديث لا تكاد تخفي علی أُولي الألباب ؛ فإنّ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «وهو وليّكم بعدي» ظاهر في قصر هذه الولايه عليه ، وحصرها فيه ، وهذا يوجب تعيين المعني الذي قلناه ، ولا يجتمع مع إراده غيره ؛ لأنّ النصره والمحبّه والصداقه ونحوها غير مقصوره علی أحد ، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ..

وأي ميزة أو مزيه أراد النبيّ إثباتها في هذه الأحاديث لأخیه ووليه ، إذا كان معني الوالی غير الذي قلناه؟!

وأي أمرٍ خفي صدع النبيّ في هذه الأحاديث ببيانه ، إذا كان مراده من الولي : النصیر أو المحبّ أو نحوهما؟!

وحاشا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أن يهتمّ بتوضيح الواضحات ، وتبيين البديهيات ..

إنّ حكمته البالغه ، وعصمته الواجبه ، ونبوّته الخاتمه لأعظم ممّا يظنّون.

علی أنّ تلك الأحاديث صریحه في أنّ تلك الولايه إنّما تثبت لعليّ بعد النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وهذا أيضاً يوجب تعيين المعني الذي قلناه ، ولا يجتمع مع إراده النصیر والمحبّ وغيرهما ؛ إذا لا شك باتّصاف عليّ بنصره المسلمين ومحبّتهم وصداقتهم منذ ترعرع في حجر النبوّه ، واشتدّ ساعده في حضن الرساله ، إلی أن قضی نحبه عليه السلام ، فنصرته ومحبّته وصداقته للمسلمین غير مقصوره علی ما بعد النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، كما لا يخفي.

وحسبك من القرائن علی تعيين المعني الذي قلناه ، ما أخرجه الإمام أحمد

٢٤٥

في ص ٣٤٧ من الجزء الخامس من مسنده ، بالطريق الصحيح عن سعيد بن جبیر ، عن ابن عبّاس ، عن بريدة ، قال : غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوه ، فلمّا قدمت علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ذكرت عليّاً فتنقّصته ، فرأيت وجه رسول اللّٰه يتغير ، فقال : يا بريدة! ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟!

قلت : بلی يا رسول اللّٰه.

قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه. انتهی.

وأخرجه الحاكم في ص ١١٠ من الجزء الثالث من المستدرك ، وصحّحه علی شرط مسلم ..

وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحّته علی شرط مسلم أيضاً.

وأنت تعلم ما في تقديم قوله : «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟!» من الدلاله علی ما ذكرناه ..

ومن أنعم النظر في تلك الأحاديث وما يتعلّق بها لا يرتاب في ما قلناه. والحمد للّٰه» (١).

أقول :

ومن القرائن : الحديث الذي استدلّ به السيّد ـ وأغفله المعترض ـ أنّ النبيّ قال لعليّ : «سألت اللّٰه فيك خمساً» ؛ فإنّه حديث واضحٌ في الدلاله علی المطلوب ، وقد رواه عدّه من أعلام القوم ، كالرافعی والخطيب البغدادي وغيرهما ....

ونحن نورده من كتاب الرافعی ، فإنّه قال بترجمة «إبراهيم بن محمّد الشهرزوری» :

__________________

(١) المراجعات : ١٣٩ ـ ١٤١.

٢٤٦

«إبراهيم بن محمّد بن عبيد بن جهینه ، أبو إسحاق الشهروزی : ذكر الخليل الحافظ : إنّه كان يدخل قزوین مرابطاً ، وأنّه سمع بالشام ومصر والعراق ، وروی بقزوین الكتاب الكبير للشافعی ، سمعه منه : أبو الحسين القطّان ، وأبو داود سليمان بن يزيد ..

قال : وأدركت من أصحابه : علی بن أحمد بن صالح ، ومحمّد بن الحسين بن فتح كيسكين.

وروی أبو إسحاق عن هارون بن إسحاق الهمداني ، وعن عبيد اللّٰه بن سعيد بن كثير بن عفیر ، والربیع بن سليمان.

وسمع بقزوين : أبا حامد أحمد بن محمّد بن زكريا النيسابوري.

وحدّث بقزوين سنه ٢٩٨ فقال :

ثنا عبيد اللّٰه بن سعيد بن كثير بن عفیر ، ثنا إبراهيم بن رشید أبو إسحاق الهاشمی الخراساني ، حدّثني يحيی بن عبد اللَّه بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب ، حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن عليّ رضي اللّٰه عنه ، عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قال :

سألت اللّٰه ـ يا عليّ! ـ فيك خمساً ، فمنعني واحدهً وأعطاني أربعاً ، سألت اللّٰه أن يجمع عليك أُمّتی فأبي عليّ ، وأعطاني فيك : أنّ أوّل من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامه أنا وأنت ، معی لواء الحمد ، وأنت تحمله بين يدیّ ، تسبق الأوّلين والآخرين ، وأعطاني أنّك أخی في الدنيا والآخره ، وأعطاني أن بيتی مقابل بيتك في الجنّه ، وأعطاني أنّك ولي المؤمنين بعدي» (١).

فهذا الحديث من جمله القرائن لحديث المؤاخاه ، ولحديث الولايه ، وفيه

__________________

(١) التدوین في أخبار قزوين ٢ : ١٢٦.

٢٤٧

عدّه من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام ، منها : كونه عليه الصلاه والسلام ولي المؤمنين بعد رسول اللّٰه عليه السلام ، فيدلُّ لفظ «الولايه» علی مرتبهٍ ومنقبه لیست لأحدٍ بعد رسول اللّٰه ، فليس معناها «النصره» وغيرها من معاني «الولي» بناءً علی كونه مشتركاً لفظيا.

ترجمة الرافعي

ثمّ إنّ الرافعي ـ الراوي للحديث المذكور ـ المتوفي سنه ٦٢٣ ـ من كبار الأئمّة الأعلام من أهل السُنّة :

قال الذهبي : «وكان من العلماء العاملین يذكر عنه تعبّد ونسك وأحوال وتواضع ، إنتهت إليه معرفه المذهب» ثم أورد ثناء ابن الصّلاح والنووی وغيرهما من الأعلام علی الرافعی من حيث العلم والعمل (١).

وقال اليافعی : «الإمام الكبير ، العلّامه البارع الشهير ، الجامع بين العلوم والأعمال الصالحات ، والزهد والعبادات والتصانيف المفیدات النفیسات ...ومن كراماته : أنّه أضاءت له شجره في بيته لمّا انطفأ السراج الذي كان يستضیئ به عند كتبه بعض مصنّفاته» (٢).

وقال الأسنوی : «كان إماماً في الفقه والتفسير والحديث والأُصول وغيرها ، طاهر اللسان في تصنيفه ، كثير الأدب شديد الاحتراز في المنقولات» (٣).

وهكذا قال غيرهم ..

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٢ : ٢٥٣.

(٢) مرآه الجنان ٤ : ٤٥.

(٣) طبقات الشافعيه ١ : ٥٧١ رقم ٥٢٤.

٢٤٨

وهل يبقی كلام بعد هذا في ثبوت الحديث ودلالته يا منصفون؟!!

ثمّ إنّ السُنّة الثابته والقرآن الكريم متصادقان دائماً ، وهنا نجد «حديث الولايه» متصادقاً مع «آيه الولايه» في الدلاله علی مطلوبنا ؛ ولذا أشار السيّد في نهآيه البحث إلی تلك الآيه ، وسنوضّح كيفيه الاستدلال بها ، ونتعرّض هناك لشبهه اشتراك لفظ «الولي» مرّهٌ أُخری.

* * *

٢٤٩

المراجعه (٤٠) ـ (٤٦)

آيه الولآيه

قال السيّد رحمه اللّٰه :

«نعم أتلوها عليك آيه محكمه من آيات اللّٰه عزّ وجلّ في فرقانه العظيم ، ألا وهی قوله تعالی في سوره المائده : (إِنَّمٰا وليّكم اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يقِیمُونَ الصَّلاٰهَ وَيؤْتُونَ الزَّكٰاهَ وَهُمْ رٰاكعُونَ* وَمَنْ يتَوَلَّ (١) اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْغٰالِبُونَ) (٢) ..

حيث لا ريب في نزولها في عليّ حين تصدّق راكعاً في الصلاه بخاتمه ، والصحاح بعليّ إذ ـ في نزولها تصدّق بخاتمه وهو راكع في الصلاه ـ متواتره عن أئمّة العتره الطاهرة.

وحسبك ممّا جاء نصّاً في هذا من طريق غيرهم حديث ابن سلام مرفوعاً إلی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فراجعه في صحيح النسائي أو في تفسير سوره المائده من كتاب الجمع بين الصحاح الستّه ..

ومثله حديث ابن عبّاس وحديث عليّ ، مرفوعين أيضاً. فراجع

__________________

(١) ومن هنا أُطلق في عرف سوريا «المتوالی» علی الشيعي ، لأنّه يتولي اللّٰه ورسوله والّذين آمنوا ، الّذين نزلت فيهم هذه الآيه ، وفي أقرب الموارد : المتوالی واحد المتاوله وهم الشيعه ، سمّوا به لأنّهم تولّوا عليّاً وأهل البيت عليهم السلام.

(٢) سوره المائده ٥ : ٥٥ و ٥٦.

٢٥٠

حديث ابن عبّاس في تفسير هذه الآيه من كتاب أسباب النزول للإمام الواحدي ، وقد أخرجه الخطيب في المتّفق (١). وراجع حديث عليّ في مسندی ابن مردويه وأبي الشيخ. وإن شئت فراجعه في كنز العمّال (٢).

علی أنّ نزولها في عليّ ممّا أجمع المفسّرون عليه ، وقد نقل إجماعهم هذا غير واحد من أعلام أهل السُنّة كالإمام القوشجی في مبحث الإمامه من شرح التجريد.

وفي الباب ١٨ من غآيه المرام ٢٤ حديثاً من طريق الجمهور في نزولها بما قلناه ، ولو لا مراعاه الاختصار ، وكون المسأله كالشمس في رائعه النهار ، لاستوفینا ما جاء فيها من صحيح الأخبار ، لكنّها ـ والحمد للّٰه ـ ممّا لا ريب فيه ، ومع ذلك فإنّا لا ندع مراجعتنا خإليه ممّا جاء فيها من حديث الجمهور ، مقتصرین علی ما في تفسير الإمام أبي إسحاق أحمد بن محمّد بن إبراهيم النيسابوري الثعلبي (٣) ..

فنقول : أخرج عند بلوغه هذه الآيه في تفسيره الكبير بالإسناد إلی أبي ذرّ الغفاری ، قال : سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بهاتین وإلّا صمّتا ، ورأيته بهاتین وإلّا عمیتا ، يقول : عليّ قائد البرره ، وقاتل الكفره ، منصور من نصره ،

__________________

(١) وهو الحديث ٣٦٣٥٤ من أحاديث كنز العمّال في ص ١٠٨ من جزئه الثالث عشر ، وقد أورده في منتخب الكنز أيضاً ، فراجع ما هو مطبوع من المنتخب في هامش ص ٣٨ من الجزء الخامس من مسند أحمد.

(٢) فهو الحديث ٣٦٥٠١ من أحاديث الكنز في ص ١٦٥ من جزئه الثالث عشر.

(٣) المتوفي سنه ٣٣٧ ، ذكره ابن خلكان في وفياته فقال : كان أوحد زمانه في علم التفسير ، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير ...إلی أن قال : وذكره عبد الغافر بن إسماعيل الفارسی في كتاب سياق نيسابور وأثني عليه وقال : هو صحيح النقل موثوق به ...إلی آخره.

٢٥١

مخذول من خذله ، أما إني صلّيت مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ذات يوم ، فسأله سائل في المسجد ، فلم يعطه أحد شيئاً ، وكان عليّ راكعاً فأومأ بخنصره إليه وكان يتختّم بها ، فأقبل السائل حتّی أخذ الخاتم من خنصره ، فتضرّع النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم إلی اللّٰه عزّ وجلّ يدعوه ، فقال : اللّٰهمّ إنّ أخی موسی سألك : (قٰالَ رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْرِی* وَيسِّرْ لي أَمْرِی* وَاحْلُلْ عُقْدَهً مِنْ لِسٰانِی* يفْقَهُوا قَولي* وَاجْعَلْ لي وَزِیراً مِنْ أَهْلِی* هٰارُونَ أَخِی* اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِی* وَأَشْرِكهُ في أَمْرِی* كیْ نُسَبِّحَك كثيراً* وَنَذْكرَك كثيراً* إِنَّك كنْتَ بِنٰا بَصِيراً) (١) فأوحیت إليه :

(قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَك يٰا مُوسیٰ) (٢) اللّٰهمّ وإني عبدك ونبيّك ، فاشرح لي صدری ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلی عليّاً اشدد به ظهری ..

قال أبو ذرّ : فو اللّٰه ما استتمّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم الكلمه حتّی هبط عليه الأمين جبرائيل بهذه الآيه : (إِنَّمٰا وليّكم اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يقِیمُونَ الصَّلاٰهَ وَيؤْتُونَ الزَّكٰاهَ وَهُمْ رٰاكعُونَ* وَمَنْ يتَوَلَّ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّٰهِ هُمُ الْغٰالِبُونَ). انتهی.

وأنت ـ نصر اللّٰه بك الحقّ ـ تعلم أنّ الولي هنا إنّما هو الأولي بالتصرّف كما في قولنا : فلان ولي القاصر ، وقد صرّح اللغويون (٣) بأنّ كلّ من ولي أمر واحد فهو وليه ؛ فيكون كالمعني : إنّ الذي يلی أُموركم فيكون أولي بها منكم ، إنّما هو اللّٰه عزّ وجلّ ورسوله وعليّ ، لأنّه هو الذي اجتمعت به هذه الصفات : الإيمان ، واقام الصلاه ، وإيتاء الزكاه في حال الركوع ، ونزلت فيه الآيه ، وقد أثبت اللّٰه فيها الولآيه

__________________

(١) سوره طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٣٥.

(٢) سوره طه ٢٠ : ٣٦.

(٣) راجع مادّه «ولي» من الصحاح ، أو من مختار الصحاح ، أو غيرهما من معاجم اللغه.

٢٥٢

لنفسه تعالی ولنبيّه ولوليّه علی نسق واحد ، وولآيه اللّٰه عزّ وجلّ عامّه ، فولآيه النبيّ والولي مثلها وعلی أُسلوبها ، ولا يجوز أن يكون هنا بمعني النصیر أو المحبّ أو نحوهما ؛ إذ لا يبقی لهذا الحصر وجه ، كما لا يخفي. وأظنّ أنّ هذا ملحق بالواضحات. والحمد للّٰه ربّ العالمين (١).

لفظ «الّذين آمنوا» للجمع فكيف أطلق علی الفرد؟

والجواب : إنّ العرب يعبّرون عن المفرد بلفظ الجمع لنكته تستوجب ذلك.

والشاهد علی ذلك قوله تعالی في سوره آل عمران : (الَّذِينَ قٰالَ لَهُمُ النّٰاسُ إِنَّ النّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزٰادَهُمْ إِيمٰاناً وَقٰالُوا حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ) (٢) ..

وإنّما كان القائل نعيم بن مسعود الأشجعی وحده ، بإجماع المفسّرين والمحدّثين وأهل الأخبار.

فأطلق اللّٰه سبحانه عليه وهو مفرد لفظ : «الناس» ، وهی للجماعه ؛ تعظیماً لشأن الّذين لم يصغوا إلی قوله ، ولم يعبأوا بإرجافه.

وكان أبو سفيان أعطاه عشراً من الإبل علی أن يثبّط المسلمين ويخوّفهم من المشركين ، ففعل ، وكان ممّا قال لهم يومئذ : (إِنَّ النّٰاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكمْ فَاخْشَوْهُمْ) (٣) ، فكره أكثر المسلمين الخروج بسبب إرجافه ، لكنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم خرج في سبعین فارساً ، ورجعوا سالمین ، فنزلت الآيه ثناءً علی السبعین الّذين خرجوا معه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، غير مبالین بإرجاف

__________________

(١) المراجعات : ١٤١ ـ ١٤٣.

(٢) سوره آل عمران ٣ : ١٧٣.

(٣) سوره آل عمران ٣ : ١٧٣.

٢٥٣

من أرجف.

وفي إطلاق لفظ الناس هنا علی المفرد نكته شریفه ؛ لأنّ الثناء علی السبعین الّذين خرجوا مع النبيّ يكون بسببها أبلغ ممّا لو قال : الّذين قال لهم رجل : إنّ الناس قد جمعوا لكم ، كما لا يخفي.

ولهذه الآيه نظائر في الكتاب والسُنّة وكلام العرب ؛ قال اللّٰه تعالی : (يٰا آيها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكرُوا نِعْمَتَ اللّٰهِ عليكمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يبْسُطُوا إليكمْ أيديهم فَكفَّ أيديهم عَنْكمْ) (١) ..

وإنّما كان الذي بسط يده إليهم رجل واحد من بني محارب يقال له : غورث ، وقيل : إنّما هو عمرو بن جحاش ، من بني النضير ، استلّ السيف فهزّه وهمّ أن يضرب به رسول اللّٰه ، فمنعه اللّٰه عزّ وجلّ عن ذلك ، في قضیه أخرجها المحدّثون وأهل الأخبار والمفسّرون ، وأوردها ابن هشام في غزوه ذات الرقاع من الجزء ٣ من سیرته.

وقد أطلق اللّٰه سبحانه علی ذلك الرجل ، وهو مفرد لفظ : «قوم» ، وهی للجماعه ؛ تعظیماً لنعمه اللّٰه عزّ وجلّ عليهم في سلامه نبیّهم صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

وأطلق في آيه المباهله لفظ : «الأبناء» و «النساء» و «الأنفس» ـ وهی حقيقة في العموم ـ علی الحسنين وفاطمة وعليّ بالخصوص ، إجماعاً وقولاً واحداً ؛ تعظیماً لشأنهم عليهم السلام ..

ونظائر ذلك لا تحصی ولا تستقصی.

__________________

(١) سوره المائده ٥ : ١١.

٢٥٤

وهذا من الأدلّه علی جواز إطلاق لفظ الجماعه علی المفرد إذا اقتضته نكته بيانیه.

وقد ذكر الإمام الطبرسی في تفسير الآيه من مجمع البيان : إنّ النكته في إطلاق لفظ الجمع علی أمير المؤمنين تفخيمه وتعظيمه ، وذلك أنّ أهل اللغه يعبّرون بلفظ الجمع عن الواحد علی سبيل التعظيم ... (قال :) وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلی الاستدلال عليه.

وذكر الزمخشری في كشّافه نكته أُخری حيث قال : فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي اللّٰه عنه واللفظ لفظ جماعه؟

قلت : جیء به علی لفظ الجمع ، وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ؛ لیرغب الناس في مثل فعله ، فینالوا مثل نواله ، ولینبّه علی أنّ سجیّه المؤمنين يجب أن تكون علی هذه الغآيه من الحرص علی البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء ، حتّی إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير ، وهم في الصلاه ، لم يؤخّروه إلی الفراغ منها.

قلت : عندی في ذلك نكته ألطف وأدقّ ، وهی : أنّه إنّما أتی بعباره الجمع دون عباره المفرد بقيا منه تعالی علی كثير من الناس ، فإنّ شانئی عليّ وأعداء بني هاشم وسائر المنافقین وأهل الحسد والتنافس لا يطيقون أن يسمعوها بصيغه المفرد ؛ إذ لا يبقی لهم حينئذ مطمع في تمويه ، ولا ملتمس في التضليل ، فيكون منهم ـ بسبب ياسهم ـ حينئذ ما تُخشی عواقبه علی الإسلام ، فجاءت الآيه بصيغه الجمع مع كونها للمفرد اتّقاءً من معرّتهم ، ثمّ كانت النصوص بعدها تتری بعبارات مختلفه ومقامات متعدّده ، وبثّ فيهم أمر الولايه تدریجاً تدریجاً حتّی أكمل اللّٰه الدين وأتمّ النعمه ، جريا منه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم علی عاده الحكماء في تبليغ الناس ما يشقّ عليهم ، ولو كانت الآيه بالعباره المختصّه بالمفرد ، ل (جَعَلُوا

٢٥٥

أَصٰابِعَهُمْ في آذٰانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيٰابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكبَرُوا اسْتِكبٰاراً) (١).

وهذه الحكمه مطّرده في كلّ ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين ، كما لا يخفي.

وقد أوضحنا هذه الجمل وأقمنا عليها الشواهد القاطعه والبراهین الساطعه في كتابينا : سبيل المؤمنين وتنزيل الآيات.

والحمد للّٰه علی الهدآيه والتوفيق.

السياق دالّ علی إراده المحبّ؟!

إنّ الآيه بحكم المشاهده مفصوله عمّا قبلها من الآيات الناهیه عن اتّخاذ الكفّار أولياء ، خارجه عن نظمها ، إلی سياق الثناء علی أمير المؤمنين وترشیحه ـ للزعامه والإمامه ـ بتهدید المرتدين ببأسه ، ووعیدهم بسطوته ؛ وذلك لأنّ الآيه التی قبلها بلا فصل إنّما هی قوله تعالی : (يٰا آيها الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يرْتَدَّ مِنْكمْ عَنْ دينهِ فَسَوْفَ ياتِی اللّٰهُ بِقَوْمٍ يحِبُّهُمْ وَيحِبُّونَهُ أَذِلَّهٍ عَلَی المؤمنين أَعِزَّهٍ عَلَی الْكٰافِرِينَ يجٰاهِدُونَ في سَبِيلِ اللّٰهِ وَلاٰ يخٰافُونَ لَوْمَهَ لاٰئِمٍ ذٰلِك فَضْلُ اللّٰهِ يؤْتِيهِ مَنْ يشٰاءُ وَاللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ) (٢) ..

وهذه الآيه مختصّه بأمير المؤمنين ، ومنذره ببأسه (٣) وبأس أصحابه ، كما

__________________

(١) سوره نوح ٧١ : ٧.

(٢) سوره المائده ٥ : ٥٤.

(٣) نظير قول رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : لن تنتهوا معشر قریش حتّی يبعث اللّٰه عليكم رجلاً امتحن اللّٰه قلبه بالإيمان ، يضرب أعناقكم وأنتم مجفلون عنه إجفال الغنم. فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول اللّٰه؟ قال : لا. قال عمر : أنا هو يا رسول اللّٰه؟ قال : لا ، ولكنّه

٢٥٦

نصّ عليه أمير المؤمنين يوم الجمل ، وصرّح به الباقر والصادق ، وذكره الثعلبي في تفسيره ، ورواه صاحب مجمع البيان عن عمّار ، وحذيفه ، وابن عبّاس ، وعليه إجماع الشيعه ..

وقد رووا فيه صحاحاً متواتره عن أئمّة العتره الطاهرة ؛ فتكون آيه الولايه علی هذا وارده بعد الإیماء إلی ولایته والإشاره إلی وجوب إمامته ، ويكون النصّ فيها توضيحاً لتلك الإشاره ، وشرحاً لما سبق من الإیماء إليه بالإماره ..

فكيف يقال بعد هذا : إنّ الآيه وارده في سياق النهی عن اتّخاذ الكفّار أولياء؟!

علی أن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم جعل أئمّة عترته بمنزله القرآن ، وأخبر أنّهما لا يفترقان ، فهم عدل الكتاب ، وبهم يعرف الصواب ، وقد تواتر احتجاجهم بالآيه ، وثبت عنهم تفسير الوالی فيها بما قلناه ، فلا وزن للسياق ، لو سلّم كونه معارضاً لنصوصهم (١) ..

فإنّ المسلمين كافّه متّفقون علی ترجيح الأدلّه علی السياق ، فإذا حصل

__________________

خاصف النعل. قال : وفي كفّ عليّ نعل يخصفها لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

أخرجه كثير من أصحاب السنن وهو الحديث ٣٦٣٧٣ في صفحه ١١٥ من الجزء ١٣ من الكنز.

ومثله قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّ منكم رجلاً يقاتل الناس علی تأويل القرآن كما قوتلتم علی تنزيله. فقال أبو بكر : أنا هو؟ وقال عمر : أنا هو؟ قال : لا ، ولكنّه خاصف النعل في الحجره. فخرج عليّ ومعه نعل رسول اللّٰه يخصفها.

أخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث أبي سعيد في مسنده ، ورواه الحاكم في مستدركه ، وأبو يعلی في المسند ، وغير واحد من أصحاب السُنن ، ونقله عنهم المتّقی الهندی في ص ١٠٧ من جزئه الثالث عشر.

(١) وأي وزن للظاهر إذا عارض النصّ؟!

٢٥٧

التعارض بين السياق والدليل ، تركوا مدلول السياق واستسلموا لحكم الدليل ، والسرّ في ذلك عدم الوثوق حينئذ بنزول الآيه في ذلك السياق ؛ إذ لم يكن ترتیب الكتاب العزيز في الجمع موافقاً لترتیبه في النزول بإجماع الأُمّه ، وفي التنزيل كثير من الآيات الوارده علی خلاف ما يعطیه سياقها ، كآيه التطهير المنتظمه في سياق النساء مع ثبوت النصّ علی اختصاصها بالخمسه أهل الكساء.

وبالجملة ، فإنّ حمل الآيه علی ما يخالف سياقها غير مخلّ بالإعجاز ، ولا مضرّ بالبلاغه ، فلا جناح بالمصير إليه ؛ إذا قامت قواطع الأدلّه عليه.

اللواذ إلی التأويل حملاً للسلف علی الصّحه!!

إنّ خلافه الخلفاء الثلاثه رضي اللّٰه عنهم ، هی موضع البحث ومحلّ الكلام ، فمعارضه الأدلّه بها مصادره.

علی أنّ حملهم وحمل من بايعهم علی الصحّه ، لا يستلزم تأويل الأدلّه ، فإنّ لكم في معذرتهم مندوحه عن التأويل ، كما سنوضّحه إذا اقتضی الأمر ذلك.

وهيهات التأويل في ما تلوناه عليك من النصوص ، وفي ما لم نتله ، كنصّ الغدير ونصوص الوصيه ، ولا سيّما بعد تأييدها بالسُنن المتضافره المتناصره ، التی لا تقصر بنفسها عن النصوص الصريحه ، ومن وقف عليها بإنصاف ، وجدها بمجرّدها أدلّه علی الحقّ قاطعه ، وبراهين ساطعه. والسلام».

أقول :

قال شيخ الطائفه : «وأمّا النصّ علی إمامته من القرآن ، فأقوی ما يدلّ عليها قوله تعالی : (إِنَّمٰا وليّكم اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يقِیمُونَ الصَّلاٰهَ وَيؤْتُونَ

٢٥٨

اَلزَّكٰاهَ وَهُمْ رٰاكعُونَ) (١) ..

ووجه الدلاله من الآيه هو : إنّه ثبت أنّ المراد بلفظه : (وليّكم) المذكوره في الآيه : مَن كان متحقّقاً بتدبیركم والقيام بأُموركم وتجب طاعته عليكم ..

وثبت أنّ المعني ب : (الَّذِينَ آمَنُوا) : أمير المؤمنين عليه السلام ؛ وفي ثبوت هذين الوصفین دلاله علی كونه عليه السلام إماماً لنا» (٢).

لكنّ «ثبوت هذين الوصفين» لا يتمّ عند الخصم إلّا بما يراه حجّهً ؛ ولذا فإنّا نثبت له الوصفین من الأخبار الوارده في كتبه ، ومن أقوال مشاهير علماء طائفته ، فإن لم يقبل فهو متعصّب معاند!!

نزول الآيه في عليّ عليه السلام

أمّا أنّ المعني ب : (الَّذِينَ آمَنُوا) هو : أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فقد رواه القوم بأسانيدهم عن : أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن : المقداد ، وعمّار ، وابن عبّاس ، وأبي ذرّ ، وجابر ، وأبي رافع ، وأنس ، وعبد اللّٰه بن سلّام ، وحسّان بن ثابت ، من الصحابه ..

وعن : محمّد بن الحنفيه ، وابن جريج ، وسعيد ، وعطاء ، ومجاهد ، والسدّی ، والضحّاك ، ومقاتل ، من التابعين.

ومن أشهر رواته من الأئمّة والحفّاظ

الأعمش ، معمر بن راشد ، الثوری ، الواقدی ، عبد الرزّاق ، أبو نعيم ، عبد بن

__________________

(١) سوره المائده ٥ : ٥٥.

(٢) تلخيص الشافي في الإمامه ٢ : ١٠.

٢٥٩

حميد ، البلاذری ، المطیِّن ، النسائي ، ابن جرير الطبري ، ابن أبي حاتم ، الطبراني ، أبو الشيخ ، الجصّاص ، ابن شاهين ، الحاكم ، ابن مردويه ، الثعلبي ، أبو نعيم الأصفهاني ، الماوردی ، الخطيب ، الواحدي ، ابن المغازلی ، البغوي ، ابن عساكر ، ابن الجوزي ، الفخر الرازي ، ابن الأثير ، البیضاوی ، النسفي ، الخازن ، أبو حيان ، القاضي العضدی ، النيسابوري ، التفتازاني ، ابن حجر العسقلاني ، السيوطي ، ابن حجر المكی ، الشوكاني ، والآلوسي ....

وهؤلاء كبار العلماء في الحديث والتفسير والكلام.

ومن أشهر الكتب التی روی فيها الخبر

تفسير ابن أبي حاتم ٤ : ١١٦٢ ، تفسير الطبري ٦ : ١٨٦ ، المعجم الأوسط ٦ : ٢٩٤ ، جامع الأصول ٨ : ٦٦٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، تفسير العزّ الدمشقي ٣٩٣/١ ، تفسير ابن كثير ٣ : ١٣٦ ، الكاف الشاف ـ مع الكشّاف ـ ٢ : ٢٥٨ ، الدرّ المنثور ٣ : ١٠٥ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٤ : ١٠٢ ، تفسير القرطبی ٦ : ٢٢١ ..

فهم يروون نزول الآيه المباركه في عليّ أمير المؤمنين عليه السلام عند ما تصدّق علی السائل أثناء الصلاه وفي حال الركوع.

من أسانيده الصحيحه

وكثير من أسانيد روآيه هذا الخبر صحيح بلا ريب ، من ذلك : ما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره : «حدّثنا الربيع بن سليمان المرادی ، ثنا أيوب بن سويد ، عن عتبه بن أبي حكيم» ..

٢٦٠