تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

ثمّ سائر مَن صحبَ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم وجاهدَ معه ، أو حجّ معه ، أو سمعَ منه ، رضي اللّٰه عنهم أجمعين وعن جميع صواحب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم المهاجرات والمدنيات ، وأُمّ الفضل وأُمّ هانئ الهاشمیه وسائر الصحابيات.

فأمّا ما تنقله الرافضه وأهل البِدَع في كتُبهم من ذلك ، فلا نُعرّج عليه ، ولا كرامه ، فأكثرهُ باطلٌ وكذِبٌ وافتراءٌ ، فدأبُ الروافضِ روآيه الأباطیل ، أو رَدُّ ما في الصحاح والمسانید ، ومتی إفاقَهُ مَن بِه سَكران؟!

ثمّ قد تكلّم خلق من التابعين بعضُهم في بعض ، وتحاربوا ، وجرت أُمور لا يمكن شرحُها ، فلا فَائده في بثّها ، ووقع في كتب التواريخ وكتب الجرح والتعديل أُمورٌ عجيبهٌ ، والعاقِلُ خصمُ نفسه ، ومن حُسنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ...» (١).

* * *

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠ : ٩٢ ـ ٩٤. وتفصيل الكلام عن هذا الموضوع في فصلٍ خصّصناه له من كتابنا الانتقاء من سير أعلام النبلاء.

١٦١

المراجعه (٢٦)

حديث المناقب العشر

قال السيّد :

«حسبك من النصوص ـ بعد حديث الدار ـ : ما قد أخرجه الإمام أحمد في الجزء الأوّل من مسنده (١) ، والإمام النسائي في خصائصه العلويه (٢) ، والحاكم في الجزء ٣ من صحيحه المستدرك (٣) ، والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته ، وغيرهم من أصحاب السُنن بالطرق المجمع علی صحّتها :

عن عمرو بن ميمون ، قال : إني لجالس عند ابن عبّاس إذْ أتاه تسعه رهط ، فقالوا : يا ابن عبّاس! إمّا أن تقوم معنا ، وإمّا أن تخلوا بنا من بين هؤلاء ، فقال ابن عبّاس : بل أنا أقوم معكم ، قال : هو يومئذ صحيح قبل أن يعمی ، قال : فابتدؤوا فتحدّثوا ، فلا ندری ما قالوا ، قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أُفّ وتف ، وقعوا في رجل له بضع عشره فضائل لیست لأحد غيره ..

وقعوا في رجل قال له النبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : لأبعثنّ رجلاً لا يخزيه اللّٰه أبداً ، يحبّ اللّٰه ورسوله ويحبّه اللّٰه ورسوله ، فاستشرف لها من استشرف ، فقال : أین علیّ؟ فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر ، فنفث في عينيه ، ثمّ

__________________

(١) ص ٥٤٤ ح ٣٠٥٢.

(٢) ص ٥٢ ح ٢٤.

(٣) ص ١٣٢.

١٦٢

هزّ الرآيه ثلاثاً ، فأعطاها إياه ، فجاء عليّ بصفيه بنت حیی.

قال ابن عبّاس : ثمّ بعث رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم فلاناً بسوره التوبه فبعث عليّاً خلفه ، فأخذها منه ، وقال : لا يذهب بها إلّا رجل هو مني وأنا منه.

قال ابن عبّاس : وقال النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لبني عمّه : أیّكم يوالیني في الدنيا والآخره؟ قال : وعليّ جالس معه ، فأبوا ، فقال عليّ : أنا أُوإليك في الدنيا والآخره ، قال : أنت وليی في الدنيا والآخره ، قال فتركه ، ثمّ قال : أیّكم يوالیني في الدنيا والآخره؟ فأبوا ، وقال عليّ : أنا أُوإليك في الدنيا والآخره ، فقال لعليّ : أنت وليی في الدنيا والآخره.

قال ابن عبّاس : وكان عليّ أوّل من آمن من الناس بعد خدیجه.

قال : وأخذ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ثوبه ، فوضعه علی عليّ وفاطمة وحسن وحسين ، وقال : (إِنَّمٰا يريد اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت وَيطَهِّرَكمْ تَطْهِيراً) (١).

قال : وشری عليّ نفسه فلبس ثوب النبيّ ، ثمّ نام مكانه وكان المشركون يرمونه.

إلی أن قال : وخرج رسول اللّٰه في غزوه تبوك وخرج الناس معه ، فقال له عليّ : أخرج معك؟ فقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : لا. فبكی عليّ ، فقال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أما ترضي أن تكون مني بمنزله هارون من موسی ، إلّا أنّه ليس بعدي نبيّ ، إنّه لا ينبغی أن أذهب إلّا وأنت خليفتی.

وقال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنت ولي كلّ مؤمن بعدي ومؤمنه.

__________________

(١) سوره الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

١٦٣

قال ابن عبّاس : وسدّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أبواب المسجد غير باب عليّ ، فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

قال : وقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : من كنت مولاه فإنّ مولاه عليّ ...الحديث ..

قال الحاكم بعد إخراجه : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه بهذه السياقه».

قلت :

وأخرجه الذهبي في تلخيصه ، ثمّ قال : صحيح.

ولا يخفي ما فيه من الأدلّه القاطعه والبراهین الساطعه علی أنّ عليّاً ولي عهده وخليفته من بعده ، ألا تری كيف جعله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم وليّه في الدنيا والآخره ، آثره بذلك علی سائر أرحامه؟! (١)

أقول :

وهذا الحديث أيضاً من أقوی الأدلّه علی إمامه أمير المؤمنين وخلافته العامّه بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، لأنّ ابن عبّاس ذكر هذه المناقب في مقام البحث والتحدّی مع خصوم الإمام عليه السلام ، هذا من جههٍ ..

ومن جهه أُخری ، فهو يصرّح بأنّ هذه الفضائل «لیست لأحدٍ غيره» (٢).

فدلالته تامّه بلا إشكال.

__________________

(١) المراجعات : ١١٦ ـ ١١٧.

(٢) المستدرك ـ للحاكم ـ وتلخيصه ـ للذهبی ـ ٣ : ١٣٢.

١٦٤

ومن هنا لم يناقش ابن تيميّة في هذا الحديث من هذه الناحية ، فحاول أن يجیب عن الاستدلال به بالطعن في سنده ومتنه ، فقال :

«إنّ هذا الحديث ليس مسنداً ، بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون ؛ لأنّه أسلم علی يد معاذ بن جبل ولم يلقَ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

وفيه ألفاظ هی كذب علی رسول اللّٰه ، كقوله : لا ينبغی أن أذهب إلّا وأنت خليفتی ....

وكذلك قوله : وسدّ الأبواب كلّها إلّا باب عليّ ؛ فإنّ هذا ممّا وضعته الشيعه علی طريق المقابله ..

ومثل قوله : أنت وليی في كلّ مؤمن من بعدي ؛ فإنّ هذا موضوع باتّفاق أهل المعرفة بالحديث» (١).

أقول :

هذا الحديث رواه بالسند نفسه كبار الأئمّة في شتّی الكتب ، فمنهم من ذكره كلّه ومنهم من ذكر جزءاً منه ، ولم نجد من أحدٍ منهم طعناً في سنده لا بالإرسال ولا بغيره ، لوضوح أنّ عمرو بن ميمون يروی القصّه عن ابن عبّاس ، وابن عبّاس روی تلك الفضائل في مجلسٍ واحدٍ عن رسول اللّٰه ـ وقد سمعها منه في وقائع مختلفه ـ مذكراً بها من تكلّم في أمير المؤمنين عليه السلام حتّی ينتهی عمّا يقول ، فأین الإرسال؟!

__________________

(١) منهاج السُنّة ٥ : ٣٦.

١٦٥

فمن رواه هذا الحديث :

١ ـ شعبه بن الحجّاج ـ وهو عندهم : «أمير المؤمنين في الحديث» ـ ، رواه عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس (١).

٢ ـ أبو داود الطيالسي ، رواه عن شعبه ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس (٢).

٣ ـ ابن سعد ، رواه عن يحيی بن حمّاد البصری ، عن أبي عوانه ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس (٣).

٤ ـ أحمد بن حنبل ، رواه عن يحيی بن حمّاد ...كذلك (٤).

٥ ـ الترمذي ، رواه عن محمّد بن حميد الرازي ، عن إبراهيم بن المختار ، عن شعبه ... (٥).

٦ ـ ابن أبي عاصم ، رواه عن محمّد بن المثني ، عن يحيی بن حمّاد ... (٦).

٧ ـ أبو بكر البزّار ، رواه عن محمّد بن المثني ، عن يحيی بن حمّاد ... (٧).

٨ ـ النسائي ، رواه عن محمّد بن المثني ، عني يحيی بن حمّاد ... (٨).

٩ ـ أبو يعلی ، رواه عن يحيی بن عبد الحميد ، عن أبي عوانه ، عن أبي بلج ...

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٥.

(٢) مسند أبي داود الطيالسي : ٣٦٠ ح ٢٧٥٢.

(٣) الطبقات ـ لابن سعد ـ ٣ : ٢١.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٥٤٤.

(٥) الجامع الكبير ٦ : ٣٧٣٢/٩١.

(٦) كتاب السُنّة : ٥٨٨ ـ ٥٨٩ رقم ١٣٥١.

(٧) كشف الأستار عن زوائد البزّار ٣ : ١٨٩.

(٨) خصائص أمير المؤمنين عليّ : ٤٣/٧٩.

١٦٦

رواه عنه ابن عساكر وابن كثير (١).

وعن زهير ، عن يحيی بن حمّاد ، عن أبي عوانه ... (٢).

١٠ ـ المحاملی ، رواه عن محمّد بن المثني ، عن يحيی بن حمّاد ...رواه عنه ـ بالإسناد ـ ابن عساكر (٣).

١١ ـ الطبراني ، رواه عن إبراهيم بن هاشم البغوي ، عن كثير بن يحيی ، عن أبي عوانه ....

وعن أبي شعيب عبد اللَّه بن الحسن الحرّاني ، عن أبي جعفر النفیلی ، عن مسكین بن بكیر ، عن شعبه ....

وعن إبراهيم ، عن كثير بن يحيی ، عن أبي عوانه ... (٤).

١٢ ـ الحاكم ، رواه عن أبي بكر القطیعی ، عن عبد اللَّه بن أحمد ، عن أبيه ...ثمّ روی بسنده عن أبي حاتم الرازي قوله : «كان يعجبهم أنْ يجدوا الفضائل من روآيه أحمد بن حنبل» (٥).

١٣ ـ ابن عبد البرّ ، رواه عن أبي داود الطيالسي ، عن أبي عوانه ... (٦).

١٤ ـ ابن عساكر ، رواه بأسانيد عدیده ، ذاكراً الحديث بطوله (٧).

١٥ ـ ابن الأثير ، رواه عن إبراهيم بن محمّد بن مهران الفقيه وغير واحد ،

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٣٨.

(٢) تاريخ مدينه دمشق ـ لابن عساكر ـ ٤٢ : ٩٩.

(٣) تاريخ مدينه دمشق ـ لابن عساكر ـ ٤٢ : ٩٧.

(٤) المعجم الكبير ١٢ : ٩٧ وص ٩٩ ، المعجم الأوسط ٣ : ٢٤١.

(٥) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ٤ وص ١٣٢ ـ ١٣٤.

(٦) الاستيعاب ٣ : ١٠٩١.

(٧) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ٩٧ وما بعدها.

١٦٧

بأسنادهم إلی أبي عيسی محمّد بن عيسی الترمذي ...عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس (١).

١٦ ـ الذهبي ، رواه تبعاً للحاكم وقرّره علی تصحيحه (٢).

١٧ ـ ابن كثير ، رواه عن أحمد وأبي يعلی والترمذي بأسانيدهم عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس (٣).

١٨ ـ ابن حجر العسقلاني ، رواه عن أحمد والنسائي بأسنادهما عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس ... (٤).

أقول :

فهؤلاء عدّهٌ من أكابر الأئمّة يروون هذا الحديث بأسانيدهم عن ابن عبّاس ..

وفيهم من نصّ علی صحّته ، كالحاكم ، وابن عبد البرّ ، والمزیّ ، والذهبي ، والهيثمي صاحب مجمع الزوائد ...وقد قال غير واحدٍ منهم : «هذا إسناد لا مطعن فيه لأحدٍ ؛ لصحّته ، وثقه نَقَلَته» (٥).

فمن يعبأ بعد هذا بكلام ابن تيميّة ومن يتّبعه؟!!

وأمّا الأحاديث الثلاثه التی تضمنّها حديث الفضائل العشر وكذّبها

__________________

(١) أُسد الغابه ٣ : ٥٨٩.

(٢) تلخيص المستدرك مع المستدرك ٣ : ٤ وص ١٣٢.

(٣) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٣٧.

(٤) الإصابه ٤ : ٢٧٠.

(٥) الاستيعاب ٣ : ١٠٩٢ ، تهذيب الكمال ٢٠ : ٤٨١.

١٦٨

ابن تيميّة ، وهی قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «لا ينبغی أن أذهب ...» و : «أنت وليي في كلّ مؤمن ...» و : «سدّوا الأبواب» فسيأتي الكلام علی كلّ واحدٍ منها.

* * *

١٦٩

المراجعه (٢٨) ـ (٣٤)

حديث المنزله

قال السيّد :

«وأنزله منه منزله هارون من موسی ، ولم يستثنِ من جميع المنازل إلّا النبوّه ، واستثناؤها دليل علی العموم.

وأنت تعلم أنّ أظهر المنازل التی كانت لهارون من موسی : وزارته له ، وشدّ أزره به ، واشتراكه معه في أمره ، وخلافته عنه ، وفرض طاعته علی جميع أُمّته ؛ بدليل قوله : (وَاجْعَلْ لي وَزِيراً مِنْ أَهْلِی* هٰارُونَ أَخِی* اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِی* وَأَشْرِكهُ في أمري) (١).

وقوله : (اخْلُفْني في قَوْمِی وَأَصْلِحْ وَلاٰ تَتَّبِعْ سبيل الْمُفْسِدين) (٢).

وقوله عزّ وعلا : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَك يٰا مُوسیٰ) (٣).

فعليّ بحكم هذا النصّ خليفه رسول اللّٰه في قومه ، ووزيره في أهله ، وشریكه في أمره ـ علی سبيل الخلافه عنه لا علی سبيل النبوّه ـ وأفضل أُمّته ، وأولاهم به حيا ومیّتاً ، وله عليهم من فرض الطاعه زمن النبيّ ـ بوزارته له ـ مثل الذي كان لهارون علی أُمّه موسی زمن موسی ، ومن سمع حديث المنزله فإنّما

__________________

(١) سوره طه ٢ : ٢٩ ـ ٣٢.

(٢) سوره الأعراف ٧ : ١٤٢.

(٣) سوره طه ٢٠ : ٣٦.

١٧٠

يتبادر منه إلی ذهنه هذه المنازل كلّها ولا يرتاب في إرادتها منه.

وقد أوضح رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم الأمر ، فجعله جليا بقوله :

إنّه لا ينبغی أن أذهب إلّا وأنت خليفتی ..

وهذا نصّ صريح في كونه خليفته ، بل نصّ جلیّ في أنّه لو ذهب ولم يستخلفه كان قد فعل ما لا ينبغی أن يفعل ، وهذا ليس إلّا لأنّه كان مأموراً من اللّٰه عزّ وجلّ باستخلافه ، كما ثبت في تفسير قوله تعالی : (يٰا آيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ) (١).

ومَن تدبّر قوله تعالی في هذه الآيه : «فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ» ثمّ أمعن النظر في قول النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّه لا ينبغی أن أذهب إلّا وأنت خليفتی ، وجدهما يرميان إلی غرض واحد ، كما لا يخفي.

ولا تنسَ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في هذا الحديث : أنت ولي كلّ مؤمن بعدي ؛ فإنّه نصّ في أنّه ولي الأمر ووإليه والقائم مقامه فيه ، كما قال الكميت رحمه اللّٰه تعالی :

ونعم ولي الأمر بعد وليّه

ومنتجع التقوی ونعم المؤدّب» (٢)

__________________

(١) سوره المائده ٥ : ٦٧.

(٢) المراجعات : ١١٧ ـ ١١٨.

١٧١

حديث المنزله من أثبت الآثار.

القرائن الحاكمه بذلك.

مخرجوه من أهل السُنّة.

السبب في تشكیك الآمدی.

* ظلم الآمدی ـ بهذا التشكيك ـ نفسه ، فإنّ حديث المنزله من أصحّ السُنن وأثبت الآثار.

* لم يختلج في صحّه سنده ريب ، ولا سنح في خواطر أحد أن يناقش في ثبوته ببنت شفه ، حتّی أنّ الذهبي ـ علی تعنّته ـ صرّح في تلخيص المستدرك بصحّته (١) ، وابن حجر الهیتمی ـ علی محاربته بصواعقه ـ ذكر الحديث في الشبهه ١٢ من الصواعق ، فنقل القول بصحّته عن أئمّة الحديث الّذين لا معوّل فيه إلّا عليهم ، فراجع (٢).

ولو لا أنّ الحديث بمثابه من الثبوت ، ما أخرجه البخاري في كتابه ، فإنّ الرجل يغتصب نفسه عند خصائص عليّ وفضائل أهل البيت اغتصاباً.

ومعاوية كان إمام الفئه الباغيه ، ناصب أمير المؤمنين وحاربه ، ولعنه علی منابر المسلمين ، وأمرهم بلعنه ، لكنّه ـ بالرغم عن وقاحته في عداوته ـ لم يجحد حديث المنزله ولا كابر فيه سعد بن أبي وقّاص حين قال له ـ في ما أخرجه مسلم (٣) ـ : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّٰه ، فلن أسبّه ، لأنْ تكون لي واحده منها أحبّ إلیّ من حمر النعم ، سمعت

__________________

(١) سمعت في المراجعه ٢٦ تصریحه بصحّته.

(٢) ص ٧٤ من الصواعق.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ٢٤٠٤/٢١٣.

١٧٢

رسول اللّٰه يقول له وقد خلّفه في بعض مغازیه : أما ترضي أن تكون مني بمنزله هارون من موسی إلّا أنّه لا نبوّه بعدي .. الحديث (١) ، فأبلس معاوية ، وكفّ عن تكلیف سعد.

أزيدك علی هذا كلّه : إنّ معاوية نفسه حدّث بحديث المنزله ؛ قال ابن حجر في صواعقه (٢) : أخرج أحمد أنّ رجلاً سأل معاوية عن مسأله ، فقال : سل عنها عليّاً فهو أعلم ، قال : جوابك فيها أحبّ إلیّ من جواب عليّ ، قال : بئس ما قلت! لقد كرهت رجلاً كان رسول اللّٰه يغرّه بالعلم غرّاً ، ولقد قال له : أنت مني بمنزله هارون من موسی إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه. إلی آخر كلامه (٣).

وبالجملة ، فإنّ حديث المنزله ممّا لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين علی اختلافهم في المذاهب والمشارب.

* وقد أخرجه صاحب الجمع بين الصحاح الستّه (٤). وصاحب الجمع بين الصحيحين (٥). وهو موجود في غزوه تبوك من صحيح البخاري (٦) ، وفي باب

__________________

(١) وأخرجه الحاكم أيضاً في أوّل ص ١٠٩ من الجزء الثالث من المستدرك ، وصحّحه علی شرط الشيخين. وأورده الذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته علی شرط مسلم.

(٢) أثناء المقصد الخامس من المقاصد التی أوردها في الآيه الرابعه عشر من الباب ١١ ص ٢٧٣ من الصواعق.

(٣) حيث قال : وأخرجه آخرون. ـ قال ـ : ولكن زاد بعضهم : قم لا أقام اللّٰه رجلیك ، ومحا اسمه من الديوان ، إلی آخر ما نقله في ص ٢٧٣ من صواعقه ، ممّا يدلّ علی أنّ جماعه من المحدّثين غير أحمد أخرجوا حديث المنزله بالإسناد إلی معاوية.

(٤) في مناقب عليّ.

(٥) في فضائل عليّ ، وفي غزوه تبوك.

(٦) في ص ١٤٤ من جزئه الثالث.

١٧٣

فضائل عليّ من صحيح مسلم (١). وفي باب فضائل أصحاب النبيّ من سُنن ابن ماجه (٢). وفي مناقب عليّ من مستدرك الحاكم (٣) ..

وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده من حديث سعد بطرق إليه كثيره (٤) ، ورواه في المسند أيضاً من حديث كلّ من : ابن عبّاس (٥) ، وأسماء بنت عمیس (٦) ، وأبي سعيد الخدري (٧) ، ومعاوية بن أبي سفيان (٨) ، وجماعه آخرین من الصحابه.

وأخرجه الطبراني من حديث كلّ من : أسماء بنت عمیس ، وأُمّ سلمه ، وحبشی بن جناده ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وجابر بن سمره ، وزيد بن أرقم ، والبراء بن عازب ، وعليّ بن أبي طالب (٩) ، وغيرهم. وأخرجه البزّار فی

__________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ٢٤٠٤/٢١٢.

(٢) سنن ابن ماجه ١ : ٩٠ ح ١٢١.

(٣) في أوّل ص ١٠٩ من جزئه ٣ ، وفي أماكن أُخر يعرفها المتتبّعون.

(٤) راجع ص ٢٨٢ وص ٢٨٥ وص ٢٨٩ وص ٢٩٢ وص ٢٩٨ وص ٣٠١ ، تصفّح هذه الصحائف كلّها من الجزء الأوّل من المسند.

(٥) راجع : ص ٥٤٤ من الجزء الأوّل من المسند.

(٦) في ص ٥١٣ وص ٥٩١ من الجزء السابع من المسند.

(٧) في ص ٤١٧ من الجزء ٣ من المسند.

(٨) كما ذكرناه في صدر هذه المراجعه نقلاً عن المقصد الخامس من مقاصد الآيه ١٤ من آيات الباب ١١ من الصواعق المحرقه ص ٢٧٣.

(٩) كما نصّ عليه ابن حجر في الحديث الأوّل من الأربعين التی أوردها في الفصل الثاني من الباب ٩ ص ١٨٧ من صواعقه.

وذكر السيوطي في أحوال عليّ من تاريخ الخلفاء : أنّ الطبراني أخرج هذا الحديث عن هؤلاء كلّهم ، وزاد : أسماء بنت قيس.

١٧٤

مسنده (١). والترمذي في صحيحه (٢) ، من حديث أبي سعيد الخدري.

وأورده ابن عبد البرّ في أحوال عليّ من الاستيعاب ، ثمّ قال ما هذا نصّه : وهو من أثبت الآثار وأصحّها ، رواه عن النبيّ سعد بن أبي وقّاص ، ـ قال : ـ وطرق حديث سعد فيه كثيره جدّاً ، ذكرها ابن أبي خيثمه وغيره ، ـ قال : ـ ورواه ابن عبّاس ، وأبو سعيد الخدري ، وأُمّ سلمه ، وأسماء بنت عمیس ، وجابر بن عبد اللَّه ، وجماعه يطول ذكرهم. هذا كلام ابن عبد البرّ.

وكلّ من تعرّض لغزوه تبوك من المحدّثين وأهل السير والأخبار نقلوا هذا الحديث.

ونقله كلّ من ترجم عليّاً من أهل المعاجم في الرجال من المتقدّمین والمتأخرّین علی اختلاف مشاربهم ومذاهبهم.

ورواه كلّ من كتب في مناقب أهل البيت وفضائل الصحابه من الأئمّة ، كأحمد بن حنبل وغيره ممّن كان قبله أو جاء بعده.

وهو من الأحاديث المسلّمه في كلّ خلف من هذه الأُمّه.

* فلا عبره بتشكیك الآمدی في سنده فإنّه ليس من علم الحديث في شيء ، وحكمه في معرفه الأسانيد والطرق حكم العوام لا يفقهون حديثاً ، وتبحّره في علم الأُصول هو الذي أوقعه في هذه الورطه ؛ حيث رآه بمقتضی الأُصول نصّاً صریحاً لا يمكن التخلّص منه إلّا بالتشكيك في سنده ، ظنّاً منه أنّ هذا من الممكن. وهيهات هيهات ذلك.

__________________

(١) كما نصّ عليه السيوطي في أحوال عليّ من تاريخ الخلفاء ص ١٣٣.

(٢) كما يدلّ عليه الحديث ٢٥٠٤ من أحاديث الكنز في ص ١٥٢ من جزئه السادس.

١٧٥

أهل الضاد يحكمون بعموم الحديث.

تزییف القول باختصاصه.

إبطال القول بعدم حجّيته.

* نحن نوكل الجواب عن قولهم بعدم عموم الحديث إلی أهل اللسان والعرف العربیّین ، وأنت حجّه العرب لا تدافع ، ولا تنازع ، فهل تری أُمّتك ـ أهل الضاد ـ يرتابون في عموم المنزله من هذا الحديث؟!

كلّا وحاشا مثلك أن يرتاب في عموم اسم الجنس المضاف وشموله لجميع مصادیقه ؛ فلو قلت : منحتكم إنصافي ـ مثلاً ـ أيكون إنصافك هذا خاصّاً ببعض الأُمور دون بعض ، أم عامّاً شاملاً لجميع مصادیقه؟! معاذ اللّٰه أن تراه غير عامّ ، أو يتبادر منه إلّا الاستغراق ..

ولو قال خليفه المسلمين لأحد أوليائه : جعلت لك ولایتی علی النّاس ، أو منزلتی منهم ، أو منصبی فيهم ، أو ملكی ، فهل يتبادر إلی الذهن غير العموم؟! وهل يكون مدّعی التخصیص ببعض الشؤون دون بعض إلّا مخالفاً مجازفاً؟!

ولو قال لأحد وزرائه : لك في أيامی منزله عمر في أيام أبي بكر إلّا أنّك لست بصحأبي ، أكان هذا بنظر العرف خاصّاً ببعض المنازل أم عامّاً؟! ما أراك ـ والله ـ تراه إلّا عامّاً ..

ولا أرتاب في أنّك قائل بعموم المنزله في قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنت مني بمنزله هارون من موسی ، قياساً علی نظائره في العرف واللغه ، ولا سیّما بعد استثناء النبوّه فإنّه يجعله نصّاً في العموم ، والعرب ببابك ، فسلها عن ذلك.

* أمّا قول الخصم بأنّ الحديث خاصّ بمورده ، فمردود من وجهين :

١٧٦

الوجه الأوّل : إنّ الحديث في نفسه عامّ كما علمت ، فمورده ـ لو سلّمنا كونه خاصّاً ـ لا يخرجه عن العموم ، لأنّ المورد لا يخصّص الوارد كما هو مقرّر في محلّه ..

ألا تری لو رأيت الجنب يمسّ آيه الكرسی ـ مثلاً ـ ، فقلت له : لا يمسنّ آيات القرآن محدِث ، أيكون هذا خاصّاً بمورده ، أم عامّاً شاملاً لجميع آيات القرآن ولكلّ محدِث؟! ما أظنّ أحداً يفهم كونه خاصّاً بمسّ الجنب بخصوصه لآيه الكرسی بالخصوص ..

ولو رأي الطبیب مریضاً ياكل التمر فنهاه عن أكل الحلو ، أيكون في نظر العرف خاصّاً بمورده ، أم عامّاً شاملاً لكلّ مصادیق الحلو؟! ما أری ـ والله ـ القائل بكونه خاصّاً بمورده إلّا في منتزح عن الأُصول ، بعیداً عن قواعد اللغه ، نائيا عن الفهم العرفي ، أجنبيا عن عالمنا كلّه ، وكذا القائل بتخصیص العموم في حديث المنزله بمورده من غزوه تبوك ، لا فرق بينهما أصلاً.

الوجه الثاني : إنّ الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف عليّ علی المدينه في غزوه تبوك ليتشبّث الخصم بتخصیصه به ، وصحاحنا المتواتره عن أئمّة العتره الطاهرة تثبت وروده في موارد أُخر ، فلیراجعها الباحثون ، وسُنن أهل السُنّة تشهد بذلك ، كما يعلمه المتتّبعون ، فقول المعترض بأنّ سياق الحديث دالّ علی تخصیصه بغزوه تبوك ممّا لا وجه له إذن ، كما لا يخفي.

* أمّا قولهم بأنّ العامّ المخصوص ليس بحجّه في الباقي ، فغلط واضح ، وخطأ فاضح ، وهل يقول به في مثل حديثنا إلّا من يعتنف الأُمور ، فيكون منها علی غماء ، كراكب عشواء ، في ليله ظلماء؟! نعوذ باللّٰه من الجهل ، والحمد للّٰه

١٧٧

علی العافيه.

إن تخصیص العامّ لا يخرجه عن الحجّیه في الباقي إذا لم يكن المخصّص مجملاً ، ولا سیّما إذا كان متّصلاً ـ كما في حديثنا ـ ، فإنّ المولي إذا قال لعبده : أكرم اليوم كلّ من زارني إلّا زیداً ، ثمّ ترك العبد إكرام غير زيد ممّن زار مولاه ، يعدّ في العرف عاصيا ، ويلومه العقلاء ، ويحكمون عليه باستحقاق الذم والعقوبه علی قدر ما تستوجبه هذه المعصیه عقلاً أو شرعاً ، ولا يصغی أحد من أهل العرف إلی عذره لو اعتذر بتخصیص هذا العامّ ، بل يكون عذره أقبح عندهم من ذنبه ، وهذا ليس إلّا لظهور العامّ ـ بعد تخصیصه ـ في الباقي ، كما لا يخفي.

وأنت تعلم إنّ سيره المسلمين وغيرهم مستمرّه علی الاحتجاج بالعمومات المخصّصه بلا نكیر ، وقد مضی الخلف علی ذلك والسلف من الصحابه والتابعين لهم بإحسان وتابعی التابعين وتابعیهم إلی الآن ، ولا سیّما أئمّة أهل البيت وسائر أئمّة المسلمين ، وهذا ممّا لا ريب فيه ، وحسبك به دليلاً علی حجّیه العامّ المخصوص ، ولو لا أنّه حجّه لا نسدّ علی الأئمّة الأربعه وغيرهم من المجتهدين باب العلم بالأحكام الشرعيه الفرعیه عن أدلّتها التفصيلیه ، فإنّ رحی العلم بذلك تدور علی العمل بالعمومات ، وما من عامّ إلاّ وقد خصّ ، فإذا سقطت العمومات ارتج باب العلم ، نعوذ باللّٰه.

١٧٨

التماس بقيّه الموارد :

من موارده : زياره أُمّ سليم.

قضیه بنت حمزه.

اتّكاؤه علی عليّ.

المؤاخاه الأُولي.

المؤاخاه الثانية.

سدّ الأبواب.

النبيّ يصوّر عليّاً وهارون كالفرقدين.

* من موارده يوم حدّث صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أُمّ سليم (١) ، وكانت من

__________________

(١) هی بنت ملحان بن خالد الأنصارية ، وأُخت حرام بن ملحان ، استشهد أبوها وأخوها بين يدی النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وكانت علی جانب من الفضل والعقل ، روت عن النبيّ أحاديث ، وروی عنها ابنها أنس ، وابن عبّاس ، وزيد بن ثابت وأبو سلمه بن عبد الرحمن ، وآخرون ..

تعدّ في أهل السوابق ، وهی من الدعاه إلی الإسلام ؛ كانت في الجاهلية تحت مالك بن النضر ، فأولدها أنس بن مالك ، فلمّا جاء اللّٰه بالإسلام كانت في السابقين إليه ، ودعت مالكاً زوجها إلی اللّٰه ورسوله ، فأبي أن يسلم ، فهجرته فخرج مغاضباً إلی الشام ، فهلك كافراً ، وقد نصحت لابنها أنس إذ أمرته وهو ابن عشر سنين أن يخدم النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فقبله النبيّ إكراماً لها.

وخطبها أشراف العرب ، فكانت تقول : لا أتزوجّ حتّی يبلغ أنس ويجلس مجلس الرجال ، فكان أنس يقول : جزی اللّٰه أُمّی خيراً ، أحسنت ولايتی.

وقد أسلم علی يدها أبو طلحة الأنصاري ؛ إذ خطبها وهو كافر ، فأبت أن تتزوجّه أو يسلم ، فأسلم بدعوتها ، وكان صداقها منه إسلامه ، أولدها أبو طلحة ولداً فمرض ومات ، فقالت : لا يذكرنّ أحد موته لأبيه قبلی ، فلمّا جاء وسأل عن ولده ، قالت : هو أسكن ما كان ، فظنّ أنّه

١٧٩

أهل السوابق والحجی ، ولها المكانه من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بسابقتها وإخلاصها ونصحها ، وحسن بلائها ، وكان النبيّ يزورها ويحدّثها في بيتها ، فقال لها في بعض الأيام : يا أُمّ سليم! إنّ عليّاً لحمه من لحمی ، ودمه من دمی ، وهو مني بمنزله هارون من موسی (١).

وقد لا يخفي عليك إنّ هذا الحديث كان اقتضاباً من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، غير مسبّب عن شيء إلّا البلاغ والنصح للّٰه تعالی في بيان منزله ولي عهده والقائم مقامه من بعده ، فلا يمكن أن يكون مخصّصاً بغزوه تبوك.

* ومثله الحديث الوارد في قضیه بنت حمزه حين اختصم فيها عليّ وجعفر وزيد ، فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : يا عليّ! أنت مني بمنزله هارون ...الحديث (٢).

* وكذا الحديث الوارد يوم كان أبو بكر وعمر وأبو عبيده بن الجرّاح عند

__________________

نائم ، فقدّمت له الطعام فتعشّی ، ثمّ تزيّنت له وتطیّبت ، فنام معها وأصاب منها ، فلمّا أصبح قالت له : احتسب ولدك ، فذكر أبو طلحة قصّتها لرسول اللّٰه ، فقال : بارك اللّٰه لكما في ليلتكما. قالت : ودعا لي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، حتّی ما أريد زياده. وعلقت في تلك الليله بعبد اللّٰه بن أبي طلحة فبارك اللّٰه فيه ، وهو والد إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة الفقيه وإخوته ، وكانوا عشره كلّهم من حمله العلم. وكانت أُمّ سليم تغزو مع النبيّ ، وكان معها يوم أُحد خنجر لتقبر به بطن من دنا إليها من المشركين ، وكانت من أحسن النساء بلاءً في الإسلام ، ولا أعرف امرأه سواها كان النبيّ يزورها في بيتها فتتحفه. وكانت مستبصره بشأن عترته ، عارفه بحقّهم عليهم السلام.

(١) هذا الحديث ـ أعني حديث أُمّ سليم ـ هو الحديث ٣٢٩٣٦ من أحاديث الكنز ، في ص ٦٠٧ من جزئه الحادی عشر ، وهو موجود في منتخب الكنز أيضاً ، فراجع السطر الأخير من هامش ص ٣١ من الجزء الخامس من مسند أحمد ، تجده بلفظه.

(٢) أخرجه الإمام النسائي ص ١٠٦ و ٢٦٥ من الخصائص العلويه.

١٨٠