تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

أقول :

هذا الحديث صحيح قطعاً ، وقد أخرجه : ابن أبي شيبه ، والنسائي ، والطبراني ، وابن عساكر ، وابن الأثير ...وآخرون ... (١).

وهذا من جمله المواضع التی وافق الذهبي الحاكم في تصحيحه ..

هذا بالنسبه إلی السند.

وأمّا بالنسبه إلی المعني والدلاله ، فلقد أوجز قثم وأحسن في الكلام ، فلقد كان من خصائص أمير المؤمنين عليه السلام أنّه لم يشرك باللّٰه طرفه عین ، وكان أوّل القوم إسلاماً ، وكم فرق بين من يكون هكذا وبين من قضی كثيراً ـ إن لم يكن الأكثر ـ من عمره في عباده الأصنام؟!

وكان من خصائصه عليه السلام أيضاً أنّه كان أشدّ القوم بالنبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لصوقاً ؛ أمّا نسباً فواضح ، وأمّا صهراً فكذلك ، وأمّا معاشرهً ، فالأحاديث الصحيحه الدالّه علی ذلك كثيره جدّاً.

وأيضاً : الأحاديث في أنّه كان إذا سأله أجابه ، وإن لم يسأله ابتدأه ....

وأيضاً : الأحاديث في أنّه كان له علی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في كلّ يوم دخلتان ....

وأمّا القوم ، فقد كانوا يلهیهم الصفق بالأسواق ، وكان هذا عذرهم متی سئلوا عن شيء وجهلوا الجواب عنه!! وكانوا إذا حضروا عند رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ينتظرون قدوم أعرأبي لیسأله عن شيء فیستمعون إلی الجواب!! وكأنّهم كانوا عاجزین حتّی عن السؤال ، وجاهلین حتّی بكيفيه طرح السؤال

__________________

(١) المصنّف ١٤ : ١٧٧٨٧/١١٧ ، السُنن الكبری ٥ : ١٣٩ برقم ٨٤٩٣ ، ٨٤٩٤ ، المعجم الكبير ١٩ : ٤٠ ، تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ٣٩٣ ، أُسد الغابه ٤ : ٩٢.

٤٠١

وطريقه التعلّم!!

فباللّٰه عليك! مَن يكون حينئذ الشخص اللائق لأن يقوم مقام النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بعد وفاته ، في تعلیم الأُمّه وإرشادها ، ونشر المعارف الإلهیه ومعالم الدين الحنیف؟!

فهذا مطلب السيّد وكلّ من يستدلّ بمثل هذه الأحاديث والأخبار من كبار علمائنا الأبرار ...بل هذا هو الذي يفهمه العلماء الأعلام من سائر الفرق في الإسلام ، ولذا قال الحاكم بعد هذا الحديث : «فقد ظهر بهذا الإجماعُ علی أنّ عليّاً ورث العلم من النبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم دونهم» (١).

وكذلك قال الحافظ ابن عساكر ، وأعترف بما قلناه بعد إخراج الحديث ؛ فقد نصّ علی أنّ : «المراد بالمیراث هاهنا : العلم ، بدليل أنّ العبّاس أقرب منه قرابه ، غير أنّ عليّاً كان ألزم للنبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم وأقدم له صحابهً» (٢).

وأمّا أنّ النبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قد ورَّث مالاً أو لا؟ وأنّ ابنته الوحیده الشهیده ترثه أو لا؟ وغير ذلك ممّا لا علاقه له بالبحث ، فليس الغرض من طرحه في المقام إلّا تشویش الأذهان والأفهام ، وتخدیع السذّج والعوام!! ومن شاء التحقيق في ذلك فليرجع إلی بحوثنا عن قضايا الصدّیقه الطاهرة عليها السلام.

* * *

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٦.

(٢) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ٣٩٣.

٤٠٢

المراجعه (٦٨) ـ (٧٠)

علیٌ وصي النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم

قال السيّد ـ رحمه اللّٰه ـ :

١ ـ نصوص الوصيه متواتره عن أئمّة العتره الطاهرة ، وحسبك ممّا جاء من طريق غيرهم ما سمعته في المراجعه ٢٠ من قول النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وقد أخذ برقبه عليّ : هذا أخی ووصيی ، وخليفتی فیكم ، فاسمعوا له وأطيعوا.

وأخرج محمّد بن حميد الرازي ، عن سلمه الأبرش ، عن ابن إسحاق ، عن أبي ربیعه الأيادی ، عن ابن بريدة ، عن أبيه بريدة ، عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : لكلّ نبيّ وصي ووارث ، وإنّ وصيی ووارثی عليّ بن أبي طالب (١). انتهی.

وأخرج الطبراني في الكبير ، بالإسناد إلی سلمان الفارسی ، قال : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّ وصيی وموضع سرّی ، وخير مَن أترك

__________________

(١) هذا الحديث أورده الذهبي في أحوال شریك من ميزان الاعتدال ، وكذّب به ، وزعم أن شریكاًلا يحتمله ، وقال : إنّ محمّد بن حميد الرازي ليس بثقه. والجواب : إنّ الإمام أحمد بن حنبل ، والإمام أبا القاسم البغوي ، والإمام ابن جرير الطبري ، وإمام الجرح والتعديل ابن معين ، وغيرهم من طبقتهم ، وثّقوا محمّد بن حميد ورووا عنه ، فهو شيخهم ومعتمدهم ، كما يعترف به الذهبي في ترجمة محمّد بن حميد من الميزان ، والرجل ممّن لم يتّهم بالرفض ولا بالتشيّع ، وإنّما هو من سلف الذهبي ، فلا وجه لتهمته في هذا الحديث.

٤٠٣

بعدي ، وينجز عدتی ، ويقضی ديني : عليّ بن أبي طالب. عليه السلام (١) ..

وهذا نصّ في كونه الوصي ، وصريح في أنّه أفضل الناس بعد النبيّ ، وفيه من الدلاله الالتزامیه علی خلافته ، ووجوب طاعته ، ما لا يخفي علی أُولي الألباب.

وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، عن أنس ، قال : قال لي رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : يا أنس! أوّل من يدخل عليك هذا الباب إمام المتّقین ، وسيّد المرسلین ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيین ، وقائد الغُرّ المحجّلین.

قال أنس : فجاء عليّ فقام إليه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم مستبشراً ، فاعتنقه وقال له : أنت تؤدّی عني ، وتسمعهم صوتی ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي (٢).

وأخرج الطبراني في الكبير ، بالإسناد إلی أبي أيّوب الأنصاري ، عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قال : يا فاطمة! أما علمت أنّ اللّٰه عزّ وجلّ اطّلع علی أهل الأرض ، فاختار منهم أباك فبعثه نبيا ، ثمّ اطّلع الثانية ، فاختار بعلك ، فأوحی إلیّ ، فأنكحته واتّخذته وصيا (٣).

انظر كيف اختار اللّٰه عليّاً من أهل الأرض كافّه بعد أن اختار منهم

__________________

(١) هذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث ٣٢٩٥٢ من أحاديث كنز العمّال في آخر ص ٦١٠ ج ١١ ، وأورده في منتخب الكنز ، فراجع من المنتخب ما هو مطبوع في هامش ص ٣٢ ج ٥ من مسند أحمد.

(٢) كما في ص ١٦٩ ج ٩ من شرح النهج ، وقد أوردناه في المراجعه ٤٨.

(٣) هذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث ٣٢٩٢٣ من أحاديث كنز العمّال في ص ٦٠٤ ج ١١ ، وأورده في المنتخب أيضاً ، فراجع من المنتخب ما هو مطبوع في هامش ص ٣١ ج ٥ من مسند أحمد.

٤٠٤

خاتمه أنبيائه؟!

وانظر إلی اختيار الوصي وكونه علی نسق اختيار النبيّ ..

وانظر كيف أوحی اللّٰه إلی نبیّه أن يزوّجه ويتّخذه وصيا؟!

وانظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلّا أوصياءهم؟!

وهل يجوز تأخير خيره اللّٰه من عباده ، ووصي سيّد أنبيائه ، وتقديم غيره عليه؟!

وهل يصحّ لأحدٍ أن يتولي الحكم عليه ، فیجعله من سوقته ورعاياه؟!

وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعه ذلك المتولي واجبه علی هذا الذي اختاره اللّٰه كما اختار نبیّه؟!

وكيف يختاره اللّٰه ورسوله ثمّ نحن نختار غيره (وَمٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاٰ مُؤْمِنَهٍ إِذٰا قَضَی اللّٰهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يكون لَهُمُ الْخِيره مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يعْصِ اللّٰهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاٰلاً مُبيناً) (١).

وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لمّا علموا أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم سیزوّج عليّاً من بضعته الزهراء ـ وهی عدیله مریم وسیّده نساء أهل الجنّه ـ حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر ، ولا سیّما بعد أن خطبها مَن خطبها فلم يفلح (٢) ، وقالوا : إنّ هذه میزه يظهر بها فضل عليّ ،

__________________

(١) سوره الأحزاب ٣٣ : ٣٦.

(٢) أخرج ابن أبي حاتم عن أنس ، قال : جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلی النبيّ ، فسكت ولم يرجع إليهما شيئاً ، فانطلقا إلی عليّ ينبّهانه إلی ذلك. الحديث.

وقد نقله عن ابن أبي حاتم كثير من الأثبات ، كابن حجر في أوائل باب ١١ من صواعقه ، ونقل ثمّه عن أحمد بالإسناد إلی أنس نحوه.

 

٤٠٥

فلا يلحقه بعدها لاحق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، فأجلبوا بما لدیهم من إرجاف ، وعملوا لذلك أعمالاً ، فبعثوا نساءهم إلی سیّده نساء العالمین ينفّرنها ، فكان ممّا قلن لها : إنّه فقير ليس له شيء. لكنّها عليها السلام لم يخفَ عليها مكرهنّ ، وسوء مقاصد رجالهنّ ، ومع ذلك لم تبدِ لهنّ شيئاً يكرهنه ، تمّ ما أراده اللّٰه عزّ وجلّ ورسوله لها.

وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزی اللّٰه به أعداءه ، فقالت : يا رسول اللّٰه! زوّجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بما سمعت.

وإذا أراد اللّٰه نشر فضيله طویت أتاح لها لسان حسودِ

وأخرج الخطيب في المتّفق بسنده المعتبر إلی ابن عبّاس ، قال : لمّا زوّج النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم فاطمة من عليّ ، قالت فاطمة : يا رسول اللّٰه! زوّجتني من رجل فقير ليس له شيء؟

فقال النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم : أما ترضين أنّ اللّٰه اختار من أهل

__________________

وأخرج أبو داود السجستاني ـ كما في الآيه ١٢ من الآيات التی أوردها ابن حجر في الباب ١١ من صواعقه ـ إنّ أبا بكر خطبها ، فأعرض عنه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، ثمّ عمر فأعرض عنه ، فنبّهاه إلی خطبتها. الحديث.

وعن علی ، قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلی رسول اللّٰه ، فأبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عليهما ، قال عمر : أنت لها يا علی. الحديث ..

أخرجه ابن جرير ، وصحّحه وأخرجه الدولأبي في الذرّیّه الطاهرة ، وهو الحديث ٣٦٣٧٠ من أحاديث كنز العمّال ص ١١٤ ج ١٣.

٤٠٦

الأرض رجلین : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك (١). انتهی.

وأخرج الحاكم في مناقب علی ص ١٢٩ من الجزء الثالث من المستدرك عن طريق سریج بن يونس ، عن أبي حفص الأبار ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريره ، قال : قالت فاطمة : يا رسول اللّٰه! زوّجتني من عليّ وهو فقير لا مال له؟

قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : يا فاطمة! أما ترضين أنّ اللّٰه عزّ وجلّ اطّلع إلی أهل الأرض فاختار رجلین : أحدهما أبوك ، والآخر بعلك. انتهی.

وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم : أما ترضين أني زوّجتك أوّل المسلمين إسلاماً ، وأعلمهم علماً ، وأنّك سیّده نساء أُمّتی ، كما سادت مریم نساء قومها. أما ترضين ـ يا فاطمة ـ أنّ اللّٰه أطّلع علی أهل الأرض فاختار منهم رجلین ، فجعل أحدهما أباك ، والآخر بعلك (٢). انتهی.

وكان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بعد هذا إذا ألمّ بسیّده النساء من الدهر لمم ، يذكرها بنعمه اللّٰه ورسوله عليها ؛ إذ زوّجها من أفضل أُمّته ، ليكون ذلك عزاء لها ، وسلوه عمّا يصیبها من طوارق الدهر ..

__________________

(١) هذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث ٣٦٣٥٥ من أحاديث الكنز ، أورده في فضائل عليّ ص ١٠٨ ج ١٣ ، وصرّح بحسن سنده.

(٢) وهذا الحديث بلفظه وسنده هو الحديث ٣٢٩٢٥ من أحاديث كنز العمّال ص ٦٠٥ ج ١١ ، نقله عن الحاكم بالإسناد إلی كلّ من ابن عبّاس وأبي هريره ، ونقله عن الطبراني وعن الخطيب بالإسناد إلی ابن عبّاس فقط.

أمّا في منتخب الكنز فقد نقله عن الخطيب في المتّفق بالإسناد إلی ابن عبّاس ، فراجع من المنتخب ما هو في السطر الأوّل في هامش ص ٣٩ ج ٥ من مسند أحمد ، ونقله علّامه المعتزله في ص ١٧٤ ج ٩ من شرح النهج عن مسند الإمام أحمد.

٤٠٧

وحسبك شاهداً لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص ٢٦ من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار ، إنّ النبي صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، عاد فاطمة في مرض أصابها علی عهده ، فقال لها : كيف تجدينك؟

قالت : والله! لقد اشتدّ حزني ، واشتدّت فاقتی ، وطال سقمی.

قال صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم : أوَما ترضين أني زوّجتك أقدم أُمّتی سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً. انتهی.

والأخبار في ذلك متضافره لا تحتملها مراجعتنا» (١).

قال السيّد ـ رحمه اللّٰه ـ :

«وصيه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم إلی عليّ لا يمكن جحودها ، إذ لا ريب في أنّه عهد إليه ـ بعد أن أورثه العلم والحكمه (٢) ـ بأن يغسّله ويجهّزه ويدفنه (٣) ،

__________________

(١) المراجعات : ١٩٩ ـ ٢٠٢.

(٢) قف علی المراجعه ٦٦ ، تعلم أنّه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أورثه ذلك.

(٣) أخرج ابن سعد ص ٢٧٨ ج ٢ من طبقاته عن عليّ ، قال : أوصي النبيّ أن لا يغسّله أحد غيری.

وأخرج أبو الشيخ وابن النجّار ـ كما في ص ٢٤٩ ج ٧ من كنز العمّال ـ عن عليّ ، قال : أوصاني رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه و [آله] وسلّم ، فقال : إذا أنا متّ فغسّلني بسبع قرب.

وأخرج ابن سعد عند ذكر غسل النبيّ ص ٢٨١ ج ٢ من طبقاته ، عن عبد الواحد بن أبي عوانه ، قال : قال رسول اللّٰه في مرضه الذي توفي فيه : يا علی! اغسلني إذا متّ.

قال : قال علی : فغسّلته ، فما آخذ عضواً إلّا تبعني.

وأخرج الحاكم ص ٥٩ ج ٣ من المستدرك ، والذهبي في تلخيصه وصحّحاه ، بالإسناد إلی عليّ ، قال : غسّلت رسول اللّٰه ، فجعلت أنظر ما يكون من المیت ، فلم أرَ شيئاً ، وكان طیّباً حيا ومیّتاً ..

٤٠٨

ويفي دينه ، وينجز وعده ويبرئ ذمّته (١) ،

__________________

وهذا الحديث أخرجه سعيد بن منصور في سُننه ، والمروزی في جنائزه ، وأبو داود في مراسیله ، وابن منیع ، وابن أبي شيبه في السُنن ، وهو الحديث ١٨٧٨٣ في ص ٢٤٩ ج ٧ من الكنز.

وأخرج البيهقي في سُننه عن عبد اللَّه بن الحارث : إنّ عليّاً غسّل النبيّ ، وعلی النبيّ قمیص .. الحديث. وهو الحديث ١٨٧٨٧ في ص ٢٥٢ ج ٧ من الكنز.

وعن ابن عبّاس ، قال : إنّ لعليّ أربع خصال لیست لأحد غيره ، وهو أوّل من صلّی مع رسول اللّٰه ، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف ، وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره ، وهو الذي غسّله وأدخله قبره. أخرجه ابن عبد البر في ترجمة علی من الاستيعاب ، والحاكم في ص ١١١ ج ٣ من المستدرك.

وعن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللّٰه : يا علی! أنت تغسّلني وتؤدّی ديني ، وتواریني في حفرتی.

أخرجه الديلمي. وهو الحديث ٣٢٩٦٥ في ص ٦١٢ ج ١١ من الكنز.

وعن عمر ، من حديث قال فيه رسول اللّٰه لعلی : وأنت غاسلی ودافني .. الحديث.

في ص ١١٧ ج ١٣ من الكنز ، وفي هامش ص ٤٥ ج ٥ من مسند أحمد

وعن علی : سمعت رسول اللّٰه ، يقول أُعطیت في علی خمساً لم يعطها نبيّ في أحد قبلی ، أمّا الأُولي فإنّه يقضی ديني ، ويواریني .. الحديث.

في أوّل ص ٢٥٤ ج ٧ من الكنز.

ولما وضع علی السریر وأرادوا الصلاه عليه صلّی اللّٰه عليه و [آله] وسلّم ، قال عليّ : لا يؤم علی رسول اللّٰه أحد ، هو إمامكم حيا ومیّتاً.

فكان الناس يدخلون رسلاً رسلاً ، فیصلّون صفّاً صفّاً ، ليس لهم إمام ويكبّرون ، وعليّ قائم حيال رسول اللّٰه يقول : سلام عليك آيها النبيّ ورحمه اللّٰه وبركاته ، اللّهمّ إنّا نشهد أن قد بلّغ ما أنزلت إليه ، ونصح لأُمّته ، وجاهد في سبيل اللّٰه ، حتّی أعزّ اللّٰه عزّ وجلّ دينه ، وتمّت كلمته ، اللّهمّ فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل اللّٰه إليه ، وثبّتنا بعده ، واجمع بيننا وبينه. فيقول الناس : آمین آمین. حتّی صلّی اللّٰه عليه الرجال ثمّ النساء ثمّ الصبيان ..

روی هذا كلّه باللّفظ الذي أوردناه : ابن سعد ٢ : ٢٩١ ، عند ذكره غسل النبيّ من طبقاته.

وأوّل مَن دخل علی رسول اللّٰه يومئذ : بنو هاشم ، ثمّ المهاجرون ، ثمّ الأنصار ، ثمّ الناس ....

وأوّل مَن صلّی عليه : عليّ والعبّاس ؛ وقفا صفّاً ، وكبّرا عليه خمساً.

(١) الأخبار في هذا كلّه متواتره من طريق العتره الطاهرة ، وحسبك ما أخرجه الطبراني في الكبير عن

٤٠٩

ويبين للناس بعده ما اختلفوا فيه (١) من أحكام اللّٰه وشرائعه عزّ وجلّ ، وعهد إلی الأُمّه بأنّه وليها من بعده (٢) ، وأنّه أخوه (٣) ، وأبو ولده (٤) ،

__________________

ابن عمر ، وأبو يعلی في مسنده عن عليّ ، واللفظ للأوّل من حديث قال فيه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه و [آله] وسلّم : يا عليّ! أنت أخی ووزيری ، تقضی ديني ، وتنجز موعدی وتبرئ ذمّتی .. الحديث ..

تجده في ص ٦١٠ ج ١١ من كنز العمّال مسنداً إلی ابن عمر ، وفي ص ١٥٩ ج ١٣ أيضاً مسنداً إلی عليّ ؛ ونقل ثمّه عن البوصيری أنّ رواته ثقات.

وأخرج ابن مردويه والديلمي ـ كما في ص ٦١١ ج ١١ من الكنز ـ عن سلمان الفارسی : قال رسول اللّٰه : عليّ بن أبي طالب ينجز عدتی ، ويقضی ديني ..

وأخرج البزّار ـ كما في ص ٦٠٤ ج ١١ من الكنز ـ عن أنس نحوه.

وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في ص ١٧٠ ج ٥ من مسنده عن حبشی بن جناده ، قال : سمعت رسول اللّٰه يقول : لا يقضی ديني إلّا أنا أو علی.

وأخرج ابن مردويه ـ كما في ص ١٥٠ ج ١٣ من الكنز ـ عن عليّ ، قال : لمّا نزلت : (وأنذر عشیرتك الأقربين) ، قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه و [آله] وسلّم : علی يقضی ديني ، وينجز بوعدی.

وعن سعد ، قال : سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه و [آله] وسلّم يوم الجحفه ، فأخذ بيد عليّ وخطب فحمد اللّٰه وأثني عليه ، ثمّ قال : آيها الناس! إني وليّكم ، قالوا : صدقت يا رسول اللّٰه ، ثمّ رفع يد عليّ فقال : هذا وليی ويؤدّی عني ديني .. الحديث. وقد سمعته في أواخر المراجعه ٥٤.

وأخرج عبد الرزاق في جامعه عن معمر ، عن قتاده : إنّ عليّاً قضی عن النبيّ أشياء بعد وفاته كان عامّتها عدّه حسبت أنّه قال : خمسمائه ألف درهم ، فقيل لعبد الرزّاق : وأوصي إليه النبيّ بذلك؟ قال : نعم ، لا أشك أنّ النبيّ أوصي إلی عليّ ، ولو لا ذلك ما تركوه يقضی دينه .. الحديث.

أورده صاحب الكنز في ص ٢٧٣ ج ٧ فكان الحديث ١٨٨٥٣.

(١) تضافرت النصوص الصریحه بأنّه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عهد إلی عليّ بأن يبين لأُمّته ما اختلفوا فيه من بعده ، وحسبك منها الحديث ١١ ، والحديث ١٢ من المراجعه ٤٨ ، وغيرهما ممّا أسلفناه وممّا تركناه لشهرته.

(٢) يعلم ذلك من المراجعه ٣٦ والمراجعه ٤٠ والمراجعه ٥٤ والمراجعه ٥٦.

(٣) المؤاخاه بين النبيّ والوصي متواتره ، وحسبك في ثبوتها ما قد أوردناه في المراجعه ٣٢ والمراجعه ٣٤.

٤١٠

وأنّه وزيره (١) ، ونجیّه (٢) ،

__________________

(٤) كونه أبا ولده معلوم بالوجدان ، وقد قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لعليّ : أنت أخی ، وأبو ولدی ، تقاتل في كنز : عن سُنّتی ، الحديث أخرجه أبو يعلی في مسنده ، كما في ص ١٥٩ ج ١٣ من كنز العمّال ، ورواته ثقات كما صرّح به البوصيری.

وأخرجه أيضاً أحمد في المناقب كما في أواخر الفصل ٢ من الباب ٩ ص ١٩٥ من الصواعق المحرقه لابن حجر.

وقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّ اللّٰه جعل ذرّیّه كلّ نبيّ في صلبه ، وجعل ذرّیّتی في صلب عليّ ، أخرجه الطبراني في الكبير عن جابر ، والخطيب في تاريخه عن ابن عبّاس ، وهو الحديث ٣٢٨٩٢ في ص ٦٠٠ ج ١١ من الكنز.

وقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : كلّ بني أُنثی ينتمون إلی عصبتهم ، إلّا ولد فاطمة فأنا وليهم ، وأنا عصبتهم ، وأنا أبو هم ، أخرجه الطبراني عن الزهراء ، وهو الحديث ٢٢ من الأحاديث التی نقلها ابن حجر في الفصل ٢ من الباب ١١ من صواعقه ص ٢٨٤ ، وأخرجه الطبراني عن ابن عمر كما في الصفحه المذكوره ، وأخرج الحاكم نحوه في ص ١٦٤ ج ٣ من المستدرك عن جابر ، ثمّ قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه.

وقال : صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ـ من حديث أخرجه الحاكم في المستدرك ، والذهبي في تلخيصه وصحّحاه علی شرط الشيخين ـ : وأمّا أنت يا علی فأخی ، وأبو ولدی ، ومني ، وإلیّ. إلی كثير من هذه النصوص الصریحه.

(١) حسبك من النصوص في وزارته ، قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنت مني بمنزله هارون من موسی ، كما أوضحناه في المراجعه ٢٦ وغيرها ، وقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في حديث الإنذار يوم الدار : فأیّكم يؤازرني علی أمري هذا؟ فقال عليّ : أنا يا رسول اللّٰه ، أكون وزیرك عليه ، الحديث ، وقد سمعته في المراجعه ٢٠ ، وللّٰه درّ الإمام البوصيری إذ يقول في همزیّته العصماء :

ووزير ابن عمّه في المعالي

ومن الأهل تسعد الوزراء

لم يزده كشف الغطاء يقیناً

بل هو الشمس ما عليه غطاء

(٢) أجمعت الأُمّه علی أنّ في كتاب اللّٰه آيه ما عمل بها سوی عليّ ، ولا يعمل بها أحد من بعده إلی يوم القيامه ، ألا وهی آيه النجوی في سوره المجادله ، تصافق علی هذا أولياؤه وأعداؤه ، وأخرجوا في هذا نصوصاً صحّحوها علی شرط الشيخين ، يعرفها برّ الأُمّه وفاجرها ، وحسبك منها ما أخرجه الحاكم في

٤١١

ووليه ووصيه (١) ، وباب مدينه علمه (٢) ، وباب دار حكمته (٣) ، وباب حطّه هذه الأُمّه (٤) ، وأمانها ، وسفینه نجاتها (٥) ، وأنّ طاعته فرض عليها كطاعته ، ومعصیته موبقه لها كمعصیته (٦) ، وأنّ متابعته كمتابعته ، ومفارقته كمفارقته (٧) ، وأنّه سِلم لمَن سالمه ، وحرب لمَن حاربه (٨) ، وولي لمَن والاه ، وعدوّ لمَن عاداه (٩) ، وأنّ مَن أحبّه

__________________

ص ٤٨٢ ج ٢ من المستدرك والذهبي في تلك الصفحه من تلخيصه ، وعليك بتفسير الآيه من تفاسير : الثعلبي ، والطبري ، والسيوطي ، والزمخشری ، والرازي ، وغيرهم ، وستسمع في المراجعه ٧٤ حديثی أُمّ سلمه وعبد اللّٰه بن عمر في مناجاه النبيّ وعليّ ، عند وفاته صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وتقف ثمّه علی تناجیهما يوم الطائف ، وقول رسول اللّٰه يومئذ : ما أنا انتجیته ، ولكن اللّٰه انتجاه ، وعلی تناجیهما في بعض أيام عائشه ؛ فتأمّل.

(١) حسبك نصّاً في أنّه وليه قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، في حديث ابن عبّاس ـ وقد مرّ عليك في المراجعه ٢٦ ـ : أنت وليی في الدنيا والآخره ، علی أنّ هذا ثابت بالضروره من دين الإسلام ، فلا حاجه إلی الاستقصاء ..

وحسبك من نصوص الوصيه ما قد سمعته في المراجعه ٦٨.

(٢) راجع الحديث ٩ ، من المراجعه ٤٨ ، وما علّقناه عليه.

(٣) راجع الحديث ١٠ من المراجعه ٤٨.

(٤) راجع الحديث ١٤ من المراجعه ٤٨.

(٥) كما تحكم به السُنن التی أوردناها في المراجعه ٨.

(٦) بحكم الحديث ١٦ من المراجعه ٤٨ وغيره.

(٧) بحكم الحديث ١٧ من المراجعه ٤٨ وغيره.

(٨) أخرج الإمام أحمد من حديث أبي هريره في ص ١٨٧ ج ٣ من مسنده : إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم نظر إلی عليّ وفاطمة والحسن والحسين فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، وسِلم لمن سالمكم. انتهی.

وقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يوم جلّلهم بالكساء من حديث صحيح : أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وعدوّ لمن عاداهم. نقله ابن حجر في تفسير الآيه الأُولي من آيات فضلهم التی أوردها في الفصل الأوّل من الباب ١١ من صواعقه ، وقد استفاض قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : حرب عليّ حربی ، وسِلمه سلمی.

٤١٢

فقد أحبّ اللّٰه ورسوله ، ومَن أبغضه فقد أبغض اللّٰه ورسوله (١) ، ومَن والاه فقد والاهما ، ومَن عاداه فقد عاداهما (٢) ، ومَن آذاه فقد آذاهما (٣) ، ومَن سبّه فقد سبّهما (٤) ، وأنّه إمام البرره ، وقاتل الفجره ، منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله (٥) ، وأنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقین ، وقائد الغُرّ المحجّلین (٦) ، وأنّه رآيه الهدی ، وإمام أولياء اللّٰه ، ونور مَن أطاع اللّٰه ، والكلمه التی ألزمها اللّٰه للمتّقین (٧) ، وأنّه الصدّيق الأكبر ، وفاروق الأُمّه ، ويعسوب المؤمنين (٨) ، وأنّه بمنزله الفرقان العظيم ، والذكر الحكيم (٩) ، وأنّه منه بمنزله هارون من موسی (١٠) ، وبمنزلته من ربّه (١١) ،

__________________

(٩) راجع الحديث ٢٠ من المراجعه ٤٨ ، علی أنّ قوله المتواتر : اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، كافٍ والحمد للّٰه ، وقد سمعت في المراجعه ٣٦ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في حديث بريدة : من أبغض عليّاً فقد أبغضني ، ومن فارق عليّاً فقد فارقني ، وقد تواتر أنّه لا يحبّه إلّا مؤمن ، ولا يبغضه إلّا منافق ، إنّه والله لعهد النبيّ الأُمّی.

(١) بحكم الحديث ١٩ والحديث ٢٠ والحديث ٢١ من المراجعه ٤٨ وغيرها.

(٢) بحكم الحديث ٢٣ من التلك المراجعه ؛ وحسبك : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.

(٣) حسبك قوله صلی الله عليه وآله وسلم في حديث عمرو بن شاس : من آذی عليا فقد آذاني. أخرجه أحمد في ص ٥٣٤ ج ٤ من مسنده ، والحاكم في ص ١٢٢ ج ٣ من المستدرك ، والذهبي في تلك الصفحه من تلخيصه معترفا بصحته ، وأخرجه البخاري في تاريخه ، وابن سعد في طبقاته ، وأبن أبي شيبه في مسنده ، والطبراني في الكبير ، وهو موجوده في ص ١٤٢ ج ١٣ من الكنز.

(٤) بحكم الحديث ١٨ من المراجعه ؛ ٤٨ وغيره.

(٥) بحكم الحديث الأول من تلك المراجعه ؛ وغيره.

(٦) راجع الحديث ٢ و ٣ و ٤ و ٥ من المراجعه ؛ ٤٨.

(٧) راجع الحديث ٦ من تلك المراجعه ؛.

(٨) راجع الحديث ٧ من تلك المراجعه ؛ وغيره.

(٩) حسبك في ذلك ما سمعته في المراجعه ٨ من صحاح الثقلین ؛ فإنها توضح الحق لذی عینین ، وقد مر عليك في المراجعه ٥٠ أن : عليا مع القرآن والقرآن مع علی لا يفترقان.

(١٠) كما توضّحه المراجعه ٢٦ والمراجعه ٢٨ والمراجعه ٣٠ والمراجعه ٣٢ والمراجعه ٣٤.

٤١٣

وبمنزله رأسه من بدنه (١٢) ، وأنّه كنفسه (١٣) ، وأنّ اللّٰه عزّ وجلّ أطّلع إلی أهل الأرض فاختارهما منها (١٤) ، وحسبك عهده يوم عرفات من حجّه الوداع بأنّه لا يؤدّی عنه إلّا عليّ (١٥).

إلی كثير من هذه الخصائص التی لا يليق لها إلّا الوصي ، والمخصوص منهم بمقام النبيّ.

فكيف وأني ومتی يتسني لعاقل أن يجحد بعدها وصيته ، أو يكابر بها لو لا الغرض؟!

وهل الوصيه إلّا العهد ببعض هذه الشؤون؟!

٢ ـ أمّا أهل المذاهب الأربعه ، فإنّما أنكرها منهم المنكرون ؛ لظنّهم أنّها لا تجتمع مع خلافه الأئمّة الثلاثه.

٣ ـ ولا حجّه لهم علينا بما رواه البخاري وغيره عن طلحة بن مصرف ؛ حيث قال : سألت عبد اللَّه بن أبي أوفي : هل كان النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم ، أوصي؟

فقال : لا.

قلت : كيف كتب علی الناس الوصيه ـ ثمّ تركها ـ؟!

قال : أوصي بكتاب اللّٰه. انتهی ..

__________________

(١١) بحكم الحديث ١٣ من المراجعه ٤٨ وغيره.

(١٢) بحكم الحديث الذي أوردناه في المراجعه ٥٠ ؛ فراجعه وما قد علّقناه عليه.

(١٣) بحكم آيه المباهله وحديث ابن عوف ، وقد أوردناه في المراجعه ٥٠.

(١٤) كما هو صريح السُنن التی أوردناها في المراجعه ٦٨.

(١٥) راجع الحديث ١٥ من المراجعه ٤٨ ، وراجع ما علّقناه عليه.

٤١٤

فإنّ هذا الحديث غير ثابت عندنا ، علی أنّه من مقتضيات السياسه وسلطتها ، وبقطع النظر عن هذا كلّه ، فإنّ صحاح العتره الطاهرة قد تواترت في الوصيه ، فلیضرب بما عارضها عرض الجدار.

٤ ـ علی أنّ أمر الوصيه غني عن البرهان ، بعد أن حكم به العقل والوجدان (١). و

إذا استطال الشيء قام بنفسه وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا

أمّا ما رواه البخاري عن ابن أبي أوفي ، من أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، أوصي بكتاب اللّٰه ، فحقّ ، غير أنّه أبتر ، لأنّه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، أوصي بالتمسّك بثقلیه معاً ، وعهد إلی أُمّته بالاعتصام بحبلیه جميعاً ، وأنذرها الضلاله إن لم تستمسك بهما ، وأخبرها أنّهما لن يفترقا حتّی يردا عليه الحوض.

وصحاحنا في ذلك متواتره من طريق العتره الطاهرة ، وحسبك ممّا صحّ من طريق غيرهم ما أوردناه في المراجعه ٨ وفي المراجعه ٥٤» (٢).

__________________

(١) العقل بمجرّده يحیل علی النبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أن يامر بالوصيه ويضیّق فيها علی أُمّته ، ثمّ يتركها في حال أنّه أحوج إليها منهم ؛ لأنّ له من التركه المحتاجه إلی القیّم ، ومن الیتامی المضطرّین إلی الولي ، ما ليس لأحد من العالمین ..

وحاشا للّٰه أن يهمل تركته الثمینه ، وهی شرائع اللّٰه وأحكامه!!

ومعاذ اللّٰه أن يترك يتاماه وأياماه ـ وهم أهل الأرض في الطول والعرض ـ يتخبّطون في عشوائهم ، ويسرحون ويمرحون علی مقتضی أهوائهم بدون قیّم تتمّ للّٰه به الحجّه عليهم!!

علی أنّ الوجدان يحكم بالوصيه إلی عليّ ؛ حيث وجدنا النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قد عهد إليه بأن يغسّله ويحنّطه ويجهزّه ويدفنه ويفي دينه ويبرئ ذمّته ، ويبين للناس ما اختلفوا فيه من بعده ، وعهد إلی الناس بأنّه وليهم من بعده وأنّه ...إلی آخر ما أشرنا إليه في أوّل هذه المراجعه.

(٢) المراجعات : ٢٠٢ ـ ٢٠٩.

٤١٥

فقيل :

في المراجعه ٦٧ لم يزد شيخ الأزهر عن التسليم بما جاء في المراجعه التی قبلها ، ورمیه أهل السُنّة وهو واحد منهم بالجهل ، ومن ثمّ طلب التعلّم من الموسوی ، وكأنّه تلمیذ صغير أمام إمام كبير. فتأمّل هذا.

وفي المراجعه ٦٨ يفيض الموسوی بعلمه علی هذا التلمیذ الصغير مبيناً أحاديث الوصيه ، وحكم عليها بالتواتر قبل عرضها ، ولما كان حكمه لا يعول عليه ولا يعتد به ، لأنّ الرافضه ـ وهو أحد أعلامهم ـ من أكذب الناس وأجهلهم بالرواية والمروی ، ومقياس صحّه الرواية عندهم موافقتها لمذهبهم ، ولا قیمه للاسناد عندهم بل هم من أجهل الناس به. لهذا كلّه سنعرض إلی هذه الأحاديث إن شاء اللّٰه ونبين رأي أهل العلم بالحديث فيها.

١ ـ حديث : «هذا أخی ووصيی وخليفتی فیكم ، فاسمعوا له وأطيعوا» فقد مضی القول فيه في ردّنا علی المراجعه رقم ٢٠ ، وتبين لنا من خلال آراء العلماء أنّه حديث موضوع. انظر تفصيل ذلك في ما سبق.

٢ ـ أمّا حديث بريدة : «لكلّ نبيّ وصي ووارث وإنّ وصيی ووارثی عليّ بن أبي طالب» والذي حاول الموسوی أنّ يصحّحه ويردّ تكذيب الذهبي لهذا الحديث ، فهو حديث ضعيف بسبب محمّد بن حميد الرازي.

قال الذهبي في ترجمة شریك بن عبد اللَّه النخعی في ميزان الاعتدال ٣ : ٢٧٣ : محمّد بن حميد الرازي ـ وليس بثقه ـ حدّثنا سلمه الأبرش ، حدّثنا ابن إسحاق عن شریك ، عن أبي ربیعه الإيادی ، عن ابن بريدة ، عن أبيه مرفوعاً :

٤١٦

«لكلّ نبيّ وصي ووارث ، وإنّ عليّاً وصيی ووارثی» ثمّ قال الذهبي عقب ذلك : هذا كذب ولا يحتمله شریك.

وإذا رجعنا إلی ترجمة محمّد بن حميد الرازي الذي حاول الموسوی توثیقه نجده ضعيفاً مضعفاً عند أئمّة الجرح والتعديل.

ففي ميزان الاعتدال ٤ : ٥٣٠ : محمّد بن حميد الرازي ، ضعّفه الذهبي ، وقال يعقوب بن شيبه : كثير المناكیر ، وقال البخاري : فيه نظر ، وكذّبه أبو زرعة. وقال فَضْلك الرازي : عندی عن ابن حميد خمسون ألف حديث ، ولا أُحدّث عنه بحرف ، ولقد دخلت عليه وهو يركب الأسانيد علی المتون. وعن الكوسج قال : أشهد أنّه كذّاب. وقال صالح جزره : ما رأيت أجرأ علی اللّٰه منه : كان ياخذ أحاديث الناس فیقلب بعضه علی بعض ، وما رأيت أحذق بالكذب منه. وقال ابن خِراش : حدّثنا ابن حميد وكان والله يكذب. وجاء عن غير واحد : أنّ ابن حميد كان يسرق الحديث. وقال النسائي : ليس بثقه. وقال أبو علی النيسابوري : قلت لابن خزيمة : لو أخذت الإسناد عن ابن حميد فإنّ أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه! قال : إنّه لم يعرفه ، ولو عرفه كما عرفناه ما أثني عليه أصلاً.

فإذا كان أهل الصنعة قد ضعّفوا محمّد بن حميد فكيف يكون ثقه؟! وكيف تكون روايته صحيحه؟! ولو سلّمنا بتوثيق ابن معين له ، فإنّ رأي المجروحين أولي بالاعتبار لكثرتهم ومزيد علمهم. وبرغم هذا فقد صحّح الموسوی هذه الرواية بل واعتبرها متواتره لا لشيء إلّا لأنّها توافق مذهبه. فتأمّل هذا تجده واضحاً.

٣ ـ أمّا حديث سلمان الفارسی : «إنّ وصيی وموضع سرّی وخير مَن ترك

٤١٧

بعدي ...الحديث» فقد ذكر ابن الجوزي رحمه اللّٰه بهذا الحديث أربع طرق. ثمّ قال : هذا حديث لا يصحّ.

أمّا الطريق الأوّل : ففيه إسماعيل بن زياد ؛ قال ابن حبّان : لا يحلّ ذكره في الكتب إلّا علی سبيل القدح فيه. وقال الدارقطني : متروك. وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ : أكثر رواه هذا الحديث مجهولون وضعفاء.

وأمّا الطريق الثاني : ففيه مطر بن ميمون ؛ قال البخاري : منكر الحديث.

وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث. وفيه جعفر وقد تكلّموا فيه.

وأمّا الطريق الثالث : ففيه خالد بن عبيد ؛ قال ابن حبّان : يروی عن أنس نسخه موضوعه ، لا يحلّ كتب حديثه إلّا علی جهه التعجّب.

وأمّا الطريق الرابع : فإنّ فيه قيس بن میناء ؛ من كبار الشيعه ولا يتابع علی هذا الحديث. وفي الميزان : قيس بن میناء ، عن سلمان الفارسی بحديث : علی وصيی ، وهو كذّاب. انظر : رياض الجنّه : ١٥٧ ـ ١٥٨.

٥ ـ أمّا حديث أنس : «أوّل من يدخل عليك هذا الباب إمام المتّقین ... الحديث» رواه أبو نعيم في الحلية ، وقال في الميزان : هذا الحديث موضوع ، وقد روی هذا الحديث جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي ، أحد علماء الشيعه.

قال الإمام مسلم في صحيحه : حدّثنا أبو غسّان محمّد بن عمرو الرازي ، قال : سمعت جریراً يقول : لقیت جابر الجعفي فلم أكتب عنه ، كان يؤمن بالرجعه.

وقال جرير بن عبد الحميد لثعلبه : لا تأتِ جابراً فإنّه كذّاب. وقال النسائي : متروك. وقال يحيی : لا يكتب حديثه ولا كرامه. وقال زائده : هو كذّاب ، يؤمن بالرجعه. وقال سفيان : كان يؤمن بالرجعه. وروی الحمیدی عن سفيان : سمعت رجلاً سأل جابراً الجعفي عن قوله : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتّٰی ياذَنَ لي أبي أَوْ يحْكمَ اللّٰهُ

٤١٨

لِی) (١) قال : لم يجیء تأویلها. قال سفيان : كذب. قلت : وما أراد بهذا؟ قال : الرافضه تقول : إنّ عليّاً في السماء لا يخرج مع من يخرج من ولده حتّی ينادی منادٍ من السماء : اخرجوا مع فلان. يقول جابر : هذا تأویل هذه الآيه ، لا تروی عنه ، كان يؤمن بالرجعه ، كذب بل كانوا إخوه يوسف. وقال زائده أيضاً : جابر الجعفي : رافضی يشتم أصحاب النبي صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم. انظر : الميزان ١ : ٣٧٩.

٦ ـ أمّا حديث أبي أیوب : «يا فاطمة! أما علمت أنّ اللّٰه عزّ وجلّ اطلّع إلی أهل الأرض فاختار منهم أباك نبيا ، ثمّ اطلّع الثانية فاختار بعلك .. الحديث» فهو حديث ضعيف بسبب عبآيه بن ربعی ؛ فهو شيعي غال. هامش مسند الإمام أحمد ٥ : ٣١.

قال الذهبي في ترجمة عبآيه بن ربعی من الميزان قال : عبآيه بن ربعی عن علی ، وعنه موسی بن طریف ، كلاهما من غلاه الشيعه. له عن علی : أنا قسیم النار. الميزان ٣ : ٣٨٧.

أرأيت ـ أخی المسلم ـ إلی هذه الآثار التی ساقها الموسوی وعدّها أحاديث متواتره ، وهی بين موضوع وضعيف بين الضعف ، كما حكم عليها أهل العلم بالحديث. فتنبّه لهذا أخی المسلم فهذا هو مذهب الموسوی فلا تعجب.

ثمّ إنّ الموسوی أعظم علی اللّٰه الفریه يوم أن اتّهم قوماً من الصحابه بالنفاق والحسد ، وساق كلاماً لم يذكره أحد من أهل العلم في كتاب ، حيث قال عن هؤلاء : «وبعثوا نساءهم إلی سیّده نساء العالمین ينفّرنها فكان ممّا قلن لها : إنّه

__________________

(١) سوره يوسف ١٢ : ٨٠.

٤١٩

فقير ليس له شيء ...إلی آخر هذه الفریه».

ولا شك أنّه كان يقصد من وراء هذه الفریه أن يلصق تهمه النفاق والحسد بالشيخين أبي بكر وعمر ، اللذین تقدّما لخطبه فاطمة رضي اللّٰه عنها ، قبل أن يخطبها علی رضي اللّٰه عنه عنه لنفسه ، بدليل أنّه ساق في التعليق الروايات التی تثبت هذه القضية.

والجواب علی هذا الاتّهام :

أوّلاً : ليس غريباً علی الموسوی أن يقذف الشيخين بالكفر والنفاق ، وأن يكرّر هذا في كلّ مناسبه ، فهذه عقيده الرافضه في أصحاب النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم.

ثانياً : أنّ روآيه زواج فاطمة من علی التی ساقها الموسوی ، قد أشار الذهبي في ترجمة محمّد بن دينار من الميزان أنّها كذب ، فقال : أتی بحديث كذب ، ولا يدری من هو. وبذلك تكون الرواية ضعیفه لجهاله محمّد بن دينار من الميزان أنّها كذب ، فقال : أتی بحديث كذب ، ولا يدری من هو. وبذلك تكون الرواية ضعیفه لجهاله محمّد بن دينار وكذبه.

ثالثاً : علی فرض صحّتها. فليس فيها ما يدلّ علی النفاق والحسد إذا علمنا أنّ الروايات متّفقه علی تقدّم أبي بكر وعمر لخطبه فاطمة قبل أن يخطبها عليّ لنفسه ، ولو كان الأمر بعكس هذا لأمكن أن يكون لكلام الموسوی وجه من الصحّه.

ثمّ إنّ الروايات متّفقه علی حثّ أبي بكر وعمر لعليّ رضي اللّٰه عنه أن يخطبها لنفسه بعد أن لم يجبهما النبيّ صلّی اللّٰه عليه [وآله] وسلّم علی خطبتهما لفاطمة رضي اللّٰه عنها ، وفعلهما هذا ينفي عنهما ما اتّهمهما به الموسوی من

٤٢٠