تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

مدّعين أنّ حديث الغدير هذا حديث متواتر ، وأنّه نصّ قاطع في إمامه عليّ رضي اللّٰه عنه. والجواب علی هذا كلّه من وجوه :

أحدها : أنّ الآيه لم تنزل في عليّ بن أبي طالب كما زعموا ....

ثانيها : أنّ الآيه نزلت في المدينه ، بل هی من أوائل ما نزل في المدينه وقبل حجّه الوداع بمدّه طويلة ، بدليل ما قبلها وما بعدها من الآيات التی تتحدّث عن أهل الكتاب وما كان من أمرهم في المدينه ، أمّا حديث الغدير فقد كان بعد رجوعه عليه الصلاة والسلام من حجّه الوداع وهو في طريقه إلی المدينه ، وكان ذلك في اليوم الثامن عشر من ذی الحجّة ، وهذا ممّا لا ينازع الرافضه فيه ، بدليل أنّهم ما زالوا يتّخذون هذا اليوم عیداً.

قال ابن تيمية : (...فمَن قال أنّ المائده نزل فيها شيء بعد غدير خمّ فهو كاذب مفتر باتّفاق أهل العلم ...). (المنهاج ٤ : ٨٤).

ثالثها : لو أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أمر بتبلیغ الناس إمامه عليّ بعده لبلّغهم ذلك وهم مجتمعون حوله أثناء الحجّ أو بعده وقبل أن يرجعوا إلی أوطانهم ، كما هو الحال في كلّ ما بلّغه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم من أُمور في حجّته هذه. فدلّ هذا علی أنّ الذي جری يوم الغدير لم يكن ممّا أُمر بتبليغه ، كالذي بلّغه في حجّه الوداع.

قال ابن تيمية : (ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ذكر إمامه عليّ ، ولا ذكر عليّاً في شيء من خطبته في حجّه الوداع). انتهی. (المنهاج ٤ : ٨٥).

رابعها : يزعم الرافضه أنّ حديث الغدير حديث متواتر ، في حين أنّه حديث آحاد مختلف في صحّته ، فقد طعن جماعه من أئمّة الحديث في صحّته ،

٣٤١

كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم وابن تيمية وابن الجوزي ، فكيف يسوغ لهم أن يعدّوه من المتواتر وهذه حاله عند أئمّة الحديث؟!! لكنّ الرافضه تعتبر كلّ حديث يوافق هواهم ومذهبهم حديثاً متواتراً ولو كان موضوعاً ، ويجعلون علامه كذب الحديث مخالفته لهواهم ولو كان متواتراً ، ويحكمون علی الأحاديث الصحيحه بأنّها ناقصه مبتوره ، إذ لم تتضمن ما يدلّ علی أهوائهم وأباطيلهم ....

كما أنّ الناظر في روآيه الإمام مسلم لا يجد فيها إلّا الوصيه باتّباع كتاب اللّٰه والتذكیر فقط بأهل بيته رضوان اللّٰه تعالی عليهم ، وليس فيه أمر باتّباعهم.

قال ابن تيمية في منهاج السُنّة ٤ : ٨٥ : (والحديث الذي في مسلم إذا كان النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قد قاله فليس فيه إلّا الوصيه باتّباع كتاب اللّٰه ، وهذا أمر قد تقدّمت الوصيه به في حجّه الوداع قبل ذلك ، وهو لم يامر باتّباع العتره ، ولكن قال : أُذكركم اللّٰه في أهل بيتی. وتَذَكر الأُمّه لهم يقتضی أن يذكروا ما تقدّم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم وهذا أمر قد تقدّم بيانه قبل غدير خمّ ، فعلم أنّه لم يكن في غدير خمّ أمر بشرع نزل إذ ذاك لا في حقّ عليّ ، ولا في حقّ غيره ، لا إمامته ولا غيرها). انتهی.

وقد زاد الترمذي علی روآيه مسلم : «وإنّهما لم يتفرّقا حتّی يردا عليّ الحوض» ؛ قال ابن تيمية في المنهاج ٤ : ٨٥ :

(وقد طعن غير واحد من الحفّاظ في هذه الزياده ، وقال : إنّها لیست من الحديث ، والّذين اعتقدوا صحّتها قالوا : إنّما يدلّ علی أنّ مجموع العتره الّذين هم بنو هاشم لا يتّفقون علی ضلاله ، وهذا قد قاله طائفه من أهل السُنّة ، وهو من أجوبه القاضي أبي يعلی وغيره). انتهی.

٣٤٢

أمّا الزياده وهی قوله : «اللّٰهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ...الخ» ؛ فقد قال ابن تيمية : (إنّها كذب ، ونقل الأثرم في سُننه عن أحمد أن العبّاس سأله عن حسين الأشقر وأنّه حدّثه بحديثین : قوله لعليّ : «إنّك ستُعرض علی البراءه مني فلا تبرأ» ، والآخر : «اللّٰهمّ وال مَن والاه ، وعاد مَن عاداه» فأنكره أبو عبيد اللّٰه جدّاً ولم يشك أنّ هذين كذب ، وكذلك قوله : «أنت أولي بكلّ مؤمن ومؤمنه» كذب أيضاً ..

وأمّا قوله : «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه» فليس هو في الصحاح لكن هو ممّا رواه العلماء وتنازع الناس في صحّته ، فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي ، وطائفه من أهل العلم بالحديث أنّهم طعنوا فيه وضعّفوه ، ونقل عن أحمد بن حنبل أنّه حسّنه كما حسّنه الترمذی). انتهی. (المنهاج ٤ : ٨٦).

خامسها : وعلی فرض ثبوت هذه الألفاظ وصحّتها ، فإنّه لا دلاله لها علی ما ذهب إليه الموسوی من أنّها نصوص في أوْلویه عليّ رضي اللّٰه عنه بالخلافه ؛ لأنّ المولي لا تأتی بمعني الأولي بالتصرّف عند أهل اللغه ، كما بيناه سابقاً ..

قال العلّامه الدهلوی : (وأنكر أهل العربيه قاطبه ثبوت ورود «المولي» بمعني «الأولي» ؛ إذ لو صحّ للزم أن يقال : فلان مولي منك. بدل : فلان أولي منك ، وهذا باطل منكر بالإجماع ..

كما أنّ «المولي» لو كان بمعني «الأولي» أيضاً لا يلزم أن تكون صله بالتصرّف ، وكيف تُقَرَّر هذه الصله ومن آيه لغه؟ إذ يحتمل أن يكون المراد : أولي بالمحبّه ، وأولي بالتعظيم ـ وآيه ضروره في كلّ ما يسمع لفظ «الأولي» أن يحمله علی أنّ المراد ـ أولي بالتصرّف ـ؟! كما في قوله تعالی : (إِنَّ أَولي النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ وَهٰذَا النبيّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) وظاهر أنّ أتباع إبراهيم لم يكونوا أولي بالتصرّف في جنابه.

٣٤٣

وذكر المحبّه والعداوه دليل صريح علی أنّ المقصود إیجاب محبّته والتحذیر من عداوته ، لا التصرّف وعدمه.

فعلم أنّ مقصوده صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بهذا الكلام إنّما كان إفاده هذا المعني الذي يفهم منه بلا تكلّف يوقف قاعده لغه العرب يعني محبّه عليّ فرض كمحبّته عليه السلام ، وعداوته حرام كعداوته عليه السلام. وهذا مذهب أهل السُنّة ، ومطابق لفهم أهل البيت في ذلك.

كما أورد أبو نعيم عن الحسن المثني بن الحسن السبط الأكبر أنّهم سألوه عن حديث : «مَن كنت مولاه» هل هو نصّ علی خلافه علیّ؟

قال : لو كان النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أراد خلافته بذلك الحديث لقال قولاً واضحاً هكذا : «يا آيها الناس! هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا وأطيعوا» ، ثمّ قال الحسن : أُقسم باللّٰه أنّ اللّٰه تعالی ورسوله لو آثروا عليّاً لأجل هذا الأمر ، ولم يمتثل عليّ لأمر اللّٰه ورسوله ولم يقِدم علی هذا الأمر لكان أعظم الناس خطأ بترك امتثال ما أمر اللّٰه ورسوله به.

قال رجل : أما قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه»؟!

قال الحسن : لا والله ، إنّ رسول اللّٰه لو أراد الخلافه لقال واضحاً وصرّح بها ، كما صرّح بالصلاه والزكاه ، وقال : يا آيها الناس! إنّ عليّاً ولي أمركم من بعدي والقائم في الناس بأمری). مختصر التحفه الاثني عشريه : ١٦١.

قال الشيخ الدهلوی : (وفي هذا الحديث دليل صريح علی اجتماع الولایتین في زمان واحد ؛ إذ لم يقع التقييد بلفظ «بعدي» بل سَوْقُ الكلام لتسوية الولايتين في جميع الأوقات من جميع الوجوه ، كما هو الأظهر ، وشركه الأمير

٣٤٤

للنبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في التصرّف في عهده ممتنعه ، فهذا أدلُّ دليل علی أنّ المراد وجوب محبّته ، إذ لا محذور في اجتماع محبّتين ، بل إحداهما مستلزمه للأُخری ، وفي اجتماع التصرّفین محذورات كثيره ، كما لا يخفي. وإن قيّدتموه بما يدلّ علی إمامته في المآل دون الحال فمرحباً بالوفاق ، لأنّ أهل السُنّة أيضاً قائلون بذلك في حين إمامته). انتهی. مختصر التحفه الاثني عشريه : ١٦١.

كما أنّ الرافضه قد فسّروا كلمه : «الأولي» الواقعه في صدر حديث الغدير حيث قال عليه الصّلاه والسلام : أوَلستم تشهدون أني أولي بكلّ مؤمن مِن نفسه؟! فسّروها بالأولي بالتصرّف ، وهو باطل ، والمراد الأولي في المحبّه ، فيكون المعني أوَلستم تشهدون أني أولي بكلّ مؤمن في المحبّه من نفسه؟! وهذا مصداق قوله عليه الصلاه والسلام : «لا يؤمن أحدكم حتّی أكون أحبّ إليه من والده وولده ، والناس أجمعين». رواه مسلم ، وبذلك تتلاءم أجزاء الكلام).

قال الشيخ الدهلوی : (ولفظ الأولي قد ورد في غير موضع بحيث لا يناسب أن يكون معناه الأولي بالتصرّف أصلاً ، كقوله تعالی : (النبيّ أَوليٰ بِالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوٰاجُهُ أُمَّهٰاتُهُمْ) ، (وَأُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوليٰ بِبَعْضٍ في كتٰابِ اللّٰهِ) (١) ؛ فإنّ سوق هذا الكلام لنفس (٢) نسب الأدعياء عمّن يتبنَّونهم ، وبيانه : أنّ زيد بن حارثه لا ينبغی أن يقال في حقّه زيد بن محمّد لأنّ نسبه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم إلی جميع المسلمين كالأب الشفيق بل أزيد ، وأزواجه أُمّهات أهل الإسلام ، والأقرباء في النسب أحقّ وأولي من غيرهم ، وإن كانت الشفقه والتعظيم للأجانب أزيد ، ولكن مدار النسب علی القرابه وهی مفقوده في الأدعياء ، وحكم ذلك فی

__________________

(١) سوره الأحزاب ٣٣ : ٦.

(٢) كذا.

٣٤٥

كتاب اللّٰه ، ولا دخل هاهنا لمعني الأولي بالتصرّف في المقصود أصلاً). انتهی. مختصر التحفه الاثني عشريه : ١٦١ و ١٦٢.

ولقد كشف الموسوی عن جهله بالحديث وإسناده ، شأنه في ذلك شأن قومه الرافضه الّذين ليس لهم أسانيد صحيحه متّصله ، فالحديث الصحيح عندهم ما وافق مذهبهم وإن كان موضوعاً ، والضعيف عندهم ما خالف مذهبهم. لقد كشف جهله هذا عند ما استدلّ علی تواتر حديث الغدير بتخریج أبي إسحاق الثعلبي له في تفسير سوره المعارج من تفسيره الكبير ، وكأنّ الثعلبي لا يخرّج إلّا المتواتر من الأحاديث.

أرأيت أخی المسلم إلی هذا الجهل الذي ما بعده جهل وإلی هذا الاستدلال الذي يستحیی من ذكره الجاهل بله العالم ، والصغير قبل الكبير ، إنّه الجهل الذي ينبع من هویً وضلال ، وزيغ وانحراف.

وما عرف هذا الضالّ المضلّ أنّ أهل العلم بالحديث متّفقون علی أنّ مجرّد العزو إلی الثعلبي مشعِرٌ بضعف تلك الرواية حتّی تثبت صحّتها من طرق أُخری.

وروايته هذه عن الثعلبي لم يروها أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التی يرجع إليها الناس في الحديث ، لا الصحاح ولا السُنن ولا المسانيد ولا غير ذلك ..

قال ابن تيمية في معرض حديثه عن هذه الرواية : (وكذب هذه الرواية لا يخفي علی من له أدني معرفه بالحديث).

وقد فنّد [ابن تيمية] هذه الرواية من وجوه عدّه ، نسوقها هنا بتصرّف يسير :

أوّلاً : أجمع الناس كلّهم علی أنّ ما قاله النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بغدير خمّ كان مرجعه من حجّه الوداع ، والشيعه تسلّم بذلك ، وتجعل هذا اليوم

٣٤٦

عيداً وهو اليوم الثامن عشر من ذی الحجّه ، في حين أنّ سوره «سَأَلَ سٰائِلٌ» مكیه باتّفاق أهل العلم ، نزلت بمكه قبل الهجره ، قبل غدير خمّ بعشر سنين أو أكثر من ذلك ، فكيف نزلت بعده؟!

ثانياً : وقوله تعالی : (وَإِذْ قٰالُوا اللّٰهُمَّ إِنْ كٰانَ هٰذٰا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك ...) ، الآيه [٣٢] في سوره الأنفال ، فقد نزلت ببدر بالاتّفاق وقبل غدير خمّ بسنين كثيره.

وأهل التفسير متّفقون علی أنّها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قبل الهجره ، كأبي جهل وأمثاله ، وأنّ اللّٰه ذَكر نبيّه بما كانوا يقولون ، بقوله تعالی : (وَإِذْ قٰالُوا اللّٰهُمَّ إِنْ كٰانَ هٰذٰا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك فَأَمْطِرْ عَلَيْنٰا حِجٰارَهً مِنَ السَّمٰاءِ) أي : اذكر قولهم. فدلّ علی أنّ هذا القول كان قبل نزول هذه السوره.

ثالثاً : اتّفق الناس علی أنّ أهل مكه لم تنزل عليهم حجاره من السماء لمّا قالوا ذلك ، فلو كان هذا آيه لكان من جنس آيه أصحاب الفيل ، ومثل هذا لم ينقله أحد من المصنّفین في العلم ، لا الصحيح ولا المسند ولا الفضائل ولا التفسير ولا السير ونحوها ، رغم توفّر الهمم والدواعی علی نقله ، فعلم بذلك كذب هذه الرواية.

رابعاً : إنّ أهل مكه لمّا استفتحوا بين اللّٰه أنّه لا ينزل عليهم العذاب ومحمّد صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم فيهم ؛ فقال تعالی : (وَإِذْ قٰالُوا اللّٰهُمَّ إِنْ كٰانَ هٰذٰا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك فَأَمْطِرْ عَلَيْنٰا حِجٰارَهً مِنَ السَّمٰاءِ أَوِ ائْتِنٰا بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ) ثمّ قال : (وَمٰا كٰانَ اللّٰهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فيهمْ وَمٰا كٰانَ اللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يسْتَغْفِرُونَ).

خامساً : لقد جاء في روآيه الثعلبي التی ساقها الموسوی قول السائل : يا محمّد! أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلّا اللّٰه وأنّك رسول اللّٰه فقبلنا منك. وهی عباره

٣٤٧

تدلّ علی إسلام هذا السائل. ومن المعلوم بالضروره أنّ أحداً من المسلمين علی عهد النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لم يصبه هذا.

سادساً : وهذا الرجل لا يعرف في الصحابه بل هو من جنس الأسماء التی يذكرها الطرقیه من جنس الأحاديث التی في سيره عنتره ودلهمه. وقد صنّف الناس كتباً كثيره في أسماء الصحابه الّذين ذكروا في شيء من الحديث ، حتّی في الأحاديث الضعیفه ، مثل كتاب الاستيعاب لابن عبد البرّ ، وكتاب ابن منده ، وأبي نعيم الأصبهاني ، والحافظ أبي موسی ، ونحو ذلك ، ولم يذكر أحد منهم هذا الرجل فعلم أنّه ليس له ذكر في شيء من الروايات. انتهی. منهاج السُنّة ١٣/٤ و ١٤.

ثمّ إنّ الموسوی يتّهم أهل السُنّة ـ ممثّلین بشيخ الأزهر ـ بالمراوغه في المراجعه ٥٩ و ٦٠ لا لشيء إلّا لأنّ شيخ الأزهر ـ علی فَرضِ صحّه ما نُسب إليه من مراجعات ـ قد أوضح تفسير بعض العلماء المعتبرین في نظر الموسوی لحديث الغدير ، وهو تفسير يغاير مذهب الموسوی.

والردّ علی هذا الاتّهام أن نقول :

أوّلاً : هل مجرّد الاستدلال برأي ابن حجر في الصواعق ، والحلبي في سیرته يعتبر مراوغه؟! فإن كان الأمر كذلك فالموسوی أولي بأن يوصف بالمراوغه لأنّه كثيراً ما يستدلّ بكلام هذين العالِمَيْنِ بما يوافق هواه ومذهبه ، وإن كان الوصف بالمراوغه بسبب مخالفه كلامهما لمذهبه فكيف يجعل مذهبه حكماً ومرجعاً ودليلاً ، في الوقت الذي يفتقر هو إلی دليل يثبت صحّته؟!

ثانياً : وإن كانت المراوغه إنّما تعني الحيده عن الأدلّه الشرعيه الصحيحه ، والأُصول الثابته فإنّ الموسوی وشيعته لم يتركوا من أساليب المراوغه شيئاً لأحد

٣٤٨

من الناس ؛ لأنّهم باتّفاق أهل العلم قوم استباحوا الكذب وعدم الانصياع إلی الدليل ، والتَفَلُّتَ منه بإنكاره ، وتحریفه إنقاصاً منه ، أو زياده فيه ، أو تحميله ما لا يحتمل ، فهم أبعد الناس عن الدليل وأجهل الناس به.

ثالثاً : إنّ المراوغه في نظر الموسوی وشیعته الرافضه وصف لازم لكلّ من خالف مذهبهم ، ولو كان أصدق الصادقين ، والصدق عندهم وصف لازم لكلّ من وافقهم ولو كان من أكذب الكاذبين ؛ لذا فإنّه لا يلتفت إلی حكمهم ورآيهم في قليل ولا كثير.

رابعاً : إذا كان القرآن والسُنّة ليس فيهما نصّ علی خلافه أحد من الناس ، وأنّ ما جاء فيهما كان مجرّد ذكر لفضائل الصحابه جمله أو تفصيلاً باتّفاق الصحابه والتابعين وأصحاب القرون الثلاثه الأُولي لم يخالف في ذلك منهم أحد حتّی آل البيت والعتره الطاهرة بما فيهم عليّ بن أبي طالب. ولم يفهم أحد منهم أنّ هذه الفضائل نصوص تدلّ علی خلافه أو استخلاف صاحبها بعد النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بحال من الأحوال.

فإنّ المراوغ هو الذي زاغ عن الحقّ الذي جاء في كتاب اللّٰه وسُنّة رسول اللّٰه ، وأجمعت عليه الأُمّه بما فيهم العتره الطاهرة ، فتأمّل هذا.

وإنّ العلماء من أهل السُنّة بحثوا في كتب السُنّة كثيراً لیجدوا ما يحتجّوا به علی إمامه عليّ رضي اللّٰه عنه ، فلو ظفروا بحديث موافق لهذا الغرض لفرحوا به لأنّهم كانوا حریصین علی هذا الأمر. كلّ هذا يدلّ علی أنّ كلّ ما ينقله الرافضه في هذا المجال إنّما هو محض كذب وافتراء ..

قال ابن تيمية : (وأحمد بن حنبل مع أنّه أعلم أهل زمانه بالحديث احتجّ علی إمامه عليّ بالحديث الذي في السُنن : «تكون خلافه النبوّه ثلاثين سنه ثمّ

٣٤٩

تصير مُلكاً» ، وبعض الناس ضعّف هذا الحديث لكنّ أحمد وغيره يثبتونه ، فهذا عمدتهم من النصوص علی خلافه عليّ ، فلو ظفروا بحديث مسند أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به ، فعلم أنّه ما تدّعيه الرافضه من النصّ هو ممّا لم يسمعه أحد من أهل العلم بأقوال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لا قدیماً ولا حديثاً ، ولهذا كان أهل العلم بالحديث يعلمون بالضروره كذب هذا النقل ، كما يعلمون كذب غيره من المنقولات المكذوبه.) انتهی. المنهاج ١٤/٤.

خامساً : إنّه لم يثبت عن أحد من أصحاب القرون الثلاثه الأولي أنّه استدلّ بحديث واحد علی خلافه عليّ رضي اللّٰه عنه رغم توفّر الهمم والدواعی علی إظهار مثل هذا النصّ ، ورغم كثره شيعه عليّ رضي اللّٰه عنه إبان الفتنة والتی كانت قد تنتهی أو تنقضی بإظهار مثل هذا النصّ. فدلّ هذا علی أنّه لا نصّ في هذا الأمر ، وأنّ كلّ ما تنقله الرافضه من منقولات هو محض كذب.

قال ابن تيمية : (وقد جری تحكيم الحكمين ومعه أكثر الناس ، فلم يكن في المسلمين من أصحابه ولا غيرهم مَن ذكر هذا النصّ مع كثره شيعته ، ولا فيهم من احتجّ به في مثل هذا المقام الذي تتوفّر فيه الهمم والدواعی علی إظهار مثل هذا النصّ ، ومعلوم أنّه لو كان النصّ معروفاً عند شيعه عليّ فضلاً عن غيرهم لكانت العاده المعروفه تقتضی أن يقول أحدهم هذا نصّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم علی خلافته فيجب تقديمه علی معاوية ، وأبو موسی نفسه كان من خيار المسلمين لو علم أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم نصّ عليه لم يستحلّ عزله ، ولو عزله لكان من أنكر عزله عليه يقول : كيف تعزل من نصّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم علی خلافته ، وقد احتجّوا بقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «تقتل عمّاراً الفئه الباغيه» ، وهذا الحديث خبر واحد أو اثنين أو ثلاثه ونحوهم وليس

٣٥٠

هذا متواتراً ، والنصّ عند القائلين به متواتر فيا للّٰه العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعه عليّ بذلك الحديث ولم يحتجّ أحد منهم بالنصّ). انتهی. المنهاج ١٥/٤.

أقول :

يتلخّص كلام السيّد في حديث الغدير في نقاط :

١ ـ أورد نصوص روايات جمعٍ من أكابر القوم ، أمثال :

أحمد بن حنبل ..

والنسائي ..

والطبراني ..

والحاكم ..

والذهبي.

٢ ـ وذكر وجوهاً لتواتره.

٣ ـ وتعرّض لدلالته ودعوی التأويل فيها من بعضهم.

أمّا كلام المفتری الأثیم فیتلخّص في :

١ ـ أنّه طرح أوّلاً الآيه المباركه : (يٰا آيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إليك ...) ثمّ جعل يردّ القول بنزولها في غدير خمّ ، بثلاثه وجوه.

٢ ـ ثمّ ـ في الوجه الرابع ـ ادّعی أنّ حديث الغدير «خبر آحاد مختلف في صحّته».

٣ ـ فقال ـ في الوجه الخامس ـ : (وعلی فرض ثبوت هذه الألفاظ وصحّتها ، فإنّه لا دلاله لها علی ما ذهب إليه الموسوی ...لأنّ «المولي» لا تأتی

٣٥١

بمعني «الأولي بالتصرّف» عند أهل اللغه) ..

ثمّ نقل عن العلّامه الدهلوی : (أنكر أهل العربيه قاطبه ثبوت ورود «المولي» بمعني الأولي) ..

ثمّ ذكر عن الدهلوی إشكالاً آخر في دلاله الحديث حيث قال : «قال الشيخ الدهلوی : وفي هذا الحديث دليل صريح علی اجتماع الولایتین ...».

هذا ، ولا يخفي علی القارئ الكريم أنّ أغلب ما كتبه هذا الرجل إنّما هو تكرارٌ لما جاء في المنهاج لابن تيمية ، وفي مختصر التحفه الاثني عشريه للدهلوی فقط ، وأغفل آراء الذهبي وابن كثير وأمثالهما من علماء قومه الّذين شحن كتابه بأقوالهم واستند إليها في مختلف المسائل ، وسیتّضح السبب في ذلك ..

فنقول :

أمّا تعرّضه ـ قبل كلّ شيء ـ للآيه المباركه : (يٰا آيها الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إليك ...) فما هو إلّا فرار من البحث ، وتطويل بلا طائل ؛ إذ المهمّ هو الردّ علی الإستدلال بحديث الغدير ، بالمناقشه في سنده أو دلالته ؛ لأنّه هو موضوع المراجعه ، وعلينا إثبات الحديث ودلالته علی ما نذهب إليه ، والردّ علی المناقشات ...كلّ ذلك استناداً إلی كتب القوم وكلمات أعلام علمائهم ، ثمّ ياتی دور القضايا المتعلّقه بالموضوع ..

وأمّا الآيه المذكوره فقد تقدّم البحث عنها في الكتاب بالتفصيل.

٣٥٢

سند حديث الغدير :

يقول الخصم : «حديث الغدير خبر آحاد مختلف في صحّته ...».

فهل نسی أو تناسی قول إمامه ابن تيميّة ـ الذي احتجّ بكلماته ـ : «وقد صنّف أبو العبّاس بن عقده مصنّفاً في جمع طرقه» (١)؟!

فطرقه كثيره حتّی صنّف في جمعها الحافظ ابن عقده كتاباً ، واعترف ابن تيميّة بذلك ، فكيف يكون من أخبار الآحاد؟!

وهل جهل أو تجاهل قول الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : «وأمّا حديث : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، أخرجه الترمذي والنسائي ، وهو كثير الطرق جدّاً ، وقد استوعبها ابن عقده في كتابٍ مفرد ، وكثير من أسانیدها صحاح وحسان» (٢)؟!

وفي هذا الكلام :

١ ـ إنّ حديث الغدير كثير الطرق جدّاً.

٢ ـ أخرجه الترمذي والنسائي ؛ وهما من أرباب الصحاح.

٣ ـ استوعب طرقه ابن عقده في كتاب مفرد.

٤ ـ كثير من أسانیدها صحاح وحسان.

وفي كلامٍ آخر لابن حجر العسقلاني التصريح بتألیف أبي جعفر الطبري أيضاً كتاباً في ذلك ؛ قال : «وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلَّف فيه أضعاف مَن ذكر ، وصحّحه ، واعتني بجمع طرقه أبو العبّاس ابن عقده ، فأخرجه من حديث

__________________

(١) منهاج السُنّة ٧ : ٣٢٠.

(٢) فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٧ : ٦١.

٣٥٣

سبعين صحابيا أو أكثر» (١).

وفي هذا الكلام :

١ ـ إنّ ابن جرير الطبري جمع طرق حديث الغدير في مؤلَّف فيه أضعاف ما ذكره ابن عبد البرّ والمزّي.

٢ ـ إنّ ابن جرير صحَّح حديث الغدير.

٣ ـ إنّ ابن عقده أخرجه من حديث سبعين صحابيا أو أكثر.

وقال الذهبي في حديث الغدير : «رأيت مجلّداً من طرق الحديث لابن جرير ، فاندهشت له ولكثره تلك الطرق» (٢).

وقال ابن كثير : «وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلّدين ضخمین ، وكتاباً جمع فيه طرق حديث الطير» (٣).

وروی ابن كثير بالإسناد عن أبي هريره ، قال : «لمّا أخذ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بيد عليّ قال : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، فأنزل اللّٰه عزّ وجلّ :

(الْيوم أَكمَلْتُ لَكمْ دينكمْ). قال أبو هريره : وهو يوم غدير خمّ ، مَن صام يوم ثمان عشر من ذی الحجّه كتب له صيام ستّين شهراً».

ثمّ ردّ علی نزول الآيه في يوم الغدير ، وعلی فضل صيامه ، لكنّ المقصود هنا أنّه نقل عن الذهبي قوله في : «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه» : «صدر الحديث متواتر ، أتيقّن أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قاله. وأمّا : اللّٰهمّ وال من

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٧ ترجمة أمير المؤمنين.

(٢) تذكره الحفّاظ ١ : ٧١٣ ، ترجمة محمّد بن جرير الطبري.

(٣) البدآيه والنهآيه ١١ : ١٤٧ ، ترجمة محمّد بن جرير الطبري.

٣٥٤

والاه ، فزياده قويّه الإسناد» (١).

فثبت من شهاده الذهبي وابن كثير تواتر حديث الغدير ، وكفي بهما حجّه!!

كما شهد بتواتره الحفّاظ : ابن الجزری (٢) والسيوطي ، والمناوی (٣) ، والمتّقی الهندی ؛ إذ أورده في كتابه : قطف الأزهار المتناثره في الأحاديث المتواتره.

فقول الخصم الأثيم : «يزعم الرافضه أنّ حديث الغدير متواتر ، في حين أنّه حديث آحاد مختلف في صحّته ؛ فقد طعن جماعه من أئمّة الحديث في صحّته ، كأبي داود السجستاني وأبي حاتم الرازي وغيرهم وابن تيمية وابن الجوزي» تعصّب وعناد ..

أمّا أوّلاً : فإنّ الرافضین لخلافه المتقدّمین علی أمير المؤمنين ، إنّما يدّعون تواتر هذا الحديث استناداً إلی روايات أهل السنّه وشهادات الأئمّة الأعلام منهم.

وأمّا ثانياً : فلو ثبت أنّ أحداً من القوم طعن في صحّه حديث الغدير فما هو إلّا بالنظر إلی بعض أسانيده ، لا كلّها ؛ لأنّ الذهبي ـ وهو متأخّر عمّن ذكرهم ـ يقول : «متواتر أتیقّن أن رسول اللّٰه قاله».

وأمّا ثالثاً : فقد نصّ الحافظ أبو الخطّاب ابن دحیه الأندلسي ـ بعد حديث الولايه ـ علی أنّ من عاده البخاري في صحيحه أن يورد أحاديث مناقب عليّ ناقصهً مبتّره ، وأنّ السبب في ذلك انحرافه عنه عليه الصلاه والسلام (٤).

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٥ : ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) أسني المطالب في مناقب علی بن أبي طالب : ٤٨.

(٣) التیسير في شرح الجامع الصغير ٢ : ٤٤٢.

(٤) نقله الإمام المجاهد السيّد میر حامد حسين النيسابوري الهندی ، عن كتاب شرح أسماء النبيّ صلّی

٣٥٥

وعلی هذا ، فإنّ تكلّم البخاري في حديث الغدير ، وعدم إخراجه في صحيحه ، إنّما يعدّ من مطاعن البخاري ومساوئ كتابه ، وهی كثيره جدّاً ، ولأجلها تكلّم فيه وفي كتابه كبار أئمّة القوم ، كالذهلی وأبي حاتم الرازي وأبي زرعة الرازي ، وغيرهم (١) ..

وأمّا الأحاديث الباطله والمكذوبه المخرّجه في صحيح البخاري فهي كثيره كذلك ، كما لا يخفي علی من راجع شروحه وغيرها من كتب الحديث (٢).

وإذا كان هذا حال البخاري ، فما ظنّك بغيره؟!

وقوله : «أمّا الزياده وهی قوله : اللّٰهمّ وال من والاه ...» فیكفي في ردّه قول الذهبي ـ في ما نقل عنه ابن كثير ـ : «وأمّا : اللّٰهمّ وال من والاه ...فزياده قویّه

__________________

اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وقال صاحب كشف الظنون ٢ : ١٦٧٥ : «المستوفي في أسماء المصطفي ، لأبي الخطّاب ابن دحیه عمر بن علی السبتی اللغوی ، المتوفي سنه ٦٣٣ ...» ..

وتوجد ترجمة أبي الخطّاب ابن دحية في : سير أعلام النبلاء ٢٢ : ٣٨٩ ، تذكره الحفّاظ ٤ : ١٤٢٠ ، البدآية والنهآية ١٣ : ١٤٤ ، شذرات الذهب ٥ : ١٦٠ ، وفيات الأعيان ٣ : ٤٤٨ ، حسن المحاضره في تاريخ مصر والقاهره ١ : ٣٥٥ رقم ٧١ ، بغية الوعاه في طبقات اللغويّين والنحاه ٢ : ٢١٨ ، وغيرها.

(١) انظر : هدی الساری في مقدّمه فتح الباری ٢ : ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، طبقات الشافعيه ـ للسبكی ـ : ٢ : ٢٢٨ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٤٥٥ ، فيض القدير شرح الجامع الصغير ١ : ٢٤ ، وغيرها من كتب القوم .. ولهذا السبب أورد الحافظ الذهبي البخاري في كتاب المغني في الضعفاء والمتروكین ٢ : ٢٦٨ ، وميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ : ٤٨٥.

(٢) انظر : فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٧ : ١٢٧ ، وص ٣٥٣ ، وج ٨ : ٢٧١ ، وص ٤٠٦ ، وص ٥٤١ ، وج ١١ : ٢٦ ، إرشاد الساری في شرح صحيح البخاري ٦ : ٥٣٦ ، وج ٧ : ١٤٨ ، وج ٨ : ٤١ ، وعمده القاری في شرح صحيح البخاري ٧ : ٤٦ ، وج ١٧ : ٢٤٦ ، صحيح البخاري بشرح الكرماني ٢٥ : ٢٠٤.

٣٥٦

الإسناد» ، لكني أذكر جماعهً من الأئمّة رووه بأسانيدهم مع تنصیص الحافظ الهيثمي علی صحّتها ؛ فقد جاء في مجمع الزوائد في باب : «قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه» (١) :

«رواه أحمد والطبراني إلّا أنّه قال : قالوا سمعنا رسول اللّٰه يقول : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّٰهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه ...ورجال أحمد ثقات».

«وعن أبي الطفيل ...قال : مَن كنت مولاه فهذا مولاه ، اللّٰهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه ...رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفه ، وهو ثقه».

«وعن عمرو ذی مر وسعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثَیع ، قالوا : سمعنا عليّاً يقول ...قالوا : فأخذ بيد عليّ فقال : مَن كنت مولاه فهذا مولاه ، اللّٰهمّ وال مَن والاه وعاد من عاداه ، وأحبّ مَن أحبّه وأبغض مَن يبغضه ، وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله. رواه البزّار ورجاله رجال الصحيح ، غير فطر بن خليفه ، وهو ثقه» (٢).

«وعن عبد الرحمن بن أبي ليلی ...قال : فمَن كنت مولاه فعليّ مولاه اللّٰهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه. رواه أبو يعلی ورجاله وثّقوا ، وعبد اللّٰه بن أحمد».

«وعن زيد بن أرقم ، قال : نشد عليّ الناس : أُنشد اللّٰه رجلاً سمع النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يقول : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّٰهمّ وال مَن والاه وعاد مَن عاداه. فقام اثنا عشر بدريا فشهدوا بذلك ، وكنت في مَن كتم فذهب بصری ..

رواه الطبراني في الكبير والأوسط خاليا من ذهاب البصر والكتمان ودعاء

__________________

(١) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٩ : ١٠٣ ـ ١٠٩.

(٢) جاء في هامشه : «فطر» أخرج له خ أيضاً. ابن حجر.

٣٥٧

عليّ. وفي روآيه عنده : (وكان عليّ دعا علی من كتم) ، ورجال الأوسط ثقات».

«وعن حبشی بن جناده ، قال : سمعت رسول اللّٰه يقول يوم غدير خمّ : اللّٰهمّ مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّٰهمّ وال من والاه وعاد مَن عاداه وانصر مَن نصره ، وأعن من أعانه ..

رواه الطبراني ورجاله وثّقوا».

فهذا موجز الكلام في وجه استدلال علماءنا الكرام بهذا الحديث الشريف من جهه السند ...مضافاً إلی ما ذكره السيّد.

وتبقی جهه الدلاله ..

دلاله حديث الغدير

قال الخصم : بعد الوجوه التی زعمها في مناقشه سند حديث الغدير ، والتی قد تقدّم الجواب عنها وبيان واقع الحال فيها :

«خامسها : وعلی فرض ثبوت هذه الألفاظ وصحّتها ، فإنّه لا دلاله لها علی ما ذهب إليه الموسوی ...» فذكر الأُمور التإليه بعيبن ألفاظه :

١ ـ «لأنّ المولي لا تأتی بمعني الأولي بالتصرّف عند أهل اللّغه» ونقل عن العلّامه الدهلوی : «أنكر أهل العربيه قاطبه ...».

٢ ـ «إنّ المولي لو كان بمعني الأولي لا يلزم أن تكون صلته بالتصرّف ...».

٣ ـ «ذِكر المحبّه والعداوه دليل صريح علی ...».

٤ ـ «قال الشيخ الدهلوی : وفي هذا الحديث دليل صريح علی اجتماع الولايتين في زمانٍ واحدٍ ...وفي اجتماع التصرّفين محذورات كثيره ...».

٣٥٨

أقول :

هذا عمده ما عندهم ، والأصل في كلام الخصم هو ابن تيمية ثمّ الدهلوی ، وسيظهر أنّ الفخر الرازي ـ المشكك في الثابتات ـ هو المروّج لهذه الشبهات ، وسيكون بحثنا مع هؤلاء وعدادهم في العلماء ، لا مع أتباعهم الجهلاء!

ولعلّ العمده من بين الأُمور المذكوره هو الأمر الأوّل ، فنقول :

هل أنكر اللغوّيون مجیء «المولي» بمعني «الأولي»؟

إنّ دعوی إجماع أهل العربيه قاطبه علی عدم مجیء «المولي» بمعني «الأولي» لا تصدر إلّا عن جهلٍ شدید أو من متعصّب عنید!!

وكلام المولوی عبد العزيز الدهلوی الهندی موجود في كتابه التحفه الاثني عشريه بالفارسیه (١) ، وقد ترجم هذا الكتاب إلی العربيه ملخّصاً باسم مختصر التحفه الاثني عشريه ، وهذا نصّ ما جاء فيه في ردّ دلاله حديث الغدير :

«أمّا الأحاديث التی تمسّك بها الشيعه علی هذا المدّعی فهي اثنا عشر حديثاً :

الأوّل : حديث غدير خمّ المذكور عندهم بشأنٍ عظيم ، ويحسبونه نصّاً قطعيا في هذا المدّعی ، حاصله : إنّ بريدة بن الحصیب الأسلمی روی أنّه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لمّا نزل بغدير خمّ حين المراجعه عن حجّه الوداع ـ وهو موضع بين مكه والمدينه ـ أخذ بيد عليّ وخاطب جماعه المسلمين الحاضرين فقال :

__________________

(١) التحفة الاثني عشريه : ٢٠٨ ـ ٢١٠ ، ط پاكستان.

٣٥٩

يا معشر المسلمين! ألست أولي بكم من أنفسكم؟! قالوا : بلی. قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّٰهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه.

قالت الشيعه في تقریر الاستدلال بهذا الحديث : إنّ المولي بمعني الأولي بالتصرّف ؛ وكونه أولي بالتصرّف عین الإمامه.

ولا يخفي : إنّ أوّل الغلط في هذا الاستدلال هو إنكار أهل العربيه قاطبهً ثبوت ورود المولي بمعني الأولي ، بل قالوا : لم يجئ قطّ المفعل بمعني أفعل في موضعٍ ومادّهٍ أصلاً ، فضلاً عن هذه المادّه بالخصوص ...» (١).

أقول :

إنّه ـ بغضّ النظر عمّا في هذا الكلام ، كآيهامه انفراد «بريدة بن الحصیب» بروآيه حديث الغدير مع أنّ رواته من الصحابه يبلغون العشرات ـ يدّعی إجماع أهل العربيه علی عدم مجیء «المولي» بمعني «الأولي» ..

ونحن ننقل هنا نصوص جماعهٍ من أعيان الحديث والتفسير واللّغه ، الصریحه في مجیء «المولي» بمعني «الأولي» ، في جملهٍ من أشهر كتبهم في تلك العلوم :

* قال الفخر الرازي بتفسير قوله تعالی : (هِيَ مَوْلاٰكمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٢) :

«وفي لفظ المولي هاهنا أقوال : أحدها ....

والثاني : قال الكلبي : يعني أولي بكم. وهو قول الزجّاج والفرّاء

__________________

(١) مختصر التحفه الاثني عشريه : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، ط الهند.

(٢) سوره الحديد ٥٧ : ١٥.

٣٦٠