تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

النبيّ ، وهو صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم متّكئ علی عليّ ، فضرب بیده علی منكبه ثمّ قال : يا عليّ! أنت أوّل المؤمنين إیماناً ، وأوّلهم إسلاماً ، وأنت مني بمنزله هارون من موسی ...الحديث (١).

* والأحاديث الوارده يوم المؤاخاه الأُولي ، وكانت في مكه قبل الهجره ، حيث آخی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بين المهاجرين خاصّه.

* ويوم المؤاخاه الثانية ، وكانت في المدينه بعد الهجره بخمسه أشهر ، حيث آخی بين المهاجرين والأنصار ، وفي كلتا المرّتين يصطفي لنفسه منهم عليا ، فيتّخذه من دونهم أخاه (٢) ؛ تفضيلاً له علی من سواه ، ويقول له : أنت مني بمنزله هارون من موسی إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

والأخبار في ذلك متواتره من طريق العتره الطاهرة.

وحسبك ممّا جاء من طريق غيرهم في المؤاخاه الأولي ، حديث زيد بن

__________________

(١) أخرجه الحسن بن بدر ، والحاكم في الكني ، والشيرازي في الألقاب ، وابن النجّار.

وهو الحديث ٣٦٣٩٢ ، والحديث ٣٦٣٩٥ من أحاديث الكنز ص ١٢٢ و ١٢٤ من جزئه الثالث عشر.

(٢) قال ابن عبد البرّ في ترجمة عليّ من الاستيعاب : آخی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بين المهاجرين ، ثمّ آخی بين المهاجرين والأنصار ، وقال في كلّ واحده منهما لعليّ : أنت أخی في الدنيا والآخره .. ـ قال : ـ وآخی بينه وبين نفسه. انتهی.

قلت : والتفصيل في كتب السير والأخبار ؛ فلاحظ تفصيل المؤاخاه الأُولي في : ص ٢٠ من الجزء الثاني من السيرة الحلبية ، وراجع المؤاخاه الثانية في ص ٩٠ ـ ٩١ من الجزء الثاني من السيرة الحلبية أيضاً ، تجد تفضيل عليّ ـ في كلتا المرّتين بمؤاخاه النبيّ له ـ علی من سواه ..

وفي السيره الدحلانية من تفصيل المؤاخاه الأُولي والمؤاخاه الثانية ما في السيرة الحلبية ، وقد صرّح بأنّ المؤاخاه الثانية كانت بعد الهجرة بخمسه أشهر.

١٨١

أبي أوفي ، وقد أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب عليّ ، وابن عساكر في تاريخه (١) ، والبغوي والطبراني في معجمیهما ، والباوردی في المعرفة ، وابن عدی (٢) ، وغيرهم.

والحديث طويل قد اشتمل علی كيفيه المؤاخاه ، وفي آخره ما هذا لفظه :

فقال عليّ : يا رسول اللّٰه! لقد ذهب روحی وانقطع ظهری ، حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت ، غيری ، فإن كان هذا من سخط عليّ ، فلك العتبی والكرامه.

فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : والذي بعثني بالحقّ ما أخرجتك إلّا لنفسی ، وأنت مني بمنزله هارون من موسی غير أنّه لا نبيّ بعدي ، وأنت أخی ووارثی.

فقال : وما أرث منك؟!

قال : ما ورث الأنبياء من قبلی : كتاب ربّهم وسُنّة نبيّهم ، وأنت معی في قصری في الجنّه مع فاطمة ابنتی ، وأنت أخی ورفیقی .. ثمّ تلا صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : (إِخْوٰاناً عَلیٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ) (٣) المتحابين في اللّٰه ينظر بعضهم إلی بعض.

وحسبك ممّا جاء في المؤاخاه الثانية ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن ابن عبّاس من حديث جاء فيه : إنّ رسول اللّٰه قال لعليّ : أغضبت عليّ حين

__________________

(١) نقله عن كلّ من أحمد وابن عساكر جماعه من الثقات ، أحدهم المتّقی الهندی ؛ فراجع من كنزه الحديث ٢٥٥٥٤ في أوائل صفحه ١٦٧ من جزئه التاسع ، ونقله في ص ١٠٥ من جزئه الثالث عشر عن أحمد في كتابه مناقب عليّ وجعله الحديث ٣٦٣٤٥ فراجع.

(٢) نقله عن هؤلاء الأئمّة جماعه من الثقات الأثبات ، أحدهم المتّقی الهندی ، في أوّل ١٦٧ من الجزء التاسع من كنز العمّال وهو الحديث ٢٥٥٥٥. فراجع.

(٣) سوره الحجر ١٥ : ٤٧.

١٨٢

اخيت بين المهاجرين والأنصار ، ولم أُؤاخ بينك وبين أحد منهم؟! أما ترضي أن تكون مني بمنزله هارون من موسی ، إلّا أنّه ليس بعدي نبيّ ...الحديث (١).

* ونحوه الأحاديث الوارده يوم سدّ الأبواب غير باب عليّ ؛ وحسبك حديث جابر بن عبد اللَّه (٢) ، قال : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : يا عليّ! إنّه يحلّ لك في المسجد ما يحلّ لي ، وإنّك مني بمنزله هارون من موسی ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.

وعن حذيفه بن أسيد الغفاری (٣) ، قال : قام النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ـ يوم سدّ الأبواب ـ خطيباً ، فقال : إنّ رجالاً يجدون في أنفسهم شيئاً أن أسكنت

__________________

(١) نقله المتّقی الهندی في كنز العمّال وفي منتخبه ، فراجع من المنتخب ما هو في آخر هامش ص ٣١ من الجزء الخامس من مسند أحمد ، تجده باللفظ الذي أوردناه ، ولا يخفي ما في قوله : أغضبت علیّ؟! من المؤانسه والملاطفه والحنو الأبوی علی الولد المدلّ علی أبيه الرؤوف العطوف.

فإن قلت : كيف ارتاب عليّ من تأخيره في المرّه الثانية مع أنّه كان في المرّه الأُولي قد ارتاب من ذلك ، ثمّ ظهر له أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، إنّما أخّره لنفسه ، وهلّا قاس الثانية علی الأولي؟!

قلنا : لا تقاس الثانية علی الأُولي ، لأنّ الأُولي كانت خاصّهً بالمهاجرين ، فالقياس لم يكن مانعاً من مؤاخاه النبيّ لعليّ ، بخلاف المؤاخاه الثانية ، فإنّها كانت بين المهاجرين والأنصار ، فالمهاجر في المرّه الثانية إنّما يكون أخوه أنصاريا ، والأنصاري إنّما يكون أخوه مهاجراً ، وحيث أنّ النبيّ والوصي مهاجران ، كان القياس في هذه المرّه أن لا يكونا أخوین ، فظنّ عليّ أن أخاه إنّما يكون أنصاريا قياساً علی غيره ، وحيث لم يؤاخ رسول اللّٰه بينه وبين أحد من الأنصار وجد في نفسه ، لكنّ اللّٰه تعالی ورسوله أبيا إلّا تفضيله ، فكان هو ورسول اللّٰه أخوین علی خلاف القياس المطرد يومئذ بين جميع المهاجرين والأنصار.

(٢) كما في آخر الباب ٩ من ينابيع المودّة ، نقلاً عن كتاب فضائل أهل البيت لأخطب خوارزم.

(٣) كما في الباب ١٧ من ينابيع المودّة.

١٨٣

عليّاً في المسجد وأخرجتهم ، والله ما أخرجتهم وأسكنته ، بل اللّٰه أخرجهم وأسكنه ، إنّ اللّٰه عزّ وجلّ أوحی إلی موسی وأخیه : (أَنْ تَبَوَّءٰا لِقَوْمِكمٰا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكمْ قِبْلَهً وَأَقِيمُوا الصَّلاٰهَ) (١) .. إلی أن قال : وإنّ عليّاً مني بمنزله هارون من موسی ، وهو أخی ، ولا يحلّ لأحد أن ينكح فيه النساء إلّا هو .. الحديث.

وكم لهذه الموارد من نظائر لا تحصی في هذه العجاله ، لكن هذا القدر كافٍ لِما أردناه من تزييف القول بأنّ حديث المنزله مخصّص بمورده من غزوه تبوك ، وأي وزن لهذا القول مع تعدّد موارد الحديث.

* ومن ألمّ بالسيره النبويّه ، وجده صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يصوّر عليّاً وهارون كالفرقدين علی غرار واحد ، لا يمتاز أحدهما عن الآخر في شيء ، وهذا من القرائن الدالّه علی عموم المنزله في الحديث ، علی أنّ عموم المنزله هو المتبادر من لفظه بقطع النظر عن القرائن كما بيناه.

متی صوّر عليّاً وهارون كالفرقدين؟!

يوم شُبّر وشُبير ومُشبر.

يوم المؤاخاه.

يوم سدّ الأبواب.

تتّبع سيره النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، تجده يصوّر عليّاً وهارون كالفرقدين في السماء ، والعينين في الوجه ، لا يمتاز أحدهما في أُمّته عن الآخر فی أُمّته بشيء ما ..

__________________

(١) سوره يونس ١٠ : ٨٧.

١٨٤

* ألا تراه كيف أبي أن تكون أسماء بني عليّ إلّا كأسماء بني هارون ، فسمّاهم حسناً وحسيناً ومُحسناً ؛ وقال (١) : إنّما سمّیتهم بأسماء ولد هارون شبّر وشبیر ومشبر ؛ أراد بهذا تأكید المشابهه بين الهارونین ، وتعمیم الشبه بينهما في جميع المنازل وسائر الشؤون.

* ولهذه الغآيه نفسها قد اتّخذ عليّاً أخاه ، وآثره بذلك علی من سواه ، تحقيقاً لعموم الشبه بين منازل الهارونین من أخویهما ، وحرصاً علی أن لا يكون ثمّه من فارق بينهما ، وقد آخی بين أصحابه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم مرّتین ـ كما سمعت ـ ، فكان أبو بكر وعمر في المرّه الأُولي أخوین ، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف أخوین وكان في المره الثانية أبو بكر وخارجه بن زيد أخوین ، وعمر وعتبان بن مالك أخوین ، أمّا عليّ فكان في كلتا المرّتین أخا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ـ كما علمت ـ ..

ومقامنا يضيق علی استقصاء ما جاء في ذلك من النصوص الثابته بطرقها الصحيحه عن كلّ من ابن عبّاس ، وابن عمر ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن أبي أوفي ، وأنس بن مالك ، وحذيفه بن اليمان ، ومخدوج بن يزيد ، وعمر بن الخطّاب ، والبراء بن عازب ، وعليّ بن أبي طالب ، وغيرهم.

__________________

(١) في ما أخرجه المحدّثون بطرقهم الصحيحه من سُنن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، ودونك ص ١٦٥ وص ١٦٨ من الجزء ٣ من المستدرك ، تجد الحديث صریحاً في ذلك ، صحيحاً علی شرط الشيخين. وقد أخرجه الإمام أحمد أيضاً من حديث عليّ في ص ٧٧١/١٥٨ من الجزء الأوّل من مسنده. وأخرجه ابن عبد البرّ في ترجمة الحسن السبط من الاستيعاب. وأخرجه حتّی الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحّته مع قبح تعصّبه وظهور انحرافه عن هارون هذه الأُمّه وعن شبّرها وشبيرها. وأخرج البغوي في معجمه وعبد الغني في الإيضاح ـ كما في ص ٢٩٢ من الصواعق المحرقه ـ عن سلمان نحوه ؛ وكذلك ابن عساكر.

١٨٥

وقد قال له رسول اللّٰه : أنت أخی في الدنيا والآخره (١).

وسمعت ـ في المراجعه ٢٠ ـ قوله ـ وقد أخذ برقبه عليّ ـ : إنّ هذا أخی ووصيی وخليفتی فیكم ، فاسمعوا له وأطيعوا. وخرج صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم علی أصحابه يوماً ووجهه مشرق ، فسأله عبد الرحمن بن عوف فقال : بشاره أتتني من ربّی في أخی وابن عمّی وابنتی بأن اللّٰه زوّج عليّاً من فاطمة ...الحديث (٢).

ولمّا زفّت سيّده النساء إلی كفؤها سيّد العتره ، قال النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : يا أُمّ أيمن! ادعي لي أخي ، فقالت : هو أخوك وتنكحه ، قال : نعم يا أُمّ أيمن. فدعت عليّاً فجاء .. الحديث (٣).

وكم أشار إليه ، فقال : هذا أخي وابن عمّي وصهري وأبو ولدي (٤).

وكلّمه مرّه ، فقال له : أنت أخي وصاحبي (٥).

__________________

(١) أخرجه الحاكم في ص ١٤ من الجزء ٣ من المستدرك عن ابن عمر من طریقین صحيحين علی شرط الشيخين. وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحّته. وأخرجه الترمذي في ما نقله ابن حجر عنه في ص ١٨٨ من الصواعق المحرقه ، فراجع الحديث السابع من أحاديث الفصل ٢ من باب ٩ من الصواعق ، وأرسله كلّ من تعرّض لحديث المؤاخاه من أهل السير والأخبار إرسال المسلّمات.

(٢) أخرجه أبو بكر الخوارزمی ، كما في ص ٢٦٣ من الصواعق.

(٣) أخرجه الحاكم في ص ١٥٩ من الجزء ٣ المستدرك. وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحّته. ونقله ابن حجر في الباب ١١ من صواعقه ، وكلّ من ذكر زفاف الزهراء ذكره ، لا أستثني منهم أحداً.

(٤) في ما أخرجه الشيرازی في الألقاب ، وابن النجّار عن ابن عمر. ونقله المتّقی الهندی في كنزه ، وفي منتخبه المطبوع في هامش المسند ، فراجع منه السطر الثاني من هامش ص ٣٢ من الجزء الخامس.

(٥) أخرجه ابن عبد البرّ في ترجمة عليّ من الاستيعاب بالإسناد إلی ابن عبّاس.

١٨٦

وحدّثه مرّه أُخری ، فقال له : أنت أخی وصاحبی ورفیقی في الجنّه (١).

وخاطبه يوماً في قضیه كانت بينه وبين أخیه جعفر وزيد بن حارثه ، فقال له : وأمّا أنت يا عليّ فأخی وأبو ولدی ومني وإلیّ .. الحديث (٢).

وعهد إليه يوماً ، فقال : أنت أخی ووزيری تقضی ديني وتنجز موعدی وتبرئ ذمّتی .. الحديث (٣).

ولمّا حضرته الوفاه ـ بأبي هو وأُمّی ـ قال : ادعوا إلیّ أخی ، فدعوا عليا ، فقال : ادن مني ، فدنا منه وأسنده إليه ، فلم يزل كذلك وهو يكلّمه حتّی فاضت نفسه الزكیه ، فأصابه بعض ريقه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم (٤).

وقال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : مكتوب علی باب الجنّه : لا إله إلا اللّٰه محمّد رسول اللّٰه عليّ أخو رسول اللّٰه .. الحديث (٥).

وأوحی اللّٰه عزّ وجلّ ـ ليله المبيت علی الفراش ـ إلی جبرائيل وميكائيل : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر ، فأيّكما يؤثر

__________________

(١) أخرجه الخطيب ، وهو الحديث ٣٦٤٦٨ من أحاديث كنز العمّال في ص ١٥٠ من جزئه ١٣.

(٢) أخرجه الحاكم في ص ٢١٧ من الجزء ٣ من المستدرك بسند صحيح علی شرط مسلم ، واعترف الذهبي في تلخيصه بصحّته علی هذا الشرط.

(٣) أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر ، ونقله المتّقی الهندی في كنزه وفي منتخبه ، فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص ٣٢ من الجزء الخامس من المسند.

(٤) أخرجه ابن سعد في ص ٢٦٣ من القسم الثاني من الجزء الثاني من طبقاته ، وهو في ص ٢٥٣ من الجزء ٧ من كنز العمّال.

(٥) أخرجه الطبراني في الأوسط ، والخطيب في المتّفق والمفترق ، ونقله صاحب كنز العمّال ، فراجع من منتخبه ما هو في هامش ص ٣٥ من الجزء ٥ من مسند أحمد ، ونقله في هامش ص ٤٦ عن ابن عساكر.

١٨٧

صاحبه بالحياه؟!

فاختار كلاهما الحياه ؛ فأوحی اللّٰه إليهما : ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب؟! آخیت بينه وبين محمّد صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فبات علی فراشه لیفدیه بنفسه ويؤثره بالحياه ، اهبطا إلی الأرض فاحفظاه من عدوّه. الاستيعاب.

فنزلا ، فكان جبرائیل عند رأسه ، ومیكائیل عند رجلیه ، وجبرائیل ينادی : بخٍ بخٍ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهی اللّٰه بك الملائكه؟! وأنزل اللّٰه تعالی في ذلك : (وَمِنَ النّٰاسِ مَنْ يشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ) .. الحديث (١).

وكان عليّ يقول : أنا عبد اللَّه وأخو رسوله ، وأنا الصدّيق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كاذب (٢).

وقال : والله إني لأخوه ووليه ، وابن عمّه ووارث علمه ، فمن أحقّ به مني (٣)؟!

وقال يوم الشوری لعثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير : انشدكم اللّٰه ، هل فیكم أحد آخی رسول اللّٰه بينه وبينه ، إذ آخی بين المسلمين غيری؟! قالوا : اللّهمّ لا (٤).

ولمّا برز عليّ للوليد يوم بدر ، قال له الوليد : من أنت؟ قال عليّ : أنا عبد اللَّه

__________________

(١) أخرجه أصحاب السُنن في مسانیدهم ، وذكره الإمام فخر الدين الرازي في تفسير هذه الآيه من سوره البقره ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤ من الجزء الخامس من تفسيره الكبير مختصراً.

(٢) أخرجه النسائي في الخصائص العلويه ، والحاكم في أوّل ص ١١٢ من الجزء ٣ من المستدرك ، وابن أبي شيبه وابن أبي عاصم في السُنّة ، وأبو نعيم في المعرفة. ونقله المتّقی الهندی في كنز العمّال وفي منتخبه ، فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص ٤٠ من الجزء ٥ من مسند أحمد.

(٣) راجع ص ١٢٦ من الجزء ٣ من المستدرك ؛ وأخرجه الذهبي في تلخيصه مسلّماً بصحّته.

(٤) أخرجه ابن عبد البرّ في ترجمة عليّ من الاستيعاب ، وغير واحد من الأثبات.

١٨٨

وأخو رسوله .. الحديث (١).

وسأل عليّ عمر أيام خلافته ، فقال له (٢) : أرأيت لو جاءك قوم من بني إسرائيل ، فقال لك أحدهم : أنا ابن عمّ موسی ، أكانت له عندك إثره علی أصحابه؟! قال : نعم ، قال فأنا والله أخو رسول اللّٰه ، وابن عمّه!

فنزع عمر رداءه فبسطه ، وقال : والله لا يكون لك مجلس غيره حتّی نتفرق ، فلم يزل جالساً عليه ، وعمر بين يديه حتّی تفرقوا ، بخوعاً لأخی رسول اللّٰه وابن عمّه!

شطّ بنا القلم فنقول :

* وأمر صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بسدّ أبواب الصحابه من المسجد تنزیهاً له عن الجنب والجنابه ، لكنّه أبقی باب عليّ ، وأباح له عن اللّٰه تعالی أن يجنب في المسجد ، كما كان هذا مباحاً لهارون ، فدلّنا ذلك علی عموم المشابهه بين الهارونین عليهما السلام.

قال ابن عبّاس : وسدّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، أبواب المسجد غير باب عليّ ، فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ، ليس له طريق غيره .. الحديث (٣).

__________________

(١) أخرجه ابن سعد في غزوه بدر من كتاب الطبقات في ص ٢٣ من القسم الأوّل من جزئه الثاني.

(٢) في ما أخرجه الدارقطني كما في المقصد الخامس من مقاصد آيه المودّه في القربی وهی الآيه ١٤ من الآيات التی أوردها ابن حجر في الباب ١١ من صواعقه ، فراجع من الصواعق ص ٢٧٢.

(٣) هذا الحديث طويل فيه عشره من خصائص عليّ ، وقد أوردناه في المراجعه ٢٦.

١٨٩

وقال عمر بن الخطّاب من حديث صحيح (١) علی شرط الشيخين أيضاً : لقد أُعطی عليّ بن أبي طالب ثلاثاً ، لأنْ تكون لي واحده منها أحبّ إلیّ من حمر النعم : زوجته فاطمة بنت رسول اللّٰه ، وسكناه المسجد مع رسول اللّٰه يحلّ له ما يحلّ له فيه ، والرآيه يوم خيبر.

وذكر سعد بن مالك يوماً بعض خصائص عليّ في حديث صحيح أيضاً ، فقال (٢) : وأخرج رسول اللّٰه عمّه العبّاس وغيره من المسجد ، فقال له العبّاس : تخرجنا وتسكن عليا؟! فقال : ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكن اللّٰه أخرجكم وأسكنه.

وقال زيد بن أرقم (٣) : كان لنفر من أصحاب رسول اللّٰه أبواب شارعه في المسجد ، فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : سدّوا هذه الأبواب إلّا باب عليّ. فتكلّم الناس في ذلك ، فقام رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فحمد اللّٰه وأثني عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فإني أمرت بسدّ هذه الأبواب إلّا باب عليّ ، فقال فيه قائلكم ، وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ، ولكني أُمرت بشيء فاتّبعته.

__________________

(١) هو موجود في ص ١٢٥ من الجزء ٣ من المستدرك. وأخرجه أبو يعلی كما في الفصل ٣ من الباب ٩ من الصواعق ، فراجع منها ص ١٩٦. وأخرجه بهذا المعني مع قرب الألفاظ أحمد بن حنبل من حديث عبد اللَّه بن عمر في ص ٤٧٨٢/١٠٤ من الجزء الثاني من مسنده. ورواه عن كلّ من عمر وابنه عبد اللَّه غير واحد من الأثبات بأسانيد مختلفه.

(٢) كما في أوّل صفحه ١١٧ من الجزء من المستدرك ، وهذا الحديث من صحاح السُنن ، وقد أخرجه غير واحد من أثبات السُنّة وثقاتها.

(٣) في ما أخرجه عنه الإمام أحمد في ص ١٨٨٠١/٤٩٦ من الجزء الخامس من المسند. وأخرجه الضياء أيضاً كما في كنز العمّال وفي منتخبه ، فراجع من المنتخب ما هو في هامش ص ٢٩ من الجزء ٥ من المسند.

١٩٠

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عبّاس (١) : إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قام يومئذ فقال : ما أنا أخرجتكم من قبل نفسی ولا أنا تركته ، ولكن اللّٰه أخرجكم وتركه ، إنّما أنا عبد مأمور ، ما أُمرت به فعلت ، (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّٰ مٰا يوحیٰ إِلَیَّ) (٢).

وقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم (٣) : يا عليّ! لا يحلّ لأحد أن يجنب في المسجد غيری وغيرك.

وعن سعد بن أبي وقّاص ، والبراء بن عازب ، وابن عبّاس ، وابن عمر ، وحذيفه بن أسيد الغفاری ، قالوا كلّهم (٤) : خرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم إلی المسجد فقال : إنّ اللّٰه أوحی إلی نبیّه موسی أن ابن لي مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّا أنت وهارون ، وإنّ اللّٰه أوحی إلیّ أن أبني مسجداً طاهراً لا يسكنه إلّا أنّا وأخی عليّ.

وإملاؤنا هذا لا يسع استیفاء ما جاء في ذلك من النصوص الثابته عن كلّ من : ابن عبّاس ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن أرقم ، ورجل صحأبي من خثعم ، وأسماء بنت عميس ، وأُمّ سلمه ، وحذيفه بن أسيد ، وسعد بن أبي وقّاص ، والبراء بن عازب ، وعليّ بن أبي طالب ، وعمر ، وعبد اللّٰه بن عمر ، وأبي ذر ، وأبي الطفيل ،

__________________

(١) نقله عنه المتّقی الهندی في آخر هامش الصفحه التی أشرنا الآن إليها.

(٢) سوره الأنعام ٦ : ٥٠ ، سوره يونس ١٠ : ١٥ ، سوره الأحقاف ٤٦ : ٩.

(٣) في ما أخرجه الترمذي في صحيحه ، ونقله عنه المتّقی الهندی في ما أشرنا الآن إليه من منتخبه. وأخرجه البزّار عن سعد كما في الحديث ١٣ من الأحاديث التی أوردها ابن حجر في الفصل ٢ من الباب ٩ من صواعقه ، فراجع منها ص ١٩٠.

(٤) في ما أخرجه عنهم جميعاً علی بن محمّد الخطيب الفقيه الشافعي المعروف بابن المغازلی في كتابه المناقب بالطرق المختلفه. ونقله الثقه المتتبّع البلخی في الباب ١٧ من ينابیعه.

١٩١

وبريده الأسلمی ، وأبي رافع مولي رسول اللّٰه ، وجابر بن عبد اللَّه ، وغيرهم.

وفي المأثور من دعاء النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : اللّٰهم إنّ أخی موسی سألك فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْرِی* وَيسِّرْ لي أَمْرِی* وَاحْلُلْ عُقْدَهً مِنْ لِسٰانِی* يفْقَهُوا قَولي* وَاجْعَلْ لي وَزِيراً مِنْ أَهْلِی* هٰارُونَ أَخِی* اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِی* وَأَشْرِكهُ في أمري) (١) فأوحيت إليه : (سَنَشُدُّ عَضُدَك بِأَخِيك وَنَجْعَلُ لَكمٰا سُلْطٰاناً) (٢) ، اللّٰهمّ وإني عبدك ورسولك محمّد ، فاشرح لي صدری ، ويسّر لي أمري ، واجعل لي وزيراً من أهلی ، عليّاً أخی .. الحديث (٣).

ومثله ما أخرجه البزّار من إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أخذ بيد عليّ فقال : إنّ موسی سأل ربّه أن يطهّر مسجده بهارون ، وإني سألت ربّی أن يطهّر مسجدی بك. ثمّ أرسل إلی أبي بكر أنْ سدّ بابك ، فاسترجع ، ثمّ قال : سمعاً وطاعه ، ثمّ أرسل إلی عمر ، ثمّ أرسل إلی العبّاس بمثل ذلك ، ثمّ قال صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : ما أنا سددت أبوابكم وفتحت باب عليّ ، ولكن اللّٰه فتح بابه ، وسدّ أبوابكم. انتهی (٤).

وهذا القدر كافٍ لِما أردناه من تشبيه عليّ بهارون في جميع المنازل والشئون. والسلام».

__________________

(١) سوره طه ٢٠ : ٢٥ ـ ٣٢.

(٢) سوره القصص ٢٨ : ٣٥.

(٣) أخرجه الإمام أبو إسحاق الثعلبي عن أبي ذرّ الغفاری في تفسير قوله تعالی : (إِنَّمٰا وَلِيُّكمُ اللّٰهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) في سوره المائده من تفسيره الكبير. ونقل نحوه المتتّبع البلخی عن مسند الإمام أحمد.

(٤) وهذا الحديث هو الحديث ٣٦٥٢١ من أحاديث الكنز ص ١٧٥ من جزئه الثالث عشر.

١٩٢

أقول :

إنّ من جمله الأدلّه علی إمامه أمير المؤمنين وولایته العامّه بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم حديث : أنت مني بمنزله هارون من موسی ...المعروف ب : حديث المنزله.

وقد ذكر السيّد قبل الورود في البحث الآيات الكريمه الوارده في منازل هارون من موسی ، ثمّ شرع في البحث من الناحيتين : السند والدلاله (١) ..

فأورد في الناحية الأُولي أسماء جمعٍ كبير من أئمّة السُنّة الرواه لهذا الحديث ، وتعرّض لتشكیك الآمدی في صحّته وأجاب عنه.

وأوضح في الناحية الثانية كيفيه الاستدلال بالحديث علی المدّعی ، مؤكداً دلالته علی العموم ، وعلی أنّه قد ورد في موارد كثيره غير تبوك ، كما في كتب القوم ...فلا تبقی شبههٌ في إفادته للعموم.

وختم البحث ببعض المشابهات الموجوده بين عليّ وهارون علی ضوء الروايات.

رواته من الصحابه وكثره طرقه وتواتره :

ذكر السيّد رحمه اللّٰه أسماء عدّه من رواه هذا الحديث من الصحابه ، ولم يكن بصدد الاستقصاء ، فرواته منهم في كتب القوم بالأسانيد أكثر بكثير ، خاصّهً

__________________

(١) وتبقی ناحية المتن ، ولم يتعرض لها السيّد ، وذلك ـ باختصارٍ ـ أنه لمّا رأي بعضهم أنْ لا جدوی في المناقشه في السند والدلاله ، عمد إلی التصرّف في لفظ الحديث ، وحرّف «هارون» إلی «قارون» فذكرنا قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»!

١٩٣

بالنظر إلی موارد وروده ، وقد رواه الحافظ ابن عساكر عن أكثر من عشرین ؛ ولذا قال ابن كثير : «قد تقصّی ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة عليّ من تاريخه ، فأجاد وأفاد ، وبرز علی النظراء والأشباه والأنداد ، فرحمه ربّ العباد يوم التناد» (١).

وقال الحافظ ابن حجر : «قد استوعب طرقه ابن عساكر في ترجمة عليّ» (٢).

وكذا القاضي أبو القاسم التنوخی ، المتوفي سنه ٤٤٧ ـ قال الخطيب (٣) : كتبت عنه وسمعته ، وكان محتاطاً صدوقاً في الحديث ـ في كتابٍ مفردٍ (٤).

بل ذكر الحاكم الحسكاني عن شيخه أبي حازم الحافظ ، أنّه كان يقول : «خرّجته بخمسه آلاف إسناد» (٥).

بل عن غير واحدٍ من الأئمّة التصريح بأنّه من أثبت الأخبار وأصحّها ، كالحافظ ابن عبد البرّ (٦) ، والحافظ المزی (٧).

بل عن غير واحدٍ منهم التنصيص علی تواتره ، كالحاكم النيسابوري (٨)

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤١.

(٢) فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٧ : ٦٠.

(٣) تاريخ بغداد ١٢ : ١١٥.

(٤) الطرائف في معرفه مذاهب الطوائف ١ : ٧٥ الطبعه الحديثه.

(٥) شواهد التنزيل ١ : ١٥٢.

(٦) الاستيعاب ٣ : ١٠٩٧.

(٧) تهذيب الكمال ٢٠ : ٤٨٣.

(٨) كفآيه الطالب : ٢٨٣.

١٩٤

وجلال الدين السيوطي (١) ، والشيخ علی المتّقی الهندی (٢).

وجوده في الصحيحين :

ثمّ إنّ هذا الحديث مخرّج في كتأبي البخاري ومسلم المشهورین بالصحيحين ..

قال ابن حجر : «هما أصحّ الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدُّ به» (٣).

وقال جماعه من الأئمّة بأن أحاديثهما مقطوعه الصدور (٤).

وهو أيضاً في سائر الصحاح ، وفي المسانید والمعاجم المشهوره المعتبره عندهم ، وكذا في غيرها من كتب الحديث والتفسير والتراجم ، وقد ذكر السيّد بعضها ، ولا حاجه إلی التطويل.

فيكون حديث المنزله من الأحاديث المتواتره المقطوع بصدورها عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

تشكيك الآمدي :

لكنّهم متی كان الحديث يضرّ بمذهبهم في الخلافه حاولوا تضعیفه أو التشكيك في صحّته ، حتّی مع كونه في الصحيحين وبطرقٍ متعدّده!! ولذا تراهم يستندون في الجواب عن حديث المنزله إلی تشكيك الآمدی ..

__________________

(١) الأزهار المتناثره في الأخبار المتواتره ـ حرف الألف.

(٢) قطف الأزهار المتناثره : ١٠٣/٢٨١.

(٣) الصواعق المحرقه : ١٨.

(٤) تدريب الراوي ١ : ١٤١ ؛ وغيره من كتب علم الحديث.

١٩٥

قال في شرح المواقف : «والجواب : منع صحّه الحديث كما منعه الآمدی ...» (١).

هذا ، مع علمهم بحال الآمدی ، الذي ذكر الذهبي أنّه : «قد نُفي من دمشق لسوء اعتقاده ، وصحّ أنّه كان يترك الصلاه. نسأل اللّٰه العافيه» (٢).

وعجيب أمر هؤلاء!!

فمتی شاءت أهواؤهم رجعوا إلی كتأبي البخاري ومسلم لإثبات حديث ، قائلین : هو من أحاديث الصحيحين ، أو لردّ حديث ، متشبّثین بعدم إخراج الشيخين له ، ومتی ما شاءت أهواؤهم أنْ يردّوا حديثاً ، تكلّموا فيه وشككوا في صحّته ، مع وجوده فيهما ، متناسین ما يزعمونه لهما من المنازل والمقامات ، في الیقظه والمنامات!!

وكذلك الاعتماد علی الأشخاص والاستناد إلی أقوالهم ، فلو راجعت كتبهم في الحديث والرجال ، لرأيتهم يكثرون من النقل عن عبد الرحمن بن خراش والأخذ بآرائه ، لكنّه لمّا قال بكذب حديث : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقه» جعلوا يسبّونه سبّ الّذين كفروا (٣)!!

وأيضاً تراهم يعتمدون في جرح من أرادوا جرحه علی تجریحات أبي الفتح الأزدي ، فإنْ جَرَح من يریدون توثیقه قالوا : «لیت الأزدي عرف ضعف نفسه!!» (٤).

__________________

(١) شرح المواقف ٨ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣.

(٢) ميزان الاعتدال ٢ : ٢٥٩.

(٣) راجع ترجمته في : تذكره الحفّاظ ، سير أعلام النبلاء ، ميزان الاعتدال ٢ : ٦٠٠.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٣٨٩.

١٩٦

وعلی الجملة ، فإنّهم يتّبعون الأهواء والمیول في الردّ والقبول ، للأحاديث والأقوال ، ولنكتفِ بهذا القدر لضيق المجال ..

هذا كلّه في ما يتعلّق بجهه السند.

وفي جهه الدلاله نقاط :

ظهور لفظه في العموم :

إنّ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «أنت مني بمنزله هارون من موسی إلّا النبوّه» ظاهر في عموم المنزله ؛ لأنّ كلمه «المنزله» اسم جنس جاء مضافاً إلی «هارون» ، ثمّ استثني من ذلك «النبوّه» بكلمه «إلّا» الاستثنائیه ..

وقد نصّوا علی أنّ اسم الجنس المضاف من ألفاظ العموم ، كما لا يخفي علی من يراجع كتب الأُصول والأدب وغيرهما من العلوم ، ك : شرح مختصر الأُصول في مبحث الصیغ الموضوعه للعموم ، وفي مباحث العموم والخصوص من شرح جمع الجوامع ، وعقد له ابن نجيم قاعدهً في كتاب الأشباه والنظائر ، وتعرّض له شرّاح المطوّل والمختصر بشرح كلام التفتازاني في بيان قول الماتن : «فمقتضی الحال هو الاعتبار المناسب للحال والمقام» ، والنحويّون في مباحث لزوم حذف الخبر ، كما في شرح المفصّل لابن الحاجب ، وشرح الكافيه للرضي الاسترآبادی.

وأيضاً ، فقد نصّوا علی أنّ : «معيار العموم جواز الاستثناء» ، كما لا يخفي علی من راجع منهاج الوصول في علم الأُصول للبيضاوی وشروحه ، وفواتح الرحموت (١).

وبهذا يتمُ المقتضی للاستدلال بهذا الحديث ، وهل من مانع؟!

__________________

(١) فواتح الرحموت في شرح مسلّم الثبوت ١ : ٢٦١ هامش المستصفي.

١٩٧

ورود الحديث في موارد كثيره :

قالوا : إنّ هذا الكلام إنّما قاله رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لدی خروجه إلی تبوك بسبب تكلّم بعض المنافقين ، فيكون قرينهً علی عدم إراده العموم ، واختصاص الاستخلاف بذلك المورد فقط ، فیسقط الاستدلال.

فأجاب السيّد رحمه اللّٰه بوجهين :

الوجه الأوّل : إنّ الحديث في نفسه عامّ كما علمت ، فمورده ـ لو سلّمنا كونه خاصّاً ـ لا يخرجه عن العموم ، لأنّ المورد لا يخصّص الوارد ، كما هو مقرّر في محلّه.

قلت :

فإشكال ابن تيميّة (١) بذلك جهلٌ أو تعصّب ، ولذا يقول التفتازاني بعد ذكر هذا الإشكال : «فربّما يدفع بأنّ العبره بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» (٢).

الوجه الثاني : إنّ الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف عليّ علی المدينه في غزوه تبوك ، لیتشبّث الخصم بتخصیصه ...فذكر رحمه اللّٰه موارد عديده ، مستنداً فيها إلی كتب القوم.

قلت :

وقد كتبت سابقاً رسالهً (٣) في موارد حديث المنزله ، وصحّحت بعض

__________________

(١) منهاج السُنّة ٧ : ٣٢٧.

(٢) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٦.

(٣) مطبوعه في آخر الجزء (١٨) من كتابنا الكبير نفحات الأزهار في خلاصه عبقات الأنوارفي إمامه الأئمّة الأطهار.

١٩٨

أسانيدها ، وأنا ذاكرٌ هنا خلاصه تلك الرساله :

المورد ١ و ٢ : المؤاخاه الأُولي والثانية ؛ روی ذلك : أحمد بن حنبل (١) ، والطبراني (٢) ، وأبو نعيم (٣) ، وابن عساكر (٤) ، وغيرهم ..

رووه عن ابن أبي أوفي ، ومحدوج بن زيد الذهلی ، وعبد اللّٰه بن العبّاس ، وأنس بن مالك ، وعمر بن الخطّاب ، ويعلی بن مرّه.

وسيأتي بعض الكلام علی قضیّه المؤاخاه وأنّها كانت مرّتین ، وأنّ ابن تيميّة كذّبها بالمرّه.

المورد ٣ و ٤ : عند ولاده الحسن وولاده الحسين عليهما السلام ؛ روی ذلك : الملاّ في سيرته (٥) ، ومحبّ الدين الطبري (٦) ، والخوارزمی عن البيهقي بسنده ، عن الإمام عليّ بن موسی الرضا ، عن آبائه ، عن أسماء بنت عميس (٧).

المورد ٥ : يوم خیبر ؛ روی ذلك بالأسانيد : ابن المغازلی (٨) ، والموفّق الخوارزمی (٩) ، وأبو عبد اللَّه الكنجی (١٠).

__________________

(١) كما في كنز العمّال ٩ : ١٦٧ ح ٢٥٥٥٤ ، وج ١٣ : ١٠٥ ح ٣٦٣٤٥.

(٢) المعجم الكبير ١١ : ٧٥ ح ١١٠٩٢.

(٣) كما في طريق ابن عساكر.

(٤) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ٥٢ ـ ٥٣ وص ١٦٩.

(٥) وسیله المتعبّدين ٥ : ٢٢٥.

(٦) ذخائر العقبی : ٢٠٩.

(٧) مقتل الحسين ١ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٨) مناقب عليّ بن أبي طالب : ٢٨٥/٢٣٧.

(٩) المناقب للخوارزمی : ١٤٣/١٢٨.

(١٠) كفآيه الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب : ٢٦٤.

١٩٩

المورد ٦ : عند النهی عن الرقاد في المسجد ؛ روی ذلك : ابن عساكر (١).

المورد ٧ : عند سدّ الأبواب ؛ روی ذلك : ابن المغازلی الشافعي (٢).

وسيأتي الكلام علی حديث سدّ الأبواب.

المورد ٨ : يوم خرج متّكئاً علی عليّ ؛ روی ذلك : المتّقی الهندی عن جماعه (٣) ، وابن عساكر (٤) ، وغيرهم.

المورد ٩ : في بيت أُمّ سلمه ؛ روی ذلك : الطبراني (٥) ، وابن عساكر (٦) ، وغيرهما.

المورد ١٠ : في قضيه يرويها أنس بن مالك ؛ روی ذلك : ابن مردويه (٧).

المورد ١١ : في قضیه بنت حمزه عليه السلام ؛ روی ذلك : النسائي (٨) ، وابن عساكر (٩).

المورد ١٢ : يوم غدير خمّ ؛ روی ذلك ابن خلّكان في تاريخه (١٠).

__________________

(١) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ١٣٩.

(٢) مناقب علی بن أبي طالب : ٣٠٣/٢٥٥.

(٣) كنز العال ١٣ : ١٢٢ ح ٣٦٣٩٢.

(٤) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ١٦٧.

(٥) المعجم الكبير ١٢ : ١٨ ح ١٢٣٤١.

(٦) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ٤٢.

(٧) وعنه في كشف الغمه في معرفه الأئمه ١ : ٣٤٣.

(٨) خصائص أمير المؤمنين علی : ٨٨. طبع مكتبه نینوی الحديثه. تحقيق : محمد هادی الأميني.

(٩) تاريخ مدينه دمشق ٤٢ : ١٧٠.

(١٠) وفيات الأعيان ٥ : ٢٣١.

٢٠٠