تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

وأبي عبيدة ...» (١).

* وقال أبو حيان الأندلسي بتفسير قوله تعالی : (قُلْ لَنْ يصِيبَنٰا إِلاّٰ مٰا كتَبَ اللّٰهُ لَنٰا هُوَ مَوْلاٰنٰا وَعَلَی اللّٰهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ) (٢) :

«...وقال الكلبي : أولي بنا من أنفسنا في الموت والحياه. وقيل : مالكنا وسیّدنا ، فلهذا يتصرّف كيف شاء ، فيجب الرضا بما يصدر من جهته ...» (٣).

فهذا رأي «محمّد بن السائب الكلبي» و «الفرّاء» و «الزجّاج» و «أبي عبيدة» ..

أمّا «الكلبي» فمفسّر مشهور ، توفي سنه ١٤٦.

وأمّا «الفرّاء» فهو «أبرع الكوفيّين وأعلمهم بالنحو واللّغه وفنون الأدب» (٤) ، توفي سنه ٢٠٧.

وأمّا «الزجّاج» فهو «الإمام في العربيه» (٥) ، توفي سنه ٣١١.

وأمّا «أبو عبيدة» فهو «معمر بن المثني التيمي البصري اللّغوي العلّامه الأخباري ، صاحب التصانيف ، وكان أحد أوعية العلم» (٦) ، توفي سنه ٢١٠.

* وقال الفخر الرازي : «إنّ أبا عبيدة قال في قوله تعالی : (مَأْوٰاكمُ النّٰارُ هِیَ مَوْلاٰكمْ) : معناه : هی أولي بكم ؛ وذكر هذا أيضاً : الأخفش والزجّاج وعلی بن

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٢٧.

(٢) سوره التوبه ٩ : ٥١.

(٣) البحر المحيط ٥ : ٤٣٣.

(٤) وفيات الأعيان ٦ : ١٧٦ ؛ وانظر : تذكره الحفّاظ ١ : ٣٧٢ ، مرآه الجنان ، العبر ، وغيرهما.

(٥) تهذيب الأسماء واللّغات ٢ : ١٧٠.

(٦) العبر : حوادث ٢١٠ ، تذكره الحفّاظ ١ : ٣٧١ ، المزهر في اللّغه ٢ : ٤٠٢.

٣٦١

عيسی ، واستشهدوا ببيت لبيد ...» (١).

و «الأخفش» هو «من أئمّة العربيه» (٢) ، توفي سنه ٢١٥.

و «علی بن عيسی» هو «الرمّاني» : «شيخ العربيه (٣) ، توفي سنه ٣٨٤.

* وقال الحسين بن أحمد الزوزني (٤) بشرح بيت لبيد :

 فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه مولي المخافه خلفها وأمامها

«قال ثعلب : إنّ المولي في هذا البيت بمعني الأولي بالشيء ، كقوله تعالی : (مَأْوٰاكمُ النّٰارُ هِیَ مَوْلاٰكمْ) أي : هی الأولي بكم ...» (٥).

وهذا رأي ثعلب ؛ قال الذهبي : العلّامه المحدّث شيخ اللّغه والعربيه (٦) ، المتوفي سنه ٢٩١.

* وقال الجوهری بشرح قول لبيد :

«يريد : إنّه أولي موضع أن يكون فيه الخوف» (٧) ..

قال الذهبي بترجمته : «والجوهری ـ صاحب الصحاح ـ : أبو نصر

__________________

(١) نهآيه العقول في الكلام ودرآيه الأُصول ـ مخطوط.

(٢) وفيات الأعيان ٢ : ٣٨٠ ، مرآه الجنان : حوادث ٢١٥ ، وغيرهما.

(٣) العبر : حوادث ٣٨٤ ، وفيات الأعيان ٣ : ٢٩٩ ، بغیه الوعاه ٢ : ١٨٠.

(٤) قال السيوطي بترجمته في بغیه الوعاه في طبقات اللغویین والنحاه ١ : ٥٣١ ، «الحسين بن أحمد الزوزني القاضي ، أبو عبد اللَّه ، قال عبد الغافر : إمام عصره في النحو واللّغه والعربيه. مات سنه ٤٨٦».

(٥) شرح المعلّقات السبعه : ٩١.

(٦) تذكره الحفّاظ ٢ : ٦٦٦ ، تاريخ بغداد ٥ : ٢٠٤ ، وفيات الأعيان ١ : ١٠٢.

(٧) صحاح اللّغه وتاج العربيه ، مادّه «ولي».

٣٦٢

إسماعيل بن حمّاد التركی اللّغوی ، أحد أئمّة اللسان ...» (١).

ووصف السيوطي كتابه الصحاح بقوله : «فهو في كتب اللّغه نظير صحيح البخاري في كتب الحديث ، وليس المدار في الاعتماد علی كثره الجمع بل علی شرط الصحّه» (٢).

* وقال البغوي بتفسير الآيه : (مَأْوٰاكمُ النّٰارُ هِیَ مَوْلاٰكمْ) :

«صاحبكم وأولي بكم ؛ لِما أسلفتم من الذنوب» (٣).

* وقال الزمخشری بتفسيرها :

«قيل : هی أولي بكم ، وأنشد بيت لبيد ...» (٤).

* وقال في أساس البلاغه في مادّه «ولي» :

«ومولأي : سیدی وعبدی ، ومولي من الولايه : ناصر ، وهو أولي به» (٥).

* وقال أبو الفرج ابن الجوزي بتفسير الآيه :

«قال أبو عبيدة : أي أولي بكم» (٦).

* وقال النيسابوري :

«قيل : المراد أنّها تتولي أُموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل : أراد هی أولي بكم ؛ قال جار اللّٰه : حقيقته هی محراكم ومقمنكم ، أی مكانكم الذي يقال فيه : هو أولي بكم ، كما قيل : هو مئنه للكرم ، أي : مكان لقول

__________________

(١) العبر : حوادث سنه ٣٩٨ ، بغیه الوعاه ١ : ٤٤٦.

(٢) المزهر في اللّغه ١ : ١٠١.

(٣) معالم التنزيل ٥ : ٣١٢.

(٤) الكشّاف ٦ : ٤٧.

(٥) أساس البلاغه ، مادّه «ولي».

(٦) زاد المسير في علم التفسير ٨ : ١٦٧.

٣٦٣

القائل : إنّه لكريم» (١).

* وبتفسير الآيه : (وَاللّٰهُ مَوْلاٰكمْ) (٢) :

«متولي أُموركم ، وقيل : أولي بكم من أنفسكم ، ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم» (٣).

* وقال القاضي البيضاوي بتفسير الآيه : (هِیَ مَوْلاٰكمْ) :

«هی أولي بكم ، كقول لبيد ...حقيقته : محراكم ، أي مكانكم الذي يقال فيه : أولي بكم» (٤) ..

* وقال النسفي كذلك بالنصّ بتفسيرها في تفسيره الشهير (٥).

* وكذا بتفسير الجلالين (٦) ..

* وبتفسير أبي السعود (٧).

ولا يخفي : أنّ هؤلاء أئمّة التفسير عند القوم ، وكتبهم أشهر التفاسير المعتمده في ما بينهم ..

واعترف بذلك كبار علماء الكلام ، كالسعد التفتازاني والعلاء القوشجی وغيرهما ؛ فقد جاء في شرح المقاصد وفي شرح التجريد ، وهما من أشهر كتبهم في العقائد ما نصّه : «ولفظ (المولي) قد يراد به : المعتق ، والحليف ، والجار ، وابن

__________________

(١) تفسير غرائب القرآن ٦ : ٢٥٦.

(٢) سوره التحريم ٦٦ : ٢.

(٣) تفسير غرائب القرآن ٦ : ٣٢٠.

(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل : ٧١٦.

(٥) تفسير النسفي ـ مدارك التنزيل ٢ : ٦٤٨.

(٦) تفسير الجلالين بهامش تفسير البيضاوي ٢ : ٤٥٤.

(٧) تفسير أبي السعود العمادي ٨ : ٢٠٨.

٣٦٤

العم ، والناصر ، والأولي بالتصرّف ..

قال اللّٰه تعالی : (مَأْوٰاكمُ النّٰارُ هِیَ مَوْلاٰكمْ) أي : أولي بكم ؛ ذكره أبو عبيدة.

وقال النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أیّما امرأه نكحت بغير إذن مولاها ... أي : الأولي بها ، والمالك لتدبیر أمرها.

ومثله في الشعر كثير.

وبالجملة ، استعمال المولي بمعني : المتولي ، والمالك للأمر ، والأولي بالتصرّف ، شائع في كلام العرب ، منقول عن كثير من أئمّة اللّغه. والمراد : إنّه اسم لهذا المعني لا أنّه صفه بمنزله الأولي ، لیعترض بأنّه ليس من صیغه أفعل التفضيل وأنّه لا يستعمل استعماله» (١).

أقول :

وفي هذا الكلام فوائد :

١ ـ مجیء «المولي» بمعني «الأولي» في الكتاب والسُنّة الصحيحه والشعر الكثير.

٢ ـ إنّه منقول عن كثير من أئمّة اللّغه.

٣ ـ عدم ورود الاعتراض بأنّ «المولي» لا يستعمل استعمال «الأولي».

وقد أشار التفتازاني والقوشجی بذلك إلی اعتراض الفخر الرازي علی تلك الاستعمالات الفصيحة الشائعة ، بأنّه إذا كان «المولي» يجیء بمعني «الأولي» ، فلما ذا لا يصحّ أن يقال : «فلان مولي منك» بدلاً من : «أولي منك»؟!

هذا الاعتراض الذي أخذه الدهلوی ، وقلّده الجهله ، في مقام الجواب عن

__________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٢٧٣ ، شرح التجرید : ٣٦٩.

٣٦٥

الاستدلال بحديث الغدير ، طرحه الرازي بتفسير (هِیَ مَوْلاٰكمْ) ؛ إذ قال ـ بعد ذكر قول أئمّة اللّغه بأنّ المعني : «أولي بكم» ـ :

«واعلم أنّ هذا الذي قالوه معني وليس بتفسير للّفظ ؛ لأنّه لو كان «مولي» و «أولي» بمعني واحد في اللّغه ، لصحّ استعمال كلّ واحد منهما في مكان الآخر ، فكان يجب أن يصحّ أن يقال : هذا مولي من فلان ، كما يقال : هذا أولي من فلان ... ولمّا بطل ذلك ، علمنا أنّ الذي قالوه معني وليس بتفسير» (١).

ولكنّه في كتاب نهآيه العقول عدل عن ذلك ؛ إذ قال : «إنّ المولي لو كان يجیء بمعني الأولي لصحّ أن يقرن بأحدهما كلّ ما يصحّ قرنه بالآخر ، لكنّه ليس كذلك ، فامتنع كون المولي بمعني الأولي ...إنّه لا يقال : هو مولي من فلان ، كما يقال : هو أولي من فلان ...» ثمّ قال في نهآيه كلامه : «وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأُصول» (٢).

والنيسابوري ـ الذي تبع الرازي في كثير من المواضع ـ قال هنا : بأنّ في ما ذكره بحثاً لا يخفي (٣).

أقول :

وجه النظر والبحث : وجود موارد كثيره من المترادفین لا يجوز في اللّغه قيام أحدهما مقام الآخر ، وأنّ بينهما فروقاً عديدة ..

مثلاً : مدلول «حتّی» و «إلی» هو الغآيه ، إلّا أنّ الثاني يدخل علی الضمير

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٢٧.

(٢) نهآيه العقول ـ مخطوط.

(٣) تفسير غرائب القرآن ٦ : ٢٥٦.

٣٦٦

دون الأوّل.

و : مدلول «الواو» و «حتّی» العاطفتین واحد ، لكنّ بينهما فروقاً ذكرها ابن هشام في مغني اللبيب.

وكذا الحال في «إلّا» و «غير» ، و «هل» و «الهمزه» الاستفهاميّتين ، كما في كتاب الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي.

حديث الغدير بلفظ : «مَن كنت أولي به ...» :

هذا ، وقد ورد حديث الغدير بلفظ : «مَن كنت أولي به من نفسه ...» في بعض المصادر المعتبره ، وهذا أيضاً من جمله مثبتات مجیء «المولي» بمعني «الأولي» ..

فقد أخرج الطبراني ، بإسناده عن زيد بن أرقم : «ثمّ أخذ بيد عليّ رضي اللّٰه عنه فقال : مَن كنت أولي به من نفسی فعليّ وليه ، اللّٰهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه» (١).

حديث الغدير بلفظ : «مَن كنت وليه فعليّ وليه ...» :

وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجه والطبري والحاكم والذهبي وابن كثير وغيرهم ، بأسانيد صحيحه عن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أنّه قال يوم غدير خمّ : «مَن كنت وليه فهذا وليه» (٢).

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ٤٩٧١/١٦٧ ، مسند زيد بن أرقم.

(٢) مسند أحمد ٦ : ٤٨٠ ، ٤٩١ ، ٤٩٧ ، خصائص علی بن أبي طالب : ٢٤/٥٤ ، سُنن ابن ماجه ١ : ١١٦/٨٨ ، المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٠٩ ، كنز العمّال ١٣ : ١٠٤ ، ١٠٥ ، ١٣٥ ، البدآيه والنهآيه ٥ : ٢٠٩.

٣٦٧

وتلخّص :

إنّ «المولي» يجیء بمعني «الأولي». وقد اعترف بذلك أئمّة القوم في التفسير والحديث والكلام واللّغه والأدب ، وذكروا لذلك شواهد من الكتاب والسُنّة والشعر ...فسقط الإشكال علی دلاله حديث الغدير من جهه تفسير «المولي» فيه ب : «الأولي» ، وظهر كذب دعوی إجماع أهل العربيه علی عدم مجیء مفعل بمعني أفعل في شيء من المواد فضلاً عن هذه المادّه!

بل لقد ثبت ورود حديث الغدير بنفس لفظه «الأولي» بأسانيد القوم في كتبهم المعتبره.

ما الدليل علی كون صله «الأولي» هو «بالتصرّف»؟

ثمّ إنّهم بعد ما اضطرّوا إلی التسليم والاعتراف بمجیء «المولي» بمعني «الأولي» ، جعلوا يطالبون بالدليل علی كون صله «الأولي» هو «بالتصرّف» ، وإنّه لما ذا لا تكون الصله «بالمحبّه» مثلاً؟

فنقول :

أوّلاً : قد ثبت أنّ «المولي» يجیء بمعني «المتصرّف في الأمر» ؛ فقد ذكر الرازي بتفسير قوله تعالی : (وَاعْتَصِمُوا بِاللّٰهِ هُوَ مَوْلاٰكمْ) (١) : «...هو مولاكم : سيّدكم والمتصرّف فيكم ...» (٢).

__________________

(١) سوره الحج ٢٢ : ٧٨.

(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ٧٤.

٣٦٨

وقال النيسابوري بتفسير الآيه : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَی اللّٰهِ مَوْلاٰهُمُ الْحَقِّ) (١) : «والمعني : إنّهم كانوا في الدنيا تحت تصرّفات الموالي الباطله ، وهی النفس والشهوه والغضب ، فإذا ماتوا انتقلوا إلی تصرف المولي الحقّ» (٢).

وثانياً : قد ثبت مجیء «المولي» بمعني «متولي الأمر» (٣) ، ولا فرق بين «المتولي» و «المتصرّف» كما لا يخفي.

ونكتفي بعباره الفخر الرازي بتفسير قوله تعالی : (أَنْتَ مَوْلاٰنٰا فَانْصُرْنٰا عَلَی الْقَوْمِ الْكٰافِرِينَ) (٤) ، قال : «وفي قوله : (أَنْتَ مَوْلاٰنٰا) ، فائده أُخری ، وذلك : إنّ هذه الكلمه تدلّ علی نهآيه الخضوع والتذلّل والاعتراف بأنّه سبحانه هو المتولي لكلّ نعمه يصلون إليها ، وهو المعطی لكلّ مكرمه يفوزون بها ، فلا جرم أظهروا عند الدعاء أنّهم في كونهم متّكلین علی فضله وإحسانه ، بمنزله الطفل الذي لا تتمّ مصلحته إلّا بتدبیر قیّمه ، والعبد الذي لا ينتظم شمل مهمّاته إلّا بإصلاح مولاه ، فهو سبحانه قيوم السماوات والأرض والقائم بإصلاح مهمّات الكلّ ، وهو المتولي في الحقيقة للكلّ علی ما قال ، (نِعْمَ الْمَوليٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٥)» (٦).

وثالثاً : قد ثبت مجیء «المولي» بمعني «الملیك» ، وهل «الملیك» إلّا

__________________

(١) سوره الأنعام ٦ : ٦٢.

(٢) تفسير رائب القرآن ٣ : ٩٥ ، وانظر : تفسير الفخر الرازي ١٣ : ١٨.

(٣) الكشاف ٢ : ٣٥٦ ، أنوار التنزيل وأسرار التأويل : ٧١٦ ، تفسير النسفي ١ : ٣٦٩ ، البحر المحیط ٥ : ٤٣٣ و ٦ : ٥٢ ، تفسير رائب القرآن ٦ : ٣٢٠ ، تفسير الجلالین بهامش تفسير البیضاوی ٢ : ١٠١ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٢٦٦.

(٤) سوره البقره ٢ : ٢٨٦.

(٥) تفسير الرازي ٧ : ١٦١.

(٦) تفسير الرازي ٧ : ١٦١.

٣٦٩

«المتصرّف في الأُمور»؟!

لقد نصَّ علی مجیء «المولي» بالمعني المذكور البخاري في كتاب التفسير ؛ قال : «باب (وَلِكلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِیَ مِمّٰا تَرَك الْوٰالِدٰانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَیْمٰانُكمْ فَآتُوهُمْ نَصِیبَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلیٰ كلِّ شيء شَهِیداً) (١) : وقال معمر : موالی : أولياء ، ورثه. عاقد أیمانكم : هو مولي الیمین ، وهو الحلیف. والمولي أيضاً : ابن العم ، والمولي : المنعم المعتق ، والمولي : المعتق ، والمولي : الملیك ، والمولي : مولي في الدين» (٢) ..

فالمولي يجیء بمعني «الملیك».

قال العیني والقسطلاني في شرحیهما علی صحيح البخاري : «المولي : الملیك ؛ لأنّه يلی أُمور الناس» (٣).

ورابعاً : قد ثبت مجیء «المولي» بمعني «السيّد» ، ومن الواضح أنّ «الإمام» و «الرئیس» و «ولي الأمر» هو : «السيّد» المطلق.

وخامساً : إن صله «الأولي» هی لفظه «التصرّف» أو نحوها من الألفاظ الدالّه علی وجوب الإطاعه والامتثال والانقياد ...ممّا هو مقتضی الولايه العامّه ، ولقد فهم الشيخان أبو بكر وعمر من لفظ حديث الغدير الأولویّه «بالاتّباع والقرب» كما اعترف بذلك ابن حجر المكی في مقام الجواب عن حديث الغدير ؛ ـ إذ قال :

__________________

(١) سوره النساء ٤ : ٣٣.

(٢) تفسير ابن كثير والكشّاف ذيل الآيه ، تهذيب الأسماء واللّغات ٤ : ١٩٦ ، النهآيه ـ لابن الأثير ـ : مادّه «ولي» ، مرقاه المفاتیح ٥ : ٥٦٨ ، فتح الباری ٨ : ١٩٩ وغيرها.

(٣) عمده القاری ١٨ : ١٧٠ ، ارشاد الساری ٧ : ٨٠.

٣٧٠

«سلّمنا إنّه (أولي) لكنْ لا نسلّم أنّ المراد أنّه أولي بالإمامه ، بل بالاتّباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالی : (إِنَّ أَولي النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِیمَ لَلَّذِینَ اتَّبَعُوهُ) ، ولا قاطع بل ولا ظاهر علی نفي هذا الاحتمال ، بل هو واقع إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر ، وناهیك بهما في الحديث ، فإنّهما لمّا سمعاه قالا له : أمسیت يا ابن أبي طالب مولي كلّ مؤمن ومؤمنه. أخرجه الدارقطني ..

وأخرج أيضاً أنّه قيل لعمر : إنّك تصنع بعلی شيئاً لا تصنعه بأحدٍ من أصحاب النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم؟ فقال : إنّه مولأي» (١).

ولقد فُسّر «المولي» في قوله تعالی : (وَلِكلٍّ جَعَلْنٰا مَوٰالِیَ ...) ب : «الوارث الأولي» ضمن وجوهٍ عدیده ؛ قال الرازي : «وكلّ هذه الوجوه حسنه محتمله» (٢).

وسادساً : إنّه قد جوّز غير واحدٍ من كبار علماء القوم أن يكون «بالتصرّف» صله للفظه «الأولي» ، إلّا أنّهم توهّموا أن ذلك يستلزم أن يكون الإمام عليه السلام متصرّفاً في حياه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ؛ فقال القاری بشرح حديث الغدير : «في شرح المصابیح للقاضی : قالت الشيعه : المولي هو المتصرّف ، وقالوا : معني الحديث أنّ عليّاً رضي اللّٰه عنه يستحقّ التصرّف في كلّ ما يستحقّ الرسول صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم التصرّف فيه ، ومن ذلك أُمور المؤمنين ، فيكون إمامهم. قال الطیّبی : لا يستقیم أن يحمل الولايه علی الإمامه التی هی التصرّف في أُمور المؤمنين ؛ لأنّ المتصرّف المستقلّ في حياته صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم هو لا غير ، فیجب أن يحمل علی المحبّه وولاء الإسلام ونحوهما» (٣).

__________________

(١) الصواعق المحرقه : ٦٧.

(٢) تفسير الرازي ١٠ : ٨٦.

(٣) مرقاه المفاتیح ٥ : ٥٦٨.

٣٧١

أقول :

وحاصل هذا الكلام : وجود المقتضی لأن تكون الصله «بالتصرّف» ، بل إنّ الحديث ظاهر في ذلك ، وهذا هو المطلوب ، لكنّ استقلال النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بالتصرّف مانع من الأخذ بالظاهر ؛ قال : «فیجب أن يحمل علی المحبّه وولاء الإسلام ونحوهما». وسيأتي الجواب عن هذا.

وهل ذكر المحبّه والعداوه دليل علی الحمل المذكور؟

وقد يدّعی أنّ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في ذيل الحديث : «اللّٰهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ...» دليل علی عدم إراده «الأولي بالتصرّف» من «المولي» ، وعلی هذا «فیجب أنْ يحمل علی المحبّه وولاء الإسلام ونحوهما».

فنقول :

أوّلاً : هذا الاستدلال ممّن يقلِّد ابن تيميّة في أباطیله عجيب للغآيه ، وذلك لأنّ ابن تيمية يكذّب بهذه الفقره من حديث الغدير ؛ إذ يقول (١) في وجوه الجواب عنه : «الوجه الخامس : إنّ هذا اللفظ ـ وهو قوله : «اللّٰهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله» ـ كذبٌ باتّفاق أهل المعرفة بالحديث ...» (٢).

__________________

(١) منهاج السُنّة ٧ : ٥٥.

(٢) لكنّ الفقره هذه ثابته بالأسانيد المعتبره علی أُصولهم ؛ راجع : مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٨٩ ، ٥ : ٤٩٤ و ٤٩٨ و ٥٠١ ، المصنّف ١٢ : ٦٧ ، ٧٨ ، الخصائص ـ للنسائی ـ : ٢٢٠ ، سُنن ابن ماجه ١ : ٨٨ ، البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٧ ، كنز العمّال ١٣ : ١٦٨ ، مشكل الآثار ٢ : ٣٠٨ ، المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١١٦ ، وغيرها.

٣٧٢

وقد عرفت الكاذب!!

وثانياً : إنّ في جملهٍ من ألفاظ هذا الدعاء في حديث الغدير كلمه «والِ من والاه ...» وكلمه «أحب من أحبّه ...» معاً ، وهذا من الشواهد علی أنّ «المولي» وكذا «والِ من ولاه» ليس بمعني «المحبّه» وإلّا لزم عطف الشيء علی نفسه ..

قال ابن كثير : «قال الطبراني : ثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد اللَّه بن كیسان المديني سنه ٢٩٠ ، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلی ....

ورواه أبو العبّاس ابن عقده الحافظ الشيعي ، عن الحسن بن علی بن عفّان العأمري ، عن عبيد اللّٰه بن موسی ، عن فطر ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ذی مر وسعيد بن وهب ، وعن زيد بن يثیع ، قالوا : سمعنا عليّاً يقول في الرحبه : فذكر نحوه. فقام ثلاثه عشر رجلاً فشهدوا إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّٰهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه ، وأحب من أحبّه وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره واخذل من خذله.

قال أبو إسحاق ـ حين فرغ من هذا الحديث ـ : يا أبا بكر! أي أشياخ هم؟» (١).

ورواه المتّقی عن البزّار وابن جرير والخلعی في الخلعيات ، وقال : قال الهيثمي : رجال إسناده ثقات. قال ابن حجر : ولكنّهم شيعه» (٢).

وثالثاً : إنّه قد استبعد بعض أكابر القوم هذا الحمل ، كالحافظ محبّ الدين

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٧.

(٢) كنز العمّال ١٣ : ١٥٨.

٣٧٣

الطبري الشافعي ؛ إذ قال : قد حكی الهروی عن أبي العبّاس : إنّ معني الحديث : من أحبّني ويتولّاني فلیحبَّ عليّاً ولیتولّه.

وفيه عندی بُعد ؛ إذ كان قياسه علی هذا التقدير أن يقول : من كان مولأي فهو مولي عليّ ، ويكون المولي ضدّ العدو ، فلمّا كان الإسناد في اللفظ علی العكس بعُد هذا المعني ...» (١).

ورابعاً : إنّ قول النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : «اللّٰهمّ والِ من والاه ...» دعاء دعا به بعد الفراغ من الخطبه ، ولو كانت لفظه «المولي» بحاجهٍ إلی تبيين ، فإنّ الجملة السابقه علی «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ، وهی : «ألست أولي بكم من أنفسكم؟!» أو : «ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟!» وخاصّهً ما اشتمل من ألفاظ الحديث علی «فاء» التفریع ؛ إذ قال : «فمن كنت مولاه ...» هی القرینه المعیّنه للمعني والرافعه للإبهام المزعوم في الكلام.

ومن رواه تلك المقدّمه في حديث الغدير :

أحمد بن حنبل ، وأبو عبد الرحمن النسائي ، وأبو عبد اللَّه ابن ماجه ، وأبو بكر البزّار ، وأبو يعلی الموصلي ، وأبو جعفر الطبري ، وأبو القاسم الطبراني ، وأبو الحسن الدارقطني ، وأبو موسی المديني ، وأبو العبّاس الطبري ، وابن كثير الدمشقي ..

وقد أشار النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم فيها إلی قوله تعالی : (النبيّ أَوليٰ بِالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ ...) (٢) ، الذي نصّ المفسّرون علی دلالته علی أولویّه النبیّ

__________________

(١) الرياض النضره في مناقب العشره ١ : ٢٢٧.

(٢) سوره الأحزاب ٣٣ : ٦.

٣٧٤

بالمؤمنين من أنفسهم في التصرّف (١).

ومن رواه حديث الغدير «بفاء التفریع» : أحمد والنسائي وابن كثير عن أبي يعلی والحسن بن سفيان ، والمتّقی عن ابن جرير والمحاملی والطبراني (٢).

وصاحب التحفه الاثنا عشريه ، الذي قلّده الخصم ، قد روی الحديث بهذا اللفظ ، كما تقدّم.

وخامساً : إنّه قد ورد في بعض ألفاظ الحديث كلمه : «بعدي» مع تهنئه عمر بن الخطّاب ..

قال ابن كثير : «قال عبد الرزّاق : أنا معمر ، عن علی بن زيد بن جدعان ، عن عدی بن ثابت ، عن البراء بن عازب ، قال : نزلنا مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عند غدير خم ، فبعث مناديا ينادی ، فلمّا اجتمعنا ، قال : ألست أولي بكم من أنفسكم؟! قلنا : بلی يا رسول اللّٰه! قال : ألست؟ ألست؟ قلنا : بلی يا رسول اللّٰه! قال : من كنت مولاه فإنّ عليّاً بعدي مولاه ، اللّٰهمّ والِ من ولاه وعادِ من عاداه.

فقال عمر بن الخطّاب : هنیئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن» (٣).

فلو كان النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أراد «المحبّه» لَما كان للتقیید

__________________

(١) انظر : تفسير البغوي ٤ : ٤٣٣ ، الكشّاف ٥ : ٥٠ ، تفسير البیضاوی : ٥٥٢ ، تفسير النسفي ٢ : ٣٣٥ ، تفسير النيسابوري ٥ : ٤٤٧ ، تفسير الجلالین بهامش تفسير البیضاوی ٢ : ٢٣٩ ، إرشاد الساری لشرح صحيح البخاري ٧ : ٢٩٣ ، كتاب التفسير. الدرّ المنثور ٦ : ٥٦٦.

(٢) مسند أحمد ٥ : ٤٩٤ ، ٥٠١ ، الخصائص : ١٣٤ ، البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٧ ، كنز العمّال ١٣ : ١٣١ ، ١٥٧ ، ١٧١ ، وغيرها.

(٣) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٩.

٣٧٥

بقوله : «بعدي» وجه ، ولَما صحّ لعمر أن يقول : «أصبحت اليوم ...».

وسادساً : إنّه لو كان المراد هو «المحبّه» فأي معني لقول بعض الصحابه ـ لمّا سمع عليّاً عليه السلام يناشدهم حديث الغدير ـ : «فخرجت وفي نفسی شيء»؟!

أخرج أحمد بإسناده عن أبي الطفيل : «فخرجت وكأنّ في نفسی شيئاً ، فلقیت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت عليّاً يقول كذا وكذا. قال : فما تنكر؟ قد سمعت رسول اللّٰه يقول ذلك له» (١).

وأخرجه النسائي من حديث حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل (٢).

وسابعاً : إنّه لو كان المراد «المحبّه» فلما ذا سلّم أبو أیوب وجماعته علی الإمام بالولايه ، استناداً إلی ما سمعوه من النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يوم غدير خم ؛ ورواه الأئمّة بالأسانيد الصحيحه :

«جاء رهط إلی عليّ بالرحبه فقالوا : السلام عليك يا مولانا. قال : وكيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا : سمعنا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فهذا مولاه.

قال : فلمّا مضوا تبعتهم وسألت من هم؟

قالوا : نفر من الأنصار فيهم أبو أيّوب الأنصاري» (٣).

وهكذا .. القرائن والقضايا الأُخری التی ذكرناها سابقاً ، والتی لم نذكرها ،

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٦.

(٢) خصائص عليّ : ١١٧.

(٣) مسند أحمد ٦ : ٥٨٣ ، المعجم الكبير ٤ : ١٧٣ ، الرياض النضره ٣ : ١٢٦ ، البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، مرقاه المفاتیح ٥ : ٥٧٤.

٣٧٦

كنزول الآيه : (يٰا آيها الرَّسُولُ بَلِّغْ ...) (١) قبل الخطبه ، ونزول الآيه : «الْيوم أَكمَلْتُ لَكمْ دينكمْ ...» (٢) بعد الخطبه ، ونزول : (سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ ...) (٣) لمّا اعترض الأعرأبي علی الخطبه ..

وكقضیّه مناشده أمير المؤمنين عليه السلام الصحابه بحديث الغدير (٤) ، وشعر حسّان بن ثابت في ذلك اليوم (٥) ، وشعر قيس بن سعد بن عباده (٦) ... وغيرها.

وبقی محذور اجتماع التصرّفین :

وهو ما أشار إليه شرّاح الحديث وعلماء الكلام ، من أنّ الأخذ بظاهر حديث الغدير يسلتزم القول باجتماع الولایتین في آنٍ واحد ، «وفي اجتماع

__________________

(١) ونزولها في يوم الغدير رواه كلٌّ من : ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، وأبي نعيم ، والثعلبي ، والواحدي ، والفخر الرازي ، والنيسابوري ، والعیني ، والسيوطي .. راجع : نفحات الأزهار ٨ : ١٩٥ ـ ٢٥٧.

(٢) ونزولها في يوم الغدير رواه كلٌّ من : ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، وأبي نعيم ، والثعلبي ، والواحدي ، والفخر الرازي ، والنيسابوري ، والعیني ، والسيوطي .. راجع : نفحات الأزهار ٨ : ١٩٥ ـ ٢٥٧.

(٣) ونزولها في القصّه رواه جماعه من المفسّرين والمحدّثين .. وللتفصيل راجع : نفحات الأزهار ٨ : ٣٢٥ ـ ٣٨١.

(٤) من رواه المناشده : عبد الرزّاق ، أحمد ، البزّار ، النسائي ، أبو يعلی ، الطبراني ، الخطيب ، ابن الأثير ، ابن كثير ، ابن حجر العسقلاني ، السمهودی ، السيوطي ، وغيرهم ؛ راجع : نفحات الأزهار في خلاصه عبقات الأنوار ٨ : ٧ ـ ٣٧.

(٥) من رواه شعر حسّان : ابن مردويه ، أبو نعيم ، سبط ابن الجوزي ، السيوطي ، وجماعه ؛ راجع : نفحات الأزهار ٨ : ٢٩٠ ـ ٣٠٩.

(٦) راجع : نفحات الأزهار ٨ : ٣١٣ ـ ٣١٦.

٣٧٧

التصرّفین محذورات كثيره» ، والحال أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم هو وحده الأولي بالتصرّف ما دام حيا ..

وهذه الشبهه أهون الشُبه في المسأله ؛ وذلك لأنّا نقول بثبوت الولايه للإمام عليه السلام في حياه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم علی حدّ ولایته ، كما هو مقتضی حديث الغدير وغيره ، وليس في «اجتماع الولایتین» أي محذور ، نعم ، في «اجتماع التصرّفین» محاذیر ـ كما ذكر صاحب التحفه وغيره ـ لكنّ هذا إن كان هناك تصرّف ، ولا ينبغی الخلط بين «الولايه» و «التصرّف» ؛ لأنّ ثبوت الولايه لا يستلزم فعليه التصرّف ، علی أنّ محذور اجتماع التصرّفین إنّما هو في حال كون تصرّفه عليه السلام علی خلاف إراده رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وهذا ما لم يتّفق صدوره منه ، لا في حياته ولا بعد وفاته.

وهكذا تندفع الشبهات ـ التی أوردها المعتزله علی حديث الغدير ، وأخذها منهم الفخر الرازي ، ثمّ تبعه عليها المتكلّمون والمحدّثون الكبار ـ علی الاحتجاج بحديث الغدير المتواتر سنداً ، والثابت دلالهً .. والتی ردّ عليها علماؤنا في مختلف الأدوار.

ويری القارئ الكريم أنّا لم ننقل إلّا عن كتب القوم ، ولم نعتمد إلّا علی أعلام علمائهم .. في التفسير والحديث واللّغه.

ولا بُدّ من التنبيه علی أنّ ما أوردناه في حديث الغدير ملخّص من كتابنا الكبير (١) ، فمن شاء المزيد فليرجع إليه .. والله ولي الهدآيه.

__________________

(١) نفحات الأزهار في خلاصه عبقات الأنوار ـ في الردّ علی التحفه الاثني عشريه ـ قسم حديث الغدير ، الأجزاء ٦ ـ ٩.

٣٧٨

المراجعه (٦٢) ـ (٦٤)

أربعون نصّاً

قال السيّد :

«عندنا من النصوص التی لا يعرفها أهل السُنّة صحاح متواتره ، من طريق العتره الطاهرة ، نتلو عليك منها أربعین حديثاً» (١) ..

وقال رحمه اللّٰه بعد ذكرها :

«إنّما أوردنا هذه النصوص لتحیطوا بها علماً ، وقد رغبتم إلینا في ذلك» (٢).

أقول :

ولأنّ ما تصادق عليه الطرفان ، وتوافق عليه الفریقان ، حجّهٌ علی الكلّ ، ولا محیص عن الأخذ به واتّباعه ..

ولأنّ بعض الجهله قد توهّموا أنّ الإماميه في إثبات إمامه أهل البيت عليهم الصلاه والسلام عيالٌ علی أهل السُنّة ، وليس لهم روآيه ولا كتاب يستندون إليه في عقائدهم ، والحال أنَّ استدلال علمائنا بكتب أهل السُنّة إنّما هو من باب الإلزام لهم ؛ عملاً بقاعده المناظره ، وإلّا فإنّ المذهب الحقّ في أُصوله وفروعه في غني بالكتاب والسُنّة الثابته من طريق العتره الطاهرة عن أي كتاب أو روآيه من

__________________

(١) المراجعات : ١٨٦.

(٢) المراجعات : ١٩٤.

٣٧٩

سائر الفرق .. ولذا خاطب السيّد أهل السُنّة بقوله :

«وحسبنا حجّهً عليكم ما أسلفناه من صحاحكم» (١).

فقيل :

«إنّ الأحاديث الأربعين التی أوردها الموسوی كلّها أحاديث هالكه وموضوعه باتّفاق أهل العلم بالحديث ، وما هی إلّا بعض ما وضعه الرافضه من أحاديث نصرهً لمذهبهم وتأییداً لباطلهم ، والدليل علی ذلك من وجوه :

الأوّل : إنّها أحاديث لا سند لها صحيح ، ونحن نطالب أتباع الموسوی إثبات صحّه إسناد هذه الأحاديث ، فإنّهم قوم لا يعرفون الإسناد وأجهل الناس به.

الثاني : إنّها أحاديث لا يعرفها أهل العلم بالحديث ، ولم يخرجوها في كتبهم ، لا الصحاح ولا الكتب الستّه ولا المسانید.

الثالث : إنّها من روآيه كذّابٍ قد حكم عليه الموسوی بأنّه صدوق ؛ لأنّه علی عقيدته ومذهبه.

والقمّی إنّما هو أحد أعلام الرافضه الّذين اتّفق أهل العلم علی ردّ روايتهم ؛ لأنّهم أصحاب بدعه كفریّه ، ولأنّهم يستحلّون الكذب نصرهً لمذهبهم ، كما سبق بيانه في الجزء الأوّل من كتابنا ، فكيف تقبل هذه الأحاديث وهی من مروياته؟

والقمّی هذا إنّما هو من سلاله القمّیّین الروافض الّذين لقبّوا أبو لؤلؤه المجوسی قاتل عمر بن الخطّاب بلقب بابا شجاع الدين ، واخترعوا له عیداً سمّوه : عید بابا شجاع الدين ، وهو اليوم التاسع من ربیع الأوّل بزعمهم ..

__________________

(١) المراجعات : ١٩٤.

٣٨٠