تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

وقد ذكرنا ترجمته بالتفصيل في بحوثنا (١).

وأخرج البخاري حديث الخوخه عن أبي سعيد الخدري ، وفيه : «إسماعيل ابن أبي أُویس» ـ وهو ابن اخت مالك بن أنس ـ :

قال النسائي : «ضعيف».

وقال يحيی بن معين : «هو وأبوه يسرقان الحديث».

وقال الدولأبي : «سمعت النضر بن سلمه المروزی يقول : كذّاب».

وقال الذهبي ـ بعد نقل ما تقدّم ـ : «ساق له ابن عدی ثلاثه أحاديث ثمّ قال :

روی عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد».

وقال إبراهيم بن الجنيد ، عن يحيی : «مخلّط ، يكذب ، ليس بشيء».

وقال ابن حزم في المحلّی : «قال أبو الفتح الأزدي : حدّثني سيف بن محمّد أنّ ابن أبي أُویس كان يصنع الحديث».

وقال العیني : «أقرّ علی نفسه بالوضع كما حكاه النسائي» (٢).

وأمّا مسلم بن الحجّاج فلم يخرج حديث الخوخه عن ابن عبّاس ؛ لعدم وثاقه عكرمه عنده! وإنّما أخرجه عن أبي سعيد الخدري بطریقین.

* في أحدهما : «فلیح بن سليمان» :

قال النسائي : «ليس بالقوي».

__________________

(١) انظر : التحقيق في نفي التحريف : ٢٤٨ ـ ٢٥٣ عن : تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٦٤ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٣٤ ، الطبقات ـ لابن سعد ـ ٥ : ٢٨٧ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٩٣ ، المغني في الضعفاء ٢ : ٦٧ ، الضعفاء الكبير ٣ : ٣٧٣ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٢.

(٢) الضعفاء والمتروكین ـ للنسائی ـ : ٥١ ، ميزان الاعتدال ١ : ٢٢٢ ، تهذيب التهذيب ١ : ٢٧١ ، عمده القاری في شرح البخاري : المقدّمه السابعه.

٢٢١

وقال أبو حاتم ويحيی بن معين : «ليس بالقوي».

وقال يحيی ، عن أبي كامل مظفّر بن مدرك : «ثلاثه يتّقی حديثهم : محمّد بن طلحة بن مصرف ، وأیوب بن عتبه ، وفليح بن سليمان».

وقال الرملی ، عن داود : «ليس بشيء».

وقال ابن أبي شيبه : قال علی بن المديني : «كان فلیح وأخوه عبد الحميد ضعیفین».

وذكره العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء.

وذكره ابن حبّان في المجروحين (١).

* وفي الطريق الآخر : «مالك بن أنس» :

قال المبرّد في مذهب الخوارج : «كان عدّه من الفقهاء ينسبون إليه ، منهم : عكرمه مولي ابن عبّاس ، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس» ..

قال : «ويروی الزبیریّون أنّ مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّاً وطلحة والزبير فيقول : والله ما اقتتلوا إلّا علی الثرید الأعفر» (٢).

وكان يقول : أفضل الأُمّه : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثمّ يقف ويقول : هاهنا وقف الناس. هنا يتساوی الناس (٣)!!

ولم يخرج في كتابه شيئاً عن عليّ أمير المؤمنين (٤)!!

__________________

(١) الضعفاء والمتروكین ـ للنسائی ـ : ١٩٧ ، ميزان الإعتدال ٣ : ٣٦٥ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٢٧٢.

(٢) الكامل ـ للمبرّد ـ ٣ : ١١٣٧.

(٣) ترتیب المدارك ـ للقاضی عياض المالكی ـ : ترجمة مالك ، ١ : ١٧٥.

(٤) تنوير الحوالك ـ للسيوطی ـ ١ : ٧ ، شرح الموطأ ـ للزرقاني ـ ١ : ٨.

٢٢٢

ثمّ كان من المدلّسين (١) ..

وكان يتغني بالآلات (٢) ..

ثمّ إنّ جماعه من أعلام الأئمّة تكلّموا فيه وعابوه ، كابن أبي ذؤیب ، وعبد العزيز الماجشون ، وابن أبي حازم ، ومحمّد بن إسحاق ، وإبراهيم بن سعد ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وابن أبي يحيی ، وسفيان ..

وقال يحيی بن معين : «سفيان فوق مالك في كلّ شيء» (٣).

تحريف البخاري «الخوخة» إلی «الباب»

ثمّ إنّ البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في «باب الخوخه والممرّ في المسجد» ـ كما عرفت ـ حرّفه في «باب المناقب» ؛ إذ قال : «باب قول النبي صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم».

فاضطرب الشرّاح في توجيه هذا التحريف ، فاضطرّوا إلی حمل ذلك علی أنّه نقل بالمعني ؛ قال ابن حجر : «وصله المصنّف في الصلاه بلفظ : سدّوا عني كلّ خوخه ، فكأنّه ذكره بالمعني» (٤) ..

وقال العیني : «هذا وصله البخاري في الصلاه بلفظ : سدّوا عني كلّ خوخه في المسجد ، وهذا هنا نقل بالمعني ...» (٥).

__________________

(١) الكفايه في علم الرواية ـ للخطیب البغدادي ـ : ٣٦٥.

(٢) الاغاني ٤ : ٢٢٢ ، نهآيه الإرباب ٤ : ٢٤٨.

(٣) تاريخ بغدادی ٩ : ١٦٤ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١٠٢.

(٤) فتح الباریز ٧ : ٩.

(٥) عمده القاری ١٦ : ١٧٤.

٢٢٣

وهل يصدق علی نقل «الخوخه» إلی «الباب» أنّه نقل بالمعني؟! علی أنّ ابن حجر نفسه غير جازم بذلك ؛ فيقول : «كأنّه ...»!!

وكما حرّف الحديث عن ابن عبّاس ، كذلك حرّف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في «باب هجره النبيّ» ـ كما عرفت ـ فقال في «باب المناقب» : «حدّثني عبد اللَّه بن محمّد ، حدّثني أبو عامر ، حدّثنا فلیح ، قال : حدّثني سالم أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّٰه عنه ، قال :

خطب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم وقال : إنّ اللّٰه خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ذلك العبد ما عند اللّٰه ..

قال : فبكی أبو بكر ، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عن عبد خير. فكان رسول اللّٰه هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا.

فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّ من أمَنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ؛ ولو كنت متّخذاً خليلاً غير ربّی لاتّخذت أبا بكر خليلاً ولكن أُخوّه الإسلام ومودّته ؛ لا يبقین في المسجد باب إلّا سُدَّ إلّا باب أبي بكر».

وهنا أيضاً اضطرب الشرّاح ، فراجع كلماتهم.

النظر في سند الحديث المحرَّف

أمّا تحريفه حديث ابن عبّاس ؛ فلم يذكر له سنداً.

وأمّا تحريفه حديث أبي سعيد ؛ فهو في «باب المناقب» بالسند التالی :

«حدثني عبد اللَّه بن محمّد ، حدّثني أبو عامر ، حدّثني فليح ، قال : حدّثني سالم أبو النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري» ..

وفي باب «الخوخة والممرّ في المسجد» بهذا السند : «حدّثنا محمّد بن

٢٢٤

سنان ، قال : حدّثنا فلیح ، قال : حدّثنا أبو النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن بسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري».

فمداره ـ كما تری ـ علی «فلیيح بن سليمان» ، وقد عرفته سابقاً عند الكلام علی روآيه مسلم ، وعلمت أن لفظ الحديث عن هذا الرجل «الخوخة» لا «الباب» ، فما عند البخاري هنا محرَّف قطعاً ، وقد تقدّم كلام بعض الشرّاح في محاوله توجیهه.

ثمّ إنّ في سند البخاري في «باب الخوخه والممرّ في المسجد» مشكله أُخری ، وهی : إنّ «عبيد بن حنین» لا يروی عن «بسر بن سعيد» وهذا ما نصّ عليه القوم واضطربوا في توجیهه كذلك :

قال ابن حجر : «قال الدارقطني : هذا السياق غير محفوظ ، واختلف فيه علی فلیح (١) ...» ، فذكر ثلاثه أوجه مختلفه ، ثمّ شرع في الجواب عن هذا الاعتراض والدفاع عن البخاري.

هذا في مقدّمه فتح الباری ، في الحديث الرابع من الأحاديث التی اعترض فيها علی البخاري.

وأمّا في شرح الحديث ، فقد حاول دفع الإشكال بأنّ الحديث عند «أبي النضر» عن شيخین هما «بسر» و «عبيد» ، وأنّ «فلیحاً» كان يجمعهما مرّهً ويقتصر علی أحدهما أُخری. هكذا قال ، لكنّه اضطرّ إلی الاعتراف بالخطأ فقال : «فلم يبق إلّا أنّ محمّد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفه ، مع احتمال أن يكون الخطأ من فلیح حال تحديثه له به».

هذا بالنسبه إلی حديث «الخوخه» وألفاظه وأسانيده.

__________________

(١) مقدّمه فتح الباری : ٣٤٩.

٢٢٥

الاعتراف بحديث سدّ الأبواب ومحاولات الجمع

ثمّ إنّ جمعاً من الحفّاظ المحقّقين اعترفوا بصحّه حديث سدّ الأبواب إلّا باب عليّ ، وجعلوا يردّون علی القول بوضعه بشدّه ..

قال ابن حجر بشرحه : «تنبيه : جاء في سدّ الأبواب التی حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب ، منها :

* حديث سعد بن أبي وقّاص ، قال : أمرنا رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بسدّ الأبواب الشارعه في المسجد وترك باب عليّ. أخرجه أحمد والنسائي ، وإسناده قویّ.

وفي روآيه للطبراني في الأوسط ـ رجالها ثقات ـ من الزياده : فقالوا : يا رسول اللّٰه! سددت أبوابنا؟! فقال : ما أنا سددتها ولكنّ اللّٰه سدّها.

وعن زيد بن أرقم ، قال : كان لنفرٍ من الصحابه أبواب الشارعه في المسجد ، فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : سدّوا هذه الأبواب إلّا باب عليّ. فتكلّم ناس في ذلك ؛ فقال رسول اللّٰه : إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أُمرت بشيء فاتّبعته. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ، ورجاله ثقات.

* وعن ابن عبّاس ، قال : أمر رسول اللّٰه بأبواب المسجد فسُدّت إلّا باب عليّ. وفي روآيه : وأمر بسدّ الأبواب غير باب عليّ ، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره. أخرجهما أحمد والنسائي ، ورجالهما ثقات.

* وعن جابر بن سمره ، قال : أمرنا رسول اللّٰه بسدّ الأبواب كلّها غير باب عليّ ، فربّما مرّ فيه وهو جنب. أخرجه الطبراني.

* وعن ابن عمر ، قال : كنّا نقول في زمن رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : رسول اللّٰه خير الناس ، ثمّ أبو بكر ، ثمّ عمر. ولقد أُعطی عليّ بن أبي طالب

٢٢٦

ثلاث خصال ، لأنّ يكون لي واحده منهنّ أحبّ إلیّ من حمر النعم : زوّجه رسول اللّٰه ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الرآيه يوم خیبر. أخرجه أحمد ، وإسناده حسن.

* وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرار ـ بمهملات ـ قال : فقلت لابن عمر : أخبرني عن عليّ وعثمان. فذكر الحديث وفيه : وأمّا عليّ فلا تسأل عنه أحداً ، وانظر إلی منزلته من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه. ورجاله رجال الصحيح إلاّ العلاء ، وقد وثّقه يحيی بن معين وغيره.

وهذه الأحاديث يقوّی بعضها بعضاً ، وكلّ طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها.

وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، أخرجه من حديث سعد بن أبي وقّاص ، وزيد بن أرقم ، وابن عمر ، مقتصراً علی بعض طرقه عنهم ، وأعلّه ببعض من تكلّم فيه من رواته ، وليس ذلك بقادح ؛ لِما ذكرت من كثره الطرق ..

وأعلّه أيضاً بأنّه مخالف للأحاديث الصحيحه الثابته في باب أبي بكر ، وزعم أنّه من وضع الرافضه قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. انتهی.

وأخطأ في ذلك خطأً شنیعاً ، فإنّه سلك في ذلك ردّ الأحاديث الصحيحه بتوهّمه المعارضه ، مع أنّ الجمع بين القصّتین ممكن ...» (١).

ولابن حجر كلام مثله في كتابه : القول المسدّد (٢).

__________________

(١) فتح الباری ٧ : ١١ ـ ١٢.

(٢) القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد : ٢٦ ـ ٣٢.

٢٢٧

وقد أورد السيوطي كلام ابن حجر في معرض الردّ علی ابن الجوزي ، قال :

«قلت : قال الحافظ ابن حجر في القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد : قول ابن الجوزي في هذا الحديث أنّه باطل وأنّه موضوع ، دعویً لم يستدلّ عليها إلّا بمخالفه الحديث الذي في الصحيحين ، وهذا إقدام علی ردّ الأحاديث الصحيحه بمجرّد التوهّم ، ولا ينبغی الإقدام علی حكم بالوضع إلّا عند عدم إمكان الجمع ، ولا يلزم من تعذّر الجمع في الحال أنّه لا يمكن بعد ذلك ؛ لأنّ فوق كلّ ذی علمٍ علیم.

وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم علی الحديث بالبطلان ، بل يتوقّف فيه إلی أن يظهر لغيره ما لم يظهر له ، وهذا الحديث من هذا الباب ، هو حديث مشهور له طرق متعدّده ، كلّ طريق منها علی انفراده لا تقصر عن رتبه الحسن ، ومجموعها ممّا يقطع بصحّته علی طريقه كثير من أهل الحديث.

وأمّا كونه معارضاً لِما في الصحيحين فغير مسلّم ، ليس بينهما معارضه ....

وها أنا أذكر بقیّه طرقه ثمّ أُبين كيفيه الجمع بينه وبين الذي في الصحيحين ...».

ثمّ قال بعد ذكر طرقٍ للحديث :

«فهذه الطرق المتضافره بروايات الثقات تدلّ علی أنّ الحديث صحيح دلاله قویّه ، وهذه غآيه نظر المحدّث ...فكيف يدّعی الوضع علی الأحاديث الصحيحه بمجرّد هذا التوهّم؟! ولو فتح هذا الباب لردّ الأحاديث لأدّی في كثير من الأحاديث الصحيحه إلی البطلان ، ولكن يابي اللّٰه ذلك والمؤمنون ...» (١).

__________________

(١) اللآلی المصنوعه ١ : ٣٤٧ ـ ٣٥٠.

٢٢٨

وقال القسطلاني بشرح حديث الخوخه : «وعورض بما في الترمذي من حديث ابن عبّاس رضي اللّٰه عنهما : سدّوا الأبواب إلّا باب عليّ.

وأُجیب بأنّ الترمذي قال : إنّه غريب ، وقال ابن عساكر : إنّه وهم.

لكن للحديث طرق يقوّی بعضها بعضاً ، بل قال الحافظ ابن حجر في بعضها :

إسناده قویّ ، وفي بعضها : رجاله ثقات» (١).

وقال بعد ذكر طرقٍ لحديث «إلّا باب عليّ» : «وبالجملة فهي ـ كما قاله الحافظ ابن حجر ـ : أحاديث يقوّی بعضها بعضاً ، وكلّ طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها» (٢).

وقال ابن عراق الكناني بعد كلام ابن الجوزي : «تعقّبه الحافظ ابن حجر الشافعي في القول المسدّد ؛ فقال : هذا إقدام علی ردّ الأحاديث الصحيحه بمجرّد التوهّم ، ولا معارضه بينه وبين حديث الصحيحين ؛ لأنّ هذه قصّه أُخری ، فقصّه عليّ في الأبواب الشارعه وقد كان أذن له أن يمرّ في المسجد وهو جنب ، وقصّه أبي بكر في مرض الوفاه في سدّ طاقات كانوا يستقربون الدخول منها. كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه والكلاباذی في معانيه والطحاوي في مشكله ...» (٣).

أقول :

لقد ثبت حتّی الآن :

أوّلاً : صحّه حديث سدّ الأبواب إلّا باب عليّ عليه السلام.

__________________

(١) إرشاد الساری ١ : ٤٥٣.

(٢) إرشاد الساری ٦ : ٨٥.

(٣) تنزیه الشریعه المرفوعه ١ : ٣٨٤.

٢٢٩

وثانياً : بطلان القول بكونه موضوعاً من قبل الشيعه ، باعتراف حفّاظهم المحقّقين.

وثالثاً : عدم صحّه حديث الخوخه ، بالنظر في أسانيده علی ضوء كلمات أئمّة الجرح والتعديل منهم.

كلماتهم في وجه الجمع

إلّا أن هؤلاء قائلون بصحّه حديث الخوخه أيضاً ؛ لكونه في كتأبي البخاري ومسلم ، ولأنّه يدلّ علی فضيلهٍ لإمامهم في زعمهم ، فانبروا للجمع بين الحديثين ، فلاحظ :

كلام ابن كثير في تاريخه (١) ..

وكلام ابن روزبهان في كتابه الباطل (٢) ..

وكلام ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري (٣) والقول المسدّد (٤) ، ووافقه السيوطي (٥) والقسطلاني (٦) ..

وكلام ابن عراق الكناني في تنزيه الشريعة (٧) ..

وكلام المباركفوری في شرح الترمذي (٨) ..

__________________

(١) البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٤٢.

(٢) إبطال الباطل ؛ انظر : دلائل الصدق ٢ : ٤٠٣.

(٣) فتح الباری ٧ : ١٢.

(٤) القول المسدّد في الذبّ عن مسند أحمد : ٢٦ ـ ٣٢.

(٥) اللآلی المصنوعه ١ : ٣٥٠ ـ ٣٥٢.

(٦) إرشاد الساری لشرح صحيح البخاري ٦ : ٨٤.

(٧) تنزيه الشريعة المرفوعة ١ : ٣٨٤.

(٨) تحفه الأحوذی ١٠ : ١٦٣.

٢٣٠

وكلام الحلبي في سیرته (١).

أقول :

لكنّها كلمات متناقضه متهافته .. ومحاولات بارده يائسه .. والحقيقة إنّ حديث «الخوخة» من الأحاديث الموضوعه في زمن معاوية ، فهو الحديث المقلوب.

* * *

__________________

(١) السيرة الحلبية ٣ : ٣٤٦ ـ ٣٤٧.

٢٣١

المراجعه (٣٦)

حديث الولآيه

قال السيّد :

«حسبك منها ما أخرجه أبو داود الطيالسي ـ كما في أحوال عليّ من الاستيعاب ـ بالإسناد إلی ابن عبّاس ؛ قال : قال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لعليّ بن أبي طالب : أنت ولي كلّ مؤمن بعدي (١).

ومثله ما صحّ عن عمران بن حصين ؛ إذ قال : بعث رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم سریه ، واستعمل عليهم عليّ بن أبي طالب ، فاصطفي لنفسه من الخمس جارية ، فأنكروا ذلك عليه ، وتعاقد أربعه منهم علی شكايته إلی النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فلمّا قدموا قام أحد الأربعه فقال : يا رسول اللّٰه! ألم تر أنّ عليّاً صنع كذا وكذا. فأعرض عنه ، فقام الثاني فقال مثل ذلك ، فأعرض عنه ، وقام الثالث فقال مثل ما قال صاحباه ، فأعرض عنه ، وقام الرابع فقال مثل ما قالوا ، فأقبل

__________________

(١) أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السُنن عن أبي عوانه الوضاح بن عبد اللَّه الیشكری ، عن أبي بلج يحيی بن سليم الفزاری ، عن عمرو بن ميمون الأودی ، عن ابن عبّاس مرفوعاً ، ورجال هذا السند كلّهم حجج. وقد احتجّ بكلّ منهم الشيخان في صحيحيهما ، إلّا يحيی بن سليم ، فإنّهما لم يخرجا له ، لكنّ أئمّة الجرح والتعديل صرّحوا بوثاقته ، وأنّه كان من الذاكرين اللّٰه كثيراً .. وقد نقل الذهبي حيث ترجمة في الميزان توثيقه عن ابن معين ، والنسائي ، والدارقطني ، ومحمّد بن سعد ، وأبي حاتم ، وغيرهم.

٢٣٢

عليهم رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، والغضب يبصر في وجهه فقال : ما تریدون من علیّ؟! إنّ عليّاً مني وأنا منه ، وهو ولي كلّ مؤمن بعدي (١).

وكذلك حديث بريده ولفظه في ص ٣٥٦ من الجزء الخامس من مسند أحمد ، قال : بعث رسول اللّٰه بعثين إلی اليمن ، علی أحدهما عليّ بن أبي طالب ، وعلی الآخر خالد بن الوليد ، فقال : إذا التقيتم فعليّ علی الناس (٢) ، وإن افترقتم فكلّ واحد منكما علی جنده ..

قال : فلقينا بني زبيده من أهل اليمن فاقتتلنا ، فظهر المسلمون علی

__________________

(١) أخرجه غير واحد من أصحاب السُنن :

كالإمام النسائي في خصائصه العلويه.

وأحمد بن حنبل من حديث عمران في أوّل ص ٦٠٦ من الجزء الخامس من مسنده.

والحاكم في ص ١١١ من الجزء ٣ من المستدرك.

والذهبي في تلخيص المستدرك مسلّماً بصحّته علی شرط مسلم.

وأخرجه ابن أبي شيبه ، وابن جرير ، وصحّحه في ما نقل عنهما المتّقی الهندی في أوّل ص ١٤٢ من الجزء ١٣ من كنز العمّال.

وأخرجه أيضاً الترمذي بإسناد قویّ ، في ما ذكره العسقلاني في ترجمة عليّ من إصابته.

ونقله علّامه المعتزله في ص ١٧١ من المجلّد التاسع من شرح النهج ، ثمّ قال : رواه أبو عبد اللَّه أحمد في المسند غير مرّه ، ورواه في كتاب فضائل عليّ ، ورواه أكثر المحدّثين.

(٢) ما أمّر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم أحداً علی عليّ مدّه حياته ، بل كانت له الإمره علی غيره ، وكان حامل لوائه في كلّ زحف ، بخلاف غيره ؛ فإنّ أبا بكر وعمر كانا من أجناد أُسامه ، وتحت لوائه الذي عقده له رسول اللّٰه حين أمّره في غزوه «مؤته» ، وعبّأهما بنفسه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في ذلك الجيش بإجماع أهل الأخبار ..

وقد جعلهما أيضاً من أجناد ابن العاص في غزوه «ذات السلاسل» ، ولهما قضیه في تلك الغزوه مع أميرهما عمرو بن العاص ، أخرجها الحاكم في ص ٤٣ من الجزء ٣ من المستدرك ، وأوردها الذهبي في تلخيصه مصرّحاً بصحّه ذلك الحديث ، أمّا عليّ فلم يكن مأموراً ولا تابعاً لغير النبيّ منذ بعث إلی أن قبض صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

٢٣٣

المشركين ، فقاتلنا المقاتله وسبينا الذرّیه ، فاصطفي عليّ امرأه من السبی لنفسه ؛ قال بريدة : فكتب معی خالد إلی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يخبره بذلك ، فلمّا أتیت النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، دفعت الكتاب ، فقرئ عليه ، فرأيت الغضب في وجهه ، فقلت : يا رسول اللّٰه! هذا مكان العائذ ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أُطیعه ، ففعلت ما أُرسلت به.

فقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : لا تقع في عليّ ؛ فإنّه مني وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وإنّه مني وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي (١). انتهی.

ولفظه عند النسائي في ص ١٧ من خصائصه العلويه : لا تبغضنّ يا بريده لي عليا ، فإنّ عليّاً مني وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي.

__________________

(١) هذا ما أخرجه أحمد في ص ٣٥٦ من طريق عبد اللَّه بن بريدة ، عن أبيه ..

وأخرج ـ في ص ٤٧٦ من الجزء ٦ من مسنده ـ من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، عن بريدة ، قال : غزوت مع عليّ اليمن ، فرأيت منه جفوه ، فلمّا قدمت علی رسول اللّٰه ذكرت عليّاً فتنقّصته ، فرأيت وجه رسول اللّٰه يتغير ، فقال : يا بريدة! ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟! قلت : بلی يا رسول اللّٰه. قال : من كنت مولاه فعليّ مولاه. انتهی.

وأخرجه الحاكم في ص ١١٠ من الجزء ٣ من المستدرك ، وغير واحد من المحدّثين ، وهو كما تراه صريح في المطلوب ؛ فإنّ تقديم قوله : ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟! قرینه علی أنّ المراد بالمولي في هذا الحديث إنّما هو الأولي ، كما لا يخفي.

ونظير هذا الحديث ما أخرجه غير واحد من المحدّثين ـ كالإمام أحمد في آخر ص ٤٨٣ من الجزء ٣ من مسنده ـ عن عمرو بن شاس الأسلمی ، قال : وكان من أصحاب الحديبيه ، فقال : خرجت مع عليّ إلی اليمن ، فجفاني في سفری ذلك حتّی وجدت في نفسی عليه ، فلمّا قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتّی بلغ ذلك رسول اللّٰه ..

فدخلت المسجد ذات غدوه ورسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في ناس من أصحابه ، فلمّا رآني أبدني عينيه ، يقول : حدّد إلیّ النظر ، حتّی إذا جلست قال : يا عمرو! والله لقد آذيتني. قلت : أعوذ باللّٰه أن أُؤذيك يا رسول اللّٰه. قال : بلی ، من آذی عليّاً فقد آذاني.

٢٣٤

ولفظه عند ابن جرير (١) : قال بريدة : وإذا النبيّ قد احمرّ وجهه ، فقال : من كنت وليّه فإنّ عليّاً وليّه. قال : فذهب الذي في نفسی عليه ، فقلت : لا أذكره بسوء.

والطبراني قد أخرج هذا الحديث علی وجه التفصيل ، وقد جاء في ما رواه : إنّ بريدة لمّا قدم من اليمن ، ودخل المسجد ، وجد جماعه علی باب حجره النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فقاموا إليه يسلّمون عليه ويسألونه ، فقالوا : ما وراءك؟

قال : خير ، فتح اللّٰه علی المسلمين.

قالوا : ما أقدمك؟

قال : جارية أخذها عليّ من الخمس ، فجئت لأخبر النبيّ بذلك.

فقالوا : أخبره أخبره ، يسقط عليّ من عینه.

ورسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم يسمع كلامهم من وراء الباب ، فخرج مغضباً فقال : ما بال أقوام ينتقصون عليا؟! من أبغض عليّاً فقد أبغضني ، ومن فارق عليّاً فقد فارقني ، إنّ عليّاً مني وأنا منه ، خلق من طینتی وأنا خلقت من طینه إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم (٢) ، (ذُرِّيَّهً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَاللّٰهُ سَمِیعٌ عَلِيمٌ) (٣) ، يا بريدة! أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية التی أخذ ، وأنّه وليّكم بعدي (٤)؟!

__________________

(١) في ما نقله عنه المتّقی الهندی ص ١٣٥ من الجزء ١٣ من كنز العمّال. ونقله عنه في منتخب الكنز أيضاً.

(٢) لمّا أخبر أنّ عليّاً خلق من طينته صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وهو بحكم الضروره أفضل من عليّ ، كان قوله : «وأنا خلقت من طينه إبراهيم» مظنّه لتوهّم أنّ إبراهيم أفضل منه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وحيث أنّ هذا مخالف للواقع صرّح بأنّه : «أفضل من إبراهيم» دفعاً للتوهّم المخالف للحقيقة.

(٣) سوره آل عمران ٣ : ٣٤.

(٤) إنّ ابن حجر نقل هذا الحديث عن الطبراني في ص ٢٦٣ من صواعقه ، أثناء كلامه في

٢٣٥

وهذا الحديث ممّا لا ريب في صدوره ، وطرقه إلی بريدة كثيره ، وهی معتبره بأسرها.

ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عبّاس من حديث جليل (١) ، ذكر فيه عشر خصائص لعليّ ، فقال : وقال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنت ولي كلّ مؤمن بعدي.

وكذلك قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، من حديث جاء فيه : يا عليّ! سألت اللّٰه فيك خمساً ، فأعطاني أربعاً ومنعني واحده ، إلی أن قال : وأعطاني أنّك ولي المؤمنين من بعدي (٢).

ومثله ما أخرجه ابن السكن عن وهب بن حمزه ، قال ـ كما في ترجمة وهب من الإصابه ـ : سافرت مع عليّ فرأيت منه جفاء ، فقلت : لئن رجعت لأشكونّه.

فرجعت فذكرت عليّاً لرسول اللّٰه فنلت منه ، فقال : لا تقولن هذا لعليّ ، فإنّه وليّكم بعدي ..

وأخرجه الطبراني في الكبير عن وهب ، غير أنّه قال : لا تقل هذا لعليّ فهو

__________________

المقصد الثاني من مقاصد الآيه ١٤ من الآيات التی ذكرها في الباب ١١ من الصواعق ، لكنّه لمّا بلغ إلی قوله : «أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية» ، وقف قلمه ، واستعصت عليه نفسه ، فقال : إلی آخر الحديث ، وليس هذا من أمثاله بعجيب ، والحمد للّٰه الذي عافانا.

(١) أخرجه الحاكم في أوّل ص ١٣٤ من الجزء ٣ من المستدرك ..

والذهبي في تلخيصه معترفاً بصحّته ..

والنسائي في ص ٥٢ ح ٢٤.

والإمام أحمد في ص ٥٤٥ من الجزء الأوّل من مسنده ..

وقد أوردناه بلفظه في أوّل المراجعه ٢٦.

(٢) هذا الحديث هو الحديث ٣٣٠٤٧ من أحاديث الكنز ، في ص ٦٢٥ ج ١١.

٢٣٦

أولي الناس بكم بعدي (١).

وأخرج ابن أبي عاصم عن عليّ مرفوعاً : ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا : بلی. قال : من كنت وليّه فهو وليّه (٢).

وصحاحنا في ذلك متواتره عن أئمّة العتره الطاهرة ..

وهذا القدر كافٍ لِما أردناه ..

علی أنّ آيه الولايه في كتاب اللّٰه عزّ وجلّ تؤیّد ما قلناه.

والحمد للّٰه ربّ العالمين» (٣).

أقول :

هذا الحديث يسمّی في الكتب ب : «حديث الولايه» ، وكلّ حديث يراد الاستدلال به من قبل الإماميه علی أهل السُنّة لا بُدّ أنْ يكون صالحاً للاحتجاج به عليهم ؛ بأنْ يكون مرويا من طرقهم ، وارداً في كتبهم ، بسندٍ موثوقٍ به عندهم بناءً علی أُصولهم وحسب تصريحات كبار علمائهم.

وهذا الحديث رواه السيّد رحمه اللّٰه عن مصادر كثيره مع تصريح غير واحدٍ من أكابر القوم بصحّته ..

ثمّ تعرّض لدلالته علی إمامه أمير المؤمنين عليه الصلاه والسلام ، وخلافته بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

__________________

(١) هذا الحديث هو الحديث ٣٢٩٦١ من أحاديث الكنز في ص ٦١٢ ج ١١.

(٢) نقله المتّقی الهندی عن ابن أبي عاصم في ص ١٣١ ج ١٣ من الكنز.

(٣) المراجعات : ١٣٥ ـ ١٣٩.

٢٣٧

* أمّا السند :

فقد قيل :

«حديث : أنا ولي من بعدي (١) ، في سنده : أبو بلج يحيی بن سليم الفزاری ...

وقال ابن تيميّة : وكذلك قوله : هو ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي ، كذب علی رسول اللّٰه ....

أمّا حديث عمران بن حصين ، ففيه : جعفر بن سليمان الضبعی ....

أمّا حديث بريدة ، ففيه : أجلح بن عبد اللَّه أبو حجیّه الكندی الكوفي ....

أمّا حديث ابن عبّاس ، الذي ذكر فيه عشر خصائص لعليّ ، وجاء في الحديث : أنت ولي كلّ مؤمن بعدي ، فقد بينا القول فيه عند التعليق علی هذا الحديث في المراجعه ٢٦ ، ونقلنا قول ابن تيميّة ...».

أقول :

أوّلاً : إنّ السيّد اقتصر علی الأحاديث السبعه المذكوره من باب الاختصار ، وإلّا فإنّ حديث الولايه مخرَّج في كتب الجمهور عن أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسن السبط عليه السلام ، وأبي ذرّ الغفاری ، وأبي سعيد الخدري ، والبراء ابن عازب ، وأبي ليلی الأنصاري ، وغيرهم أيضاً (٢).

وثانياً : إنّه قد أورد هذه الأحاديث عن مصادر أهل السُنّة ، ونقل تصحيح بعض الحفّاظ منهم ، فلو كان ثمّه اعتراض فهو علی علماء القوم أنفسهم.

وثالثاً : هناك تصريحاتٌ من غير واحدٍ من الأئمّة الحفّاظ المرجوع إليهم

__________________

(١) كذا.

(٢) راجع كتابنا الكبير : نفحات الأزهار في خلاصه عبقات الأنوار ١٦ : ٢٤٧ ـ ٢٥١.

٢٣٨

في معرفه الأحاديث بشأن حديث الولايه :

فحديث ابن عبّاس : أخرجه أبو داود الطيالسي ، قال : «حدّثنا أبو عوانه ، عن أبي بلج ، عن عمرو بن ميمون ، عن ابن عبّاس : إنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قال لعليّ : أنت ولي كلّ مؤمنٍ بعدي» (١) ..

فقال الحافظ ابن عبد البرّ : «هذا إسناد لا مطعن فيه لأحد ؛ لصحّته وثقه نقلته» (٢) ، ونقل الحافظ المزّي هذا الكلام وأقرّه (٣).

وحديث عمران بن حصين : أخرجه ابن أبي شيبه ، قال : «حدّثنا عفّان ، ثنا جعفر بن سليمان ، قال : حدّثني يزيد الرشك ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين» (٤).

فقال الحافظ السيوطي : «أخرجه ابن أبي شيبه وصحّح» (٥) ، ثمّ نصّ هو علی صحّته ، ووافقه الشيخ علی المتّقی علی ذلك (٦).

وكما صحّحه ابن أبي شيبه .. فقد صحّحه ابن جرير الطبري أيضاً (٧).

وصحّحه ابن حبّان أيضاً ؛ إذْ أخرجه في صحيحه (٨).

وصحّحه الحاكم النيسابوري علی شرط مسلم (٩).

__________________

(١) مسند أبي داود الطيالسي : ٣٦٠ برقم ٢٧٥٢.

(٢) الاستيعاب في معرفه الأصحاب ٣ : ١٠٩٢.

(٣) تهذيب الكمال ٢٠ : ٤٨١.

(٤) المصنّف ١٢ : ١٢١٧٠/٧٩.

(٥) القول الجلّی في مناقب سيّدنا عليّ : ٦٠ ح ٤٠.

(٦) كنز العمّال ١١ : ٦٠٨ برقم ٣٢٩٤١.

(٧) كنز العمّال ١٣ : ١٤٢ برقم ٣٦٤٤٤.

(٨) صحيح ابن حبّان ١٥ : ٦٩٢٩/٣٧٣.

(٩) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١١٠.

٢٣٩

وأدخله النسائي في صحاحه ، كما اعترف ابن عدی والذهبي (١).

والذهبي رواه عن أحمد والترمذي ـ قال : وحسّنه ـ والنسائي ، ووافق عليه (٢).

وقال الحافظ ابن حجر : «أخرج الترمذي بإسنادٍ قویّ عن عمران بن حصين ...» (٣).

وحديث بريدة : رواه ابن حجر في شرح البخاري في بعض أسانيده عن أحمد والنسائي ، ثمّ قال : «وهذه طرق يقوی بعضها ببعض» (٤).

وحديث ابن عبّاس ، الذي ذكر فيه عشر خصائص لأمير المؤمنين عليه السلام ، تقدَّم الكلام بشأنه ، ولا نكرّر.

ورابعاً : قد ذكر السيّد ثلاثه أحاديث أُخری ، لكنّ المعترض أغفلها!

وخامساً : وبما ذكرنا يظهر اندفاع الإشكال في أسانيد هذه الأحاديث ، ويتمّ وثاقه «أبي بلج يحيی بن سليم الفزاري» ، و «جعفر بن سليمان» ، و «أجلح بن عبد اللَّه أبي حجيّه الكندي الكوفي».

ومع ذلك نورد بعض الكلمات في حقّ كلّ واحدٍ منهم :

ترجمة أبي بلج :

قال الحافظ المزّي : «أبو بلج الفزاری الواسطی ...روی عنه : إبراهيم بن المختار ، وأبو يونس حاتم بن أبي صغيره ، وحصين بن نمیر ، وزائده بن قدامه ،

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٤١٠ بترجمة جعفر بن سليمان.

(٢) تاريخ الإسلام ٣ : ٦٣٠.

(٣) الإصابه في تمییز الصحابه ٤ : ٢٧١.

(٤) فتح الباری ٨ : ٥٤ كتاب المغازي.

٢٤٠