تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

إنّ حديث الطبري يفید بأنّ «طوبی» هی «شجره في الجنّه مسيره مائه سنه ، ثياب أهل الجنّه من أكمامها» أمّا أین أصلها؟ وأین فرعها؟ فهو ساكت عن ذلك.

وحديث الثعلبي أيضاً يقول : هی «شجره في الجنّه» ، ويضیف موضع أصلها ، وموضع فرعها ...فأین التعارض؟!

وهذا من مواضع جهل هذا المفتری أو تعصّبه!!

وثانياً : أین التحريف بالحذف أو الزياده ، في الحديث المذكور ، من قِبَل الشیعه؟!

إنّ من يخاف اللّٰه واليوم الآخر لا يتكلّم هكذا ألبته!

وثالثاً : لقد خرّج السيوطي في الدرّ المنثور حديث الثعلبي وغيره بعد حديث الطبري والجماعه فقال : «وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن سيرين رضي اللّٰه عنه ، قال : شجره في الجنّه أصلها في حجره عليّ ، وليس في الجنّه حجره إلّا وفيها غصن من أغصانها» فهل المفتری لم يره؟!

ورابعاً : إذا كان واضع هذا الحديث «من أشدّ الناس وقاحهً وجرأهً علی النبيّ» فالقائلون به والرواه له كابن سيرين وابن أبي حاتم والثعلبي والسيوطي وغيرهم كذلك ، وهل يلتزم المفترون بذلك؟!

وخامساً : دعوی ضعف الحديث ، من أكذب الكذب ، لأنّ «دراج بن سمعان» من رجال البخاري في الأدب وغيره ، ومن رجال الترمذي والنسائي وأبي داود وابن ماجه (١).

وسادساً : إنّه قد وثّق هذا الرجل بصراحهٍ :

__________________

(١) تهذيب الكمال ٨ : ٤٨٠ ، تهذيب التهذيب ٣ : ١٨٠.

٤١

يحيی بن معين.

عثمان بن سعيد الدارمي.

أبو حفص ابن شاهين.

ابن حبّان ، حتّی إنّه أخرج عنه في صحيحه.

وغيرهم.

وسابعاً : لقد حرّف هذا المفتری كلام ابن عديّ ؛ وذلك لأنّ ابن عديّ أورد أحاديث أملاها عن دراج وجعلها «ممّا لا يتابع عليه» ثمّ قال :

«وسائر أخبار دراج غير ما ذكرت من هذه الأحاديث يتابعه الناس عليها ، وأرجو إذا أخرجت دراج وبرّأته من هذه الأحاديث التی أنكرت عليه أنّ سائر أحاديثه لا بأس بها ، وتقرب صورته ممّا قال فيه يحيی بن معين».

هذا نصّ كلام ابن عديّ في كتابه (١) وتراه أيضاً في تهذيب الكمال ، وتهذيب التهذيب ، وغيرهما.

فانظر كيف يحرّفون ، وعلی غيرهم يفترون!!

* * *

__________________

(١) الكامل ـ لابن عديّ ـ ٤ : ١٦.

٤٢

آيه الوارثون الكتاب

قوله تعالی : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا ...) (١)

قال السيّد :

«فهم المصطفون من عباد اللّٰه ، السابقون بالخيرات بإذن اللّٰه ، الوارثون كتاب اللّٰه ، الّذين قال اللّٰه فيهم : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ (وهو الذي لا يعرف الأئمه) وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ (وهو الموالي للأئمّه) وَمِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ بِإِذْنِ اللّٰهِ (وهو الإمام) ذٰلِك هُوَ الْفَضْلُ الكبير)».

فقال في الهامش :

«أخرج ثقه الإسلام الكليني بسنده الصحيح عن سالم ، قال : سألت أبا جعفر (الباقر) عن قوله تعالی : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكتٰابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنٰا مِنْ عِبٰادِنٰا) الآيه. قال عليه السلام : السابق بالخيرات هو الإمام ، والمقتصد هو العارف بالإمام ، والظالم لنفسه هو الذي لا يعرف الإمام.

وأخرج نحوه عن الإمام أبي عبد اللَّه الصادق ، وعن الإمام أبي الحسن الكاظم ، وعن الإمام أبي الحسن الرضا.

__________________

(١) سوره فاطر ٣٥ : ٣٢.

٤٣

وأخرجه عنهم الصدوق وغير واحدٍ من أصحابنا.

وروی ابن مردويه عن عليّ ، أنّه قال في تفسير هذه الآيه : هم نحن.

والتفصيل في كتابنا : تنزيل الآيات ، وفي غآيه المرام» (١).

فقيل :

«لا يفسّر هذا التفسير من يحترم عقله وعقل القرّاء ، والصحيح الذي عليه المفسّرون المعتمدون هو ...».

فذكر مختار الطبري وابن كثير ، وما جاء في كتاب زاد المسير.

أقول :

أمّا السبّ فإليه يعود.

وأمّا الاعتماد علی قول محمّد بن جرير وابن كثير وابن الجوزي ، في مقابله قول أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فهو إعراض عمّا جاء في الكتاب وفي السُنّة القطعيه في السؤال من أهل البيت ، والرجوع إليهم ، والأخذ عنهم ، والتمسّك بهم واتّباعهم ....

علی إنّه إذا كان المرجع قول ابن جرير وابن كثير ، فلما ذا لا يؤخذ بأقوالهما في سائر الآيات ونزولها في أهل البيت الأطهار؟!

* * *

__________________

(١) المراجعات : ٣٧ ـ ٣٨.

٤٤

كلمه ابن عبّاس

قال السيّد :

«وقد قال ابن عبّاس : نزل في عليّ وحده ثلاثمائه آيه».

قال في الهامش :

«أخرجه ابن عساكر عن ابن عبّاس ، كما في الفصل ٣ من الباب ٩ من الصواعق ص ٧٦».

أقول :

سيأتي الكلام عليه في المراجعه رقم ٤٩ ، فانتظر.

* * *

هذا تمام الكلام علی هذه المراجعه المختصّه بالآيات المنزَّله بشأن أمير المؤمنين عليه السلام ، المستدلّ بها علی إمامته بلا فصل ، علی ضوء كتب القوم ، ومن نَظَر إلی ما حوته من بحوثٍ في الكتاب والسُنّة وبالإستناد إلی أشهر الأسفار والكتب ، وحرّر فكره من التقليد والتعصّب ، هُدی إلی الحقّ المبين ، مذهب النبيّ وآله الطاهرين.

٤٥

قال الشيخ البشری :

«ربّما اعترض بأنّ الّذين رووا نزول تلك الآيات في ما قلتم ، إنّما هم من رجال الشيعه ، ورجال الشيعه لا يحتجّ أهل السُنّة بهم ، فما ذا يكون الجواب؟ تفضّلوا به إن شئتم ، ولكم الشكر».

قال السيّد :

«الجواب : إنّ قياس هذا المعترض باطل ، وشكله عقيم ، لفساد كلٍّ من صغراه وكبراه.

أمّا الصغری ، وهی قوله : «إنّ الّذين رووا نزول تلك الآيات إنّما هم من رجال الشيعه» فواضحه الفساد ، يشهد بهذا ثقات أهل السُنّة الّذين رووا نزولها في ما قلناه ، ومسانيدهم تشهد بأنّهم أكثر طرقاً في ذلك من الشيعه ، كما فصّلناه في كتابنا تنزيل الآيات الباهره في فضل العتره الطاهرة. وحسبك غآيه المرام المنتشر في بلاد الإسلام.

وأمّا الكبری ، وهی قوله : «إنّ رجال الشيعه لا يحتجّ أهل السُنّة بهم» فأوضح فساداً من الصغری ، تشهد بهذا أسانيد أهل السُنّة وطرقهم المشحونه بالمشاهير من رجال الشيعه. وتلك صحاحهم الستّه وغيرها تحتجّ برجالٍ من الشيعه ، وصمهم الواصمون بالتشيّع والانحراف ، ونبذوهم بالرفض والخلاف ، ونسبوا إليهم الغلوّ والإفراط والتنكب عن الصراط. وفي شيوخ البخاري رجال من الشيعه نُبزوا بالرفض ووُصموا بالبغض ، فلم يقدح ذلك في عدالتهم عند البخاري وغيره ، حتّی احتجّوا بهم في الصحاح بكلّ ارتياح ، فهل يصغی بعد هذا إلی قول المعترض : «إنّ رجال الشيعه لا يحتجّ أهل السُنّة بهم»؟! كلّا!

٤٦

ولكنّ المعترضين لا يعلمون ، ولو عرفوا الحقيقة لعلموا أنّ الشيعه إنّما جروا علی منهاج العتره الطاهرة ، واتّسموا بسماتها ، وأنّهم لا يطبعون إلّا علی غرارها ، ولا يضربون إلّا علی قالبها ، فلا نظير لمن اعتمدوا عليه من رجالهم في الصدق والأمانه ، ولا قرین لمن احتجّوا به من أبطالهم في الورع والاحتياط ، ولا شبيه لمن ركنوا إليه من أبدالهم في الزهد والعباده وكرم الأخلاق ، وتهذيب النفس ومجاهدتها ومحاسبتها بكلّ دقه آناء الليل وأطراف النهار ، لا يبارون في الحفظ والضبط والإتقان ، ولا يجارون في تمحيص الحقائق والبحث عنها بكلّ دقّه واعتدال.

فلو تجلَّت للمعترض حقيقتهم ـ بما هی في الواقع ونفس الأمر ـ لناط بهم ثقته ، وألقی إليهم مقاليده ، لكنّ جهله بهم جعله في أمرهم كخابط عشواء ، أو راكب عمياء في ليلهٍ ظلماء ، يتّهم ثقه الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ، وصدوق المسلمين محمّد بن علی بن بابويه القمّی ، وشيخ الأُمّه محمّد بن الحسن بن علی الطوسي ، ويستخفُّ بكتبهم المقدّسه ـ وهی مستودع علوم آل محمّد صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ـ ويرتاب في شیوخهم أبطال العلم وأبدال الأرض ، الّذين قصروا أعمارهم علی النصح للّٰه تعالی ولكتابه ولرسوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، ولأئمّة المسلمين ولعامّتهم.

وقد علم البرّ والفاجر حكم الكذب عند هؤلاء الأبرار ، والأُلوف من مؤلّفاتهم المنتشره تلعن الكاذبين ، وتعلن أنّ الكذب في الحديث من الموبقات الموجبه لدخول النار ، ولهم في تعمّد الكذب في الحديث حكم قد امتازوا به ، حيث جعلوه من مفطّرات الصائم ، وأوجبوا القضاء والكفّاره علی مرتكبه في شهر رمضان كما أوجبوهما بتعمّد سائر المفطّرات ، وفقههم وحديثهم صريحان بذلك.

٤٧

فكيف يتّهمون بعد هذا في حديثهم وهم الأبرار الأخيار ، قوّامون الليل صوّامون النهار؟! وبما ذا كان الأبرار من شيعه آل محمّد وأوليائهم متّهمين ودعاه الخوارج والمرجئه والقدریه غير متّهمين؟! لو لا التحامل الصريح ، أو الجهل القبيح! نعوذ باللّٰه من الخذلان ، وبه نستجير من سوء عواقب الظلم والعدوان ، ولا حول ولا قوه إلّا باللّٰه العليّ العظيم ، والسلام» (١).

أقول :

أمّا الصغری ، فقد أوضحنا فسادها بإثباتنا نزول الآيات ـ التی ذكرها السيّد ـ في أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ، اعتماداً علی كتب أهل السُنّة فقط ، وصحّحنا أسانيد رواياتهم في ذلك علی ضوء كلمات علمائهم ، بحيث لا يبقی مجال للاعتراض والمكابره ، والحمد للّٰه علی التوفيق.

وأمّا الكبری ، فهي موضوع المراجعه الآتيه.

وقد أشار السيّد رحمه اللّٰه في هذا المقام إشارهً إجمإليه إلی أحوال العلماء الأبرار ورواه الأخبار والآثار من الشيعه الإماميه ، في العلم والزهد والضبط والأمانه والورع والاحتياط ، وأنّ الّذين تكلّموا في علماء الإماميه كانوا جاهلین بأحوالهم ...فأقول :

نعم ، قد تكلّم بعض الجاهلين أو المتعصّبين في علماء الإماميه ، وربّما اتّهم الكليني والصدوق والمفيد والطوسي ، وأمثالهم من أكابر شيوخ الإماميه ، ولكنّ أكثر المؤرّخين من أهل السُنّة ، يترجمون هؤلاء الأعلام في كتبهم الرجإليه والتاريخيّه ، ولا نجد منهم أي اتّهام لهم بالكذب أو بشيء من الموبقات الموجبه

__________________

(١) المراجعات : ٣٩ ـ ٤١.

٤٨

لدخول النار ، في حين أنّهم لمّا يترجمون لعلماء السُنّة يذكرون كثيراً من الكبائر والموبقات الفظيعه ، ممّا يدلّ علی براءه علماء الإماميه ونزاهتهم عن ذلك ، وإلّا لذكروا عنهم ما ذكروا عن علماء طائفتهم ....

هذا ، ومن المناسب التوسّع في هذا المطلب ، بمراجعه كتاب سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي ، فإنّه موسوعه رجإليه تاريخيه ضخمه ، شملت تراجم المئات من الشخصيات الإسلاميّه وأعلام الأمّه في مختلف العلوم وشتّی الطبقات ، حتّی القرن الثامن من الهجره.

فالذهبي (١) ، وإنْ لم يذكر من أعلام الإماميه إلّا عدداً ضئيلاً ، وهو عند ما يترجم لواحدٍ منهم يحاول الاختزال والاختصار ، فلا تتجاوز ترجمته له الأسطر القلائل ، وكذلك حاله مع كلّ من يخالفه في العقيده ، كما ذكر تلميذه السبكی ـ كما سيأتي ـ إلّا أنّك لا تجد بترجمة واحدٍ منهم شيئاً ممّا يخلُّ بالعداله ....

فمثلاً يقول : «الكليني : شيخ الشيعه وعالم الإماميه ، صاحب التصانيف ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازي الكليني ـ بنون ـ. روی عنه : أحمد بن إبراهيم الصيمری وغيره. وكان ببغداد ، وبها توفي ، وقبره مشهور. مات سنه ٣٢٨. وهو بضمّ الكاف وإماله اللام. قيّده الأمين» (٢).

ويقول : «المرتضی : العلّامه الشريف المرتضی ، نقيب العلويه ، أبو طالب ،

__________________

(١) هذا الفصل ملخّص من أحد موضوعات كتابنا الانتقاء من سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي ، المطبوع في ٢٣ مجلداً. وهو كتابٌ يحتوی علی بحوثٍ عقائديّه ، تاريخيه ، رجإليه ، ويشتمل علی قضايا ونوادر وحكايات ، من أحوال الصحابه والتابعين والعلماء من مختلف الطبقات ، نسأل اللّٰه تعالی أن يهيّئ أسباب نشره.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٥ : ٢٨٠ رقم ١٢٥.

٤٩

علی بن حسين بن موسی ، القرشی العلوی الحسيني الموسوی البغدادي. من وُلد موسی الكاظم. ولد سنه ٣٥٥ ، وحدّث عن : سهل بن أحمد الديباجي وأبي عبد اللَّه المرزباني وغيرهما. قال الخطيب : كتبت عنه. قلت : هو جامع كتاب نهج البلاغه المنسوبه ألفاظه إلی الإمام عليّ رضي اللّٰه عنه ، ولا أسانيد لذلك وبعضها باطل وفيه حقّ ، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها ، ولكن أین المنصف؟ وقيل : بل جمع أخیه الشريف الرضي (١).

وديوان المرتضی كبير وتواليفه كثيره ، وكان صاحب فنون.

وله كتاب الشافي في الإمامه والذخيره في الأُصول وكتاب التنزيه وكتاب في إبطال القياس وكتاب في الاختلاف في الفقه ، وأشياء كثيره. وديوانه في أربع مجلّدات. وكان من الأذكياء الأولياء ، المتبحّرين في الكلام والاعتزال ، والأدب والشعر. لكنّه إمامیٌّ جلد. نسأل اللّٰه العفو.

قال ابن حزم : الإماميه كلّهم علی أنّ القرآن مبدّل وفيه زياده ونقص (٢) ، سوی المرتضی ، فإنّه كفّر من قال ذلك ، وكذلك صاحباه أبو يعلی الطوسي وأبو القاسم الرازي.

قلت : وفي تواليفه سبّ أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فنعوذ باللّٰه من علمٍ لا ينفع.

توفي المرتضی في سنه ٤٣٦» (٣).

__________________

(١) وهذا هو الصحيح ، والكلام في ثبوت ما في «نهج البلاغه» عن أمير المؤمنين عليه السلام في موضعه.

(٢) ليس هذا عقيده الإماميه ، والكلام في ذلك في كتابنا التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف المطبوع مراراً.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٧ : ٥٨٨ رقم ٣٩٤.

٥٠

ويقول : «أبو جعفر الطوسي : شيخ الشيعه وصاحب التصانيف ، أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علی الطوسي. قدم بغداد ، وتفقّه أوّلاً للشافعی (١) ، ثم أخذ الكلام وأصول القوم عن الشيخ المفيد رأس الإماميه ، ولزمه وبرع ، وعمل التفسير وأملی أحاديث ونوادر في مجلّدين عامّتها عن شيخه المفيد. وروی عن : هلال الحفّار والحسين بن عبيد اللّٰه الفحّام والشريف المرتضی وأحمد بن عبدون وطائفه. روی عنه ابنه أبو علی. وأعرض عنه الحفّاظ لبدعته ، وقد أُحرقت كتبه عدّه نوب في رحبه جامع القصر ، واستتر لمّا ظهر عنه من التنقُّص بالسلف. وكان يسكن بالكرخ محلّه الرافضه ، ثمّ تحوّل إلی الكوفه وأقام بالمشهد يفقّههم. ومات في المحرّم سنه ٤٦٠. وكان يعدّ من الأذكياء لا الأزكياء. ذكره ابن النجّار في تاريخه. وله تصانيف كثيره منها : كتاب تهذيب الأحكام كبير جدّاً ، وكتاب مختلف الأخبار وكتاب المفصح في الإمامه ، وأشياء ، ورأيت له مؤلّفاً في فهرسه كتبهم وأسماء مؤلّفيها» (٢).

ويقول بترجمة الصدوق : «ابن بابويه. رأس الإماميه ، أبو جعفر ، محمّد بن العلّامه علی بن الحسين بن موسی بن بابويه القمّی ، صاحب التصانيف السائره بين الرافضه. يضرب بحفظه المثل ، يقال : له ثلاث مئه مصنّف ، منها : كتاب دعائم الإسلام ، كتاب الخواتيم ، كتاب الملاهي ، كتاب غريب حديث الأئمّة ، كتاب التوحيد ، كتاب دين الإماميه ، وكان أبوه من كبارهم ومصنّفيهم.

حدّث عن أبي جعفر جماعه ، منهم : ابن النعمان المفيد والحسين بن

__________________

(١) هذا لا أساس له من الصّحه.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٨ : ٣٣٤ رقم ١٥٥.

٥١

عبد اللَّه بن الفحّام وجعفر بن حسنكیه القمّی» (١).

ويقول : «الشيخ المفيد : عالم الرافضه ، صاحب التصانيف ، الشيخ المفيد ، واسمه محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الشيعي ، ويعرف بابن المعلّم. كان صاحب فنونٍ وبحوث وكلام واعتزالٍ وأدب. ذكره ابن أبي طیّ في تاريخ الإماميه فأطنب وأسهب وقال : كان أوحد في جميع فنون العلم : الأصلين والفقه ...إلی أن قال : مات سنه ٤١٣ وشيعه ثمانون ألفاً.

وقيل : بلغت تواليفه مائتين ، لم أقف علی شيء منها وللّٰه الحمد ، يكني أبا عبد اللَّه» (٢).

ويقول : «الكراجكي : شيخ الرافضه وعالمهم ، أبو الفتح ، محمّد بن علی ، صاحب التصانيف. مات بمدينه صور سنه ٤٤٩» (٣).

وهكذا ...ترجمته لعلماء الإماميه ، في أسطرٍ قليله ، مع أغلاطٍ وهفوات كثيره ...إلّا أنّك لا تجد في هذه التراجم شيئاً من الآثام والقبائح الموبقه ...وحتّی لو كان نُسب إلی أحدٍ منهم شيءٌ ممّا لا يجوز لأورده كما ذكر ذلك بتراجم علماء طائفته ، مؤكداً علی كثير من ذلك :

فقد ذكر بترجمة (زاهر بن طاهر) بعد أنّ وصفه ب «الشيخ العالم ، المحدّث المفيد ، المعمّر ، مسند خراسان ، أبو القاسم ابن الإمام أبي عبد الرحمن ، النيسابوري ، الشحامی ، المستملی ، الشروطی ، الشاهد»!! وعدّد مشايخه وتصانيفه ...ذكر عن

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٦ : ٣٠٣ رقم ٢١٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٧ : ٣٤٤ رقم ٢١٣.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٨ : ١٢١ رقم ٦١.

٥٢

جماعهٍ أنّه كان يخلُّ بالصلوات إخلالاً ظاهراً ... (١).

وذكر بترجمة (عمر بن محمّد ، المعروف بابن طبرزد) وقد وصفه ب «الشيخ المسند الكبير الرحله ، أبو حفص عمر بن محمّد بن معمّر بن ...» وعدّد شيوخه ومن روی عنه من المشاهير كابن النجّار والكمال ابن العدیم والمجد ابن عساكر والقطب ابن أبي عصرون وأمثالهم ، ثمّ أورد قول ابن نقطه : «ثقه في الحديث» ، وقول ابن الحاجب : «كان مسند أهل زمانه» حتّی نقل عن ابن النجّار : «كان متهاوناً بأُمور الدين ، رأيته غير مرّه يبول من قيام ، فإذا فرغ من الإراقه أرسل ثوبه وقعد من غير استنجاءٍ بماءٍ ولا حجر» قال الذهبي : «قلت : لعلّه يرخّص بمذهب من لا يوجب الاستنجاء!».

ثمّ حكی عن ابن النجّار : «وكنّا نسمع منه يوماً أجمع ، فنصلّی ولا يصلّی معنا ، ولا يقوم لصلاه ...».

قال الذهبي : «وقد سمعت أبا العبّاس ابن الظاهری يقول : كان ابن طبرزد لا يصلّی» (٢).

ثم إنّ الذهبي روی خبرين بترجمة (مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدی القصّاب) في سند أحدهما «زاهر» والآخر «عمر» فقال : «في الإسنادين ضعف ، من جهه زاهر وعمر ، لإخلالهما بالصلاه ، فلو كان في ورع لَما رويتُ لمن هذا نعته» (٣).

لكنْ في مشايخ الذهبي غير واحدٍ من هؤلاء ، فقد نصَّ ـ مثلاً ـ بترجمة

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٩ رقم ٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢١ : ٥٠٧ رقم ٢٦٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣١٧.

٥٣

(علی بن مظفّر الإسكندراني ، شيخ دار الحديث النفیسیّه!! المتوفي سنه ٧١٦) : «لم يكن عليه ضوء في دينه ، حملني الشره علی السماع من مثله ، والله يسامحه ، كان يخلُّ بالصلوات ، ويرمي بعظائم!!» (١).

وذكر بترجمة (الشيخ المعمّر أبو المعالي عثمان بن علی بن المعمّر بن أبي عِمامه البغدادي البقّال) : «قال ابن النجّار : كان عسراً ، غير مرضي السيره ، يخلُّ بالصلوات ، ويرتكب المحظورات» (٢).

وبترجمة (الجعابی) الموصوف ب «الحافظ البارع العلّامه ، قاضی الموصل ، أبو بكر محمّد بن عمر بن محمّد بن سلم التميمی البغدادي» قال بعد ذكره مشايخه ، وأنّه حدّث عنه : أبو الحسن الدارقطني وأبو حفص ابن شاهين وابن رزقويه وابن منده والحاكم ...وبعد ذكر بعض الكلمات في الثناء عليه ...قال : «ونقل الخطيب عن أشياخه أنّ ابن الجعأبي كان يشرب في مجلس ابن العميد. وقال أبو عبد الرحمن السلمی : سألت الدارقطني عن ابن الجعأبي ، فقال : خلّط ؛ وذكر مذهبه في التشيّع ، وكذا نقل أبو عبد اللَّه الحاكم عن الدارقطني قال : وحدّثني ثقه أنّه خلّی ابن الجعأبي نائماً وكتب علی رجله ، قال : فكنت أراه ثلاثه أيام لم يمسّه الماء ...» .. «قال الحاكم : قلت للدارقطني : يبلغني عن الجعأبي أنّه تغير عمّا عهدناه.

قال : وأي تغير؟! قلت : باللّٰه هل اتّهمته؟! قال : أي واللّٰه. ثمّ ذكر أشياء. فقلت :

وضحَ لك أنّه خلط في الحديث؟! قال : أي واللّٰه ، قلت : هل اتّهمته حتّی خفت المذهب؟! قال : ترك الصلاه والدين» (٣).

__________________

(١) معجم الشيوخ : ٣٨٩ رقم ٥٦٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٩ : ٤٥٣ رقم ٢٦١.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٦ : ٨٨ رقم ٦٩.

٥٤

أقول :

لكنّ بقاء الكتابه علی رجله ثلاثه أيام ، إنّما يدلّ علی عدم غسله لرجلیه في الوضوء ولا يدلّ علی عدم الوضوء وترك الصلاه ، فلعلّه كان من القائلين بالمسح في الوضوء ، تعييناً أو تخييراً ، فإنّ هذا مذهب كثير من الصحابه والتابعين والفقهاء الكبار كابن جرير الطبري ـ صاحب التفسير والتاريخ ـ وأتباعه ... (١).

وأمّا شرب المسكر ، فمذكور بتراجم كثير من أعلام القوم :

ففي ترجمة (نصرك) وهو : «الحافظ ، المجوّد ، الماهر ، الرّحال ، أبو محمّد ، نصر بن أحمد بن نصر ، الكندی البغدادي» : «قال أبو الفضل السليماني : يقال إنّه كان أحفظ من صالح بن محمّد جزره ، إلّا أنّه كان يتّهم بشرب المسكر» (٢).

وبترجمة (علی بن سراج) وهو : «الإمام الحافظ البارع ، أبو الحسن ابن أبي الأزهر» : «إلّا أنّ الدارقطني قال : كان يشرب ويسكر» (٣).

وبترجمة (الذهبی) وهو : «الحافظ العالم الجوّال ، أبو بكر أحمد بن محمّد بن حسن بن أبي حمزه البلخی ثمّ النيسابوري» ذكر مشايخه ومن حدّث عنه وهم أكابر المحدّثين الحفّاظ ثمّ قال : «لكنّه مطعون فيه. قال الإسماعيلی : كان مستهتراً بالشرب» (٤).

وبترجمة (عبد اللَّه بن محمّد بن الشرقي) : «ذكر الحاكم أنّه رآه ...قال : ولم

__________________

(١) قد بحثنا ذلك في رسالتنا : حكم الأرجل في الوضوء ...وهو من البحوث المنشوره عن مؤتمر ألفيه الشيخ المفيد رحمه اللّٰه.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٥٣٨ رقم ٢٧١.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٤ : ٢٨٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٤ : ٤٦١ رقم ٢٥١.

٥٥

يَدعِ الشرب إلی أن مات ، فنقموا عليه ذلك ، وكان أخوه لا يری لهم السماع منه لذلك» (١).

وبترجمة (أبو عبيد الهروی) : «قال ابن خلّكان ...قيل : إنّه كان يحبّ البِذله ، ويتناول في الخلوه ، ويعاشر أهل الأدب في مجالس اللذّه والطرب» (٢).

وبترجمة (الزوزنی) ، وهو : «الشيخ المسند الكبير ، أبو سعد أحمد بن محمّد ...

من مشاهير الصوفيه»!! حدّث عنه : ابن عساكر والسمعاني وابن الجوزي وآخرون ، «قال السمعاني : كان منهمكاً في الشرب ، سامحه اللّٰه ...وقال ابن الجوزي : ينسبونه إلی التسمّح في دينه» (٣).

أقول :

ومثل هذه القضايا في تراجمهم كثير ، وهم حفّاظ ، أئمّة ، يقتدون بهم ...وقد جاء بترجمة «الإمام!! القدوه!! العابد!! الواعظ!! محمّد بن يحيی الزبيدی ، نزیل بغداد» عن السمعاني : «سمعت جماعهً يحكون عنه أشياء السكوت عنها أَولي.

وقيل : كان يذهب إلی مذهب السالميه ، ويقول : ...إنّ الشارب والزاني لا يلام ، لأنّه يفعل بقضاء اللّٰه وقدره» (٤).

فهذا مذهب القوم ، وهذه أعمالهم ....

وجاء بترجمة «الشيخ المعمَّر المحدّث!!» (أحمد بن الفرج الحجازی) من

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٥ : ٤٠ رقم ٢٢.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٧ : ١٤٧.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٥٧ رقم ٣٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٣١٨.

٥٦

مشايخ : النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم من الأئمّة ، عن محمّد بن عوف : «هو كذّاب!! رأيته في سوق الرستن وهو يشرب مع مُردان وهو يتقيا!! وأنا مشرفٌ عليه من كوّه بيت كانت لي فيه تجاره سنه ٢١٩ ...» (١).

فاجتمع عنده : الشرب! والكذب! والعبث بالمردان!!

وكان العبث بالمردان من أفعال غير واحدٍ من أعلام القوم ، فقد جاء بترجمة قاضی القضاه!! (يحيی بن أكثم) : «قال فضلك الرازي : مضيت أنا وداود الأصبهاني إلی يحيی بن أكثم ، ومعنا عشره مسائل ، فأجاب في خمسهٍ منها أحسن جواب ، ودخل غلام ملیح ، فلمّا رآه اضطرب ، فلم يقدر يجیء ولا يذهب في مسألهٍ. فقال داود : قم ، اختلط الرجل» (٢).

وبترجمة (الخطيب البغدادی) الذي أطنب وأسهب الذهبي ترجمته بعد أن وصفه ب «الإمام الأوحد ، العلّامه المفتی ، الحافظ الناقد ، محدّث الوقت ...خاتمه الحفّاظ» ونحو ذلك من الألقاب ، وبعد أن أورد كلمات الأئمّة في مدحه ، قال :

«كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلی صور أنّه كان يختلف إليه صبی مليح ، فتكلّم الناس في ذلك» (٣).

وبترجمة (ابن الأنماطی) وهو : «الشيخ العالم الحافظ ، المجوّد البارع ، مفيد الشام ، تقی الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد اللَّه» عن ابن الحاجب : «وكان ينبَز بالشرّ ، سألت الحافظ الضياء عنه فقال : حافظ ثقه مفيد إلّا أنّه كثير الدعابه

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٨٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ : ١٠.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٨ : ٢٨١.

٥٧

مع المُرد» (١).

وجاء بترجمة الحافظ أبي بكر أحمد بن إسحاق (الصِبغي) : «قال الحاكم : وسمعت أبا بكر بن إسحاق يقول : خرجنا من مجلس إبراهيم الحربي ومعنا رجل كثير المجون ، فرأي أمرد ، فتقدّم فقال : السلام عليك ، وصافحه وقبَّل عينيه وخدّه ، ثم قال : حدّثنا الدَبَری بصنعاء بإسناده ، قال : قال رسول اللّٰه : إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه. فقلت له : ألا تستحی؟! تلوط وتكذب في الحديث!! يعني : أنّه ركب إسناداً للمتن» (٢).

هذا ، ولا أريد أنْ أُطيل في هذا المقام ، وفي كتابنا «الانتقاء» من هذا القبيل كثير ، وبعضه عجيبٌ وغريب!

* * *

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٢٢ : ١٧٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٥ : ٤٨٧.

٥٨

المراجعه (١٦)

مائه من أسناد الشيعه في إسناد السُّنّه

قال السيّد :

«نعم آتيك ـ في هذه العجاله ـ بما أمرت ، مقتصراً علی ثلّه ممّن شدّت إليهم الرحال ، وامتدت نحوهم الأعناق ، علی شرط أنْ لا أُكلَّف بالاستقصاء ، فإنّه ممّا يضيق عنه الوسع في هذا الإملاء ، وإليك أسماءهم وأسماء آبائهم ، مرتّبهً علی حروف الهجاء».

أقول :

فأورد رحمه اللّٰه اسماء مائهٍ من رجال الصحاح ، نصَّ علماء أهل السُنّة في الجرح والتعديل علی تشيّعهم ، وهم :

أبان بن تغلب القارئ الكوفي.

إبراهيم بن يزيد النخعی الكوفي.

أحمد بن المفضّل الحفری الكوفي.

إسماعيل بن أبان الأزدي الكوفي.

إسماعيل بن خليفه الملائی الكوفي.

إسماعيل بن زكريا الأسدی الخلقاني الكوفي.

إسماعيل بن عبّاد ، المعروف بالصاحب بن عبّاد.

٥٩

إسماعيل بن عبد الرحمن ، المعروف بالسدّي.

إسماعيل بن موسی الفزاری الكوفي.

تليد بن سليمان الكوفي.

ثابت بن دينار ، المعروف بأبي حمزه الثمالي.

ثوير بن أبي فاخته أبو الجهم الكوفي.

جابر بن يزيد الجعفي.

جرير بن عبد الحميد الضبّی الكوفي.

جعفر بن زياد الأحمر الكوفي.

جعفر بن سليمان الضبعي.

جميع بن عميره الكوفي.

الحارث بن حصيره الكوفي.

الحارث بن عبد اللَّه الهمداني.

حبيب بن أبي ثابت الأسدي الكاهلي.

الحسن بن حیّ الهمداني.

الحكم بن عتیبه الكوفي.

حمّاد بن عيسی الجهني.

حمران بن أعين.

خالد بن مخلّد القطواني.

داود بن أبي عوف أبو الجحاف.

زبيد بن الحارث اليامی الكوفي.

زيد بن الحباب الكوفي.

٦٠