تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

أقول :

الظاهر أنّ الغلط في نسخه الهيثمي هو الذي أوقعه في هذا الاشتباه ؛ لأنّه لم يعرفه بهذا الاسم واللقب ، لكن الرجل هو : «إبراهيم بن إسحاق الصیني» ، وهو ليس بمتروك ..

قال السمعاني : «إبراهيم بن إسحاق : كوفي ، كان يتّجر في البحر ، ورحل إلی الصین ، وهو من بلاد المشرق ، ؛ يروی عن أبي عاتكه ، عن أنس ، عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، قال : اطلبوا العلم ولو بالصین» (١).

قيل :

«قد أخرجه أبو نعيم في الحلية ، وهو حديث موضوع ، ومجرّد العزو إليه مشعر بالضعف ، كما هو مقرَّر عند أهل العلم بالحديث».

أقول :

قد عرفت أنّ الحديث أخرجه الطبراني ، وأبو نعيم ، وغيرهما من الأئمّة والحفّاظ ، وسنده خال من الإشكال.

وليس العزو إلی أبي نعيم مشعراً بالضعف ، بل لا بُدّ من النظر في سند الحديث ومتنه أيا كان الراوي له ...ولا يجوز ردّ الأحاديث النبوية بمجرّد التشهّی. ولا الطعن في العلماء ورواياتهم بلا دليل.

__________________

(١) الأنساب ٥٧٧/٣ «الصيني».

٣٠١

الحديث «٩» :

قيل :

«٩ ، ١٠ ـ أنا مدينه العلم وعليّ بابها .. الحديث. أنا دار الحكمه وعليّ بابها ..

الحديث.

هذا حديث مطعون فيه ؛ قال يحيی بن معين : لا أصل له. وقال البخاري. إنّه منكر وليس له وجه صحيح. وقال الترمذي : إنّه منكر غريب. وذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وقال ابن دقیق العید : لم يثبتوه ، وقال النووی والذهبي والجزری : إنّه موضوع. (مختصر التحفه الاثني عشريه : ١٦٥).

وقال ابن الجوزي : وثمّ في الطريق الثاني (أنا دار الحكمه ...الحديث) : محمّد بن عمرو الرومی ، قال ابن حبّان : كان ياتی عن الثقات بما ليس من حديثهم ، لا يجوز الاحتجاج به بحال. (رياض الجنّه : ١٥٠)».

أقول :

هذان حديثان يختلفان سنداً ومتناً ، وحيث أنّ القوم لم يتكلّموا في الثاني كما تكلّموا في الأوّل منهما ، فقد خلط المفتری بينهما ، لیوهم القارئ أنّهما حديث واحد ، والطعن من بعضهم متوجّه إلی كلیهما ، وهذه خيانه كبيره .. وسیتّضح الأمر ..

والكلام الآن في الحديث الأوّل المرقّم برقم «٩» ، فنقول :

طرق القوم في إسقاط حديث مدينه العلم

إنّه لمّا كان حديث : «أنا مدينه العلم ...» من أقوی ما يحتجّ به علی إمامه أمير المؤمنين عليه السلام ، وأوضحها دلالهً علی أعلمیّته وأفضليته بعد رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، فقد سعی القوم بشتّی الطرق لإسقاطه عن الاعتبار من

٣٠٢

حيث السند ، أو عن الدلاله علی ما يذهب إليه أهل الحقّ ، ونحن نذكر طرقهم المختلفه في محاربه هذا الحديث ، ونوضّحها باختصار :

الأوّل : تكذيب الحديث سنداً ..

وهذا طريق بعض المتعصّبين منهم ، المناوئین لأمير المؤمنين عليه الصلاه والسلام ، ومن أشهرهم ابن تيمية ، الذي يقول : «وحديث أنا مدينه العلم وعليّ بابها ، أضعف وأوهی ، ولهذا إنّما يعدّ في الموضوعات ، وإن رواه الترمذي .. وذكره ابن الجوزي وبين أنّ سائر طرقه موضوعه. والكذب يعرف من نفس متنه ...» (١).

لكنّ الحديث ليس كذباً موضوعاً ، وما ذكره ابن الجوزي قد تعقبّه غير واحد من أئمتهم ، كالحافظ السيوطي في اللآلی المصنوعه ..

ولا يخفي أنّ ابن تيمية يعترف بكونه من أحاديث صحيح الترمذي ، وسيأتي مزيد من الكلام في ذلك.

والحاصل : إنّهم قد رووا هذا الحديث بأسانيدهم عن أمير المؤمنين ، وعن الإمامین السبطین الحسن والحسين ، وعن عبد اللَّه بن عبّاس ، وجابر ، وابن مسعود ، وحذيفه ، وأنس ، وابن عمر ، وعمرو بن العاص ..

وهو في كتب كثير من الأئمّة ، أخرجوه بطرقهم ، وقد نصّ علی صحّته :

يحيی بن معين ، وابن جرير الطبري ، والحاكم النيسابوري ، وجمع من كبار الحفّاظ ، ومنهم من نصّ علی حسنه : كالحافظ العلائی ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، والحافظ السمهودی ، وأمثالهم.

وما نقل عن يحيی بن معين من أنّه قال : «لا أصل له» فكذب ؛ بدليل ما جاء

__________________

(١) منهاج السُنّة ٧ : ٥١٥.

٣٠٣

في تهذيب الكمال للحافظ أبي الحجّاج المزّي ، وفي تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني : «قال القاسم : سألت يحيی بن معين عن هذا الحديث ، فقال : صحيح» وكذلك النقل عنه في كلام الخطيب البغدادي ، والجلال السيوطي ، والشوكاني ، والمناوی ، وغيرهم (١).

فإذاً ، يحيی بن معين يقول بصحّه حديث : «أنا مدينه العلم ...».

ومن القائلين بصحّته : ابن جرير الطبري ، في كتابه تهذيب الآثار ؛ قال السيوطي في جمع الجوامع : «وقال ابن جرير : هذا خبر صحيح سنده».

ومنهم : الحاكم صاحب المستدرك ، فإنّه قال : «هذا حديث صحيح الإسناد» ، ثمّ قال : «ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوری بإسناد صحيح ...» (٢).

فلما ذا الكذب علی العلماء وإخفاء الحقائق أو إنكارها؟!

فإنّ الترمذي لم يقل عقیب حديث : «أنا مدينه العلم ...» ذلك ، بل سيأتي أنّ هذا الحديث قد أسقطه القوم من كتابه ؛ فلو كان قد طعن فيه لم يكن حاجه إلی إسقاطه من الكتاب ..

والبخاري إنّما تكلَّم في الحديث الثاني : «أنا دار الحكمه ...» كما في اللآلی المصنوعه والمقاصد الحسنه ؛ فدعوی تكلّمه في حديث : «أنا مدينه العلم ...» كاذبه.

__________________

(١) تهذيب الكمال ١٨ : ٧٧ ، تهذيب التهذيب ٦ : ٢٨٦ ، وانظر : تاريخ بغداد ١١ : ٤٩ ، جمع الجوامع ـ للسيوطي ـ ١ : ٣٣٠ ، فيض القدير شرح الجامع الصغير ٣ : ٤٦ ، الفوائد المجموعه : ٣٤٩.

(٢) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٦ ـ ١٢٧.

٣٠٤

وكذلك نسبه القول بكونه موضوعاً إلی بعض العلماء منهم ، فإنّها من الأكاذيب أيضاً ..

الثاني : مناقشه مدلول الحديث ..

ولكنّها مناقشات باطله ، ومحاولات ساقطه ، ولذا احتاجوا إلی سلوك الطرق الأُخری.

الثالث : تحريف لفظ الحديث والتلاعب بمتنه ..

كقول بعض النواصب : إنّ كلمه : «عليّ» فيه ليس عَلَماً ، وإنّما هو وصفٌ بمعني العلوّ ؛ فمدينه العلم عالٍ بابها. لكنّه بلغ من السخافه حدّاً جَعلَ بعض علمائهم يردّه ويبطله ، كابن حجر المكی وغيره (١) ..

وكزياده آخرین فيه بفضائل لغيره ، فقد جاء في بعض كتبهم : «أنا مدينه العلم وأبو بكر أساسها وعمر حیطانها وعثمان سقفها وعليّ بابها» ، وقد نصّ العلماء علی سقوطه ، كالسخاوی الحافظ ؛ إذ قال : «كلّها ضعیفه ، وألفاظ أكثرها ركیكه» (٢).

الرابع : تحريف الكتب ..

فإنّهم لمّا رأوا أنّ هذا الحديث قویٌ في دلالته ، ووجوده في الكتب المعتبره يسبّب صحّه استدلال الإماميه به ، قاموا بتحريف الكتب .. ومن ذلك صحيح الترمذي ، فإنّ حديث : «أنا مدينه العلم وعليّ بابها» نقله جماعه من أكابر القوم ،

__________________

(١) المنح المكيّة في شرح القصیده الهمزية : ٣٠٤ ، فيض القدير ٣ : ٤٦.

(٢) المقاصد الحسنه في الأحاديث المشتهرة علی الألسنه : ١٢٤.

٣٠٥

كابن تيمية ، وابن الأثير ، وابن حجر ، وغيرهم ، عن الكتاب المذكور ، ولكنّه غير موجود فيه الآن.

فلينظر القارئ المنصف كيف يتلاعبون بأقوال النبيّ الكريم صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، ولو كانوا أهل السُنّة حقّاً لَما فعلوا هذه الأفاعيل ، وما قالوا هذه الأقاويل ، لكنهم يتّبعون سُنّة بني أُميّه ، ويقصدون محاربه السُنّة النبوية الصحيحه ، ويابي اللّٰه إلّا أن يتمَّ نوره ..

الحديث «١٠» :

أخرجه الترمذي في صحيحه ، وقال : حديث حسن ، كما نصّ علی ذلك الحفّاظ ، كمحبّ الدين الطبري المكی (١).

وأخرجه ابن جرير الطبري وصحّحه ، كما نصّ علی ذلك جماعه ، كالحافظ السيوطي في اللآلي المصنوعة (٢).

وقد نقل السيوطي تحسين الحافظ صلاح الدين العلائی كذلك.

وممّن أثبته في كتابه من الحفّاظ وكبار العلماء :

أبو نعيم الأصبهاني.

ابن مردويه الأصبهاني.

الخطيب التبریزی ، صاحب مشكاه المصابيح.

ابن حجر العسقلاني.

أبو محمّد الحسين ابن الفرّاء البغوي.

__________________

(١) ذخائر العقبی في مناقب ذوی القربی : ١٤١.

(٢) اللآلی المصنوعه ١ : ٣٣٣.

٣٠٦

المناوي ، صاحب شرح الجامع الصغير.

الزرقاني ، صاحب شرح الموطأ.

القسطلاني ، صاحب شرح البخاري.

ابن حجر المكي ، صاحب الصواعق.

المتّقی الهندي ، صاحب كنز العمّال.

أقول :

قد عرفنا حال عشره أحاديث من الأربعين حديثاً التی أوردها السيّد لتأیید النصوص في إمامه أمير المؤمنين ، من الصحّه في السند والمتانه في الدلاله ، وعرفنا كيف يحاولون ردّ أحاديث مناقب أمير المؤمنين ودلائل إمامته بالزور والكذب.

وعلی حال هذه فقِس البقیه .. علی أنّ قسماً منها قد تقدّم البحث عنه في المراجعات السابقه ..

فالأولي صرف الوقت في تشييد سائر المراجعات ..

٣٠٧

المراجعه (٥٠)

قال السيّد رحمه اللّٰه :

في وجه الاستدلال بخصائص أمير المؤمنين علی إمامته :

«إنّ من كان مثلكم ـ ثاقب الرویه ، بعيد المرمي ، خبیراً بموارد الكلام ومصادره ، بصیراً بمرامیه ومغازیه ، مستبصراً برسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وحكمته البالغه ونبوّته الخاتمه ، مقدّراً قدره في أفعاله وأقواله وأنه لا ينطق عن الهوی ـ لا تفوته مقاصد تلك السُنن ، ولا تخفي عليه لوازمها ، عرفاً وعقلاً ..

وما كان لیخفي عليك ـ وأنت من أثبات العربيه وأسنادها (١) ـ أنّ تلك السُنن قد أعطت عليّاً من المنازل المتعإليه ما لا يجوز علی اللّٰه تعالی وأنبيائه إعطاؤها إلّا لخلفائهم وأُمنائهم علی الدين وأهله ، فإذا لم تكن دالّه علی الخلافه بالمطابقه ، فهي كاشفه عنها ألبته ودالّه عليها لا محاله بالدلاله الالتزامیه ، واللزوم فيها بين بالمعني الأخصّ ، وحاشا سيّد الأنبياء أن يعطی تلك المنازل الرفيعة إلّا لوصيه من بعده ، ووليّه في عهده ..

علی أنّ من سبر غور سائر السُنن المختصّه بعليّ ، وعجم عودها بروية وإنصاف ، وجدها بأسرها ـ إلّا قليلاً منها ـ ترمي إلی إمامته ، وتدلّ عليها إمّا بدلاله

__________________

(١) أثبات : بفتح الهمزه جمع «ثَبَت» بفتحتین ، وأسناد : جمع «سَنَد» بفتحتین أيضاً ، والثبت والسند هو الحجّه.

٣٠٨

المطابقه ، كالنصوص السابقه (١) ، وكعهد الغدير ، وإمّا بدلاله الالتزام ، كالسُنن التی أسلفناها في المراجعه ٤٨ ..

وكقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ، لن يفترقاً حتّی يردا عليّ الحوض (٢) ..

وقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : عليّ مني بمنزله رأسی من بدني (٣) ..

وقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في حديث عبد الرحمن بن عوف (٤) : والذي نفسی بيده لتقيمنّ الصلاه ، ولتؤتنّ الزكاه ، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً مني أو كنفسی .. الحديث ، وآخره : فأخذ بيد عليّ ، فقال : هو هذا ..

إلی ما لا يحصی من أمثال هذه السُنن ، وهذه فائده جليله ألفت إليها كلّ غوّاص عن الحقائق ، كشّاف عن الغوامض ، موغل في البحث بنفسه لنفسه ، لا يتبع إلّا ما يفهمه من لوازم تلك السُنن المقدّسه ، بقطع النظر عن العاطفه».

__________________

(١) المذكوره في المراجعه ٢٠ والمراجعه ٢٦ والمراجعه ٣٦ والمراجعه ٤٠.

(٢) أخرجه الحاكم في ص ١٢٤ ج ٣ من المستدرك ، والذهبي في تلك الصفحه من تلخيصه مصرّحين بصحّته ، وهو من الأحاديث المستفیضه ..

ومن ذا يجهل كون عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ بعد صحاح الثقلين ـ الكتاب والعتره ـ فقف علی ما أوردناه منها في المراجعه ٨ ، واعرف حقّ إمام العتره وسيّدها لا يدافع ولا ينازع.

(٣) أخرجه الخطيب من حديث البراء ، والديلمي من حديث ابن عبّاس ، ونقله ابن حجر في ص ١٩٣ من صواعقه ، فراجع الحديث ٣٥ من الأربعين حديثاً التی أوردها في الفصل ٢ من الباب ٩ من صواعقه.

(٤) وهو الحديث ٣٦٤٩٧ ص ١٦٣ ج ١٣ من كنز العمّال ، وحسبك حجّه علی أنّ عليّاً كنفس رسول اللّٰه آيه المباهله علی ما فصّله الرازي في معناها من تفسيره الكبير (مفاتیح الغیب) ص ٨٦ ج ٨ ، ولا يفوتنّك ما ذكرناه في مباحث الآيه من كلمتنا الغرّاء.

٣٠٩

المراجعه (٥٢)

وقال ـ في ردّ دعوی المعارضه ـ :

«نحن نؤمن بفضائل أهل السوابق من المهاجرين والأنصار كافّه رضي اللّٰه عنهم ورضوا عنه ، وفضائلهم لا تحصی ولا تستقصی ، وحسبهم ما جاء في ذلك من آيات الكتاب وصحاح السُنّة ، وقد تدبّرناه إذ تتبّعناه فما وجدناه ـ كما يعلم اللّٰه عزّ وجلّ ـ معارضاً لنصوص عليّ ، ولا صالحاً لمعارضه شيء من سائر خصائصه.

نعم ، ينفرد خصومنا بروآيه أحاديث في الفضائل لم تثبت عندنا ، فمعارضتهم إيانا بها مصادره لا تُنتظر من غير مكابر متحكم ، إذْ لا يسعنا اعتبارها بوجه من الوجوه ، مهما كانت معتبره عند الخصم.

ألا تری أنّا لا نعارض خصومنا بما انفردنا بروايته ، ولا نحتجّ عليهم إلّا بما جاء من طریقهم ، كحديث الغدير ونحوه؟!

علی أنّا تتبّعنا ما انفرد به القوم من أحاديث الفضائل ، فما وجدنا فيه شيئاً من المعارضه ، ولا فيه أي دلاله علی الخلافه ، ولذلك لم يستند إليه ـ في خلافه الخلفاء الثلاثه ـ أحد ، والسلام».

أقول :

قد قرّرنا سابقاً أُموراً للبحث ، نشير إليها تشييداً لكلام السيّد وتأييداً لِما تقدّم منّا وما سيأتي من البحوث :

٣١٠

١ ـ إنّه إذا كان الحديث متّفقاً عليه بين الفريقين ، فإنّ الاعتماد عليه أحزم ، والاستدلال به أتمّ ، لا سیّما إذا كان معتبراً سنداً علی أُصول الخصم باعتراف بعض علماء طائفته.

٢ ـ إنّ الاعتبار السندی لأي حديث ، ليس بمعني أن يكون رواته موثّقین عند جميع أئمّة الجرح والتعديل ، بحيث لو وقع في السند رجل مختلف فيه فلا يكون صحيحاً ، وذلك لأنّ الرجال المتّفق علی وثاقتهم عند القوم قليلون جدّاً ، فإنّ فيهم من يقدح في البخاري وفي مسلم ، والقدح في سائر أرباب الصحاح موجود في غير واحدٍ من كتبهم .. بل يكفي للاحتجاج بالخبر عدم كون رواته مقدوحين عند الكلّ أو الأكثر.

٣ ـ إنّ كلّ حديث ينفرد أحد الطرفين بروايته ، فإنّه لا يكون حجّه علی الطرف الآخر ولا يجوز الاحتجاج به عليه ، وهذه قاعده مقرّره عند علماء الفريقين ، وأصحابنا ملتزمون بها في بحوثهم ، بخلاف الخصوم ، فما أكثر استدلالهم بما ينفردون بروايته في فضل أئمّتهم ، وهذا مخالف للقاعده ..

وممّن نصّ علی هذه القاعده الحافظ ابن حزم الأندلسي ، فإنّه قال في كتابه الفصل في بدآيه مباحث الإمامه ، في الاحتجاج علی الإماميه :

«لا معني لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدّقونها ، ولا معني لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدّقها ، وإنّما يجب أن يحتجّ الخصوم بعضهم علی بعض بما يصدّقه الذي تقام عليه الحجّه به ، سواء صدّقه المحتجّ أو لم يصدّقه ؛ لأنّ من صدّق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروری ، فیصیر حينئذ مكابراً منقطعاً إن ثبت علی ما كان عليه ...» (١).

__________________

(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ : ١٢.

٣١١

٤ ـ إنّ استدلال أصحابنا بآيات الكتاب ـ مع النظر إلی شأن نزولها بحسب روايات أهل السُنّة ـ وبالأحاديث الوارده في كتب القوم علی إمامه أمير المؤمنين عليه السلام ، إنّما هو لكون تلك الأدلّه نصوصاً ثابته ، إمّا علی إمامته بعد رسول اللّٰه بلا فصل ، وإمّا علی أفضليته من غيره بعد النبيّ ..

فأمّا النصّ علی الإمامه فلا يجوز ردّه ؛ لأنّ ردّ النصّ الثابت عن رسول اللّٰه تكذيب له ، وهو كفر بإجماع المسلمين.

وأمّا النصّ علی الأفضليه فيدلّ علی الإمامه ؛ لحكم العقل بقبح تقدّم المفضول ، والأحاديث الوارده في صفات عليّ عليه السلام وحالاته المستلزمه للأفضليه من غيره ، وبالأسانيد المعتبره ، كثيره جدّاً ..

ثمّ إنّ الحكم العقلی المذكور ممّا يعترف به حتّی شيخ النواصب المكابرین ابن تيمية الحرّاني في منهاجه.

٥ ـ وأصحابنا دائماً مستعدّون لاستماع آيه مناقشهٍ علمیه مبنیه علی أُصول البحث وآداب المناظره ..

وكذلك كان أُسلوب السيّد مع الشيخ سليم البشری ـ شيخ الجامع الأزهر ـ.

وإذا كان أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابوري من أئمّة الحديث عند القوم ، وكان قد روی بسند صحيح في المستدرك عن أحمد بن حنبل قوله : «ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب رضي اللّٰه عنه» (١) ..

وإذا كان الذهبي أيضاً من أئمّة الحديث ـ وقد تعقّب روايات الحاكم في تلخيص المستدرك ـ قد وافق الحاكم في نقل هذا الكلام عن أحمد ..

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٠٧.

٣١٢

فقد جاز لنا أنْ نحتجّ علی كلّ من يحترم أحمد بن حنبل ويتّبعه بكلامه المروی عنه في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام.

فما ظنّك بابن تيمية المكذّب لهذا النقل بلا أي دليل؟!

بل المنقول عن أحمد بن حنبل فوق هذا النصّ الذي رواه الحاكم ووافقه الذهبي ؛ فقد روی الحافظ ابن الجوزي ـ وهو ممّن يعتمد علی كلماته وآرائه المكابرون ـ في كتابه في مناقب أحمد أنّه قال : «ما ورد لأحدٍ من الصحابه من الفضائل بالأسانيد الصحاح ما ورد لعليّ رضي اللّٰه عنه» (١) .. فهنا جمله : «الفضائل بالأسانيد الصحاح»!

وروی الحافظ ابن عبد البرّ عن أحمد والنسائي أنّهما قالا : «بالأسانيد الحِسان» (٢).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة الإمام عليه السلام : «ومناقبه كثيره ، حتّی قال الإمام أحمد : لم ينقل لأحدٍ من الصحابه ما نقل لعليّ ، وكذا قال غيره ..

وتتّبع النسائي ما خصّ به من دون الصحابه ، فجمع من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرها جياد» (٣).

وقال في فتح الباری في شرح صحيح البخاري ، بشرح عنوان : باب مناقب عليّ بن أبي طالب :

«قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علی النيسابوري : لم يرد فی

__________________

(١) مناقب أحمد بن حنبل : ١٦٣.

(٢) الاستيعاب ٣ : ١١١٥.

(٣) الإصابة في معرفه الصحابة ٤ : ٢٦٩.

٣١٣

حقّ أحدٍ من الصحابه بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في عليّ» (١).

وقال ابن حجر المكی : «قال أحمد : ما جاء لأحدٍ من الفضائل ما جاء لعليّ ، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علی النيسابوري : لم يرد في حقّ أحدٍ من الصحابه بالأسانيد الصحاح الحسان أكثر ما ورد في حقّ عليّ» (٢).

فليقرأ المنصف هذه الكلمات والاعترافات ..

ولينظر كيف يحتجّ الإماميه بها علی الخصم؟! وكيف تُقابَل احتجاجاتهم بأنواع الزور والبهتان والظلم؟!!

* * *

__________________

(١) فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٧ : ٥٧.

(٢) المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية : ٣٠١.

٣١٤

المراجعه (٥٤) ـ (٦٠)

حديث الغدير

قال السيّد رحمه اللّٰه :

أخرج الطبراني وغيره بسند مجمع علی صحّته (١) ، عن زيد بن أرقم ، قال :

خطب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، بغدير خمّ ، تحت شجرات ، فقال : آيها الناس! يوشك أن أُدعی فأُجیب (٢) ، وإني مسؤول (٣) ، وإنّكم مسؤولون (٤) ، فما ذا

__________________

(١) صرّح بصحّته غير واحد من الأعلام ، حتّی اعترف بذلك ابن حجر ؛ إذ أورده نقلاً عن الطبراني وغيره في أثناء الشبهه الحادیه عشر من الشبه التی ذكرها في الفصل الخامس من الباب الأوّل من الصواعق ص ٢٥.

(٢) إنّما نعی إليهم نفسه الزكیه تنبیهاً إلی أن الوقت قد استوجب تبلیغ عهده ، واقتضی الأذان بتعيين الخليفه من بعده ، وأنّه لا يسعه تأخير ذلك مخافه أن يدعی فیجیب قبل إحكام هذه المهمّه التی لا بُدّ له من إحكامها ، ولا غني لأُمّته عن إتمامها.

(٣) لمّا كان عهده إلی أخية ثقيلاً علی أهل التنافس والحسد والشحناء والنفاق أراد صلّی اللّٰه عليه وآله ـ قبل أن ينادی بذلك ـ أن يتقدّم في الاعتذار إليهم تأليفاً لقلوبهم وإشفاقاً من معرّه أقوالهم وأفعالهم ، فقال : وإني مسؤول ؛ ليعلموا أنّه مأمور بذلك ومسئول عنه ، فلا سبيل له إلی تركه ..

وقد أخرج الإمام الواحدي في كتابه أسباب النزول ، بالإسناد إلی أبي سعيد الخدري ، قال : نزلت هذه الآيه : (يا آيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك) يوم غدير خمّ في عليّ بن أبي طالب.

(٤) لعلّه أشار بقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : وإنّكم مسؤولون ، إلی ما أخرجه الديلمي وغيره ـ كما في الصواعق وغيرها ـ عن أبي سعيد أنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قال : (وقفوهم إنّهم مسؤولون) عن ولآيه عليّ ، وقال الإمام الواحدي : (إنّهم مسؤولون) عن ولآيه عليّ وأهل البيت ، فيكون الغرض من قوله : وإنّكم مسؤولون ، تهديد أهل الخلاف لوليه ووصيه.

٣١٥

أنتم قائلون؟!

قالوا : نشهد أنّ قد بلّغت وجاهدت ونصحت ، فجزاك اللّٰه خيراً.

فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلّا اللّٰه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وأنّ ناره حقّ ، وأنّ الموت حقّ ، وأنّ البعث حقّ بعد الموت ، وأنّ الساعه آتیه لا ريب فيها ، وأنّ اللّٰه يبعث مَن في القبور؟!

قالوا : بلی نشهد بذلك (١).

قال : اللّهمّ اشهد.

ثمّ قال : يا آيها الناس! إنّ اللّٰه مولأي ، وأنا مولي المؤمنين ، وأنا أولي بهم من أنفسهم (٢) ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه ـ يعني عليا ـ اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن عاداه.

ثمّ قال : يا آيها الناس! إني فرطكم ، وإنّكم واردون عليّ الحوض ، حوض أعرض ممّا بين بصری إلی صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضّه ، وإني سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلین ، كيف تخلفوني فيهما؟ الثقل الأكبر : كتاب اللّٰه عزّ وجلّ ، سبب طرفه بيد اللّٰه تعالی ، وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضّلوا ولا تبدّلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فإنّه قد نبّأني اللطيف الخبير أنّهما لن

__________________

(١) تدبّر هذه الخطبه ، من تدبّرها وأعطی التأمّل فيها حقّه ، فعلم أنّها ترمي إلی أنّ ولآيه عليّ من أُصول الدين ، كما عليه الإماميه ؛ حيث سألهم أوّلاً ، فقال : أليس تشهدون أن لا إله إلّا اللّٰه وأنّ محمّداً عبده ورسوله؟! إلی أن قال : وأنّ الساعه آتیه لا ريب فيها ، وأنّ اللّٰه يبعث من في القبور ، ثمّ عقّب ذلك بذكر الولايه لیعلم أنّها علی حدّ تلك الأُمور التی سألهم عنها فأقرّوا بها ، وهذا ظاهر لكلّ من عرف أساليب الكلام ومغازيه من أُولي الأفهام.

(٢) قوله : وأنا أولي ، قرينة لفظية ، علی أنّ المراد من المولي إنّما هو الأولي ، فيكون المعني : إنّ اللّٰه أولي بی من نفسی وأنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم ، ومن كنت أولي به من نفسه فعليّ أولي به من نفسه.

٣١٦

ينقضيا حتّی يردا عليّ الحوض (١).

وأخرج الحاكم في مناقب عليّ من مستدركه (٢) ، عن زيد بن أرقم من طریقین صحّحهما علی شرط الشيخين قال : لمّا رجع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، من حجّه الوداع ونزل غدير خمّ ، أمر بدوحات فقممن ، فقال : كأني دعیت فأجبت ، وإني قد تركت فیكم الثقلین ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب اللّٰه تعالی وعترتی ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّی يردا عليّ الحوض.

ثمّ قال : إنّ اللّٰه عزّ وجلّ مولأي ، وأنا مولي كلّ مؤمن ، ثم أخذ بيد عليّ ، فقال : مَن كنت مولاه فهذا وليه ، اللّهمّ وال مَن والاه ، وعاد مَن عاداه ، وذكر الحديث بطوله ، ولم يتعقّبه الذهبي في التلخيص ....

وقد أخرجه الحاكم أيضاً في باب ذكر زيد بن أرقم من المستدرك (٣) مصرّحاً بصحّته ، والذهبي ـ علی تشدّده ـ صرّح بهذا أيضاً في ذلك الباب من تلخيصه ، فراجع.

وأخرج الإمام أحمد من حديث زيد بن أرقم (٤) ، قال : نزلنا مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بوادی. يقال له : وادی خمّ ، فأمر بالصّلاه فصلّاها بهجیر ، قال : فخطبنا ، وظلّل لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بثوب علی

__________________

(١) هذا لفظ الحديث عند الطبراني وابن جرير والحكيم الترمذي ، عن زيد بن أرقم ، وقد نقله ابن حجر عن الطبراني وغيره باللفظ الذي سمعته ، وأرسل صحّته إرسال المسلّمات ، فراجع ص ٢٥ من الصواعق.

(٢) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٠٩.

(٣) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ٥٣٣.

(٤) في ص ٣٧٢ ج ٤ من مسنده.

٣١٧

شجرة سمرة من الشمس ، فقال : ألستم تعلمون ، أو لستم تشهدون أني أولي بكلّ مؤمن من نفسه؟! قالوا : بلی. قال : فمَن كنت مولاه ، فعليّ مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه.

وأخرج النسائي عن زيد بن أرقم (١) ، قال : لمّا دفع النبيّ من حجّه الوداع ونزل غدير خمّ ، أمر بدوحات فقممن ، ثمّ قال : كأني دعيت فأجبت ، وإني تارك فیكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب اللّٰه وعترتی أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّی يردا عليّ الحوض ..

ثمّ قال : إنّ اللّٰه مولأي ، وأنا ولي كلّ مؤمن ، ثمّ إنّه أخذ بيد عليّ ، فقال : مَن كنت وليه فهذا وليه ، اللّهم وال مَن والاه ، وعاد مَن عاداه.

قال أبو الطفيل : فقلت لزيد : سمعته من رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم (٢)؟!

فقال : وإنّه ما كان في الدوحات أحد إلّا رآه بعينيه وسمعه بأُذنيه.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في باب فضائل عليّ من صحيحه (٣) من عدّه

__________________

(١) ح ٧٩ من الخصائص العلويه عند ذكر قول النبيّ : من كنت وليه فهذا وليه.

(٢) سؤال أبي الطفيل ظاهر في تعجّبه من هذه الأُمّه إذ صرفت هذا الأمر عن عليّ مع ما ترویه عن نبیّها في حقّه يوم الغدير ، وكأنّه شك في صحّته ما ترویه في ذلك ، فقال لزيد حين سمع روايته منه : أسمعته من رسول اللّٰه؟! كالمستغرب المتعجّب الحائر المرتاب ، فأجابه زيد بأنّه لم يكن في الدوحات أحد علی كثره مَن كان يومئذ من الخلائق هناك ، إلّا مَن رآه بعينيه وسمعه بأُذنیه ، فعلم أبو الطفيل حينئذ أنّ الأمر كما قال الكميت عليه الرحمه :

ويوم الدوح دوح غدير خمّ

أبان له الخلافه لو أُطيعا

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أر مثلها خطراً مبيعا

ولم أر مثل ذاك اليوم يوماً

ولم أر مثله حقاً أُضيعا

(٣) ص ٣٢٥ من جزئه الثاني.

٣١٨

طرق عن زيد بن أرقم ، لكنّه اختصره فبتره ـ وكذلك يفعلون ـ.

وأخرج الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب (١) من طريقين ، قال : كنّا مع رسول اللّٰه ، فنزلنا بغدير خمّ ، فنودي فينا : الصلاه جامعه ، وكسح لرسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم تحت شجرتين ، فصلّی الظهر وأخذ بيد عليّ ، فقال : ألستم تعلمون أني أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا : بلی. قال : ألستم تعلمون أني أولي بكلّ مؤمن من نفسه؟! قالوا : بلی. قال : فأخذ بيد عليّ ، فقال : مَن كنت مولاه فعليّ مولاه ، اللّهمّ وال مَن والاه ، وعاد مَن عاداه ..

قال : فلقيه عمر بعد ذلك ، فقال له : هنيئاً يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولي كلّ مؤمن ومؤمنه.

وأخرج النسائي عن عائشه بنت سعد (٢) ، قالت : سمعت أبي يقول : سمعت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، يوم الجحفه ، فأخذ بيد عليّ وخطب ، فحمد اللّٰه وأثني عليه ، ثمّ قال : آيها الناس! إني وليّكم ، قالوا : صدقت يا رسول اللّٰه. ثمّ رفع يد عليّ ، فقال : هذا وليی ، ويؤدّی عني ديني ، وأنا موالی من والاه ، ومعادی من عاداه ..

وعن سعد أيضاً (٣) ، قال : كنّا مع رسول اللّٰه ، فلمّا بلغ غدير خمّ ، وقف للناس ثمّ ردّ من تبعه ، ولحق من تخلّف ، فلمّا اجتمع الناس إليه ، قال : آيها الناس! مَن وليّكم؟ قالوا : اللّٰه ورسوله. ثمّ أخذ بيد عليّ فأقامه ، ثمّ قال مَن كان اللّٰه ورسوله

__________________

(١) في ص ٢٨١ من الجزء الرابع من مسنده.

(٢) في ح ٨ من خصائصه العلويه ، في باب : ذكر منزله عليّ من اللّٰه عزّ وجلّ ، وفي ح ٩٥ في باب : الترغيب في موالاته والترهيب من معاداته.

(٣) في ما أخرجه النسائي ح ٩٦ من خصائصه.

٣١٩

وليه ، فهذا وليه ، اللّهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه.

والسُنن في هذا كثيره لا تحاط ولا تضبط ، وهی نصوص صریحه بأنّه ولي عهده وصاحب الأمر من بعده ، كما قال الفضل بن العبّاس بن أبي لهب (١).

وكان ولي العهد بعد محمّد عليّ وفي كلّ المواطن صاحبه (٢)

ما الوجه في الاحتجاج به مع عدم تواتره؟

[حديث الغدير متواتر عندنا وعند الجمهور ؛ فلذا يتمّ الاحتجاج به علی الإمامه علی أُصول الفريقين ، وممّا يدلّ علی ذلك :]

النواميس الطبيعية تقضي بتواتر نصّ الغدير.

عنآيه اللّٰه عزّ وجلّ به.

عنآيه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم.

عنآيه أمير المؤمنين.

عنآيه الحسين.

عنآيه الأئمّة التسعه.

عنآيه الشيعه.

تواتره من طريق الجمهور.

حسبك من وجوه الاحتجاج هنا ما قلناه لك آنفاً ـ في المراجعه ٢٤ ـ.

__________________

(١) من أبيات له أجاب فيها الوليد بن عقبه بن أبي معيط ، في ما ذكره محمّد محمود الرافعی في مقدّمه شرح الهاشميات صفحه ٨.

(٢) المراجعات : ١٦٤ ـ ١٦٨.

٣٢٠