تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

سالم بن أبي الجعد الأشجعی الكوفي.

سالم بن أبي حفصه العجلی الكوفي.

سعد بن طريف.

سعيد بن أشوع.

سعيد بن خيثم الهلالي.

سلمه بن الفضل الأبرش.

سلمه بن كهيل.

سليمان بن صرد الخزاعي.

سليمان بن طرخان التيمي.

سليمان بن قرم الضبّی.

سليمان بن مهران ، المعروف بالأعمش.

شريك بن عبد اللَّه القاضي.

شعبه بن الحجّاج العتكي.

صعصعه بن صوحان العبدي.

طاووس بن كیسان الخولاني.

ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي.

عامر بن واثله الليثی المكی أبو الطفيل.

عبّاد بن يعقوب الرواجني.

عبد اللَّه بن داود الهمداني الكوفي.

عبد اللَّه بن شدّاد بن الهاد الليثي.

عبد اللَّه بن عمر ، الملقّب مشكدانه.

٦١

عبد اللَّه بن لهيعه الحضرمي.

عبد اللَّه بن ميمون القدّاح المكي.

عبد الرحمن بن صالح الأزدي الكوفي.

عبد الرزّاق بن همّام الصنعاني.

عبد الملك بن أعين.

عبيد اللّٰه بن موسي العبسي.

عثمان بن عمير الكوفي البجلي.

عديّ بن ثابت الكوفي.

عطيه بن سعد العوفي.

العلاء بن صالح التيمي الكوفي.

علقمه بن قيس النخعي.

علي بن بديمه.

علي بن الجعد البغدادي.

علي بن زيد القرشي التيمي البصري.

علي بن صالح.

علي بن غراب.

علي بن قادم الخزاعي الكوفي.

علي بن المنذر الطرائفي.

علي بن هاشم بن البريد.

عمّار بن زريق الكوفي.

عمّار الدهني الكوفي.

٦٢

عمرو بن عبد اللَّه ، أبو إسحاق السبيعي.

عوف بن أبي جميله.

الفضل بن دكين.

فضيل بن مرزوق.

فطر بن خليفه.

مالك بن إسماعيل ، أبو غسّان النهدي.

محمّد بن خازم أبو معاوية الضرير.

محمّد بن عبد اللَّه أبو عبد اللَّه الحاكم النيسابوري.

محمّد بن عبيد اللّٰه بن أبي رافع المدني.

محمّد بن فضيل بن غزوان.

محمّد بن مسلم الطائفي.

محمّد بن موسي الفطري المدني.

معاوية بن عمّار الدهني.

معروف بن خرّبوذ الكرخي.

منصور بن المعتمر السلمي.

المنهال بن عمرو الكوفي.

موسي بن قيس الحضرمي.

نفيع بن الحارث أبو داود النخعي.

نوح بن قيس بن رباح الحداني.

هارون بن سعد العجلي.

هاشم بن البريد الكوفي.

٦٣

هبيره بن بريم الحميري.

هشام بن زياد أبو المقدام البصري.

هشام بن عمّار الدمشقي.

هشيم بن بشير الواسطي.

وكيع بن الجرّاح الرواسي الكوفي.

يحيي بن الجزّار العرني الكوفي.

يحيى بن سعيد القطّان.

يزيد بن أبي زياد الكوفي.

أبو عبد اللَّه الجدلي.

ثمّ قال السيّد :

«وهذا آخر من أردنا ذِكرهم في هذه العجاله ، وهم مائه بطل من رجال الشيعه ، كانوا حجج السُنّة ، وعيبه علوم الأُمّه ، بهم حُفظت الآثار النبويه ، وعليهم مدار الصحاح والسنن والمسانيد ، ذكرناهم بأسمائهم ، وجئنا بنصوص أهل السُنّة علی تشيعهم والاحتجاج بهم ، نزولاً في ذلك علی حكمكم.

وأظنّ المعترضين سيعترفون بخطئهم في ما زعموه من أنّ أهل السُنّة لا يحتجّون برجال الشيعه ، وسيعلمون أنّ المدار عندهم علی الصدق والأمانه ، بدون فرقٍ بين السُنّي والشيعي.

ولو رُدّ حديث الشيعه مطلقاً لذهبت جمله الآثار النبويه ، كما اعترف به الذهبي في ترجمة أبان بن تغلب من ميزانه ، وهذه مفسده بينه.

وأنتم ـ نصر اللّٰه بكم الحقّ ـ تعلمون أنّ في سلف الشيعه ممّن يحتجّ أهل

٦٤

السُنّة بهم غير الذين ذكرناهم ، وأنّهم أضعاف أضعاف تلك المائه عدداً ، وأعلی منهم سنداً ، وأكثر حديثاً ، وأغزر علماً ، وأسبق زمناً ، وأرسخ في التشيّع قدماً.

ألا وهم رجال الشيعه من الصحابه ـ رضي اللّٰه عنهم أجمعين ـ وقد أوقفناكم علی أسمائهم الكريمه في آخر فصولنا المهمّه.

وفي التابعين ممّن يحتجّ بهم من أثبات الشيعه كلّ ثقه حافظ ضابط متقن حجّه ....

كالّذين استشهدوا في سبيل اللّٰه نصرهً لأمير المؤمنين ، أيام الجمل الأصغر والجمل الأكبر وصِفّين والنهروان ، وفي الحجاز واليمن حيث غار عليهما بسر بن أرطأه ، وفي فتنه الحضرمي المرسل إلی البصره من قبل معاوية.

وكالّذين استشهدوا يوم الطفّ مع سيد شباب أهل الجنّه.

والّذين استشهدوا مع حفيده الشهيد زيد ، وغيره من أُباه الضيم ، الثائرين للّٰه من آل محمّد.

وكالّذين قتلوا صبراً ، ونفوا عن عقر ديارهم ظلماً.

والّذين أخلدوا إلی التقيه خوفاً وضعفاً ، كالأحنف بن قيس والأصبغ بن نباته ويحيی بن يعمر أوّل من نقّط الحروف ، والخليل بن أحمد مؤسّس علم اللغه والعروض ، ومعاذ بن مسلم الهرّاء واضع علم الصرف ، وأمثالهم ممّن يستغرق تفصيلهم المجلّدات الضخمه.

ودع عنك من تحامل عليهم النواصب بالقدح والجرح ، فضعّفوهم ولم يحتجّوا بهم.

وهناك مئات من أثبات الحفظه وأعلام الهدی من شيعه آل محمّد ، أغفل أهل السُنّة ذكرهم ، لكنّ علماء الشيعه أفردوا لِذكرهم فهارس ومعاجم تشتمل علی

٦٥

أحوالهم ، ومنها تعرف أيادیهم البيضاء في خدمه الشريعه الحنفيه السمحاء.

ومن وقف علی شؤونهم يعلم أنّهم مثال الصدق والأمانه والورع والزهد والعباده والإخلاص في النصح للّٰه تعالی ولرسوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عزّ وجل ولأئمّة المسلمين ولعامّتهم. نفعنا اللّٰه ببركاتهم وبركاتكم ، إنّه أرحم الراحمين» (١).

أقول :

فقد تبين أنّ موضوع هذه المراجعه وجود رجال من الشيعه في الصحاح الستّه احتجّ بهم أصحابها ، فذكر السيّد رحمه اللّٰه منهم أسماء مائه رجلٍ ، ونقل كلمات العلماء فيهم الدالّه علی تشيّعهم.

فما هی الصحاح الستّه؟ ومن هم أصحابها؟

وهل إنّ جميع أخبارها صحاح حقّاً؟

ومن هم علماء الجرح والتعدیل؟

وما هی الأُسس والضوابط في الجرح والتعديل عندهم؟

وما هو التشيّع؟ ومن هم الشيعه؟

وما هو وجه دلاله الكلمات الوارده في حقّ الرجال المذكورين علی مدّعی السيّد؟

__________________

(١) المراجعات : ٤١ ـ ١٠٥.

٦٦

أوّلاً ـ الصحاح الستّه وأصحابها

إنّ المشهور بين القوم صحّه ستّه كتب ، وهی :

١ ـ الصحيح ، للبخاری ، محمّد بن إسماعيل ، المتوفي سنه ٢٥٦.

٢ ـ الجامع الصحيح ، لمسلم بن الحجّاج النيسابوري ، المتوفي سنه ٢٦١.

٣ ـ الصحيح من سنن المصطفي ، لأبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني ، المتوفي سنه ٢٧٥.

٤ ـ الصحيح ، للترمذی ، محمّد بن عيسی ، المتوفي سنه ٢٧٩.

٥ ـ السنن ، للنسائی ، أحمد بن شعيب ، المتوفي سنه ٣٠٣.

٦ ـ السنن ، لابن ماجه ، محمّد بن يزيد القزويني ، المتوفي سنه ٢٧٥.

ومنهم من عدّ منها كتاب الموطّأ لمالك بن أنس ، المتوفي سنه ١٧٩ ، ولم يعدّ فيها كتاب ابن ماجه ، كابن الأثير الجزری ، صاحب كتاب جامع الأُصول.

ثمّ إنّ غير واحدٍ منهم تكلّم في كتب الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه ، وهی المسمّاه ب «السنن الأربعه» فنصّ علی وجود الأخبار الضعیفه بل الموضوعه فيها ، ومن هؤلاء : ابن تيميّة الحرّاني ، في موارد عديده من كتاب منهاج السُنّة كما لا يخفي علی من راجعه ، ومن هنا تراهم يعبّرون ب الصحيحين فقط ، قاصدين كتأبي البخاري ومسلم.

غير إنّهم اختلفوا في الكتابين ، فالمشهور بينهم أنّ كتاب البخاري هو أصحّ الكتابين وقال جماعه ـ وفيهم بعض الأئمّة الكبار ـ بتقدّم كتاب مسلم.

وعلی كلّ حالٍ ، فالكتابان عند الجمهور أصحّ الكتب بعد القرآن.

٦٧

لكنّ المحقّقين منهم ذهبوا إلی وجود الأحاديث والآثار الباطله والمكذوبه في الصحيحين أيضاً ، فهناك عدد كبير من الأخبار في الكتابين تكلّم فيها العلماء ، حتّی إن بعضهم ـ كابن الجوزي ـ أورد من أخبارهما في كتابه الموضوعات ، ونصَّ ابن تيميّة علی إنّ كتاب البخاري فيه أغلاط.

فمن الأحاديث التی أبطلها جماعه من الأعلام : ما أخرجه البخاري في كتاب التفسير بإسناده عن ابن عمر ، قال : «لمّا توفي عبد اللَّه بن أبي ، جاء ابنه عبد اللَّه بن عبد اللَّه إلی رسول اللّٰه فسأله أن يعطیه قمیصه يكفّن فيه أباه ، فأعطاه ، ثمّ سأله أنْ يصلّی عليه ، فقام عمر فأخذ بثوب رسول اللّٰه ، فقال : يا رسول اللّٰه تصلّی عليه وقد نهاك ربّك أنْ تصلّی عليه؟! فقال رسول اللّٰه : إنّما خيرني اللّٰه فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاٰ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّهً) وسأزيده علی السبعین. قال : إنّه منافق! قال : فصلّی عليه رسول اللّٰه. فأنزل اللّٰه : (وَلاٰ تُصَلِّ عَلیٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً وَلاٰ تَقُمْ عَلیٰ قَبْرِهِ)».

وقد تكلّم في هذا الحديث عدّه من أعلام الأئمّة المحقّقين ، كالباقلّاني ، وإمام الحرمین الجویني ، والغزّالی ، والداودی ...قال الحافظ ابن حجر في شرحه :

«أقدم جماعه من الأكابر علی الطعن في صحّه هذا الحديث» فذكر كلمات بعضهم (١) وذكرها القسطلاني أيضاً وقال : «هذا عجيب من هؤلاء الأئمّة» (٢).

وممّا أخرجه مسلم والبخاري وتكلّم فيه العلماء ، ما أخرجاه في قصّه الإسراء عن شریك ، عن أنس بن مالك ، قال : «ليله أُسری برسول اللّٰه من مسجد الكعبه : أنّه جاءه ثلاثه نفر قبل أن يوحی إليه وهو نائم ...» فقالوا : «[قبل أنْ يوحی

__________________

(١) فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٨ : ٢٧٢.

(٢) إرشاد الساری لشرح صحيح البخاري ٧ : ١٥٥.

٦٨

إليه] غلطٌ» (١).

ولنكتف بهذين الحديثين ، وقد ذكرناهما للتمثيل ، ومن شاء المزيد فليرجع إلی الجزء السادس من كتابنا الكبير (٢).

هذا بالنسبه إلی أحاديث الكتابين.

وأمّا بالنسبه إلی رجالهما ، فالكلام أيضاً طويل عريض ، حتّی إنّ الحافظ ابن حجر عقد في مقدّمه شرحه فصلاً حولهم ، يحاول فيه الدفاع عن كتاب البخاري (٣) ، وقد كان في رجال البخاري من تكلَّم فيه أو تركه مسلم ، وفيهم من تكلَّم فيه سائر أرباب الصحاح ، وفيهم من تكلَّم فيه أحمد بن حنبل ويحيی بن معين وأبو حاتم وأمثالهم من الأئمّة ....

وأنتَ إذا دقّقت النظر في دفاعه وجدته في كثير من الموارد يعتذر بما هو في الحقيقة تسليم بالطعن ، كقوله : «ليس له عند البخاري سوی حديث واحد» وقوله : «هذا تعنّت زائد ، وما بمثل هذا تضعّف الأثبات ولا تردُّ الأحاديث الصحيحه» ونحو ذلك من الأعذار ، وجاء فی (بكر بن عمرو أبو الصدّيق البصری الناجی) : «قال ابن سعد : يتكلّمون في أحاديثه ويستنكرونها» فقال ابن حجر في الدفاع عنه : «قلت : ليس له في البخاري سوی حديث واحدٍ عن أبي سعيد ، فی

__________________

(١) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ٢ : ٢٠٩ ، صحيح البخاري بشرح الكرماني ٢٥ : ٢٠٤ ، زاد المعاد في هدی خير العباد ٣ : ٤٢.

(٢) نفحات الأزهار في خلاصه عبقات الأنوار تحت عنوان : أحاديث من الصحيحين في الميزان ٦ : ١٨٢ ـ ٢٣٥.

(٣) الفصل التاسع ، في أسماء من طُعن فيه من رجال هذا الكتاب مرتّباً لهم علی حروف المعجم والجواب عن الإعتراضات موضعاً موضعاً. مقدّمه فتح الباری في شرح صحيح البخاري : ٣٨١ ـ ٤٦٥.

٦٩

قصّه الذي قتل تسعه وتسعین نفساً من بني إسرائيل ثمّ تاب. واحتجّ به الباقون» فأین الجواب؟!

وكذا الكلام في رجال صحيح مسلم ....

ولنكتف بهذا القدر ، فإنّه باب واسع ....

٧٠

ثانيا ـ علماء الجرح والتعدیل

وأئمّة القوم في تعدیل رجال الحديث وجرحهم ، المرجوع إليهم في قبول الروأي أو ردّه ، كثيرون ...وهم ياخذون بأقوالهم ويعتمدون علی آرائهم ، إلّا أنّهم في أنفسهم أُناسٌ مقدوحون مجروحون علی لسان المتأخّرين عنهم والمحقّقين عندهم ، فانظر علی من يعتمدون؟! ولمن يقلِّدون؟!

ولا بأس هنا بِذكر عدّهٍ من أعلام الجرح والتعديل وما قيل فيهم (١).

١ ـ يحيی بن سعيد القطّان (١٩٨) :

فمنهم : القطّان الذي وصفه الذهبي ب «الإمام الكبير ، أمير المؤمنين في الحديث ...عني بهذا الشأن أتمّ عنآيه ، ورحل فيه ، وساد الأقران وانتهی إليه الحفظ. وتكلّم في العلل والرجال ، وتخرّج به الحفّاظ ...قال علی بن المديني :

ما رأيت أحداً أعلم بالرجال من يحيی بن سعيد ...» ، والذي تقدّم كونه من رجال الصحاح الشيعه.

قال الذهبي : «قلت : كان يحيی بن سعيد متعنّتاً في نقد الرجال ، فإذا رأيته قد وثّق شيخاً فاعتمد عليه ، أما إذا ليّن أحداً فتأنَّ في أمره حتّی تری قول غيره فيه ، فقد ليّن مثل إسرائيل وهمّام وجماعه ، احتجّ بهم الشيخان ...» (٢).

__________________

(١) وهذا أيضاً فصلٌ من فصول كتابنا الانتقاء من سير أعلام النبلاء.

(٢) سير أعلام النبلاء ٩ : ١٨٣.

٧١

٢ ـ يحيی بن معين (٢٣٣) :

ومنهم : ابن معين ، وصفه ب «الإمام الحافظ الجهبذ شيخ المحدّثين» (١).

وذكره في ميزانه لأنّ أبا داود كان يقع فيه ، ولأنّ أحمد كان لا يری الكتابه عنه ... (٢).

وجاء بترجمته عن الحسين بن فهم : سمعت يحيی بن معين يقول : كنت بمصر ، فرأيت جاريهً بیعت بألف دينار ، ما رأيت أحسن منها ، صلّی اللّٰه عليها.

فقلت : يا أبا زكريا ، مثلك يقول هذا؟! قال : نعم صلّی اللّٰه عليها وعلی كلّ ملیح!!

وقد حمل الذهبي ذلك علی الدعابه!! (٣)

٣ ـ علی بن المديني (٢٣٤) :

ومنهم : ابن المديني ، ترجم له الذهبي ب «الشيخ الإمام الحجّه ، أمير المؤمنين في الحديث» (٤) وكذا غيره ، وأكثروا من النقل عنه والاعتماد عليه في الرجال ، لكنّ الذهبي أورده في ميزانه فذكر امتناع مسلم وإبراهيم الحربي من الرواية عنه وأنّ العقيلي ذكره في كتاب الضعفاء.

وروی الخطيب في تاريخه بترجمته قصّهً بسندٍ صحيح : قال ابن أبي دؤاد للمعتصم : يا أمير المؤمنين! هذا يزعم ـ يعني أحمد بن حنبل ـ أنّ اللّٰه يری في الآخره ، والعین لا تقع إلّا علی محدود ، والله لا يحدّ. فقال : ما عندك؟! قال : يا

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١١ : ٧١ رقم ٢٨.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٤١٠.

(٣) سير أعلام النبلاء ١١ : ٨٧.

(٤) سير أعلام النبلاء ١١ : ٤١ رقم ٢٢.

٧٢

أمير المؤمنين! عندی ما قاله رسول اللّٰه ؛ قال : وما هو؟! قال : حدّثني غندر ، حدّثنا شعبه ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن جرير ، قال : كنّا مع النبيّ في ليله أربع عشره ، فنظر إلی البدر فقال : إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا البدر لا تضامون في رؤيته.

فقال لابن أبي دؤاد : ما تقول؟! قال : انظر في إسناد هذا الحديث. ثمّ انصرف.

فوجّه إلی علی بن المديني ، وعلی ببغداد مُمْلِق ، ما يقدر علی درهم ، فأحضره ، فما كلّمه بشيء حتّی وصَلَه بعشره آلاف درهم ، وقال : هذه وصلك بها أمير المؤمنين ؛ وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحقّ من أرزاقه ، وكان له رزق سنتين ، ثمّ قال له : يا أبا الحسن! حديث جرير بن عبد اللَّه في الرؤيه ما هو؟ قال : صحيح ، قال : فهل عندك عنه شيء؟ قال : يعفيني القاضي من هذا ؛ قال : هذه حاجه الدهر.

ثمّ أمر له بثيابٍ وطيبٍ ومركبٍ بسرجه ولجامه ، ولم يزل حتّی قال له : في هذا الإسناد من لا يعمل عليه ولا علی ما يرويه ...» (١).

وهذه القصّه مخلّه بعداله الرجل كما هو واضح ، ولذا اضطرب الخطيب والذهبي وغيرهما كيف يجيبون عنها ...فراجع.

وأمّا ذِكر العقيلي له في الضعفاء ، فقد انزعج منه الذهبي بشدّهٍ ، فقال له : «أفما لك عقل يا عقيلي؟! أتدري في من تتكلّم؟!» قال : «وهذا أبو عبد اللَّه البخاري ، وناهيك به! قد شحن صحيحه بحديث علی بن المديني» (٢).

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ : ٤٦٦ ، سير أعلام النبلاء ١١ : ٥٢.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ١٤٠.

٧٣

٤ ـ الجوزجاني (٢٥٩) :

ومنهم : أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الدمشقي ، فقد أكثروا من النقل عنه والاعتماد عليه في نقد الرجال ، كما لا يخفي علی من يراجع كتب هذا الشأن.

وقد وصفوه بألقاب ضخمه ، فالذهبي وإنْ لم يترجم له في سير أعلام النبلاء فقد ذكره في تذكره الحفّاظ ووصفه بالحافظ الإمام ، حدّث عنه : أبو داود والترمذي والنسائي ... ، ثمّ أورد ثقته عن النسائي وغيره.

وهم في نفس الوقت ينصّون علی كونه ناصبيا! ..

قال الذهبي : قال الدارقطني : كان من الحفّاظ الثقات المصنّفين ، وفيه انحراف عن عليّ (١).

وقال ابن حجر : قال ابن حبّان في الثقات : كان حروري المذهب ، ولم يكن بداعیه ، وكان صلباً في السُنّة ، حافظاً للحديث ، إلّا أنّه من صلابته ربّما كان يتعدّی طوره. وقال ابن عديّ : كان شدید الميل إلی مذهب أهل دمشق في الميل علی عليّ. وقال السلمی عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه : لكن فيه انحراف عن عليّ ، اجتمع علی بابه أصحاب الحديث ، فأخرجت جاريه له فرّوجهً لتذبحها فلم تجد من يذبحها ، فقال : سبحان اللّٰه! فرّوجه لا يوجد من يذبحها وعليّ يذبح في ضحوه نيّفاً وعشرین ألف مسلم.

قلت : وكتابه في الضعفاء يوضّح مقالته ، ورأيت في نسخهٍ من كتاب ابن حبّان : حَرِيزي المذهب ، وهو ـ بفتح الحاء المهمله وكسر الراء وبعد الياء زأي ـ

__________________

(١) تذكره الحفّاظ ١ : ٥٤٩.

٧٤

نسبه إلی حريز بن عثمان المعروف بالنصب ، وكلام ابن عديّ يؤيّد هذا ، وقد صحّف ذلك أبو سعد ابن السمعاني في الأنساب ، فذكر في ترجمة الجَريری ـ بفتح الجيم ـ أنّ إبراهيم بن يعقوب هذا كان علی مذهب محمّد بن جرير الطبري ، ثمّ نقل كلام ابن حبّان المذكور. وكأنّه تصحّف عليه ، والواقع أنّ ابن جرير يصلح أن يكون من تلامذه إبراهيم بن يعقوب لا بالعكس ، وقد وجدت روآيه ابن جرير عن الجوزجاني في عدّه مواضع من التفسير والتهذيب والتاريخ» (١).

أقول :

أودّ التنبيه علی أُمور :

الأوّل : إنّ النسائي قد وثّق هذا الناصبی ، وقد أخرج عنه هو وأبو داود والترمذي ...والمهمُّ إخراج النسائي عنه ، لأنّهم ذكروا بترجمته أنّ له في سننه شرطاً أشدّ من شرط الشيخين ، فيظهر أنّ شرطه كان متوفّراً في هذا الناصبی؟! كما كان متوفّراً في عمر بن سعد ، الذي أخرج عنه ، وقد قال يحيی بن معين : كيف يكون قاتل الحسين ثقه؟! ومع ذلك نری القوم يصفون النسائي بالتشيّع ، لأنّه تكلّم في معاوية رئیس الفرقه الباغيه!!

والثاني : إنّ تهذيب التهذيب ، تهذيب لكتاب تهذيب الكمال للحافظ المزّي ، والمزّي قد ذكر هذا الرجل ، ولم يتعرّض لنصبه أبداً!

والثالث : إنّ الذهبي وإنْ لم يعدّ الرجل في النبلاء ، فقد ترجم له في تذكره الحفّاظ فلمّا أورد كلام الدارقطني بَتَره!

والرابع : إنّ ابن حجر بعد أن ذكر ما نقلناه من تهذيبه ، قال في تقريبه ـ وهو

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ : ١٥٩.

٧٥

تلخيص التهذيب ـ : «ثقه حافظ ، رُمي بالنصب» (١). لكنّه في غير موضعٍ من مقدّمته يقول بعد نقل قول الجوزجاني : «قلت : والجوزجاني غالٍ في النصب» (٢).

فإذا كان غاليا في النصب ، كيف يقول : رُمي بالنصب؟!

وإذا كان غاليا في النصب ، كيف يكون ثقه؟!

والخامس : إنّ صدور هكذا تصحيف من السمعاني بعيد جدّاً ، بل أظنُّ أنّ هناك تعمّداً في هذا التصحيف.

والسادس : إنّ الذهبي الذي بتر كلام الدارقطني وأورده منقوصاً ، قد وصف الرجل في ميزانه بالنصب صراحهً (٣).

وكيف كان ، فقد رأيت كيف يحاولون التغطيه علی صحاحهم ورجالهم!!

٥ ـ العجلی (٢٦١) :

ومنهم : أحمد بن عبد اللَّه العجلی الكوفي ، المترجم له في سير أعلام النبلاء ب «الإمام الحافظ الأوحد الزاهد» «له مصنّف مفيد في الجرح والتعديل ، طالعته وعلّقت منه فوائد تدلّ علی تبحّره بالصنعة وسعه حفظه» (٤).

وقد أكثر من النقل عنه الحافظ ابن حجر وغيره أيضاً.

وكتابه المذكور اسمه تاريخ الثقات وقد جاء فيه : «عمر بن سعد بن أبي وقّاص. كان يروی عن أبيه أحاديث ، وروی الناس عنه ، وهو الذي قتل

__________________

(١) تقريب التهذيب ١ : ٤٧.

(٢) مقدّمه فتح الباری : ٤٠٤.

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٧٦.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٠٥.

٧٦

الحسين. قلت : كان أمير الجيش ولم يباشر قتله!!» (١).

وقد أورد ابن حجر هذه الكلمه بترجمة عمر بن سعد من تهذيب التهذيب ، ثمّ قال : «وقال ابن أبي خيثمه عن ابن معين : كيف يكون من قتل الحسين ثقه؟!» (٢).

قلت : وكيف يكون الموثِّق له ثقهً؟! وكيف يعتمد علی توثيقاته؟!

٦ ـ أبو حاتم الرازی (٢٧٧) :

ومنهم : محمّد بن أدريس بن المنذر بن داود بن مهران ، الإمام الحافظ الناقد ، شيخ المحدّثين ...كان من بحور العلم ، طوّف البلاد ، وبرع في المتن والإسناد ، وجمع وصنّف ، وجرح وعدّل ، وصحّح وعلّل ...وهو من نظراء البخاري ومن طبقته ، ولكنّه عمّر بعده أزيد من عشرین عاماً».

وتجد آراءه في الرجال واعتمادهم عليها في تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب ومقدّمه فتح الباری وميزان الاعتدال وغيرها من كتب الجرح والتعديل ، وقد جمع آراءه ابنه في كتاب الجرح والتعديل.

ومع ذلك ، فقد ذكر الذهبي بترجمته ما نصّه : «إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسّك بقوله ، فإنّه لا يوثّق إلّا رجلاً صحيح الحديث ، وإذا ليّن رجلاً أو قال فيه : لا يحتجّ به فتوقّف ، حتّی تری ما قال غيره فيه ، فإنْ وثّقه أحد فلا تبن علی تجریح أبي حاتم ، فإنّه متعنّت في الرجال ، قد قال في طائفهٍ من رجال الصحاح : ليس بحجّه ، ليس بقویّ ، أو نحو ذلك» (٣).

__________________

(١) تاريخ الثقات : ٣٥٧.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ : ٣٩٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٦٠.

٧٧

٧ ـ ابن خِراش (٢٨٣) :

ومنهم : ابن خراش ، فقد أكثروا من ذكر آرائه في الرجال ، واعتمدوا عليها في نقدهم ، وقد وصفه الذهبي لدی ترجمته بقوله : «ابن خراش الحافظ الناقد البارع ، أبو محمّد عبد الرحمن بن يوسف ...» لكنّهم تكلّموا فيه لأنّه قد خرَّج مثالب أبي بكر وعمر ونسبوه إلی الرفض ، وقال الذهبي : كان علمه وبالاً وسعيه ضلالاً وقال ابن حجر في موضع من المقدّمه بعد إیراد رآيه ـ بالرغم من إكثاره من النقل عنه واعتماده عليه فيها : ـ «ابن خراش مذكور بالرفض والبدعة ، فلا يلتفت إليه» (١).

٨ ـ أبو جعفر العقيلي (٣٢٢) :

ومنهم : العقيلي ، قال الذهبي : «العقيلي : الإمام الحافظ الناقد ، أبو جعفر محمّد بن عمرو بن موسی بن حمّاد ، العقيلي ، الحجازي ، مصنّف كتاب الضعفاء (٢) وقد أكثرَ عنه النقل في كتبه ، وكذا ابن حجر الحافظ ، إلّا أنّهم قد اعترضوا عليه رآيه وردّوا قوله في موارد كثيره ، حتّی خاطبه الذهبي ـ ردّاً علی جرحه لعلی بن المديني ـ بقوله : «أما لك عقل يا عقيلي؟!» (٣).

٩ ـ أبو حاتم ابن حِبّان (٣٥٤) :

ومنهم : أبو حاتم محمّد بن حبان البستی ، ترجمة في سير أعلام النبلاء

__________________

(١) مقدّمه فتح الباری : ٤٣١.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٥ : ٢٣٦.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ : ١٤٠.

٧٨

ب «الإمام العلّامه ، الحافظ المجوِّد ، شيخ خراسان ...» لكن أورده في ميزانه ، وتبعه ابن حجر في لسانه.

وقد جاء فيهما : قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح ـ وذكره في طبقات الشافعيه غلط ـ : والغلط فاحش في تصرّفه. وصدق أبو عمرو ، له أوهام كثيره تتّبع بعضها الحافظ ضياء الدين.

وقد بدت من ابن حبّان هفوه فطعنوا فيه بها ، قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام ....

قال أبو إسماعيل الأنصاري : سمعت عبد الصمد بن محمّد بن محمّد يقول :

سمعت أبي يقول : أنكروا علی ابن حِبّان قوله : النبوّه العلم والعمل ، وحكموا عليه بالزندقه وهجروه ، وكتب فيه إلی الخليفه فأمر بقتله ، وسمعت غيره يقول : ولذلك أُخرج إلی سمرقند ... (١).

ثمّ إنّهم بالرغم من كثره النقل عنه في الجرح والتعديل ، عبّروا عنه في بعض المواضع بما لا يليق ، فمثلاً وصفه الذهبي في موضع ب «الخساف المتهّور»! (٢) وب «الخساف المتفاصح» (٣).

١٠ ـ أبو الفتح الأزدي (٣٧٤) :

ومنهم : أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي ، ذكره الذهبي ووصفه ب «الحافظ البارع ، صاحب كتاب الضعفاء» ثمّ قال بترجمته : «قلت : وعليه فی

__________________

(١) لسان الميزان ٥ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : ٨.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٠ : ٢٦٧.

٧٩

كتابه في الضعفاء مؤاخذات ، فإنّه ضعَّف جماعهً بلا دليل ، بل قد يكون غيره قد وثّقهم» (١).

وقال ابن حجر ـ بالرغم من اعتماده علی آرائه في مواضع كثيره ـ معلّقاً علی طعنه في أحد رجال البخاري : «قد قدّمت غير مرّه أنّ الأزدي لا يعتبر تجریحه ، لضعفه هو» (٢).

١١ ـ الدارقطني (٣٨٥) :

ومنهم : أبو الحسن علی بن عمر الدارقطني البغدادي. قال الذهبي : «الدارقطني الإمام الحافظ المجوِّد ، شيخ الإسلام ، علم الجهابذه» .. «كان من بحور العلم ومن أئمّة الدنيا ، انتهی إليه الحفظ ومعرفه علل الحديث ورجاله».

ثم نقل عن الخطيب : «حدّثني حمزه بن محمّد بن طاهر : أنّ الدارقطني كان يحفظ ديوان السيّد الحميري ، فنُسب لذا إلی التشيّع» (٣).

أقول :

أكان يحفظ شعر السيّد الحميري ، الذي هو من أبدع مدائح أهل البيت ، وأقوی الأشعار في مناقبهم الدالّه علی أفضليّتهم ، ولذا وُصف ب «الرافضي الجلد» (٤) لجودته الشعريّه فقط؟! ومن غير قبول للمعاني المشتمل عليها؟!

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٦ : ٣٤٨.

(٢) مقدّمه فتح الباری : ٤٣٠.

(٣) سير أعلام النبلاء ١٦ : ٤٤٩.

(٤) سير أعلام النبلاء ٨ : ٤٤.

٨٠