تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-03-1
الصفحات: ٤٧٢

١

٢

٣

٤

كلمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين.

وبعد :

فهذه بحوث وضعتها تشييداً للمراجعات ، بتوضيح أو تعليق أو تذليل ، وتفنيداً لما يكون حولها من مكابرات ، عن تعصب أو جهل أو تضليل ، نشرت ـ من قبل ـ في أعداد مجلة « تراثنا » الموقرة الصادرة عن مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث التحقيقية المخلصة ، والله أسأل أن يوفقني لإتمامها وأن ينفع بها كما نفع بأصلها ، وأن يجعلها وسيلة لهداية من كان أهلا لها. إنه مجيب الدعاء.

٥
٦

مقدّمة المراجعات

والكلام حولها

٧
٨

تمهيد :

لا ريب في أن البحث وتبادل الآراء خير طريق لتبيين الواقع ، وكشف الحقيقة ، وتنوير الفكر ، ونشر العقيدة ... وقد كان السنة الجارية لدى الأنبياء والأولياء وسائر المصلحين والعقلاء ... وله أصول وقواعد وآداب ، كانوا ولا يزالون يلتزمون بها ويمشون عليها في كافة مجالات المناظرة والجدل.

وإن من أولى تلك القواعد والأصول ـ بعد رعاية الأدب واجتناب الهوى والتعصب ـ هو التكلم على ضوء الأدلة المقبولة عند الطرفين ، واستدلال كل منهما بما ورد عند الطرف المقابل وما جاء عن طريقه وكان مقبولا لديه ... لأن هذا أقوى حجة على الخصم ، وأمتن استدلالا في العقل السليم والمنطق الصحيح.

ولقد دأب علماؤنا الأعلام منذ قديم الأيام على اتباع هذا الاسلوب في مؤلفاتهم ومناظراتهم ، كما لايخفى على الباحث الخبير ، وكان ذلك من أهمّ عوامل تقدم المذهب الحق وإقبال الأمم عليه ، كما كان من أهم أسباب عجز الآخرين عن الجواب والرد ، فما كان منهم إلا التسليم والإذعان ، أو الكذب والشتم والبهتان.

لينظر المنصف إلى استدلالات مشايخ الطائفة وأساطين المذهب ، كالشيخ المفيد البغدادي ، والسيّد المرتضى الموسوي ، والشيخ الطوسي ، والعلامة الحلي ... ونظرائهم ... ليجد صدق النية ، ونزاهة البحث ، ومتانة الاحتجاج القائم على الأسس القويمة من الكتاب العزيز ، والسنة الثابتة ، والعقل السليم ...

وكانت هذه طريقة السيد شرف الدين في آثاره الخالدة ...

* * *

٩

شخصيّة السيّد شرف الدين :

وهو ـ كما هو معروف ـ علم من أعلام الأمة ، ومن كبار المجتهدين الأفذاذ ، كما تشهد بذلك آثاره في الفقه والأصول وغيرهما.

وبطل من أبطال العلم ، المرجوع إليهم في المسائل المختلفة في شتى العلوم الإسلامية ... من الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام ...

وزعيم من زعماء الإصلاح في المجتمع الإسلامي ، كما تشهد بذلك مشاريعه الثقافية ومؤسّساته الاجتماعية ، من مدارس وجوامع ....

وقائد من قواد النضال والكفاح ضد الاستعمار الأجنبي ، حتى أنه شرد عن وطنه بأهله وذويه ، ثم تفرقوا في البلدان ، ونزل هو دمشق ففلسطين فمصر ، وصودر ثقله ، وأحرقت مكتبته ، في قضايا مفصلة سجلها له التاريخ.

وأما آثاره فكثيرة ... لها المكانة المرموقة بين آثار علمائنا الأعلام في العصر الحاضر ، جمعت الدقة في البيان إلى المتانة في الاُسلوب والإستيعاب الشامل ، فما تطرق إلى مسألة إلا وأشبعها بحثا وتحقيقا ، وما تعرض لمشكلة إلا وعالجها العلاج الناجع التام.

وتتجلى عظمته وإحاطته في مؤلفاته في المسائل الخلافية ، وفي تحقيقاته التاريخية والرجالية ، وفي ما كتبه في الدفاع عن الإسلام ومذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد قوبل هذا المحقق العظيم بما قوبل به أسلافه ، فأكثر المسلمين يقدّرون جهوده ، ويقرأون كتبه ، ويشكرون أياديه ، ويثمنون مساعيه ، حتى طبعت كتبه عشرات المرات ، وترجمت إلى شتى اللغات ... وأقبلت عليها الجماهير من جميع الجهات. ومن الناس من لا يتحمل رواج تلك الكتب غير القابلة للرد ، وتأثيرها في القلوب المستعدة للهداية والرشاد ، فحاولوا إطفاء ذلك النور بالسب والشتم والكذب والزور ... »

١٠

أشهر مؤلّفاته :

ومن أشهر كتبه القيمة الجامعة بين الموضوعية والدقة ، والأناقة والرقة ، والعمق والرفعة :

كتاب أبو هريرة : وهو كتاب فريد في بابه ، تناول أبا هريرة الدوسي وأحاديثه الكثيرة المروية في كتابي البخاري ومسلم وغيرهما من أسفار أهل السنة ، بالبحث والتحقيق الموضوعي. وقد أثار بعض كُتّاب القوم ضجّة شديدة حوله ، لأنه في الحقيقة ينسف أهم أسسهم في الأصول والفروع ، أعني الأمرين المشهورين اللذين لا أصل لهما ـ وكم من مشهور لا أصل له ـ وهما : مسألة عدالة الصحابة أجمعين ، ومسالة صحة أحاديث كتابي البخاري ومسلم ، الموسومين بالصحيحين.

وكتاب النص والاجتهاد : وهو كتاب فقهي ، أصولي ، حديثي ، كلامي ، تاريخي ... جمع فيه موارد كثيرة من مفارقات ومعارضات جماعة من الصحابة ـ الذين يقتدي بهم أهل السنة في الأصول والفروع ـ للكتاب والسنة الثابتة ، معتمداً على أوثق كتب القوم وأهم مصادرهم.

وكتاب الفصول المهمة في تأليف الأمة : وهو كتاب جليل من أحسن الكتب الكلامية ، استعرض فيه بعض المسائل الخلافية بين الشيعة والسنة ، موضّحاً أن السنة هم الذين خالفوا في معتقداتهم ما تقتضيه الأدلة ويقرره الكتاب والسنة ، وأنه إذا ما رجعوا إلى الله والرسول ، ونبذوا اتّباع غير من أمروا باتباعه ، عادت الأمة إلى الوئام واتفقت كلمة أهل الإسلام.

وكتاب المراجعات : فقد كانت للسيد ـ رحمه‌الله ـ في سنة ١٣٢٩ هـ رحلة علمية إلى مصر ، اجتمع خلالها برجالات العلم ، وأصحاب الفضيلة في تلك الديار ، وعقدت بينه وبين شيخ الأزهر يومذاك الشيخ سليم البشري المالكي اجتماعات متوالية ، تداولا فيها جوانب الحديث في أمهات المسائل

١١

الدينية ، وكان من نتاجها « المراجعات » وطبعت سنة ١٣٥٥ هـ.

كلام السيّد في مقدّمة المراجعات :

ويقول السيد في مقدمة هذا الكتاب :

« هذه صحف لم تكتب اليوم ، وفكر لم تولد حديثاً ، وإنما هي صحف انتظمت منذ زمنٍ يربو على ربع قرن ، وكادت يومئذ أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث كانت حواجز قوية عرقلت خطاها ...

أما فكرة الكتاب فقد سبقت مراجعاته سبقاً بعيداً ، إذ كانت تلتمع في صدري منذ شرخ الشباب ، التماع البرق في طيّات السحاب ، وتغلي في دمي غليان الغيرة ، تتطلع إلى سبيل سويّ يوقف المسلمين على حد يقطع دابر الشغب بينهم ...

ضقت ذرعا بهذا ، وامتلأت بحمله همّاً ، فهبطت مصر أواخر سنة ١٣٢٩ مؤملا في « نيله » نيل الأمنية التي أنشدها ، وكنت ألهمت أني موفق لبعض ما أريد ...

وهناك ـ على نعمى الحال ، ورخاء البال ، وابتهاج النفس ـ جمعني الحظّ السعيد بعلم من أعلامها المبرزين ، بعقل واسع ، وخلق وادع ، وفؤاد حيّ ، وعلم عيلم ، ومنزل رفيع ، يتبوأه بزعامته الدينية ، بحق وأهلية ...

فكان مما اتفقنا عليه ... أن أعظم خلاف وقع بين الأمة : اختلافهم في الإمامة ... ولو أن كلا من الطائفتين نظرت في بينات الأخرى ـ نظر المتفاهم لا نظر الساخط المخاصم ـ لحصحص الحق وظهر الصبح لذي عينين.

وقد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة ، بالنظر في أدلة الطائفتين ، فنفهمها فهما صحيحا ، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب من المحيط والعادة والتقليد ، بل نتعرى من كل ما يحوطنا من العواطف والعصبيات ، ونقصد الحقيقة من طريقها المجمع على صحته ، فنلمسها لمساً ، فلعلّ ذلك يلفت

١٢

أذهان المسلمين ، ويبعث الطمأنينة في نفوسهم بما يتحرر ويتقرر عندنا من الحق ، فيكون حداً ينتهى إليه إن شاء الله تعالى.

لذلك قررنا أن يتقدم هو بالسؤال خطّاً عما يريد ، فأُقدّم له الجواب بخطي ، على الشروط الصحيحة ، مؤيّداً بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين.

وجرت بتوفيق الله عزّ وجلّ على هذا مراجعاتنا كلها ، وكنا أردنا يومئذ طبعها لنتمتّع بنتيجة عملنا الخالص لوجه الله عزّ وجلّ ، لكنّ الأيّام الجائرة ، والأقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك ، ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خير لي.

وأنا لا أدّعي أنّ هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألّفت يومئذ بيننا ، ولا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطه غير قلمي ، فإن الحوادث التي أخّرت طبعها فرّقت وضعها أيضا كما قلنا.

غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفّتين بحذافيرها ، مع زيادات اقتضتها الحال ، ودعا إليها النصح والإرشاد ، وربّما جرّ إليها السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتّفاق ».

أقول :

والنقاط الأساسية في هذه المقدمة هي :

١ ـ إن هذه المراجعات وقفت بين السيد والشيخ ، وأنهما قررا أن يتقدم الشيخ بالسؤال خطا عما يريد ، فيقدّم له السيد الجواب بخطّه ، على الشروط الصحيحة المقررة بينهما.

٢ ـ إن هذه المراجعات كانت معدّة للطبع يومذاك ، وكادت أن تبرز بروزها اليوم ، لكن الحوادث والكوارث هي التي حجزت عن ذلك.

٣ ـ إن الحوادث التي أخّرت طبع هذه المراجعات فرّقت وضعها أيضاً ، فألفاظها كلّها بقلم السيد ، حاكيةً للمحاكمات التي جرت بينه وبين الشيخ

١٣

بحذافيرها.

وذكر قدس‌سره سفره إلى مصر بترجمته لنفسه حين شرح أسفاره :

« في مصر :

... كنت أُحب ـ فيما أحب ـ أن ازور مصر وأقف على أعلامها لأخذ العلم عنهم ، ولأبلو ما يبلغني عن الجامع الأزهر ذلك المعهد الجليل. وظلت هذه الأُمنيّة كامنة في نفسي حتى حفّزها خالي المرحوم السيد محمد حسين في أواخر سنة ١٣٢٩ ، حين زارنا في عاملة ...

وقد بدأت هذه الجولة بالحضور في دورة الشيخ سليم البشري المالكي ـ شيخ الأزهر يومذاك ـ وكان يشرف على طلابه من منبره وهو منطلق في درسه انطلاقا يلحظ فيه توفّره وضلاعته فيما هو فيه. وكان يلقي درساً في مسند الإمام الشافعي ... حضرت درسه لأول مرة ... وعرض لي أثناء الدرس ما يوجب المناقشة فناقشته ، ثم علمت بعدئذ أن المناقشة وقت المحاضرة ليس من الدراسة الأزهرية ، فكنت بعدها أفضي إليه بعد الدرس بما عندي من المسائل الجديرة بالبحث والمذاكرة.

وقد كانت مناقشتي الأولى ـ في كل حال ـ سببا في اتصال المودة بيني وبينه ، وسبيلا إلى الاحترام المتبادل ، ثم طالت الاجتماعات بيننا ، وتشاجنت الأحاديث وتشعّب البحث بما سجّلناه في كتابنا : المراجعات. ولو لم يكن من آثار هذه الزيارة إلا هذا الكتاب لكانت جديرة بأن تكون خالدة الأثر في حياتي على الأقلّ.

ولعل الكتاب يصوّر بعض الأجواء العلمية التي تفيّأناها يومئذ منطلقين في آفاقها ، منطلقين من القيود الكثيرة التي كانت توثق الأفكار آنذاك برجعيّات يضيق صدرها حتى بالمناقشة البريئة والتفكير الصحيح.

ومهما يكن من أمر ، فقد نعمنا بمصر في خدمة هذا الشيخ ، واتّصلنا بغيره من أعلام مصر المبرّزين ، إذ زارونا وزرناهم ، أخص منهم العلامتين :

١٤

الشيخ محمد السملوطي والشيخ محمد بخيت. وقد نجمت هذه الاجتماعات الكريمة عن فوائد جمة ...

وعلى كل حال ، فقد غادرت مصر وأنا أحنّ إليها ، وأتزيّد من اللبث فيها ، ولم أغادرها قبل أن يتحفني أعلامها الثلاثة ـ البشري وبخيت والسملوطي ـ بإجازات مفصلة عامة عن مشايخهم أجمع ، بطرقهم كلّها المتصلة بجميع أرباب الكتب والمصنفات من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ، في جميع العلوم ، عقلية ونقلية ، ولا سيما الصحاح الستة وموطّأ مالك ومسند أحمد ومستدرك الحاكم ، وسائر المسانيد ، وكتب التفسير والكلام والفقه ، وبقية العلوم الإسلامية مطلقا.

وممن نعمنا بخدمته في مصر ، وتبادلنا معه الزيارات ، وكانت بيننا وبينه محاضرات ومناظرات ، في مسائل فقهية وأصولية وكلامية ، دلت على غزارة فضله ورسوخ قدمة في العلم والفضيلة : شيخنا الشيخ محمد عبد الحي ابن الشيخ عبد الكريم الكتاني الإدريسي الفاسي. وقد أجازني أيضا إجازة عامة وسّعت طرقي في الرواية والحديث.

واطردت المراسلة بعد العودة إلى البلاد بيني وبين شيخنا البشري زمناً ، ثمّ طغت عليها الشواغل وكوارث الحرب العامة الأولى (١).

وكان رجوعنا من مصر في جمادى الاولى سنة ١٣٣٠ » (٢).

وقال شارحا قصة « المراجعات » حين ذكر مؤلفاته :

« كتاب المراجعات ، أو : المناظرات الأزهرية والمباحثات المصرية. مجلد واحد ، يثبت رأي الإمامية في الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ألّفناه في مصر ، إذ أتيناها سنة ١٣٢٩ ، فجمعنا الحظ السعيد

__________________

(١) أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة ١٣٣٢ هـ ، أي بعد رجوعه بسنتين فقط.

(٢) بغية الراغبين ٢ | ١٩٩.

١٥

بإمامها الوحيد : الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر في ذلك العهد ، حضرت درسه ، وأخذت عنه علما جمّا ، وكان عليم علم ، وعلم حلم ، وكنت أختلف إلى منزله أخلو به في البحث عما لا يسعنا البحث عنه إلا في الخلوات ، وكان جل بحثنا هذا في الإمامة ، التي ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل عليها ، وقد فرضنا على أنفسنا أن نمعن النظر في البحث عن أدلتها ، متجردين من كل عاطفة سوى انتجاع الحقيقة والوصول اليه من طريقها المجمع على صحته.

وعلى هذا جرت مناظراتنا ومراجعاتنا ، وكانت خطيّة تبادلنا بها المراسلة إبراماً ونقضا ، فجئته بالحجج الساطعة لا تترك خليجة ولا تدع وليجة ، فقابلها بالذود عن حياضها ، لا يألو في ذلك جهداً ولا يدخر وسعاً. لكن الله عزّ وجل بهدايته وتوفيقه يسّر لي ـ وله الحمد ـ درء كل شبهة ودحض كل إشكال ، حتّى ظهر الصبح لذي عينين ...

وكنت أردت يومئذ طبع تلك المراجعات ، وهي ١١٢ مراجعة ، لكن الأقدار الغالبة أرجأت ذلك ، فلما نكبنا في حوادث سنة ١٣٣٨ ـ كما سنفصّله في محلّه ـ انتُهبَت مع سائر مؤلّفاتي يوم صيح نهباً في دورنا.

وما أن فرّج الله تعالى عنا ـ بفضله وكرمه ـ حتى استأنفت مضامينها بجميع مباحثاتها التي دارت بيننا ، فإذا هي بحذافيرها مدوّنة بين دفّتي الكتاب ، مع زيادات لا تخل بما كان بيننا من المحاكمات ، على ما أوضحناه في مقدمة الكتاب ، والحمد لله ـ باعث من في القبور ـ على بعث هذا السفر النافع ونشره » (١) ..

__________________

(١) بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين ٢ | ٩٨ في ذكر مؤلفاته.

١٦

إهداء السيد كتاب المراجعات :

ثم إن السيد ـ رحمه‌الله ـ يهدي كتابه قائلا :

« وإني لأهدي كتابي هذا إلى أُولي الألباب ، من كل علامة محقق ، وبحّاثة مدقق ، لابس الحياة العلمية فمحص حقائقها ، ومن كل حافظ محدّث جهبذ حجة في السنن والآثار ، وكل فيلسوف متضلّع في علم الكلام ، وكل شابّ حي مثقف حر قد تحلل من القيود وتملص من الأغلال ، ممن نؤملهم للحياة الجديدة والحرة.

فإن تقبله كل هؤلاء واستشعروا منه فائدة في أنفسهم ، فإني على خير وسعادة ».

رجاء السيد من القراء :

وذكر السيد كتاب « المراجعات » في المورد الأول من كتاب « النص والاجتهاد » فقال :

« ومن أراد التفصيل فعليه بكتابنا ( المراجعات ) إذ استقصينا البحث ثمّة عن تلك النصوص ، وعن كلّ ما هو حولها مما يقوله الفريقان في هذا الموضوع ، تبادلنا ذلك مع شيخنا شيخ الإسلام ، ومربّي العلماء الأعلام ، الشيخ سليم البشري المالكي ، شيخ الجامع الأزهر يومئذ ، رحمه الله تعالى ، أيام كنا في خدمته ، وكان إذ ذاك شيخ الأزهر ، فعُني بي عنايته بحملة العلم عنه ، وجرت بيننا وبينه حول الخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونصوصها مناظرات ومراجعات خطّية ، بذلنا الوسع فيها إيغالاً في البحث والتمحيص ، وإمعاناً فيما يوجبه الإنصاف والاعتراف بالحق ، فكانت تلك المراجعات ـ بيمن نقيبة الشيخ ـ سِفراً من أنفع أسفار الحق ، يتجلى فيها الهدى بأجلى مظاهره ، والحمد لله على التوفيق.

١٧

وها هي تلك منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر شرحه الله للبحث ، وقلب واع لما يقوله الفريقان ، ورأي جميع ، ولب رصين ، فلا تفوتّنكم أيها الباحثون.

نعم ، لي رجاء أنيطه بكم فلا تخيّبوه ، أمعنوا في أهداف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراميه في أقواله وأفعاله ، التي هي محل البحث بيننا وبين الجمهور ، ولا تغلبنّكم العاطفة على أفهامكم وعقولكم ، كالذين عاملوها معاملة المجمل أو المتشابه من القول ، لا يأبهون بشيء من صحتها ، ولا من صراحتها ، والله تعالى يقول : ( أنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون ) ( فأين تذهبون ) أيها المسلمون ( إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى ) » (١).

أقول :

لقد حقق أبناء الأمة الإسلامية رجاء السيد رحمه‌الله ، وتقبله الذين أهدى إليهم المراجعات بقبول حسن ، وأقبلوا عليها خير إقبال ، واستضاء بنورها الكثير منهم ، ورجعوا ببركتها إلى الأصل الديني المفروض عليهم.

وها هي ـ ولا تزال ـ منتشرة في طول البلاد وعرضها ، تدعو إلى المناظرة بصدر رحب شرحه الله للبحث ، كل طالب للحق ، باحث عن الحقيقة ، يريد الخير والصلاح والفلاح لنفسه وللأمة.

لكن « السنة » التي رسمها ابن تيمية في « منهاجه » لها أتباع في كل زمان ، تعلموا منه منطق السب والشتم والبهتان ـ وإن خالفوها في بعض الجهات ، وفي بعض الأحيان ـ (٢) ولم نجد في كلامهم ـ هنا ـ كلمة تستحق الإصغاء والذكر ،

__________________

(١) النص والاجتهاد ـ الطبعة الثانية ـ : ٥٤.

(٢) أعتقد أنه لو كان ابن تيمية في هذا العصر وانبرى للجواب عن « المراجعات » لأنكر قبل كل شيء سفر السيد إلى مصر! وألتقائه بالشيخ هناك! بل أنكر وجود السيد والشيخ في هذا العالم!

١٨

إلا كلمة واحدة ، وهي : ما هي الحوادث والكوارث التي حالت دون نشر المراجعات في حياة الشيخ؟ لماذا لم يذكر السيد منها ولو واحدة؟ وهذا سؤال وجيه ، ولكن ليتهم طرحوه بأدب ووقار ...

قال قائل منهم :

يقول قائلهم مفتتحا ما كتبه بعد البسملة والحمدلة :

« وبعد ، يعتبر كتاب المراجعات من أهم كتب الرافضة التي عرض فيها مؤلّفه : عبد الحسين الموسوي ، مذهبه مذهب الرفض ، بصورة توهم الكثير من أهل السنة بصدق ما جاء فيها ، لا سيما أولئك الذين لم يسبق لهم معرفة عقيدة الرافضة وأصولهم ، وأساليبهم الخبيثة الماكرة ، والتي ترتكز على الأدلة الكاذبة الموضوعة ، والتلاعب بالأدلة الصحيحة ، سواء بالزيادة فيها أو الإنقاص منها ، أو بتحميلها من المعاني ما لا تحتمله ، كل هذا يفعلونه نصرة لمذهبهم ، وتأييداً لباطلهم. وهذا ما درج عليه الموسوي في كتابه ( المراجعات ).

ولما كانت هذه المراجعات لا أصل لها من الصحة ، بل هي محض كذب وافتراء ، ولما مر على ظهور هذا الكتاب قرابة الثلاثين عاما (١) ، ولم نجد أحدا من علماء السنة قد رد على هذه المراجعات المكذوبة جملة وتفصيلا.

ولما كان هذا الكتاب قد أثّر في بسطاء المسلمين وعامتهم ، جهلا منهم بعقيدة الرافضة وأصولهم المخالفة لأصول الإسلام الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة ، وظنا منهم بصدق هذه المراجعات ، غير مدركين تدليس وكذب صاحبها ، حيث أظهر موافقة شيخ الأزهر على كل ما عرضه من أدلّة مكذوبة ، وفي الوقت نفسه لم يجدوا من يكشف لهم كذب هذه المراجعات ، ويبيّن لهم

__________________

ووجود مصر على وجه الأرض!

(١) المراجعات طبعت عام ١٣٥٥ هـ ، فقد مر على ظهورها حتى تاريخ ما كتبه هذا الرجل ـ وهو سنة ١٤٠٦ هـ ـ قرابة الخمسين عاماً.

١٩

ما اشتملت عليه من زيغ وضلال.

ولما كان تحذير المسلمين من عدوهم ، وفضح كل الطوائف والفرق الخارجة على الإسلام أمرا واجبا على كل داعية ، بل هو من أعظم القربات إلى الله حتى يميزوا الخبيث من الطيب ، ويبيّنوا سبيل المجرمين.

لهذا كله نرى أنفسنا مضطرين للرد على كتاب المراجعات ، سائلين الله أن يجعل هذا خالصاً لوجهه ، ودفاعا عن أوليائه ، ونصرة لدينه ، وغيرة على سنة نبيه ».

أقول :

أولاً : أننا عندما ننقل هذه العبارات نرجو المعذرة من كل مسلم غيور متأدب بآداب الإسلام ، بل من كل إنسان متخلق بالأخلاق الفاضلة ، وخاصة من سيدنا « شرف الدين » قدس الله نفسه ، فإننا إنما أوردناها :

١ ـ ليتضح أن الذين يعادون الشيعة والتشيع إنما يعادون المسلمين والإسلام ، ولا يفرقون في الطعن بين أهل السنة وبين الشيعة ، وذلك لأن هذا الأسلوب من الكلام يشوّه سمعة الدين والإسلام ، لدى أبناء الأديان الأخرى إذ يتوهمون أن هذا هو الخلق الإسلامي المحمدي ، وأن المسلمين ـ سواء الشيعة أو السنة ـ بمعزل عن الآداب الإنسانية والأخلاق الفاضلة.

على أنه ـ في نفس الوقت الذي يتهجم فيه على الشيعة ـ يطعن في علماء مذهبه ، وينسبهم إلى التهاون في أمر الدين والدفاع عن أولياء الله وسنة الرسول ، إذ لم يردوا على هذا الكتاب الذي أثر في بسطاء المسلمين وعامتهم ـ على حد تعبيره ـ ولم يكشفوا لهم كذب هذه المراجعات! كما قال ...

فهؤلاء ـ في الواقع ـ أناس يريدون الوقيعة بين المسلمين ، وإيجاد التباغض بينهم ، وضرب بعضهم ببعض ، حتى يكون الأعداء في راحة ... فكونوا على حذر من هؤلاء ، وانتبهوا أيها المسلمون!!

٢٠