تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

لا أحد يصدق بهذا أبداً ...ولذا نُسب إلی التشيّع!!

١٢ ـ ابن حزم (٤٥٦) :

ومنهم : علی بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، فإنّهم ينقلون عنه كثيراً ويقبلون قوله في الرجال والحديث.

وقد جاء بترجمته (١) : «كان ممّا يزيد في شنآنه تشيعه لأُمراء بني أُميّه ماضيهم وباقيهم ، واعتقاده لصحّه إمامتهم ، حتّی لنُسب إلی النصْب».

«وقد امتُحن لتطويل لسانه في العلماء ، وشُرّد عن وطنه».

«قال أبو العبّاس ابن العريف : كان لسان ابن حزم وسيف الحجّاج شقيقين».

وقال ابن حجر : «كان واسع الحفظ جدّاً ، إلّا أنّه لثقه حافظته كان يهجم ، كالقول في التعديل والتخريج (٢) وتبيين أسماء الرواه ، فيقع له من ذلك أوهام شنيعه. وقد تتّبع كثيراً منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثمّ المصری من المحلّی خاصّهً ، وسأذكر منها أشياء ...» (٣).

١٣ ـ ابن الجوزي (٥٩٧) :

ومنهم : أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلی ، له كتاب في «الضعفاء» وكتاب الموضوعات وكتاب العلل المتناهيه في الأحاديث الواهيه.

قال الذهبي بترجمة أبان بن يزيد العطّار : «قد أورده العلّامه أبو الفرج

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٨ : ١٨٤.

(٢) كذا.

(٣) لسان الميزان ٤ : ١٩٨.

٨١

ابن الجوزي في الضعفاء ، ولم يذكر فيه أقوال من وثّقه ، وهذا من عيوب كتابه ، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق» (١).

وقال ابن حجر بترجمة ثمامه بن الأشرس بعد ذِكر قصّه : «دلّت هذه القصّه علی أنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدث به» (٢).

وقال الذهبي بترجمته عن الموقاني : «وكان كثير الغلط في ما يصنّفه ، فإنّه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره» قال الذهبي : «قلت : له وهم كثير في تواليفه» (٣).

وقال السيوطي : «قال الذهبي في التاريخ الكبير : لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة ، بل باعتبار كثره اطّلاعه وجمعه» (٤).

وقال السيوطي في تعقيباته : «واعلم أنّه جرت عاده الحفّاظ كالحاكم وابن حِبان والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون علی حديث بالبطلان من حيثيّه سندٍ مخصوص ، لكون راويه اختلق ذلك السند لذلك المتن ، ويكون ذلك المتن معروفاً من وجهٍ آخر ، ويذكرون ذلك في ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به ، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم علی المتن بالوضع مطلقاً ويورده في كتاب الموضوعات ، وليس هذا بلائق ، وقد عاب عليه الناس ذلك ، آخرهم الحافظ ابن حجر» (٥).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١٦.

(٢) لسان الميزان ٢ : ٨٤.

(٣) تذكره الحفّاظ ٤ : ١٣٤٧.

(٤) طبقات الحفّاظ : ٤٨٠.

(٥) اللآلی المصنوعه ١ : ١١٧.

٨٢

١٤ ـ الذهبي (٧٤٨) :

ومنهم : شمس الدين أحمد بن عثمان الذهبي ، صاحب المصنّفات الرجإليه والتاريخيه الكثيره ، فإنّه الذي يرجع إليه في القرون الأخيره ، وعلی كتبه يعتمد الباحثون والمحقّقون.

ولكنّه موصوفٌ بالتعصّب الشديد ضدّ المخالفين له في العقيده والمذهب ، فقد وصفه تلميذه السبكی ـ بعد أن ذكره بالألقاب الفخمه ، وأثني عليه الثناء البالغ الجميل ـ بما هذا نصّه : «وكان شيخنا ـ والحقّ أحقّ ما قيل ، والصدق أولي ما آثره ذو السبیل ـ شدید الميل إلی آراء الحنابله ، كثير الإزراء بأهل السُنّة ...فلذلك لا ينصفهم في التراجم ، ولا يصفهم بخير» .. «صنّف التاريخ الكبير وما أحسنه لو لا تعصّب فيه» (١).

وذكر السبكی عن الحافظ العلائی أنّ الذهبي قد أثّرت عقيدته في طبعه انحرافاً شديداً عن مخالفيه ، فإذا ترجم أحداً منهم لا يبالغ في وصفه ، بل يكثر من قول من طعن فيه ....

بل قال السبكی : «والذي أدركنا عليه المشايخ النهی عن النظر في كلامه ، وعدم اعتبار قوله ، ولم يكن يستجرئ أنْ يظهر كتبه التاريخيه إلّا لمن يغلب علی ظنّه أنّه لا ينقل عنه ما يعاب عليه» (٢).

أقول :

فمن كان هذا حاله مع علماء مذاهب السُنّة من الحنفيه والشافعيه ، ومع

__________________

(١) طبقات الشافعيه ٩ : ١٠٣ و ١٠٤.

(٢) طبقات الشافعيه ٢ : ١٣ ـ ١٤.

٨٣

غيرهم من المخالفين له في العقيده أو الفروع ، كيف يرتجی منه أن يترجم للشيخ أبي جعفر الكليني الإمامی مثلاً بأكثر من ثلاثه أسطر؟!

ومن كان لا ينصف علماء المذاهب السُنيّه في التراجم ولا يذكرهم بخير ، كيف يرتجی منه أن لا يقول في حقّ الشيخ أبي جعفر الطوسي : «أعرض عنه الحفّاظ لبدعته ، وكان يعدُّ من الأذكياء لا الأزكياء»؟! ولا يقول في حقّ الشيخ محمّد بن النعمان المفيد : «قيل : بلغت تواليفه مأتين ، لم أقف علی شيء منها وللّٰه الحمد»؟!

هذا في كتابه سير أعلام النبلاء ، وتجد الأفظع من ذلك في حقّ الإماميه وأئمّتهم في سائر كتبه أيضاً.

وأمّا طعنه في رواتهم في كتابه ميزان الاعتدال لأجل كونهم شيعه لعليّ وأهل البيت عليهم السلام ، فلا يمكن حصره ولا وصفه ....

بل إنّ الرجل من أشدّ الناس ميلاً عن أهل البيت ، ومن أميلهم إلی بني أُميّه وأتباعهم ...وقد حقّقنا ذلك في كتابنا الانتقاء من سير أعلام النبلاء.

١٥ ـ ابن حجر العسقلاني (٨٥٢) :

ومنهم : شهاب الدين ابن حجر العسقلاني ، صاحب المصنَّفات الكثيره في مختلف العلوم ، الملقّب عندهم بشيخ الإسلام ، والموصوف بالحافظ علی الإطلاق ، والمرجوع إليه في الحديث والرجال ، وإلی يومنا هذا ....

لكنّ هذا الرجل نظر في أحوال الرواه علی مبني أنّ أكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجه والتمسّك بأُمور الديانه ، بخلاف من يوصف بالرفض ، فإنّ غالبهم كاذب ولا يتورّع في الأخبار ...وقد جعل هذا الوجهَ فی

٨٤

«توثيقهم الناصبی غالباً ، وتوهينهم الشيعه مطلقاً».

هذا ، وسيأتي الكلام علی معني «الرافضي» و «الشيعي» بالتفصيل.

ومن هنا نری ابن حجر يقول في تقريبه بترجمة مثل عمر بن سعد بن أبي وقّاص ـ بعد أن يذكر في تهذيبه قول يحيی بن معين : كيف يكون من قتل الحسين ثقه؟! ـ : «صدوق ، لكنْ مقته الناس ، لكونه كان أميراً علی الجيش الّذين قتلوا الحسين بن عليّ» (١).

فهو «صدوق»!! «لكنْ مقَتَه الناس»!! أمّا هو فغير معلوم مقته إياه!! «لكونه كان أميراً علی الجيش الّذين قتلوا الحسين بن عليّ» فهو كان مجرّد أمير علی الجيش!! لكنْ يحيی بن معين وصفه ب «من قتل الحسين» ، بل قال الذهبي : «باشر قتال الحسين وفَعَل الأفاعيل»!!

أقول :

ومنهم : ابن سعد صاحب الطبقات ، والحاكم النيسابوري صاحب المستدرك ...وسيأتي التعريف بهما ....

فهؤلاء أشهر أئمّة القوم في الجرح والتعديل ، وهم بين فاسقٍ وناصبيٍ ومتعصّبٍ ومتّهم ....

وإذا كان هذا حال علماء القوم وأئمّتهم في توثيق الرجال والرواه ، وجرحهم ، فكيف يعتمد علی أقوالهم وآرائهم؟! وكيف يجوز البناء علی قبولهم وردّهم؟! وأي قيمهٍ للعقيده أو الأحكام الشرعيه المبنيّه علی أساس توثيقات هؤلاء وتجريحاتهم؟!

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ : ٥٦.

٨٥

فهذا مجمل أحوالهم ، قبل أنْ ندرس الضوابط والقواعد المقرّره عندهم لآرائهم وأقوالهم ....

٨٦

ثالثاً ـ ضوابط الجرح والتعديل عند أهل السُنّه

وبعد أنْ عرفنا أصحّ الكتب عند القوم وآراء المحقّقين من علمائهم في اعتبار أخبارها ووثاقه رواتها ، وعرفنا أشهر أئمّتهم في الجرح والتعديل ، ووقفنا علی ما جاء في تراجمهم ، رأينا من اللازم أنْ نتعرَّض ـ ولو بالإجمال ـ إلی الضوابط والقواعد التی علی أساسها جرحوا أو وثّقوا الرجال.

والحقيقة أنّ آراءهم في ضوابط التوثيق والجرح متضاربه جدّاً ، بل قد تجد الواحد منهم يناقض نفسه ، فليس عندهم قواعد مستنده إلی الشرع والعقل ، يرجعون إليها ويعتمدون عليها في قبول الرواية عن الرجال وردّها.

وقد صرّح بهذه الحقيقة بعض المحقّقين المعاصرین حين قال مستدلّاً بكلامٍ للذهبی : «كلام الإمام الذهبي ـ وهو العارف الخبير بهذه الصنعة ـ يدل علی أنّ التصحيح والتضعيف في غير ما حديث أمر اجتهادی ، تختلف فيه الأنظار ولا يمكن البتُّ فيه» (١).

إنّ المحاور الأساسية عندهم لجرح الراوي أو توثیقه ، علی اختلاف الأقوال ، هی :

أوّلاً : القول بالأُصول الاعتقادية ، بأنْ يكون الراوي مسلماً صحيح العقيده غير منحرف عمّا يرونه حقّاً ثابتاً يجب الاعتقاد به.

وثانياً : العداله ، بأنْ لا يكون الراوي من أصحاب كبيره من الكبائر الموبقه ، المسقطه للعداله ، وأنْ يكون صادقاً في نقله ، فلا يكذب ، ولا يزيد أو ينقص من

__________________

(١) راجع هامش الصفحه ٢٣٩ من الجزء ١٤ من سير أعلام النبلاء.

٨٧

الخبر عن عمدٍ ....

وثالثاً : الضبط ، بأنْ يكون ضابطاً لِما أخذ ، وينقله كما أخذه ، فلو كثر خطؤه وسهوه زال الوثوق به ، وإنْ كان من أهل الصدق والديانه.

لكنّ المشكلة هی اختلافهم الشديد في المسائل الاعتقادية ، وتكفير بعضهم البعض الآخر المخالف له فيها ، فحينئذ لا يدری ما هی العقيده الصحيحه عندهم؟! وما هو الحقّ الذي يجب الاعتقاد به ، حتّی يقبل الراوي أو يردّ بالنظر إليها؟!

ثمّ إنّ كثيراً منهم يستحلّون شرب المسكر ـ مثلاً ـ أو يجوّزون الكذب علی خصومهم ، أو يتركون الصلوات ، أو يرتكبون القبائح ...وكلّ ذلك موجود بتراجمهم ...فهل هذه الأُمور كبائر مسقطه للعداله أو لا؟!

وهناك أُمور أُخری كان بعض أكابرهم يراها من الكبائر ، فلا يروی عن المرتكب لها ، كالدخول في عمل السلطان ، أو الخروج بالسيف عليه ، فهل هذه من الكبائر الموبقه المسقطه للعداله أو لا؟! وما هو السبب في هذا التناقض؟!

وهم في حين يشترطون الضبط في الراوي ، قد يضطرّون إلی رفع الید عن هذا الشرط ، عند ما يریدون توثيق من كان فاقداً له ؛ لخصوصيةٍ فيه توجب القول بوثاقته.

وتبقی قضايا أُخری ، يبحثون عن مفاهيمها ومصاديقها ، يختلفون في كلتا الجهتین ، مثل ، التدليس ، وروآيه المنكر من الحديث ، وما إلی ذلك ....

هذه هی الحقيقة التی يؤدّی إليها التحقيق في كتبهم في الحديث والرجال ....

ولأجل أن نضع النقاط علی الحروف ـ كما يقال ـ نستشهد ببعض الموارد ، ونأتی بجملهٍ من نصوص كلماتهم فيها :

٨٨

سمع آله الطرب من بيته فترك الرواية عنه

ففي ترجمة المنهال بن عمرو الأسدی ـ من رجال البخاري والأربعه ـ أنّ شعبه بن الحجّاج (١) كان يروی عنه «ثمّ إنّ شعبه ترك الرواية عنه ، لكونه سمع آله الطرب من بيته» (٢) أو «لأنّه سمع من داره صوت قراءهٍ بالتطريب» (٣).

فهكذا كان رأي شعبه ...لكنّ أرباب الصحاح الستّه ـ عدا مسلم بن الحجّاج ـ يروون عنه في صحاحهم ....

ثمّ نراهم جميعاً ـ بما فيهم مسلم ـ يروون عمّن كان «يعلِّم الغناء» ويرتكب غير ذلك أيضاً!! وهو «الماجشون» الملقّب عندهم ب : «الإمام المحدِّث» فإنّه «كان يعلّم الغناء ، ويتّخذ القيان ، ظاهرٌ أمرُه» (٤).

فكم هو الفرق بين ترك الرواية عمّن سمع صوت آله الطرب من بيته ، وبين الرواية عمّن يعلّم الناس الغناء ـ وربّما ياخذ علی ذلك الأُجور ـ ويتّخذ القيان ، وهو بكلّ ذلك مشهور؟!

كان لا يجيز قول من لا يشرب النبيذ :

وهذا ما حكوه عن ابن أبي ليلی (٥) ، مفتی الكوفه وقاضيها ، وهو عجيب جدّاً ، فهبْ أنّه كان يری حلّيّه النبيذ ، مع روآيه الفريقين عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله

__________________

(١) لقّبه الأئمّة ب : «أمير المؤمنين في الحديث» ، مات سنه ١٦٠ ، الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستّه ٢ : ١٠ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٢٩٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٨٤ رقم ٦٤.

(٣) الجرح والتعديل ٨ : ٣٥٧ رقم ١٦٣٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٧٠ رقم ١٦٧.

(٥) سير أعلام النبلاء ٦ : ٣١٢.

٨٩

وسلّم : «ما أسكر كثيره فقليله حرام» (١) ولكنْ كيف لا يجيز قول من لا يشربه؟!

الزهري يعمل لبني أُميّه ، والأعمش مجانب للسلطان :

وإذا كان الدخول في أعمال الظلمه وما يحمله من الأوزار والآثام مخلّاً بالعداله (٢) ، فإنّ محمّد بن شهاب الزهري ، الذي يعدُّ من أكبر أئمّة القوم في الفقه والحديث ، كان من عمّال بني أُميّه ، بل جاء عن خارجه بن مصعب : «قدمت علی الزهري وهو صاحب شرط بني أُميّه ، فرأيته ركب وفي يديه حربه وبين يديه الناس في أيديهم الكافركوبات. فقلت : قبّح اللّٰه ذا من عالمٍ ، فلم أسمع منه» (٣).

ولذا لمّا سئل ابن معين (٤) عن الزهري والأعمش قال : «برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري ، الزهري يری العرض والإجازه ، ويعمل لبني أُميّه ، والأعمش فقير صبور ، مجانب للسلطان ، ورع ، عالم بالقرآن» (٥).

وإذا كان هذا حكم العمل لبني أُميّه ، فكيف يكون الميل علی بني أُميّه ذمّاً ، كما هو ظاهر عباره ابن عساكر في أبي عَرُوبه الحرّاني؟! (٦).

بل كيف يكون من شرط أخذ الحديث الترحّم علی معاوية؟!! فقد حكی الكتّاني أنّ شيخه عبد الرحمن بن محمّد الجوبری قال له : «ما أُحدّثك حتّی أدري

__________________

(١) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ، وهو في وسائل الشيعه.

(٢) لاحظ : تاريخ بغداد ١٠ : ٢٩٤ بترجمة أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الأسدی القاضي ، ولاحظ : سير أعلام النبلاء ٩ : ٢٦ بترجمة حفص بن غياث القاضي.

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٦٢٥.

(٤) لقّبه الأئمّة ب : «إمام المحدّثين». الكاشف ٣ : ٢٣٥ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٢٤٦.

(٥) تهذيب التهذيب ٤ : ١٩٧.

(٦) سير أعلام النبلاء ١٤ : ٥١١.

٩٠

مذهبك في معاوية! فقلت : صاحب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله ، وترحّمت عليه. فأخرج إلیَّ كتب أبيه جميعها» (١)!

هو واهٍ من قبل دينه لأنّه كان لا يصلّی :

وهكذا جاء بترجمة «زاهر بن طاهر» الموصوف عندهم ب : «الشيخ العالم ، المحدّث المفيد ، المعمّر ، مسند خراسان» الذي روی الكثير ببغداد وبهراه وأصبهان وهمدان والریّ والحجاز ونیسابور ، وروی عنه المحدِّثون في هذه البلاد ، كأبي موسی المديني والسمعاني وابن عساكر وغيرهم من كبار الأئمّة ..

فإذا كان واهيا من قبل دينه ، لأنّه كان لا يصلّی ، والصلاه عماد الدين كما في الحديث عند المسلمين ، وتركها من أكبر الكبائر المخلّه بالعداله الموجبه للدخول في النار ، فما وجه الرواية عنه؟!

يقول الذهبي : «الشَرَهُ يحمِلُنا علی الرواية لمثلِ هذا» (٢).

وهل يقبل هذا العذر؟!

كان يشرب الخمر وهو من رجال أبي داود وابن ماجه :

و «عمر بن يعلی بن مرّه الثقفي الكوفي» من رجال أبي داود وابن ماجه ، قال الساجی : «حدّثني أحمد بن محمّد ، قال : حدّثنا يحيی بن معين ، قال : سمعت جرير بن عبد الحميد يقول : كان عمر بن يعلی بن منبه الثقفي يشرب الخمر».

وقال البخاري : «حدّثنا علی ، قال : قال جرير : كان عمر بن يعلی يحدّث

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٧ : ٤١٥.

(٢) سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٩ ـ ١٢.

٩١

عن أنس ؛ فقال لي زائده ـ وكان من رهطه ـ : أي شيء حدّثك؟! قلت : عن أنس. قال : أشهد أنّه يشرب كذا وكذا ، فإنْ شئت فاكتب وإنْ شئت فدع» (١).

هل يقبل الجرح من المتعاصرين؟

ثمّ هل من الضوابط أنْ لا يكون الجارح معاصراً للمجروح ، فلو كانا متعاصرَین لا يقبل جرح أحدهما الآخر؟!

والموارد من هذا القبيل كثيره جدّاً ....

قالوا : لا يقبل جرح المعاصر لمعاصره ، لأنّه يكون غالباً عن الحسد والمنافسه علی الرئاسه ...!!

ولكنْ ، كيف ذا ، والجارحون من أكابر الزهّاد وأئمّة الورع والاحتياط كما بتراجمهم؟! وإذا كانوا حقّاً كذلك ، فالصحيح هو الاعتماد علی الجرح الصادر منهم لمعاصريهم ، لأنّه شهاده عن حسٍّ ، ولا يجوز ردّ شهاده العدل ، سواء كانت بالوثاقه أو بالضعف ....

ولنذكر نماذج من تلك الموارد :

١ ـ بين أبي نعيم الأصبهاني وابن منده :

قال الذهبي : «أحمد بن عبد اللَّه الحافظ ، أبو نعيم الأصبهاني ، أحد الأعلام ، صدوق ، تُكلّم فيه بلا حجّه ، ولكنّ هذه عقوبه من اللّٰه ، لكلامه في ابن مَنده بهویً!! ...وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع ، لا أُحبُّ حكايته ، ولا أقبل قول كلٍّ منهما في الآخر ...كلام الأقران بعضهم في بعضٍ لا يعبأ به ، لا سيّما إذا لاح لك أنّه

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢١ : ٤١٩ ـ ٤٢٠.

٩٢

لعداوهٍ أو لمذهب أو لحسد ...» (١).

٢ ـ بين مغيره وأبي إسحاق السبیعی والأعمش :

روی جرير عن مغيره أنّه قال : «ما أفسد حديث أهل الكوفه غير أبي إسحاق والأعمش».

قال الذهبي : «لا يسمع قول الأقران بعضهم في بعض ، وحديث أبي إسحاق محتجّ به في دواوین الإسلام» (٢).

٣ ـ بين أحمد وهشام بن عمّار :

قال أبو بكر المروزی : «ذكر أحمدُ بن حنبل هشامَ بن عمّار فقال : طياش خفيف».

قال الذهبي : «كلام الأقران بعضهم في بعضٍ يحتمل ، وطیّه أَولي من بثّه» (٣).

يعني وإنْ كان المتكلّم أحمد!!

٤ ـ بين الفلّاس والسمین :

وذكر أبو حفص الفلّاس ، محمّدَ بن حاتم البغدادي السمين ـ من رجال مسلم وأبي داود ـ فقال : «ليس بشيء». فتعقّبه الذهبي قائلاً : «هذا من كلام الأقران ، الذي لا يسمع» (٤).

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ١١١.

(٢) سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٩٩.

(٣) سير أعلام النبلاء ١١ : ٤٢٧ و ٤٣٢.

(٤) سير أعلام النبلاء ١١ : ٤٥١.

٩٣

٥ ـ بين عبد المغيث وابن الجوزي :

ووقعت العداوه والفتنة الشديده بين عبد المغيث بن زهير وبين أبي الفرج الجوزي ، وكلاهما حافظان فقيهان حنبليان ...كان سببها اللعن علی يزيد بن معاوية ، كان عبد المغيث يمنع من لعنه ، وكتب في ذلك كتاباً وأسمعه للناس ، فكتب ابن الجوزي في الردّ عليه كتاباً سمّاه الردّ علی المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد ...ثمّ تلا ذلك مسائل أُخری ، وقد مات عبد المغيث وهما متهاجران (١).

٦ ـ بين مطيَّن وابن أبي شيبه :

وذكر الحافظ ابن حجر بترجمة محمّد بن عبد اللَّه بن سليمان الحضرمي الملقّب ب «مطيَّن» حطّ الحافظ محمّد بن عثمان بن أبي شيبه عليه ، وحطّ مطيّن علی ابن أبي شيبه ، وأنّ أمرهما آلَ إلی القطيعه. فقال ابن حجر : «ولا نعتدّ ـ بحمد اللّٰه ـ بكثير من كلام الأقران بعضهم في بعض» (٢).

قدح فيه لأنّه رأي منه جفاءً :

وإذا كان المتعاصرون يقدح بعضهم في بعض عن حسدٍ وعداوهٍ وتنافس علی الرئاسه والدنيا ، فقد ذكروا أنّ النسائي قدح في أحمد بن صالح المصری لمجرّد أن رأي منه جفاءً!!

لقد اضطرب القوم في قدح النسائي في هذا الرجل ، وكذا في رمي يحيی بن معين إياه بالكذب ، لأنّه من رجال صحيح البخاري.

__________________

(١) الذيل علی طبقات الحنابله ـ لابن رجب ـ ١ : ٣٥٦.

(٢) لسان الميزان ٥ : ٢٣٤.

٩٤

فأمّا طعن النسائي ؛ فلأنّه نال منه جفاءٌ في مجلسه ، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما (١).

فقال الخليلی : كلام النسائي فيه تحامل ، وقال ابن العربی المالكی : هذا يحطّ من النسائي أكثر ممّا يحطّ ابن صالح ، وقال الذهبي : آذی النسائي نفسه بكلامه فيه (٢).

وأمّا طعن ابن معين ، فابن حِبّان حاول تنزيه ابن معين وابن صالح معاً ، فادّعی أنّ الذي كذّبه ابن معين هو : أحمد بن صالح المكی الشمومی وليس أحمد ابن صالح المصری (٣).

وأمّا الذهبي ، فقد انتقد ابن معين بشدّهٍ ، فقال : «ومن نادر ما شذَّ به ابن معين كلامه في أحمد بن صالح حافظ مصر ، فإنّه تكلَّم فيه باجتهاده ...» (٤).

قلت :

بل إنّ القوم كلّهم يتكلّمون في الرجال ـ قدحاً أو مدحاً ـ باجتهاداتهم ، وليس عندهم موازين ثابته في الباب ، وهذا ما نريد التأكید عليه بما تقدّم وياتی.

التوسّع في اشتراط الضبط :

ثمّ إنّهم ـ وإنِ اشترطوا الضبط في الراوي ـ قد توسّعوا في هذا الشرط متی ما شاءوا توثيق الرجل وقبول روايته ، لكونه من رجال الصحاح ، أو من مشاهير

__________________

(١) تاريخ بغداد ٤ : ٢٠٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ : ١٦١ والهامش ، ميزان الاعتدال ١ : ١٠٣.

(٣) الثقات ٨ : ٢٦.

(٤) سير أعلام النبلاء ١١ : ٨٢ ـ ٨٣.

٩٥

الحفّاظ ، أو لغير ذلك.

فهذا حسين المعلّم البصری ، من رجال الصحاح الستّه ، ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء وقال : هو مضطرب الحديث. فتعقّبه الذهبي قائلاً : «الرجل ثقه ، وقد احتجّ به صاحبا الصحيحين ، ومات في حدود سنه ١٥٠ ، وذكر له العقيلي حديثاً واحداً تفرّد بوصله ، وغيره من الحفّاظ أرسله ، فكان ما ذا؟! فليس من شرط الثقه أن لا يغلط أبداً ، فقد غلط شعبه ومالك ، وناهیك بهما ثقهً ونبلاً» (١).

وقال الذهبي ـ في مقام الدفاع عن ابن أبي داود ، في كلامٍ له علی حديث الطير ـ : «وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله ، وله علی خطئه أجر واحد ، وليس من شرط الثقه أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو ، والرجل فمن كبار علماء الإسلام ومن أوثق الحفّاظ» (٢).

وننتقل الآن إلی آرائهم في أصحاب المذاهب من رجال الحديث :

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٤٦ رقم ١٤٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٣٣.

٩٦

آراؤهم في أصحاب المذاهب من رجال الحديث

حكم أحاديث غير أهل السُنّة :

والذي يظهر من كلماتهم هو أنّهم يقسّمون الرجال إلی «أهل السُنّة» و «أهل البدعة» .. فمن لم يكن من أهل السُنّة فهو مبتدع ، وأهل السُنّة يؤخذ بحديثهم ، ويترك حديث أهل البدعة.

روی الذهبي عن ابن سيرين ، قال : «لم يكونوا يسألون عن الإسناد حتّی وقعت الفتنة ، فلمّا وقعت نظروا مَن كان من أهل السُنّة أخذوا حديثه ، ومَن كان من أهل البدعة تركوا حديثه» (١).

ولكن ما المراد من السُنّة؟! ومَن أهلها؟! وما المراد من البدعة؟! ومن هم أهلها؟! هذه هی المشكلة!

وروی المزّي عن عبد الرحمن بن مهدی ، قال : «من رأي رأيا ولم يدع إليه احتُمِل ، ومن رأي رأيا دعا إليه فقد استحقّ الترك» (٢).

وقد أخذ هذا غير واحدٍ من المتأخّرين ، فقیَّد المبتدع بأنْ لا يكون داعيةً إلی مذهبه ....

وأضاف بعضهم إلی ذلك ، ألّا يكون الحديث الذي يحدّث به ممّا يعضد

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٣.

(٢) تهذيب الكمال ١ : ١٦٣.

٩٧

بدعته ويشيّدها (١).

ثمّ إنّ الذهبي قسّم البدعة إلی صغری وكبری ، بمناسبه وصف «أبان بن تغلب» ب : «شيعي جلد ، لكنّه صدوق» ، فقال بأنّ البدعة الصغری تجتمع مع الدين والورع والصدق ، فلو رُدّ حديث هؤلاء لذهب جمله من الآثار النبويّه وهذه مفسده بيّنه ...وهی كغلوّ التشيّع ، أو كالتشيّع بلا غلوّ ولا تحرّف ، والبدعة الكبری كالرفض الكامل والغلوّ فيه والحطّ علی أبي بكر وعمر والدعاء إلی ذلك ، فهذا النوع لا يحتجّ بهم ولا كرامه ، وليس فيه رجل صادق مأمون (٢).

أقول :

قد خصّصنا الفصل الآتی للبحث عن «التشيّع» و «الرفض» وما يتعلّق بذلك ...والكلام الآن في الرواية عن أهل الفرق الأُخری ، الخارجين عن أهل السُنّة!!

قال الذهبي : «هذه مسأله كبيره ، وهی : القدري والمعتزلي والجهمي والرافضي ، إذا عُلم صدقه في الحديث وتقواه ، ولم يكن داعيا إلی بدعته ، فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته ، والعمل بحديثه ، وتردّدوا في الداعيه هل يؤخذ عنه؟ فذهب كثير من الحفّاظ إلی تجنّب حديثه وهجرانه ....

وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه وكان داعيةً ووجدنا عنده سُنّة تفرّد بها ، فكيف يسوغ لنا ترك تلك السُنّة؟! فجميع تصرّفات أئمّة الحديث تؤذن بأنّ المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه من دائرة الإسلام ، ولم تبح دمه ، فإنّ قبول

__________________

(١) لسان الميزان ١ : ١١.

(٢) ميزان الاعتدال ١ : ٥ ـ ٦.

٩٨

ما رواه سائغ» ..

قال : «وهذه المسأله لم تتبرهن لي كما ينبغی. والذي اتّضح لي منها أنّ مَن دخل في بدعةٍ ولم يعدّ من رؤوسها ، ولا أمعن فيها ، يقبل حديثه» (١).

فانظر ، كيف يضطربون!! وكيف تختلف كلمات الواحد منهم أيضاً!!

والسبب في ذلك هو أنّهم إذا رفضوا أحاديث المنتحلین للمذاهب الأُخری كلّها أدّی ذلك إلی ضياع الأحكام الشرعيه وترك السُنن النبويّه ، وإنْ رووها وقبلوها خافوا من رواج تلك المذاهب وتقوّی أتباعها ....

وأيضاً : ففي رواه كتأبي البخاري ومسلم من أهل البدع كثيرون ، فإذا سقط الاحتجاج بأخبارهم سقط الكتابان عن الصحّه المزعومه لهما ....

المنتحلون المذاهب من الرواه في الصحاح :

فقد جاء بترجمة «عمر بن ذرّ» ـ وهو من رجال البخاري وأبي داود والترمذي والنسائي ، والموصوف بالإمام الزاهد العابد ، وكان رأساً في الإرجاء ـ ، عن علی بن المديني ، قال : «قلت ليحيی القطّان : إنّ عبد الرحمن قال : أنا أترك من أهل الحديث كلّ رأسٍ في بدعةٍ ؛ فضحك يحيی وقال : كيف تصنع بقتاده؟! كيف تصنع بعمر بن ذرّ؟! كيف تصنع بابن أبي روّاد؟! وعدَّ يحيی قوماً أمسكت عن ذِكرهم ، ثمّ قال يحيی : إنْ تَرَك هذا الضرب تَرَك حديثاً كثيراً» (٢).

وبترجمة «عبد اللَّه بن أبي نجيح» ـ وهو من رجال الصحاح الستّه ـ «قال البخاري : كان يتّهم بالاعتزال والقدر ، وقال ابن المديني : كان يری الاعتزال ، وقال

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٧ : ١٥٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ٦ : ٣٨٧.

٩٩

أحمد : أفسدوه بأخرة وكان جالَس عمرو بن عبيد ، وقال علی : سمعت يحيی بن سعيد يقول : كان ابن أبي نجيح من رؤوس الدعاه» (١).

وبترجمة «شبابه بن سوار» ـ من رجال الصحاح الستّه ـ «قال أحمد : كان داعيةً إلی الإرجاء» (٢).

وبترجمة «عبد المجید بن أبي روّاد» ـ من رجال مسلم والأربعه ـ : «قال أبو داود : كان رأساً في الإرجاء. وقال يعقوب بن سفيان : كان مبتدعاً داعيةً» (٣).

وبترجمة «عبّاد بن منصور» ـ من رجال الأربعه ـ : «قال ابن حبّان : قدری داعیه ...» (٤).

وقال الذهبي بترجمة أبي بكر الأزرق ـ بعد أن حكی طعن بعضهم عليه في اعتقاده ـ : «قلت : له أُسوه بخلقٍ كثير من الثقات الّذين حديثهم في الصحيحين أو أحدهما ، ممّن له بدعه خفيفه ، بل ثقيلة ، فكيف الحيلة؟! نسأل اللّٰه العفو والسماح» (٥).

قلت :

قد ذكر السيوطي أسماء جمعٍ منهم حيث قال : «فائده : أردت أنْ أسرد هنا من رمي ببدعةٍ ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما» ، ومن شاء الوقوف

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٦ : ١٢٦.

(٢) سير أعلام النبلاء ٩ : ٥١٤.

(٣) سير أعلام النبلاء ٩ : ٤٣٥.

(٤) سير أعلام النبلاء ٧ : ١٠٥.

(٥) سير أعلام النبلاء ١٣ : ٣٩٥.

١٠٠