تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

السيّد علي الحسيني الميلاني

تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات - ج ٣

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الحقائق الإسلاميّة
المطبعة: وفا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-2501-06-6
الصفحات: ٤٤٠

المورد ١٣ : في كلامٍ له مع عقيل ؛ روی ذلك : ابن عساكر (١).

أقول :

إنّ عدداً من أحاديث هذه الموارد صحيح بلا ريب ، ونحن نكتفي بواحدٍ منها ـ ومن شاء المزيد فليرجع إلی الأسانيد وإلی الرساله التی ألَّفتها في هذا الموضوع ـ :

قال أبو القاسم الطبراني : «حدّثنا محمود بن محمّد المروزی ، قال : حدّثنا حامد بن آدم ، قال : حدّثنا جرير ، عن لیث ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : لمّا آخی النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بين أصحابه ، بين المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخ بين عليّ بن أبي طالب وبين أحدٍ منهم ، خرج عليّ مغضباً ، حتّی أتی جدولاً من الأرض ، فتوسّد ذراعه ، فسف عليه الریح ، فطلبه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم حتّی وجده ، فوكزه برجله فقال له :

قم ، فما صلحت أنْ تكون إلّا أبا تراب ، أغضبت عليّ حين واخیت بين المهاجرين والأنصار ، ولم أُؤاخ بينك وبين أحدٍ منهم؟ أما ترضي أن تكون مني بمنزله هارون من موسی إلّا أنّه ليس بعدي نبيّ؟!

ألا مَن أحبّك حُفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته اللّٰه میته الجاهلية وحوسب بعمله في الإسلام» (٢) ..

* فأمّا «الطبراني» : فهو الحافظ الإمام الثقه الغني عن الترجمة.

* وأمّا «محمود بن محمّد المروزی» : فقد ترجم له الخطيب في تاريخه ،

__________________

(١) تاريخ مدينه دمشق ٤١ : ١٧ ـ ١٨.

(٢) المعجم الكبير ١١ : ٧٥ ح ١١٠٩٢.

٢٠١

وذكر أنّه قدم بغداد وحدّث بها ..

قال : «روی عنه : محمّد بن مخلد ، وعبد الصمد بن علی الطستی ، وأبو سهل بن زياد ، وإسماعيل بن علی الخطبی ، وأبو علی بن الصوّاف ، أحاديث مستقیمه».

ثمّ روی عن طريقه حديثاً ، وأرّخ وفاته بسنه سبع وتسعین (١).

* وأمّا «حامد بن آدم» : فقد أخرج عنه الحاكم في المستدرك (٢) ، وذكره ابن حبّان في الثقات (٣) ، وقال الذهبي : مشّاه ابن عدی (٤).

هذا ، ولم يذكروا في المقابل إلّا تكلُّم السعدی الجوزجاني فيه ، لكنّه لا يصلح لمعارضه التوثيق ؛ لأنّ ابن عدی تعقّبه بقوله : «وحامد بن آدم هذا يروی عن عبد اللَّه بن المبارك ، ومحمّد بن الفضل بن عطیه ، والفضل بن موسی ، والنضر بن محمّد ، والنضر بن شمیل ، وعامّه المراوزه ..

ولم أرَ في حديثه إذا روی عن ثقه شيئاً منكراً ، وإنّما يؤتی ذلك إذا حدَّث عن ضعيف» (٥) .. هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ السعدی الجوزجاني لا يعتمدون علی تجریحاته ، كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيره.

هذا ، ولم يذكر الرجل في شيء من كتب الضعفاء والمتروكین للنَسائی

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٩٤.

(٢) لسان الميزان ٢ : ١٦٣.

(٣) الثقات ٨ : ٢١٨.

(٤) المغني ١ : ٢٢٩.

(٥) الكامل في الضعفاء ـ لابن عدی ـ ٣ : ٤٠٩.

٢٠٢

والبخاري والدارقطني ، وأورده الذهبي في المغني (١) فلم يذكر إلّا قدح الجوزجاني ، وقد عرفت ما فيه.

والظاهر وقوع الخلط علی ابن حجر بينه وبين رجلٍ آخر ، فليتأمّل.

وعلی الجملة ، فهذا القدر يكفينا للاحتجاج علی ضوء القواعد المقرّره.

* وأمّا «جرير» و «ليث» و «مجاهد» : فأئمّة أعلام عندهم بلا خلاف بينهم.

وتلخّص :

أوّلاً : إنّ حديث المنزله صحيح سنداً ، بل هو من أشهر الأحاديث المتواتره عن رسول اللّٰه ، فالطعن في سنده تعصُّب.

وثانياً : إنّه ناظرٌ إلی الآيات الوارده في منازل هارون من موسی ، وهی :

«الأُخوّه» (٢) و «الوزاره» (٣) و «القرابه القریبه» (٤) و «الخلافه» (٥) و «شدّ الأزر» (٦).

وثالثاً : إنّ لفظه ظاهر في عموم المنزله ؛ لاشتماله علی «اسم الجنس المضاف» وعلی «الاستثناء» وهو معيار العموم ، كما نصّ عليه الأئمّة منهم في مختلف العلوم.

ورابعاً : إنّه وارد في موارد متعدّده ، كما في كتب القوم المشهوره ، وبعضها صحيح سنداً بلا إشكال ، استناداً إلی كتبهم في التراجم والرجال.

__________________

(١) المغني ١ : ٢٢٩.

(٢) سوره مريم ١٩ : ٥٣.

(٣) سوره طه ٢٠ : ٢٩ ، سوره الفرقان ٢٥ : ٣٥ ، سوره القصص ٢٨ : ٣٤.

(٤) سوره طه ٢٠ : ٢٩ و ٣٠.

(٥) سوره الأعراف ٧ : ١٤٢.

(٦) سوره طه ٢٠ : ٣١.

٢٠٣

وبذلك تفنّد جميع المكابرات ، في السند بدعوی ضعفه ـ كما عن الآمدی ـ أو في الدلاله ـ كما عن ابن تيميّة ـ بدعوی كونه مجرّد تشبيه بين عليّ وهارون ، أو أنّه وارد في خصوص تبوك ، وإذا كان مورده خاصّاً فلا يبقی له عموم!!

بل يدّعی بعضهم ـ زوراً وبهتاناً ـ اتّفاق العلماء علی أنّ النبيّ لم يتكلّم بحديث المنزله إلّا مرّهً واحدهً وذلك في غزوه تبوك!! وكأنّ الّذين نقلنا عنهم الموارد ليسوا من علمائهم بل هم من جهّالهم!!

فانظر كيف يسوقهم العناد مع الحقّ إلی الكذب وإلی سوء الأدب والافتراء علی أكابر علمائهم أيضاً!! والطعن في أعلام التابعين ومشاهير رواه الحديث!!

وعلی الجملة ، فعلماؤهم الكبار يروون الموارد التی ذكرها السيّد ـ والموارد الأُخری التی أضفناها إليها ـ في كتبهم المعروفه المشهوره ، وبأسانيد كثيره ، فإذا كانوا كاذبين علی اللّٰه ورسوله فما ذنبنا؟!

ولكنّ الذي يتّهم العلماء بذلك هو ابن تيميّة وأتباعه ، وقد انتقد هذه الطريقه منه علماء السُنّة الكبار حتّی من اشتهر منهم بالتعصّب كالذهبي ، وابن حجر العسقلاني ..

يقول ابن حجر ـ بترجمة ابن تيميّة ـ : «استشعر أنّه مجتهد ، فصار يردّ علی صغير العلماء وكبيرهم ، قدیمهم وحديثهم» ، قال : «كان إذا حوقق وأُلزم يقول : لم أرد هذا انّما أردت كذا. فيذكر احتمالاً بعیداً» ، قال : «وافترق الناس فيه شيعاً ، فمنهم من نسبه إلی التجسيم ومنهم من نسبه إلی الزندقه ، ومنهم من نسبه إلی النفاق» ، قال : «وجدته كثير التحامل إلی الغآيه في ردّ الأحاديث التی يوردها ابن المطهّر ، ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد ...وكم من مبالغه لتوهين كلام

٢٠٤

الرافضي أدّته أحياناً إلی تنقیص عليّ رضي اللّٰه عنه» (١).

هذا ، في حين أنّه يدافع عن معاوية ، فينكر أن يكون باغيا علی أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه قد أمر بسبّه علی المنابر ، ويزعم أنّ الحديث الذي دار بين معاوية وسعد بن أبي وقّاص المخرّج في صحيح مسلم وغيره ، لا يدلّ علی أنّه كان يامر بلعن الإمام عليه السلام؟!

وعلی الجملة ، فالخطاب في بحوثنا هذه موجّه إلی المسلمين المنصفین ، الّذين يریدون التحقيق في أمور الدين ، وليس الكلام مع المنافقین الحاقدين علی أمير المؤمنين وأهل بيت النبيّ الطاهرين.

قرائن داخلية :

بقی الكلام في قرائن في داخل ألفاظ حديث المنزله ، تقوّی دلالته علی الإمامه العامّه لعليّ بعد رسول اللّٰه ، ومنها :

١ ـ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ـ في بعض الألفاظ ـ لعليّ : «لا بُدّ من أن أُقيم أو تقيم».

وهذا في روآيه ابن سعد (٢) ، وقال الحافظ ابن حجر : «إسناده قوی» (٣).

٢ ـ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم له ـ في بعض الألفاظ ـ : «إنّ المدينه لا تصلح إلّا بی أو بك».

__________________

(١) راجع : الدرر الكامنه ١ : ١٥٣ ـ ١٥٦ ، ولسان الميزان ٦ : ٣١٩ ، كلاهما للحافظ ابن حجر العسقلاني.

(٢) الطبقات الكبری ٣ : ٢٤.

(٣) فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٧ : ٦٠.

٢٠٥

وهذا في روآيه جماعه من الأئمّة ، منهم الحاكم في كتاب التفسير من مستدركه ، وقال : «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» (١).

٣ ـ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم له ـ في بعض الألفاظ ـ : «لك من الأجر مثل ما لي ، وما لك من المغنم مثل ما لي».

وهذا في روآيه جماعه أيضاً ، منهم الحافظ محبّ الدين الطبري (٢).

٤ ـ قوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم له ـ في بعض الألفاظ ـ : «إنّه لا ينبغی أنّ أذهب إلّا وأنت خليفتی».

وهذا في روآيه جماعهٍ كبيره من الأئمّة ، كأحمد بن حنبل ، وأبي يعلی ، والحاكم ، وابن عساكر ، وابن كثير ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي ، والمتّقی الهندی ، وغيرهم (٣).

٥ ـ تمني عمر وسعد لأن تكون لهما هذه المنزله.

روی ذلك عن عمر : الحاكم النيسابوري ، وأبو بكر الشیرازی ، والزمخشری ، وابن النجّار ، ومحبّ الدين الطبري ، والسيوطي ، والمتّقی الهندی (٤).

أمّا ابن تيميّة فيقول : «هذا كذب»!!

وأمّا الأعور الواسطی فيقول : «إنّ عمر لو عقل ما تمني هذا التمني»!!

لكنّ سعد بن أبي وقّاص أيضاً تمني ذلك.

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين ٢ : ٣٣٧.

(٢) الرياض النضره في مناقب العشره المبشّره ٣ : ١١٩.

(٣) راجع : مسند أحمد ١ : ٣٠٥٢/٥٤٤ ، المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٣٣ ، الرياض النضره ٣ : ١٧٥ ، البدآيه والنهآيه ٧ : ٣٣٨ ، الإصابه ٤ : ٢٧٠ ، كنز العمّال ١١ : ٣٢٩٣١/٦٠٦.

(٤) راجع : الرياض النضره ٣ : ١١٨ ، كنز العمّال ١٣ : ٣٦٣٩٢/١٢٢ ، وغيرهما.

٢٠٦

ومن رواته : ابن جرير الطبري ، وعنه المتّقی الهندی (١).

٦ ـ وقد استدلَّت الصدّیقه الطاهرة فاطمة الزهراء بحديث المنزله ، في كلامٍ لها مع الناس (٢).

٧ ـ وقالت الهاشمیه أروی بنت الحارث بن عبد المطّلب في كلامٍ لها مع معاوية : «كنّا ـ أهل البيت ـ أعظم الناس في هذا الدين بلاءً ، حتّی قبض اللّٰه نبیّه مشكوراً سعيه ، مرفوعاً منزلته ، فوثبت علينا بعده تیم وعدی وأُميّه ، فابتزّونا حقّنا ، وليتُم علينا تحتجّون بقرابتكم من رسول اللّٰه ونحن أقرب إليه منكم وأولي بهذا الأمر ، وكنّا فیكم بمنزله بني إسرائيل في آل فرعون ، وكان عليّ بن أبي طالب بعد نبينا بمنزله هارون من موسی» (٣).

هذا تمام الكلام في حديث المنزله ، وكيفيه الاستدلال به علی إمامه أمير المؤمنين عليه السلام ودفع الشبهات عنه ..

هذا ، ولو لا تمامیه دلالته علی الإمامه العامّه لعليّ بعد رسول اللّٰه لَما اضطرّ بعضهم إلی أن يضع عنه : «أبو بكر وعمر مني بمنزله هارون من موسی» فإنّه ـ في الحقيقة ـ إقرار بالدلاله مع صحّه السند ، وردّ علی جميع المعترضين.

ثمّ إنّ السيّد رحمه اللّٰه تعرّض هنا لحديث المؤاخاه وحديث سدّ الأبواب ، بمناسبه اشتمال بعض ألفاظهما علی حديث المنزله ، فذكر جملهً من موارد تنصیص النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم علی الأُخوّه بينه وبين أمير المؤمنين ، كما في كتب السُنّة ، وألفاظاً من حديث سدّ الأبواب إلّا باب عليّ ، ونحن نوضّح الكلام

__________________

(١) كنز العمّال ١٣ : ٣٦٤٩٥/١٦٢.

(٢) أسني المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ـ للحافظ ابن الجزری الشافعي ـ : ٥٠ ـ ٥١.

(٣) العقد الفريد ٢ : ١١٩ ـ ١٢٠ ، تاريخ أبي الفداء ١ : ١٨٨ ، وغيرهما.

٢٠٧

في هذين الحديثين بنحو الإیجاز :

حديث المؤاخاه

ذكر السيّد رحمه اللّٰه أنّ المؤاخاه كانت مرّتین ، وأنّ النبيّ في كلتا المرّتین اصطفي لنفسه منهم عليّاً واتّخذه من دونهم أخاً ، ثمّ روی عن كنز العمّال أنّ المؤاخاه الأُولي أخرجها أحمد في كتاب مناقب عليّ ، وابن عساكر في تاريخه ، والبغوي والطبراني في معجميهما ، والباوردی في كتاب المعرفة ، وابن عدی ، وغيرهم ..

وروی عن كنز العمّال أيضاً أنّ الثانية رواها الطبراني في المعجم الكبير.

ثمّ أورد أحاديث أُخری عن النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم وصف فيها عليّاً بالأُخوّه ، عن مصادر كثيره من كتب القوم.

فقيل :

أمّا الأحاديث التی زعمها يوم المؤاخاه الأُولي ، فالجواب عليها من وجوه :

١ ـ إنّه لم ينقل لنا حديثاً واحداً منها ..

٢ ـ إنّ المؤاخاه الأُولي ـ والتی كانت بين المهاجرين بعضهم مع بعض من جهه ، وبين الأنصار بعضهم مع بعضٍ ـ لم تثبت في كتابٍ من كتب السُنّة الصحيحه ، ولم تخرج حديثاً واحداً فيها.

وإنّما جاء ذلك في كتب السير والمغازي ، من طريق محمّد بن إسحاق بن يسار.

وقد اختلف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به ، فوثّقه بعضهم ووهّاه

٢٠٨

آخرون ..

وبسبب ذلك ، فقد اختلف العلماء في صحّه المؤاخاه الأُولي ، قال ابن تيميّة رحمه اللّٰه : ...كلّ ما روی في ذلك باطل.

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه اللّٰه منكراً علی ابن تيميّة قوله هذا ، ومثبتاً صحّه المؤاخاه الأُولي بين المهاجرين بعضهم مع بعض : وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ علی ابن المطهّر الرافضي المؤاخاه بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاه النبيّ لعليّ ....

وهذا ردّ للنصّ بالقياس.

إنّ ابن حجر رحمه اللّٰه قسا علی ابن تيميّة ..

٣ ـ إنّ المؤاخاه بين النبيّ وعليّ بن أبي طالب متفرّعه عن أصل المؤاخاه بين المهاجرين ، فإذا عدم الأصل عدم الفرع.

أقول :

إنّ المؤاخاه كانت مرّتین ، مرّهً بمكه بين المهاجرين ، ومرّه بالمدينه بين المهاجرين والأنصار.

وهذا ما نصّ عليه الحفّاظ الكبار المعتمدين من أهل السُنّة ، كابن عبد البرّ ، ونقله عنه ابن حجر وأقرّه ، كما سيأتي.

وقد نقل السيّد خبر المؤاخاه الأُولي واتّخاذ النبيّ عليّاً أخاً له ، عن المتّقی الهندی في كنز العمّال ، عن أحمد في كتاب مناقب عليّ (١) ..

وعنه ، عن ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والبغوي والطبراني في معجمیهما ،

__________________

(١) انظر : كنز العمّال ١٣ : ١٠٥ رقم ٣٦٣٤٥.

٢٠٩

والباوردی في كتاب المعرفة ، وابن عدی ، وغيرهم.

ونقل خبر المؤاخاه الثانية واتّخاذه أخاً له كذلك ، عن المتّقی الهندی في كنز العمّال ومنتخب كنز العمّال ، عن الطبراني في المعجم الكبير (١) ..

ولا يخفي أنّ هؤلاء من أئمّة الحديث ومن كبار الحفّاظ.

هذا ، ولم نجد أحداً من علماء السُنّة ينكر المؤاخاه رأساً ، أو خصوص المؤاخاه بين النبيّ الأكرم والإمام عليهما السلام ...وإنّما وجدنا ابن تيميّة يقول :

«أمّا حديث المؤاخاه فباطل موضوع ، فإنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لم يؤاخ أحداً» (٢).

«إنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره ، بل كلّ ما روی في هذا فهو كذب» (٣).

«إنّ أحاديث المؤاخاه لعليّ كلّها موضوعه» (٤).

وممّا يشهد بتفرّد ابن تيميّة بهذا الرأي ، وشذوذه عن جمهور الحفّاظ ، نسبه العلماء الكبار كابن حجر وغيره الخلاف إليه وحده ، وردّهم عليه ، كما سيأتي.

فقول القائل : «فقد اختلف العلماء في صحّه المؤاخاه الأُولي ، قال ابن تيميّة» فيه :

أوّلاً : لا اختلاف بين العلماء ، لا في المؤاخاه الأُولي ، ولا في المؤاخاه الثانية.

__________________

(١) وقد ذكرنا نحن هذا الحديث بسنده ولفظه ، وأثبتنا صحّته سابقاً ؛ فراجع. وهو في كنز العمّال ١١ : ٦١٠ برقم ٣٢٩٥٥.

(٢) منهاج السُنّة ٤ : ٣٢.

(٣) منهاج السُنّة ٧ : ١١٧.

(٤) منهاج السُنّة ٧ : ٣٦١.

٢١٠

وثانياً : لا اختلاف بينهم في مؤاخاه النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بينه وبين الأمير عليه السلام في كلتا المرّتین.

وثالثاً : إنّ المنكر ليس إلّا ابن تيميّة.

ورابعاً : إنّ ابن تيميّة يدّعی أنّ جميع الأحاديث في هذا الباب كذب موضوع ، وهذا المتقوّل المعاصر يحصر روایتها بابن إسحاق ، ويدّعی اختلاف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به ، فبين كلامی التابع والمتبوع اختلاف من جهتین!!

وأمّا قول المتقوّل : «لم تثبت في كتابٍ من كتب السُنّة الصحيحه ، ولم تخرج حديثاً واحداً منها ، وإنّما جاء ذلك في كتب السير والمغازي ، من طريق محمّد بن إسحاق بن يسار ، وقد اختلف أهل الجرح والتعديل في الاحتجاج به ...» ففيه :

أوّلاً : وجود خبر المؤاخاه بين الرسول الأعظم والإمام عليه السلام في كتب السير والمغازي يكفي للاحتجاج ..

علی أنّ أحداً لا يقول ـ وليس له أنْ يقول ـ بانحصار الأحاديث الصحيحه بكتب السُنّة ، حتّی الكتابين المشهورین بالصحيحين منها ، فقد ثبت في محلّه أنّ في غير الكتب المشهوره بالصحاح أحاديث صحيحه كثيره ، وأنّه ليس كلّ ما في ما يسمّی بالصحاح بصحيح.

وثانياً : إنّ الأحاديث في هذه المؤاخاه كثيره عندهم بشهاده العلماء الثقات بينهم ؛ قال الزرقاني المالكی : «وجاءت أحاديث كثيره في مؤاخاه النبيّ لعليّ ؛ وقد روی الترمذي وحسّنه ، والحاكم وصحّحه ، عن ابن عمر ، أنّه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم قال لعليّ : أما ترضي أنْ أكون أخاك؟!

قال : بلی.

٢١١

قال : أنت أخی في الدنيا والآخره» (١).

قلت :

وهذا لفظ الحديث عندهما :

«آخی رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم بين أصحابه ، فجاء عليّ تدمع عیناه فقال : يا رسول اللّٰه! آخیت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد.

فقال له رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : أنت أخی في الدنيا والآخره» (٢).

وأخرجه الحاكم مرّهً أخری بعد بزياده : «آخی بين أبي بكر وعمر ، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان بن عفّان وعبد الرحمن بن عوف».

وهو موجود في غيرهما من كتب الحديث.

إذن ، فالحديث موجود في كتب السُنّة ، وبسندٍ معتبر ، وهو أكثر من حديث واحد ، فمن الكاذب؟!

وثالثاً : قد قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : «قال ابن عبد البرّ : كانت المؤاخاه مرّتین ، مرّهً بين المهاجرين خاصّه وذلك بمكه ، ومرّهً بين المهاجرين والأنصار» ثمّ ذكر أخبار المؤاخاه عن جماعهٍ من الأئمّة ، إلی أنْ قال :

«وأنكر ابن تيميّة في كتاب الردّ علی ابن المطهّر الرافضي في المؤاخاه بين المهاجرين وخصوصاً مؤاخاه النبيّ لعليّ ؛ قال : لأنّ المؤاخاه شرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً ، ولتأليف قلوب بعضهم علی بعض ، فلا معني لمؤاخاه النبيّ لأحدٍ

__________________

(١) شرح المواهب اللدنّيه ١ : ٣٧٣.

(٢) الجامع الكبير ٦ : ٣٧٢٠/٨٤ ، المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٤.

٢١٢

منهم ، ولا لمؤاخاه مهاجری لمهاجری.

وهذا ردٌّ للنصّ بالقياس ...» (١).

وتبعه غيره في ذلك وفي الردّ علی ابن تيميّة ، كالزرقاني المالكی (٢).

فظهر : إنّ أصل المؤاخاه ثابت ، وإنّها كانت مرّتین ، وإنّ النبيّ صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم اتّخذ في كلّ مرّهٍ عليّاً فقط أخاً له ، وإنّ إنكار ابن تيميّة مردود حتّی من قبل علمائهم ، وإنّه لا منكر للقضیه غيره وإلّا لذكروه.

هذا ، ويؤيّد ذلك الأحاديث الكثيره الوارد فيها أُخوّه أمير المؤمنين لرسول اللّٰه عليهما السلام ، وبعضها بسندٍ صحيح قطعاً ، خاصّه ما أخرجه الحاكم وصحّحه ، ووافقه الذهبي علی ذلك ، كقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لأُمّ أيمن : «يا أُمّ أيمن! ادعی لي أخی.

فقالت : هو أخوك وتنكحه؟!

قال : نعم يا أُمّ أيمن» (٣) ..

وقوله صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لعليّ : «وأمّا أنت ـ يا عليّ! ـ فأخی وأبو ولدی ومني وإلیَّ» (٤).

ومن الأحاديث الصحيحه في المشابهه بين عليّ وهارون عليهما السلام حديث تسمیه أولاده عليهم السلام باسم أولاد هارون ..

أخرجه الحاكم ـ وصحّحه ـ بإسناده عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن

__________________

(١) فتح الباری بشرح صحيح البخاري ٧ : ٢١٦ و ٢١٧.

(٢) شرح المواهب اللدنّیه ١ : ٣٧٣.

(٣) المستدرك علی الصحيحين وتلخيصه ٣ : ١٥٩.

(٤) المستدرك علی الصحيحين وتلخيصه ٣ : ٢١٧.

٢١٣

هانئ بن هانئ ، عن عليّ بن أبي طالب .. ووافقه الذهبي في تلخيصه ؛ إذ قال : صحيح ، رواه إسرائيل عن جدّه (١).

وأخرجه الحاكم ثانیهً بسنده عن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن هانئ ابن هانئ ، عن عليّ ...قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .. ووافقه الذهبي وقال ـ مشیراً إلی الحديث السابق ـ : «مرّ عن حديث إسرائيل» (٢).

هذا ، ولا حاجه إلی تصحيح غير ما ذكر من الأحاديث ؛ لكفآيه هذه لمن أراد الحقّ والهدآيه ، ولو كان ثمّه ضعف في ما لم نذكره ، فهو يقوی بما تقدّم ، وتلك هی قاعدتهم العامّه في الأبواب المختلفه.

وبما ذكرنا يظهر ما في بعض الكلمات من المكابرات.

هذا تمام الكلام في سند حديث المؤاخاه ولفظه.

وأمّا دلالته علی أفضليه عليّ عليه السلام من غيره ، فلا يكابر فيها عاقلٌ ؛ ولذا تذكر هذه القضية في أبواب مناقب أمير المؤمنين في كتب الحديث ، مثل كنز العمّال وغيره ، ولو لا ذلك لَما بذل ابن تيميّة جهده في ردّ أصل المؤاخاه وتكذيب خبرها!!

__________________

(١) المستدرك علی الصحيحين وتلخيصه ٣ : ١٦٥.

(٢) المستدرك علی الصحيحين وتلخيصه ٣ : ١٦٨.

٢١٤

حديث سدّ الأبواب (١)

وهذا الحديث أيضاً من أشهر الأحاديث الثابته الدالّه علی أفضليه أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته وخلافته العامّه ..

ذكر جماعه من مخرّجيه :

أخرجه من أئمّة أهل السُنّة وأصحاب الصحاح عندهم وكبار حفّاظهم :

١ ـ أحمد بن حنبل في مسنده (٢).

٢ ـ الترمذي في صحيحه (٣).

٣ ـ النسائي في الخصائص (٤).

٤ ـ الحاكم في المستدرك (٥).

وقد أخرجه السيّد عنهم وعن جمع من الأئمّة غيرهم.

صحّه كثير من طرقه :

ثمّ إنّ كثيراً من طرق حديث «سدّ الأبواب إلّا باب عليّ» صحيح ..

__________________

(١) هذا البحث ملخّص ممّا كتبناه في سالف الزمان في شأن هذا الحديث ، ضمن رسالتنا : «الأحاديث المقلوبه في فضائل الصحابه» المنشوره مع رسائل أُخر في كتابٍ بعنوان : الرسائل العشر في الأحاديث الموضوعه في كتب السُنّة ، صدر في قم سنه ١٤١٨.

(٢) مسند أحمد ١ : ٢٨٥ وص ٥٤٥ ، ٢ : ١٠٤ ، ٥ : ٤٩٦.

(٣) الجامع الصحيح ٦ : ٣٧٣٢/٩١ ، باب مناقبه عليه السلام.

(٤) خصائص أمير المؤمنين : ٣٨/٧٢.

(٥) المستدرك علی الصحيحين ٣ : ١٢٥.

٢١٥

فمنها : حديث المناقب العشر ، الصحيح قطعاً.

ومنها : ما أخرجه الحاكم وصحّحه.

ومنها : ما أخرجه الهيثمي ضمن عنوان : «باب فتح بابه الذي في المسجد» و : «باب ما يحلّ له في المسجد» و : «باب جامع في مناقبه رضي اللّٰه عنه» (١) ؛ فقد صحّح عدّهً من أحاديث القضية.

هذا ، وستأتی نصوص غير واحدٍ من الحفّاظ المحقّقين منهم في صحّه خبر أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم سدّ بأمر من اللّٰه الأبواب الشارعه إلی مسجده ، وأبقی باب عليّ مفتوحاً بأمر من اللّٰه كذلك ، بل صرّح صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في جواب من اعترض : «ما أنا سددت أبوابكم ولكن اللّٰه سدّها» ، وقال : «والله ما أدخلته وأخرجتكم ولكنّ اللّٰه أدخله وأخرجكم» ، قال الهيثمي : «رواه البزّار ، ورجاله ثقات».

وممّا يدل علی ثبوت القضية ودلالتها علی الأفضليه : تمني غير واحدٍ من الأصحاب ذلك :

* كقول عمر بن الخطّاب : «لقد أُعطی عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال ، لأنْ يكون لي خصله منها أحبّ إلیّ من أنْ أُعطی حمر النعم.

قيل : وما هی يا أمير المؤمنين؟!

قال : تزويجه فاطمة بنت رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ، وسكناه المسجد مع رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم لا يحلّ فيه ما يحلّ له ، والرآيه يوم خيبر.

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١١٤ و ١٢٠.

٢١٦

(قال الهيثمي :) رواه أبو يعلی في الكبير ، وفيه : عبد اللَّه بن جعفر بن نجيح ، وهو متروك».

قلت :

كيف يكون متروكاً وهو من رجال الترمذي وابن ماجه ، وهما من الصحاح الستّه عندهم؟!

* وكقول عبد اللَّه بن عمر : «ولقد أُوتی ابن أبي طالب ثلاث خصالٍ لأنْ يكون لي واحده منهنّ أحبّ إلیّ من حمر النعم : زوّجه رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم ابنته وولدت له ، وسدّ الأبواب إلّا بابه في المسجد ، وأعطاه الرآيه يوم خیبر».

(قال الهيثمي :) رواه أحمد وأبو يعلی ، ورجالهما رجال الصحيح».

بطلان القول بوضعه

ومن هنا يظهر أنّ القول بكونه حديثاً موضوعاً من قبل الشيعه كذبٌ وبهتان :

قال ابن الجوزي ـ بعد أنْ رواه ببعض طرقه ـ : «فهذه الأحاديث كلّها من وضع الرافضه ، قابلوا بها الحديث المتّفق علی صحّته في : سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر» (١).

وقال ابن تيميّة : «هذا ممّا وضعته الشيعه علی طريق المقابله» (٢).

وقال ابن كثير الشامی : «ومن روی : إلّا باب عليّ ـ كما في بعض السُنن ـ

__________________

(١) كتاب الموضوعات ١ : ٣٦٦.

(٢) منهاج السُنّة ٥ : ٣٥.

٢١٧

فهو خطأ ، والصواب ما ثبت في الصحيح» (١).

فابن كثير يقول : «هو خطأ».

لكنّ ابن الجوزي وابن تيميّة يقولان : «موضوع» ، ويضیفان : أنّ الشيعه وضعوه علی «طريق المقابله» لحديث : «سدّوا الأبواب إلّا باب أبي بكر» ؛ لكنّ الحديث في أبي بكر ليس : «باب أبي بكر» ، وإنّما : «خوخه أبي بكر» ..

وإذا درسنا حديث : «خوخه أبي بكر» في كتأبي البخاري ومسلم ـ وهما أصحّ الكتب عندهم ـ عرفنا أنّ هذا هو الموضوع علی «طريق المقابله» لحديث :

«سدّوا الأبواب إلّا باب عليّ» المنصوص علی صحّته من قبل الجمع الكثير من أئمّتهم ..

حديث الخوخه في كتأبي البخاري ومسلم

أخرجه البخاري في أكثر من باب :

ففي «باب الخوخه والممرّ في المسجد» ؛ قال : «حدّثنا عبد اللَّه بن محمّد الجعفي ، قال : حدّثنا وهب بن جرير ، قال : حدّثنا أبي ، قال : سمعت يعلی بن حكیم ، عن عكرمه ، عن ابن عبّاس ، قال : خرج رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقهٍ فقعد علی المنبر ، فحمد اللّٰه وأثني عليه ثمّ قال : إنّه ليس من الناس أحد أمنّ عليّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافه ؛ ولو كنت متّخذاً من الناس خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلّه الإسلام أفضل ؛ سدّوا عني كلّ خوخه في هذا المسجد غير خوخه أبي بكر».

وفي «باب هجره النبيّ وأصحابه إلی المدينه» ؛ قال : «حدّثنا إسماعيل بن

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٢ : ٣١١.

٢١٨

عبد اللَّه ، قال : حدّثني مالك ، عن أبي النضر مولي عمر بن عبيد اللّٰه ، عن عبيد ـ يعني ابن حنین ـ ، عن أبي سعيد الخدري رضي اللّٰه عنه : أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم جلس علی المنبر فقال : إنّ عبداً خيره اللّٰه بين أن يؤتیه من زهره الدنيا ما شاء وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ..

فبكی أبو بكر ، وقال : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا. فعجبنا له ، وقال الناس : انظروا إلی هذا الشيخ ، يخبر رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم عن عبدٍ خيره اللّٰه بين أن يؤتیه من زهره الدنيا وبين ما عنده ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا. فكان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به.

وقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّ من أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متّخذاً خليلاً من أُمّتی لاتّخذت أبا بكر إلّا خُلّه الإسلام ، لا يبقینّ في المسجد خوخه إلّا خوخه أبي بكر».

وأخرجه مسلم في «باب فضائل الصحابه» ؛ فقال : «حدّثني عبد اللَّه بن جعفر بن يحيی بن خالد ، حدّثنا معن ، حدّثنا مالك ، عن أبي النضر ، عن عبيد بن حنین ، عن أبي سعيد : أنّ رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم جلس علی المنبر فقال : عبد خيره اللّٰه بين أن يؤتیه زهره الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ..

فبكی أبو بكر ، وبكی فقال : فديناك بآبائنا وأُمّهاتنا.

قال : فكان رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به.

وقال رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم : إنّ أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخوّه الإسلام ؛ لا يبقیّن في المسجد خوخه إلّا خوخه أبي بكر.

٢١٩

حدّثنا سعيد بن منصور ، حدّثنا فلیح بن سليمان ، عن سالم أبي النضر ، عن عبيد بن حنین وبسر بن سعيد ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : خطب رسول اللّٰه صلّی اللّٰه عليه وآله وسلّم الناس يوماً بمثل حديث مالك».

نظرات في سند حديث الخوخه في الصحيحين

لقد أخرج البخاري حديث الخوخه عن ابن عبّاس ، وهذه نظرات في سنده علی أساس كلمات أئمّة الجرح والتعديل المعتمدين عند القوم :

* أوّلاً : في «وهب بن وهب» كلامٌ (١) ..

وفي «جرير بن حازم» قال البخاري نفسه : «ربّما يهم» ..

وقال ابن معين : «هو في قتاده ضعيف» ..

وأورده الذهبي في الضعفاء وقال : «تغير قبل موته فحجبه ابن وهب» (٢).

* وثانياً : إنّ راويه عن ابن عبّاس هو : مولاه «عكرمه البربری» ؛ وقد كان يكذب علی ابن عبّاس بشهاده ولده .. وتكلّم الناس فيه حتّی مسلم بن الحجّاج ..

وكذّبه صریحاً : مالك بن أنس ، وابن سيرين ، ويحيی بن معين ، وجماعه سواهم ..

وتكلّموا أيضاً فيه لأنّه كان يری رأي الخوارج.

فالحديث عن ابن عبّاس ، وعكرمه كان يكذب عليه ..

والناس تكلّموا فيه من جهه انحرافه في العقيده عن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فلا يعتمد عليه في مثل هذه الأُمور ..

وأيضاً : شهدوا بأنّه كان كذّاباً.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ : ١٤٢.

(٢) المغني في الضعفاء ١ : ٢٠٣ ، ميزان الاعتدال ١ : ٣٩٢.

٢٢٠