تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

(ضَرًّا) دفع الضرر (وَلا نَفْعاً) جر النفع إلى أنفسهم ولا إلى غيرهم (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً) لا يقدرون أن ينقصوا من الحياة (وَلا حَياةً) ولا أن يزيدوا فى الحياة ، ويقال : ولا يملكون موتا ، أى لا يقدرون أن يخلقوا نطفة ، ولا حياة ، ولا أن يجعلوا فيها الروح (وَلا نُشُوراً (٣)) بعثا بعد الموت.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (إِنْ هَذا) ما هذا القرآن (إِلَّا إِفْكٌ) كذب (افْتَراهُ) اختلقه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تلقاء نفسه (وَأَعانَهُ عَلَيْهِ) أى على اختلاقه (قَوْمٌ آخَرُونَ) جبر ويسار (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً) شركا (وَزُوراً (٤)) كذبا (وَقالُوا) يعنى النضر وأصحابه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) هذا القرآن أحاديث الأولين فى دهرهم وكذبهم (اكْتَتَبَها) استقرأها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبر ويسار (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ) تقرأ على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٥)) غدوة وعشيا (قُلْ) لهم يا محمد (أَنْزَلَهُ) أى أنزل جبريل بالقرآن (الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ غَفُوراً) لمن تاب منهم (رَحِيماً (٦)) لمن مات على التوبة (وَقالُوا) أبو جهل وأصحابه والنضر وأصحابه وأمية بن خلف وأصحابه (ما لِهذَا الرَّسُولِ) ما هذا الرسول (يَأْكُلُ الطَّعامَ) كما نأكل (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) يتردد ويمشى فى الطريق كما نتردد ونمشى (لَوْ لا) هلا (أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (٧)) أى معينا يخبره بما يراد به من سوء.

(أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) أو ينزل عليه مال فيستعين به (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) بستان (يَأْكُلُ مِنْها) فيشبع (وَقالَ الظَّالِمُونَ) المشركون أبو جهل والنضر وأمية وأصحابهم (إِنْ تَتَّبِعُونَ) محمد لا تتبعون (إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً (٨)) أى مغلوب العقل مجنونا (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) كيف بينوا وسموا لك الأسماء ساحر وكاهن وكذاب وشاعر ومجنون ، ويقال : انظر كيف شبهوك بالمسحور (فَضَلُّوا) فضلت حيلهم فأخطأوا (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٩)) مخرجا مما قالوا فيك ولا حجة على ما قالوا لك (تَبارَكَ) يقول تعالى (الَّذِي إِنْ شاءَ) قد شاء (جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) مما قالوا (جَنَّاتٍ) بساتين فى الآخرة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (١٠)) وقد جعل لك قصورا فى الجنة من الذهب والفضة خيرا لك مما قالوا لو كان ذلك فى الدنيا ، ويقال : إن شاء الله يجعل لك فى الدنيا ما قالوا من القصور والبساتين.

٨١

(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠))

(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ) ولكن كذبوا بقيام الساعة (وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ) أى بقيام الساعة (سَعِيراً (١١)) نارا وقودا (إِذا رَأَتْهُمْ) النار (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) من مسيرة خمسمائة عام (سَمِعُوا لَها) للنار (تَغَيُّظاً) كتغيظ بنى آدم (وَزَفِيراً (١٢)) صوتا كصوت الحمار (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها) أى فى النار (مَكاناً ضَيِّقاً) كضيق الزج فى الرمح (مُقَرَّنِينَ) مسلسلين مع الشياطين (دَعَوْا هُنالِكَ) عند ذلك الضيق (ثُبُوراً (١٣)) ويلا يقولون : واويلاه واثبوراه ، يقول الله لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) ويلا واحدا (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)) بما أصابكم (قُلْ) يا محمد لأهل مكة أى لأبى جهل وأصحابه (١)(أَذلِكَ) الذى ذكرت من الويل والثبور والسعير (خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) لمحمد وأصحابه (الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الكفر والشرك والفواحش (كانَتْ) صارت (لَهُمْ) جنة الخلد (جَزاءً وَمَصِيراً (١٥)) فى الآخرة (لَهُمْ فِيها) فى الجنة (ما يَشاؤُنَ) ما يتمنون ويشتهون (خالِدِينَ) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون (كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦)) سألوه فأعطاهم.

(وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (يَحْشُرُهُمْ) يعنى عبدة الأوثان (وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (فَيَقُولُ) الله للأصنام ، ويقال : للملائكة (أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (٢ / ٧١) ، وتفسير الطبرى (١٨ / ١٤٠) ، وزاد المسير (٦ / ٧٥).

٨٢

عِبادِي هؤُلاءِ) عن طاعتى وأمرتموهم بعبادتكم (أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧)) تركوا الطريق وعبدوكم بهوى أنفسهم (قالُوا) يعنى الأصنام (سُبْحانَكَ) نزهوه (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) يستحق لنا (أَنْ نَتَّخِذَ) نعبد (مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) أربابا ، ويقال : (قالُوا) يعنى الملائكة : (سُبْحانَكَ) نزهوه (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا) لا يجوز (لَنا أَنْ نَتَّخِذَ) نعبد (مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) أربابا فكيف جاز لنا أن نأمرهم بأن يعبدونا (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ) أجلتهم فى الكفر (وَآباءَهُمْ) قبلهم (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) حتى تركوا التوحيد وطاعتك (وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨)) هلكى فاسدة القلوب فيقول الله لعبدة الأصنام (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ) يعنى الكفار (صَرْفاً) صرف الملائكة ، ويقال : صرف الأصنام عن شهادتهم عليهم أو صرف العذاب عن أنفسهم (وَلا نَصْراً) منعا (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) يكفر منكم يا معشر المؤمنين ، ويقال : من يستقم منكم على الكفر يا معشر الكفار (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩)) فى النار (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ) يا محمد (مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) كما تأكل (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) كما تمشى (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) أى بلية ابتلينا العربى بالمولى والشريف بالوضيع والغنى بالفقير ، يقول الله لأبى جهل وأصحابه (أَتَصْبِرُونَ) مع النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلمان وأصحابه حتى تكونوا معهم فى الدين والأمر سواء شرعا تجلسون معهم (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)) بأنهم لا يصبرون على ذلك ، ويقال : أتصبرون يا معشر أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أذاهم حتى أوفيكم ثواب الصابرين وكان ربك بصيرا بمن يؤمن وبمن لا يؤمن منهم.

(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩) وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠))

٨٣

(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) البعث بعد الموت يعنى أبا جهل وأصحابه (لَوْ لا أُنْزِلَ) هلا أنزل (عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فيخبرون بأن الله أرسلك إلينا (أَوْ نَرى رَبَّنا) فنسأله عنك (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) عن الإيمان حيث سألوا رؤية الرب (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١)) أبوا عن الإيمان إباء كبيرا ، ويقال : اجترؤوا اجتراء كبيرا حيث سألوا نزول الملائكة عليهم (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) عند الموت (لا بُشْرى) تقول لهم الملائكة لا بشرى (يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) للمشركين بالجنة (وَيَقُولُونَ) يعنى الملائكة (حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢)) حراما محرما البشرى بالجنة على الكافرين ، ويقال : (وَيَقُولُونَ) يعنى الكفار عند رؤية الملائكة (حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢)) بعدا بعيدا بيننا وبينكم (وَقَدِمْنا) عمدنا (إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) خير فى الدنيا (فَجَعَلْناهُ) فى الآخرة (هَباءً مَنْثُوراً (٢٣)) كتراب يسطع من حوافر الدواب ، ويقال : كشىء يجول فى ضوء الشمس إذا دخلت فى كوة يرى ولا يستطاع أن يمس (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (يَوْمَئِذٍ) وهو يوم القيامة (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) منزلا (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤)) مبيتا من منزل أبى جهل وأصحابه ومبيتهم (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ) عن الغمام لنزول الرب بلا كيف (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً (٢٥)) الأول فالأول (الْمُلْكُ) القضاء (يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) العدل (لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً (٢٦)) شديدا عسره وشدد ذلك اليوم على الكافرين (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ) الكافر عقبة بن أبى معيط (عَلى يَدَيْهِ) على أنامله (يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (٢٧)) استقمت على دين محمد (١) (يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (٢٨)) مصافيا فى الدنيا أبى بن خلف الجمحى (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) عن التوحيد والطاعة (بَعْدَ إِذْ جاءَنِي) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوحيد (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً (٢٩)) خاذلا يخذله عند ما يحتاج إليه (وَقالَ الرَّسُولُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (٣٠)) مسبوبا متروكا لم يقروا به ولم يعملوا بما فيه.

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣١) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٦) ، لباب النقول (١٦٣) ، وزاد المسير (٦ / ٨٥) ، والقرطبى (١٣ / ٢٥).

٨٤

تَرْتِيلاً (٣٢) وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥) فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩) وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠))

(وَكَذلِكَ) كما جعلنا أبا جهل عدوا لك (جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍ) قبلك (عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) من مشركى قومه (وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً) حافظا (وَنَصِيراً (٣١)) مانعا مما يراد بك (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أبو جهل وأصحابه (لَوْ لا) هلا (نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود (كَذلِكَ) أنزلنا إليك جبريل متفرقا (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) لنطيب به نفسك ونحفظ به قلبك (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢)) بيناه تبيانا بالأمر والنهى ، ويقال : أنزلنا جبريل به متفرقا آية بعد آية (وَلا يَأْتُونَكَ) يا محمد (بِمَثَلٍ) بصفة وحجة وبيان (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) بصفة وبيان وحجة فيها نقص حجتهم (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣)) تبيانا وحجة حجتهم (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ) يجرون (عَلى وُجُوهِهِمْ) يوم القيامة (إِلى جَهَنَّمَ) يعنى أبا جهل وأصحابه (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً) منزلا فى الآخرة وعملا فى الدنيا (وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤)) عن الحق والهدى.

(وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥)) معينا (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) التسع يعنى فرعون وقومه القبط فلم يؤمنوا (فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦)) أهلكناهم إهلاكا بالغرق بعضهم على آثر بعض (وَقَوْمَ نُوحٍ) أيضا أهلكناهم (لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) يعنى نوحا وجملة الرسل (أَغْرَقْناهُمْ) بالطوفان (وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) عبرة لكيلا يقتدوا بهم (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) للمشركين مشركى مكة (عَذاباً أَلِيماً (٣٧)) وجيعا فى النار (وَعاداً) أهلكنا قوم هود (وَثَمُودَ) قوم صالح (وَأَصْحابَ الرَّسِ) قوم شعيب (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨)) لم نسمهم أهلكناهم (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) بينا لكك قرن عذاب القرون الذين قبلهم فلم يؤمنوا (وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩))

٨٥

أهلكناهم إهلاكا بعضهم على أثر بعض (وَلَقَدْ أَتَوْا) مضوا كفار مكة (عَلَى الْقَرْيَةِ) قريات لوط (الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) يعنى الحجارة (أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها) ما فعل بها وبأهلها فلا يكذبونك بما تقول لهم (بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠)) لا يخافون البعث بعد الموت.

(وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١) إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥) ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠))

(وَإِذا رَأَوْكَ) الذين كفروا كفار مكة (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) ما يقولون لك إلا استهزاء وسخرية يقولون (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١)) إلينا (إِنْ كادَ) قد كاد (لَيُضِلُّنا) ليصرفنا (عَنْ آلِهَتِنا) عن عبادة آلهتنا (لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) ثبتنا على عبادتها (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) وهذا وعيد من الله لهم (حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢)) دينا أو حجة (أَرَأَيْتَ) يا محمد (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) من عبد إلهه بهوى نفسه ، يعنى النضر وأصحابه (أَفَأَنْتَ) يا محمد (تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣)) كفيلا بالعذاب (أَمْ تَحْسَبُ) يا محمد (أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) الحق (أَوْ يَعْقِلُونَ) الحق إذا استمعوا إلى كلامك (إِنْ هُمْ) ما هم بفهم الحق (إِلَّا كَالْأَنْعامِ) كالبهائم لا تعقل إلا الأكل والشرب فهم كذلك فى استماع الحق (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤)) عن الحجة والدين لأنه ليس على البهائم السبيل والحجة (١) (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ) يقول : ألم تنظر إلى صنع ربك (كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) كيف بسط الظل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس من المشرق إلى المغرب (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) دائما ، يعنى الظل لا شمس معه (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٣ / ٣٦) ، والطبرى (١٩ / ١١).

٨٦

على الظل (دَلِيلاً (٤٥)) حيثما تكون الشمس يكون الظل قبل ذلك ، ويقال : دليلا تتلوه (ثُمَّ قَبَضْناهُ) يعنى الظل (إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦)) هينا ، ويقال : خفيا (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) ملبسا يلبس كل شىء فيه (وَالنَّوْمَ سُباتاً) استراحة لأبدانكم (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)) مطلبا لمعايشكم (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً) طيبا (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قدام المطر (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨)) يطهّر ولا يطهّر (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) مكانا لا نبات فيه (وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً) بهائم (وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩)) خلقنا كثيرا من الناس (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ) يعنى المطر قسمناه منهم عاما عامصا بعد عام (لِيَذَّكَّرُوا) لكى يتعظوا بذلك (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً (٥٠)) لم يقبلوا واستقاموا على الكفر بالله وبنعمته.

(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢) وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠))

(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) إلى كل قرية (نَذِيراً (٥١)) رسولا مخوفا ولكن جعلناك كافة للناس رسولا لكى يكون الثواب والكرامة لك (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) أبا جهل وأصحابه بما يأمرونك (وَجاهِدْهُمْ بِهِ) بالقرآن (جِهاداً كَبِيراً (٥٢)) بالسيف (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أرسل البحرين (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) حلو طيب (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) مر مالح زعاق (وَجَعَلَ بَيْنَهُما) بين المالح والطيب (بَرْزَخاً) حاجزا (وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣)) حراما محرما من أن يغير أحدهما طعم صاحبه (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ) من ماء الذكر والأنثى (بَشَراً) خلقا كثيرا (فَجَعَلَهُ نَسَباً) ما لا يحل من القرابة (وَصِهْراً) ما لا يحل التزويج من القرابة وغيرها

٨٧

(وَكانَ رَبُّكَ) بما خلق من الحلال والحرام (قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ) كفار مكة (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ) فى الدنيا والآخرة عبادته وطاعته (وَلا يَضُرُّهُمْ) فى الدنيا والآخرة معصيته وترك عبادته (وَكانَ الْكافِرُ) أبو جهل (عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥)) خارجا ، ويقال : عونا للكافرين على ربه بالكفر (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد لأهل مكة (إِلَّا مُبَشِّراً) بالجنة (وَنَذِيراً (٥٦)) من النار.

(قُلْ) يا محمد لأهل مكة (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد والقرآن (مِنْ أَجْرٍ) من جعل ولا رزق (إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)) طريقا بالإيمان ، ويقال : من شاء أن يوحد ويتخذ بذلك التوحيد (إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧)) مرجعا فيجد ثوابه (وَتَوَكَّلْ) يا محمد (عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) ولا تتوكل على الأحياء الذين يموتون مثل أبى طالب وخديجة ، ولا على الأموات الذين لا حركة لهم (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) صل بأمره (وَكَفى بِهِ) بالله (بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨)) عالما (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيام أول الدنيا طول كل يوم ألف سنة مما تعدون ، أول يوم منها يوم الأحد وآخر يوم منها يوم الجمعة (ثُمَّ اسْتَوى) استقر (عَلَى الْعَرْشِ) ويقال : امتلأ به العرش (الرَّحْمنُ) مقدم ومؤخر ، يقول : استوى الرحمن على العرش (فَسْئَلْ بِهِ) بذلك (خَبِيراً (٥٩)) بالله عالما ، ويقال : فاسأل عن الله أهل العلم يخبرونك (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) لكفار مكة (اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) اخضعوا للرحمن بالتوحيد (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) الكذاب (وَزادَهُمْ) ذكر الرحمن ، ويقال : القرآن ، ويقال : دعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (نُفُوراً (٦٠)) تباعدا عن الإيمان.

(تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٠))

٨٨

(تَبارَكَ) ذو بركة (الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) نجوما ، ويقال : قصورا (وَجَعَلَ فِيها) فى السماء (سِراجاً) شمسا مضيئا لبنى آدم بالنهار (وَقَمَراً مُنِيراً (٦١)) مضيئا لبنى آدم بالليل (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً) مختلفة بعضها لبعض (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) أن يتعظ باختلافهما (أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢)) عملا صالحا ما ترك بالليل يعمل بالنهار ، وما ترك بالنهار يعمل بالليل (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) خواص الرحمن (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) تواضعا من مخافة الله (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ) وإذا كلمهم الكفار والفساق (قالُوا سَلاماً (٦٣)) ردوا معروفا ، وقالوا سدادا من القول (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ) بالصلاة (سُجَّداً وَقِياماً (٦٤)) فى صلاة الليل (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا) يا ربنا (اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥)) لا زما مولعا ملحا (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا) منزلا (وَمُقاماً (٦٦)) مثوى ، ثم ذكر نفقاتهم ، فقال : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا) لم ينفقوا فى المعصية (وَلَمْ يَقْتُرُوا) ولم يمنعوا من الحق (وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ) بين الإسراف والتقتير (قَواماً (٦٧)) وسطا عدلا (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ) لا يعبدون مع الله (إِلهاً آخَرَ) من الأصنام (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) قتلها ولا يستحلون قتلها (إِلَّا بِالْحَقِ) بالرجم والقصاص والارتداد (وَلا يَزْنُونَ) ولا يستحلون الزنا (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) استحلالا (يَلْقَ أَثاماً (٦٨)) واديا فى النار ، ويقال : جبا (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ) فى العذاب (مُهاناً (٦٩)) يهان به ذليلا (إِلَّا مَنْ تابَ) من الكفر (وَآمَنَ) بالله (وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) خالصا بعد الإيمان (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) يحولهم الله من الكفر إلى الإيمان ، ومن المعصية إلى الطاعة ، ومن عبادة الأصنام إلى عبادته ، ومن الشر إلى الخير (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب (رَحِيماً (٧٠)) لمن مات على التوبة.

(وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))

٨٩

(وَمَنْ تابَ) من الذنوب (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً (٧١)) مناصحة ، ويقال : يجد ثوابها عند الله (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) لا يحضرون مجالس الزور (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ) بمجالس الباطل (مَرُّوا كِراماً (٧٢)) أعرضوا حلما (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا) وعظوا (بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها) على آيات الله (صُمًّا) لا يسمعون (وَعُمْياناً (٧٣)) لا يبصرون ولكن يسمعون ويبصرون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا) يا ربنا (هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) يقولون : أجعل أزواجنا وذرياتنا صالحين لكى تقر أعيننا بهم (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤)) اجعلنا صالحين لكى يقتدوا بنا (أُوْلئِكَ) أهل هذه الصفة (يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) الدرجات العلى فى الجنة (بِما صَبَرُوا) على طاعة الله والفقر والمرازى (وَيُلَقَّوْنَ فِيها) فى الجنة (تَحِيَّةً) من الله (وَسَلاماً (٧٥)) يلقونهم الملائكة بالتحية والسّلام من الله إذا دخلوا فى الجنة (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا) منزلا (وَمُقاماً (٧٦)) مثوى (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) ما يصنع بأجسامكم وصوركم ربى (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) أن الله أمركم بالتوحيد (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (فَسَوْفَ) هذا وعيد من الله لهم (يَكُونُ لِزاماً (٧٧)) عذاب يوم بدر بالقتل والضرب والسبى (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٣٥) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٢٧٤) ، ومعانى الأخفش (٤٢٣) ، وزاد المسير (٦ / ١١٢) ، والنكت للماوردى (٣ / ١٦٨).

٩٠

سورة الشعراء

ومن السورة التى يذكر فيها الشعراء ، وهى كلها مكية غير الآية التى

ذكرها فى آخرها : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) فإنها نزلت بالمدينة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)) عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (طسم (١)) ط : طوله وقدرته ، س : سناؤه ، م : ملكه ، ويقال : قسم أقسم به (١) (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)) يقول : أقسم أن هذه السورة آيات القرآن المبين بالحلال والحرام والأمر والنهى (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) أى قاتل نفسك يا محمد بالحزن عليهم (أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣)) يعنى قريشا ، وكان حريصا على إيمانهم يحب إيمانهم (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً) علامة (فَظَلَّتْ) فصارت (أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)) ذليلين (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) ما يأتى جبريل إلى نبيهم بقرآن (مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) بإتيان محدث بعضه على إثر بعض (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥)) مكذبين بالقرآن (فَقَدْ كَذَّبُوا) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا) أخبار (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦)) من العذاب ، ويقال : خبر عقوبة استهزائهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (أَوَلَمْ يَرَوْا) كفار مكة (إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) من كل لون (كَرِيمٍ (٧)) حسن فى المنظر (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى اختلاف ألوانه (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨)) لم يكونوا

__________________

(١) وينقل ذلك القول أيضا عن القرظى. انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٣٧) ، والقرطبى (١٣ / ٨٩) ، والدر المنثور (٥ / ٨٢).

٩١

مؤمنين وكلهم كانوا كافرين من هلك يوم بدر (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة منهم (الرَّحِيمُ (٩)) بالمؤمنين (وَإِذْ نادى) إذ دعا (رَبُّكَ مُوسى) ويقال : أمر ربك موسى (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)) الكافرين.

(قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١))

(قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١)) عبادة غير الله (قالَ) موسى (رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢)) فى الرسالة (وَيَضِيقُ صَدْرِي) بتكذيبهم إياى ، ويقال : يجبن قلبى (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) لا يستقم لسانى من مهابته (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣)) فأرسل معى هارون يكون عونا لى (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) قصاص بقتلى القبطى (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)) به (قالَ) الله (كَلَّا) حقا يا موسى لا أسلطهم عليكما بالقتل (فَاذْهَبا بِآياتِنا) التسع اليد والعصا والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص من الثمرات والسنين (إِنَّا مَعَكُمْ) معينكما (مُسْتَمِعُونَ (١٥)) أسمع ما يقول لكما (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦)) إليك وإلى قومك (أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧)) ولا تعذبهم فنظر فرعون إلى موسى (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) صغيرا يا موسى (وَلَبِثْتَ) مكثت (فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨)) ثلاثين سنة (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) قتلت النفس التى قتلت (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)) بنعمتى الساعة (قالَ) موسى (فَعَلْتُها إِذاً) قتلتها إذا (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠)) من الجاهلين بنعمتك علىّ (فَفَرَرْتُ) فهربت (مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) على نفسى بالقتل (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) فهما وعلما ونبوة (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١)) إليك وإلى قومك.

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ

٩٢

رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠))

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ) هذه نعمة (تَمُنُّها عَلَيَ) يا فرعون ولا تذكر جفاك علىّ (أَنْ عَبَّدْتَ) بأن استعبدت (بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ) لموسى (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣)) ومن رب العالمين يا موسى إياى تعنى (قالَ) موسى (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقول رب العالمين هو رب السموات والأرض (وَما بَيْنَهُمَا) من الخلق والعجائب (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)) مصدقين بأن الله خلقهما (قالَ) فرعون (لِمَنْ حَوْلَهُ) من الجلساء (أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)) إلى ما يقول موسى ، وكان حوله مائتان وخمسون رجلا جلوسا عليهم أقبية الديباج مخوصة بالذهب ، وكانوا خاصته ، قالوا لموسى : من رب السموات والأرض الذى تدعونا إليه يا موسى (قالَ) موسى (رَبُّكُمْ) هو ربكم (وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ) فرعون لجلسائه (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧)) قالوا : إلى من تدعونا إليه يا موسى ، ومن ربنا ورب آبائنا الأولين (قالَ) موسى (رَبُّ الْمَشْرِقِ) هو رب المشرق (وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨)) تصدقون ذلك (قالَ) فرعون لموسى (لَئِنِ اتَّخَذْتَ) عبدت (إِلهَاً غَيْرِي) يا موسى (لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)) من المحبوسين فى السجن وكان سجنه أشد من القتل (قالَ) موسى (أَوَلَوْ جِئْتُكَ) يا فرعون (بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠)) بآية بينة على ما أقوله.

(قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠))

(قالَ) فرعون (فَأْتِ بِهِ) يا موسى (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١)) بأنك رسول إلى قومى (فَأَلْقى) موسى (عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ) حية صفراء ذكر (مُبِينٌ (٣٢)) عظيم أعظم ما يكون من الحيات ، قال فرعون : هذه آية بينة فهل غير هذه (وَنَزَعَ يَدَهُ) أخرج موسى يده من إبطه (فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)) لها

٩٣

ضوء كضوء الشمس تعجب الناظرين إليها (قالَ) فرعون (لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا) الرسول (لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤)) حاذق بالسحر (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) مصر (بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥)) تشيرون علىّ به (قالُوا أَرْجِهْ) احبسه (وَأَخاهُ) ولا تقتلهما (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ) إلى مدائن الساحرين (حاشِرِينَ (٣٦)) الشرط (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ) ساحر (عَلِيمٍ (٣٧)) حاذق بسحره فيصنعون مثل ما يصنع موسى (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ) اثنان وسبعون ساحرا (لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨)) لميعاد يوم معروف ، وهو يوم السوق ، ويقال : يوم عيدهم ، ويقال : يوم نيروزهم (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) دين السحرة (إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠)) على موسى.

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠))

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) جعلا من المال (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١)) على موسى (قالَ) فرعون (نَعَمْ) لكم عندى ذلك (وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢)) فى القدر والمنزلة والدخول على (قالَ لَهُمْ مُوسى) للسحرة (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) اثنين وسبعين حبلا واثنين وسبعين عصا (وَقالُوا) يعنى السحرة (بِعِزَّةِ) بمنعمة (فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤)) على موسى (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ) تلقم (ما يَأْفِكُونَ (٤٥)) مأفوكهم من السحر (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦)) سجدوا من سرعة سجودهم كأنهم ألقوا لما ذهبت حبالهم وعصيهم علموا أنه من الله (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧)) قال لهم فرعون إياى تعنون قالوا (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ) فرعون (آمَنْتُمْ لَهُ) صدقتم به (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) آمركم به (إِنَّهُ) يعنى موسى (لَكَبِيرُكُمُ) عالمكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ماذا أفعل بكم (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) اليد اليمنى والرجل اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩)) على شاطىء نهر

٩٤

مصر (قالُوا لا ضَيْرَ) لا يضرنا فى الآخرة ما تصنع بنا فى الدنيا (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠)) راجعون إلى الله وإلى ثوابه.

(إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠))

(إِنَّا نَطْمَعُ) نرجو (أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) شركنا (أَنْ كُنَّا) بأن كنا (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١)) بموسى (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي) أن أدلج بعبادى ليلا من آمن بك من بنى إسرائيل (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢)) يدرككم فرعون وقومه (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣)) الشرط (إِنَّ هؤُلاءِ) أصحاب موسى (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤)) فئة قليلة (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥)) مغضبون أحردونا (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦)) شاكون معدون بالسلاح (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ) من بساتين (وَعُيُونٍ (٥٧)) ماء طاهر (وَكُنُوزٍ) أموال (وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨)) منازل حسنة (كَذلِكَ) أفعل بمن عصانى (وَأَوْرَثْناها) يعنى مصر (بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩)) بعد هلاكهم (فَأَتْبَعُوهُمْ) القبط (مُشْرِقِينَ (٦٠)) عند طلوع الشمس.

(فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١))

(فَلَمَّا تَراءَا) ظهر (الْجَمْعانِ) جمع موسى وجمع فرعون (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١)) أى أدركونا يا موسى (قالَ) موسى (كَلَّا) حقا لا يدركونا (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)) سينجينى منهم ويهدينى إلى الطريق (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) فضرب (فَانْفَلَقَ) فانشق فصار فيه اثنا عشر طريقا

٩٥

(فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) كل طريق (كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣)) كالجبل العظيم (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤)) يقول حسبنا فرعون وقومه فى الضبابة ، ويقال : فى البحر وكلهم كانوا كافرين (وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥)) من الغرق (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦)) فرعون وقومه فى اليم (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧)) لم يكونوا مؤمنين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة من الكفار (الرَّحِيمُ (٦٨)) بالمؤمنين إذ أنجاهم من الغرق (وَاتْلُ) اقرأ (عَلَيْهِمْ) على قومك قريش (نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩)) خبر إبراهيم فى القرآن (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر (وَقَوْمِهِ) عبدة الأوثان (ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً) آلهة (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١)) أى فنصير لها عابدين مقيمين على عبادتها.

(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠))

(قالَ) لهم إبراهيم (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢)) يقول : هل يجيبونكم الآلهة إذا دعوتموهم (أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) فى معايشكم إذا أطعتموهم (أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)) فى معايشكم إذا عصيتموهم (قالُوا) لا (بَلْ وَجَدْنا) ولكن وجدنا (آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤)) يعبدونها فنحن نعبدها نقتدى بهم (قالَ) إبراهيم (أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦)) وما كان يعبد آباؤكم الأولون (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) تبرأ منهم (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧)) إلا من كان منهم يعبد رب العالمين (الَّذِي خَلَقَنِي) من النطفة (فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)) يحفظنى على الدين ويرشدنى إلى الحق والهدى (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي) يرزقنى ويشبعنى إذا جعت (وَيَسْقِينِ (٧٩)) يروينى إذا عطشت (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)) من المرض إذا مرضت (وَالَّذِي يُمِيتُنِي) فى الدنيا (ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١)) يوم القيامة.

(وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠))

٩٦

(وَالَّذِي أَطْمَعُ) أرجو (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) ذنبى (يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)) يوم الحساب وكانت خطيئته قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) وقوله : لامرأته (هذه أختى) (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) فهما وعلما (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣)) بآبائى المرسلين فى الجنة (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ) ثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ (٨٤)) فى الباقين بعدى (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥)) من نازلى جنة النعيم (وَاغْفِرْ لِأَبِي) اهد أبى (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦)) إنه كان ضالا كافرا (وَلا تُخْزِنِي) لا تعذبنى (يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧)) من القبور (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ) كثرة المال (وَلا بَنُونَ (٨٨)) كثرة البنين (إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩)) خالص من الذنب وحب الدنيا (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) قربت الجنة (لِلْمُتَّقِينَ (٩٠)) الكفر والشرك والفواحش فصارت لهم منزلا (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أظهرت (لِلْغاوِينَ (٩١)) للكافرين فصارت لهم منزلا.

(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠))

(وَقِيلَ لَهُمْ) لعبدة الأوثان (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ) فى الدنيا من الأصنام (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) هل يمنعونكم من عذاب الله (أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)) يمتنعون بأنفسهم من العذاب (فَكُبْكِبُوا فِيها) فطرحوا وجعلوا فى النار (هُمْ) كفار مكة وسائر الكفار كفار الإنس (وَالْغاوُونَ (٩٤)) كفار الجن وآلهتهم (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ) ذرية إبليس (أَجْمَعُونَ (٩٥)) وهم الشياطين (قالُوا) يعنى الكفار (وَهُمْ فِيها) فى النار (يَخْتَصِمُونَ (٩٦)) مع آلهتهم ورؤسائهم وذرية إبليس (١) (تَاللهِ) والله (إِنْ كُنَّا) قد كنا (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧)) فى خطأ بين فى الدنيا (إِذْ نُسَوِّيكُمْ) نعدلكم (بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨)) فى العبادة (وَما أَضَلَّنا) ما صرفنا عن الإيمان والطاعة (إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (٩٩)) المشركون قبلنا الذين اقتدينا بهم (فَما لَنا) فليس لنا أحد (مِنْ شافِعِينَ (١٠٠)) من الملائكة والنبيين والصالحين يشفع لنا.

(وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٥٥) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٨٧) ، وزاد المسير (٦ / ١٣١).

٩٧

كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠))

(وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١)) لاذى قرابة يهمه أمرنا (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢)) مع المؤمنين بالإيمان (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من حالهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣)) لو رجعوا إلى الدنيا ، ويقال : لم يكونوا مؤمنين وكلهم كانوا كافرين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة منهم (الرَّحِيمُ (١٠٤)) بالمؤمنين (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥)) نوحا وجملة المرسلين الذين ذكرهم نوح (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) نبيهم (نُوحٌ) ولم يكن أخاهم فى الدين ولكن كان من قرابتهم (أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦)) عبادة غير الله (إِنِّي لَكُمْ) من الله (رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧)) على الرسالة ، ويقال : قد كنت فيكم أمينا قبل هذا فكيف تتهمونى اليوم (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم من التوبة والإيمان (وَأَطِيعُونِ (١٠٨)) اتبعوا أمرى ودينى (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من رزق (إِنْ أَجْرِيَ) ما رزقى (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم (وَأَطِيعُونِ (١١٠)) اتبعوا أمرى ووصيتى.

(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠))

(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ) أنصدقكك يا نوح (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)) سفلتنا وضعفاؤنا اطردهم حتى نؤمن بك (قالَ) نوح (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢)) ما علمت أنهم يوفقون أو أنتم (إِنْ حِسابُهُمْ) ما ثوابهم ومؤنتهم (إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣)) لو تعلمون ذلك (وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤)) من عبادة الله (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥)) ما أنا إلا رسول مخوف بلغة تعلمونها (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) عن مقالتك (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦)) من المقتولين كما قتلنا من آمن من العزباء (قالَ) نوح (رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧)) فى الرسالة وقتلوا من آمن بى

٩٨

من الغرباء (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) فاقض بينى وبينهم قضاء بالعدل (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨)) من عذابهم (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩)) فى السفينة المجهزة الموقرة المملوءة التى لم يبق إلا رفعها (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) ما ركب نوح فى السفينة (الْباقِينَ (١٢٠)) من قومه.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢) كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩) وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠))

(إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة لمن بعدهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١)) لم يكونوا مؤمنين وكلهم كانوا كافرين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة منهم إذ أغرقهم بالطوفان (الرَّحِيمُ (١٢٢)) بالمؤمنين إذ نجاهم من الغرق (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)) قوم هود هودا وجملة المرسلين الذين ذكرهم هود (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) نبيهم (هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤)) عبادة غير الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ (١٢٥)) على الرسالة (فَاتَّقُوا اللهَ) أطيعوا الله فيما أمركم من التوبة والإيمان (وَأَطِيعُونِ (١٢٦)) فيما أمرتكم (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من جعل (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً) بكل طريق علامة (تَعْبَثُونَ (١٢٨)) تضربون وتأخذون ثياب من مربكم من الغرباء وهم العشارون على الطرق وله وجه آخر ، يقول : أتبنون بكل ريع بكل سوق آية علامة تعبثون تسخرون بمن مر بكم (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) المنازل والقصور والحياض (لَعَلَّكُمْ) كأنكم (تَخْلُدُونَ (١٢٩)) فى الدنيا لا تخلدون (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠)) وإذا أخذتم بالعقوبة الجبارين تضربون وتقتلون على الغضب (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم من التوبة والإيمان

٩٩

(وَأَطِيعُونِ (١٣١)) أتبعوا أمرى (وَاتَّقُوا الَّذِي) أخشوا الذى (أَمَدَّكُمْ) أعطاكم (بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢)) ثم بين ما أعطاهم ، فقال : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣)) أعطاكم أنعاما وبنين (وَجَنَّاتٍ) بساتين (وَعُيُونٍ (١٣٤)) ماء طاهر (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) أعلم أن يكون عليكم (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥)) فى النار إن لم تتوبوا من الكفر والشرك وعبادة الأوثان (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ) أنهيتنا (أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦)) من الناهين لنا (إِنْ هذا) ما هذا الذى نحن عليه (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)) دين الأولين آبائنا الأولين ، ويقال : إن هذا الذى تقول إلا خلق الأولين إلا إختلاف الأولين (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨)) كما تقول على هذا الدين (فَكَذَّبُوهُ) بالرسالة وبما قال لهم (فَأَهْلَكْناهُمْ) بالريح (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة لمن بعدهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩)) لم يكونوا مؤمنين وكلهم كانوا كافرين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة من الكفار (الرَّحِيمُ (١٤٠)) بالمؤمنين إذ نجاهم من العذاب بالريح.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠))

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١)) قوم صالح صالحا وجملة المرسلين الذين أخبرهم صالح (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) نبيهم (صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢)) عبادة غير الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ (١٤٣)) على الرسالة (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم من التوبة والإيمان (وَأَطِيعُونِ (١٤٤)) اتبعوا أمرى ودينى (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من جعل ورزق (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا) فى هذه النعم (آمِنِينَ (١٤٦)) من الموت والزوال والعذاب (فِي جَنَّاتٍ) فى بساتين (وَعُيُونٍ (١٤٧)) ماء طاهر (وَزُرُوعٍ) حروث (وَنَخْلٍ طَلْعُها) ثمرها (هَضِيمٌ (١٤٨)) لين لطيف نضيج (١) (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩)) حاذقين ، ويقال : معجبين بضيعكم متكبرين إن قرأت بغير الألف (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم (وَأَطِيعُونِ (١٥٠)) اتبعوا أمرى ووصيتى.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٦٢) ، وابن قتيبة (٣١٩) ، والقرطبى (١٣ / ١٢٨).

١٠٠