تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

بالكبائر لا ينجو إلا بالشفاعة أو بالمغفرة أو بإنجاز الوعد (وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو من استوت حسناته وسيئاته حسابا يسيرا ثم ينجو (وَمِنْهُمْ سابِقٌ) بالغ (بِالْخَيْراتِ) فى الدنيا ويقرب إلى جنة عدن فى الآخرة (بِإِذْنِ اللهِ) بتوفيق الله وكرامته (ذلِكَ) الاصطفاء والمسابقة (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)) المن العظيم من الله عليهم ، ثم بين مستقرهم ، فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ) مقصورة الرحمن داره ، والجنان حوله (يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها) يلبسون فيها فى الجنة (مِنْ أَساوِرَ) أساور (مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) وهذا حلية النساء ، وحلية الرجال الفضة (وَلِباسُهُمْ فِيها) فى الجنة (حَرِيرٌ (٣٣)).

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))

٢٠١

(وَقالُوا) أهل الجنة فى الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر والمنة لله (الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ) للذنوب العظام (شَكُورٌ (٣٤)) للأعمال اليسيرة (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ) يعنى الجنة (مِنْ فَضْلِهِ) بفضله لا ظعن فيها (لا يَمَسُّنا فِيها) لا يصيبنا فى الجنة (نَصَبٌ) تعب وعناء (وَلا يَمَسُّنا) لا يصيبنا (فِيها) فى الجنة (لُغُوبٌ (٣٥)) إعياء (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، أبو جهل وأصحابه (لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ) فى الآخرة (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ) لا يكون عليهم قضاء الموت (فَيَمُوتُوا) فيستريحوا (وَلا يُخَفَّفُ) يهون ولا يرفه ولا يرفع (عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) طرفة عين (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي) فى الآخرة (كُلَّ كَفُورٍ (٣٦)) كافر بالله وبنعمته (وَهُمْ) يعنى الكفار (يَصْطَرِخُونَ) يستغيثون (فِيها) فى النار ، ويدعون ويتضرعون قالوا : لو أن (رَبَّنا) يا ربنا (أَخْرِجْنا) من النار ، وردنا إلى الدنيا نؤمن بك و (نَعْمَلْ صالِحاً) خالصا فى الإيمان (غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) من السوء ، فيقول الله لهم (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) نمهلكم يا معشر الكفار فى الدنيا (ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ) بقدر ما يتعظ فيه (مَنْ تَذَكَّرَ) من أراد أن يتعظ ويؤمن ، (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) محمد والقرآن وخوفكم من هذا اليوم فلم تؤمنوا (فَذُوقُوا) عذاب النار (فَما لِلظَّالِمِينَ) الكافرين (مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)) من مانع من عذاب الله.

(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ) أى غيب ما يكون فى (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) علم الله لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨)) ما فى القلوب من الخير والشر (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ) يا أمة محمد (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) سكان الأرض بعد هلاك الأمم الخالية (فَمَنْ كَفَرَ) بالله (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) عقوبة كفره (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ) بمحمد والقرآن (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يوم القيامة (إِلَّا مَقْتاً) أى بغضا (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ) فى الدنيا (إِلَّا خَساراً (٣٩)) غبنا فى الآخرة (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) آلهتكم (الَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) مما فى الأرض (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ) مع الله (فِي السَّماواتِ) فى خلق السموات (أَمْ آتَيْناهُمْ) أعطيناهم ، يعنى كفار مكة (كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ) على بيان من الكتاب أن لا يعذبوا (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ) ما يقول المشركون فى الدنيا (بَعْضُهُمْ بَعْضاً) يعنى القادة والسفلة (إِلَّا غُرُوراً (٤٠)) فى الآخرة.

٢٠٢

(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ) يمنع (السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) كيلا تزولا عن مكانهما لمقالة اليهود والنصارى حيث قالوا : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله (وَلَئِنْ زالَتا) عن أمكنتهما (إِنْ أَمْسَكَهُما) ما أمسكهما (مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) غيره (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) عن مقالة اليهود والنصارى (غَفُوراً (٤١)) لمن تاب منهم (١). (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) يعنى كفار مكة قبل مجئ محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) بالله (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) رسول (لَيَكُونُنَّ أَهْدى) أسرع إجابة وأصوب دينا (مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) من اليهود والنصارى (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً (٤٢)) تباعدا منه (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) الإعراض عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) قول القبيح وعمل القبيح (وَلا يَحِيقُ) لا يجب ولا يحيط (الْمَكْرُ السَّيِّئُ) القول القبيح والعمل القبيح (إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ) قوم مكة إذ كذبوك (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) عذاب الأولين قبلهم عند تكذبيهم الرسل (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ) لعذاب الله (تَبْدِيلاً) تغييرا (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣)) أن ما سنة الله لا تبديل له ، ولا تحويل عن مستحقه.

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أو لم يمشوا ويمروا فى الأرض (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فيعتبروا بهلاك المكذبين قبلهم (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) بالبدن والمال (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ) ليفوته (مِنْ شَيْءٍ) من أحد (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) من الخلق (إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بخلقه (قَدِيرٌ أَ(٤٤)) عليهم (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ) الجن والإنس (بِما كَسَبُوا) بجملة ذنوبهم (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) على وجوه الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) من الجن والإنس خاصة أحدا (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ) يؤجلهم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) وقت هلاكهم (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)) بمن يهلك وينجو.

__________________

(١) انظر : التفسير الكبير للزمخشرى (١٣ / ٦٤ ، ٦٦).

٢٠٣

سورة يس

ومن السورة التى يذكر فيها يس ، وهى مكية كلها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩))

عن ابن عباس ، رضى الله عنهما ، فى قوله عزوجل : (يس (١)) يقول : يا إنسان بلغة السريانية ، (إِنَّكَ) يا محمد (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)) ويقال : قسم أقسم بالياء والسين (١) ، (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢)) وأقسم بالقرآن المحكم بالحلال والحرام والأمر والنهى (إِنَّكَ) يا محمد (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣)) ولهذا كان القسم (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)) ثابت على دين مستقيم يرضاه ، وهو الإسلام (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ) يقول القرآن تكليم العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن به (الرَّحِيمِ (٥)) لمن آمن

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٢ / ٩٧) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٣٧) ، وزاد المسير (٧ / ٣) ، والدر المنثور (٥ / ٢٥٨).

٢٠٤

به (١) ، (لِتُنْذِرَ) لتخوف (قَوْماً) قريشا (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) ويقال : لم ينذر آباؤهم قبلك رسول (فَهُمْ غافِلُونَ (٦)) عن أمر الآخرة جاحدون بها (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) وجب القول بالسخطة والعذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ) على أكثر أهل مكة أبى جهل وأصحابه (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧)) بدين الله ولا يريدون أن يؤمنوا ، فلم يؤمنوا ، وقتلوا يوم بدر على الكثرة.

(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ) فى أيمانهم (أَغْلالاً) من حديد (فَهِيَ) مغلولة مردودة (إِلَى الْأَذْقانِ) إلى اللحى مغلولون ، ويقال : جعلنا أيمانهم إلى الأذقان حيث أرادوا أن يرجموا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجارة فى الصلاة (فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨)) مغلولون من كل خير محرمون (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة (سَدًّا) غطاء (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من أمر الدنيا (سَدًّا) غطاء (فَأَغْشَيْناهُمْ) أغشينا أبصارهم ، أى إبصار قلوبهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩)) بالحق والهدى ، ويقال : جعلنا من بين أيديهم سدا سترا حيث رأوا أن يرجموا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجارة ، فلم يبصروه ، ومن خلفهم سدا ، سترا حتى لا يبصروا أصحابه ، فأغشيناهم ، أغشينا أبصارهم فهم لا يبصرون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيؤذنه (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ) على بنى مخزوم أبى جهل وأصحابه (أَأَنْذَرْتَهُمْ) خوفتهم بالقرآن (أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) تخوفهم (لا يُؤْمِنُونَ (١٠)) لا يريدون أن يؤمنوا ، فلم يؤمنوا وقتول يوم بدر فنزل من قوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) إلى هاهنا فى شأن أبى جهل ، والوليد وأصحابهما.

(إِنَّما تُنْذِرُ) يقول : إنذراك يا محمد بالقرآن (مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) يعنى القرآن وعمل به مثل أبى بكر وأصحابه (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) عمل للرجمن وهو لا يراه ، (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) لذنوبه فى الدنيا (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)) ثواب حسن فى الجنة (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) للبعث (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) ونحفظ عليهم ما أسلفوا من الخير والشر (وَآثارَهُمْ) ما تركوا من سنة صالحة فعمل بها بعد موتهم ، أو سنة سيئة ، فعمل بها بعد موتهم (وَكُلَّ شَيْءٍ) من أعمالهم (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢)) كتبناه فى اللوح المحفوظ (وَاضْرِبْ لَهُمْ) بين لأهل مكة (مَثَلاً) مثل (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) صفة أهل أنطاكية كيف أهلكناهم (٢)(إِذْ جاءَهَا

__________________

(١) انظر : السبعة لابن مجاهد (٥٣٩) ، والبحر المحيط (٧ / ٣٢٣) ، وتفسير الطبرى (٢٢ / ٩٧).

(٢) انظر قصة أصحاب القرية فى : تفسير الطبرى (٢٢ / ١٠١) ، وزاد المسير (٧ / ١٠) ، والدر المنثور

٢٠٥

الْمُرْسَلُونَ (١٣)) يعنى جاء إليهم رسول ، شمعون من الصفار ، فلم يؤمنوا به وكذبوه.

(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ) فأرسلنا إليهم بعد شمعون (اثْنَيْنِ) رسولين سمعان ونومان (فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) فقويناهما بثالث وهو شمعون حيث صدقهما على تبليغ رسالتهما (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ) آدميين (مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) من كتاب ولا رسول (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥)) على الله (قالُوا) يعنى الرسل (رَبُّنا يَعْلَمُ) ويشهد (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧)) التبليغ عن الله المبين بلغة تعلمونها (قالُوا) للرسل (إِنَّا تَطَيَّرْنا) تشائمنا (بِكُمْ) منكم (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عن مقالتكم (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) لنقاتلكم (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ) يصيبكم (مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨)) وجيع وهو القتل (قالُوا) يعنى الرسل (طائِرُكُمْ) شدتكم وشؤمكم (مَعَكُمْ) من الله بفعلكم (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) أتشاءمتم بأن ذكرناكم وخوفناكم بالله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩)) مشركون بالله.

(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧) وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢) وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦))

__________________

(٥ / ٢٦١).

٢٠٦

(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) من وسط المدينة (رَجُلٌ) هو حبيب النجار (يَسْعى) يسرع فى المشى حيث يلحق بالرسل (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)) بالإيمان بالله (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) جعلا ومالا على الإيمان بالله (وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١)) مهتدين إلى الإيمان والتوحيد ، قالوا له تبرأت منا ومن ديننا ودخلت فى دين عدونا ، فقال لهم : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) خلقنى (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢)) بعد الموت (أَأَتَّخِذُ) أأعبد (مِنْ دُونِهِ) من دون الله بأمركم آلهة أصناما (آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) أن يضر الرحمن بشدة وعذاب (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) ليس لهم شفاعة من عذاب الله (وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣)) لا يجيرون من عذاب الله ، يعنى الآلهة (إِنِّي إِذاً) إن عبدت دون الله شيئا (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)) خطأ بين ، ثم قال لهم : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥)) فاشهدوا لى ، فأخذوه وقتلوه ووطئوه حتى خرج قصبه.

(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) وجبت له الجنة ، وقيل لروحه : (ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ) : روجه بعد ما دخل الجنة (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦)) يدرون ويصدقون (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) يعنى بالتوحيد (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)) فى الجنة بالثواب لشهادة أن لا إله إلا الله (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ) بهلاكهم (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد ما قتلوه (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) ملائكة من السماء (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨)) عليهم الملائكة ، ويقال : ما أرسلنا إليهم الرسل من بعد قتله (إِنْ كانَتْ) ما كانت (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) من جبريل أخذ جبريل بعضادتى الباب فصاح فيهم صيحة واحدة (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩)) ميتون لا يتحركون (يا حَسْرَةً) أى حسرة وندامة تكون (عَلَى الْعِبادِ) يوم القيامة بما لم يؤمنوا (ما يَأْتِيهِمْ) لم يأتهم (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠)) يهزأون به ويسخرون منه ، وأخذوا هؤلاء الرسل وقتلوهم ودفنوهم فى بئر (أَلَمْ يَرَوْا) ألم يخبر كفار مكة (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) من الأمم الخالية (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١)) إلى يوم القيامة (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) يقول : القرون كلهم جميع (لَدَيْنا) عندنا (مُحْضَرُونَ (٣٢)) للحساب ، والميم هنا فاصلة.

(وَآيَةٌ لَهُمُ) عبرة وعلامة لأهل مكة (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) بالمطر (وَأَخْرَجْنا مِنْها) أنبتنا فيها (حَبًّا) الحبوب كلها (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣)

٢٠٧

وَجَعَلْنا فِيها) فى الأرض (جَنَّاتٍ) بساتين (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) كروم (وَفَجَّرْنا) شققنا (فِيها) فى الأرض (مِنَ الْعُيُونِ (٣٤)) والأنهار (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) من ثمرة النخل (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) ما أنبتته أيديهم ، ويقال : ما غرسته أيديهم (أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥)) من فعل ذلك بهم ذلك فيؤمنوا به (سُبْحانَ) نزه نفسه (الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) الأصناف (كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) الحلو والحامض وغير ذلك (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) أصنافا ذكرا وأنثى (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦)) فى البر والبحر اصنافا.

(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠))

(وَآيَةٌ لَهُمُ) عبرة وعلامة لأهل مكة (اللَّيْلُ) المظلم (نَسْلَخُ مِنْهُ) نذهب عنه (النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)) فى الليل (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) المنازل لها ، ويقال : تجرى ليلا ونهارا لا مستقر لها (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) تدبير العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْعَلِيمِ (٣٨)) بخلقه وتدبيرهم (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) جعلنا له منازل كمنازل الشمس يزيد وينقص (حَتَّى عادَ) يصير (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩)) كالعذق المقوس اليابس إذا حال عليه الحول (١) (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها) لا يصلح لها (أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أن تطلع فى سلطان القمر فتذهب بضوءه (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) ولا الليل يطلع فى سلطان النهار فيذهب

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ٥) ، وزاد المسير (٧ / ٢٠) ، وتفسير القرطبى (٥ / ٣٠).

٢٠٨

بضوءه (وَكُلٌ) الشمس والقمر (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠)) فى دوران يدورون ، وفى مجرة يجرون.

(وَآيَةٌ لَهُمْ) علامة لهم (أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) فى أصلاب آبائهم حين حمل الآباء والذرية (فِي الْفُلْكِ) فى سفينة نوح (الْمَشْحُونِ (٤١)) الموقرة المجهزة المملوءة التى لم يبق لها إلا رفعها (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) من مثل سفينة نوح (ما يَرْكَبُونَ (٤٢)) من الزواريق والإبل (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) فلا مغيث لهم من الغرق (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣)) يجارون من الغرق (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) نعمة منا تنجيهم من الغرق (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤)) أجلا كما وقت موتهم وهلاكهم (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) لأهل مكة ، قال لهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) من أمر الآخرة ، فآمنوا بها واعملوا لها (وَما خَلْفَكُمْ) من أمر الدنيا فلا تغتروا بها وبزهرتها ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥)) لكى ترحموا فى الآخرة ولا تعذبوا (وَما تَأْتِيهِمْ) كفار مكة (مِنْ آيَةٍ) علامة (مِنْ آياتِ) علامات (رَبِّهِمْ) مثل انشقاق القمر وكسوف الشمس ، ومحمد والقرآن (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦)) مكذبين.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) لأهل مكة ، قال لهم فقراء المسلمين : (أَنْفِقُوا) تصدقوا على الفقراء (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أعطاكم الله (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ) أنتصدق (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) على من لو يشاء الله (أَطْعَمَهُ) رزقه (إِنْ أَنْتُمْ) يا معشر المؤمنين ، ويقال : قال لهم المؤمنون : إن أنتم ما أنتم (إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧)) فى خطأ بين ، ويقال : نزلت هذه الآية فى زنادقة قريش (١) (وَيَقُولُونَ) كفار مكة (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذى تعدنا يا محمد (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨)) إن كنت من الصادقين أن نبعث بعد الموت (ما يَنْظُرُونَ) ما ينتظر قومك الذين كذبوك (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) وهى النفخة الأولى (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩)) يتبايعون فى السوق (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) وصية ، ويقال : كلاما (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)) من السوق ، ويقال : ولا إلى أهلهم يرجعون ، يخبرون من الهول.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٧ / ٢٣) ، وتفسير الطبرى (٢٣ / ٩).

٢٠٩

صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨))

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وهى نفخة البعث (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ) من القبور (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١)) يخرجون (قالُوا) بعدما خرجوا من القبور ، يعنى الكفار (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا) من أنبهنا (مِنْ مَرْقَدِنا) من منامنا ، فيقول بعضهم لبعض : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) فى الدنيا ، ويقال : يقول لهم الملائكة ، يعنى الحفظة (هذا ما وَعَدَ) لكم (الرَّحْمنُ) فى الدنيا (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢)) بالبعث بعد الموت (إِنْ كانَتْ) ما كانت (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) نفخة واحدة ، وهى نفخة البعث (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣)) للحساب (فَالْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) لا ينقص من حسنات أحد ولا يزاد على سيئات أحد (وَلا تُجْزَوْنَ) فى الآخرة (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)) وتقولون فى الدنيا.

(إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أهل الجنة (الْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (فِي شُغُلٍ) عما أهل النار فيه (فاكِهُونَ (٥٥)) معجبون بافتضاضهم الأبكار ، ويقال : ناعمون ، إن قرئت بالألف (١).

(هُمْ وَأَزْواجُهُمْ) حلائلهم (فِي ظُلَلٍ) فى ظلل الشجر (عَلَى الْأَرائِكِ) على السرر فى الحجال (مُتَّكِؤُنَ (٥٦)) جالسون (لَهُمْ فِيها) فى الجنة (فاكِهَةٌ) ألوان الفاكهة (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧)) ما يشتهون وما يسألون

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ١٣) ، والنشر فى القراءات العشر (٢ / ٣٥٤) ، وزاد المسير (٧ / ٢٧).

٢١٠

(سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩)) يقول الله لهم : تفرقوا اليوم أيها المشركون فيميزهم من المؤمنين ، ويقول لهم : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) ألم أتقدم إليكم فى الكتاب مع الرسول (يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) لا تطيعوا الشيطان (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)) ظاهر العداوة (وَأَنِ اعْبُدُونِي) وحدونى (هذا) التوحيد الذى آمرتكم (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)) دين مستقيم حق.

(وَلَقَدْ أَضَلَ) الشيطان (مِنْكُمْ) يا بنى آدم (جِبِلًّا) خلقا (كَثِيراً) من قبلكم (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢)) تعلمون بما صنع بهم ، فلا تقتدون بهم ، (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣)) فى الدنيا (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤)) تجحدون فيها بالكتاب والرسول (الْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) نمنع ألسنتهم عن الكلام بعدما أنكروا (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ) بما كسبوا بها (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) بما مشوا بها ، وتشهد جوارحهم (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)) يعملون من الشر (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) لفقأنا أعين ضلالتهم (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) فأبصروا الصراط ، يعنى الطريق (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦)) من أين ينصرون ، ولم تفقأ أعين ضلالتهم (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) قردة وخنازير (عَلى مَكانَتِهِمْ) فى منازلهم فى ديارهم (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا) ذهابا ولا إيابا (وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧)) إلى الحال الأولى (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) نمهله فى العمر (نُنَكِّسْهُ) نحططه (فِي الْخَلْقِ) فى الخلق الأول (أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨)) أفلا يصدقون.

(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي

٢١١

جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))

(وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَما يَنْبَغِي لَهُ) ما يصلح له الشعر (إِنْ هُوَ) ما هو ، يعنى القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) عظة (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)) بالحلال والحرام والأمر والنهى (لِيُنْذِرَ) به محمد بالقرآن (مَنْ كانَ حَيًّا) من كان له عقل (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) يجب القول بالسخطة والعذاب (عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠)) كفار مكة ، أفلا يؤمنون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (أَوَلَمْ يَرَوْا) أو لم يخبروا (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ) لأهل مكة (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) مما خلقنا لهم بقدرتنا بكن فكان (أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١)) ضابطون مالكون عليها (وَذَلَّلْناها) سخرناها (لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) ما يركبون (وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢)) من لحومها يأكلون (وَلَهُمْ فِيها) فى الأنعام (مَنافِعُ) فى حملها وكسبها (وَمَشارِبُ) من ألبانها (أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣)) من فعل بهم ذلك فيؤمنوا به.

(وَاتَّخَذُوا) عبدوا كفار مكة (مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) أصناما (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤)) يمنعون من عذاب الله ، (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) لا تستطيع الآلهة منع عذاب الله عنهم (وَهُمْ) يعنى كفار مكة (لَهُمْ) الأصنام (جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥)) كالعبيد قيام بين أيديهم (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) تكذيبهم يا محمد (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من المكر والخيانة (وَما يُعْلِنُونَ (٧٦)) من العداوة (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) أو لم يعلم ، أبى بن خلف (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) منتنة ضعيفة (فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) رجل جادل بالباطل (مُبِينٌ (٧٧)) ظاهر الجدال (١).

(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً) وصف لنا مثلا بالعظام (وَنَسِيَ خَلْقَهُ) ترك ذكر خلقه الأول (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)) عظام بالية (قُلْ) يا محمد

__________________

(١) انظر : التفسير الكبير للرازى (١٣ / ١٧٨ ، ١٨٠) ، والطبرى (٢٣ / ٢٠) ، والنكت والعيون (٣ / ٤٠١) ، وتفسير القرطبى (١٥ / ٥٧) ، وابن كثير (٣ / ٥٨١) ، ولباب النقول (١٨٢) ، والدر المنثور (٥ / ٢٧).

٢١٢

(يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) خلقها (أَوَّلَ مَرَّةٍ) من نطفة (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ) بخلق كل شىء (عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) غير العذاب (فَإِذا أَنْتُمْ) يا أهل مكة (مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)) تقدحون منه النار (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) قادر (عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) يحيى (بَلى) قادر على ذلك (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) الباعث (الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ) فى البعث (إِذا أَرادَ شَيْئاً) إذا أراد أن يكون البعث (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)) قيام الساعة (فَسُبْحانَ) نزه نفسه (الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) خزائن كل شىء وخالق كل شىء (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم.

* * *

٢١٣

سورة الصّافات

ومن السورة التى يذكر فيها والصافات ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله ، جل وعز ، وعز من قائل : (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١)) أقسم الله بالملائكة فى السماء صفوفا كصفوف المؤمنين فى الصلاة (١) (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢)) أقسم بالملائكة الذين يزجرون السحاب ، أى يؤلفونه (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣)) أقسم بالملائكة الذين يقرأون الكتاب ، ويقال : أقسم بقراءة القرآن (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤)) وهكذا كان القسم : (إِنَّ إِلهَكُمْ) يا أهل مكة (لَواحِدٌ (٤)) لا ولد ولا شريك له (رَبُّ السَّماواتِ) هو رب السموات

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ٢٢) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٣٢٨) ، والقرطبى (١٥ / ٦١) ، والدر المنثور (٥ / ٢٧١) ، والتفسير الكبير (١٣ / ١٨٩).

٢١٤

(وَالْأَرْضِ) خالق السموات والأرض (وَما بَيْنَهُما) من الخلق العجائب (وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥)) مشارق الشتاء والصيف.

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) الأولى (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦)) يقول : زينت بالكواكب (وَحِفْظاً) يقول : حفظت بالنجوم (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧)) ومتمرد شديد (لا يَسَّمَّعُونَ) أى لا يسمعوا (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) إلى كلام الملائكة ، يعنى الحفظة فيما يكون بينهم (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨)) يرمون من كل ناحية يصعدون إليها (دُحُوراً) يدحرونهم عن السماء واستماع كلام الله للملائكة (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩)) دائم بالنجم ، ويقال : فى النار ، (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) إلا من اختلس خلسة ، واستمع استماعا إلى كلام الله (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠)) فلحقه نجم مضىء يحرقه (فَاسْتَفْتِهِمْ) سل أهل مكة (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) بعثا (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) قبلهم من الملائكة وسائر الخلق (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ) من آدم ، عليه‌السلام ، وآدم من طين (لازِبٍ (١١)) لاصق جيد (بَلْ عَجِبْتَ) يا محمد من تكذيبهم إياك (وَيَسْخَرُونَ (١٢)) منك (وَإِذا ذُكِّرُوا) وعظوا بالقرآن (لا يَذْكُرُونَ (١٣)) لا يعظون (وَإِذا رَأَوْا) أهل مكة (آيَةً) علامة مثل انشقاق القمر وكسوف الشمس (يَسْتَسْخِرُونَ (١٤)) يهزأون بها.

(وَقالُوا إِنْ هذا) ما هذا الذى أتانا به محمد (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥)) كذب بيّن (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا) صرنا (تُراباً وَعِظاماً) بالية (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦)) لمحيون بعد الموت ، قل لهم يا محمد : نعم ، قالوا : (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧)) الأقدمون قبلنا (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨)) صاغرون ذليلون (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) نفخة واحدة ، وهى نفخة البعث (فَإِذا هُمْ) قيام من القبور (يَنْظُرُونَ (١٩)) ما ذا يؤمرون به ، (وَقالُوا) إذا قاموا من القبور (يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠)) يوم الحساب ، فيقول لهم الملائكة : (هذا) يومكم (يَوْمُ الْفَصْلِ) يوم القيامة ، يوم القضاء بينكم وبين المؤمنين (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١)) فى الدنيا أنه لا يكون ، فيقول الله للملائكة : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا بالله (وَأَزْواجَهُمْ) قرنائهم وضربائهم من الجن والشياطين (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (فَاهْدُوهُمْ) فاذهبوا بهم (إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣)) إلى وسط الجحيم (وَقِفُوهُمْ) ويقول الله للملائكة : احبسوهم عن النار (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤)) عن تركهم لا إله إلا الله.

٢١٥

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦)) استسلم العابد والمعبود لله ، وعلمو أن الحق لله (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) الإنس على الشياطين ، والسفلة على القادة (يَتَساءَلُونَ (٢٧)) يتلاومون ويتخاصمون (قالُوا) يعنى الإنس للشياطين (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨)) تغووننا عن الدين (قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩)) بالله (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) من عذر وحجة نأخذكم بها (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠)) كافرين بالله.

(فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧) إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١))

(فَحَقَّ عَلَيْنا) وجب علينا (قَوْلُ رَبِّنا) بالسخطة والعذاب (إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١)) العذاب فى النار (فَأَغْوَيْناكُمْ) أضللناكم عن الدين (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢)) ضالين عن الدين (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣)) العابد والمعبود (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤)) بالمشركين (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ) فى الدنيا قولوا : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥)) يتعاظمون عن ذلك (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا) عبادة آلهتنا (لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)) يقولون : لشاعر مجنون يختلق ، يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (بَلْ جاءَ بِالْحَقِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن والتوحيد (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧)) وبتصديق المرسلين

٢١٦

قبله (إِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨)) الوجيع فى النار (وَما تُجْزَوْنَ) فى الآخرة (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)) فى الدنيا من الكفر (إِلَّا عِبادَ اللهِ) يقول : للذين ذاقوا العذاب الأليم إلا عباد الله (الْمُخْلَصِينَ (٤٠)) المعصومين من الكفر والشرك ، ويقال : المخلصين بالعبادة ، إن قرأت بخفض اللام.

(أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١)) طعام معروف على قدر غدوة وعشية فى الدنيا وليس ، ثم غدوة وعشية (١).

(فَواكِهُ) لهم ألوان الفواكه (وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢)) بالتحف (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣)) لا يفنى نعيمها (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤)) فى الزيارة (يُطافُ عَلَيْهِمْ) فى الجنة (بِكَأْسٍ) خمر (مِنْ مَعِينٍ (٤٥)) من خمر طاهرة (بَيْضاءَ لَذَّةٍ) شهوة (لِلشَّارِبِينَ (٤٦)) [من أهل الجنة] (لا فِيها) ليس فى شربها (غَوْلٌ) وجع البطن والأذى والإثم (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧)) ينفدون ، ويقال : ولا هم منها يسكرون ، ولا تصدع رؤوسهم (وَعِنْدَهُمْ) فى الجنة (قاصِراتُ الطَّرْفِ) جوار غاضات العين ، قانعات بأزواجهن لا يبغين بهم بدلا من غيرهم (عِينٌ (٤٨)) عظام العين ، حسان الوجوه (كَأَنَّهُنَ) من الصفاء (بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)) قد كن من الحر والبرد (٢).

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠)) يتحدثون (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) من أهل الجنة ، وهو يهوذا (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١)) صاحب ، ويقال : هو أبو قطروس (يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) صرنا ترابا (وَعِظاماً) بالية (أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣)) مملوكون ومحاسبون ، إنكارا منه بالبعث ، (قالَ) إخواته : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤)) فى النار لعلكم ترون حاله (فَاطَّلَعَ) هو بنفسه (فَرَآهُ) فرأى أخاه الكافر (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥)) فى وسط النار ، (قالَ تَاللهِ) والله (إِنْ كِدْتَ) قد هممت وأردت (لَتُرْدِينِ (٥٦)) تغوينى عن الدين وتهلكنى لو أطعتك (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) بالإيمان وعصمته عن الكفر (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧)) من المعذبين معك فى النار ، ثم سمع مناديا ينادى : يا أهل الجنة ، ذبح الموت ، فيقول لإخوانه (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨)) بعد ما ذبح الموت (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) بعد موتتنا فى

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ٣٥) ، وزاد المسير (٧ / ٥٥).

(٢) انظر : المجاز لأبى عبيدة (٢ / ١٧٠) ، وتفسير الطبرى (٢٣ / ٣٧) ، وزاد المسير (٧ / ٥٨) ، والقرطبى (١٥ / ٨٠) ، وغريب السجستانى (١٣٩).

٢١٧

الدنيا ، فيقولون له : نعم فيسمع مناديا ينادى قد أطبقت النار ، فلا دخول فيها ولا خروج منها ، فيقول لإخوانه : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩)) فى النار بعد ما أطبقت النار ، فيقولون له : نعم ، فيقول : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠)) النجاة الوافرة ، فزنا بالجنة وبما فيها ، ونجونا من النار وما فيها ، وهى قصة الأخوين اللذين ذكرهما الله فى سورة الكهف أحدهما مؤمن ، وهو يهوذا ، والآخر كافر وهو أبو قطروس ، ثم يقول الله : (لِمِثْلِ هذا) الخلود والنعيم (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١)) فليبادر المبادرون بالعمل الصالح ، ويقال : فليباذل المباذلون بالنفقة فى سبيل الله ، ويقال : فليجتهد المجتهدون بالعلم والعبادة.

(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤) وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨))

(أَذلِكَ) إن ذلك الذى ذكرت لأهل الجنة من الطعام والشراب (خَيْرٌ نُزُلاً) طعاما وشرابا وثوابا للمؤمنين (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢)) لأبى جهل وأصحابه (إِنَّا جَعَلْناها) ذكرناها (فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣)) بلية لأبى جهل وأصحابه حيث قالوا : والزقوم هو التمر والزبد. (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤)) فى وسط

٢١٨

النار (طَلْعُها) ثمرها (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥)) رؤوس الحيات أمثال رؤوس الشياطين تكون نحو اليمن (فَإِنَّهُمْ) يعنى أهل مكة وسائر الكفار (لَآكِلُونَ مِنْها) من الزقوم (فَمالِؤُنَ مِنْهَا) من الزقوم (الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) من الزقوم (لَشَوْباً) خلطا (مِنْ حَمِيمٍ (٦٧)) من ماء حارّ قد انتهى حرّه.

(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) منقلبهم (لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)) إلى وسط النار (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) وجدوا فى الدنيا (آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩)) عن الحق والهدى (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ) على دينهم (يُهْرَعُونَ (٧٠)) يسرعون ويمشون ويعملون عملهم (١) ، (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) قبل قومك يا محمد (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١)) من الأمم الماضية (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ) إليهم (مُنْذِرِينَ (٧٢)) رسلا مخوفين لهم فلم يؤمنوا فأهلكناهم (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) جزاء (الْمُنْذَرِينَ (٧٣)) لمن أنذرتهم الرسل فلم يؤمنوا (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)) المعصومين من الكفر والشرك ، ويقال : المخلص بالعبادة والتوحيد إن قرأت بخفض اللام ، فإنهم لم يكذبوهم ونهلكهم.

(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) دعا نوح على قومه (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥)) بهلاك قومه (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) ومن آمن به (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)) يعنى الغرق (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧)) إلى يوم القيامة ، وكان له ثلاثة بنين : سام ، وحام ، ويافث ، فأما سام فهو أبو العرب ، ومن فى جزائرهم ، وأما حام فهو أبو الحبش والسند والبربر ، وأما يافث فهو أبو سائر الناس (٢) ، (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) على نوح ثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ (٧٨)) الباقين بعده (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) سلامة وسعادة منا على نوح (فِي الْعالَمِينَ (٧٩)) من بين العالمين فى زمانه لنا (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠)) بالقول والفعل ، بالثناء الحسن والنجاة (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١)) المصدقين (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)) الباقين بعده (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) من شيعة نوح ، ويقال : من شيعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَإِبْراهِيمَ (٨٣)) يقول : كان إبراهيم على دين نوح ومنهاجه.

(إِذْ جاءَ رَبَّهُ) يقول : أقبل إبراهيم إلى طاعة ربه (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)) خالص من كل عيب (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر (وَقَوْمِهِ) عبدة الأوثان (ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥))

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ٣٤) ، وزاد المسير (٧ / ٦٦).

(٢) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ٣٤) ، وزاد المسير (٧ / ٦٥) ، والقرطبى (١٥ / ٨٩).

٢١٩

من دون الله ، قالوا : نعبد أصناما ، قال لهم إبراهيم : (أَإِفْكاً آلِهَةً) بالكذب آلهة من (دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦)) تعبدون (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧)) إذا عبدتم غيره (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨)) ويقال : تفكر فكرة فى نفسه (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)) مريض مطعون لكى يتركوه (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)) فأعرضوا عنه ذاهبين إلى عيدهم وتركوه (فَراغَ) فأقبل إبراهيم (إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ) لهم (أَلا تَأْكُلُونَ (٩١)) مما عليكم من العسل فلم يجيبوه ، فقال لهم : (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢)) لا تجيبون (فَراغَ عَلَيْهِمْ) فأقبل عليهم (ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣)) بالفأس ، ويقال : برّ يمينه (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) من عيدهم (يَزِفُّونَ (٩٤)) يسرعون ويمشون (قالَ) لهم إبراهيم : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥)) بأيديكم من العيدان والأحجار (وَاللهُ خَلَقَكُمْ) وتتركون عبادة الله الذى خلقكم (وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)) خلق نحتكم ومنحوتكم (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) آتونا (فَأَلْقُوهُ) فاطرحوه (فِي الْجَحِيمِ (٩٧)) فى النار (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) حرقا بالنار (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨)) من الأسفلين فى النار ، ويقال : من الأخسرين بالعقوبة.

(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩)

٢٢٠