تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

(ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) ما بين ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين سنة (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) بعد الأشد (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) تقبض روحه (مِنْ قَبْلُ) من قبل البلوغ والشيخوخة (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) معلوما منتهى آجالكم (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧)) لكى تصدقوا بالبعث بعد الموت.

(هُوَ الَّذِي يُحْيِي) للبعث (وَيُمِيتُ) فى الدنيا (فَإِذا قَضى أَمْراً) فإذا أراد أن يخلق ولدا بلا أب مثل عيسى (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨)) ولدا بلا أب ، ويقال : فإذا قضى أمرا ، فإذا أراد أن تكون القيامة فإنما يقول للقيامة : كن فتكون بين الكاف والنون ، قبل أن تتصل الكاف مع النون فيكون (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد فى القرآن (إِلَى الَّذِينَ) عن الذين (يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) يكذبون بالقرآن (أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩)) بالكذب فكيف يكذبون على الله (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ) بالقرآن (وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) من الكتب (فَسَوْفَ) وهذا وعيد لهم (يَعْلَمُونَ (٧٠)) يوم القيامة ماذا يفعل بهم.

(إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) أغلال الحديد فى أيمانهم (وَالسَّلاسِلُ) فى أعناقهم مع الشياطين (يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ) يجرون فى النار (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)) يوقدون (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ) تقول الزبانية (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣)) تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) وتقولون إنهم شركاء الله (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) اشتغلوا عنا بأنفسهم ، ثم جحدوا ذلك وقالوا : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا) نعبد (مِنْ قَبْلُ) من قبل هذا (شَيْئاً) من دون الله (كَذلِكَ) هكذا (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤)) عن الحجة (ذلِكُمْ) العذاب فى النار (بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ) تبطرون (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) بلا حق (وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥)) تتكبرون فى الشرك.

(ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى

٢٦١

الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥))

(ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ) مقيمين (فِيها) لا يموتون ولا يخرجون منها (فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦)) منزل الكافرين النار (فَاصْبِرْ) يا محمد على أذى الكفار (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالنصرة لك على هلاكهم (حَقٌ) كائن (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من العذاب يوم بدر (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل أن نريك (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧)) بعد الموت إن رأيت عذابهم أو لم تر (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) إلى قومهم (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) من سميناهم لك لتعلمهم (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) لم نسمهم لك لا تعلمهم (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ) بعلامة (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بأمر الله وذلك حين طلبوا من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) وقت عذاب الله فى الأمم الخالية (قُضِيَ بِالْحَقِ) عذبوا بالحق ، ويقال : قضى يوم القيامة بالعدل بين الناس ، يعنى بين الرسل والأمم (وَخَسِرَ هُنالِكَ) غبن عند ذلك (الْمُبْطِلُونَ (٧٨)) الكافرون (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) خلق لكم (الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩)) من لحومها تأكلون (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) من ألبانها وأصوافها (وَلِتَبْلُغُوا) لكى تطلبوا (عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) فى قلوبكم (وَعَلَيْها) على ظهورها فى البر (وَعَلَى الْفُلْكِ) على السفن فى البحر (تُحْمَلُونَ (٨٠)) تسافرون.

(وَيُرِيكُمْ) يا أهل مكة (آياتِهِ) عجائبه الشمس والقمر والنجوم ، والليل والنهار والجبال ، والسحاب والبحار ، وغير ذلك ، وكل هذا من آيات الله (فَأَيَّ آياتِ اللهِ) أى فبأى آيات الله (تُنْكِرُونَ (٨١)) تجحدون أنها ليست من الله (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) يسافروا كفار مكة (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) ويتذكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) جزاء (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كيف أهلكهم الله عند تكذيبهم الرسل

٢٦٢

(كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ) من أهل مكة فى العدد (وَأَشَدَّ قُوَّةً) بالبدن (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) أشد لها طلبا وأبعد ذهابا (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) من عذاب الله (ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)) يقولون ويعملون فى دينهم.

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى (فَرِحُوا) عجبوا (بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) الدين والعمل وكان ذلك منهم ظنا بغير يقين (وَحاقَ) نزل ودار (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣)) عقوبة استهزائهم بالرسل (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) عذابنا لهلاكهم (قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ) بالله (مُشْرِكِينَ (٨٤)) وهذا باللسان دون القلب عند معاينة العذاب (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) عذابنا لهلاكهم ، فالإيمان عند المعاينة لا ينفع ، وقبل ذلك ينفع ، وكذلك التوبة ، (سُنَّتَ اللهِ) هكذا سيرة الله (الَّتِي قَدْ خَلَتْ) مضت (فِي عِبادِهِ) بالعذاب عند التكذيب ، وبرد الإيمان والتوبة عند المعاينة (وَخَسِرَ هُنالِكَ) غبن عند المعاينة بالعقوبة (الْكافِرُونَ (٨٥)) بالله عزوجل.

* * *

٢٦٣

سورة فصّلت

ومن السورة التى يذكر فيها السجدة (١) ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤))

قال ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله تعالى : (حم (١)) يقول : قضى ، أى بيّن ما هو كائن ، وهو قسم أقسم به (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ) يقول : هذا كتاب تنزيل من الرحمن الرحيم على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فُصِّلَتْ) بينت (آياتُهُ) بالأمر والنهى ، والحلال والحرام (قُرْآناً عَرَبِيًّا) على مجرى لغة العرب نزل الله جبريل به على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣)) يصدقون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (بَشِيراً) بالجنة (وَنَذِيراً) من النار يبشر بالجنة من آمن بالقرآن ، ويخوف من النار من كفر بالقرآن (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) كفار مكة عن الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤)) لا يصدقون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ولا يطيعون (وَقالُوا)

__________________

(١) هو الاسم الثانى للسورة (فصلت).

٢٦٤

أى كفار مكة : أبو جهل وأصحابه (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) فى أغطية (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) من القرآن والتوحيد (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) صمم لا نسمع قولك لنا ، (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) ستر غطوا رؤوسهم بالثياب ، ثم قالوا : يا محمد بيننا وبينك حجاب ستر لا نسمع كلامك استهزاء منهم بك (فَاعْمَلْ) فى دينك لإلهك بهلاكنا (إِنَّنا عامِلُونَ (٥)) لآلهتنا فى ديننا بهلاكك.

(قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) أرسل إلىّ جبريل الوحى بالقرآن أبلغكم (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) فأقبلوا إليه بالتوبة من الشرك (وَاسْتَغْفِرُوهُ) توبوا إليه ووحدوه (وَوَيْلٌ) شدة وعذاب ، ويقال : واد فى جهنم من قيح ودم (لِلْمُشْرِكِينَ (٦)) لأبى جهل وأصحابه (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) لا يقرون بلا إله إلا الله (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت ، والجنة والنار (هُمْ كافِرُونَ (٧)) جاحدون (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (لَهُمْ أَجْرٌ) ثواب (غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨)) غير منقوص ، ويقال : غير منقطع عنهم ، ويقال : لا يمنون بذلك ، ويقال : يكتب ثواب أعمالهم بعد الهرم إلى الموت إلى يوم القيامة غير منقوص (قُلْ) يا محمد (أَإِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) طول كل يوم ألف سنة مما تعدون يوم الأحد ويوم الاثنين (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) أعدالا من الأصنام (ذلِكَ) الذى خلقهما (رَبُّ الْعالَمِينَ (٩)) رب كل شىء ذى روح (وَجَعَلَ فِيها) خلق فيها (رَواسِيَ) الجبال الثوابت (مِنْ فَوْقِها) أوتادا لها (وَبارَكَ فِيها) فى الأرض بالماء والشجر والنبات والثمار (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) معايشها ففى كل أرض معيشة ليست فى غيرها (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) يقول : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بأربعة آلاف سنة من سنين الدنيا ، قدر فيها أرزاق الأجساد قبل أرواحها بأربعة آلاف سنة من سنين الدنيا (سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠)) سواء لمن سأل ، ولمن لم يسأل يعنى الرزق ، ويقال : بيانا للسائلين كيف خلقها هكذا خلقها (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ثم عمد إلى خلق السماء (وَهِيَ دُخانٌ) بخار الماء (فَقالَ لَها) للسماء (وَلِلْأَرْضِ) بعدما فرغ منهما (ائْتِيا) أعطيا ما فيكما من الماء والنبات (طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا) أعطينا (طائِعِينَ (١١)) لله كارهين بجفاء الخلق (١).

__________________

(١) انظر : تفسير القرطبى (١٥ / ٣٤٤) ، وزاد المسير (٧ / ٢٤٥) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ١٣) ،

٢٦٥

(فَقَضاهُنَ) خلقهن (سَبْعَ سَماواتٍ) بعضها فوق بعض (فِي يَوْمَيْنِ) طول كل يوم ألف سنة (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) خلق لكل سماء أهلا وأقر لها أمرها (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) الأولى (بِمَصابِيحَ) بالنجوم (وَحِفْظاً) وحفظناها بالنجوم من الشياطين ، فبعض النجوم زينة السماء لا يتحرك ، وبعضها يهتدى به فى ظلمات البر والبحر ، وبعضها رجوم للشياطين (ذلِكَ تَقْدِيرُ) تدبير (الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْعَلِيمِ (١٢)) بتدبيره ، وبمن آمن به ، وبمن لا يؤمن به (فَإِنْ أَعْرَضُوا) أى كفار مكة عن الإيمان هم عتبة وأصحابه ، (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ) خوفتكم بالقرآن (صاعِقَةً) عذابا (مِثْلَ صاعِقَةِ) مثل عذاب (عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) من قبل عاد وثمود وقالوا لقومهم (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) من بعدهم أيضا جاءت الرسل إلى قومهم ، وقالوا لقومهم (أَلَّا تَعْبُدُوا) أن لا توحدوا (إِلَّا اللهَ قالُوا) كل قوم لرسولهم (لَوْ شاءَ رَبُّنا) أن ينزل إلينا رسولا (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) من الملائكة الذين عنده (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤)) جاحدون ما أنتم إلا بشر مثلنا.

(فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦)

__________________

وزاد المسير (٧ / ٢٤٥) ، ومفاتيح الغيب (٢٦ / ٦٠٩).

٢٦٦

فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨))

(فَأَمَّا عادٌ) قوم هود ، عليه‌السلام ، (فَاسْتَكْبَرُوا) تعظموا عن الإيمان (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) بلا حق كان لهم (وَقالُوا) لهود (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) بالبدن والمنعة فيهلكنا (أَوَلَمْ يَرَوْا) أولم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) منعة يقدر على إهلاكهم (وَكانُوا بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا هود (يَجْحَدُونَ (١٥)) يكفرون (فَأَرْسَلْنا) سلطنا (عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) باردا شديدا (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) مشؤومات عليهم بالعذاب ، ويقال : شديدة (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) الشديد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) أشد مما كان لهم فى الدنيا (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦)) لا يمنعون من عذاب الله (وَأَمَّا ثَمُودُ) قوم صالح (فَهَدَيْناهُمْ) بعثنا إليهم صالح وبينا لهم الكفر والإيمان والحق والباطل (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فاختاروا الكفر على الإيمان (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ) الصيحة بالعذاب (الْهُونِ) الشديد (١)(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧)) يقولون ويعملون فى كفرهم وبعقرهم الناقة (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) بصالح (وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨)) الكفر والشرك وعقر الناقة.

(وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) صفوان بن أمية ، وختناه ربيعة بن عمرو ، وحبيب بن عمرو ، وسائر الكفار (فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩)) يحبس الأول على الآخر (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) أى النار (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ) بما سمعوا بها (وَأَبْصارُهُمْ) بما أبصروا بها (وَجُلُودُهُمْ) أعضاؤهم (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠)) بها فى كفرهم (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ) لأعضائهم ، ويقال : لفروجهم (لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) وكنا نحابس عنكم بالجدال (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ) بالكلام (الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) من الدواب اليوم (وَهُوَ خَلَقَكُمْ) أنطقكم (أَوَّلَ مَرَّةٍ) فى الدنيا (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١)) بعد الموت (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) تقدرون أن تمنعوا أعضاءكم (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) فى الآخرة (وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) ويقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) تقدرون فى الدنيا أن تستروا اكتساب الأعضاء عن الأعضاء أن يشهد لكى لا يشهد عليكم ، ويقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) أتستيقنون (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٤ / ٦٧) ، والقرطبى (١٥ / ٣٤٩).

٢٦٧

سَمْعُكُمْ) فى الآخرة ، ولا أبصاركم ، ولا جلودكم (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ) وقلتم (أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)) وتقولون فى السر (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ) وقلتم على ربكم بالكذب (أَرْداكُمْ) أهلككم (فَأَصْبَحْتُمْ) صرتم (مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)) من المغبونين (فَإِنْ يَصْبِرُوا) فى النار ، أو لا يصبروا (فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) منزل لهم لصفوان بن أمية وأصحابه (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) يسألوا الرجعة إلى الدنيا (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤)) الراجعين إلى الدنيا.

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ) وجعلنا لهم (١)(قُرَناءَ) أعوانا وشركاء من الشياطين (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب (وَما خَلْفَهُمْ) من خلفهم من أمر الدنيا أن لا تنفقوا ولا تعطوا ، وأن الدنيا دار باقية لا تفنى (وَحَقَ) وجب (عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) بالعذاب (فِي أُمَمٍ) مع أمم (قَدْ خَلَتْ) قد مضت (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) من كفار الجن والإنس (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥)) مغبونين بالعقوبة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار أهل مكة ، أبو جهل وأصحابه (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) الذى يقرأ عليكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَالْغَوْا) الغطوا (فِيهِ) وهو الشغب (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦)) لكى تغلبوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسكت (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أبا جهل وأصحابه (عَذاباً شَدِيداً) فى الدنيا يوم بدر (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧)) بأقبح ما كانوا يعملون فى الدنيا (ذلِكَ) لهم فى الدنيا (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) وجزاء أعداء الله فى الآخرة (النَّارُ لَهُمْ فِيها) فى النار (دارُ الْخُلْدِ) قد خلدوا فيها (جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (يَجْحَدُونَ (٢٨)) يكفرون.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما

__________________

(١) وقيل : سببنا. انظر: زاد المسير (٧ / ٢٥١).

٢٦٨

يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فى النار (رَبَّنا) يا ربنا (أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) عن الحق والهدى (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) يعنى من الجن إبليس ، والإنس قابيل ، الذى قتل أخاه هابيل ، ويقال : من الجن إبليس والشياطين ، ومن الإنس رؤساؤهم (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) بالعذاب (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)) من الأضلين بالعذاب (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) وحدوا الله (ثُمَّ اسْتَقامُوا) على الإيمان ، ولم يكفروا ، ويقال : على أداء الفرائض ، ولم يروغوا روغان الثعلب (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) عند قبض أرواحهم (أَلَّا تَخافُوا) على ما أمامكم من العذاب (وَلا تَحْزَنُوا) على ما خلفتم من خلفكم (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠)) فى الدنيا (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) توليناكم فى الدنيا (وَفِي الْآخِرَةِ) ونتولاكم فى الآخرة ، وهم الحفظة (وَلَكُمْ فِيها) فى الجنة (ما تَشْتَهِي) ما تتمنى (أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها) فى الجنة (ما تَدَّعُونَ (٣١)) تسألون (نُزُلاً) ثوابا وطعاما وشرابا لكم (مِنْ غَفُورٍ) لمن تاب (رَحِيمٍ (٣٢)) لمن مات على التوبة.

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً) أحكم قولا ، ويقال : أحسن دعوة (مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) بالتوحيد وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَعَمِلَ صالِحاً) أدى الفرائض ، ويقال : نزلت هذه الآية فى المؤذنين ، يقول : ومن أحسن قولا دعوة ممن دعا إلى الله بالآذان وعمل صالحا ، صلى ركعتين بعد الأذان غير أذان صلاة المغرب (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)) انتحل الإسلام ، وقال : إنى مؤمن حقا ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ) الدعوة إلى التوحيد من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلَا السَّيِّئَةُ) الدعوة إلى الشرك من أبى جهل ، ويقال : لا تستوى الحسنة شهادة أن لا إله إلا الله ، ولا السيئة الشرك بالله (ادْفَعْ) يا محمد الشرك من أبى جهل أن يفتنك (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) بلا إله إلا الله ، ويقال : ادفع السيئة من أبى جهل عن نفسك بالتى هى أحسن بالكلام الحسن والسّلام واللطف

٢٦٩

(فَإِذَا) فعلت ذلك صار (الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) فى الدين وهو أبو جهل (كَأَنَّهُ وَلِيٌ) فى الدين (حَمِيمٌ (٣٤)) قريب فى النسب.

(وَما يُلَقَّاها) ما يعطى الجنة فى الآخرة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) على المرازى وأذى الأعداء فى الدنيا (وَما يُلَقَّاها) وما يوفق لدفع السيئة بالحسنة (إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)) ثواب وافر فى الجنة مثل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) أى يصيبك من الشيطان وسوسة بالجفاء عند جفاء أبى جهل (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) من الشيطان الرجيم (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لمقالة أبى جهل وأصحابه (الْعَلِيمُ (٣٦)) بعقوبته ، ويقال : السميع : باستعاذتك العليم بوسوسة الشيطان (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) كل هذا من آيات الله ، عزوجل ، (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ) لا تعبدوا الشمس (وَلا لِلْقَمَرِ) ولا القمر (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ) واعبدوا الله (الَّذِي خَلَقَهُنَ) يعنى خلق الشمس والقمر والليل والنهار (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)) إن كنتم تريدون عبادة الله فلا تعبدوا الشمس والقمر ، ولكن اعبدوا الله الذى خلقهما ، ويقال : إن كنتم تريدون بعبادة الشمس والقمر عبادة الله فلا تعبدوهما ، فإن عبادة الله فى ترك عبادتهما.

(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) تعظموا عن الإيمان والعبادة لله (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعنى الملائكة (يُسَبِّحُونَ لَهُ) يصلون لله (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨)) لا يملون من عبادة الله ، ولا يفترون (وَمِنْ آياتِهِ) ومن علامات وحدانيته وقدرته (أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) ذليلة منكسرة ميتة (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) المطر (اهْتَزَّتْ) استبشرت بالمطر ، ويقال : تحركت بالنبات (وَرَبَتْ) كثر نباتها ، ويقال : انتفخت بنباتها (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) للبعث (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإماتة والإحياء (قَدِيرٌ (٣٩)).

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً

٢٧٠

وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) يجحدون بآياتنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، ويقال : يكذبون بآياتنا بمحمد والقرآن ، إن قرأت بضم الياء (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) لا يخفى علينا من أعمالهم شىء (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ) وهو أبو جهل وأصحابه (خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً) من العذاب (يَوْمَ الْقِيامَةِ) وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (اعْمَلُوا) يا أهل مكة (ما شِئْتُمْ) وهذا وعيد لهم (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠)) يجزيكم بأعمالكم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) بالقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) حين جاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم به وهو أبو جهل وأصحابه ، لهم فى الآخرة نار جهنم (وَإِنَّهُ) أى القرآن (لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١)) كريم شريف (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ) لم يخالفه التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) من قبله (وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ولا يكون من بعده كتاب فيخالفه ، ويقال : لا تكذبه التوراة والإنجيل والزبور ، وسائر الكتب من قبله ، ولا يكون من بعده كتاب فيكذبه ، ويقال : لم يأت إبليس إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قبل إتيان جبريل ، فزاد فى القرآن ولا من بعد ذهاب جبريل ، فنقص من القرآن ، ويقال : لا يخالف القرآن بعضه بعضا ، ولكن يوافق بعضه بعضا ، (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ) تكليم من حكيم فى أمره وقضائه (حَمِيدٍ (٤٢)) محمود فى فعاله (ما يُقالُ لَكَ) ما أمر لك من تبليغ الرسالة.

٢٧١

(إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) بتبليغ الرسالة (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (لَذُو مَغْفِرَةٍ) لمن تاب من الكفر وآمن بالله (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣)) لمن مات على الكفر (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) لو نزلنا جبريل بالقرآن على غير مجرى لغة العرب (لَقالُوا) كفار مكة (لَوْ لا فُصِّلَتْ) هلا بينت وعربت (آياتُهُ) بالعربية (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) قرآن أعجمى ورجل عربى ، كيف هذا (قُلْ) لهم يا محمد (هُوَ) يعنى القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أبى بكر وأصحابه (هُدىً) من الضلالة (وَشِفاءٌ) بيان لما فى الصدور من العمى (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أبو جهل وأصحابه (فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) صمم (وَهُوَ) أى القرآن (عَلَيْهِمْ عَمًى) حجة (أُولئِكَ) أهل مكة أبو جهل وأصحابه (يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤)) كأنهم ينادون إلى التوحيد من السماء (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) يعنى التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) فى كتاب موسى ، عليه‌السلام ، فمنهم مصدق به ، ومنهم مكذب به (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) وجبت (مِنْ رَبِّكَ) بتأخير العذاب عن هذه الأمة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لفرغ من هلاك اليهود والنصارى والمشركين (وَإِنَّهُمْ) أى اليهود والنصارى والمشركين (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من القرآن (مُرِيبٍ (٤٥)) ظاهر الشك ، ويقال : من كتاب موسى.

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه (فَلِنَفْسِهِ) ثواب ذلك (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) من أشرك بالله فعليها على نفسه عقوبة ذلك (وَما رَبُّكَ) يا محمد (بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)) أن يأخذهم بلا جرم (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) علم قيام الساعة ، لا يعلم قيامها أحد غير الله (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) من كفراها (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) الحوامل (وَلا تَضَعُ) حملها (إِلَّا بِعِلْمِهِ) بإذنه لا يعلمه غيره (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) فى النار فيقول الله : (أَيْنَ شُرَكائِي) الذين كنتم تعبدون وتقولون أنهم شركائى (قالُوا آذَنَّاكَ) أعلمناك ، وقلنا لك قبل هذا (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧)) يشهد على نفسه أنه عبد دونك أحدا (وَضَلَّ عَنْهُمْ) اشتغل عنهم (ما كانُوا يَدْعُونَ) يعبدون (مِنْ قَبْلُ) فى الدنيا (وَظَنُّوا) علموا وأيقنوا (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨)) من ملجأ ولا مغيث ولا نجاة من النار.

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ) يعنى الكافر لا يمل ولا يفتر (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) المال والولد والصحة (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) إن أصابته الشدة والفقر (فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩))

٢٧٢

فيصير آيس شىء وأقنطه من رحمة الله (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ) أصبناه (رَحْمَةً مِنَّا) نعمة منا بالمال والولد والصحة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) شدة أصابته (لَيَقُولَنَّ هذا لِي) بخير علم الله فى (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ) قيام الساعة (قائِمَةً) كائنة كما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم انكارا منه للبعث (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي) كما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ لِي عِنْدَهُ) فى الآخرة (لَلْحُسْنى) الجنة ، وهو عتبة بن أبى ربيعة وأصحابه (فَلَنُنَبِّئَنَ) فلنخبرن (الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) فى كفرهم (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠)) شديد لونا بعد لون فى النار.

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) يعنى الكافر بالمال والولد (أَعْرَضَ) عن شكر ذلك (وَنَأى بِجانِبِهِ) تباعد عن الإيمان (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أصابه الفقر (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١)) طويل بالمال ، ويقال : كثير الولد وهو عتبة (قُلْ) لهم يا محمد (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يقول : هذا القرآن من الله (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) بالقرآن إنه ليس من عند الله ، ماذا يفعل بكم ربكم؟ (مَنْ أَضَلُ) عن الحق والهدى (مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ) فى خلاف (بَعِيدٍ (٥٢)) عن الحق والهدى ، ويقال : فى معاداة شديدة مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أبو جهل (سَنُرِيهِمْ) يا محمد أهل مكة (آياتِنا) علامات عجائبنا ووحدانيتنا وقدرتنا (فِي الْآفاقِ) فى أطراف الأرض من خراب مساكن الذين من قبلهم مثل عاد وثمود ، والذين من بعدهم (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) ونريهم فى أنفسهم من الأمراض والأوجاع والمصائب وغير ذلك (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) أن ما يقول لهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو الحق (١)(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ) أو لم يكفهم ما بين لهم ربك من أخبار الأمم الماضية من غير أن يريهم (أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ) أهل مكة (فِي مِرْيَةٍ) فى شك وارتياب (مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) من البعث بعد الموت (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم وعقوبتهم (مُحِيطٌ (٥٤)) عالم.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٥ / ٣) ، وزاد المسير (٧ / ٢٦٦) ، وتفسير ابن كثير (٤ / ١٠٥) ، ومفاتيح الغيب للرازى (٢٦ / ٦٥٧).

٢٧٣

سورة الشّورى

ومن سورة حم عسق

وهى كلها مكية إلا سبع آيات : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) إلى آخر الآية وخمس آيات ، نزلت فى أبى بكر الصديق وأصحابه من قوله : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) إلى قوله : (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) فإنهن مدنيات.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله الله جل وعلا : (حم (١) عسق (٢)) قال : هى ثناء أثنى بها على نفسه ، يقول : الحاء حلمه ، والميم ملكه ، والعين علمه ، والسين سناؤه ، والقاف قدرته على خلقه ، ويقال : الحاء كل حرب يكون ، والميم تحويل كل ملك يكون ، والعين كل وعد يكون ، والسين سنون كسنى يوسف ، والقاف كل قذف يكون ، ويقال : قسم أقسم بها أن لا يعذب فى النار أبدا من قال : لا إله إلا الله

٢٧٤

مخلصا بها لربه ولقى بها ربه (١) (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الرسل يقول : كما أوحينا إليك حم عسق كذلك أوحينا إلى الذين من قبلك من الرسل (اللهُ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمُ (٣)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره ، ويقال : العزيز فى ملكه وسلطانه الحكيم فى أمره وقضائه (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق كلهم عبيده وإماؤه (وَهُوَ الْعَلِيُ) أعلى كل شىء (الْعَظِيمُ (٤)) أعظم كل شىء (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) يتشققن (مِنْ فَوْقِهِنَ) بعضها فوق بعض من هيبة الرحمن ، ويقال : من مقالة اليهود (وَالْمَلائِكَةُ) فى السماء (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) يصلون بأمر ربهم (وَيَسْتَغْفِرُونَ) يدعون بالمغفرة (لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) من المؤمنين المخلصين (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب (الرَّحِيمُ (٥)) لمن مات على التوبة.

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (أَوْلِياءَ) أربابا من الأصنام (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) شهيد عليهم وعلى أعمالهم (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦)) بكفيل تؤخذ بهم ثم أمره بعد ذلك بقتالهم (وَكَذلِكَ) هكذا (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أنزلنا إليك جبريل بالقرآن (قُرْآناً عَرَبِيًّا) بقرآن على مجرى لغة العرب (لِتُنْذِرَ) لتخوف بالقرآن (أُمَّ الْقُرى) أهل مكة (وَمَنْ حَوْلَها) من البلدان (وَتُنْذِرَ) تخوف (يَوْمَ الْجَمْعِ) من أهوال يوم الجمع يجتمع فيه أهل السماء وأهل الأرض (لا رَيْبَ فِيهِ) لا شك فيه (فَرِيقٌ) منهم من أهل الجمع (فِي الْجَنَّةِ) وهم المؤمنون (وَفَرِيقٌ) طائفة منهم (فِي السَّعِيرِ (٧)) فى نار الوقود وهم الكافرون.

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) لجمع اليهود والنصارى والمشركين على ملة واحدة ملة الإسلام (وَلكِنْ يُدْخِلُ) يكرم (مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) بدينه الإسلام (وَالظَّالِمُونَ) اليهود والنصارى والمشركون (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍ) قريب ينفعهم (وَلا نَصِيرٍ (٨)) مانع يمنعهم من عذاب الله (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) عبدوا من دون الله (أَوْلِياءَ) أربابا (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) بهم جميعا (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى) للبعث (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإحياء والإماتة (قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ) فى الدين (مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) فاطلبوا حكمه من كتاب الله (ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) أمركم بذلك

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٧ / ٢٧١) ، والنكت والعيون للماوردى (٣ / ٥١١) ، وتفسير القرطبى (١٦ / ٢) ، ومفاتيح الغيب للرازى (٢٦ / ٦٦٠).

٢٧٥

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) اتكلت (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠)) أقبل (فاطِرُ السَّماواتِ) أى هو خالق السموات (وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ) خلق لكم (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) آدميا مثلكم (أَزْواجاً) أصنافا ذكرا وأنثى (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أصنافا ذكرا وأنثى (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يخلقكم فى الرحم ، ويقال : يكثركم بالتزويج (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فى الصفة والعلم والقدرة والتدبير (وَهُوَ السَّمِيعُ) لمقالتكم (الْبَصِيرُ (١١)) بأعمالكم (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ) خزائن السموات المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يوسع المال على من يشاء (وَيَقْدِرُ) يقتر على من يشاء (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من البسط والتقتير (عَلِيمٌ (١٢)).

(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦) اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨) اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣))

(شَرَعَ لَكُمْ) اختار لكم يا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِنَ الدِّينِ) دين الإسلام (ما وَصَّى

٢٧٦

بِهِ نُوحاً) الذى أوحينا به إلى نوح وأمر أن يدعو الخلق إليه ويستقيم عليه (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) وفى الذى أوحينا إليك يا محمد ، يعنى القرآن أمرناك أن تدعو الخلق إلى الإسلام وتستقيم عليه (وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ) والذى اخترنا بالإسلام إبراهيم وأمرناه أن يدعو الخلق إليه ويستقيم عليه (وَمُوسى وَعِيسى) كذلك (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) أمر الله جملة الأنبياء أن أقيموا الدين أن اتفقوا فى الدين (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) لا تختلفوا فى الدين (كَبُرَ) عظم (عَلَى الْمُشْرِكِينَ) أبى جهل وأصحابه (ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من التوحيد والقرآن (اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ) لدينه (مَنْ يَشاءُ) وهو من ولد فى الإسلام ويموت على ذلك (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣)) يرشد إلى دينه من يقبل إليه من أهل الكفر (وَما تَفَرَّقُوا) وما اختلف اليهود والنصارى فى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بيان ما فى كتابهم من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونعته (بَغْياً بَيْنَهُمْ) حسدا منهم كفروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) وجبت (مِنْ رَبِّكَ) بتأخير عذاب هذه الأمة (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لفرغ من هلاك اليهود والنصارى (وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ) أعطوا التوراة (مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد الرسل ، ويقال : من بعد الأولين (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) من التوراة (مُرِيبٍ (١٤)) ظاهر الشك.

(فَلِذلِكَ فَادْعُ) إلى توحيد ربك وكتاب ربك (وَاسْتَقِمْ) على التوحيد (كَما أُمِرْتَ) فى القرآن (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) قبلتهم ودينهم قبلة اليهود ودين اليهود (وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ) على الأنبياء (مِنْ كُتُبٍ) من كتاب الله (وَأُمِرْتُ) فى القرآن (لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) بالتوحيد (اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ) يقضى بيننا وبينكم يوم القيامة (لَنا أَعْمالُنا) لنا عبادة الله ودين الإسلام (وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) عليكم أعمالكم عبادة الأصنام ودين الشيطان (لا حُجَّةَ) لا خصومة (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) فى الدين (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) وبينكم يوم القيامة (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥)) مصير المؤمنين والكافرين ، ثم أمر الله بعد ذلك بالقتال (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ) يخاصمون فى دين الله ، يعنى اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) فى الكتاب ويقال : هم المشركون من بعد ما استجيب له يوم الميثاق (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) خصومتهم باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ) سخط (وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (١٦)) أشد ما يكون (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ) جبريل بالقرآن (بِالْحَقِ) لبيان الحق والباطل

٢٧٧

(وَالْمِيزانَ) بين فيه العدل (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد ولم تدر (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (١٧)) قيام الساعة يكون قريبا (يَسْتَعْجِلُ بِهَا) بقيام الساعة (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) بقيام الساعة وهو أبو جهل وأصحابه (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن وقيام الساعة ، وهو أبو بكر وأصحابه (مُشْفِقُونَ مِنْها) خائفون من قيام الساعة وأهوالها وشدائدها (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا) يعنى قيام الساعة (الْحَقُ) الكائن (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) يجادلون ويشكون (فِي السَّاعَةِ) فى قيام الساعة (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (١٨)) عن الحق والهدى.

(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) البر والفاجر ، ويقال : لطف علمه بعباده البر والفاجر (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) يوسع على من يشاء بالمال (وَهُوَ الْقَوِيُ) بأرزاق العباد (الْعَزِيزُ (١٩)) بالنقمة لمن لا يؤمن به (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) ثواب الآخرة بعمله لله (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) فى ثوابه ، ويقال : فى قوته ونشاطه وحسنته فى العمل ، (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) ثواب الدنيا بعمله الذى افترض الله عليه (نُؤْتِهِ) نعطه (مِنْها) من الدنيا وندفع عنه منها (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ) فى الجنة (مِنْ نَصِيبٍ (٢٠)) من ثواب لأنه عمل لغير الله (أَمْ لَهُمْ) ألهم لكفار مكة (شُرَكاءُ) آلهة (شَرَعُوا لَهُمْ) اختاروا لهم (مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) ما لم يأمر الله به بالكافرين أبا جهل وأصحابه (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) الحق بتأخير العذاب عن هذه الأمة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) لفرغ من هلاكهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) الكافرين أبا جهل وأصحابه (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١)) وجيع.

(تَرَى الظَّالِمِينَ) الكافرين يوم القيامة (مُشْفِقِينَ) خائفين (مِمَّا كَسَبُوا) مما قالوا وعملوا فى الكفر (وَهُوَ واقِعٌ) نازل (بِهِمْ) ما يحذرون (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم وهو أبو بكر وأصحابه (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) فى رياض الجنة (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) ما يتمنون ويشتهون (عِنْدَ رَبِّهِمْ) فى الجنة (ذلِكَ) الجنة (هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢)) المن العظيم (ذلِكَ) الفضل (الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) فى الدنيا (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (قُلْ) لهم يا محمد لأصحابك ، ويقال : لأهل مكة : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد والقرآن (أَجْراً) جعلا (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) إلا أن تودوا قرابتى من بعدى ، ويقال :

٢٧٨

إلا أن تتقربوا إلى الله بالتوحيد (وَمَنْ يَقْتَرِفْ) يكتسب (حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) تسعا (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لمن تاب (شَكُورٌ (٢٣)) يشكر اليسير ويجزى الجزيل.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥) فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠))

(أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون (افْتَرى) اختلق محمد (عَلَى اللهِ كَذِباً) فاغتم بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال الله عزوجل : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ) يربط (عَلى قَلْبِكَ) ويقال : يحفظ قلبك (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) يهلك الله الشرك وأهله (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يظهر دينه الإسلام بتحقيقه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤)) بما فى القلوب من الخير والشر (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥)) من الخير والشر (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) يغر الذين آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بكرامته الثواب والكرامة فى الجنة ، ويقال : رؤية الله (وَالْكافِرُونَ) أبو جهل وأصحابه (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (٢٦) * وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ) أى وسع الله المال (لِعِبادِهِ) على عباده (لَبَغَوْا) لطغوا وتطاولوا (فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ) يوسع (بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) على من يشاء (إِنَّهُ

٢٧٩

بِعِبادِهِ) بصلاح عباده (خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧)) بأعمالهم (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعنى المطر (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أى أيسوا من المطر (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) ينزل رحمته ، يعنى المطر (وَهُوَ الْوَلِيُ) بالمطر عاما بعام (الْحَمِيدُ (٢٨)) المحمود فى فعاله.

(وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَ) نشر (فِيهِما) ما خلق فى الأرض (مِنْ دابَّةٍ) كلها آية لكم (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ) على إحيائهم (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) ما تصابون فى أنفسكم (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) فبما جنته أيديكم يصيبكم (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)) من الذنوب فلا يجزيكم به (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) بفائتين من عذاب الله (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ وَلِيٍ) قريب ينفعكم (وَلا نَصِيرٍ (٣١)) مانع يمنعكم من عذاب الله (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (الْجَوارِ) يعنى السفن (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢)) كالجبال (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) التى تجرى بها السفن (فَيَظْلَلْنَ) فيصرن (رَواكِدَ) ثوابت (عَلى ظَهْرِهِ) على ظهر الماء (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من السفن (لَآياتٍ) لعلامات وعبرا (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على الطاقة (شَكُورٍ (٣٣)) بنعم الله (أَوْ يُوبِقْهُنَ) يهلكهن ، يعنى السفن فى البحر (بِما كَسَبُوا) بمعصية أهلهن (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤)) لا يجازيهم به.

(وَيَعْلَمَ) لكى يعلم (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا) يكذبون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)) من مغيث ولا نجاة من عذاب الله (فَما أُوتِيتُمْ) أعطيتم (مِنْ شَيْءٍ) من المال والزهرة (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) لا يبقى (وَما عِنْدَ اللهِ) من الثواب (خَيْرٌ) مما عندكم فى الدنيا (وَأَبْقى) أدوم من متاع الدنيا ، فإنها فانية ، ثم بين لمن هو ، فقال : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن ، يعنى أبا بكر وأصحابه (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦)) لا على المال (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) يعنى الشرك (وَالْفَواحِشَ) يعنى الزنا والمعاصى (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ) بالجفاء (يَغْفِرُونَ (٣٧)) يتجاوزون ولا يكافئون به (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أجابوا لربهم بالتوحيد والطاعة (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) إذا أرادوا أمرا وحاجة تشاوروا فيما بينهم ثم علموا به (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم من المال (يُنْفِقُونَ (٣٨)) يتصدقون (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ) المظلمة (هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)) ينتصفون بالقصاص

٢٨٠