تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك زمانا ، فغلب عليهم الشقاء (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) نادى مصدع وقدار بن سالف بعدما رماها مصدع بن دهر بسهم (فَتَعاطى) فتناول قدار بسهم آخر (فَعَقَرَ (٢٩)) فقتلوا الناقة وقسموا لحمها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠)) فانظر يا محمد كيف كان عذابى عليهم ، وكيف كان حال منذرى لمن آنذرهم صالح ، فلم يؤمنوا (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) أى صيحة جبريل بالعذاب بعد ثلاثة أيام من قتل الناقة (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١)) فصاروا كالشىء الذى داسته الغنم فى الحظيرة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) هونا القرآن (لِلذِّكْرِ) للعظة والحفظ والقراءة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢)) فهل من متعظ فيتعظ بما صنع بقوم صالح ، فيترك المعصية ، ويقال : من طالب علم فيعان عليه.

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣)) لوطا وجملة الرسل (إِنَّا أَرْسَلْنا) أنزلنا (عَلَيْهِمْ حاصِباً) حجارة (إِلَّا آلَ لُوطٍ) إلا على لوط وابنتيه زاعورا وريثا (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤)) عند السحر (نِعْمَةً) رحمة (مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥)) من وحد وشكر نعمة الله بالنجاة (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) فخوفهم لوط (بَطْشَتَنا) عذابنا (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦)) فتجاحدوا بالرسل ، أى كذبوا لوطا ، بما قال لهم (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أرادوا أضيافه جبريل ومن معه من الملائكة بعملهم الخبيث (فَطَمَسْنا) ففقأنا (أَعْيُنَهُمْ) أعمى جبريل أعينهم (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧)) فقلت لهم ذوقوا عذابى ونذر منذرى (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ) أخذهم (بُكْرَةً) وهى طلوع الفجر (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨)) دائم موصول بعذاب الآخرة (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩)) فقلت لهم ذوقوا عذابى ونذر منذرى من أنذرهم لوط ، فلم يؤمنوا (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) هونا القرآن (لِلذِّكْرِ) للحفظ والقراءة والكتابة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠)) متعظ يتعظ بما صنع بقوم لوط فيترك المعصية.

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥))

٣٦١

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١)) إلى فرعون وقومه موسى وهارون (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) التسع (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ) منيع قوى بالعقوبة (مُقْتَدِرٍ (٤٢)) قادر بالعذاب (أَكُفَّارُكُمْ) يا محمد ، ويقال : يا أهل مكة (خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) من الذين قصصنا عليكم (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣)) نجاة فى الكتب من العذاب (أَمْ يَقُولُونَ) كفار مكة (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤)) ممتنع من العذاب (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) جمع الكفار يوم بدر (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)) منهزمين ، يعنى أبا جهل وأصحابه ، فمنهم من قتل يوم بدر ، ومنهم من هزم (بَلِ السَّاعَةُ) بل قيام الساعة (مَوْعِدُهُمْ) بالعذاب (وَالسَّاعَةُ) عذاب الساعة (أَدْهى) أعظم (وَأَمَرُّ (٤٦)) أشد من عذاب يوم بدر (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) المشركين أبا جهل وأصحابه (فِي ضَلالٍ) فى خطأ بين فى الدنيا (وَسُعُرٍ (٤٧)) تعب وعناء فى النار (١).

(يَوْمَ) وهو يوم القيامة (يُسْحَبُونَ) يجرون (فِي النَّارِ) تجرهم الزبانية (عَلى وُجُوهِهِمْ) إلى النار ، فتقول لهم الزبانية : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨)) عذاب سقر (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ) من أعمالكم (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)) فجحدتم ذلك نزلت هذه الآية فى أهل القدر (وَما أَمْرُنا) بقيام الساعة (إِلَّا واحِدَةٌ) كلمة واحدة لا تثنى (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)) فى السرعة كطرف البصر ، ويقال : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩)) يقول : خلقنا لكل شىء شكله وما يوافقه من الثياب والمتاع (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أهل دينكم وأشباهكم يا أهل مكة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١)) متعظ يتعظ بما صنع بهم فيترك المعصية (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) فى الشرك بالله من المعصية والجفاء بالأنبياء (فِي الزُّبُرِ (٥٢)) فى الكتب مكتوب ، ويقال : فى اللوح المحفوظ مكتوب ، نزلت هذه الآية فى أهل القدر أيضا (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الخير والشر (مُسْتَطَرٌ (٥٣)) مكتتب فى اللوح المحفوظ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (فِي جَنَّاتٍ) بساتين (وَنَهَرٍ (٥٤)) أنهار كثيرة ، ويقال : فى رياض واسعة (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) فى أرض كريمة أرض الجنة (عِنْدَ مَلِيكٍ) ملك عليهم (مُقْتَدِرٍ (٥٥)) قادر الثواب والعقاب على عباد.

__________________

(١) وقيل : جنون ،. انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ١٠٧) ، وتفسير الطبرى (١٧ / ٥٦) ، وزاد المسير (٨ / ٩٣).

٣٦٢

سورة الرّحمن

ومن سورة الرحمن ، عزوجل ، وهى كلها مكية.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله تعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)) أنه قال : لما نزلت هذه الآية (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) قال كفار مكة أبو جهل وأصحابه ، الوليد بن عتبة ، وشيبة : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب الذى يكون باليمامة ، فمن الرحمن يا محمد؟ فأنزل الله تبارك وتعالى : (الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)) جبريل ، وجبريل إلى محمدا ، ومحمد إلى أمته ، معناه بعث الله جبريل بالقرآن إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومحمد إلى أمته (خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣)) يعنى آدم من آديم الأرض (عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)) ألهمه الله بيان كل شىء ، وأسماء كل دابة تكون على وجه الأرض (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥)) منازلهما بالحساب ، ويقال : معلقان بين السماء والأرض ، ويقال : عليهما حساب ، ولهما آجال كآجال الناس (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)) للرحمن والنجم ما أنجمت الأرض ، وهو كل نبت لا يقوم على الساق ، والشجر ما يقوم على الساق (وَالسَّماءَ رَفَعَها)

٣٦٣

فوق كل شىء لا ينالها شىء (وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧)) فى الأرض بين العدل بالميزان (أَلَّا تَطْغَوْا) ألا تجوروا ولا تميلوا (فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) لسان الميزان بالعدل ، ويقال : لسان أنفسكم بالصدق (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩)) لا تنقصوا الميزان ، فتذهبوا بحقوق الناس (وَالْأَرْضَ وَضَعَها) بسطها على الماء (لِلْأَنامِ (١٠)) للخلق كله الأحياء والأموات منهم (فِيها) فى الأرض (فاكِهَةٌ) ألوان الفاكهة (وَالنَّخْلُ) ألوان النخل (ذاتُ الْأَكْمامِ (١١)) ذات الغلف من والكفرى ما لم تنشق فهى كم (وَالْحَبُ) الحبوب كلها (ذُو الْعَصْفِ) ذو الورق (١)(وَالرَّيْحانُ (١٢)) السنبلة والثمر (فَبِأَيِّ آلاءِ) فبأى نعماء (رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)) أيها الجن والإنس غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تتجاحدان أنها ليست من الله ، وهكذا كل ما فى هذه السورة من قوله : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣)).

(خَلَقَ الْإِنْسانَ) يعنى آدم (مِنْ صَلْصالٍ) من طين صال قد أنتن يتصلصل (كَالْفَخَّارِ (١٤)) كالذى يتخذ منه الفخار (وَخَلَقَ الْجَانَ) أبا الجن والشياطين (مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥)) لا دخان لها (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦)) فبأى نعماء ربكما تتجاحدان (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ) مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، لها مائة وثمانون منزلا ، وكذلك للمغربين ، وكذلك للقمر ، ويقال : المشرق الشتاء والصيف مائة وسبعة وسبعون منزلا ، وكذلك للمغربين تطلع الشمس فى سنة يومين فى منزل واحد ، وكذلك تغرب يومين فى منزل واحد (وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أرسل البحرين العذب والمالح (يَلْتَقِيانِ (١٩)) لا يختلطان (بَيْنَهُما) بين العذاب والمالح (بَرْزَخٌ) حاجز من الله (لا يَبْغِيانِ (٢٠)) لا يختلطان ولا يغير كل واحد منهما طعم صاحبه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا) من المالح خاصة (اللُّؤْلُؤُ) ما كبر (وَالْمَرْجانُ (٢٢)) ما صغر منه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ) السفن المنشآت المخلوقات المرفوعات (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤)) كالجبال إذا رفع شراعهن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥)).

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (ص ٤٧٢) ، والبحر المحيط (١ / ٥٨) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ١١٣) ، والطبرى (٢٣ / ٧١).

٣٦٤

تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها) على وجه الأرض (فانٍ (٢٦)) يموت ، ويقال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦)) يفنى ، ويقال : كل من عمل لغير الله يفنى (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) حى لا يموت ، ويقال : ما ابتغى به وجه ربك من الأعمال الصالحة (ذُو الْجَلالِ) ذو العظمة والسلطان (وَالْإِكْرامِ (٢٧)) والتجاوز والإحسان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَالْأَرْضِ) من المؤمنين ، فأهل السماء يسألونه المغفرة والتوفيق والعصمة والكرامة ، وأهل الأرض يسألونه المغفرة والتوفيق والعصمة والكرامة والرزق (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)) شأنه أن يحيى ويبعث ويعز ويذل ويولد مولودا ، أو يفك أسيرا ، وشأنه أكثر من أن يحصى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ) سنحفظ عليكم أعمالكم فى الدنيا ونحاسبكم بها يوم القيامة (أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١)) الجن والإنس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢)) ويقول لكم : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) قدرتم (أَنْ تَنْفُذُوا) تخرجوا (مِنْ أَقْطارِ) أطراف (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وصفوف الملائكة (فَانْفُذُوا) فاخرجوا وفروا (لا تَنْفُذُونَ) لا تقدروا أن تخرجوا (إِلَّا بِسُلْطانٍ (٣٣)) بعذر وحجة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) يُرْسَلُ عَلَيْكُما) إذا خرجتم من القبور أيها الجن والإنس (شُواظٌ) لهب (مِنْ نارٍ) لا دخان لها (وَنُحاسٌ) دخان يسوقانكما إلى المحشر (فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥)) فلا تمتنعان من السوق (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) بنزول الملائكة وهيبة الرب (فَكانَتْ وَرْدَةً) فصارة ملونة (كَالدِّهانِ (٣٧)) كألوان الدهن ، ويقال : كألوان الورد ، ويقال : كالأديم المغربى ،

٣٦٥

أى حمرة مع السواد (١) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨)).

(فَيَوْمَئِذٍ) وهو يوم القيامة بعد الفراغ من الحساب (لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) عن عمله (إِنْسٌ وَلا جَانٌ (٣٩)) لا يسأل عن ذنب الإنس والجن ، وعن ذنب الجن والإنس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) المشركون بسواد وجوههم وزرقة أعينهم (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١)) فيجمع النواصى بالأقدام فيطرحون فى النار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢)) ويقولون لهم الزبانية : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣)) المشركون فى الدنيا أنها لا تكون (يَطُوفُونَ بَيْنَها) بين النار (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)) ماء حار قد انتهى حره (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)).

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨) وَلِمَنْ خافَ) عند المعصية (مَقامَ رَبِّهِ) بين يدى ربه مقامه فانتهى عن المعصية فله (جَنَّتانِ (٤٦)) بستانان فى بساتين جنة عدن ، وجنة الفردوس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨)) أغصان وألوان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما) فى البستانين (عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠)) على أهل الجنة بالخير والرحمة والكرامة

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٤٥) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٨٢) ، وزاد المسير (٨ / ١١٨).

٣٦٦

والبركة والزيادة من الله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما) فى البستانين (مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) من ألوان كل فاكهة (زَوْجانِ (٥٢)) لونان فى المنظر والمطعم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) مُتَّكِئِينَ) جالسين ناعمين (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها) ظواهرها (مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) ما ثخن من الديباج وبطائنها من سندس ما لطف من الديباج (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤)) اجتناء البستانين دان قريب يناله القاعد والقائم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَ) فى الجنان كلها (قاصِراتُ الطَّرْفِ) جوار غاضات الطرف قانعات بأزواجهن ولا ينظرن إلى غير أزواجهن (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) لم يجامعهن ، ويقال : (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) لم يجنبهن (إِنْسٌ) للإنس إنس (قَبْلَهُمْ) قبل أزواجهن (وَلا جَانٌ (٥٦)) ولا للجن جن قبل أزواجهن (١).

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَ) فى الصفاء (الْياقُوتُ) كالياقوت (وَالْمَرْجانُ (٥٨)) كالمرجان فى البياض (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)) يقول : هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما) من دون البستانين الأولين (جَنَّتانِ (٦٢)) أخريان فالأوليان أفضل منهما وهاتان دونهما جنة النعيم وجنة المأوى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤)) خضراوان يضرب لونهما إلى السواد لكثرة ريهما (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما) فى الجنتين (عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦)) فوارتان ، ويقال : ممتلئتان بالخير والبركة والرحمة والكرامة والزيادة من الله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧)).

(فِيهِما) فى الجنتين (فاكِهَةٌ) ألوان الفاكهة (وَنَخْلٌ) ألوان النخل (وَرُمَّانٌ (٦٨)) ألوان الرمان فى الطعم والمنظر (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَ) فى الجنان الأربع ، ويقال : فى الجنان كلها (خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠)) جوار خير لأزواجهن حسان الوجوه ، ويقال : حسان الأعين (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ) بيض (مَقْصُوراتٌ) محبوسات على أزواجهن (فِي الْخِيامِ (٧٢)) فى خيام الدر المجوف (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَ) لم يجامعهن ، ويقال : لم يجنبهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ) للإنس إنس قبل أزواجهن (وَلا جَانٌ (٧٤)) ولا للجن جن قبل أزواجهن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ) جالسين ناعمين (عَلى

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (ص ٤٧٥).

٣٦٧

رَفْرَفٍ) مجالس ، ويقال : رياض (خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍ) طنافس مخملة ملونة (حِسانٍ (٧٦)) ويقال : زرابى حسان ملونة (١) (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧)) أيها الجن والإنس ، غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكذبان تتجاحدان أنها ليست من الله (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) ذو بركة ورحمة ، ويقال : تعالى وتبرأ عن الولد والشريك (ذِي الْجَلالِ) ذى العظمة والسلطان (وَالْإِكْرامِ (٧٨)) والتجاوز والإحسان.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ٩٥) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٤٦) ، وزاد المسير (٨ / ١٢٧).

٣٦٨

سورة الواقعة

ومن سورة الواقعة ، وهى كلها مكية

غير قوله : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) ،

وقوله : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) فهؤلاء الآيات نزلن على رسول الله

صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى سفره إلى المدينة.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١)) يقول : إذا قامت القيامة (لَيْسَ لِوَقْعَتِها) لقيامها (كاذِبَةٌ (٢)) راد ولا خلف ولا مثنوية (خافِضَةٌ) تخفض قوما فتدخلهم النار بأعمالهم (رافِعَةٌ (٣)) ترفع قوما بأعمالهم فتدخلهم الجنة ، ويقال : إنما سميت الواقعة لأن صوتها يسمع القريب والبعيد (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤)) إذا زلزلت الأرض زلزلة حتى ينكسر كل بنيان وجبل عليها فيعود فيها (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥)) سيرت الجبال عن وجه الأرض كسير السحاب ، ويقال : قلعت قلعا ، ويقال : جثت جثا ، ويقال : فتت فتا كما يبس السويق أو

٣٦٩

علف البعير (فَكانَتْ) صارت (هَباءً) غبارا كالغبار الذى يسطع من حوافر الدواب ، أو كشعاع الشمس يدخل فى كوة تكون فى البيت ، أو خرق يكون فى الباب (مُنْبَثًّا (٦)) يحور بعضه فى بعض (١)(وَكُنْتُمْ) صرتم يوم القيامة (أَزْواجاً) أصنافا (ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) وهم أهل الجنة الذين يعطون كتابهم بيمينهم ، وهم الذين قال الله لهم : هؤلاء فى الجنة ولا أبالى (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨)) يعجب نبيه بذلك ، يقول : وما يدريك يا محمد ما لأهل الجنة من النعيم والسرور ، والكرامة (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) وهم أهل النار الذين يعطون كتابهم بشمالهم ، وهم الذين قال الله لهم : هؤلاء فى النار ولا أبالى (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)) يعجب نبيه بذلك يقول : وما يدريك يا محمد ما لأهل النار من الهوان والعقوبة والعذاب.

(وَالسَّابِقُونَ) فى الدنيا إلى الإيمان والهجرة والجهاد والتكبيرة الأولى والخيرات كلها هم (السَّابِقُونَ (١٠)) فى الآخرة إلى الجنة (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)) إلى الله (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)) نعيمها دائم (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣)) جماعة من أوائل الأمم كلها قبل أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)) من أواخر الأمم كلها ، وهى أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقول : كلتاهما أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما نزلت هذه الآية أغتم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بذلك ، حتى نزل قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ) جالسين على سرر (مَوْضُونَةٍ (١٥)) موصولة بقضبان الذهب والفضة منسوخة بالدرر والياقوت (مُتَّكِئِينَ) ناعمين (عَلَيْها) على السرر (مُتَقابِلِينَ (١٦)) فى الزيارة (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) فى الخدمة (وِلْدانٌ) وصفاء ، ويقال : هم أولاد الكفار جعلوا خدما لأهل الجنة (مُخَلَّدُونَ (١٧)) خلدوا لا يموتون فيها ، ولا يخرجون منها ، ويقال : يحلون فى الجنة يطوف عليهم (بِأَكْوابٍ) بكيزان لا آذان لها ولا عرا (وَأَبارِيقَ) ما لها آذان وعرا وخراطيم (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨)) خمر طاهر يجرى (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) يقول : لا يصدع رؤوسهم من شربها ، ويقال : لا يصدع الخمر رؤوسهم كخمر الدنيا ، ويقال : لا يمنعون عنها (وَلا يُنْزِفُونَ (١٩)) لا يسكرون بشربها ، ويقال : لا تسكرهم الخمر ، ويقال : لا ينفذ شرابهم إن قرأت بخفض الزاى.

(وَفاكِهَةٍ) وألوان الفاكهة (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠)) مما يشتهون (وَلَحْمِ طَيْرٍ)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٧ / ٩٧) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٤٨).

٣٧٠

وألوان لحم طير (مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)) مما يتمنون (وَحُورٌ) ويطوف عليهم جوار بيض (عِينٌ (٢٢)) عظام الأعين حسان الوجوه (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)) قد كن من الحر والبرد (جَزاءً) هو ثواب لأهل الجنة (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)) ويقولون من الخيرات فى الدنيا (لا يَسْمَعُونَ فِيها) فى الجنة (لَغْواً) باطلا ، ولا حلفا كاذبا (وَلا تَأْثِيماً (٢٥)) لا شتما ، ويقال : لا إثم عليهم فيه (إِلَّا قِيلاً) قولا (سَلاماً سَلاماً (٢٦)) يحيى بعضهم بعضا بالسلام والتحية من الله (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) أهل الجنة (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧)) ما يدريك يا محمد ما لأهل الجنة من النعم والسرور (فِي سِدْرٍ) فى ظلال سمر ، ثم بين ذلك ، فقال : (مَخْضُودٍ (٢٨)) موقر بلا شوك (١) (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)) موز مجتمع ، ويقال : دائم لا ينقطع (وَظِلٍ) ظل الشجر ، ويقال : ظل العرش (مَمْدُودٍ (٣٠)) دائم عليه بلا شمس (وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)) مصبوب من ساق العرش (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢)) ألوان الفاكهة الكثيرة (لا مَقْطُوعَةٍ) لا تنقطع عنهم فى حين وتجئ فى حين (وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)) عنهم إذا نظروا إليها (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤)) فى الهواء لأهلها.

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧))

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٥٠) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ١٠٣) ، وزاد المسير (٨ / ١٣٩) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ١٢٤).

٣٧١

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَ) خلقنا نساء أهل الدنيا (إِنْشاءً (٣٥)) خلقا بعد العجز والعمش والمرض والموت (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)) عذارى (عُرُباً) شكلات غنجات عاشقات متحببات إلى أزواجهن (أَتْراباً (٣٧)) مستويات فى السن والميلاد على مقدار ثلاثة وثلاثين سنة (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨)) لأهل الجنة ، وكلهم أهل الجنة (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩)) جماعة من أوائل الأمم كلها ، قبل أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)) جماعة من أواخر الأمم كلها ، وهى أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقال : كلتا الثلتين من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَصْحابُ الشِّمالِ) أهل النار (ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١)) ما يدريك يا محمد ما لأهل النار من الهوان والعذاب (فِي سَمُومٍ) فى لهب النار ، ويقال : لفيح النار ، ويقال : فى ريح باردة ، ويقال : حارة (وَحَمِيمٍ (٤٢)) ماء حار (وَظِلٍ) عليهم (مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)) من دخان جهنم أسود (لا بارِدٍ) مقيلهم (وَلا كَرِيمٍ (٤٤)) حسن ، ويقال : لا بارد شرابهم ولا كريم عذاب (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) فى الدنيا (مُتْرَفِينَ (٤٥)) مسرفين ، ويقال : متنعمين ، ويقال : متحبرين (وَكانُوا يُصِرُّونَ) فى الدنيا يقيمون ويمكثون (عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦)) على الذنب العظيم ، يعنى الشرك بالله ، ويقال : اليمين الغموس (وَكانُوا يَقُولُونَ) إذا كانوا فى الدنيا (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا) صرنا (تُراباً) رميما (وَعِظاماً) بالية (أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧)) لمحيون ، فقال لهم الأنبياء : نعم ، فقالوا للأنبياء : (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)) قبلنا.

(قُلْ) يا محمد لأهل مكة : (إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ) ميعاد (يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)) معروف يجتمع فيه الأولون والآخرون ، وهو يوم القيامة (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ) عن الإيمان والهدى (الْمُكَذِّبُونَ (٥١)) بالله والرسول والكتاب ، يعنى أبا جهل وأصحابه (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢)) من شجر الزقوم (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣)) من شجر الزقوم البطون ، وهى شجرة نابتة فى أصل الجحيم (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ) على الزقوم (مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤)) الماء الحار (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)) شرب الإبل الظماء إذا أخذها الداء الهيام لا تكاد أن تروى ، ويقال : كشرب العطاش إذا أكلت الحمض ، ويقال : الهيم هى الأرض السهلة (هذا نُزُلُهُمْ) طعامهم وشرابهم (يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)) يوم الحساب (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ) يا أهل مكة (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧)) فهلا تصدقون بالرسول.

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨)) ما تهريقون فى أرحام النساء (أَأَنْتُمْ) يا أهل مكة

٣٧٢

(تَخْلُقُونَهُ) نسما فى الأرحام ذكرا أو أنثى شقيا أو سعيدا (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩)) بل نحن الخالقون لا أنتم (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) سوينا بينكم بالموت تموتون كلكم ، ويقال : قسمنا بينكم الآجال إلى الموت فمنكم من يعيش مائة سنة ، أو ثمانين سنة ، أو خمسين سنة ، أو أقل أو أكثر من ذلك (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠)) بعاجزين (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) نهلككم ونأتى بغيركم خيرا منكم وأطوع لله (وَنُنْشِئَكُمْ) نخلقكم يوم القيامة (فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)) فى صورة لا تعرفون سود الوجوه زرق الأعين ، ويقال : فى صورة القردة والخنازير ، ويقال : نجعل أرواحكم فيما لا تعلمون فيما لا تصدقون ، وهى النار (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ) يا أهل مكة (النَّشْأَةَ الْأُولى) الخلق الأول فى بطون الأمهات ، ويقال : خلق آدم (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢)) فهلا تتعظون بالخلق الأول فتؤمنوا بالخلق الآخر (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣)) تبذرون من الحبوب (أَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (تَزْرَعُونَهُ) تنبتونه (أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)) المنبتون (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ) يعنى الزرع (حُطاماً) يابسا بعد خضرته (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥)) فصرتم تعجبون من يوبسته وهلاكه وتقولون (١) : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦)) معذبون بهلاك زروعنا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)) حرمنا منفعة زروعنا ، ويقال : محاربون.

(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤) فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ١١٥) ، والقرطبى (١٧ / ٢١٩) ، وابن قتيبة (٤٥٠) ، والبحر المحيط (٨ / ٢١١).

٣٧٣

الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦))

(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ) العذب (الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨)) وتسقون دوابكم وجناتكم (أَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (أَنْزَلْتُمُوهُ) الماء العذاب (مِنَ الْمُزْنِ) من السحاب عليكم (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩)) بل نحن المنزلون عليكم لا أنتم (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ) يعنى الماء العذب (أُجاجاً) مرا مالحا زعاقا (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ (٧٠)) فلا تشكرون عذوبته فتؤمنوا به (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)) تقدحون عن كل عود غير العناب وهو الشجر الأحمر (أَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (أَنْشَأْتُمْ) خلقتم (شَجَرَتَها) شجرة النار (أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢)) الخالقون (نَحْنُ جَعَلْناها) هذه النار (تَذْكِرَةً) عظة النار الآخرة (وَمَتاعاً) منفعة (لِلْمُقْوِينَ (٧٣)) المسافرين فى الأرض القواء ، وهى القفر الذين فنى زادهم (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)) فصل باسم ربك العظيم ، ويقال : اذكر توحيد ربك العظيم.

(فَلا أُقْسِمُ) يقول : أقسم (بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥)) بنزول القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجوما نجوما ولم ينزله جملة واحدة (وَإِنَّهُ) يعنى القرآن (لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)) لو تصدقون ، ويقال : فلا أقسم يقول : أقسم بمواقع النجوم بمساقط النجوم عند الغداة وإنه والذى ذكرت لقسم عظيم لو تعلمون لو تصدقون (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)) شريف حسن (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)) فى اللوح المحفوظ مكتوب ، ولهذا كان القسم (لا يَمَسُّهُ) يعنى اللوح المحفوظ (إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)) من الأحداث والذنوب فهم الملائكة ، ويقال : لا يعمل بالقرآن إلا الموفقون (تَنْزِيلٌ) تكليم (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) أى القرآن الذى يقرأ عليكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَنْتُمْ) يا أهل مكة (مُدْهِنُونَ (٨١)) مكذبون أنه ليس كما قال من الجنة والنار والبعث والحساب (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) تقولون للمطر الذى سقيتم (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)) تقولون سقينا بالنوء الفلانى (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ) الروح (الْحُلْقُومَ (٨٣)) يعنى نفس الجسد إلى الحلقوم (وَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤)) متى تخرج نفسه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) ملك الموت وأعوانه إلى الميت (مِنْكُمْ) من أهله (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥)) ملك الموت وأعوانه (فَلَوْ لا) فهلا (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦)) غير ملومين وغير مجازين ومحاسبين.

٣٧٤

(تَرْجِعُونَها) روح الجسد إلى الجسد (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧)) أنكم غير مدينين (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨)) إلى جنة عدن (فَرَوْحٌ) فراحة لهم فى القبر ، ويقال : رحمة إن قرأت بضم الراء (وَرَيْحانٌ) إذا خرجوا من القبور ، ويقال : رزق (١)(وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩)) يوم القيامة لا يفنى نعيمها (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠)) من أهل الجنة وكلهم أصحاب اليمين (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١)) فسلامة وأمن لك ، من أهل الجنة قد سلم الله أمرهم ونجاهم ، ويقال : يسلم عليك أهل الجنة (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ) بالله والرسول والكتاب (الضَّالِّينَ (٩٢)) عن الإيمان (فَنُزُلٌ) فطعامهم من زقوم وشرابهم (مِنْ حَمِيمٍ (٩٣)) ماء حار (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤)) دخولهم فى النار (إِنَّ هذا) الذى وصفت له (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)) حقا يقينا كائنا (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)) فصل بأمر ربك العظيم ، ويقال : اذكر توحيد ربك العظيم أعظم من كل شىء.

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (٤٧٩) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ١٣١).

٣٧٥

سورة الحديد

ومن سورة الحديد ، وهى كلها مكية ، ومدنية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله جل جلاله : (سَبَّحَ لِلَّهِ) يقول : صلى لله ، ويقال : ذكر الله (ما فِي السَّماواتِ) من الخلق (وَالْأَرْضِ) من الخلق (وَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمُ (١)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائن السموات المطر ، والأرض النبات (يُحْيِي) للبعث (وَيُمِيتُ) فى الدنيا (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الإحياء والإماتة (قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ) قبل كل شىء (وَالْآخِرُ) بعد كل شىء (وَالظَّاهِرُ) على كل شىء (وَالْباطِنُ) بكل شىء (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)) معناه هو الأول الحى القديم

٣٧٦

الأزلى كان قبل كل حى أحياه الله ، والآخر هو الحى الباقى الدائم يكون بعد كل حى أماته ، والظاهر الغالب على كل شىء ، والباطن هو العالم بكل شىء ، ويقال : هو الأول هو القديم بلا إقدام أحد ، والآخر هو الباقى بلا إبقاء أحد ، والظاهر هو الغالب بلا إغلاب أحد ، والباطن هو العالم بالظاهر والباطن بلا إعلام أحد ، ويقال : هو الأول قبل كل أول بلا غاية الأولية ، والآخر بعد كل آخر بلا غاية الأخرية ، يقال : هو الأول مؤول كل أول ، والآخر مؤخر كل آخر كان قبل كل شىء خلقه ، ويكون بعد كل شىء أفناه ، وهو الحى الباقى الدائم بلا موت ، ولا فناء ، ولا زوال ، وهو بكل شىء من الأول والآخر ، والظاهر والباطن عليم.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) من أيام أول الدنيا طول كل يوم ألف سنة ، أول يوم منها يوم الأحد ، وآخر يوم منها يوم الجمعة (ثُمَّ اسْتَوى) استقر ، ويقال : امتلأ (عَلَى الْعَرْشِ) وكان الله قبل أن خلق السموات والأرض على العرش بلا كيف (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ما يدخل فى الأرض من الأمطار والكنوز والأموات (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من الأرض من الأموات والنبات والمياه والكنوز (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من الرزق والمطر والملائكة والمصائب (وَما يَعْرُجُ فِيها) وما يصعد إليها من الملائكة والحفظة والأعمال (وَهُوَ مَعَكُمْ) عالم بكم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فى بر أو بحر (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الخير والشر (بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خزائن السموات المطر ، والأرض النبات (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥)) عواقب الأمور فى الآخرة (يُولِجُ) يدخل ويزيد (اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ) يدخل ويزيد (النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦)) بما فى القلوب من الخير والشر.

(آمِنُوا بِاللهِ) يا أهل مكة (وَرَسُولِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) مالكين عليه فى سبيل الله (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) يا أهل مكة (وَأَنْفِقُوا) ما لهم فى سبيل الله (لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)) ثواب عظيم فى الجنة بالإيمان والنفقة (وَما لَكُمْ) يا أهل مكة (لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) لا توحدون بالله (وَالرَّسُولُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَدْعُوكُمْ) إلى التوحيد (لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) لكى توحدوا بربكم (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) إقراركم بالتوحيد ، (إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (مُؤْمِنِينَ (٨)) يوم الميثاق (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (آياتٍ بَيِّناتٍ) جبريل بآيات مبينات بالأمر والنهى ، والحلال والحرام ، (لِيُخْرِجَكُمْ) بالقرآن ودعوة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى

٣٧٧

النُّورِ) من الكفر إلى الإيمان ، ويقال : قد أخرجكم من الكفر إلى الإيمان (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ) يا معشر المؤمنين (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩)) حين أخرجكم من الكفر إلى الإيمان (وَما لَكُمْ) يا معشر المؤمنين (أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) فى طاعة الله (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ميراث أهل السموات وأهل الأرض يموت أهلها ويبقى هو ويرجع الأمر كله إليه (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ) يا معشر المؤمنين عند الله فى الفضل والطاعة والثواب (مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) فتح مكة (١)(وَقاتَلَ) العدو مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (أَعْظَمُ دَرَجَةً) فضيلة ومنزلة عند الله بالطاعة والثواب وهو أبو بكر الصديق (مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ) من بعد فتح مكة (وَقاتَلُوا) العدو فى سبيل الله مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَكُلًّا) كلا الفريقين من أنفق وقاتل من قبل الفتح وبعد الفتح (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) الجنة بالإيمان (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) بما تنفقون (خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ) فى الصدقة (قَرْضاً حَسَناً) محتسبا صادقا من قلبه (فَيُضاعِفَهُ لَهُ) يقبله ويضاعف له فى الحسنات ما بين سبع إلى سبعين إلى سبع مائة إلى ألفى ألف إلى ما شاء من الأضعاف (وَلَهُ) عنده (أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١)) ثواب حسن فى الجنة نزلت هذه الآية فى أبى الدحداح (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (تَرَى) يا محمد (الْمُؤْمِنِينَ) المصدقين (وَالْمُؤْمِناتِ) المصدقات بالإيمان (يَسْعى نُورُهُمْ) يضئ نورهم (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) على الصراط (وَبِأَيْمانِهِمْ) وشمائلهم (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) تقول لهم الملائكة على الصراط لكم اليوم : (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون فيها ، ولا يخرجون منها (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢)) النجاة الوافرة فازوا بالجنة وما فيها ونجوا من النار ، وما فيها.

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ١٢٧) ، والقرطبى (١٧ / ٢٣٩) ، وقيل : الحديبية.

٣٧٨

فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩) اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠))

(يَوْمَ) وهو يوم القيامة بعد ما طفئ نور المنافقين على الصراط (يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) من الرجال (وَالْمُنافِقاتُ) من النساء (لِلَّذِينَ آمَنُوا) للمؤمنين المخلصين على الصراط (انْظُرُونا) ارقبونا وانتظرونا يا معشر المؤمنين (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) نستضئ بنوركم ونجوز به على الصراط معكم (قِيلَ) يقول لهم المؤمنون ، ويقال : يقول لهم الملائكة ، ويقال : يقول لهم الله : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) خلفكم إلى الدنيا ، ويقال : إلى الموقف حيث أعطينا النور (فَالْتَمِسُوا) فاطلبوا (نُورٍ أَ) وهذا استهزاء من الله على المنافقين ، ويقال : من المؤمنين على المنافقين ، فيرجعون فى طلب النور (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) يقول : بنى بينهم وبين المؤمنين (بِسُورٍ) بحائط (لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) الجنة (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)) من نحوه النار (يُنادُونَهُمْ) من وراء السور (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) على دينكم يا معشر المؤمنين (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أهلكتم أنفسكم بكفر السر والنفاق (وَتَرَبَّصْتُمْ) تركتم التوبة من الكفر والنفاق ، ويقال : انتظرتم موت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإظهار الكفر (وَارْتَبْتُمْ) شككتم بالله وبالكتاب والرسول (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) الأباطيل والتمنى (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) وعد الله بالموت على غير التوبة من الكفر والنفاق (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ) عن طاعة الله (الْغَرُورُ (١٤)) يعنى الشيطان ، ويقال : اباطيل الدنيا إن قرأت بضم الغين (فَالْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ) لا يقبل منكم يا معشر المنافقين (فِدْيَةٌ) فداء (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ولم يؤمنوا (مَأْواكُمُ النَّارُ) مصيركم النار (هِيَ مَوْلاكُمْ) أولى بكم النار (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥)) صاروا إليه النار ، قرناؤهم الشياطين وجيرانهم الكفار طعامهم الزقوم وشرابهم الحميم ولباسهم مقطعات النيران وزوارهم الحيات والعقارب.

ثم ذكر قلوبهم إذا كانوا فى الدنيا ، فقال : (أَلَمْ يَأْنِ) ألم يحن وقت (لِلَّذِينَ

٣٧٩

آمَنُوا) بالعلانية (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) أن تلين وتذل وتخلص قلوبهم (لِذِكْرِ اللهِ) وعد الله ووعيده ، ويقال : لتوحيد الله (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) من الأمر والنهى والحلال والحرام فى القرآن (١)(وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أعطوا العلم بالتوراة (مِنْ قَبْلُ) من قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن فهم أهل التوراة (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) الأجل (فَقَسَتْ) غشيت ويبست وجفت (قُلُوبُهُمْ) عن الإيمان وهم الذين خالفوا دين موسى (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) من أهل التوراة (فاسِقُونَ (١٦)) كافرون لا يؤمنون بالله فى علم الله (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ) بالمطر (بَعْدَ مَوْتِها) بعد قحطها ويبوستها كذلك يحيى الله بالمطر الموتى (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) إحياء الموتى (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧)) لكى تصدقوا بالبعث بعد الموت (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ) من الرجال (وَالْمُصَّدِّقاتِ) من النساء بالإيمان ، ويقال : المصدقين من الرجال والمتصدقات من النساء (وَأَقْرَضُوا اللهَ) فى الصدقات (قَرْضاً حَسَناً) محتسبا صادقا من قلوبهم (يُضاعَفُ لَهُمْ) يقبل منهم ويضاعف لهم فى الحسنات ما بين سبع إلى سبعين إلى سبع مائة إلى ألفى ألف إلى ما شاء الله من الأضعاف (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨)) ثواب حسن فى الجنة.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) من جميع الأمم (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) فى إيمانهم (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ثوابهم (وَنُورُهُمْ) على الصراط ، ويقال : الشهداء مفصول من الكلام الأول وهم الأنبياء الذين يشهدون على قومهم بالتبليغ ، ويقال : هم الشهداء للأنبياء على قومهم ، ويقال : هم الشهداء الذين قتلوا فى سبيل الله (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) ثوابهم ثواب النبيين بتبليغ الرسالة ونورهم على الصراط يمشون به (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) بالكتاب والرسول (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩)) أهل النار (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى الحياة الدنيا (لَعِبٌ) فرح (وَلَهْوٌ) باطل (وَزِينَةٌ) منظر (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) فى الحسب والنسب (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) يذهب ولا يبقى (كَمَثَلِ غَيْثٍ) مطر (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ) الزراع (نَباتُهُ) نبات المطر (ثُمَّ يَهِيجُ) يتغير بعد خضرته (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) بعد خضرته (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) يابسا بعد صفرته كذلك الدنيا لا تبقى كما لا يبقى هذا النبات (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لمن ترك طاعة الله ومنع حق الله (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ)

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (٤٨١).

٣٨٠