تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

(وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥) وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠))

(وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١)) قول المشركين (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالكفر والشرك والدعاء إلى غير عبادة الله (وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢)) لا يأمرون بالصلاح (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣)) من المجوفين سوقة مثلنا لست بملك ولا نبى (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ) أدمى (مِثْلُنا) تأكل وتشرب كما نأكل ونشرب (فَأْتِ بِآيَةٍ) بعلامة على ما تقول (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤)) بمجىء العذاب وإنك رسول إلينا (قالَ) لهم صالح (هذِهِ ناقَةٌ) علامة لكم لنبوتى (لَها شِرْبٌ) يوم من الماء (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ) من الماء (مَعْلُومٍ (١٥٥)) بالنوبة يوم لها ويوم لكم (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) بعقر (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦)) كبير (فَعَقَرُوها) فقتلوها (فَأَصْبَحُوا) صاروا (نادِمِينَ (١٥٧)) على قتلها (فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) بعد ثلاثة أيام (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة لمن بعدهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨)) لم يكونوا مؤمنين وكلهم كانوا كافرين (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة من الكفار (الرَّحِيمُ (١٥٩)) بالمؤمنين (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠)) لوطا وجملة المرسلين الذين أخبرهم لوط.

(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠))

(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) نبيهم (لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١)) عبادة غير الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ (١٦٢)) على الرسالة (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم به من التوبة والإيمان (وَأَطِيعُونِ (١٦٣)) اتبعوا أمرى ودينى (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ)

١٠١

على التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من جعل (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) أدبار الرجال (مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥)) من بين العالمين (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ) ما أحل لكم ربكم (مِنْ أَزْواجِكُمْ) من فروج نسائكم (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦)) معتدون الحلال إلى الحرام (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عن مقالتك (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧)) من أرضنا سدوم (قالَ) لوط (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ) الخبيث (مِنَ الْقالِينَ (١٦٨)) المبغضين (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠)).

(إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥) كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠))

(إِلَّا عَجُوزاً) امرأته المنافقة (فِي الْغابِرِينَ (١٧١)) تخلفت مع الباقين بالهلاك (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢)) أهلكنا الباقين من قومه (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) على شذاذهم ومسافريهم (مَطَراً) حجارة (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣)) بئس المطر بالحجارة أن أنذرهم لوط فلم يؤمنوا (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة لمن بعدهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤)) لم يكونوا مؤمنين وكلهم كانوا كافرين (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة من الكافرين (الرَّحِيمُ (١٧٥)) بالمؤمنين (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦)) قوم شعيب شعيبا وجملة المرسلين (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧)) عبادة غير الله (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) من الله (أَمِينٌ (١٧٨)) على رسالته (فَاتَّقُوا اللهَ) فاخشوا الله فيما أمركم من التوبة والإيمان (وَأَطِيعُونِ (١٧٩)) اتبعوا أمرى ووصيتى (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد (مِنْ أَجْرٍ) من جعل (إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠)).

(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ

١٠٢

بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠))

(أَوْفُوا الْكَيْلَ) أتموا الكيل والوزن (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١)) من ناقصى الكيل والوزن وكانوا مسيئين بالكيل والوزن (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢)) بميزان العدل (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) لا تنقصوا حقوق الناس فى الكيل والوزن (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣)) لا تعملوا بالمعاصى فى الأرض والفساد بنقص الكيل والوزن والدعاء إلى غير عبادة الله (وَاتَّقُوا) اخشوا (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤)) خلق الأولين قبلكم (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥)) من المجوفين سوقة مثلنا لست بملك ولا نبى (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ) آدمى (مِثْلُنا) تأكل وتشرب كما نأكل ونشرب (وَإِنْ نَظُنُّكَ) وقد نظنك (لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦)) على ما تقول (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) قطعا (مِنَ السَّماءِ) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧)) بمجىء العذاب (قالَ) شعيب (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨)) فى الكفر وأعلم بكم وبعذابكم (فَكَذَّبُوهُ) بالرسالة (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) وقف العذاب فوقهم كسحابة فأحرقتهم بحرها (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩)) شديد عليهم بالعذاب (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة لمن بعدهم (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠)) لم يكونوا مؤمنين وكلهم كانوا كافرين.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠))

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة من الكفار (الرَّحِيمُ (١٩١)) بالمؤمنين (وَإِنَّهُ) يعنى القرآن (لَتَنْزِيلُ) لتكليم (رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣)) نزل الله بالقرآن جبريل الأمين على الرسالة إلى أنبيائه (عَلى قَلْبِكَ) على قدر حفظك ، ويقال : حين تلاه عليك (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤)) من المخوفين بالقرآن (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)) يقول : القرآن على مجرى لغة العربية ، ويقال : نبئهم يا محمد بلغتهم

١٠٣

(وَإِنَّهُ) يعنى نعت القرآن ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦)) مكتوب فى كتب الأنبياء قبلك (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) لأهل مكة (آيَةً) علامة لنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَنْ يَعْلَمَهُ) أن يخبرهم (عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧)) حيث سألوهم عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن فأخبروهم بذلك (وَلَوْ نَزَّلْناهُ) نزلنا جبريل بالقرآن (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨)) على رجل لا يتكلم بالعربية (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) على قريش (ما كانُوا بِهِ) بالقرآن (مُؤْمِنِينَ (١٩٩)) لأنهم لم يؤمنوا بما كان بلغتهم (كَذلِكَ) هكذا (سَلَكْناهُ) تركنا التكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠)) المشركين أبى جهل وأصحابه.

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١))

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) لكى لا يؤمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١)) الوجيع (فَيَأْتِيَهُمْ) العذاب (بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢)) بنزول العذاب عليهم (فَيَقُولُوا) عند نزول العذاب عليهم (هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣)) مؤجلون من العذاب (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤)) بمجيئه (أَفَرَأَيْتَ) يا محمد (إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥)) فى كفرهم (ثُمَّ جاءَهُمْ) بل جاءهم (ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦)) من العذاب (ما أَغْنى عَنْهُمْ) من عذاب الله (ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧)) يؤجلون (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) من أهل قرية (إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨)) رسل مخوفون (ذِكْرى) يذكرونهم من عذاب الله (وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩)) بهلاكهم (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ) بالقرآن (الشَّياطِينُ (٢١٠)) على عهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) ما هم له بأهل (وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١)) وما يقدرون على ذلك.

(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠))

١٠٤

(إِنَّهُمْ) يعنى الشياطين (عَنِ السَّمْعِ) عن الاستماع للوحى (لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)) لممنوعون (فَلا تَدْعُ) فلا تعبد (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) من الأوثان (فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣)) فى النار (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)) فى الرحم (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)) لين جناحك للمؤمنين ، أى جانبك (فَإِنْ عَصَوْكَ) قريش (فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦)) وتقولون فى كفركم (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ) بالنقمة من أعدائه (الرَّحِيمِ (٢١٧)) بك وبالمؤمنين (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨)) إلى الصلاة (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩)) مع أهل الصلاة فى الركوع والسجود والقيام ، ويقال : فى أصلاب آبائك الأولين (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لمقالتهم (الْعَلِيمُ (٢٢٠)) بهم وبأعمالهم.

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧))

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١)) بالكهانة (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢)) فاجر كاهن وهو مسيلمة الكذاب وطلحة (يُلْقُونَ السَّمْعَ) يستمعون إلى كلام الملائكة يعنى الشياطين (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣)) يستمعون واحدا ويحطون مائة ، ثم يخبرون بذلك الكهنة (وَالشُّعَراءُ) عبد الله بن الزبعرى وأصحابه يقولون الشعر (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤)) الراوون يروون عنهم (أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد (أَنَّهُمْ) يعنى الشعراء (فِي كُلِّ وادٍ) فى كل فن ووجه (يَهِيمُونَ (٢٢٥)) يذهبون ويأخذون ويذمون ويمدحون (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ) فى شعرهم (ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)) أنا وأنا وليس كذلك ، ويقال : ما لا يقدرون أن يفعلوا وكليهما غاويان الشاعر والراوى (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن حسان بن ثابت وأصحابه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) فى الشعر (وَانْتَصَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالرد على الكفار (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) هجوا هجاهم الكفار (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) هجوا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)) أى مرجع يرجعون فى الآخرة وهى النار (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٧٩) ، والقرطبى (١٣ / ١٥٢) ، ولباب لنقول (١٦٤).

١٠٥

سورة النمل

ومن السورة التى يذكر فيها النمل ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (٦) إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله عزوجل : (طس) يقول : ط طوله ، وسين سناؤه ، ويقال : قسم أقسم به (تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ) إن هذه السورة آيات القرآن (وَكِتابٍ مُبِينٍ (١)) بالحلال والحرام (هُدىً) من الضلالة (وَبُشْرى) بالجنة (لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)) المصدقين فى إيمانهم ، ثم بين نعتهم ، فقال : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يتمون الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وما يجب فيها من مواقيتها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يعطون زكاة أموالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت والجنة والنار (هُمْ يُوقِنُونَ (٣)) يصدقون (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت أبا جهل وأصحابه (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) فى الكفر (فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤)) يمضون عمهة لا يبصرون (أُوْلئِكَ) أهل هذه الصفة (الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ) شدة العذاب فى النار (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) يوم القيامة (هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥)) المغبونون بذهاب الجنة ودخول النار (وَإِنَّكَ) يا محمد (لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ) يقول : ينزل عليك جبريل بالقرآن (مِنْ لَدُنْ) من عند (حَكِيمٍ) فى أمره وقضائه (عَلِيمٍ (٦)) بخلقه (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ) حيث تحير فى الطريق (إِنِّي آنَسْتُ ناراً) رأيت نارا عن يسار الطريق أمكثوا هاهنا (سَآتِيكُمْ) حتى آتيكم (مِنْها) من عند النار (بِخَبَرٍ)

١٠٦

عن الطريق (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) بشعلة مقتبسة (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧)) لكى تدفؤوا وكان فى شدة من الشتاء (فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) بوركت النار ، ويقال : بورك من دنا من النار (وَمَنْ حَوْلَها) من الملائكة (١)(وَسُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه (رَبِّ الْعالَمِينَ (٨)) سيد الجن والإنس (يا مُوسى إِنَّهُ) الذى دعاك (أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن بى (الْحَكِيمُ (٩)) فى أمرى وقضائى أمرت أن لا يعبد غيرى (وَأَلْقِ عَصاكَ) من يدك فألقاها (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ) تتحرك (كَأَنَّها جَانٌ) حية لا صغيرة ولا كبيرة (وَلَّى مُدْبِراً) أدبر هاربا منها (وَلَمْ يُعَقِّبْ) لم يلتفت إليها من خوفها قال الله : (يا مُوسى لا تَخَفْ) منها (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَ) عندى (الْمُرْسَلُونَ (١٠)).

(إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠))

(إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ولا من ظلم (ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) ثم تاب بعد ذلك فإنه ينبغى له أن لا يخاف عندى أيضا (فَإِنِّي غَفُورٌ) متجاوز لمن تاب (رَحِيمٌ (١١)) لمن مات على التوبة (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) فى إبطك (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) من غير برص اذهب (فِي تِسْعِ آياتٍ) من تسع آيات (إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) القبط (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢)) كافرين (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا) موسى بآياتنا (مُبْصِرَةً) مبينة بعضها على أثر بعض (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣)) كذب بين ما جئتنا به يا

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ٨٢) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٢٨٦) ، والبحر المحيط (٧ / ٥٦).

١٠٧

موسى (وَجَحَدُوا بِها) بالآيات كلها (ظُلْماً) خلافا واعتداء (وَعُلُوًّا) يقول : عتوا وتكبرا (وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) بعد ما استيقنت أنفسهم أنها من الله مقدم ومؤخر (فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)) آخر أمر المشركين فرعون وقومه كيف أهلكناهم فى البحر (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (داوُدَ) بن إيشا (وَسُلَيْمانَ) بن داود (عِلْماً) وفهما بالنبوة والقضاء (وَقالا) كلاهما (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر والمنة لله (الَّذِي فَضَّلَنا) بالعلم والنبوة (عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ملك داود من بين أولاده ، وكان لداود تسعة عشر ابنا (وَقالَ) سليمان (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا) فهمنا (مَنْطِقَ الطَّيْرِ) كلام الطير (وَأُوتِينا) أعطينا (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) علم كل شىء فى مملكتى (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦)) المن العظيم من الله على (وَحُشِرَ) سخر وجمع (لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ) جموعه (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧)) أولهم على آخرهم (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ) مضوا على واد فيه النمل (قالَتْ نَمْلَةٌ) عرجاء يقال : لها منذرة (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) جحركم (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) لا يكسرنكم ولا يدوسنكم (سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٨)) بكم ، ويقال : وهم يعنى جنود سليمان لم يشعروا بقول النملة (فَتَبَسَّمَ) سليمان (ضاحِكاً) تعجبا (مِنْ قَوْلِها) من قول النملة لأنه علم كلامها دون جنوده (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمنى (١)(أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ) أؤدى شكر نعمتك (الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) مننت على بالتوحيد (وَعَلى والِدَيَ) بالتوحيد (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً) خالصا (تَرْضاهُ) تقبله (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ) فضلك (فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)) مع عبادك المرسلين الجنة (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ) طلب الطير فلم ير الهدهد مكانه (فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) مكانه (أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ (٢٠)) يقول : إن كان من الغائبين من بين الطيور.

(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ

__________________

(١) انظر : تفسير القرطبى (١٣ / ١٧٦) وزاد المسير (٦ / ١٦٢).

١٠٨

لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦) قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١))

(لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً) لأنتفن ريشه وكان عذاب الطير هذا (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) بالسكين (أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢١)) بعذر بين (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) فلبث غير طويل حتى جاءه (فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ) بلغت إلى ما لم تبلغ ، وعلمت ما لم تعلم أيها الملك (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) من مدينة سبأ (بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢)) بخبر حق عجيب (إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) يقال لها : بلقيس (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أعطيت علم كل شىء فى بلدها (وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣)) حسن كبير عليه من الجواهر واللؤلؤ والذهب والفضة وكذا وكذا (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ) يعبدون الشمس (مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) عبادتهم للشمس (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) فصرفهم الشيطان عن طريق الحق والهدى (فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ (٢٤)) سبيل الحق والهدى (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي) وقد قلت لهم : ألا يا هؤلاء اسجدوا لله ، ويقال : هذا قول سليمان ، يقول : لم لا يسجدون لله الذى (يُخْرِجُ الْخَبْءَ) ما خبىء (فِي السَّماواتِ) من المطر (وَالْأَرْضِ) من النبات (وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ) ما يسرون من الخير والشر (وَما تُعْلِنُونَ (٢٥)) يظهرون من الخير والشر (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)) السرير الكبير (قالَ) سليمان للهدهد (سَنَنْظُرُ) فى مقالتك (أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٧) اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) عليهم (ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ) تنح عنهم حيث لا يرونك (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨)) يقولون ويردون ويجيبون كتابى ، ففعل كما أمره سليمان فأخذت بلقيس كتاب سليمان وخرجت إلى قومها (قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) الرؤساء (إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩)) مختوم (إِنَّهُ) عنوانه (مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ) أول سطره (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ) أن لا تتكبروا على (وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)) مستسلمين مصالحين وأشياء كانت فيه مكتوبة.

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً

١٠٩

أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠))

(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) الرؤساء (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي) أخبرونى عن أمرى ، ويقال : تشاوروا لى (ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً) فاعلة أمرا (حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢)) تحضرون وتشاورونى (قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ) بالسلاح (وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ) بالقتال (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) يقول : أمرنا تبع لأمرك (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ (٣٣)) حتى نفعل ما تأمرين ، ثم نطقت بالحكمة (قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ) ملوك الأرض (إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً) عنوة بالحرب والقتال (أَفْسَدُوها) خربوها (وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) بالضرب والقتل وغير ذلك (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)) قال الله (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٣٤)) يعنى ملوك الأرض بالكبرياء (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ) إلى سليمان (بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ) فأنتظر (بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (٣٥)) الرسل (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) رسولها (قالَ) سليمان (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) هدية (فَما آتانِيَ اللهُ) أعطانى الله من الملك والنبوة (خَيْرٌ) أفضل (مِمَّا آتاكُمْ) أعطاكم من المال (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦)) إن ردت إليكم (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ) بهديتهم (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ) بجموع (لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) لا طاقة لهم بها (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) من سبأ (أَذِلَّةً) مغلولة أيمانهم إلى أعناقهم (وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧)) ذليلون (قالَ) سليمان (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) بسريرها (قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨)) مستسلمين مصالحين (قالَ عِفْرِيتٌ) شديد (مِنَ الْجِنِ) يقال : له : عمرو (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) من مجلسك للقضاء وكان مجلس قضائه إلى انتصاف النهار (وَإِنِّي عَلَيْهِ) على حمله (لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩)) على ما فيه من الجواهر واللؤلؤ والذهب والفضة ، قال سليمان : بل أريد أسرع من هذا (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) اسم الله الأعظم يا حى يا قيوم وهو آصف بن برخيا (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) قبل أن يبلغ إليك الشىء الذى رأيته من بعيد

١١٠

(فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا) ثابتا (عِنْدَهُ) يعنى عرشها عند عرشه (قالَ) لآصف (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) من منة ربى (لِيَبْلُوَنِي) ليختبرنى (أَأَشْكُرُ) نعمته (أَمْ أَكْفُرُ) أم أترك شكر نعمته (وَمَنْ شَكَرَ) نعمته (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) ثواب ربه (وَمَنْ كَفَرَ) ترك شكر نعمته (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌ) عن شكره (كَرِيمٌ (٤٠)) متجاوز لمن تاب لا يعجل بالعقوبة.

(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠))

(قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) غيروا لها سريرها فزيدوا فيه وأنقصوا منه (١)(نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) أتعرف (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١)) لا يعرفون (فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ) قال لها سليمان : (أَهكَذا عَرْشُكِ) سريرك شبهوه عليها (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) شبهتموه على (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) فقال سليمان : قد أعطانى الله بتغير سريرها ومجيئه من قبل مجيئها (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢)) أى مخلصين من قبل مجيئها (وَصَدَّها) صرفها سليمان ، ويقال : صرفها الله (ما كانَتْ) عما كانت (تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) يعنى الشمس (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣)) المجوس (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) القصر (فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً) ماء غمرا (وَكَشَفَتْ) رفعت ثيابها (عَنْ ساقَيْها قالَ) لها سليمان (إِنَّهُ صَرْحٌ) قصر (مُمَرَّدٌ) أملس (مِنْ قَوارِيرَ) تحته ماء فلا تخافى واعبرى عليه (قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بعبادتى الشمس (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) على يد سليمان (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)) سيد الإنس والجن (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٩ / ١٠٥) ، وزاد المسير (٦ / ١٧٥).

١١١

أَخاهُمْ) نبيهم (صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أن قل لهم : وحدوا الله وتوبوا إليه من الكفر والشرك والفواحش (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) فصاروا فرقتين مؤمنة وكافرة (يَخْتَصِمُونَ (٤٥)) يتخاصمون فى الدين (قالَ) صالح للفرقة الكافرة (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ) بالعذاب (قَبْلَ الْحَسَنَةِ) قبل العافية والرحمة (لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ) هلا تتوبون من الشرك والكفر والفواحش وتوحدون الله (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦)) لكى ترحموا فلا تعذبوا (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ) تشاءمنا بك (وَبِمَنْ مَعَكَ) من قومك يعنون شدتنا من شؤمك ، ومن شؤم من آمن بك (قالَ) صالح (طائِرُكُمْ) شدتكم ورخاؤكم (عِنْدَ اللهِ) من عند الله (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧)) تختبرون بالشدة والرخاء ، ويقال : تخذلون ولا توفقون (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) نفر من الفساق من أبناء رؤسائهم قدار بن سالف ، ومصدع بن دهو وأصحابهما (يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمعاصى (وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨)) لا يأمرون بالصلاح ولا يعملون به (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ) يقول توافقوا وتخالفوا بالله ، ثم قال : (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) لندخلن عليه وعلى أهله ليلا ولنقتلنه وأهله (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) لورثته وقرابته (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) قتل صالح وأهله (وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩)) يصدقوننا فى قولنا ولا يرد قولنا أحد (وَمَكَرُوا مَكْراً) أرادوا قتل صالح ومن آمن معه (وَمَكَرْنا مَكْراً) أردنا قتلهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠)) بمكرنا ، ويقال : قتلتهم الملائكة فى دار صالح بالحجارة ، وهم لا يشعرون من الملائكة.

(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨) قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠))

١١٢

(فَانْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) عقوبة مكرهم بصالح (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) أهلكناهم بالحجارة (وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١)) وأهلكنا قومهم أجمعين (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) خالية ساقطة (بِما ظَلَمُوا) أشركوا (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآيَةً) لعلامة وعبرة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢)) يصدقون ما فعل بهم (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) بصالح (وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣)) الكفر والشرك والفواحش وقتل الناقة (وَلُوطاً) أرسلنا لوطا إلى قومه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) اللواط (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤)) تعلمون أنها فاحشة (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) أدبار الرجال (شَهْوَةً) اشتهاء لكم (مِنْ دُونِ النِّساءِ) من فروج النساء (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥)) أمر الله (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) فلم يكن جواب قومه (إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ) لوطا وابنتيه زعورا وريتا (مِنْ قَرْيَتِكُمْ) سدوم (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦)) يتنزهون عن أدبار الرجال (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) ابنتيه (إِلَّا امْرَأَتَهُ) المنافقة (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ (٥٧)) يقول : قدرنا عليها أن تكون من المتخلفين بالهلاك (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) على شذاذهم ومسافريهم (مَطَراً) حجارة (فَساءَ) فبئس (مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨)) من أنذرهم لوط فلم يؤمنوا (قُلِ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر والمنة لله على هلاكهم (وَسَلامٌ) سعادة وسلامة (عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) اختارهم الله بالنبوة ، ويقال : اصطفاهم الله بالإسلام ، وهم أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (آللهُ خَيْرٌ) قل يا محمد لأهل مكة : أعبادة الله أفضل (أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩)) أم عبادة ما يشركون بالله من الأوثان (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَنْبَتْنا بِهِ) بالمطر (حَدائِقَ) بساتين ما أحيط عليها من النخل والشجر (ذاتَ بَهْجَةٍ) ذات منظر حسن (ما كانَ لَكُمْ) مقدرة (أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) شجر البساتين (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) سوى الله فعل ذلك (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)) به الأصنام.

(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ

١١٣

وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠))

(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً) مسكنا (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) وسطها أنهارا (وَجَعَلَ لَها) للأرض (رَواسِيَ) الجبال الثوابت أوتادا لها (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) العذب والمالح (حاجِزاً) مانعا لا يختلطان (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) سوى الله فعل ذلك (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١)) لا يصدقون (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) فى البلاء (إِذا دَعاهُ) برفع البلاء (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) برفع البلاء (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) سكان الأرض بعد هلاك أهلها (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) سوى الله فعل ذلك (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢)) ما تتعظون قليلا ولا كثيرا (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ) ينجيكم (فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) من شدائد البر والبحر إذا سافرتم (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً) طيبة (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قدام المطر يبشرهم بالمطر (إِلهٌ مَعَ اللهِ) سوى الله فعل ذلك (تَعالَى اللهُ) تبرأ الله (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)) به من الأوثان (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) يبتدئه من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بعد الموت (وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) سوى الله فعل ذلك (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤)) أن مع اله آلهة شتى (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَالْأَرْضِ) من الخلق (الْغَيْبَ) من قيام الساعة ونزول العذاب (إِلَّا اللهُ وَما يَشْعُرُونَ) وما يعلم الخلق (أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)) متى يبعثون من القبور (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) يقول : اجتمع علمهم على أن الآخرة لا تكون (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها) من قيام الساعة (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)) عماة لا يبصرون (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (أَإِذا كُنَّا) صرنا (تُراباً) رميما (وَآباؤُنا) قبلنا (أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (٦٧)) من القبور لمحيون (لَقَدْ وُعِدْنا هذا) الذى تعدنا (نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) من قبلنا (إِنْ هذا) ما هذا الذى تعدنا يا محمد (إِلَّا أَساطِيرُ) أحاديث (الْأَوَّلِينَ (٦٨) قُلْ) يا محمد

١١٤

لأهل مكة (سِيرُوا) سافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) فاعتبروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩)) آخر أمر المشركين (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) يا محمد إن لم يؤمنوا ، ويقال : ولا تحزن عليهم بالهلاك (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ) ولا تضيق صدرك يا محمد (مِمَّا يَمْكُرُونَ (٧٠)) أى مما يقولون ويصنعون.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠))

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذى تعدنا يا محمد (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١)) إن كنت من الصادقين بمجىء العذاب (قُلْ) لهم يا محمد (عَسى) وعسى من الله واجب (أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) رب لكم (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢)) من العذاب يوم بدر (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (لَذُو فَضْلٍ) لذو من (عَلَى النَّاسِ) بتأخير العذاب (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣)) بتأخير العذاب (وَإِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ) تضمر قلوبهم من البغض والعداوة (وَما يُعْلِنُونَ (٧٤)) ما يظهرون من الكفر والشرك والقتال (وَما مِنْ غائِبَةٍ) من سر خفى (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) من أهل السماء والأرض (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥)) إلا مكتوب فى اللوح المحفوظ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ) الذى تقرأ عليهم يا محمد (يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) يبين لبنى إسرائيل اليهود والنصارى (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦)) كل الذى هم فيه فى الدين يخالفون (وَإِنَّهُ) يعنى القرآن (لَهُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةٌ) من العذاب (لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) بين اليهود والنصارى (بِحُكْمِهِ) وقضائه يوم القيامة (وَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة منهم (الْعَلِيمُ (٧٨)) بهم وبعقوبتهم (فَتَوَكَّلْ) يا محمد (عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩)) على الدين الظاهر وهو الإسلام (إِنَّكَ) يا محمد (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) بالقلوب ، ويقال : من كأنه ميت (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَ) بالقلوب ، ويقال : المتصامم

١١٥

(الدُّعاءَ) دعوتك إلى الحق والهدى (إِذا وَلَّوْا) أعرضوا (مُدْبِرِينَ (٨٠)) عن الحق والهدى.

(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠))

(وَما أَنْتَ) يا محمد (بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) إلى الهدى (إِنْ تُسْمِعُ) ما تسمع دعوتك (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١)) مخلصون بالعبادة والتوحيد (وَإِذا وَقَعَ) وجب (الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) بالسخط والعذاب (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ) بين الصفا والمروة وهى عصا موسى ، ويقال : معها عصا موسى (١)(تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا) بايات ربنا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، ويقال : بخروج الدابة (لا يُوقِنُونَ (٨٢)) لا يصدقون (وَيَوْمَ) وهو يوم القيامة (نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ) من كل أهل دين (فَوْجاً) جماعة (مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا (فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣)) يحبس أولهم على آخرهم (حَتَّى إِذا جاؤُ) اجتمعوا (قالَ) الله لهم (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي) بكتابى ورسولى (وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً) يقول : جحدتم ولم تعلموا أنها ليست منى (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤)) فى الكفر والشرك (وَوَقَعَ الْقَوْلُ) وجب القول (عَلَيْهِمْ) بالسخط والعذاب (بِما ظَلَمُوا) بكفرهم وشركهم (فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥)) لا يجيبون (أَلَمْ يَرَوْا) كفار مكة (أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ) مسكنا (لِيَسْكُنُوا) ليستقروا (فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) مضيئا مطلبا لمعايشهم

__________________

(١) وقيل : هى الخارجة فى آخر الزمان تخرج من مكة. انظر : تفسير الطبرى (٢٠ / ١٠) ، وزاد المسير (٦ / ١٩٠) ، والدر المنثور (٥ / ١١٥) ، والبحر المحيط (٧ / ٩٧).

١١٦

(إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآياتٍ) لعلامات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦)) يصدقون (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وهى نفخة الموت (فَفَزِعَ) مات من (مَنْ فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من الخلق (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) من أهل السماء جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، فإنهم لا يموتون فى النفخة الأولى ولكن يموتون بعد ذلك (١)(وَكُلٌ) يعنى أهل السماء وأهل الأرض (أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧)) يأتون إلى الله يوم القيامة صاغرين ذليلين (وَتَرَى الْجِبالَ) يا محمد فى النفخة الأولى (تَحْسَبُها جامِدَةً) ساكنة مستقرة (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) فى الهواء (صُنْعَ اللهِ) هذا فعل الله بخلقه (الَّذِي أَتْقَنَ) أحكم (كُلَّ شَيْءٍ) من الخلق (إِنَّهُ خَبِيرٌ) عالم (بِما تَفْعَلُونَ (٨٨)) من الخير والشر (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) من جاء يوم القيامة بلا إله إلا الله مخلصا بها (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) فخيره كله منها ومن قبلها (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩)) وهم آمنون من الفزع والعذاب إذا أطبقت النار (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالشرك بالله (فَكُبَّتْ) قلبت (وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ) فى الآخرة (إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠)) فى الدنيا قل يا محمد.

(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))

(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ) أوحد (رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) يعنى مكة (الَّذِي حَرَّمَها) جعلها حرما (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) من الخلق (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١)) مع المسلمين على دينهم (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) أمرت أن أقرأ عليكم القرآن (فَمَنِ اهْتَدى) آمن (فَإِنَّما يَهْتَدِي) يؤمن (لِنَفْسِهِ) ثواب ذلك لنفسه (وَمَنْ ضَلَ) كفر بالقرآن (فَقُلْ) يا محمد (إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢)) المخوفين من النار بالقرآن ، ثم أمره بعد ذلك بالقتال (قُلِ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر لله والوحدانية لله (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) علامات وحدانيته وقدرته بالعذاب يوم بدر (فَتَعْرِفُونَها) فتعلمون أن ما يقول لكم محمد حق وصدق (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ) بساه (عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣)) فى الكفر والشرك ، ويقال : بتارك عقوبة ما تعملون فى الكفر والشرك من المكر والخيانة والفساد.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٠ / ١٥) ، وزاد المسير (٦ / ١٩٥).

١١٧

سورة القصص

ومن السورة التى يذكر فيها القصص ، وهى كلها مكية ،

إلا قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) فإنها نزلت بالجحفة بين مكة

والمدينة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضوان الله عليه فى قوله عزوجل : (طسم (١)) ط طوله ، وسين سناؤه ، وميم ملكه ، ويقال : قسم أقسم به (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)) إن هذه السورة آيات القرآن المبين بالحلال والحرام والأمر والنهى (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ) يقول : يقرأ عليك جبريل خبر موسى وفرعون (بِالْحَقِ) بالقرآن (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣)) يصدقون بك وبالقرآن (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا) خالف وتجبر وكفر (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) فرقا فرقا (يَسْتَضْعِفُ) يقهر (طائِفَةً مِنْهُمْ) منى بنى إسرائيل (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) صغارا (وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) يستخدم نساءهم كبارا (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤)) فى كفره بالقتل

١١٨

والدعاء إلى غير عبادة الله (وَنُرِيدُ) بإرسال موسى إليهم وهلاكهم (أَنْ نَمُنَ) ننزلهم بالنجاة (عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) قهروا وهم بنو إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) قادة فى الخير (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥)) وارثى أهل مصر (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ) ننزلهم (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) جموعهما (مِنْهُمْ) من موسى وبنى إسرائيل (ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦)) من ذهاب الملك (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) أن أرضعى هذا الصبى (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) أن يضيع (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) فاطرحيه فى التابوت والتابوت فى البحر (وَلا تَخافِي) من الغرق (وَلا تَحْزَنِي) من الضيعة أن لا يرد إليك (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)) إلى فرعون وقومه (فَالْتَقَطَهُ) فرفعه (آلُ فِرْعَوْنَ) جوارى فرعون من بين الماء والشجر فأخذنه وذهبن به إلى امرأة فرعون (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) من بعد ما يجىء إليهم بالرسالة (وَحَزَناً) بذهاب ملكهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨)) مشركين (وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ) آسية بنت مزاحم ، وكانت عمة موسى (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي) هذا الغلام (وَلَكَ) يا فرعون (لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فى ضيعتنا (أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) أو نتبناه (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩)) وبنو إسرائيل لا يعلمون أنه ليس منا ، ويقال : وهم لا يشعرون أن هلاكهم على يديه (وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى) صار قلب أم موسى يوحانذ (فارِغاً) من كل هم وذكر إلا هم موسى وذكره (إِنْ كادَتْ) قد كادت (لَتُبْدِي بِهِ) لتظهر به تقول هذا ابنى بعد ما انتسب به إلى فرعون (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا) حفظنا (عَلى قَلْبِها) بالصبر (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠)) من المصدقين بوعد الله أن يكون من المرسلين.

(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ

١١٩

إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠))

(وَقالَتْ) يعنى أم موسى (لِأُخْتِهِ) لأخت موسى تسمى مريم (قُصِّيهِ) اتبعى أثره (فَبَصُرَتْ بِهِ) بالغلام (عَنْ جُنُبٍ) عن بعد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١)) لا يعلمون أنها أخت موسى (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ) على موسى (الْمَراضِعَ) ألبان النساء (مِنْ قَبْلُ) من قبل مجئ أمه (فَقالَتْ) أخت موسى لآل فرعون (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) يرضعون لكم هذا الغلام (وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢)) حافظون بالتربية فدلت على أمها (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) تطيب نفسها بموسى (وَلا تَحْزَنَ) على موسى (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ) فى رده إليها (حَقٌ) صدق (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) يعنى أهل مصر (لا يَعْلَمُونَ (١٣)) ذلك ولا يصدقون (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ثمان عشرة سنة (وَاسْتَوى) خلقه أربعين سنة (آتَيْناهُ) أعطيناه (حُكْماً) فهما (وَعِلْماً) ونبوة (وَكَذلِكَ) وهكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤)) النبيين بالفهم والنبوة ، ويقال : الصالحين بالعلم والحكمة (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ) اشتغال (مِنْ أَهْلِها) عند القيلولة ، ويقال : بعد صلاة المغرب (فَوَجَدَ فِيها) فى المدينة (رَجُلَيْنِ) إسرائيليا وقبطيا (يَقْتَتِلانِ) يتنازعان ويتحاربان بينهما (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) من شيعة موسى الإسرائيلى (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) من عدو موسى القبطى (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) من شيعته موسى (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) من عدو موسى (فَوَكَزَهُ مُوسى) فجمع موسى أصابعه وقبض عليها فلكزه لكزة (فَقَضى عَلَيْهِ) الموت فخر ميتا (قالَ) موسى (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) بأمر الشيطان (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)) ظاهر العداوة وندم على قتله (قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتل النفس (فَاغْفِرْ لِي) ذنبى (فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ) المتجاوز (الرَّحِيمُ (١٦)) لمن تاب (قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ) مننت علىّ بالمعرفة والتوحيد والمغفرة (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)) فلا تجعلنى عونا

١٢٠