تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

للدنيا (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) يتركون العمل لما أمامهم (يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧)) شديدا هوله وعذابه (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ) يعنى أهل مكة (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) قوينا خلقهم (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) يعنى أهلكناهم (تَبْدِيلاً (٢٨)) إهلاكا ، يقول : لو شئنا إهلكنا هؤلاء الكفرة والفجرة ، وبدلنا خيرا منهم ، وأطوع لله (إِنَّ هذِهِ) السورة (تَذْكِرَةٌ) عظة من الله (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) فمن شاء وحد واتخذ بذلك إلى ربه (سَبِيلاً (٢٩)) مرجعا (وَما تَشاؤُنَ) من الخير والشر والكفر والإيمان (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) لكم أن تشاؤوا ذلك (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بما تشاؤون من الخير والشر (حَكِيماً (٣٠)) حكم أن لا تشاؤوا من الخير والشر إلا ما شاء (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) يكرم من يشاء بدين الإسلام من كان أهلا لذلك (وَالظَّالِمِينَ) الكافرين المشركين (أَعَدَّ لَهُمْ) فى الآخرة (عَذاباً أَلِيماً (٣١)) وجيعا يخلص وجعه إلى قلوبهم.

* * *

٤٦١

سورة المرسلات

ومن سورة والمرسلات ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١)) يقول : أقسم الله بالملائكة كثيرا كعرف الفرس ، ويقال : هم الملائكة الذين أرسلوا بالمعروف ، يعنى جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢)) وأقسم بالرياح العواصف الشديدة ، والعصف ما ذرت من منازل القوم (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣)) بالمطر ، يعنى وأقسم بالمطر ، ويقال : بالسحاب الناشرات بالمطر ، ويقال : هم الملائكة الذين ينشرون الكتاب (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤)) وأقسم بالملائكة الذين يفرقون بين الحق والباطل ، ويقال : هى آيات القرآن التى تفرق بين الحق والباطل ، والحلال والحرام ، ويقال : هؤلاء الثلاث هن الرياح (١) (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥)) وأقسم بالمنزلات وحيا (عُذْراً) لله من جوره وظلمه (أَوْ نُذْراً (٦)) لخلقه من عذابه ، ويقال : عذرا حلالا أو نذرا حراما ،

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٩ / ١٤٠) ، وزاد المسير (٨ / ٤٤٤).

٤٦٢

ويقال : عذرا أمرا ، أو نذرا نهيا ، ويقال : عذرا وعدا ، أو نذرا وعيدا ، أقسم بهؤلاء الأشياء.

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ) من الثواب والعقاب فى الآخرة (لَواقِعٌ (٧)) لكائن نازل بكم ، ثم بين متى يكون ، فقال : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨)) ذهب ضوؤها (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩)) انشقت (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠)) قلعت من أماكنها (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١)) جمعت (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢)) هذه الأشياء ، يقول : لأى يوم أجلها صاحبها ، ثم بين ، فقال عزوجل : (لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣)) من الخلائق (وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤)) ما أعلمك بيوم الفصل (وَيْلٌ) واد فى جهنم من قيح ودم ، ويقال : جب فى النار ، ويقال : شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)) بالله والكتاب والرسول والبعث بعد الموت (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦)) بالعذاب والموت (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧)) ثم نلحق بالأولين الآخرين الباقين بعدهم بالموت والعذاب (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨)) بالمشركين من قومك (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩)) من قومك بالإيمان والبعث (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ) يا معشر المكذبين (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠)) من نطفة ضعيفة (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١)) فى مكان حريز رحم المرأة (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢)) إلى وقت خروجه تسعة أشهر ، أو أقل أو أكثر (فَقَدَرْنا) خلقه ، ويقال : ملكنا على خلقه ، ويقال : فصورنا خلقه فى رحم المرأة (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣)) فنعم ما قدرنا وصورنا خلقه (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤)) بالإيمان والبعث.

ثم ذكر منته على عباده ، فقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥)) تكفتهم (أَحْياءً) على ظهرها (وَأَمْواتاً (٢٦)) فى بطنها ، ويقال : أوعية للأحياء والأموات (وَجَعَلْنا فِيها) فى الأرض (رَواسِيَ) جبالا ثوابت فى مكانها أوتادا لها (شامِخاتٍ) طوالا (وَأَسْقَيْناكُمْ) يا معشر المشركين (ماءً فُراتاً (٢٧)) عذبا حلوا ، ويقال : لينا (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨)) بالإيمان والبعث (انْطَلِقُوا) يا معشر المكذبين (إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ) فى الدنيا (تُكَذِّبُونَ (٢٩)) أنه لا يكون وهو عذاب النار تقول لهم الزبانية بعد الفراغ من الحساب : (انْطَلِقُوا) يا معشر المكذبين (إِلى ظِلٍ) من دخان النار (ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠)) فرق (لا ظَلِيلٍ) لا

٤٦٣

كنين من حر النار (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١)) من لهب النار (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ) تقذف بالشرر (كَالْقَصْرِ (٣٢)) كأسفل الشجر العظام (كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣)) سود (١) (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤)) بالإيمان والبعث.

(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))

(هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥)) فى بعض المواطن وينطقون فى بعض المواطن (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) بالكلام (فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧)) بالإيمان والبعث (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) بين الخلائق (جَمَعْناكُمْ) يا معشر المكذبين (وَالْأَوَّلِينَ (٣٨)) قبلكم والآخرين بعدكم (فَإِنْ كانَ لَكُمْ) يا معشر المكذبين (كَيْدٌ) مقدرة أن تصنعوا بى شيئا (فَكِيدُونِ (٣٩)) فاصنعوا بى ، ويقال : فإن كان لكم كيد حيلة فكيدونى فاحتالوا بى (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠)) بالإيمان والبعث.

ثم بين مستقر المؤمنين ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (فِي ظُلَلٍ) ظلال الشجرة (وَعُيُونٍ (٤١)) جار (وَفَواكِهَ) وألوان الفواكه (مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢)) يتمنون (كُلُوا) فيقول الله تبارك وتعالى لهم : كلوا من الثمار (وَاشْرَبُوا) من الأنهار (هَنِيئاً) سائغا بلا داء ولا موت (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)) وتقولون من الخيرات فى الدنيا (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤)) بالقول والفعل (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥)) بالإيمان والبعث (كُلُوا) يا معشر المكذبين (وَتَمَتَّعُوا) عيشوا

__________________

(١) قرأ حفص ، وحمزة والكسائى جِمالَتٌ بالإفراد ، وسائر السبعة جمالات بالجمع ، وقد روى دوس رواية يعقوب من العشرة ، بضم الجيم. انظر : السبعة (٧٤٤) ، والحجة لأبى زرعة (٧٤٤) ، وتفسير الطبرى (٢٩ / ١٤٧).

٤٦٤

(قَلِيلاً) يسيرا فى الدنيا (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦)) مشركون ومصيركم إلى النار فى الآخرة وهذا وعيد من الله لهم (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧)) بالإيمان والبعث (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) للمكذبين إذا كانوا فى الدنيا (ارْكَعُوا) اخضعوا لله بالتوحيد (لا يَرْكَعُونَ (٤٨)) لا يخضعون لله بالتوحيد ، ويقال : هذا فى الآخرة حتى يقول الله تبارك وتعالى لهم : اسجدوا إن كنتم مصدقين بما تقولون (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فلم يقدروا على السجود وبقيت أصلابهم كالصياصى ، ويقال : نزلت فى ثقيف حيث قالوا : لا نحنى ظهورنا بالركوع والسجود (وَيْلٌ) شدة عذاب (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩)) بالله والرسول والكتاب والبعث (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ) كتاب (بَعْدَهُ) بعد كتاب الله (يُؤْمِنُونَ (٥٠)) إن لم يؤمنوا به ، اللهم اجعلنا من المؤمنين المصلين.

* * *

٤٦٥

سورة النّبأ

ومن سورة عم يتساءلون ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١)) يقول : عماذا يتحدثون ، يعنى قريشا (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢)) عن خبر القرآن العظيم الكريم الشريف (١) (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣)) مكذبون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ومصدقون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وذلك إذا نزل جبريل على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشىء من القرآن فقرأه عليه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيتحدثون فيما بينهم عن ذلك ، فمنهم من صدق به ، ومنهم من كذب به

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ٢) ، وزاد المسير (٩ / ٤).

٤٦٦

(كَلَّا) وهو رد على المكذبين (سَيَعْلَمُونَ (٤)) سوف يعلمون عند نزول الموت ماذا يفعل بهم (ثُمَّ كَلَّا) حقا (سَيَعْلَمُونَ (٥)) سوف يعلمون فى القبر ماذا يفعل بهم ، وهذا وعيد من الله للمكذبين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ذكر منته عليهم ، فقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦)) فراشا ومناما (وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧)) لها لكى لا تميد بكم (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨)) ذكرا وأنثى (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩)) استراحة لأبدانكم ، ويقال : حسنا جميلا (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠)) مسكنا ، ويقال : ملبسا (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١)) مطلبا.

(وَبَنَيْنا) خلقنا (فَوْقَكُمْ) فوق رؤوسكم (سَبْعاً) سبع سموات (شِداداً (١٢)) غلاظا.

(وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣)) شمسا مضيئة لبنى آدم (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) بالرياح من السحاب (ماءً ثَجَّاجاً (١٤)) مطرا كثير متتابعا (لِنُخْرِجَ بِهِ) لننبت به (حَبًّا وَنَباتاً (١٥)) بالمطر الحبوب كلها ونباتا وسائر النبات (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦)) بساتين ملتفة ، ويقال : ألوانا (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧)) معادا للأولين والآخرين أن يجتمعوا فيه (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) نفخة البعث (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨)) فوجا فوجا ، جماعة جماعة (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) أبواب السماء (فَكانَتْ أَبْواباً (١٩)) فصارت طرقا (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) عن وجه الأرض (فَكانَتْ سَراباً (٢٠)) فكانت كالسراب (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١)) محبسا وسجنا (لِلطَّاغِينَ) للكافرين (مَآباً (٢٢)) مرجعا (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣)) مقيمين فى جهنم أحقابا حقبا بعد حقب ، [والحقب الواحد ثمانون سنة ، والسنة ثلاث مائة وستون يوما ، واليوم الواحد ألف سنة مما تعد أهل الدنيا ، ويقال : لا يعلم عدد تلك الأحقاب إلا الله] فلا ينقطع عنهم (لا يَذُوقُونَ فِيها) فى النار (بَرْداً) ماء بردا ، ويقال : نوما (وَلا شَراباً (٢٤)) باردا (إِلَّا حَمِيماً) ماء حارا قد انتهى حره (وَغَسَّاقاً (٢٥)) زمهريرا ، ويقال : ماء منتنا (جَزاءً وِفاقاً (٢٦)) موافقة أعمالهم (إِنَّهُمْ كانُوا) فى الدنيا (لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧)) لا يخافون عذابا فى الآخرة ، ولا يؤمنون به (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا (كِذَّاباً (٢٨)) تكذيبا (وَكُلَّ شَيْءٍ) من أعمال بنى آدم (أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩)) كتبناه فى اللوح المحفوظ (فَذُوقُوا) العذاب فى النار (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) فى النار (إِلَّا عَذاباً (٣٠)) لونا بعد لون.

ثم بين كرامة المؤمنين ، فقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش

٤٦٧

(مَفازاً (٣١)) نجاة من النار وقربى إلى الله (حَدائِقَ) وهى ما أحيط عليها من الشجر والنخل (وَأَعْناباً (٣٢)) كروما (وَكَواعِبَ) جوارى مفلكات الثديين (أَتْراباً (٣٣)) مستويات فى السن والميلاد على ثلاث وثلاثين سنة (وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤)) ملأى متتابعة (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أهل الجنة فى الجنة (لَغْواً) حلفا وباطلا (وَلا كِذَّاباً (٣٥)) لا يكذب بعضهم على بعض (جَزاءً) ثوابا (مِنْ رَبِّكَ عَطاءً) أعطاهم فى الجنة (حِساباً (٣٦)) بواحد عشرة ، ويقال : موافقة أعمالهم (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) من الخلق والعجائب (الرَّحْمنِ) هو الرحمن (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ) عنده ، يعنى الملائكة وغيرهم (خِطاباً (٣٧)) كلاما فى الشفاعة حتى يأذن الله لهم.

(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) يعنى جبريل ، ويقال : هو خلق لا يعلم عظمته إلا الله ، ويقال : هم خلق من الملائكة لهم أرجل وأيد مثل بنى آدم (١)(وَالْمَلائِكَةُ) ويوم يقوم الملائكة (صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ) بالشفاعة يعنى الملائكة (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) فى الشفاعة (وَقالَ صَواباً (٣٨)) حقا لا إله إلا الله (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) الكائن يكون فيه ما وصفت (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ) وحده واتخذ بذلك التوحيد إلى ربه (مَآباً (٣٩)) مرجعا (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) خوفناكم يا أهل مكة (عَذاباً قَرِيباً) كائنا (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) يبصر المؤمن ، ويقال : الكافر (ما قَدَّمَتْ) ما عملت (يَداهُ) من خير أو شر (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠)) مع البهائم من الهول والشدة والعذاب ، يتمنى الكافر أن يكون ترابا مع البهائم.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٥) ، وزاد المسير (٩ / ١٢) ، والدر المنثور (٦ / ٣٠٩) ، ونقل عن ابن عباس أنه قال : «الروح» أرواح الناس فيما بين النفختين ، وفى رواية أخرى له : ملك ما خلق ملكا أعظم منه.

٤٦٨

سورة النّازعات

ومن سورة النازعات ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالنَّازِعاتِ) يقول : أقسم الله بالملائكة الذين ينزعون نفوس الكافرين (غَرْقاً (١)) غرقت نفسه فى صدره ، ويقال : وهى أرواح الكفار (وَالنَّاشِطاتِ) وأقسم بالملائكة الذين ينشطون نفوس الكافرين بالكرب والغم (نَشْطاً (٢)) كنشط السفود كثير الشعب من الصوف ، ويقال : هى أرواح المؤمنين تنشط بالخروج إلى الجنة (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣))

٤٦٩

وأقسم بالملائكة الذين ينزعون نفوس الصالحين يسلونها سلا رفيقا رويدا ، ثم يتركونها حتى تستريح ، ويقال : هى أرواح المؤمنين (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)) وأقسم بالملائكة الذين يسبقون بأرواح المؤمنين إلى الجنة وأرواح الكافرين إلى النار ، ويقال : هى أرواح المؤمنين تسبق إلى الجنة (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥)) وأقسم بالملائكة الذين يدبرون أمور العباد ، يعنى جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت عليهم‌السلام ، ويقال : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)) ، كل هؤلاء النجوم (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥)) هم الملائكة ، ويقال : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١)) هى قسى الغزاة (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢)) هى أوهاق الغزاة ، (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣)) هى سفن غزاة البحر (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤)) هى خيول الغزاة (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥)) يعنى قواد الغزاة ، ويقال : (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣)) هى الشمس والقمر والليل والنهار ، أقسم الله هذه الأشياء أن النفختين لكائنات بينهما أربعون سنة (١).

ثم بينهما ، فقال : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦)) وهى النفخة الأولى يتزلزل كل شىء (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧)) وهى النفخة الأخيرة (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (واجِفَةٌ (٨)) خائفة (أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩)) ذليلة (يَقُولُونَ) كفار مكة النضر بن الحارث وأصحابه (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠)) إلى الدنيا ، ويقال : من القبور (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١)) أى صرنا عضاما بالية ، ويقال : ميتة إن قرأت بالألف فكيف يبعثنا ، فقال لهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بلى يبعثكم (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢)) رجعة خائبة لا تكون ، فقال الله : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣)) نفخة واحدة لا تثنى وهى نفخة البعث (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)) على وجه الأرض ، ويقال : بأرض المحشر (هَلْ أَتاكَ) يا محمد استفهاما منه ، يعنى قد أتاك ، ويقال : ما أتاك ثم أتاك (حَدِيثُ مُوسى (١٥)) خبر موسى (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ) دعاه ربه (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) المطهر (طُوىً (١٦)) اسم الوادى ، وإنما سمى طوى لكثرة ما مشت عليه الأنبياء ، ويقال : قد طوى ، ويقال : طأ يا موسى هذا الوادى بقدميك بخيره وبركته.

(اذْهَبْ) يا موسى (إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧)) علا وتكبر وكفر بالله (فَقُلْ هَلْ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٨) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٨٤) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٢٣٠).

٤٧٠

لَكَ) يا فرعون (إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨)) تصلح وتسلم فتوحد الله (وَأَهْدِيَكَ) وأدعوك (إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩)) منه فتسلم (فَأَراهُ) موسى (الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠)) العلامة العظمى اليد والعصا (فَكَذَّبَ) وقال : ليس هذا من الله (وَعَصى (٢١)) لم يقبل (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الإيمان ، ويقال : عن موسى (يَسْعى (٢٢)) يعمل فى أمر موسى ، ويقال : أسرع إلى أهله (فَحَشَرَ) قومه بالشرط (فَنادى (٢٣)) فخطبهم (فَقالَ) لهم (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)) أنا ربكم ورب أصنامكم الأعلى فلا تتركوا عبادتها (فَأَخَذَهُ اللهُ) فعاقبه الله (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥)) عقوبة الدنيا بالغرق ، وعقوبة الآخرة بالنار ، ويقال : عاقبه الله بكلمته الأولى والأخرى ، وكلمته الأولى ، قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) وكلمته الأخرى ، قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤)) وكان بينهما أربعون سنة.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم بفرعون وقومه (لَعِبْرَةً) لعظة (لِمَنْ يَخْشى (٢٦)) لمن يخاف ما صنع بهم (أَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (أَشَدُّ خَلْقاً) بعثا وأحكم صنعة (أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧)) خلقها (رَفَعَ سَمْكَها) أى سقفها (فَسَوَّاها (٢٨)) على وجه الأرض (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) أظلم ليلها (وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩)) أبرز نهارها وشمسها (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠)) مع ذلك بسطها على الماء ، ويقال : بعد ذلك بسطها على الماء بألفى سنة (أَخْرَجَ مِنْها) من الأرض (ماءَها) الجارى والغائر (وَمَرْعاها (٣١)) كلأها (وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢)) أوتدها (مَتاعاً لَكُمْ) منفعة لكم (وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣)) الماء والكلأ (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤)) وهى قيام الساعة طمت وعلت على كل شىء ، فليس فوقها شىء (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) يتعظ ويعلم الكافر النضر وأصحابه (ما سَعى (٣٥)) الذى عمل فى كفره.

(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أظهرت الجحيم (لِمَنْ يَرى (٣٦)) لمن يجب له دخولها (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧)) علا وتكبر وكفر بالله وهو النضر بن الحارث بن علقمة (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨)) اختار الدنيا على الآخرة والكفر على الإيمان (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩)) مأوى من كان هكذا (وَأَمَّا مَنْ خافَ) عند المعصية (مَقامَ رَبِّهِ) بين يدى ربه ، فانتهى عن المعصية (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠)) عن الحرام الذى يشتهيه ، وهو مصعب بن عمير (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)) مأوى من كان هكذا (يَسْئَلُونَكَ) يا محمد كفار مكة (عَنِ السَّاعَةِ) عن قيام الساعة (أَيَّانَ مُرْساها (٤٢))

٤٧١

متى قيامها إنكارا منهم لها (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣)) ما أنت وذاك أن تذكرها لهم (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤)) منتهى علم قيامها (١) (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ) رسول مخوف بالقرآن (مَنْ يَخْشاها (٤٥)) من يخاف قيامها (يَوْمَ يَرَوْنَها) يعنى الساعة (كَأَنَّهُمْ) مقدم ومؤخر (لَمْ يَلْبَثُوا) فى القبور فى الدنيا (إِلَّا عَشِيَّةً) قدر عشية (أَوْ ضُحاها (٤٦)) أو قدر غدوة من أول النهار.

__________________

(١) انظر : مستدرك الحاكم (١ / ٥) ، والحلية (٧ / ٣١٤) ، وتاريخ الخطيب (١١ / ٣٢١) ، ومجمع الزوائد (٧ / ١٣٣).

٤٧٢

سورة عبس

ومن سورة عبس ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١) ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢) كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (٢٣) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢) فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عز من قائل : (عَبَسَ) يقول : كلح محمد وجهه (وَتَوَلَّى (١)) وأعرض بوجهه (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢)) عبد الله بن أم مكتوم ، وهو عبد الله بن شريح ، وأم مكتوم كانت أم أبيه ، وذلك أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان جالسا مع ثلاثة نفر من أشراف قريش منهم العباس بن عبد المطلب عمه ، وأمية بن خلف الجمحى ، وصفوان بن أمية ، وكانوا كفارا فكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعظهم ويدعوهم إلى الإسلام ، فجاء ابن أم مكتوم ، فقال : يا رسول الله ، علمنى مما علمك الله ، فأعرض النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوجهه عنه اشتغالا بهؤلاء النفر ، فنزل فيه : (عَبَسَ) كلح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بوجهه (وَتَوَلَّى (١)) أعرض بوجهه عن عبد الله (أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢)) ابن أم

٤٧٣

مكتوم (١) (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد (لَعَلَّهُ) الأعمى (يَزَّكَّى (٣)) يصلح بالقرآن (أَوْ يَذَّكَّرُ) يتعظ بالقرآن (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)) أى العظة بالقرآن ، ويقال : (وَما يُدْرِيكَ) يا محمد (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)) أن لا يصلح ، أو يذكر ، أو لا يتعظ (فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤)) أو لا تنفعه العظة (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥)) عن الله فى نفسه ، وهم هؤلاء الثلاثة.

(فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)) تقبل عليه بوجهك.

(وَما عَلَيْكَ) يا محمد (أَلَّا يَزَّكَّى (٧)) ألا يوحد هؤلاء الثلاثة (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨)) يسرع فى الخير (وَهُوَ يَخْشى (٩)) من الله وهو مسلم وكان قد أسلم قبل ذلك ابن أم مكتوم (فَأَنْتَ عَنْهُ) يا محمد (تَلَهَّى (١٠)) تعرض مشتغلا بهؤلاء الثلاثة (كَلَّا) لا تفعل هكذا يقول : لا تقبل على الذى استغنى عن الله فى نفسه وتعرض عمن يخشى الله فكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكرم ابن أم مكتوم بعد ذلك ، ويجلس إليه (إِنَّها) يعنى هذه السورة (تَذْكِرَةٌ (١١)) عظة من الله للغنى والفقير (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (١٢)) فمن شاء الله له أن يتعظ اتعظ.

(فِي صُحُفٍ) يقول : القرآن مكتوب فى كتب من أدم (مُكَرَّمَةٍ (١٣)) كريمة على الله (مَرْفُوعَةٍ) مرتفعة فى السماء (مُطَهَّرَةٍ (١٤)) من الأدناس والشرك (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)) كتبة (كِرامٍ) هم كرام على الله مسلمون (بَرَرَةٍ (١٦)) صدقة وهم الحفظة أهل سماء الدنيا (قُتِلَ الْإِنْسانُ) لعن الكافر عتبة بن أبى لهب (ما أَكْفَرَهُ (١٧)) ما الذى أكفره بالله وبنجوم القرآن ، ويقال : ما أشد كفره (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨)) يقول : فليتفكر فى نفسه من أى شىء خلقه نسمة ، ثم بين له ، فقال : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) نسمة (فَقَدَّرَهُ (١٩)) قدر خلقه باليدين والرجلين ، والعينين والأذنين ، وسائر الأعضاء (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠)) طريق الخير والشر بينه ، ويقال : سبيل الرحم ويسره بالخروج (ثُمَّ أَماتَهُ) بعد ذلك (فَأَقْبَرَهُ (٢١)) فأمر به فقبر (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)) بعثه من القبر.

(كَلَّا) حقا يا محمد (لَمَّا يَقْضِ) لم يرد والألف هاهنا صلة (ما أَمَرَهُ (٢٣)) الذى أمره الله من التوحيد وغيره (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) فليتفكر الكافر عتبة بن أبى لهب (إِلى طَعامِهِ (٢٤)) الذى يأكله كيف يحول من حال إلى حال حتى يأكله ، ثم بين له

__________________

(١) انظر : سنن الترمذى (٤ / ٢٠٩) ، والحاكم (٢ / ٥١٤) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٣٢) ، ولباب النقول (٢٢٧) ، وزاد المسير (٩ / ٢٦).

٤٧٤

تحويله ، فقال : (أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا (٢٥)) يعنى المطر على الأرض صبا (ثُمَّ شَقَقْنَا) صدعنا (الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)) صدعا بالنبات (فَأَنْبَتْنا فِيها) فى الأرض (حَبًّا (٢٧)) الحبوب كلها (وَعِنَباً) يعنى الكروم (وَقَضْباً (٢٨)) قتا ، ويقال : هو الرطبة (وَزَيْتُوناً) شجرة الزيتون (وَنَخْلاً (٢٩)) يعنى النخيل (وَحَدائِقَ) ما أحيط عليها من الشجر والنخل (غُلْباً (٣٠)) غلاظا طوالا (وَفاكِهَةً) وألوان الفاكهة (وَأَبًّا (٣١)) يعنى الكلأ ، ويقال : هو التين (مَتاعاً لَكُمْ) منفعة الحبوب وغيرها (وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٢)) الكلأ (فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣)) وهو قيام الساعة صاح وانقاد ، وأجاب لها كل شىء ، وتذل الخلائق.

ثم بين متى تكون ، فقال : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ) المؤمن (مِنْ أَخِيهِ (٣٤)) الكافر (وَأُمِّهِ) ويفر من أمه (وَأَبِيهِ (٣٥)) ويفر من أبيه (وَصاحِبَتِهِ) ويفر من زوجته (وَبَنِيهِ (٣٦)) ويفر من بنيه ، ويقال : يفر هابيل من قابيل ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أمه آمنة ، وإبراهيم من أبيه آزر ، ولوطا من زوجته واعلة ، ونوح من ابنه كنعان (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)) عمل يشغله عن غيره (وُجُوهٌ) يعنى وجوه المؤمنين المصدقين فى إيمانهم (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (مُسْفِرَةٌ (٣٨)) مشرقة برضا الله عنها (ضاحِكَةٌ) معجبة بكرامة الله لها (مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)) مسرورة بثواب الله (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠)) غبار (تَرْهَقُها) تعلوها وتغشاها (قَتَرَةٌ (٤١)) كآبة وكسوف (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمُ الْكَفَرَةُ) بالله (الْفَجَرَةُ (٤٢)) الكذبة على الله.

* * *

٤٧٥

سورة التكوير

ومن سورة كورت ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ (٤) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥) وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧) وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (١٠) وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ (١٤) فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١) وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (٢٢) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣) وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤) وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١)) يقول : تكور كما تكور العمامة ، ويرمى بها فى حجاب النور ، ويقال : دهورت ، ويقال : ذهب ضوؤها (١) (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)) تساقطت على وجه الأرض (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (٣)) ذهبت عن وجه الأرض (وَإِذَا الْعِشارُ) النوق الحوامل (عُطِّلَتْ (٤)) عطلها أربابها اشتغالا بأنفسهم (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)) البهائم للقصاص ، ويقال : حشرها موتها (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ (٦)) فتحت بعضها فى بعض المالح فى العذب ، فصارت بحرا واحدا ، ويقال : صيرت نارا (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (٧)) قرنت بالأزواج ، ويقال : قرنت بقرينها المؤمن بحور العين ، والكافر بالشيطان ، والصالح بالصالح ، والفاجر بالفاجر ، (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ) المقتولة المدفونة

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٣٩) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٤١) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٨٧) ، وزاد المسير (١٠ / ٣٨).

٤٧٦

(سُئِلَتْ (٨)) أى سألت أباها (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)) بأى ذنب قتلتنى ، ويقال : وإذا الوائد ، يعنى القاتل سئل بأى ذنب قتلتها.

(وَإِذَا الصُّحُفُ) ديوان الحساب الحسنات والسيئات (نُشِرَتْ (١٠)) للحساب ، ويقال : تطايرت فى الأكف (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ (١١)) نزعت من أماكنها وطويت (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (١٢)) أوقدت للكافرين (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (١٣)) قربت للمتقين (عَلِمَتْ نَفْسٌ) علمت كل نفس برة ، أو فاجرة عند ذلك (ما أَحْضَرَتْ (١٤)) ما قدمت من خير أو شر (فَلا أُقْسِمُ) يقول : أقسم (بِالْخُنَّسِ (١٥)) وهى النجوم التى يخنسن بالنهار ويظهرن بالليل (الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦)) ويجرين بالليل إلى المجرة [يكنسن بالنهار] ثم يرجعن إلى أماكنهن ويغبن وكنوسهن غيبوبتهن ، وسقوطهن ورجوعهن إلى أماكنهن ، وهى هذه الأنجم الخمسة زهرة ، وزحل ، ومريخ ومشترى ، وعطارد.

(وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧)) إذا أدبر وذهب (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨)) إذا أقبل واستضاء ، أقسم الله بهذه الأشياء (إِنَّهُ) يعنى القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)) يقول الله : نزل به جبريل على رسول كريم على الله يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ذِي قُوَّةٍ) على أعدائه ، يعنى به جبريل (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠)) عند الله له القدر والمنزلة (مُطاعٍ) يعنى جبريل مطاع (ثَمَ) فى السماء يطيعه الملائكة (أَمِينٍ (٢١)) على الرسالة إلى أنبيائه (وَما صاحِبُكُمْ) نبيكم محمد يا معشر قريش (بِمَجْنُونٍ (٢٢)) يختنق كما تقولون (وَلَقَدْ رَآهُ) رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (٢٣)) بمطلع الشمس المرتفع (وَما هُوَ) يعنى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عَلَى الْغَيْبِ) على الوحى (بِضَنِينٍ (٢٤)) بمتهم ، ويقال : ببخيل إن قرأت بالضاد (١).

(وَما هُوَ) يعنى القرآن (بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (٢٥)) متمرد لعين ، واسمه المرمى (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)) من أين يكذبون ، ويقال : وأين تميلون عن القرآن فلا تؤمنون به (إِنْ هُوَ) ما هو ، يعنى القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) عظة من الله (لِلْعالَمِينَ (٢٧)) من الجن والإنس (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)) على ما أمره الله من التوحيد وغيره

__________________

(١) من قرأ بالظاء كالمصنف فالمعنى : ما هو بمتهم ، ومن قرأ بالضاء فالمعنى : ليس ببخيل عليكم بما يعلم عما ينفعكم. انظر : السبعة (٦٧٣) ، والبحر المحيط (٨ / ٢٤٣٥) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٥٢) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٢٤٢).

٤٧٧

(وَما تَشاؤُنَ) من الاستقامة والتوحيد (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) لكم ذلك (رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)) رب كل ذى روح دب على وجه الأرض من أهل السماء.

* * *

٤٧٨

سورة الانفطار

ومن سورة انفطرت ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١)) يقول أنشقت بنزول الرب بلا كيف والملائكة وما يشاء من أمره (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢)) تساقطت على وجه الأرض (وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣)) فتحت بعضها فى بعض عذبها فى مالحها ، ومالحها فى عذبها ، فصارت بحرا واحدا (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)) بحثت وأخرج ما فيها من الأموات (عَلِمَتْ نَفْسٌ) كل نفس عند ذلك (ما قَدَّمَتْ) من خير أو شر (وَأَخَّرَتْ (٥)) وما أثرت من سنة صالحة ، أو سنة سيئة ، ويقال : ما قدمت من طاعة ، وما أخرت ، أى ضيعت (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) يعنى الكافر كلدة بن أسيد (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ) ما الذى غرك حتى كفرت بربك (الْكَرِيمِ (٦)) المتجاوز (الَّذِي خَلَقَكَ) من نطفة (فَسَوَّاكَ) فى بطن أمك (فَعَدَلَكَ (٧)) فجعلك معتدل القامة (١) (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨)) إن شاء شبهك فى صورة الأعمام ، أو صورة الأخوال ، وإن شاء حسنا ، وإن شاء دميما ،

__________________

(١) قرأ الكوفيون ، عاصم ، وحمزة ، والكسائى بتخفيض اللام ، وسائر السبعة بتشديدها ، ومن خفف فالمعنى صرفك إلى أى صورة شاء ، إما حسن وإما قبيح ، وإما طويل ، وإما قصير. انظر : السبعة (٦٧٤) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ٥٥) ، وزاد المسير (٩ / ٤٨) ، والحجة لأبى زرعة (٧٥٢).

٤٧٩

وإن شاء صورك فى صورة القردة والخنازير ، وأشباه ذلك (كَلَّا) حقا (بَلْ تُكَذِّبُونَ) يا معشر قريش (بِالدِّينِ (٩)) بالحساب والقضاء.

(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠)) من الملائكة (كِراماً) هم كرام على الله مسلمون (كاتِبِينَ (١١)) يكتبون أعمالكم (يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)) وما تقولون من الخير والشر (إِنَّ الْأَبْرارَ) الصادقين فى إيمانهم أبا بكر وأصحابه (لَفِي نَعِيمٍ (١٣)) فى جنة دائم نعيمها (وَإِنَّ الْفُجَّارَ) الكفار كلدة وأصحابه (لَفِي جَحِيمٍ (١٤)) فى نار (يَصْلَوْنَها) يدخلونها (يَوْمَ الدِّينِ (١٥)) يوم الحساب والقضاء فيه بين الخلائق (وَما هُمْ) يعنى الكفار (عَنْها) عن النار (بِغائِبِينَ (١٦)) إذا دخلوا فيها (وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧)) ما يوم الحساب (ثُمَّ ما أَدْراكَ) يا محمد (ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨)) ما يوم الحساب يعجبه بذلك تعظيما له.

ثم بين فقال : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) لا تقدر (نَفْسٌ) مؤمنة (لِنَفْسٍ) كافرة (شَيْئاً) من والشفاعة ، (وَالْأَمْرُ) الحكم والقضاء بين العباد (يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)) بيد الله.

* * *

٤٨٠