تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

سورة الذّاريات

ومن سورة الذاريات ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ) يقول : أقسم الله بالرياح ذوات الهبوب (ذَرْواً (١)) ما ذرت به الرياح فى منازل القوم (فَالْحامِلاتِ) وأقسم بالسحاب تحمل الماء (وِقْراً (٢)) ثقيلا بالمطر (فَالْجارِياتِ) وأقسم بالسفن (يُسْراً (٣)) هينا بتيسير (فَالْمُقَسِّماتِ) وأقسم بالملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل ، وملك الموت (أَمْراً (٤)) يقسمون بين العباد أقسم بهؤلاء الأشياء (١) (إِنَّما تُوعَدُونَ) من البعث (لَصادِقٌ (٥)) لكائن (وَإِنَّ الدِّينَ) الحساب والقضاء والقصاص فيه (لَواقِعٌ (٦)) لكائن نازل (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧))

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٦ / ١١٥) ، وابن كثير (٤ / ٢٣١).

٣٤١

وهذا قسم آخر أقسم بالسماء ذات الحبك ذات الحسن والجمال ، والاستواء والطرق ، ويقال : ذات النجوم والشمس والقمر ، ويقال : ذات الحبك ، كحبك الماء إذا ضربته الريح ، أو كحبك الرمل إذا نسفته الريح ، أو كحبك الشعر الجعد ، أو كحبك درع الحديد ، ويقال : هى السماء السابعة أقسم الله بها.

(إِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)) مصدق بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن ومكذب بهما (يُؤْفَكُ عَنْهُ) يصرف عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (مَنْ أُفِكَ (٩)) من قد صرف عن الحق والهدى وهو الوليد بن المغيرة المخزومى ، وأبو جهل بن هشام ، وأبى بن خلف ، وأمية بن خلف ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج صرفوا الناس عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن بالكذب والزور ، فلعنهم الله ، فقال : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)) لعن الكذابون بنو مخزوم الوليد بن المغيرة وأصحابه (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) فى جهالة وعمى من أمر الآخرة (ساهُونَ (١١)) لاهون عن الإيمان ، بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (يَسْئَلُونَ) بنو مخزوم (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢)) متى يوم القيامة الذى نعذب فيه ، قال الله : (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)) يحرقون ، ويقال : ينضحون ، ويقال : فى النار يعذبون ، ويقال : على النار يجرون تقول لهم الزبانية : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) حرقكم وعذابكم ونضجكم (هذَا) العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)) فى الدنيا ، ثم بين مستقر المؤمنين أبى بكر وأصحابه ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (فِي جَنَّاتٍ) بساتين (وَعُيُونٍ (١٥)) ماء طاهر.

(آخِذِينَ) قابلين راضين (ما آتاهُمْ) ما أعطاهم ربهم فى الجنة ، ويقال : عاملين بما أمرهم (رَبُّهُمْ) فى الدنيا (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) الثواب والكرامة (مُحْسِنِينَ (١٦)) فى الدنيا ، بالقول والفعل (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧)) يقول : قلما ينامون من الليل (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)) يصلون (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) ويرون فى أموالهم حقا معلوما (لِلسَّائِلِ) الذى يسأل (وَالْمَحْرُومِ (١٩)) الذى لا يسأل ، ولا يعطى ، ولا يفطن به ، ويقال : المحروم الذى قد حرم أجره ، وغنيمته ، ويقال : المحروم هو المحترف المقتر عليه معيشته ، والذى لا يلقى قوت يومه (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) علامات وعبرات مثل الشجر والدواب والجبال والبحار (لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)) المصدقين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أيضا علامات من الأوجاع والأمراض والبلايا ، حتى يأكل الرجل من مكان واحد ويخرج من مكانين (أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١))

٣٤٢

أفلا تعقلون فتتفكرون فيما خلق الله (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) ومن السماء يأتى رزقكم ، يعنى المطر (وَما تُوعَدُونَ (٢٢)) يعنى الجنة ، ويقال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) على رب السماء رزقكم (وَما تُوعَدُونَ (٢٢)) من الثواب ، والعقاب (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أقسم بنفسه (إِنَّهُ) إن الذى قصصت لكم من أمر الرزق (لَحَقٌ) لصدق كائن (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)) تقولون لا إله إلا الله (١).

(هَلْ أَتاكَ) يا محمد (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) خبر أضياف إبراهيم (الْمُكْرَمِينَ (٢٤)) أكرمهم بالعجل (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) على إبراهيم ، عليه‌السلام ، جبريل وملكان معه ، ويقال : جبريل واثنا عشر ملكا كانوا معه (فَقالُوا سَلاماً) سلموا على إبراهيم (قالَ سَلامٌ) رد عليهم إبراهيم السّلام أنتم (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)) لم يعرفهم ، ولم يعرف سلامهم فى تلك الأرض فى ذلك الزمان (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) فرجع إبراهيم إلى أهله (فَجاءَ) إلى أضيافه (بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)) صغير مشوى (فَقَرَّبَهُ) يعنى العجل المشوى (إِلَيْهِمْ) إلى أضيافه ، فلم يمدوا أيديهم إلى الطعام (قالَ) إبراهيم (أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧)) من الطعام (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) فأضمر إبراهيم فى نفسه خيفة حيث لم يأكلوا من طعامه فظن أنهم لصوص ، وكان فى زمانه إذا أكل الرجل من طعام صاحبه أمنه فلما علموا خوف إبراهيم (قالُوا لا تَخَفْ) منا يا إبراهيم إنا رسل ربك (وَبَشَّرُوهُ) من الله (بِغُلامٍ) بولد (عَلِيمٍ (٢٨)) فى صغره حليم عظيم فى كبره وهو إسحاق (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) أخذت امرأته سارة (فِي صَرَّةٍ) فى صيحة وولولة (فَصَكَّتْ وَجْهَها) فجمعت أطراف أصابعها وضربت على وجهها وجبهتها (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)) أعجوز عقيم تلد كيف هذا؟ (قالُوا) قال جبريل ومن معه : (كَذلِكَ) كما قلنا يا سارة (قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) يحكم بالولد من العقيم وغير العقيم (الْعَلِيمُ (٣٠)) يعلم بما يكون منكما.

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (ص ٤٦٢) ، والبحر المحيط (٩ / ٥٥٤).

٣٤٣

الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥))

(قالَ) إبراهيم (فَما خَطْبُكُمْ) فما شأنكم وما بالكم ، وبماذا جئتم؟ (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢)) مشركين اجترموا الهلاك على أنفسهم بعملهم الخبيث ، يعنون قوم لوط (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)) مطبوخ كالآجر (مُسَوَّمَةً) مخططة بالسواد والحمرة (عِنْدَ رَبِّكَ) من عند ربك تأتى تلك الحجارة (لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤)) على المشركين (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) فى قريات لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥)) من الموحدين (فَما وَجَدْنا فِيها) من قريات لوط (غَيْرَ بَيْتٍ) غير أهل بيت (مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)) من المقربين ، وهو لوط وابنتاه زاعورا وريثا (وَتَرَكْنا فِيها) يعنى وتركنا فى قريات لوط (آيَةً) علامة وعبرة (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧)) فى الآخرة فلا يقتدون بفعلهم (وَفِي مُوسى) أيضا عبرة (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)) بحجة بينة : اليد والعصا (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) فأعرض فرعون عن الإيمان بالآية ، وبموسى بجنوده (وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩)) يختنق (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ) جموعه (فَنَبَذْناهُ) فأغرقناهم (فِي الْيَمِ) فى البحر (وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠)) مذموم عند الله يلوم نفسه (وَفِي عادٍ) فى قوم هود أيضا عبرة (إِذْ أَرْسَلْنا) سلطنا (عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)) الشديدة التى لا فرج لهم فيها ، وهى الريح الدبور (ما تَذَرُ) ما تترك (مِنْ شَيْءٍ) منهم ولهم (أَتَتْ عَلَيْهِ) مرت عليه الريح (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)) كالتراب (وَفِي ثَمُودَ) أى فى قوم صالح أيضا عبرة (إِذْ قِيلَ لَهُمْ) قال لهم صالح بعد عقرهم الناقة (تَمَتَّعُوا) عيشوا (حَتَّى حِينٍ (٤٣)) إلى حين العذاب (فَعَتَوْا) فأبوا (عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) عن قبول أمر ربهم (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) الصيحة بالعذاب (وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤)) إلى العذاب نازلا عليهم (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) لم يقدروا أن يقوموا من عذاب الله (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥)) ممتنعين بأبدائهم من العذاب.

(وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦) وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي

٣٤٤

لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١) كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))

(وَقَوْمَ نُوحٍ) أهلكناهم (مِنْ قَبْلُ) من قبل قوم صالح (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦)) كافرين (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) خلقناها (بِأَيْدٍ) بقوة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)) لها ما نشاء ، ويقال : إنا لموسعون بالرزق (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) على الماء (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨)) الفارشون (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) لونين فى الأرض (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)) لكى تتعظوا فيم خلق الله (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) ففروا من الله إلى الله ، ويقال : من معصية إلى طاعة الله ، ويقال : من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) من الله (نَذِيرٌ) رسول مخوف (مُبِينٌ (٥٠)) بلغة تعلمونها (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) لا تقولوا لله ولد ولا شريك (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) من الله (نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)) مخوف بلغة تعلمونها.

(كَذلِكَ) كما قال لك قومك ساحر أو مجنون (ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل قومك (مِنْ رَسُولٍ) دعاهم إلى الله (إِلَّا قالُوا) لذلك الرسول (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ) أتوافق كل قوم على أن قالوا لرسولهم : ساحر أو مجنون (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣)) كافرون (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) فأعرض عنهم يا محمد (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)) بمذموم عندنا قد أعذرت وأبلغتهم ، ثم أمر بعد ذلك بالقتال (وَذَكِّرْ) عظ بالقرآن (فَإِنَّ الذِّكْرى) العظة بالقرآن (تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)) تزيد المؤمنين صلاحا (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) ليطيعونى ، وهذا أمر خاص لأهل طاعته ، ويقال : لو خلقهم للعبادة ما عصوا ربهم طرفة عين ، وقال على بن أبى طالب : ما خلقتهم إلا أن أمرهم وأكلفهم ، ويقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)) إلا أمرتهم أن يوحدونى ويعبدونى.

(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) لم أكلفهم أن يرزقونى أنفسهم (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)) ولم أكلفهم أن يعينونى على أرزاقهم (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لعباده

٣٤٥

(ذُو الْقُوَّةِ) على أعدائه (الْمَتِينُ (٥٨)) الشديد العقوبة لهم (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) كفار مكة (ذَنُوباً) عذابا بعضه على أثر بعض (١)(مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) مثل عذاب الذين كانوا من قبلهم (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩)) بالعذاب والهلاك (فَوَيْلٌ) شدة عذاب (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)) العذاب وقانا الله العذاب.

__________________

(١) انظر : معانى الفراء (٣ / ٩٠) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٩) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٢٨).

٣٤٦

سورة الطّور

ومن سورة الطور ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالطُّورِ (١)) يقول : أقسم الله بجبل زبير ، وكل جبل فهو طور بلسان السريانية والنبط ، ولكن عنى الله به الجبل الذى كلم الله عليه موسى ، وهو جبل مدين واسمه ، زبير أقسم الله به (١) (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢)) وأقسم باللوح المحفوظ ، مكتوب فيه أعمال بنى آدم (فِي رَقٍ) يعنى أديما (مَنْشُورٍ (٣)) مكتوب فى صحف مفتوحة يقرؤها بنو آدم يوم القيامة ، وهو ديوان الحفظة (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤)) وأقسم بالبيت المعمور بالملائكة وهو فى السماء السادسة ، بحيال الكعبة ما بينه وبين الكعبة إلى تخوم الأرض السابعة حرم يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ، وهو البيت الذى بناه آدم ورفع إلى السماء السادسة من الطوفان ، وهو يسمى الضراح ، وهو مقابل الكعبة (وَالسَّقْفِ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ١٠) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٩١) ، وزاد المسير (٨ / ٤٥).

٣٤٧

الْمَرْفُوعِ (٥)) وأقسم بالسماء المرفوعة فوق كل شىء (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦)) وأقسم بالبحر الممتلئ ، وهو بحر فوق السماء السابعة تحت عرش الرحمن يسمى الحيوان يحيى الله به الخلائق يوم القيامة ، ويقال : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦)) وهو بحر حار يصير نارا ، ويفتح فى جهنم يوم القيامة أقسم الله بهذه الأشياء (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ) يوم القيامة (لَواقِعٌ (٧)) لكائن نازل على قريش (ما لَهُ) للعذاب (مِنْ دافِعٍ (٨)) من مانع.

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ) تدور السماء (مَوْراً (٩)) بأهلها دورانا كدوران الرحا ، وتموج الخلائق بعضهم فى بعض من الهول (وَتَسِيرُ الْجِبالُ) على وجه الأرض (سَيْراً (١٠)) كسير السحاب فى الهواء (فَوَيْلٌ) شدة العذاب (يَوْمَئِذٍ) وهو يوم القيامة (لِلْمُكَذِّبِينَ (١١)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، وهو أبو جهل وأصحابه (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢)) فى باطل يخوضون (يَوْمَ يُدَعُّونَ) يدفعون (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣)) دفعا تدفعهم الملائكة وتجرهم على وجوههم إلى جهنم ، وتقول لهم الزبانية : (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها) فى الدنيا (تُكَذِّبُونَ (١٤)) أنها لا تكون (أَفَسِحْرٌ هذا) هذا اليوم وهذا العذاب لأنكم قلتم فى الدنيا للأنبياء هم سحرة (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥)) لا تعقلون ، يقول الله : (اصْلَوْها) ادخلوها يعنى النار (فَاصْبِرُوا) على عذابها (أَوْ لا تَصْبِرُوا) على عذابها (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) الجزع والصبر (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)) وتقولون فى الدنيا.

ثم بين مستقر المؤمنين أبى بكر وأصحابه ، فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (فِي جَنَّاتٍ) فى بساتين (وَنَعِيمٍ (١٧)) دائم (فَكِهِينَ) معجبين (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) بما أعطاهم ربهم فى الجنة (وَوَقاهُمْ) دفع عنهم (رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨)) عذاب النار ، فيقول الله لهم : (كُلُوا) من ثمار الجنة (وَاشْرَبُوا) من أنهارها (هَنِيئاً) بلا داء ، ولا إثم ولا موت (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩)) وتقولون فى الدنيا (مُتَّكِئِينَ) جالسين (عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) قد صف بعضها إلى بعض (وَزَوَّجْناهُمْ) قرناهم على الجنة (بِحُورٍ) بجوار بيض (عِينٍ (٢٠)) عظام الأعين حسان الوجوه (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن وصدقوا بإيمانهم (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ) بإيمان الذرية فى الدنيا (أَلْحَقْنا بِهِمْ) بالآباء (ذُرِّيَّتُهُمْ) فى الآخرة فى درجة آبائهم ، ويقال : الذين آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن يدخلهم الجنة

٣٤٨

(وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) الصغار فى درجاتهم (بِإِيمانٍ) الذرية يوم الميثاق (أَلْحَقْنا بِهِمْ) الآباء ، يقول : ألحقنا بدرجات الآباء ذريتهم المدركين إذا كانت درجة آبائهم أرفع (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول : لم ننقص من درجة الآباء وثوابهم لأجل إلحاق الذرية بهم (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ) من الذنوب (رَهِينٌ (٢١)) مرتهن فيفعل الله بهم ما يشاء (وَأَمْدَدْناهُمْ) أعطيناهم ، يعنى أهل الجنة فى الجنة (بِفاكِهَةٍ) بألوان الفاكهة (وَلَحْمٍ) أى لحم طير (مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢)) يتمنون (يَتَنازَعُونَ فِيها) يتعاطون فى الجنة (كَأْساً) خمرا (لا لَغْوٌ فِيها) لا وجع للبطن من شربها (وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣)) لا إثم عليهم فى شربها ، ويقال : (لا لَغْوٌ فِيها) لا باطل فيها ولا حلف فى الجنة ، (وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣)) لا يشتم ولا يكذب بعضهم بعضا (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) فى الخدمة (غِلْمانٌ) وصفاء (لَهُمْ كَأَنَّهُمْ) فى الصفا (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤)) قد كن من الحر والبرد والقر.

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨) فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩))

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) فى الزيارة (يَتَساءَلُونَ (٢٥)) يتحدثون من أمر الدنيا (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) قبل دخول الجنة (فِي أَهْلِنا) مع أهلنا فى الدنيا

٣٤٩

(مُشْفِقِينَ (٢٦)) خائفين من عذاب الله (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة والرحمة ودخول الجنة (وَوَقانا) دفع عنا (عَذابَ السَّمُومِ (٢٧)) عذاب النار (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) من قبل المغفرة والرحمة (نَدْعُوهُ) نعبده ونوحده (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) الصادق فى قوله فيما وعد لنا (الرَّحِيمُ (٢٨)) بعباده المؤمنين إذ رحمنا (فَذَكِّرْ) فعظ يا محمد (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) بالنبوة والإسلام (بِكاهِنٍ) تخبر بما فى الغد (وَلا مَجْنُونٍ (٢٩)) لا تختنق (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون كفار مكة أبو جهل والوليد بن المغيرة ، وأصحابه : (شاعِرٌ) يتقوله من تلقاء نفسه (نَتَرَبَّصُ بِهِ) ننتظر به (رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠)) أوجاع الموت (قُلْ) يا محمد لأبى جهل والوليد بن المغيرة وأصحابه : (تَرَبَّصُوا) انتظروا موتى (١)(فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)) من المنتظرين بكم العذاب فعذبوا يوم بدر.

(أَمْ تَأْمُرُهُمْ) أتأمرهم (أَحْلامُهُمْ) أى عقولهم (بِهذا) التكذيب والشتم والأذى بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذه طعنة لهم من الله (أَمْ هُمْ) بل هم (قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢)) كافرون عاملون فى معصية الله (أَمْ يَقُولُونَ) بل يقولون كفار مكة (تَقَوَّلَهُ) تخلق وكذب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن من تلقاء نفسه (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن فى علم الله (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) فليجيئوا بقرآن مثل قرآن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من تلقاء أنفسهم (إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤)) أن محمدا تقوله من تلقاء نفسه (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) من غير أب ، ويقال : من غير رب (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥)) غير المخلوقين (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) بل الله خلقهما (بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦)) بل لا يصدقون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (أَمْ عِنْدَهُمْ) أعندهم (خَزائِنُ رَبِّكَ) مفاتيح خزائن ربك بالمطر والرزق والنبات والنبوة (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧)) المسلطون على ذلك.

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) يصعدون فيه إلى السماء (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨)) بحجة بينة على ما يقولون (أَمْ لَهُ الْبَناتُ) ترضون له وأنتم تكرهونهن (وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩)) تختارونهم (أَمْ تَسْئَلُهُمْ) يا محمد (أَجْراً) جعلا على الإيمان (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) من الغرم (مُثْقَلُونَ (٤٠)) بالإجابة (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) اللوح المحفوظ (فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١)) يكتبون فيه ما يقولون ويعملون (أَمْ يُرِيدُونَ) بل

__________________

(١) منسوخ بآية السيف كما فى ابن البارزى ، المنسوخ من القرآن (٣٠٨) ، وأنكر ذلك ابن الجوزى فى المصفى (٢١٣) ، وزاد المسير (٨ / ٥٤).

٣٥٠

يريدون (كَيْداً) قتلك يا محمد (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة أبو جهل وأصحابه الذين أرادوا قتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢)) المقتولون يوم بدر.

(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) يمنعهم من عذاب الله (سُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣)) به من الأوثان (وَإِنْ يَرَوْا) كفار مكة (كِسْفاً) قطعا (١)(مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) نازلا (يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤)) هذا سحاب مركوم بعضه على بعض من تكذيبهم (فَذَرْهُمْ) اتركهم يا محمد (حَتَّى يُلاقُوا) يعاينوا (يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥)) يموتون (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (لا يُغْنِي عَنْهُمْ) عن أبى جهل وأصحابه (كَيْدُهُمْ) لا ينفعهم صنيعهم من عذاب الله (شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦)) يمنعون عما يراد بهم (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا كفار مكة (عَذاباً) فى القر (دُونَ ذلِكَ) فى القبر دون عذاب جهنم (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) كلهم (لا يَعْلَمُونَ (٤٧)) ذلك ولا يصدقون (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) على تبليغ رسالة ربك (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) بمنظر منا (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) صل بأمر ربك (حِينَ تَقُومُ (٤٨)) من فراشك صلاة الفجر (وَمِنَ اللَّيْلِ) وإلى الليل وبعد دخول الليل (فَسَبِّحْهُ) فصل له صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩)) ركعتين بعد الفجر.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ٢١) ، والقرطبى (١٧ / ٧٧).

٣٥١

سورة النّجم

ومن سورة والنجم ، وهى كلها مكية ، إلا الآية التى نزلت فى عثمان ، رضى

الله عنه ، وعبد الله بن سعد بن أبى سرح

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨) أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١)) يقول أقسم الله بالقرآن إذا نزل به جبريل على محمد نجوما آية وآيتين وثلاتا وأربعا وكان من أوله إلى آخره عشرون سنة ، فلما نزلت هذه الآية سمع عتبة بن أبى لهب أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم بنجوم القرآن ، فقال : أبلغوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنى كافر بنجوم القرآن ، فلما بلغوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : «اللهم سلط عليه سبعا من سباعك» ، فسلط الله عليه أسدا قريبا من حران فأخرجه من بين أصحابه غير بعيد ومزقه من رأسه إلى قدمه ، ولم يذقه لنجاسته ، ولكن تركه كما كان لدعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : أقسم الله بالنجوم إذا غابت (١) (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) ولهذا كان القسم ما كذب نبيكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما قال لكم ، (وَما

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٩٤) ، والأزهرى (٤٦٦) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٢٤) ، وتفسير ابن كثير (٤ / ٢٤٦) ، والمستنير (٣ / ١٧١).

٣٥٢

غَوى (٢)) لم يخطئ ، ولم يضل فى قوله ، (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣)) لم يتكلم بالقرآن بهوى نفسه (إِنْ هُوَ) ما هو ، يعنى القرآن (إِلَّا وَحْيٌ) من الله (يُوحى (٤)) إليه جبريل حتى جاء إليه وقرأه عليه (عَلَّمَهُ) أى أعلمه جبريل (شَدِيدُ الْقُوى (٥)) وهو شديد القوة بالبدن.

(ذُو مِرَّةٍ) ذو شدة ، ويقال : ذو قوة ، وكانت قوته حيث أدخل يده تحت قريات لوط فقلعها من الماء الأسود ورفعها إلى السماء ، وقلبها ، فأقبلت تهوى من السماء إلى الأرض ، وكانت شدته حيث أخذ بعضادتى باب أنطاكية فصاح فيها صيحة ، فمات من فيها من الخلائق ، ويقال : كانت شدته حيث نفح إبليس نفحة بريشة من جناحه على عقبة من أعقاب بيت المقدس فضربه على أقصى حجر الهند (فَاسْتَوى (٦)) جبريل فى الصورة التى خلقه الله عليها ، ويقال : فاستوى فى صورة خلق حسن (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧)) بمطلع الشمس ، ويقال : فى السماء السابعة (ثُمَّ دَنا) جبريل إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : محمد إلى ربه (فَتَدَلَّى (٨)) فتقرب (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) من قسى العرب (أَوْ أَدْنى (٩)) بل أدنى بنصف قوس (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ) جبريل (ما أَوْحى (١٠)) إلى عبده محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : فأوحى جبريل إلى عبده محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أوحى الذى أوحى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ) فؤاد محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما رَأى (١١)) الذى رأى ربه بقلبه ، ويقال : رأى ربه بفؤاده ، ويقال : ببصره ، وهذا جواب القسم ، فلما أخبرهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كذبوه فنزل (أَفَتُمارُونَهُ) أفتكذبونه (عَلى ما يَرى (١٢)) على ما قد رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن قرأت بالألف ، يقول : أفتجادلونه على ما قد رأى (وَلَقَدْ رَآهُ) يعنى رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل ، ويقال : ربه بفؤاده ، ويقال : ببصره (نَزْلَةً أُخْرى (١٣)) مرة أخرى غير التى أخبركم بها (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤)) التى ينتهى إليها كل ملك مقرب ، ونبى مرسل ، ويقال : ينتهى إليها علم كل ملك مقرب ونبى مرسل وعالم راسخ (عِنْدَها) عند السدرة (جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥)) تأوى إليها أرواح الشهداء (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ) يعلو السدرة (١)(ما يَغْشى (١٦)) ما يعلو فراش من ذهب ، ويقال : نور ، ويقال : ملائكة.

(ما زاغَ الْبَصَرُ) ما مال البصر ، بصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمينا ولا شمالا بما رأى (وَما

__________________

(١) انظر : حديث السدرة فى صحيح مسلم (١ / ١٥٧ ، ١٧٩) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٣١) ، والدر المنثور (٦ / ١٢٦).

٣٥٣

طَغى (١٧)) ما تجاوز عما رأى جبريل له ست مائة جناح (لَقَدْ رَأى) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨)) من عجائب ربه الكبرى ، أى العظمى (أَفَرَأَيْتُمُ) أفتظنون يا أهل مكة أن (اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩)) الأخرى (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠)) تنفعكم فى الآخرة بل لا تنفعكم ، أما اللات : فكانت صنما بالطائف لثقيف يعبدونها ، وأما العزى : فكانت شجرة ببطن نخلة لغطفان يعبدونها ، وأما مناة الثالثة : فكانت صنما بمكة لهذيل ، وخزاعة يعبدونها من دون الله (أَلَكُمُ الذَّكَرُ) يا أهل مكة ترضونه لأنفسكم (وَلَهُ الْأُنْثى (٢١)) وأنتم تكرهونها ولا ترضونها لأنفسكم (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢)) أى جائرة (إِنْ هِيَ) ما هى اللات والعزى ومناة الثالثة (إِلَّا أَسْماءٌ) أصنام (سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) الآلهة ، ويقال : صنعتموها أنتم وآباؤكم لأنفسكم (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) بعبادتكم لها وتسميتكم لها (مِنْ سُلْطانٍ) من كتاب فيه حجتكم (إِنْ يَتَّبِعُونَ) ما يعبدون اللات والعزى ومناة الثالثة ، وما يسمونها الآلهة (إِلَّا الظَّنَ) إلا بالظن بغير يقين (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) وإن تهوى الأنفس (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) يعنى أهل مكة (مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)) البيان فى القرآن بأن ليس لله ولد ولا شريك (أَمْ لِلْإِنْسانِ) لأهل مكة (ما تَمَنَّى (٢٤)) ما يشتهون أن الملائكة والأصنام يشفعون لهم (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ) بإعطاء الثواب والكرامة والشفاعة (وَالْأُولى (٢٥)) بإعطاء المعرفة والتوفيق.

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢))

٣٥٤

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ) ممن زعمتم أنهم بنات الله (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) لا يشفعون لأحد (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ) يأمر الله بالشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ) لمن كان أهلا لذلك من المؤمنين (وَيَرْضى (٢٦)) عنهم بالتوحيد (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت ، يعنى كفار مكة (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧)) يجعلونهم بنات الله (وَما لَهُمْ بِهِ) بما يقولون (مِنْ عِلْمٍ) من حجة ولا بيان (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) ما يقولون إلا الظن ، يعنى بغير يقين يفترون (وَإِنَّ الظَّنَ) وإن عبادة الظن وقول الظن (لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) من عذاب الله (شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ) وجهك يا محمد (عَنْ مَنْ تَوَلَّى) أعرض (عَنْ ذِكْرِنا) عن توحيدنا وكتابنا (وَلَمْ يُرِدْ) بعلمه (إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩)) ما فى الحياة الدنيا ، يعنى أبا جهل وأصحابه (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) هذا غاية علمهم وعقلهم ورأيهم ، إذ قالوا : إن الملائكة والأصنام بنات الله وإن الآخرة لا تكون (إِنَّ رَبَّكَ) يا محمد (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) عن دينه ، يعنى أبا جهل وأصحابه (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠)) لدينه ، يعنى أبا بكر.

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) من الخلق (وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق كلهم عبيد الله (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا) أشركوا (بِما عَمِلُوا) فى شركهم (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا) وحدوا (بِالْحُسْنَى (٣١)) بالتوحيد الجنة ، ثم بين عملهم فى الدنيا فقال : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) يعنى الشرك بالله والعظائم من الذوب (وَالْفَواحِشَ) الزنا والمعاصى (إِلَّا اللَّمَمَ) إلا النظر والغمزة واللمزة يلوم بها نفسه ، ويتوب عنها ، ويقال : إلا التزويج (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) لمن تاب من الكبائر والصغائر (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) منكم من أنفسكم (إِذْ أَنْشَأَكُمْ) خلقكم (مِنَ الْأَرْضِ) من آدم ، وآدم من تراب والتراب من الأرض (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) صغار (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) قد علم الله فى هذه الأحوال ما يكون منكم (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فلا تبرئوا أنفسكم من الذنوب (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢)) المعصية وأصلح (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣)) أعرض عن نفقته وصدقته على فقراء أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَأَعْطى قَلِيلاً) يسيرا فى الله (وَأَكْدى (٣٤)) قطع نفقته وصدقته فى سبيل الله (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) اللوح المحفوظ (فَهُوَ يَرى (٣٥)) صنيعه فيه أنه كما صنع ، نزلت هذه الآية فى عثمان بن عفان ، وكان كثير النفقة والصدقة على أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلقيه عبد الله بن سعد بن أبى سرح ، فقال له : أراك تنفق على هؤلاء مالا كثيرا فأخاف أن تبقى بلا شىء ، فقال له

٣٥٥

عثمان : لى خطايا وذنوب كثيرة أريد تكفيرها ، ورضا الرب ، فقال له عبد الله : أعطنى زمام ناقتك وأحمل عنك ما يكون عليك من الذنوب والخطايا فى الدنيا والآخرة ، فأعطاه زمام ناقته واقتصر عن نفقته وصدقته ، فنزلت فيه هذه الآية (١).

(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) يخبر فى القرآن (بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ) فى التوراة وصحف إبراهيم يقول : (الَّذِي وَفَّى (٣٧)) يعنى إبراهيم الذى بلغ رسالات ربه وعمل بما أمر به ، ويقال : وفى رؤياه (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨)) يقول : لا تحمل حاملة حمل أخرى ما عليها من الذنب ، ويقال : لا تعذب نفس بذنب نفس أخرى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ) يوم القيامة (إِلَّا ما سَعى (٣٩)) إلا ما عمل من الخير والشر فى الدنيا (وَأَنَّ سَعْيَهُ) عمله (سَوْفَ يُرى (٤٠)) فى ديوانه وميزانه (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١)) الأوفر بالحسن حسنا ، وبالسيئ سيئا (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢)) مرجع الخلائق بعد الموت ومصيرهم فى الآخرة.

(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢))

(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ) أهل الجنة بما يسرهم من الكرامة (وَأَبْكى (٤٣)) أهل النار بما يحزنهم من الهوان (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ) فى الدنيا (وَأَحْيا (٤٤)) للبعث ، ويقال : أمات الآباء وأحيا الأبناء (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦)) تهراق فى رحم المرأة ، ويقال : تخلق (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧)) الخلق الآخر بالبعث (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) نفسه عن خلقه (وَأَقْنى (٤٨)) أفقر خلقه إلى نفسه ، ويقال : إنه هو أغنى أرضى خلقه ، وأقنى أقنع ، ويقال : إنه أغنى بالمال وأقنى أرضى بما أعطى من المال ، ويقال : إنه أغنى بالذهب والفضة ، وأقنى بالإبل والبقر والغنم (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩)) الكوكب الذى يتبع الجوزاء كان يعبده خزاعة

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ١٠١) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٤٢) ، وزاد المسير (٨ / ٧٨).

٣٥٦

(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠)) قوم هود (وَثَمُودَ) قوم صالح (فَما أَبْقى (٥١)) فلم يترك منهم أحدا (وَقَوْمَ نُوحٍ) وأهلك قوم نوح (مِنْ قَبْلُ) من قبل قوم صالح (إِنَّهُمْ) يعنى قوم نوح (كانُوا هُمْ أَظْلَمَ) أشد فى كفرهم (وَأَطْغى (٥٢)) أشد فى طغيانهم ومعصيتهم (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣)) وأهلك قريات لوط سدوم ، وصادم ، وعمورا ، وصوائم ، والمؤتفكة المنخسفة ، وائتفكها خسفها أهوى هوى من السماء إلى الأرض (فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤)) يعنى الحجارة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) فبأى نعماء ربك أيها الإنسان غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (تَتَمارى (٥٥)) تتجاحد أنها ليست من الله (هذا نَذِيرٌ) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول مخوف (مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦)) كالرسل الأولى الذين أرسلناهم إلى قومهم ، ويقال : هذا نذير من النذر رسول من الرسل الأولى الذين هم مكتوبون فى اللوح المحفوظ أن أرسلهم إلى قومهم.

(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)) دنا قيام الساعة (لَيْسَ لَها) لقيامها (مِنْ دُونِ اللهِ) غير الله (كاشِفَةٌ (٥٨)) مبين يبين لها قيامها ووقتها (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ) يقول : أمن هذا القرآن الذى يقرأ عليكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا أهل مكة (تَعْجَبُونَ (٥٩)) تسخرون ، ويقال : تكذبون (وَتَضْحَكُونَ) تهزؤون ، ويقال : تسخرون (وَلا تَبْكُونَ (٦٠)) مما فيه من الزجر والوعيد والتخويف (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١)) لاهون عنه لا تؤمنون به (١) (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ) فأخضعوا لله بالتوحيد والتوبة (وَاعْبُدُوا (٦٢)) وحدوا الله.

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ١٠٣) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٤٩) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٣٩).

٣٥٧

سورة القمر

ومن سورة القمر ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) يقول : دنا قيام الساعة بخروج محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزول الدخان (١)(وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١)) نصفين وهو من علامات القيامة (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) مثل انشقاق القمر (يُعْرِضُوا) يكذبوا بالآية (وَيَقُولُوا) الآية (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)) قوى شديد مصنوع سيذهب (وَكَذَّبُوا) بالآية وقيام الساعة (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) بتكذيب الآية وقيام الساعة وبعبادة الأوثان (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣)) ولكل قول من الله ومن رسوله فى الوعد والوعيد ، والبشرى بالجنة والنار ، أو بالرحمة أو العذاب ، فعل وحقيقة منه ما

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٦ / ٥٢) ، وتفسير الطبرى (٢٧ / ٥٠) ، والقرطبى (١٧ / ١٢٦) ، ولباب النقول (٢٠٢).

٣٥٨

يكون فى الدنيا ، فسيظهر ومنه ما يكون فى الآخرة فيتبين ، ويقال : لكل فعل وقول من العباد حقيقة وحقيقتهم فى القلب (وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أهل مكة فى القرآن (مِنَ الْأَنْباءِ) من أخبار الأمم الماضية كيف هلكوا عند التكذيب (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤)) نهى وازدجار (حِكْمَةٌ) القرآن (بالِغَةٌ) حكمة من الله أبلغهم عن الله (فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥)) يعنى الرسل عن قوم لا يؤمنون بالله فى علم الله (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أعرض عنهم يا محمد ، ثم أمرهم بالقتال (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) وهو يوم القيامة (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦)) منكر عظيم شديد أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار (خُشَّعاً) ذليلة (أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) من القبور فى النفخة الأخرى (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧)) يقول : يجول بعضهم فى بعض مثل الجراد (مُهْطِعِينَ) مسرعين مقصدين ناظرين (إِلَى الدَّاعِ) ما ذا يأمرهم (يَقُولُ الْكافِرُونَ) يوم القيامة (هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)) شديد ، شدد ذلك اليوم عليهم.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك يا محمد (قَوْمُ نُوحٍ) نوحا (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) نوحا (وَقالُوا مَجْنُونٌ) يختلق (وَازْدُجِرَ (٩)) زجروه عن مقالته وصاحوا به وقالوا : أنت مستطير الفؤاد ذاهب العقل (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ) مقهور (فَانْتَصِرْ (١٠)) فأعنى بالعذاب (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) طرق السماء أربعين يوما (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)) مطر منصب من السماء على الأرض (وَفَجَّرْنَا) شققنا (الْأَرْضَ عُيُوناً) بالماء أربعين يوما (فَالْتَقَى الْماءُ) ماء السماء وماء الأرض (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢)) على مقدار قدرنا ماء السماء وماء الأرض ، ويقال : على قضاء قد قضى بهلاك قوم نوح (وَحَمَلْناهُ) يعنى نوحا ومن آمن به (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) عوارض (وَدُسُرٍ (١٣)) مسامير وشرط ، وكل شىء يشد به السفينة فهو دسر (تَجْرِي) تسير السفينة (بِأَعْيُنِنا) بمنظر منا (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤)) يقول : جزاء قوم نوح بما كفروا به (وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) علامة للناس ، يعنى سفينة نوح بعد نوح ، ويقال : مثل سفينة نوح (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥)) فهل من متعظ يتعظ بما صنع بقوم نوح فيترك المعصية (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦)) فانظر يا محمد كيف كان عذابى عليهم ، وكيف كان حال منذرى لمن أنذرهم نوح ، فلم يؤمنوا (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) هونا القرآن (لِلذِّكْرِ) للحفظ والقراءة والكتابة ، ويقال : هونا قراءة القرآن (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)) فهل من طالب علم فيعان عليه (كَذَّبَتْ عادٌ) قوم هود هودا (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨)) انظر يا محمد كيف كان

٣٥٩

عذابى عليهم ، وكيف كان حال منذرى لمن أنذرهم الرسول هود ، فلم يؤمنوا (إِنَّا أَرْسَلْنا) سلطنا (عَلَيْهِمْ) على قوم هود (رِيحاً صَرْصَراً) باردا شديدا ، وهو ريح الدبور (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩)) مشؤوم عليهم مستمر ذاهب على الصغير والكبير (تَنْزِعُ النَّاسَ) تقلع قوم هود من أماكنهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) كأنهم أوراك نخل ، ويقال : أسافل نخل (مُنْقَعِرٍ (٢٠)) منقلع من أصولها (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) انظر يا محمد كيف كان عذابى عليهم (وَنُذُرِ (٢١)) فكيف كان حال منذرى لمن أنذرهم هود ، فلم يؤمنوا (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ) هونا القرآن (لِلذِّكْرِ) للحفظ والقراءة (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢)) من متعظ يتعظ بما صنع بقوم هود ، فيترك المعصية.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠))

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ) قوم صالح (بِالنُّذُرِ (٢٣)) صالحا وجملة الرسل (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا) آدميا مثلنا (واحِداً نَتَّبِعُهُ) فى دينه وأمره (إِنَّا إِذاً) إن فعلنا (لَفِي ضَلالٍ) فى خطأ بين (وَسُعُرٍ (٢٤)) تعب وعناء (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) أخص بالنبوة (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) ونحن أشرف منه (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) يكذب على الله (أَشِرٌ (٢٥)) بطر مرح يعنون صالحا ، فقال لهم صالح : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) يوم القيامة (مَنِ الْكَذَّابُ) على الله (الْأَشِرُ (٢٦)) البطر المرح ، فقال الله لصالح : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) مخرجو الناقة من الصخرة (فِتْنَةً لَهُمْ) بلية لقومك (فَارْتَقِبْهُمْ) فانتظرهم إلى خروج الناقة (وَاصْطَبِرْ (٢٧)) اصبر على أذاهم وعلى قتلهم الناقة (وَنَبِّئْهُمْ) أخبرهم (أَنَّ الْماءَ) ماء البئر (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) وبين الناقة يوم لها ، ويوم لهم (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)) كل شارب لحضور صاحبه ، فأخبرهم صالح فرضوا بذلك ، ومكثوا على

٣٦٠