تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

(فَانْتَشِرُوا) فاخرجوا (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) ولا تجلسوا مستأنسين لحديث مع أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ ذلِكُمْ) الدخول والجلوس والحديث مع أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كانَ يُؤْذِي النَّبِيَ) صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) أن يأمركم بالخروج وينهاكم عن الدخول (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) من أن يأمركم بالخروج وينهاكم عن الدخول (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَ) كلمتموهن ، يعنى أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مَتاعاً) كلاما لابد لكم منه (فَسْئَلُوهُنَ) فكلموهن (مِنْ وَراءِ حِجابٍ) من خلف الستر (ذلِكُمْ) الذى ذكرت (أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) من الريبة (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) بالدخول عليه بغير إذنه والحديث مع أزواجه (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا) تتزوجوا (أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد موته (أَبَداً) نزلت هذه الآية فى طلحة بن عبيد الله أراد أن يتزوج بعائشة ، رضوان الله عليها ، بعد موت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ ذلِكُمْ) الذى قلتم وتمنيتم من تزويج أزواجه بعد موته (كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً (٥٣)) فى العقوبة.

(إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً) تظهروا شيئا من ذلك (أَوْ تُخْفُوهُ) تسروه (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من الإسرار والإبداء (عَلِيماً (٥٤)) يؤاخذكم به (لا جُناحَ عَلَيْهِنَ) على أزواج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأزواج المؤمنين (فِي آبائِهِنَ) عليهن وكلام آبائهن معهن (وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ) من كلا الوجهين (وَلا نِسائِهِنَ) نساء أهل دينهن ، ولا يحل لمسلمة أن تتجرد عند يهودية أو نصرانية أو مجوسية (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) الإماء دون العبيد (وَاتَّقِينَ اللهَ) فى دخول هؤلاء عليكن وكلامكن معهم (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالكم (شَهِيداً (٥٥) إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) بالدعاء (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)) لأمره (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بالفرية عليهما ، نزلت هذه الآية فى اليهود والنصارى (لَعَنَهُمُ اللهُ) عذبهم الله (فِي الدُّنْيا) بالقتل والإجلاء (وَالْآخِرَةِ) فى النار (وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧)) يهانون به (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى صفوان (وَالْمُؤْمِناتِ) يعنى عائشة بالفرية (بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) بغير ما كان فيهم ذلك (فَقَدِ احْتَمَلُوا) قالوا (بُهْتاناً وَإِثْماً) كذبا (مُبِيناً (٥٨)) بينا ، ويقال : نزلت فى حق زناة بالمدينة كانوا يؤذون بذلك المؤمنين والمؤمنات فنهاهم الله عن ذلك فانتهوا (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) لنسائك (وَبَناتِكَ) يعنى بنات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَ) يرخين

١٨١

على نحورهن وجيوبهن (مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) من جلبابهن وهى المقنعة والرداء (ذلِكَ) الذى ذكرت من أمر الجلباب (أَدْنى) أحرى (أَنْ يُعْرَفْنَ) بالحرائر (فَلا يُؤْذَيْنَ) فلا يؤذونهن الزناة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) بما كان منهن (رَحِيماً (٥٩)) بهن (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) عبد الله بن أبى وأصحابه عن المنكر والخيانة (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شهوة الزنا وهم الزناة (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) الطالبون عيوب المؤمنين فى المدينة وهم المؤلفة (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) لنسلطنك عليهم (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ) لا يساكنون معك فى المدينة (فِيها إِلَّا قَلِيلاً (٦٠)) يسيرا.

(مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧) رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠))

(مَلْعُونِينَ) مقتولين (أَيْنَما ثُقِفُوا) وجدوا (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللهِ) هكذا كان عذاب الله فى الدنيا (فِي الَّذِينَ خَلَوْا) مضوا (مِنْ قَبْلُ) من قبلهم من المنافقين لما عابوا النبيين والمؤمنين أمر الله أنبياءهم أن يقتلوهم (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ) لعذاب الله (تَبْدِيلاً (٦٢)) تغييرا فلما نزلت هذه الآية فيهم فانتهوا عن ذلك (يَسْئَلُكَ النَّاسُ) أهل مكة (عَنِ السَّاعَةِ) عن قيام الساعة (قُلْ) يا محمد (إِنَّما عِلْمُها) علم قيامها (عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ) ولم تدر (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣)) سريعا (إِنَّ اللهَ لَعَنَ) عذب (الْكافِرِينَ) كفار مكة يوم بدر (وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤)) نارا وقودا (خالِدِينَ فِيها) فى النار (أَبَداً) لا يموتون ولا يخرجون منها (لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) حافظا يحفظهم من عذاب الله (وَلا نَصِيراً (٦٥)) مانعا يمنعهم من عذاب الله (يَوْمَ تُقَلَّبُ) تجر (وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ) يعنى القادة والسفلة (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ) بالإيمان (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (٦٦)) بالإجابة (وَقالُوا) يعنى السفلة (رَبَّنا) يا ربنا (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا) رؤساءنا

١٨٢

(وَكُبَراءَنا) أشرافنا وعظماءنا (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧)) فصرفونا عن الدين (رَبَّنا) يقولون يا ربنا (آتِهِمْ) أعطهم يعنى الرؤساء (ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) مما علينا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨)) عذّبهم عذابا كبيرا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا) فى أذى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) قالوا إنه آدر (١)(فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩)) له القدر والمنزلة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) أطيعوا الله فيما أمركم (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠)) عدلا : لا إله إلا الله.

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ)

يقبل أعمالكم بالتوحيد (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) بالتوحيد (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) فيما أمره (وَرَسُولَهُ) فيما أمره (فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١)) فقد فاز بالجنة ونجا من النار نجاة وافرة (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) الطاعة والعبادة (عَلَى السَّماواتِ) على أهل السموات (وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) على وجه الاختيار والتخصيص (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) بالثواب والعقاب (وَأَشْفَقْنَ مِنْها) خفن منها من حملها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) آدم بالثواب والعقاب (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً) بحملها ، ويقال : بأكله من الشجرة (جَهُولاً (٧٢)) بعاقبتها ، فلما نزلت بشرى المؤمنين بالفضل ، قال المنافقون : وما لنا يا رسول الله ، فنزل : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) ويقال : قبل آدم الأمانة (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ) لكى يعذب الله المنافقين من الرجال (وَالْمُنافِقاتِ) من النساء (وَالْمُشْرِكِينَ) من الرجال (وَالْمُشْرِكاتِ) من النساء بتركهم الأمانة لأنهم كانوا فى صلب آدم حيث قبل الأمانة (وَيَتُوبَ اللهُ) ولكى يتوب الله (عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) المخلصين من الرجال (وَالْمُؤْمِناتِ) المخلصات من النساء ، بما يكون منهم من نقض الأمانة (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لمن تاب منهم (رَحِيماً (٧٣)) بالمؤمنين.

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (١ / ٧٣) ، ومسلم (١ / ٢٦٧) ، وتفسير الطبرى (٢٢ / ٣٦) ، والدر المنثور (٥ / ٢٢٣) ، والآدر : المنتفخ الخصية. انظر : زاد المسير (٦ / ٤٢٥) ، والقرطبى (١٤ / ٢٥٣).

١٨٣

سورة سبأ

ومن السورة التى تذكر فيها سبأ ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يقول : الشكر لله ، وهو أن صنع إلى خلقه محمد فحمدوه ، (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ) من الخلق (وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق (وَلَهُ الْحَمْدُ) والمنة (فِي الْآخِرَةِ) على أهل الجنة فى الجنة (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى أمره وقضائه ، أمر أن لا يعبد غيره (الْخَبِيرُ (١)) بخلقه وأعمالهم (يَعْلَمُ ما يَلِجُ) ما يدخل (فِي الْأَرْضِ) من الأمطار والمياه والأموال والكنوز (وَما يَخْرُجُ مِنْها) ويعلم ما يخرج من الأرض من النبات والمياه ، والكنوز والأموال (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) ويعلم ما ينزل من السماء من الأمطار والرزق وغير ذلك (وَما يَعْرُجُ فِيها) ويعلم ما يصعد إليها من الملائكة ، والحفظة بديوان العباد

١٨٤

(وَهُوَ الرَّحِيمُ) بالمؤمنين (الْغَفُورُ (٢)) لمن تاب (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة أبو جهل وأصحابه (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) قيام الساعة (قُلْ) لهم يا محمد (بَلى وَرَبِّي) أقسم بنفسه (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) الساعة وقيام الساعة (عالِمِ الْغَيْبِ) ما غاب عن العباد ، يعلم ذلك (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) لا يغيب عن الله (مِثْقالُ ذَرَّةٍ) وزن نملة وهى النملة الحمراء الصغيرة (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) من أعمال العباد (وَلا أَصْغَرُ) أخف (مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) أثقل من ذلك (إِلَّا) مكتوب (فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣)) فى اللوح المحفوظ محصى عليهم.

(لِيَجْزِيَ) لكى يجزى (الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم فى الدنيا (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)) ثواب حسن فى الجنة (وَالَّذِينَ سَعَوْا) كذبوا (فِي آياتِنا) بآياتنا ، بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (مُعاجِزِينَ) ليسوا بفائتين من عذابنا (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥)) عذاب وجيع (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلم بالتوراة عبد الله بن سلام وأصحابه (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ) يعنى القرآن (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ) يدل إلى دين (الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَمِيدِ (٦)) لمن وحده.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة أبو سفيان وأصحابه للسفلة (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ) يخبركم (إِذا مُزِّقْتُمْ) فرقتم فى الأرض (كُلَّ مُمَزَّقٍ) الجلد والعظام ، هذا محمد يزعم (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧)) يجدد فينا الروح بعد الموت (أَفْتَرى) اختلق محمد (عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) جنون ، قال الله : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (فِي الْعَذابِ) فى الآخرة (وَالضَّلالِ) الخطأ (الْبَعِيدِ (٨)) عن الحق والهدى فى الدنيا (١) (أَفَلَمْ يَرَوْا) كفار مكة (إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) فوقهم وتحتهم من السماء والأرض (وَما خَلْفَهُمْ) وفوقهم وتحتهم (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ) نغر (بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً) قطعا (مِنَ السَّماءِ) فنسقط عليهم من أعلى (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت لهم من السماء والأرض (لَآيَةً) لعبرة (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩)) أى مقبل إلى الله بطاعته (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) ملكا ونبوة

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٢ / ٤٤) ، وزاد المسير (٦ / ٤٣٤) ، وتفسير القرطبى (١٤ / ٢٦٣).

١٨٥

(يا جِبالُ أَوِّبِي) سبحى (مَعَهُ) مع داود (وَالطَّيْرَ) وسخرنا له الطير (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)) يعمل به ما يشاء كما يعمل بالطين.

(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤) لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠))

(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) الدروع الواسعات (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) قدر المسمار فى الحلق ، لا تدقق المسمار فيمور فيه ، ويخرج منه ، ولا تغلظه فتخرقه (١)(وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ) من الخير والشر (بَصِيرٌ (١١)) عالم به (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) وسخرنا لسليمان الريح (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) غدوة من بيت المقدس إلى إصطخر مسيرة شهر ، ورواحها شهر ، ويسير عليها راجعا من إصطخر إلى بيت المقدس مسيرة شهر (وَأَسَلْنا لَهُ) أجرينا له (عَيْنَ الْقِطْرِ) الصفر يعمل به ما يشاء كما يعمل بالطين (وَمِنَ الْجِنِ) وسخرنا له من الجن (مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) بالسحرة من البنيان وغير ذلك (بِإِذْنِ رَبِّهِ) بأمر ربه ، (وَمَنْ يَزِغْ) من يمل ويعص (مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) الذى أمرنا ، ويقال : عن أمر سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢))

__________________

(١) انظر : المشكل لابن قتيبة (٢ / ٢٠٣) ، وزاد المسير (٦ / ٤٣٦) ، والبحر المحيط (٧ / ٢٦٢) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٣٥٥).

١٨٦

الوقود من النار ، ويقال : كان لجنهم ملك يضرب بعمود من نار (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) يعنى المساجد (وَتَماثِيلَ) صور الملائكة والنبيين والعباد ، لكى ينظروا فيعبدوا ربهم على مثالهم (وَجِفانٍ) قصاع (كَالْجَوابِ) كحياض الإبل لا تحرك (وَقُدُورٍ راسِياتٍ) ثابتات عظام لا ترفع يأكل منه ألف رجل (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ) يعنى سليمان (شُكْراً) دائما بما أنعمت عليكم (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣)) من يؤدى شكر الشكر.

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) على سليمان كان سليمان قائما فى محرابه سنة (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ) موت سليمان (إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) الأرضة (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) عنزته (فَلَمَّا خَرَّ) وقع سليمان (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) تبين الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤)) الشديد من العمل بالسخرة ، وكان قبل ذلك يظن الإنس أن الجن يعلمون الغيب فتبين من ذلك أنهم لا يعلمون (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ) لأهل سبأ اليمن (فِي مَسْكَنِهِمْ) فى منازلهم (آيَةٌ) علامة (جَنَّتانِ) بستانان (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) عن يمين الطريق وشمالها ، وكان ثلاثة عشرة قرية نحو اليمن ، فبعث الله إليهم ثلاثة عشر نبيا فقال لهم الأنبياء : (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) من فضل ربكم من الثمار والنعم (وَاشْكُرُوا لَهُ) بالتوحيد (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) ليست بسبخة (وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥)) لمن آمن به وتاب.

(فَأَعْرَضُوا) عن الإيمان وإجابة الرسل ، ولم يشكروا له بذلك (فَأَرْسَلْنا) سلطنا (عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) سيل الوادى فأهلكت ما كان من البستانين والبيوت والنعم وغير ذلك ، والعرم واد فى اليمن ، يقال له : وادى الشجر ، وكان فيها مسناه يحبسون الماء فى الوادى بذلك ، وكان لها ثلاثة أبواب بعضها أسفل من بعض فهدم الله تلك المسناة وأهلكهم بذلك الماء (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ) اللتين هلكتا (جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) أراك (وَأَثْلٍ) طرفاء (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ) شمر (قَلِيلٍ (١٦)) الثمر كثير الشوك (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) عاقبناهم (بِما كَفَرُوا) بالله وبنعمته (وَهَلْ نُجازِي) نعاقب (إِلَّا الْكَفُورَ (١٧)) الكافر بالله وبنعمته (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ) وبين أهل سبأ (وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر ، يعنى الأردن وفلسطين (قُرىً ظاهِرَةً) متصلة معاينة (وَقَدَّرْنا فِيهَا) يعنى القرى (السَّيْرَ) على قدر المقيل والمبيت (سِيرُوا فِيها) سافروا فيها (لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨)) من الجوع

١٨٧

والعطش واللصوص ، فقال لهم الأنبياء بعد ذلك : اشكروا نعمة ربكم لئلا يأخذها منكم كما أخذ نعمة الأولى (فَقالُوا رَبَّنا) يا ربنا (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) مسيرنا (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والشرك ، وتركوا شكر ذلك (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) لمن بعدهم (وَمَزَّقْناهُمْ) فرقناهم فى البلدان (كُلَّ مُمَزَّقٍ) مفرق وأهلكناهم بكل مهلك (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما فعلنا بهم (لَآياتٍ) لعلامات وعبرات (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على الطاعة (شَكُورٍ (١٩)) بنعم الله (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) قوله (فَاتَّبَعُوهُ) فى الكفر (إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)) جملة من المؤمنين ، وهم السبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب.

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))

(وَما كانَ لَهُ) لإبليس (عَلَيْهِمْ) على بنى آدم (مِنْ سُلْطانٍ) من مقدرة ونفاذ لهم (إِلَّا لِنَعْلَمَ) إلا بقدر ما نرى ونميز (مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ) من علمت فى القدم أن يؤمن بالبعث (مِمَّنْ هُوَ مِنْها) من قيام الساعة (فِي شَكٍ) فى ريب (وَرَبُّكَ) يا محمد (عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (حَفِيظٌ (٢١)) عالم (قُلِ) يا محمد لكفار مكة بنى مليح (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) عبدتم (مِنْ دُونِ اللهِ) حى يجيبوكم ، وكانوا يعبدون الجن ويظنون أنهم الملائكة ، قال الله لهم : (لا يَمْلِكُونَ) لا يقدرون أن ينفعوكم (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) وزن ذرة (فِي

١٨٨

السَّماواتِ) مما فى السموات (وَلا فِي الْأَرْضِ) ولا مما فى الأرض (وَما لَهُمْ) للملائكة (فِيهِما) فى خلق السموات والأرض (مِنْ شِرْكٍ) من شركة مع الله (وَما لَهُ مِنْهُمْ) من الملائكة (مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢)) من عون فى خلق السموات والأرض.

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) ولا يشفع الملائكة (عِنْدَهُ) يوم القيامة (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) بالشفاعة ، ثم ذكر ضعف الملائكة حيث كلم الله تعالى جبريل ، عليه‌السلام ، بالوحى إلى محمد ، فسمعت الملائكة كلام الرب ، عزوجل ، فخروا مغشيّا عليهم من هيبة كلام الله فكانوا كذلك (حَتَّى إِذا فُزِّعَ) كشط وجلى (١)(عَنْ قُلُوبِهِمْ) الخوف حين انحدر عليهم جبريل (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) جبريل ومن معه (قالُوا الْحَقَ) القرآن (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣)) أعلى كل شىء ، وأكبر كل شىء (قُلْ) يا محمد لكفار مكة (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات ، فإن أجابوك فقالوا الله وإلا (قُلِ اللهُ) يرزقكم (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ) يا أهل مكة (لَعَلى هُدىً) لو كنا على هدى (أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤)) فى رزق الله سواء ، ويقال : وإنا معشر المؤمنين لعلى هدى وإياكم يا أهل مكة فى ضلال مبين كفر بين وخطأ ، مقدم ومؤخر فى الكلام (قُلْ) لهم يا محمد (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا) أذنبنا (وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥)) به فى كفركم ثم نسخ بعد ذلك بآية السيف.

(قُلْ) يا محمد (يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) يوم القيامة (ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ) بالعدل (وَهُوَ الْفَتَّاحُ) القاضى بلغة نعمان (الْعَلِيمُ (٢٦)) بالحكم (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ) أشركتم (بِهِ شُرَكاءَ) آلهة ماذا خلقوا ، ثم قال الله : (كَلَّا) حقا أى لم يخلقوا شيئا (بَلْ هُوَ اللهُ) خلق ذلك (الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن (الْحَكِيمُ (٢٧)) فى أمره وقضائه ، أمر أن لا يعبد غيره (وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا كَافَّةً) جماعة (لِلنَّاسِ) للجن والإنس جميعا (بَشِيراً) بالجنة لمن آمن بالله ، (وَنَذِيراً) من النار (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (٢٨)) ذلك ولا يصدقون

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (٣٩٤) ، واتحاف الفضلاء (٢ / ٢٨٨) ، والنشر (٢ / ٣٥١) ، وتفسير الطبرى (٢٢ / ٥٨) ، والسبعة (٥٢٩) ، والكشف لمكى (٠٢ / ٢٠٧).

١٨٩

(وَيَقُولُونَ) كفار مكة (مَتى هذَا الْوَعْدُ) يا محمد الذى تعدنا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩)) إن كنت من الصادقين أن نبعث بعد الموت (قُلْ) لهم يا محمد (لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) ميقات يوم (لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً) بعد الأجل (وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠)) قبل الأجل.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة أبو جهل وأصحابه (لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) الذى يقرأه علينا محمد (وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) قبله من التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب (وَلَوْ تَرى) يا محمد ، (إِذِ الظَّالِمُونَ) المشركون أبو جهل وأصحابه (مَوْقُوفُونَ) محبوسون (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يوم القيامة (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) يجيب بعضهم بعضا ، ويرد بعضهم على بعض ، ويلعن بعضهم بعضا (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) قهروا ، وهم السفلة (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) تعظموا وهم القادة (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١)) بالله (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) قهروا وهم السفلة (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) صرفناكم

١٩٠

(عَنِ الْهُدى) عن الإيمان (بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ) محمد به (بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢)) قبل مجىء محمد إليكم.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) قهروا (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) تعظموا وهم القادة (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) قولكم لنا بالليل والنهار (إِذْ تَأْمُرُونَنا) إذا أمرتمونا (أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ) وبمحمد والقرآن (وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) أعدالا وأشكالا (وَأَسَرُّوا) أخفوا (النَّدامَةَ) القادة من السفلة ، ويقال : أظهروا الندامة القادة ، والسفلة (لَمَّا) حين (رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد والقرآن ، يقولون : غلت أيديهم إلى أعناقهم (هَلْ يُجْزَوْنَ) يوم القيامة (إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)) إلا بما كانوا يعملون ويقولون (وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ) إلى أهل قرية (مِنْ نَذِيرٍ) من رسول مخوف (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) جبابرتها وأغنياؤها (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤)) جاحدون (وَقالُوا) للرسل (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) منكم (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)) بديننا هذا مع هذه الأموال ، وهكذا قال كفار مكة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قل الله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسع المال (لِمَنْ يَشاءُ) وهو يكثر منه (وَيَقْدِرُ) ويقتر على من يشاء وهو نظر منه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (٣٦)) ذلك ولا يصدقون به ، (وَما أَمْوالُكُمْ) وكثرة أموالكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) كثرة أولادكم يا أهل مكة (بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) قربى فى الدرجات (إِلَّا مَنْ آمَنَ) ولكن إيمان من آمن بالله (وَعَمِلَ صالِحاً) خالصا فيما بينه وبين ربه يقربه إلى الله ، (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) فى الحساب (بِما عَمِلُوا) فى إيمانهم (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧)) من الزوال والموت (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) يكذبون بآياتنا بمحمد والقرآن (مُعاجِزِينَ) ليسوا بفائتين من عذابنا (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ) فى النار (مُحْضَرُونَ (٣٨)) معذبون.

(قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) يوسع المال على من يشاء من عباده ، وهو مكر منه (مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) يقتر له ، وهو نظر منه (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) فى سبيل الله (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) فى الدنيا بالمال ، وفى الآخرة بالحسنات (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩)) أفضل المخلفين والمعطين (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) يعنى بنى مليح والملائكة (جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠)) بأمركم.

١٩١

(قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))

(قالُوا) يعنى الملائكة (سُبْحانَكَ) نزهوا الله (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) من دون أن أمرناهم بعبادتك (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)) مقرون يرون أنهم الملائكة (فَالْيَوْمَ) وهو يوم القيامة (لا يَمْلِكُ) لا يقدر (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ) يعنى الجن والملائكة لكم (نَفْعاً) فى الساعة (وَلا ضَرًّا) بدفع العذاب (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢)) أنها لا تكون.

(وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِمْ) على كفار مكة (آياتُنا) القرآن (بَيِّناتٍ) مبينات بالأمر والنهى (قالُوا ما هذا) يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) من الآلهة (وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ) كذب (مُفْتَرىً) مختلق من تلقاء نفسه (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (لِلْحَقِ) للقرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) عند ما جاءهم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنْ هذا) ما هذا (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣)) كذب مبين (وَما آتَيْناهُمْ) أعطيناهم كفار مكة (مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) يقرأون

١٩٢

ما فيها (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ) يا محمد (مِنْ نَذِيرٍ (٤٤)) من رسول مخوف لهم إلا قالوا له مثل ما يقولون لك (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل قومك (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) يقول : ما بلغت قريش عشر من كان قبلهم من الكفار ، ويقال : ما بلغت أموالهم وأولادهم وأعمارهم وقوتهم عشر ما أعطيناهم من كانوا قبلهم (١)(فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥)) تغييرى عليهم بالعذاب ، حين لم يؤمنوا.

(قُلْ) يا محمد لكفار مكة (إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) بكلمة واحدة : لا إله إلا الله ، وهذا كقول الرجل للرجل : تعال حتى أكلمك كلمة واحدة ، ثم تكلمه بكلمة أخرى أكثر من ذلك (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى) اثنين اثنين (وَفُرادى) واحدا واحدا (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) هل كان محمد ساحرا أو كاهنا أو كذابا أو مجنونا ، ثم قال الله : (ما بِصاحِبِكُمْ) ما بنبيكم (مِنْ جِنَّةٍ) من جنون (إِنْ هُوَ) يعنى ما هو ، يعنى محمدا (إِلَّا نَذِيرٌ) رسول مخوف (لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦)) من عذاب شديد يوم القيامة إن لم تؤمنوا.

(قُلْ) لهم يا محمد (ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) من جعل ومؤنة (فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ) ما ثوابى (إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالكم (شَهِيدٌ (٤٧)) عالم (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) يبين الحق ، ويأمر بالحق (عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٤٨)) ما غاب عن العباد ، يعلم الله ذلك (قُلْ جاءَ الْحَقُ) ظهر الإسلام وكثر المسلمون (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ) وما يخلق الشيطان والأصنام (وَما يُعِيدُ (٤٩)) ما يحيى بعد الموت (قُلْ) لهم يا محمد (إِنْ ضَلَلْتُ) عن الحق والهدى (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) يقول : عقوبة ذلك على نفسى (٢)(وَإِنِ اهْتَدَيْتُ) إلى الحق والهدى (فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) اهتديت (إِنَّهُ سَمِيعٌ) لمن دعاه (قَرِيبٌ (٥٠)) بالإجابة لمن وحده (وَلَوْ تَرى) يا محمد (إِذْ فَزِعُوا) خسف بهم الأرض وماتوا ، وهو خسف البيداء (فَلا فَوْتَ) لا يفوت منهم أحد (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١)) من تحت أرجلهم وخسف بهم الأرض (وَقالُوا) عند ذلك

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٦ / ٤٦٤).

(٢) انظر : تفسير الطبرى (٢٢ / ٧١).

١٩٣

(آمَنَّا بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن قال الله : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) التوبة والرجعة (١)(مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢)) بعد الموت (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ) بمحمد والقرآن (مِنْ قَبْلُ) من قبل ما خسف بهم الأرض (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) يسألون الرجعة إلى الدنيا بالظن (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣)) بعد الموت (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ) فرق بينهم (وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) من الرجوع إلى الدنيا (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ) بأشباههم وأهل دينهم (مِنْ قَبْلُ) من قبلهم من الكفار (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤)) ظاهر الشك.

__________________

(١) انظر : السبعة (٥٣٠) ، والكشف لمكى (٢ / ١٠٨) ، ومعانى القراءات للأزهرى (ص ٣٩٥) ، وزاد المسير (٦ / ٤٦٩).

١٩٤

سورة فاطر

ومن السورة التى يذكر فيها الملائكة وهى مكية كلها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢) يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنهما ، فى قوله عزوجل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يقول : الشكر لله والمنة له (فاطِرِ) خالق (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ) خالق الملائكة ومكرم الملائكة (رُسُلاً) بالرسالة ، يعنى جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، عليهم‌السلام ، والرعد والحفظة إلى خلقه (أُولِي أَجْنِحَةٍ) ذوى أجنحة ، يعنى الملائكة (مَثْنى) من له جناحان يطير بهما (وَثُلاثَ) من له ثلاث أجنحة (وَرُباعَ) ومن له أربعة أجنحة (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) فى خلق الملائكة ما يشاء ، ويقال : الأجنحة ،

١٩٥

وما يشاء ، ويقال : فى نعمة حسنة ما يشاء ، ويقال : فى صوت حسن ما يشاء (١)(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الزيادة والنقصان (قَدِيرٌ (١)).

(ما يَفْتَحِ اللهُ) ما يرسل الله (لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) من مطر ورزق وعافية (فَلا مُمْسِكَ لَها) فلا مانع للرحمة (وَما يُمْسِكْ) وما يمنع (فَلا مُرْسِلَ لَهُ) فلا ممسك غيره (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد إمساكه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى إمساكه (الْحَكِيمُ (٢)) فيما أرسل (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ) منة الله (عَلَيْكُمْ) بالمطر والرزق والعافية (هَلْ مِنْ خالِقٍ) من إله (غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) المطر (وَالْأَرْضِ) النبات (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) الذى يرزقكم (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣)) من أين تكذبون أن الآلهة ترزقكم (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) قريش (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) كذبتهم قومهم كما كذبوك قريش (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤)) عواقب الأمور فى الآخرة (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) البعث بعد الموت (حَقٌ) كائن (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ) عن طاعة الله (الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى الحياة الدنيا من الزهرة والنعيم (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ) عن دين الله (الْغَرُورُ (٥)) الشيطان ويقال : أباطيل الدنيا إن قرأت بضم الغين (٢).

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) فى الدين والطاعة (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) فحاربوه ولا تطيعوه فى الدنيا والطاعة (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) أهل دينه وطاعته (لِيَكُونُوا) ليجتمعوا (مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦)) مع أصحاب السعير فى السعير معه (الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد والقرآن أبو جهل وأصحابه (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) غليظ (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) فى الدنيا لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧)) فى الآخرة بالجنة (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) يعنى كالكفار والفجار يعملون أعمالا سيئة ، وهم فى ذلك يعتقدون أنهم يحسنون صنعا (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) عن دينه من كان أهلا لذلك ، يعنى أبا جهل وأصحابه (وَيَهْدِي) لدينه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك ، يعنى أبا بكر وأصحابه (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ) فلا تهلك نفسك بالحزن (عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) ندما على هلاكهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨)) فى كفرهم من المكر والخيانة

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٢ / ٧٥) ، وزاد المسير (٦ / ٤٧٣) وتفسير القرطبى (١٤ / ٣٢٠).

(٢) انظر : تفسير الطبرى (٢٢ / ٧٧) ، وزاد المسير (٦ / ٤٧٥).

١٩٦

بتآمرهم على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى دار الندوة (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ) فتهيج وترفع (سَحاباً فَسُقْناهُ) بالمطر (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) إلى مكان لا نبات فيه (فَأَحْيَيْنا بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) قحطها وبؤسها (كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)) وكذلك تحيون وتنشرون وتخرجون من القبور (مَنْ كانَ يُرِيدُ) أن يعلم أن (الْعِزَّةَ) والقدرة والمنعة لمن (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) والقدرة والمنعة (جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) صوت الكلم الطيب لا إله إلا الله ، (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) بتقبله بالكلم الطيب (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) يشركون بالله ، ويقال : يصنعون فى هلاك محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى دار الندوة أن يحبسوه سجنا ، أو يطردوه طردا ، أو يقتلوه جميعا (١)(لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) أشد ما يكون (وَمَكْرُ أُولئِكَ) صنع أولئك (هُوَ يَبُورُ (١٠)) يفسد ويهلك ، وهو أبو جهل وأصحابه ، ويقال : نزلت هذه الآية فى أهل الربا.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) من آدم وآدم من تراب (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) آبائكم (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أصناما (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى) من الحوامل (وَلا تَضَعُ)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٢ / ٨١) ، وزاد المسير (٦ / ٤٧٩) ، والدر المنثور (٥ / ٢٤٦).

١٩٧

حملها لتمام أو لغير تمام (إِلَّا بِعِلْمِهِ) بعلم الله وإذنه (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ولا يمد فى عمره (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) مكتوب مبين فى اللوح المحفوظ (إِنَّ ذلِكَ) حفظ ذلك (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١)) هين ، يعنى كتابته (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) العذب والمالح (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) حلو (سائِغٌ شَرابُهُ) شهى (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) من ملح زعاق لا يستطاع شربه (وَمِنْ كُلٍ) كلا البحرين العذب والمالح (تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) سمكا طريا (وَتَسْتَخْرِجُونَ) من المالح خاصة (حِلْيَةً) زينة اللؤلؤ والجوهر (تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ) السفن (فِيهِ مَواخِرَ) مقبلة ومدبرة تجئ وتذهب بريح واحدة (لِتَبْتَغُوا) لتطلبوا (مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)) لكى تشكروا نعمته.

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) يدخل الليل فى النهار فيكون النهار أطول من الليل ست ساعات (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) يدخل النهار فى الليل فيكون الليل أطول من النهار ست ساعات (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذلك ضوء الشمس ، والقمر آيتين (كُلٌ) الشمس والقمر والليل والنهار (يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم فى منازل معروفة (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) يفعل ذلك لا الآلهة (لَهُ الْمُلْكُ) الخزائن (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ) تعبدون (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣)) لا يقدرون أن يفعلوا من ذلك ، قطمير هو الشىء الذى تعلق به النواة مع القمع (إِنْ تَدْعُوهُمْ) الآلهة (لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) لأنهم صم بكم (وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) ما أجابوكم من بغضهم إياكم (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) يتبرأ الآلهة من شرككم وعبادتكم إياهم (وَلا يُنَبِّئُكَ) يخبرك بهم وبأعمالهم (مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)) هو الله.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) إلى مغفرته ورحمته ورزقه وعافيته فى الدنيا ، وإلى جنته فى الآخرة (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ) عما عندكم من الأموال (الْحَمِيدُ (١٥)) المحمود فى أفعاله (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) يحييكم ويميتكم يا أهل مكة ، (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦)) خير منكم وأطوع لله ، (وَما ذلِكَ) الإهلاك والإتيان (عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧)) بشديد (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ولا تحمل حاملة حمل أخرى مما عليها من الذنوب بطيبة النفس ، ولكن يحمل عليها بالكره ، ويقال : لا تؤاخذ نفس بذنب نفس أخرى ، ويقال : لا تؤثر نفس بغير نفس

١٩٨

(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) من الذنوب لحملها من الذنوب (إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ) من الذنوب (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ذا قرابة منه فى الرحم أباه وأمه وبنيه (إِنَّما تُنْذِرُ) ينفع إنذارك يا محمد (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يعملون لربهم ، وإن كان الله غائبا عنهم ، والله لا يغيب عنه شىء (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَمَنْ تَزَكَّى) وجدّ وأصلح وتصدق بماله فى سبيل الله (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) يكون له ثواب ذلك (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨)) المرجع فى الآخرة (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩)) يعنى الكافر والمؤمن ، (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ (٢٠)) يعنى لا الكفر ولا الإيمان.

(وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (٢١))

يعنى الجنة والنار (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) يعنى المؤمنين والكافرين فى الطاعة والكرامة (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ) يفهم (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ) بمفهم (مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢)) من كان ميتا فى القبر (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣)) رسول مخوف ، (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد (بِالْحَقِّ بَشِيراً) بالجنة لمن آمن به (وَنَذِيراً) من النار لمن كفر به (وَإِنْ مِنْ

١٩٩

أُمَّةٍ إِلَّا خَلا) مضى (فِيها نَذِيرٌ (٢٤)) رسول مخوف (١) (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) قريش يا محمد (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من قبل قومك رسلهم (جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (وَبِالزُّبُرِ) كتب الأولين (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥)) المبين بالحلال والحرام (ثُمَّ أَخَذْتُ) عاقبت (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالكتب والرسل (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦)) انظر يا محمد كيف كان تغييرى عليهم حين لم يؤمنوا.

(أَلَمْ تَرَ) ألم تعلم (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَخْرَجْنا بِهِ) بالمطر (ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها) أجناسها الحلو والحامض وغير ذلك (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) طرق (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها) كألوان الثمرات (وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧)) جبال سود شديدة السواد (وَمِنَ النَّاسِ) كذلك مختلف ألوانه (وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ) أجناسه مقدم ومؤخر (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) إنما العلماء يخشون الله من عباده (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) فى ملكه وسلطانه (غَفُورٌ (٢٨)) لمن آمن به (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ) يقرأون (كِتابَ اللهِ) القرآن أبو بكر وأصحابه (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَأَنْفَقُوا) تصدقوا (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم من الأموال (سِرًّا) بينهم وبين الله (وَعَلانِيَةً) فيما بينهم وبين الناس (يَرْجُونَ تِجارَةً) يعنى جنة (لَنْ تَبُورَ (٢٩)) لن تهلك ولن تفسد.

(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) ثوابهم فى الجنة (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) بفضله من واحد إلى عشرة (إِنَّهُ غَفُورٌ) لذنوبهم (شَكُورٌ (٣٠)) لأعمالهم اليسير للشكر اليسير ويجزى الخير الجزيل (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أنزلنا عليك جبريل به (مِنَ الْكِتابِ) يعنى القرآن (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) الصدق موافقا بالتوحيد وتبليغ الشرائع (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتاب (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ) بمن يؤمن به وبمن لا يؤمن (بَصِيرٌ (٣١)) بأعمالهم ، ثم بما أنزلنا به جبريل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) أكرمنا بحفظ القرآن وكتابته وقراءته (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) اخترنا (مِنْ عِبادِنا) من بين عبادنا بالإيمان وهم أمة سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ)

__________________

(١) نسخ معناها بآية السيف كما فى : بصائر ذوى التمييز للفيروز آبادى (١ / ٣٨٧) ، وناسخ القرآن لابن البارزى (٣٠٣) ، وزاد المسير (٦ / ٤٨٤).

٢٠٠