تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

بِذَنْبِهِمْ) أهلكهم ربهم بقتلهم الناقة وتكذيبهم صالحا (فَسَوَّاها (١٤)) فسواهم بالعذاب الصغير والكبير (وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)) ثائرها ، ويقال : فعقروها ولا يخاف عقباها مقدم ومؤخر.

* * *

٥٠١

سورة الليل

ومن سورة الليل ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٦) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠) وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ) يقول : أقسم الله بالليل (إِذا يَغْشى (١)) ضوء النهار (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (٢)) ظلمة الليل (وَما خَلَقَ) والذى خلق (١)(الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ) عملكم (لَشَتَّى (٤)) مختلف مكذب بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن ومصدق بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن وعامل للجنة وعامل للنار ولهذا كان القسم (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) تصدق بماله فى سبيل الله ، واشترى تسعة نفر من المؤمنين كانوا فى أيدى الكافرين يعذبونهم على دينهم فاشتراهم منهم وأعتقهم (وَاتَّقى (٥)) الكفر والشرك والفواحش (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦)) بعدة الله ، ويقال : بالجنة بلا إله إلا الله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧)) فسنهون عليه الطاعة ونستوقفه بالطاعة مرة بعد مرة ويقال : الصدقة فى سبيل الله مرة بعد مرة وهو أبو بكر الصديق (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بماله فى سبيل الله وهو الوليد بن المغيرة ، ويقال : أبو سفيان بن حرب ، فلم يكن مؤمنا حينئذ (وَاسْتَغْنى (٨)) فى نفسه عن الله (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩)) بعدة الله ، ويقال : بالجنة ، ويقال بلا إله إلا الله (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)) فسنهون عليه

__________________

(١) انظر : التبيان للعكبرى (٢ / ٢٨٦) ، وزاد المسير (٩ / ١٥٢) ، والنكت والعيون للماوردى (٢ / ٢٦٩) ، ومشكل ابن قتيبة (٢ / ٤٧٨) ، والدر المنثور (٦ / ٣٥٩).

٥٠٢

المعصية مرة بعد مرة والإمساك عن الصدقة فى سبيل الله (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) الذى جمع فى الدنيا (إِذا تَرَدَّى (١١)) إذا مات ، ويقال : إذا تردى فى النار (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢)) للبيان بيان الخير والشر (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)) ثواب الدنيا والآخرة ، ويقال : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣)) الآخرة بالثواب والكرامة ، والأولى بالمعرفة والتوفيق (فَأَنْذَرْتُكُمْ) خوفنكم يا أهل مكة بالقرآن (ناراً تَلَظَّى (١٤)) تغيظ وتتلهب (لا يَصْلاها) لا يدخلها يعنى النار (إِلَّا الْأَشْقَى (١٥)) فى علم الله (الَّذِي كَذَّبَ) بالتوحيد ، ويقال : قصر عن طاعة الله (وَتَوَلَّى (١٦)) عن الإيمان ، ويقال : عن التوبة (وَسَيُجَنَّبُهَا) يباعد ويزحزح عن النار (الْأَتْقَى (١٧)) التقى (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) فى سبيل الله وهو أبو بكر الصديق (يَتَزَكَّى (١٨)) يريد بذلك وجه الله (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (١٩)) ولم يعمل ذلك مجازاة لأحد (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (٢٠)) إلا طلب رضا ربه الأعلى أعلى كل شىء (وَلَسَوْفَ يَرْضى (٢١)) يعطى من الثواب والكرامة حتى يرضى وهو أبو بكر الصديق وأصحابه.

* * *

٥٠٣

سورة الضحى

ومن سورة الضحى ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالضُّحى (١)) يقول : أقسم الله بالنهار كله (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)) إذا أظلم واسود (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) ما تركك ربك منذ أوحى إليك (وَما قَلى (٣)) ما أبغضك منذ أحبك ، ولهذا كان القسم ، وهذا بعدما حبس الله عنه الوحى خمس عشرة ليلة لتركه الاستثناء ، فقال المشركون ودعه ربه ، وقلاه (١) (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)) يقول : ثواب الآخرة خير لك من ثواب الدنيا (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ) فى الآخرة من الشفاعة (فَتَرْضى (٥)) حتى ترضى ، ثم ذكر منته عليه ، فقال : (أَلَمْ يَجِدْكَ) يا محمد (يَتِيماً) بلا أب ولا أم (فَآوى (٦)) آواك ، أى عمك أبى طالب وكفى مؤنتك ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ، يا جبريل» وقال أيضا (وَوَجَدَكَ) يا محمد (ضَالًّا فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ) يا محمد (عائِلاً) فقيرا (فَأَغْنى (٨)) فأغناك بمال خديجة ، ويقال : أرضاك بما أعطاك ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ، يا جبريل» فقال أيضا : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩)) لا تظلمه ولا تحتقره (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠)) لا ترده خائبا ولا تزجره (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) بالنبوة والإسلام (فَحَدِّثْ (١١)) الناس بذلك وأخبرهم وأعلمهم بذلك.

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٦ / ٨٦) ، ومسلم (٠١٢ / ١٥٦) ، والترمذى (٤ / ٣١٤) ، وأحمد (٤ / ٣١٢) ، والحميدى (٢ / ٣٤٢) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ١٤٨) ، وزاد المسير (٩ / ١٥٤) ، ولباب النقول للسيوطى (٢٣٠).

٥٠٤

سورة الشرح

ومن سورة ألم نشرح ، وهى كلها مكية.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)) وهذا معطوف على قوله (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)) [الضحى : ٨] ، فقال : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١)) يا محمد قلبك للإسلام ، يقول : ألم نلين قلبك يوم الميثاق بالمعرفة والفهم والنصرة والعقل واليقين وغير ذلك ، ويقال : ألم نوسع قلبك بالنبوة ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نعم» فقال أيضا : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢)) حططنا عنك إثمك (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣)) أثقل ظهرك به يعنى الإثم ، ويقال : أثقل ظهرك بالنبوة ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم» ، فقال أيضا : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)) صوتك بالأذان والدعاء والشهادة ، أن تذكر كما أذكر ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم» ، فقال الله تعالى تعزية لنبيه بالفقر والشدة : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥)) مع الشدة رخاء (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦)) مع الشدة رخاء فذكر عسرا بين يسرين (فَإِذا فَرَغْتَ) من الغزو والجهاد والقتال (فَانْصَبْ (٧)) فى العبادة ، ويقال : إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب فى الدعاء (وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)) وحوائجك إلى ربك فادفع (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٥٠) ، والقرطبى (٢٠ / ١٠٥).

٥٠٥

سورة التّين

ومن سورة التين ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)) يقول : أقسم الله بالتين تينكم هذا والزيتون زيتونكم هذا ، أو يقال : هما مسجدان بالشام ، ويقال : هما جبلان بالشام ، ويقال : التين هو الجبل الذى عليه بيت المقدس ، والزيتون ، هو الجبل الذى عليه دمشق (وَطُورِ سِينِينَ (٢)) وأقسم بجبل ثبير وهو جبل بمدين الذى كلم الله عليه موسى عليه‌السلام ، وكل جبل هو الطور بلسان النبط وسينين هو الجبل الحسن الشجر (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)) وأقسم بهذا البلد بلد مكة الأمين من أن يهاج فيه على من دخل فيه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) هو الكافر الوليد بن المغيرة ، ويقال : كلدة بن أسيد (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)) فى أعدل الخلق ولهذا كان القسم (ثُمَّ رَدَدْناهُ) فى الآخرة (أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥)) يعنى النار ، ويقال : لقد خلقنا الإنسان ، يعنى ولد آدم فى أحسن تقويم ، فى أحسن صورة ، إذا تكامل شبابه ، ثم رددناه أسفل سافلين ، إلى أرذل العمر فلا يكتب له بعد ذلك حسنة إلا ما قد عمل فى شبابه وقوته (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦)) غير منقوص ولا مكدر تجرى لهم الحسنات بعد الهرم والموت (فَما يُكَذِّبُكَ) يا وليد بن المغيرة ، ويقال : يا كلدة بن أسيد ، ويقال : فمن ذا الذى يكذبك يا محمد (بَعْدُ) هذا الذى ذكرت لك من تحويل الخلق ، يعنى الشباب والهرم ، والبعث والموت ، ويقال : فمن ذا الذى حملك على التكذيب يا كلدة بن أسيد ، ويا وليد بن المغيرة (بِالدِّينِ (٧)) بحساب يوم القيامة (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)) بأعدل العادلين وبأفضل الفاضلين أن يحييك بعد الموت (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٦٠) ، والقرطبى (٢٠ / ١١٧).

٥٠٦

سورة العلق

ومن سورة العلق ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (اقْرَأْ) يقول : اقرأ يا محمد ، القرآن وهو أول ما نزل عليه جبريل (بِاسْمِ رَبِّكَ) بأمر ربك (الَّذِي خَلَقَ (١)) الخلائق (خَلَقَ الْإِنْسانَ) يعنى ولد آدم (مِنْ عَلَقٍ (٢)) من دم عبيط ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما أقرأ يا جبريل» فقرأ عليه جبريل أربع آيات من أول هذه السورة ، فقال له : (اقْرَأْ) القرآن يا محمد (وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)) المتجاوز الحليم عن جهل العباد (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)) الخط بالقلم (عَلَّمَ الْإِنْسانَ) يعنى الخط بالقلم (ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)) قبل ذلك ، ويقال : علم الإنسان يعنى آدم أسماء كل شىء ما لم يعلم قبل ذلك (كَلَّا) حقا يا محمد (إِنَّ الْإِنْسانَ) يعنى الكافر (لَيَطْغى (٦)) ليبطر فيرتفع من منزلة إلى منزلة فى المطعم والمشرب والملبس والمركب (١) (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧)) إذ رأى نفسه مستغنيا عن الله بالمال (إِنَّ إِلى رَبِّكَ) يا محمد (الرُّجْعى (٨)) مرجع الخلائق فى الآخرة ، ثم نزل فى شأن أبى جهل بن هشام حيث أراد أن يطأ عنق النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الصلاة ، فقال : (أَرَأَيْتَ) يا محمد (الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِذا صَلَّى (١٠)) لله (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١)) وهو على الهدى يعنى النبوة

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم (١٧ / ١٣٠) ، والترمذى (٤ / ٢١٩) ، ومجمع الزوائد (٧ / ١٣٩) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ١٦٣).

٥٠٧

والإسلام (أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢)) وأمر بالتوحيد (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) وهو كذب بالتوحيد ، يعنى أبا جهل (وَتَوَلَّى (١٣)) عن الإيمان (أَلَمْ يَعْلَمْ) أبو جهل (بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤)) صنيعه بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كَلَّا) حقا يا محمد (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) لم يتب أبو جهل عن أذى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)) لنأخذن ناصيته وهو مقدم رأسه (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) على الله (خاطِئَةٍ (١٦)) مشركة بالله (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧)) قومه وأهل مجلسه (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨)) يعنى زبانية النار (كَلَّا) حقا يا محمد (لا تُطِعْهُ) يعنى أبا جهل فيما يأمرك أن لا تصلى لربك (وَاسْجُدْ) لربك (وَاقْتَرِبْ (١٩)) إليه فى السجود.

* * *

٥٠٨

سورة القدر

ومن سورة القدر ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عز من قائل : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يقول : أنزلنا جبريل بالقرآن جملة واحدة على كتبه ملائكة سماء الدنيا (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)) والحكم والقضاء ، ويقال : فى ليلة مباركة بالمغفرة والرحمة ، ثم نزل بعد ذلك على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجوما نجوما (وَما أَدْراكَ) يا محمد تعظيما لها (ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)) ما فضل ليلة القدر ، ثم بين فضلها ، فقال : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)) يقول : العمل فيها خير من العمل فى ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) جبريل معهم (فِيها) فى أول ليلة القدر (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمر ربهم (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤)) يقول : يسلمون على أهل الصوم والصلاة من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تلك الليلة ، ويقال : من كل أمر سلام ، يقول : من كل آفة سلامة تلك الليلة (سَلامٌ هِيَ) يقول فضلها وبركتها (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)) يعنى إلى الصبح (١).

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٩ / ١٩٣) ، وتفسير القرطبى (٢٠ / ١٣٣).

٥٠٩

سورة البيّنة

ومن سورة لم يكن ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعنى اليهود والنصارى (وَالْمُشْرِكِينَ) مشركى العرب (مُنْفَكِّينَ) مقيمين على الجحود بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن والإسلام (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١)) بيان ما فى كتاب اليهود والنصارى (١) (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولها وجه آخر ، يقول : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قبل مجىء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل عبد الله بن سلام ، وأصحابه والمشركون بالله قبل مجىء محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل أبى بكر وأصحابه منفكين منتهين عن الكفر والشرك حى تأتيهم البينة يعنى جاءهم البينات ، رسول من الله ، يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يَتْلُوا صُحُفاً) يقرأ عليهم كتبا (مُطَهَّرَةً (٢)) من الشرك (فِيها) فى كتب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)) دين وطريق مستقيمة عادلة لا عوج فيها (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ما اختلف الذين أعطوا الكتاب والتوراة ، يعنى كعب بن الأشرف وأصحابه ، فى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن والإسلام (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)) بيان

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٦٩) ، وزاد المسير (٩ / ١٩٦) ، وتفسير القرطبى (٥٠ / ١٤٠).

٥١٠

ما فى كتبهم من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته (وَما أُمِرُوا) فى جملة الكتب (إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) ليوحدوا الله (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) بالتوحيد (حُنَفاءَ) مسلمين (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) يتموا الصلوات الخمس بعد التوحيد (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) يعطوا زكاة أموالهم بعد ذلك ، ثم ذكر التوحيد أيضا ، فقال : (وَذلِكَ) يعنى التوحيد (دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)) دين الحق المستقيم لا عوج فيه والهاء هاهنا قافية السورة ، ويقال : وذلك يعنى التوحيد دين القيمة دين الملائكة ، ويقال : دين الحنيفية ، ويقال : ملة إبراهيم.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَالْمُشْرِكِينَ) بالله يعنى مشركى أهل مكة (فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى النار لا يموتون ولا يخرجون منها (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦)) شر الخليقة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن مثل عبد الله بن سلام وأصحابه ، وأبى بكر وأصحابه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧)) خير الخليقة (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثوابهم عند ربهم (جَنَّاتُ عَدْنٍ) مقصورة الرحمن معدن النبيين والمقربين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها وغرفها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها (أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بإيمانهم وبأعمالهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بالثواب والكرامة (ذلِكَ) الجنان والرضوان (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)) لمن وحد ربه مثل أبى بكر الصديق وأصحابه وعبد الله بن سلام وأصحابه.

* * *

٥١١

سورة الزّلزلة

ومن سورة إذا زلزلت ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١)) يقول : تزلزلت الأرض زلزلة واضطربت الأرض اضطرابة فانكسر ما عليها من الشجر والجبال والبنيان (١) (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)) أموالها وكنوزها (وَقالَ الْإِنْسانُ) يعنى الكافر (ما لَها (٣)) تعجبا منها مما يرى من الهول (يَوْمَئِذٍ) تزلزلت الأرض (تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)) تخبر الأرض بما عمل عليها من الخير والشر (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥)) أذن لها فى الكلام (يَوْمَئِذٍ) يوم تتكلم الأرض (يَصْدُرُ) يرجع (النَّاسُ أَشْتاتاً) فرقا فرقا فريق إلى الجنة وهم المؤمنون وفريق إلى النار وهم الكافرون (لِيُرَوْا) لكى يروا (أَعْمالَهُمْ (٦)) ما عملوا عليها من الخير والشر ، ثم نزل فى قوم كانوا يرون أنهم لا يؤجرون على قليل من الخير ولا يأثمون على قليل من الشر فحثهم على القليل من الخير وحذرهم على القليل من الشر ، فقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) وزن نملة صغيرة أصغر ما يكون من النمل (خَيْراً يَرَهُ (٧)) فى كتابه فيسره ويقال : المؤمن يرى عمله فى الآخرة والكافر يرى عمله فى الدنيا (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) وزن نملة صغيرة (شَرًّا يَرَهُ (٨)) يجده فى كتابه فيسوء ، ويقال : يرى المؤمن فى الدنيا والكافر فى الآخرة.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٧١) ، والقرطبى (٢٠ / ١٤٧).

٥١٢

سورة العاديات

ومن سورة العاديات ، وهى كلها مدنية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥) إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عز من قائل : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١)) وذلك أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث سرية إلى بنى كنانة فأبطأ عليه خبرهم فاغتم بذلك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبر الله نبيه عن ذلك على وجه القسم ، فقال (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١)) يقول : أقسم الله بخيول الغزاة ضبحا ضبحت أنفاسهن من العدو (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢)) يورين النار بحوافرهن قدحا كالقادح لا ينتفع بنارها كما لا ينتفع بنار أبى حباحب ، وكان أبو حباحب رجلا من العرب أبخل الناس ممن يكون فى العساكر لا يوقد نارا أبدا للخبز ولا لغيره ، حتى ينام كل ذى عين ، ثم يوقدها فإذا أيقظ أحد أطفأها لكى لا ينتفع بها (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣)) فأغرن عند الصباح (فَأَثَرْنَ بِهِ) بحوافرهن ، ويقال : بعدوهن ، ويقال : بالمكان (نَقْعاً (٤)) غبارا ترابا (فَوَسَطْنَ بِهِ) بعدوهن (جَمْعاً (٥)) جمع العدو ولها وجه آخر (وَالْعادِياتِ) يقول : أقسم الله بخيول الحجاج وإبلهم إذا رجعن من عرفة إلى مزدلفة (ضَبْحاً (١)) ضبحت أنفاسهن (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢)) يورين النار بالمزدلفة فهن الموريات ، ويقال : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢)) فالمنجيات عملا وهو الحج (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣)) إذا رجعن من المزدلفة إلى منى غدوة فهن المغيرات (فَأَثَرْنَ بِهِ) بالمكان (نَقْعاً (٤)) ترابا (فَوَسَطْنَ بِهِ) بعدوهن (جَمْعاً (٥)) أقسم الله بهذه الأشياء (إِنَّ الْإِنْسانَ) يعنى الكافر وهو قرط بن عبد الله بن عمرو ، ويقال : أبو حباحب (لِرَبِّهِ

٥١٣

لَكَنُودٌ (٦)) يقول : بنعمة ربه لكفور بلسان كندة ، ويقال : بربه عاص بلسان حضر موت ، ويقال : بخيل بلسان بنى مالك بن كنانة ، ويقال : الكنود الذى يمنع رفده ويجيع عبده ويأكل وحده ولا يعطى النائية فى قومه (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)) والله على صنعه لحافظ (وَإِنَّهُ) يعنى قرطا (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)) يقول : يحب المال الكثير حبا شديدا (أَفَلا يَعْلَمُ) قرطا ، ويقال : أبو حباحب (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩)) أخرج ما فى القبور من الأموات (وَحُصِّلَ) أى منير (ما فِي الصُّدُورِ (١٠)) ما فى القلوب من الخير والشر والبخل والسخاوة (إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ) وبأعمالهم (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (لَخَبِيرٌ (١١)) لعالم (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٨٠) ، والقرطبى (٢٠ / ١٦٢) ، وزاد المسير (٩ / ٢١٠).

٥١٤

سورة القارعة

ومن سورة القارعة ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢)) يقول : الساعة ما الساعة يعجبه بذلك وإنما سميت القارعة لأنها تقرع القلوب (وَما أَدْراكَ) يا محمد (مَا الْقارِعَةُ (٣)) تعظيما لها ، ثم بينها ، فقال : (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) يجول الناس بعضهم فى بعض (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)) المبسوط يجول بعضها فى بعض ، والفراش هو شىء يطير بين السماء والأرض مثل الجراد (وَتَكُونُ) تصير (الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥)) كالصوف المندوف الملون (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦)) حسناته فى ميزانه وهو المؤمن (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧)) فى جنة مرضية قد رضيها لنفسه (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨)) وهو الكافر (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)) جعل أمه مأواه ومصيره الهاوية ، ويقال : يهوى فى النار على هامته (وَما أَدْراكَ) يا محمد (ما هِيَهْ (١٠)) تعظيما لها ، ثم بينها ، فقال : (نارٌ حامِيَةٌ (١١)) حارة قد انتهى حرها (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٨٢) ، والقرطبى (٢٠ / ١٦٧) ، وزاد المسير (٩ / ٢١٦).

٥١٥

سورة التّكاثر

ومن سورة التكاثر ، وهى كلها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١)) يقول شغلكم التفاخر بالحسب والنسب (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢)) وذلك أن بنى سهم وبنى عبد مناف تفاخروا فيما بينهم فى الحسب والنسب أيهم أكثر عددا فكثرتهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم : أهلكنا البغى فى الجاهلية فعدوا أحياءنا وأحياءكم وأمواتنا وأمواتكم ففعلوا فكثرهم بنو سهم ، فنزلت فيهم ألهاكم التكاثر وشغلكم التفاخر فى الحسب والنسب حتى زرتم المقابر حتى ذكرتم الأموات فى العدد ، ويقال : شغلكم التكاثر بالمال والولد حتى تموتوا وتدفنوا فى القبور (كَلَّا) وهو رد عليهم ووعيد لهم (سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣)) ماذا يفعل بكم فى القبور (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)) ماذا يفعل بكم عند الموت (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ) ماذا يفعل بكم يوم القيامة (عِلْمَ الْيَقِينِ (٥)) علما يقينا ما تفاخرتم فى الدنيا (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦)) يوم القيامة (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)) عينا يقينا لستم عنها بغائبين يوم القيامة (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (عَنِ النَّعِيمِ (٨)) عن شكر النعيم ما تأكلون وما تشربون وما تلبسون وغير ذلك (١).

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٨٨) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ١٨٤) ، وزاد المسير (٩ / ٢٢١).

٥١٦

سورة العصر

ومن سورة العصر ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (وَالْعَصْرِ (١)) يقول : أقسم الله بنواجذ الدهر يعنى شدائده ، ويقال : بصلاة العصر (إِنَّ الْإِنْسانَ) يعنى الكافر (لَفِي خُسْرٍ (٢)) لفى غبن وفى عقوبة عن ذهاب أهله ومنزله فى الجنة ، ويقال : فى نقصان عمله بعد الهرم والموت (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) تخاثوا بالتوحيد ، ويقال : بالقرآن (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)) تحاثوا بالصبر على أداء فرائض الله واجتناب معاصيه والصبر على المرازى والمصيبات فإنهم ليسوا كذلك (١).

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٣ / ٢٨٨) ، وتفسير الطبرى (٣٠ م ١٨٤) ، والقرطبى (٢٠ / ١٧٦) ، وزاد المسير (٩ / ٢٢١).

٥١٧

سورة الهمزة

ومن سورة الهمزة ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل (وَيْلٌ) شدة عذاب ، ويقال : (وَيْلٌ) واد فى جهنم من قيح ودم ، ويقال جب فى النار (لِكُلِّ هُمَزَةٍ) مغتاب للناس هن خلفهم (لُمَزَةٍ (١)) طحان لعان فحاش فى وجوههم ، نزلت هذه الآية فى الأخنس بن شريق ، ويقال : الوليد بن المغيرة المخزومى وكان يغتاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خلفه ويطعن فى وجهه (الَّذِي جَمَعَ مالاً) فى الدنيا (وَعَدَّدَهُ (٢)) عدد ماله ، ويقال : عدد جماله (يَحْسَبُ) يظن الكافر (أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣)) يخلده فى الدنيا (كَلَّا) وهو رد علي لا يخلده (لَيُنْبَذَنَ) ليطرحن (فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ) يا محمد (مَا الْحُطَمَةُ (٥)) تعظيما لها.

ثم بينها له ، فقال : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦)) المستعرة على الكفار (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧)) تأكل كل شىء حتى تبلغ إلى القلب (إِنَّها) يعنى النار (عَلَيْهِمْ) على الكفار (مُؤْصَدَةٌ (٨)) مطبقة (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)) يقول : طباقها ممدوة إلى العمد ، ويقال : قعرها بعيد (١).

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٩ / ٢٣٠) ، وتفسير الطبرى (٣٠ / ١٩٠) ، والقرطبى (٢٠ / ١٨٥) ، ومعانى القرآن للفراء (٣ / ٢٩٠).

٥١٨

سورة الفيل

ومن سورة الفيل ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ) يعنى ألم تخبر فى القرآن يا محمد (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) كيف عذب ربك وأهلك ربك (بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١)) قوم النجاشى الذين أرادوا خراب بيت الله (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ) صنيعهم (فِي تَضْلِيلٍ (٢)) فى أباطيل وتخسير (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ) سلط عليهم (طَيْراً أَبابِيلَ (٣)) متتابعة (تَرْمِيهِمْ) ترمى عليهم (بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)) من سبخ وحل مطبوخ مثل الآجر ، ويقال : سجيل من سماء الدنيا (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)) كورق الزرع المدود إذا أكله الدود (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٩١) ، وزاد المسير (٩ / ٢٣١).

٥١٩

سورة قريش

ومن سورة لإيلاف قريش ، وهى كلها مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١)) يقول : أمر قريش ليألفوا على التوحيد ، ويقال : أذكر نعمتى على قريش ليألفوا على التوحيد (إِيلافِهِمْ) كإيلافهم (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢)) على رحلة الشتاء إلى اليمن والصيف إلى الشام ، ويقال : لا يشق التوحيد على قريش كما لا يشق عليهم رحلة الشتاء والصيف (فَلْيَعْبُدُوا) فليوحد قريش (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣)) رب هذه الكعبة (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) أشبعهم من جوع سبع سنين ، ويقال : دفع عنهم مؤنة الجوع ومؤنة الرحلتين الشتاء والصيف ، وكانوا يرتحلون فى كل سنة رحلتين ، رحلة إلى اليمن بالشتاء ، ورحلة إلى الشام بالصيف ، فدفع عنهم مؤنة ذلك (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)) من خوف العدو بأن يدخل عليهم ، ويقال : من خوف النجاشى وأصحابه الذين أرادوا خراب البيت وهذه معطوف على السورة الأولى (١).

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٣٠ / ١٩٧) ، وزاد المسير (٩ / ٢٣٨) ، وتفسير القرطبى (٢٠ / ٢٠٠) ، والبحر المحيط (٨ / ٥١٣).

٥٢٠