تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

فى الآخرة لمن أطاع الله وأدى حق الله من ماله (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى بقائها وفنائها (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠)) كمتاع البيت من القدر والقصعة والسكرجة.

(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢١) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٤) لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))

ثم قال لجميع الخلق : (سابِقُوا) بالتوبة من ذنوبكم (إِلى مَغْفِرَةٍ) إلى تجاوز (مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) وإلى جنة بالعمل الصالح (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) لو وصلت بعضها إلى بعض (أُعِدَّتْ) خلقت وهيئت (لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) من جميع الأمم (ذلِكَ) المغفرة والرضوان والجنة (فَضْلُ اللهِ) من الله (يُؤْتِيهِ) يعطيه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ) ذو المن (الْعَظِيمِ (٢١)) بالجنة (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) من القحط والجدوبة وغلاء الأسعار وتتابع الجوع (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) من الأمراض والأوجاع والبلايا وموت الأهل والولد وذهاب المال (إِلَّا فِي كِتابٍ) يقول : مكتوب عليكم فى اللوح المحفوظ (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أن نخلقها تلك الأنفس والأرض (إِنَّ ذلِكَ) حفظ ذلك (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢)) هين من غير كتاب ، ولكن كتب (لِكَيْلا

٣٨١

تَأْسَوْا) لا تحزنوا (عَلى ما فاتَكُمْ) من الرزق والعافية فتقولوا لم يكتب لنا (وَلا تَفْرَحُوا) لا تبطروا (بِما آتاكُمْ) بما أعطاكم فتقولوا : هو أعطانا (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) فى مشيته (فَخُورٍ (٢٣)) بنعم الله ، ويقال : مختال فى الكفر فخور فى الشرك وهم اليهود (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) يكتمون صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته فى التوراة (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) فى التوراة بكتمان صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن الإيمان (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن الإيمان (الْحَمِيدُ (٢٤)) لمن وحدوه ، ويقال : المحمود فى فعاله يشكر اليسير ، ويجزى بالجزيل.

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) وأنزلنا عليهم جبريل بالكتاب (وَالْمِيزانَ) بينا فيه العدل (لِيَقُومَ) ليأخذ (النَّاسُ بِالْقِسْطِ) بالعدل (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) خلقنا الحديد (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) قوة شديدة لا تلينه إلا النار ، ويقال : فيه بأس شديد للحرب والقتال (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لأمتعتهم مثل السكاكين والفأس والمبرد ، وغير ذلك (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) لكى يرى الله (مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) بهذه الأسلحة (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) بنصره أوليائه (عَزِيزٌ (٢٥)) بنقمة أعدائه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً) إلى قومه بعد آدم بثمان مائة سنة ، فلبث فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلم يؤمنوا فأهلكهم الله بالطوفان (وَإِبْراهِيمَ) وأرسلنا إبراهيم إلى قومه بعد نوح بألف ومائتى عام ، واثنين وأربعين سنة (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) فى نسلهما نسل نوح وإبراهيم (النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) وكان فيهم الأنبياء وفيهم الكتاب (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ) مؤمن بالكتاب والرسول (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦)) كافرون بالكتاب والرسول (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ) أتبعنا وأردفنا بعد نوح وإبراهيم فى ذريتهما (بِرُسُلِنا) بعضهم على أثر بعض (وَقَفَّيْنا) على أثرهم اتبعنا وأردفنا بعد هؤلاء الرسل غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ) أعطيناه (الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) اتبعوا دين عيسى (رَأْفَةً) رقة وتعطفا يعطف بعضهم على بعض (وَرَحْمَةً) يرحم بعضهم بعضا (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) أعدوا لها الصوامع والديور ليترهبوا فيها وينجوا من فتنة بولس اليهودى (١)(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ما فرضنا عليهم الرهبانية (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) إلا طلب رضا الله ، ويقال : (ابْتَدَعُوها) إلا ابتغاء رضوان الله ما كتبناها عليهم

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ١٣٨) ، والبحر المحيط (٨ / ٢٢٨) ، وزاد المسير (٨ / ١٧٦).

٣٨٢

ما فرضنا عليهم الرهبانية ، ولو فرضنا عليهم الرهبانية (فَما رَعَوْها) فما حفظوا الرهبانية (حَقَّ رِعايَتِها) حق حفظها (فَآتَيْنَا) فأعطينا (الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) من الرهبان (أَجْرَهُمْ) ثوابهم مرتين بالإيمان والعبادة وهم الذين لم يخالفوا دين عيسى ابن مريم ، وبقى منهم أربعة وعشرون رجلا فى أهل اليمن جاؤوا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآمنوا به ، ودخلوا فى دينه (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) من الرهبان (فاسِقُونَ (٢٧)) كافرون وهم الذين خالفوا دين عيسى.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) اثبتوا على إيمانكم بالله ورسوله (يُؤْتِكُمْ) يعطيكم (كِفْلَيْنِ) ضعفين (مِنْ رَحْمَتِهِ) من ثوابه وكرامته (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) بين الناس وعلى الصراط (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم فى الجاهلية (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن تاب (رَحِيمٌ (٢٨)) لمن مات على التوبة (لِئَلَّا يَعْلَمَ) لكى لا يعلم (١)(أَهْلُ الْكِتابِ) عبد الله بن سلام وأصحابه (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) من ثواب الله (وَأَنَّ الْفَضْلَ) الثواب والكرامة (بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ) يعطيه (مَنْ يَشاءُ) من كان أهلا لذلك (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ) ذو المن (الْعَظِيمِ (٢٩)) على المؤمنين بالثواب والكرامة نزل من قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى هاهنا فى شأن عبد الله بن سلام حيث افتخر على أبى كعب وأصحابه ، بأن لنا أجرين ، ولكم أجر واحد.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٧ / ١٤٢) ، وزاد المسير (٨ / ١٧٩) ، والبحر المحيط (٨ / ٢٢٩) ، والتبيان للعكبرى (٢ / ٢٥٧) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ٢٥٤).

٣٨٣

سورة المجادلة

ومن سورة المجادلة

قال ابن عباس : سورة المجادلة ، كلها مدنية غير قوله : (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ

إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) فإنها مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (قَدْ سَمِعَ اللهُ) يقول : قد سمع الله قبل أن أخبرك يا محمد (قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) تخاصمك وتكلمك (فِي زَوْجِها) فى شأن زوجها (وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) تتضرع إلى الله تعالى لتبيان أمرها (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) محاورتكما ومراجعتكما (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالتها (بَصِيرٌ (١)) بأمرها ، وذلك أن خولة بنت ثعلبة بن مالك بن الدخشم الأنصارية كانت تحت أوس بن

٣٨٤

الصامت الأنصارى وكان به لمم ، أى مس من الجن فأراد أن يأتيها على حال لا تؤتى عليها النساء ، فأبت عليه فغضب ، وقال : إذا خرجت من البيت قبل أن أفعل بك فأنت علىّ كظهر أمى (١) (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) وهو أن يقول الرجل لامرأته : أنت علىّ كظهر أمى (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) كأمهاتهم (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ) ما أمهاتهم فى الحرمة (إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) أو أرضعنهم (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً) قبيحا (مِنَ الْقَوْلِ) فى الظهار (وَزُوراً) كذبا (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) متجاوز إذ لم يعاقبه بتحريم ما أحل الله له (غَفُورٌ (٢)) بعد توبته وندامته ، ثم بين كفارة الظهار ، فقال : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) يحرمون على أنفسهم مناكحة نسائهم (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) يرجعون إلى تحليل ما حرموا على أنفسهم من المناكحة (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) فعليه تحرير رقبة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يجامعا (ذلِكُمْ) التحرير (تُوعَظُونَ بِهِ) تؤمرون به كفارة الظهار (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) فى الظهار من الكفارة وغيرها (خَبِيرٌ (٣)).

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) التحرير (فَصِيامُ) فصوم (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) متصلين (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يجامعا (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصيام من ضعفه (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين نصف صاع من حنطة أوصاع من شعير أو تبر (ذلِكَ) الذى بينت من كفارة الظهار (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) لكى تقروا بفرائض الله وسنة رسوله (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) هذه أحكام الله وفرائضه فى الظهار (وَلِلْكافِرِينَ) بحدود الله (عَذابٌ أَلِيمٌ (٤)) وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم ، نزل من أول السورة إلى هاهنا ، فى خولة بنت ثعلبة بن مالك الأنصارية ، وزوجها أوس بن الصامت ، أخى عبادة بن الصامت ، غضب عليها فى بعض شىء من أمرها لم تفعل فجعلها على نفسه كظهر أمه فندم على ذلك فبين الله له كفارة الظهار ، وقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعتق رقبة» فقال : المال قليل والرقبة غالية ، فقال : «صم شهرين متتابعين» فقال : لا أستطيع وإنى إن لم آكل فى اليوم مرة ومرتين كل بصرى وخفت أن أموت ، فقال له النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أطعم ستين مسكينا» ، فقال : لا أجد فأمر النبى له بمكتل من التمر ، وأمره أن يدفعه للمساكين ، فقال : لا أعلم أحدا بين لابتى المدينة أحوج إليه منى ، فأمره بأكله ، وأطعم ستين مسكينا فرجع إلى تحليل ما حرم على نفسه أعانه على ذلك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجل آخر.

__________________

(١) انظر : سنن ابن ماجه (١ / ٦٦٦) ، ومستدرك الحاكم (٢ / ٤٨١) ، ولباب النقول (٢٠٦) والدر المنثور (٦ / ١٧٩) ، وتفسير القرطبى (١٧ / ٢٦٩).

٣٨٥

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) يخالفون الله ورسوله فى الدين ويعادونه (كُبِتُوا) عذبوا وأخزوا يوم الحندق بالقتل والهزيمة وهم أهل مكة (كَما كُبِتَ) عذب وأخزى (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى الذين قاتلوا الأنبياء قبل أهل مكة (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) جبريل بآيات مبينات بالأمر والنهى والحلال والحرام (وَلِلْكافِرِينَ) بآيات الله (عَذابٌ مُهِينٌ (٥)) يهانون به ، ويقال : عذاب شديد (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) جميع أهل الأديان (فَيُنَبِّئُهُمْ) ويخبرهم (بِما عَمِلُوا) فى الدنيا (أَحْصاهُ اللهُ) حفظ الله عليهم أعمالهم (وَنَسُوهُ) تركوا طاعة الله التى أمرهم الله بها (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر فى القرآن يا محمد (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى) تناجى (ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) إلا الله عالم بهم وبأعمالهم وبمناجاتهم (وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) إلا الله عالم بهم وبمناجاتهم (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) ولا أقل من ذلك (وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ) عالم بهم وبمناجاتهم (أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) يخبرهم (بِما عَمِلُوا) فى الدنيا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم ومناجاتهم (عَلِيمٌ (٧)) نزلت هذه الآية فى صفوان بن أمية ، وختنه وقصتهم مذكورة فى سورة حم السجدة (أَلَمْ تَرَ) ألم تنظر يا محمد (إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) دون المؤمنين المخلصين (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) من النجوى دون المؤمنين المخلصين (وَيَتَناجَوْنَ) فيما بينهم (بِالْإِثْمِ) بالكذب (وَالْعُدْوانِ) والظلم (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) بمخالفة الرسول بعدما نهاهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم المنافقون كانوا يتناجون فيما بينهم مع اليهود فى خبر سرايا المؤمنين ، لكى يحزن بذلك المؤمنين (وَإِذا جاؤُكَ) يعنى اليهود (حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) سلموا عليك سلاما لم يسلمه الله عليك ، ولم يأمرك به ، وكانوا يجيئون إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَيَقُولُونَ) السام عليك ، فيرد عليهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعليكم ، وكان السام بلغتهم الموت ، ويقولون (فِي أَنْفُسِهِمْ) فيما بينهم (لَوْ لا) هلا (يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) لنبيه لو كان نبيا كما يزعم لكان دعاؤه مستجابا علينا حيث نقول السام عليك فيرد علينا وعليكم السام ، فأنزل الله فيهم (١)(حَسْبُهُمْ) يعنى مصيرهم مصير اليهود فى الآخرة (جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها) يدخلونها (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨)) صاروا إليه النار.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٨ / ١١) ، والقرطبى (١٧ / ٢٩٢) ، وزاد المسير (٨ / ١٨٩).

٣٨٦

وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (إِذا تَناجَيْتُمْ) فيما بينكم (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ) بالكذب (وَالْعُدْوانِ) بالظلم (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) بخلاف أمر الرسول كمناجاة المنافقين مع اليهود ، دون المؤمنين المخلصين (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ) بأداء فرائض الله وإحسان بعضكم إلى بعض (وَالتَّقْوى) ترك المعاصى والجفاء (وَاتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله فى أن تتناجوا دون المؤمنين المخلصين (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩)) فى الآخرة (إِنَّمَا النَّجْوى) نجوى المنافقين مع اليهود دون المؤمنين (مِنَ الشَّيْطانِ) من طاعة الشياطين وبأمر الشيطان (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ) بضار المؤمنين مناجاة المنافقين (شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) بإرادة الله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠)) وعلى المؤمنين أن يتوكلوا على الله لا على غيره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ) إذا قال لكم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (تَفَسَّحُوا) توسعوا (فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا) وسعوا (يَفْسَحِ اللهُ) يوسع الله (لَكُمْ) فى الآخرة فى الجنة ، نزلت هذه الآية فى شأن ثابت بن قيس بن شماس ، وقصته فى سورة الحجرات ، ويقال : نزلت فى نفر من أهل بدر ، منهم : ثابت بن قيس بن شماس ، جاؤوا إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان النبى جالسا فى صفة صفية يوم الجمعة فلم يجدوا مكانا يجلسون فيه فقاموا على رأس المجلس ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن لم يكن من أهل بدر : يا فلان قم ، ويا فلان قم ، من مكانك ليجلس فيه من كان من أهل بدر ، وكان النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكرم أهل بدر ، فعرف النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكراهة لمن

٣٨٧

أقامه من المجلس فأنزل الله فيهم هذه الآية (١).

(وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) ارتفعوا فى الصلاة والجهاد والذكر (فَانْشُزُوا) فارتفعوا (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) فى السر والعلانية فى الدرجات (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلم مع الإيمان (دَرَجاتٍ) فضائل فى الجنة فوق درجات الذين أوتوا الإيمان بغير علم ، إذا المؤمن العالم أفضل من المؤمن الذى ليس بعالم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الخير والشر (خَبِيرٌ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (إِذا تَناجَيْتُمْ) إذا كلمتم (الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) نزلت هذه الآية فى أهل الميسرة منهم من كانوا يكثرون المناجاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون الفقراء حتى تأذى بذلك النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والفقراء فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالصدقة قبل أن يتناجوا مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكل كلمة أن يتصدقوا بدرهم على الفقراء ، فقال (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (إِذا تَناجَيْتُمْ) إذا كلمتم (الرَّسُولَ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قبل أن تكلموا نبيكم تصدقوا بكل كلمة درهما (ذلِكَ) الصدقة (خَيْرٌ لَكُمْ) من الإمساك (وَأَطْهَرُ) لقلوبكم من الذنوب ، ويقال : لقلوب الفقراء من الخشونة (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا) الصدقة يا أهل الفقر فتكلموا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما شئتم بغير التصدق (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) متجاوز لذنوبكم (رَحِيمٌ (١٢)) لمن تاب منكم فانتهوا عن المناجاة لقبل الصدقة فلامهم الله بذلك.

فقال : (أَأَشْفَقْتُمْ) أبخلتم يا أهل الميسرة (أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) أن تصدقوا قبل أن تكلموا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الفقراء (٣)(فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) إن لم تعطوا الصدقة (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) تجاوز الله عنكم أمر الصدقة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فيما أمركم (وَآتُوا الزَّكاةَ) أعطوا زكاة أموالكم (وَأَطِيعُوا اللهَ) فيما أمركم (وَرَسُولَهُ) فيما أمركم (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣)) من الخير والشر ، فلم يتصدق منهم أحد غير على بن أبى طالب ، تصدق بدينار باعه بعشرة دراهم بعشر كلمات ، سألهن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

__________________

(١) انظر : تفسير القرطبى (١٧ / ٢٩٦) ، ومعانى القراءات للأزهرى (٤٨٥).

(٢) انظر : تفسير الطبرى (٢٨ / ١٤) ، وزاد المسير (٨ / ١٩٤) ، والدر المنثور (٦ / ١٨٥) ، ولباب النقول (ص ٢٠٧).

(٣) انظر : تفسير الطبرى (٢٨ / ١٤) ، والقرطبى (١٧ / ٣٠١) ، والدر المنثور (٦ / ١٨٥) ، ولباب النقول (ص ٢٠٧).

٣٨٨

ثم نزل فى شأن عبد الله بن أبى وأصحابه بولايتهم مع اليهود ، فقال : (أَلَمْ تَرَ) ألم تنظر يا محمد (إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا) فى العون والنصرة (قَوْماً) يعنى اليهود (غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) سخط الله عليهم (ما هُمْ) يعنى المنافقين (مِنْكُمْ) فى السر فيجب لهم ما يجب لكم (وَلا مِنْهُمْ) يعنى اليهود فى العلانية فيجب عليهم ما يجب على اليهود (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) بالكذب بأنا مؤمنون مصدقون بإيماننا (وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤)) أنهم كاذبون فى حلفهم (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) للمنافقين عبد الله بن أبى ، وأصحابه (عَذاباً شَدِيداً) فى الدنيا والآخرة (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥)) بئسما كانوا يصنعون فى نفاقهم (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) حلفهم بالله الكاذبة (جُنَّةً) من القتل (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صرفوا الناس عن دين الله وطاعته فى السر (فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦)) يهانون به فى الآخرة (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) كثرة أموالهم أموال المنافقين واليهود (وَلا أَوْلادُهُمْ) كثرة أولادهم (مِنَ اللهِ) من عذاب الله (شَيْئاً أُولئِكَ) المنافقون واليهود (أَصْحابُ النَّارِ) أهل النار (هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧)) دائمون فى النار لا يموتون ولا يخرجون منها.

(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢))

(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) يعنى المنافقين واليهود ، وهو يوم القيامة (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) بين يدى الله ما كنا كافرين ولا منافقين (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) فى الدنيا (وَيَحْسَبُونَ) يظنون (أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من الدين (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)) عند الله فى حفلهم (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) غلب عليهم الشيطان فأمرهم بطاعته فأطاعوه (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) حتى تركوا طاعة الله فى السر (أُولئِكَ) يعنى اليهود والمنافقين (حِزْبُ الشَّيْطانِ) جند الشيطان (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ) جند الشيطان (هُمُ

٣٨٩

الْخاسِرُونَ (١٩)) المغبونون بذهاب الدنيا والآخرة (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ) يخالفون (اللهَ وَرَسُولَهُ) فى الدين (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠)) مع الأسفلين فى النار يعنى المنافقين واليهود (كَتَبَ اللهُ) قضى الله (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على فارس والروم واليهود والمنافقين (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) بنصرة أنبيائه (عَزِيزٌ (٢١)) بنقمة أعدائه ، نزلت هذه الآية : فى عبد الله بن أبى بن سلول ، حيث قال للمؤمنين المخلصين : أتظنون أن يكون لكم فتح فارس والروم ، ثم نزلت : فى حاطب بن أبى بلتعة رجل من أهل اليمن الذى كتب كتابا إلى أهل مكة بسر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (لا تَجِدُ) يا محمد (قَوْماً) يعنى حاطبا (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بالبعث بعد الموت (يُوادُّونَ) يناصحون ويوافقون فى الدين (مَنْ حَادَّ اللهَ) من خالف الله (وَرَسُولَهُ) فى الدين ، يعنى أهل مكة (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ) فى النسب (أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ) فى النسب (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أو قومهم أو قرابتهم (أُولئِكَ) يعنى حاطبا وأصحابه (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ) جعل فى قلوبهم تصديق (الْإِيمانَ) وحب الإيمان (وَأَيَّدَهُمْ) أعانهم (بِرُوحٍ مِنْهُ) برحمة منه ، ويقال : أعانهم بعون منه (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة لا يموتون ولا يخرجون (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) بإيمانهم وأعمالهم وتوبتهم (وَرَضُوا عَنْهُ) بالثواب والكرامة من الله (أُولئِكَ) يعنى حاطبا وأصحابه (حِزْبُ اللهِ) جند الله (أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ) جند الله (هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢)) الناجون من السخط والعذاب وهم الذين أدركوا ووجدوا ما طلبوا ونجوا من شر ما منه هربوا وكان حاطب بن أبى بلتعة بدريا وقصته فى سورة الممتحنة.

* * *

٣٩٠

سورة الحشر

ومن سورة الحشر وهى كلها مدنية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢) وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥) وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله جل وعلا : (سَبَّحَ لِلَّهِ) يقول : صلّى الله ،

٣٩١

ويقال : ذكر الله (ما فِي السَّماواتِ) من الخلق (وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه وسلطانه (الْحَكِيمُ (١)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعنى بنى النضير (مِنْ دِيارِهِمْ) من منازلهم وحصونهم (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) لأنهم أول من حشر وأخرج من المدينة إلى الشام إلى أريحاء وأذرعات بعد ما نقضوا عهودهم مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد وقعة أحد (١)(ما ظَنَنْتُمْ) ما رجوتم يا معشر المؤمنين (أَنْ يَخْرُجُوا) يعنى بنى النضير من المدينة إلى الشام (وَظَنُّوا) يعنى بنى النضير (أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) أن حصونهم تمنعهم (مِنَ اللهِ) من عذاب الله (فَأَتاهُمُ اللهُ) عذبهم الله وأخزاهم وأذلهم بقتل كعب بن الأشرف (مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) لم يظنوا ولم يخافوا أن ينزل بهم ما نزل بهم من قتل كعب بن الأشرف (وَقَذَفَ) جعل (فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) الخوف من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، وكانوا لا يخافون قبل ذلك (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ) يهدمون بعض بيوتهم (بِأَيْدِيهِمْ) ويرمون بها إلى المؤمنين (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) ويتركون بعض بيوتهم على المؤمنين حتى هدموا ورموا بها إليهم (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ (٢)) فى الدين ، ويقال : بالصبر ، بما فعل الله بهم من الاجلاء (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ) قضى الله (عَلَيْهِمُ) على بنى النضير (الْجَلاءَ) الخروج من المدينة إلى الشام (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) بالقتل (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ (٣)) أشد من القتل.

(ذلِكَ) الجلاء والعذاب (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) خالفوا الله (وَرَسُولَهُ) فى الدين (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ) يخالف الله فى الدين ويعاده (فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤)) له فى الدنيا والآخرة وأمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أصحابه بقطع نخيلهم بعد ما حاصرهم غير العجوة فإنه لم يأمرهم بقطعها فلامهم بذلك بنو النضير ، فقال الله : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) غير العجوة (أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها) فلم تقطعوها يعنى العجوة (فَبِإِذْنِ اللهِ) فبأمر الله القطع والترك (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)) لكى يذل الكافرين يعنى يهود بنى النضير بما قطعتم من نخيلهم (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) ما فتح الله لرسوله (مِنْهُمْ) من بنى النضير فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة دونكم (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) فما

__________________

(١) انظر : قصة إجلاء بنى النضير فى السنة الرابعة من الهجرة فى السيرة النبوية (٣ / ١٠٨) ، وتفسير الطبرى (٢٨ / ١٩) ، ولباب النقول (٢٠٨) ، وصحيح البخارى (٥ / ٢٢ ، ٦ / ٥٨) ، ومسلم (١٧٤٦) ، (٣ / ١٣٦٥).

٣٩٢

أجريتم إليه (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) إبل ولكن مشيتم إليه مشيا لأنه كان قريبا إلى المدينة (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عَلى مَنْ يَشاءُ) يعنى بنى النضير (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من النصرة والغنيمة (قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ) ما فتح الله لرسوله (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) قرى عرينة وقريظة والنضير وفدك وخيبر (فَلِلَّهِ) خاصة دونكم (وَلِلرَّسُولِ) وأمر الرسول فيها جائز فجعل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدك وخيبر وقفا لله على المساكين ، فكان فى يده فى حياته وكان فى يد أبى بكر بعد موت النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكذلك كان فى يد عمر ، وعثمان ، وعلى بن أبى طالب ، على ما كان فى يد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهكذا اليوم ، وقسم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، غنيمة قريظة والنضير على فقراء المهاجرين أعطاهم على قدر احتياجهم وعيالهم (وَلِذِي الْقُرْبى) وأعطى بعضه للمساكين ، غير مساكين بنى عبد المطلب (وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) الضيف النازل ومار الطريق (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) قسمة (بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) بين الأقوياء منكم (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) من الغنيمة (فَخُذُوهُ) فاقبلوه ، ويقال : ما أمركم الرسول فاعملوا به (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله فيما أمركم (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧)) إذا عاقب وذلك لأنهم قالوا للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم خذ نصيبك من الغنيمة ودعنا وإياها ، فقال لهم : هذه الغنائم ، يعنى سبعة من الحيطان من بنى النضير.

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) لأنهم (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) مكة (وَأَمْوالِهِمْ) أخرجهم أهل مكة وكانوا نحو مائة رجل (يَبْتَغُونَ فَضْلاً) يطلبون ثوابا (مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) مرضاة ربهم بالجهاد (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بالجهاد (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨)) المصدقون بإيمانهم وجهادهم ، فقال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم للأنصار : «هذه الغنائم والحيطان للفقراء المهاجرين خاصة دونكم إن شئتم قسمتم أموالكم ودياركم للمهاجرين وأقسم لكم من الغنائم وإن شئتم لكم أموالكم ودياركم وأقسم الغنيمة بين فقراء المهاجرين» فقالوا : يا رسول الله ، نقسمهم من أموالنا ومنازلنا ونؤثرهم على أنفسنا بالغنيمة فأثنى الله عليهم فقال : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) وطنوا دار الهجرة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (١)(وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وكانوا مؤمنين من قبل مجىء المهاجرين إليهم (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) إلى المدينة من أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ) فى قلوبهم (حاجَةً) حسدا ، ويقال : حزازة (مِمَّا أُوتُوا) مما أعطوا

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٦ / ٥٩) ، وتفسير الطبرى (٢٨ / ٢٨).

٣٩٣

من الغنائم دونهم (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) بأموالهم ومنازلهم (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) فقر وحاجة (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) من دفع عنه بخل نفسه (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)) الناجون من السخط والعذاب (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) من بعد المهاجرين الأولين (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) والهجرة (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) بغضا وحسدا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) من المهاجرين (رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠)) خافوا على أنفسهم أن يقع فى قلوبهم الحسد لقبل ما أعطى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المهاجرين الأولين دونهم فدعوا بهذه الدعوات.

(أَلَمْ تَرَ) ألم تنظر يا محمد (إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) فى دينهم وهم قوم من الأوس تكلموا بالإيمان علانية وأسروا النفاق (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ) فى السر (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعنى بنى قريظة ، قالوا لهم بعد ما حاصرهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اثبتوا فى حصونكم على دينكم (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من المدينة كما أخرج بنو النضير (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً) لا نعين عليكم أحدا من أهل المدينة (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ) وإن قاتلكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (لَنَنْصُرَنَّكُمْ) عليهم (وَاللهُ يَشْهَدُ) يعلم (لِإِخْوانِهِمُ) يعنى المنافقين (لَكاذِبُونَ (١١)) فى مقالتهم (لَئِنْ أُخْرِجُوا) من المدينة يعنى بنى قريظة (لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ) المنافقون (وَلَئِنْ قُوتِلُوا) قاتلهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لا يَنْصُرُونَهُمْ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) منهزمين (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢)) لا يمنعون مما نزل بهم.

(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣) لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ

٣٩٤

الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٤))

ثم قال للمؤمنين : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) يقول : خوف المنافقين واليهود من سيف محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، أشد من خوفهم من الله (ذلِكَ) الخوف (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٣)) أمر الله وتوحيد الله (لا يُقاتِلُونَكُمْ) يعنى بنى قريظة والنضير (جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) فى مدائن وقصور حصينة (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أو بينكم وبينهم حائط (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) يقول : قتالهم فيما بينهم شديد إذا قاتلوا قومهم لا مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأصحابه (تَحْسَبُهُمْ) يا محمد ، يعنى المنافقين واليهود من بنى قريظة والنضير (جَمِيعاً) على أمر واحد (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) مختلفة (ذلِكَ) الخلاف والخيانة (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (١٤)) أمر الله وتوحيده (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول : مثل بنى قريظة فى نقض العهد والعقوبة ، كمثل الذين من قبلهم من قبل بنى قريظة (قَرِيباً) بسنتين (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) عقوبة أمرهم بنقض العهد وهم بنو النضير (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥)) وجيع فى الآخرة (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) يقول : مثل المنافقين مع بنى قريظة حيث خذلوهم كمثل الشيطان مع الراهب (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ) الراهب برصيصا (اكْفُرْ) بالله (فَلَمَّا كَفَرَ) بالله خذله (قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) ومن دينك (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (١٦)).

(فَكانَ عاقِبَتَهُما) عاقبة الشيطان والراهب (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) مقيمين فى النار (وَذلِكَ) الخلود فى النار (جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)) عقوبة الكافرين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (اتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) كل نفس برة أو فاجرة (ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) ما عملت ليوم القيامة ، فإنما تجد يوم القيامة ما عملت فى الدنيا إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرا فشر (وَاتَّقُوا اللهَ) اخشوا الله فيما تعملون (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨)) من الخير والشر (وَلا تَكُونُوا) يا معشر المؤمنين فى المعصية (كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) تركوا طاعة الله فى السر وهم المنافقون ، ويقال : تركوا طاعة الله فى السر والعلانية ، وهم اليهود (فَأَنْساهُمْ

٣٩٥

أَنْفُسَهُمْ) فخذلهم الله حتى تركوا طاعة الله (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩)) الكافرون بالله فى السر ، يعنى المنافقين ، وإن فسرت على اليهود ، ويقال : هم الكافرون بالله فى السر والعلانية.

(لا يَسْتَوِي) فى الطاعة والثواب (أَصْحابُ النَّارِ) أهل النار (وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) أهل الجنة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠)) فازوا بالجنة ونجوا من النار (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ) الذى يقرؤه عليكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (عَلى جَبَلٍ) أصم رأسه فى السماء وعرقه فى الأرض السابعة السفلى (لَرَأَيْتَهُ) ذلك الجبل بقوته (خُشَّعاً) خاضعا مستكينا مما فى القرآن من الوعد والوعيد (مُتَصَدِّعاً) متكسرا متفشخا متشققا (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) من خوف الله (وَتِلْكَ) هذه (الْأَمْثالُ نَضْرِبُها) نبينها (لِلنَّاسِ) فى القرآن (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)) لكى يتفكروا فى أمثال القرآن.

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ) ما غاب عن العباد وما يكون (وَالشَّهادَةِ) ما علمه العباد وما كان (هُوَ الرَّحْمنُ) العاطف على البر والفاجر بالرزق لهم (الرَّحِيمُ (٢٢)) خاصة على المؤمنين بالمغفرة ودخول الجنة (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) الدائم الذى لا يزول ملكه (الْقُدُّوسُ) الطاهر بلا ولد ولا شريك (١)(السَّلامُ) يسلم خلقه من زيادة عذابه على ما يجب عليهم بفعلهم (الْمُؤْمِنُ) أمن خلقه من ظلم نفسه ، ويقال : (السَّلامُ) سلم أولياءه من عذابه (الْمُؤْمِنُ) يقول : هو آمن على مقدوره (الْمُهَيْمِنُ) الشهيد (الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْجَبَّارُ) الغالب على عباده (الْمُتَكَبِّرُ) على أعدائه ، يقال : المتبرئ عما تخيلوه (سُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣)) به من الأوثان.

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ) للنطف فى أصلاب الآباء (الْبارِئُ) المحول من حال إلى حال (الْمُصَوِّرُ) ما فى الأرحام ذكرا أو أنثى ، شقيا ، أو سعيدا ، ويقال : البارئ الجاعل الروح فى النسمة (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) الصفات العلى العلم والقدرة والسمع ، والبصر ، وغير ذلك فادعوه بها (يُسَبِّحُ لَهُ) يصل له ، ويقال : يذكره (ما فِي السَّماواتِ) من الخلق (وَالْأَرْضِ) من كل شىء حى (وَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمُ (٢٤)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره.

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٨ / ٣٦) ، وزاد المسير (٨ / ٢٢٦) ، وتفسير القرطبى (١٨ / ٤٥).

٣٩٦

سورة الممتحنة

ومن سورة الممتحنة ، وهى كلها مدنية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى حاطبا (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) فى الدين (وَعَدُوَّكُمْ) فى القتل يعنى كفار مكة (أَوْلِياءَ) فى العون والنصرة (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) توجهون إليهم الكتاب بالعون والنصرة (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ) يعنى حاطبا (مِنَ الْحَقِ) من الكتاب والرسول (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة (وَإِيَّاكُمْ) وإياك يا حاطب (أَنْ تُؤْمِنُوا) لقبل إيمانكم (بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ) إذ كنتم (خَرَجْتُمْ جِهاداً) إن كنت يا حاطب خرجت من مكة إلى المدينة للجهاد (فِي سَبِيلِي) فى طاعتى (وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) طلب رضائى (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) لا تسروا إليهم الكتاب بالعون والنصرة (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما

٣٩٧

أَخْفَيْتُمْ) يعنى بما أخفيت يا حاطب من الكتاب ، ويقال : من التصديق (وَما أَعْلَنْتُمْ) يقول : وما أعلنت يا حاطب من العذر ، ويقال : من التوحيد (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) يا معشر المؤمنين ، مثل ما فعل حاطب (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١)) فقد ترك قصد طريق الهدى (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) إن يغلب عليكم أهل مكة (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) يتبين لكم أنهم أعداء لكم فى القتل (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ) يمدوا إليكم (أَيْدِيَهُمْ) بالضرب (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بالشتم والطعن (وَوَدُّوا) تمنوا كفار مكة (لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)) أن تكفروا بالله بعد إيمانكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن وهجرتكم إلى رسول الله (١).

(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) بمكة إن كفرتم بالله (وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) من عذاب الله (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) يفرق بينكم وبين المؤمنين ، يوم القيامة ، ويقال : يقضى بينكم على هذا (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الخير والشر (بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ) قد كانت لك يا حاطب (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) اقتداء صالح (فِي إِبْراهِيمَ) فى قول إبراهيم (وَالَّذِينَ مَعَهُ) وفى قول الذين معه من المؤمنين (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) لقرابتهم الكفار (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) من قرابتكم ودينكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (كَفَرْنا بِكُمْ) تبرأنا منكم ومن دينكم (وَبَدا) ظهر (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ) بالقتل والضرب (وَالْبَغْضاءُ) فى القلب (أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) حتى تقروا بوحدانية الله (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) غير قول إبراهيم (لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) لأنه كان على موعدة وعدها إياه فلما مات على الكفر تبرأ منه ، فقال له : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ شَيْءٍ) ثم علمهم كيف يقولون ، فقال : قولوا (رَبَّنا) يا ربنا (عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) وثقنا (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أقبلنا إلى طاعتك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)) المرجع فى الآخرة (رَبَّنا) قولوا يا ربنا (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) بلية (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة ، يقولون : لا تسلطهم علينا فيظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل فتزيدهم بذلك جراءة علينا (وَاغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (رَبَّنا) يا ربنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن بك (الْحَكِيمُ (٥)) بالنصرة لمن آمن بك (لَقَدْ كانَ لَكُمْ) لقد كان لك يا حاطب (فِيهِمْ) فى قول إبراهيم ، وفى قول الذين معه من المؤمنين (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) اقتداء

__________________

(١) انظر : صحيح البخارى (٦ / ٦٠) ، ومستدرك الحاكم (٢ / ٤٨٥) ، والأدب المفرد للبخارى (ص ٢٣) ، وتفسير الطبرى (٢٨ / ٣٨) ، ولباب النقول (٢١٠) ، والدر المنثور (٦ / ٢٣٠) ، وزاد المسير (٨ / ٢٣٢) ، وتفسير القرطبى (١٨ / ٥٠).

٣٩٨

صالح (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) يخاف الله (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) بالبعث بعد الموت فهلا قلت يا حاطب مثلما قال إبراهيم ومن آمن به (وَمَنْ يَتَوَلَ) يعرض عما أمره الله (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عنه وعن خلقه (الْحَمِيدُ (٦)) لمن وحده ، ويقال : (الْحَمِيدُ (٦)) يشكر اليسير من أعمالهم ويجزى الجزيل من ثوابه (عَسَى اللهُ) عسى من الله واجب (أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ) خالفتم فى الدين (مِنْهُمْ) من أهل مكة (مَوَدَّةً) صلة وتزويجا فتزوج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام فتح مكة أم حبيبة بنت أبى سفيان ، فهذا كان صلة بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَاللهُ قَدِيرٌ) بظهور نبيه على كفار قريش (وَاللهُ غَفُورٌ) متجاوز لمن تاب منهم من الكفر وآمن بالله (رَحِيمٌ (٧)) لمن مات منهم على الإيمان والتوبة.

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣))

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ) عن صلة ونصرة الذين (لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) مكة ولم يعينوا أحدا على إخراجكم من مكة (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) أن تصلوهم وتنصروهم (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) تعدلوا بينهم بوفاء العهد (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)) العاملين بوفاء العهد ، وهم : خزاعة قوم هلال بن عويمر ، وخزيمة ، وبنو مدلج ، صالحوا النبى قبل عام الحديبية على ألا يقاتلوه ، ولا يخرجوه من مكة ولا يعينوا أحدا على ، إخراجه فلذلك لم ينه الله عن صلتهم (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ) عن

٣٩٩

صلة الذين (قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) وهم أهل مكة (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) من مكة (وَظاهَرُوا) عاونوا (عَلى إِخْراجِكُمْ) من مكة (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) أن تصلوهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) فى العون والنصرة (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩)) الضارون لأنفسهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) المقرات بالله (مُهاجِراتٍ) من مكة إلى الحديبية أو إلى المدينة (فَامْتَحِنُوهُنَ) فاسألوهن واستحلفوهن لماذا جئتن (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) بمستقر قلوبهن على الإيمان (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) بالامتحان (١)(فَلا تَرْجِعُوهُنَ) لا تردوهن (إِلَى الْكُفَّارِ) إلى أزواجهن الكفار (لا هُنَ) يعنى المؤمنات (حِلٌّ لَهُمْ) لأزواجهن الكفار (وَلا هُمْ) يعنى الكفار (يَحِلُّونَ لَهُنَ) للمؤمنات لا تحل مؤمنة لكافر ولا كافرة لمؤمن (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) أعطوا أزواجهن ما أنفقوا عليهن من المهر ، نزلت هذه الآية فى سبيعة بنت الحارث الأسلمية ، جاءت إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية مسلمة وجاء زوجها مسافر فى طلبها فأعطى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لزوجها مهرها وكان قد صالح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهل مكة عام الحديبية ، قبل هذه الآية ، على أن من دخل منا فى دينكم فهو لكم ، ومن دخل منكم فى ديننا فهو رد إليكم ، وأيما امرأة دخلت منا فى دينكم فهى لكم وتؤدون مهرها إلى زوجها ، وأيما امراة منكم دخلت فى ديننا فيؤدى مهرها إلى زوجها ، فلذلك أعطى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهر سبيعة رزوجها مسافر (وَلا جُناحَ) لا حرج (عَلَيْكُمْ) يا معشر المؤمنين (أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أن تتزوجوهن ، يعنى اللاتى دخلن فى دينكم من الكفار (إِذا آتَيْتُمُوهُنَ) أعطيتموهن (أُجُورَهُنَ) مهورهن ، يقول : أيما امرأة أسلمت وزوجها كافر فقد انقطع ما بينها وبين زوجها من عصمة ولا عدة عليها من زوجها الكافر أن تتزوج إذا استبرأت (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) لا تأخذوا بعقد الكوافر الكفار ، يقول : امرأة كفرت بالله فقد انقطع ما بينها وبين زوجها المؤمن من العصمة ولا تعتدوا بها من أزواجكم (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) يقول : اطلبوا من أهل مكة ما أنفقتم على أزواجهن إن دخلن دينهم (وَلْيَسْئَلُوا) ليطلبوا منكم (ما أَنْفَقُوا) على أزواجكم من المهر إن دخلن فى دينكم وعلى هذا صالحهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يؤدوا بعضهم إلى بعض مهور نسائهم إن أسلمن أو كفرن (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ) فريضة الله (يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) وبين أهل مكة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بصلاحكم (حَكِيمٌ (١٠)) فيما حكم بينكم

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم (٣ / ١٨٤٩) ، والبخارى (٦ / ٢٤٠) ، وأحمد فى المسند (٤ / ٤٣١) ، وعبد الرزاق فى المصنف (٥ / ٣٤٠) ، وتاريخ الطبرى (٣ م ٨٢) ، والتفسير (٢٦ / ١٠٠) (٢٨ / ٧١) ، ولباب النقول (٢١١) ، وزاد المسير (٨ / ٢٨٣).

٤٠٠