تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

(أَمِ اتَّخَذُوا) أم عبدوا ، يعنى أهل مكة (آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) فى الأرض (هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١)) يحيون ، ويقال : يخلقون (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ) يعنى فى السماء والأرض إله (إِلَّا اللهُ) غير الله (لَفَسَدَتا) لفسد أهلوهما (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ) السرير (عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)) يقولون على الله من الولد والشريك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) لا يسأل الله عما يقول ويأمر ويفعل (وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣)) والعباد يسألون عما يقولون ويعملون (أَمِ اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِهِ) من دون الله (آلِهَةً) أصناما (قُلْ) لهم يا محمد (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم بعبادتها (هذا) يعنى القرآن (ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) خبر من هو معى (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) خبر من كان قبلى من المؤمنين والكافرين ليس فيه أن لله ولدا وشريكا (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) كلهم (لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) ولا يصدقون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤)) مكذبون بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (مِنْ رَسُولٍ) مرسل (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ) أى قل لقومك حتى يقولوا (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥)) فوحدونى (وَقالُوا) يعنى أهل مكة : (اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) بنات من الملائكة (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦)) بل هم عبيد أكرمهم الله بالطاعة ، يعنى الملائكة (لا يَسْبِقُونَهُ) لا يسبق جبريل عن ميكائيل قبل أن يأمره (بِالْقَوْلِ) ولا بالفعل (وَهُمْ) يعنى الملائكة (بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)) يقولون ، يعنى الملائكة (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا (وَلا يَشْفَعُونَ) يعنى الملائكة يوم القيامة (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) إلا لمن رضى الله عنه من أهل التوحيد بتوحيده (وَهُمْ) يعنى الملائكة (مِنْ خَشْيَتِهِ) من هيبته (مُشْفِقُونَ (٢٨)) خائفون.

(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) يعنى الملائكة ، ويقال : من الخلق (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) من دون الله (فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) كذلك نجزيه جهنم (كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩)) الكافرين (أَوَلَمْ يَرَ) يعلم (الَّذِينَ كَفَرُوا) جحدوا بمحمد ، عليه الصلاة والسّلام ، والقرآن (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) لم تنزل منها قطرة من مطر ، ولم ينبت على الأرض شىء من النبات ملتزقا بعضها على بعض (فَفَتَقْناهُما) أى ففرقناهما وأبان بعضها عن بعض بالمطر والنبات (١)(وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٢٠١) ، وتفسير القرطبى (١٧ / ١٤) ، والمجاز (٢ / ٣٦).

٢١

حَيٍ) خلقنا من ماء الذكر والأنثى كل شىء يحتاج إلى الماء (أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، يعنى أهل مكة.

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥) وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦) خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠))

(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) الجبال الثوابت أوتادا لها (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) كى لا تميد بهم الأرض (وَجَعَلْنا فِيها) فى الأرض (فِجاجاً) أودية (سُبُلاً) طرقا واسعة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١)) لكى يهتدوا إلى الطرق فى الذهاب والمجىء (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً) على الأرض (مَحْفُوظاً) من السقوط ، ويقال : بالنجوم من الشياطين (وَهُمْ) يعنى أهل مكة (عَنْ آياتِها) عن شمسها وقمرها ونجومها (مُعْرِضُونَ (٣٢)) أى مكذبون لا يتفكرون فيها (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أى سخر الشمس والقمر (كُلٌ) كل واحد منهما (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣)) أى فى دوران يدوران فى مجراه يذهبون (وَما جَعَلْنا) ما خلقنا (لِبَشَرٍ) من الأنبياء (مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ) فى الدنيا (أَفَإِنْ مِتَ) يا محمد (فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤)) فى الدنيا ، نزلت هذه الآية فى قولهم : محمدا ، عليه الصلاة والسّلام ، حتى يموت فنستريح (كُلُّ نَفْسٍ) منفوسة (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) تذوق الموت (وَنَبْلُوكُمْ) نختبركم (بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) بالشدة والرخاء (فِتْنَةً) كلاهما ابتلاء من الله (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (وَإِذا رَآكَ) يا محمد (الَّذِينَ كَفَرُوا) أبو جهل (إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) يا محمد ما يقولون لك (إِلَّا هُزُواً) سخرية يقول بعضهم لبعض : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ) يعيب (آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (٣٦)) جاحدون ، يقولون : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب.

٢٢

(خُلِقَ الْإِنْسانُ) يعنى آدم (مِنْ عَجَلٍ) أى مستعجلا بالعذاب (سَأُرِيكُمْ آياتِي) أى علامات وحدانيتى فى الأفاق ، ويقال : سأوريكم آياتى ، عذابى بالسيف يوم بدر (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧)) بالعذاب قبل الأجل (وَيَقُولُونَ) يعنى كفار مكة (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذى تعدنا يا محمد (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨)) أى إن كنت من الصادقين (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ما لهم فى العذاب لم يستعجلوه (حِينَ لا يَكُفُّونَ) أى حين العذاب لا يقدرون أن يمنعوا (عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) العذاب (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩)) أى يمنعون مما يراد بهم من العذاب (بَلْ تَأْتِيهِمْ) الساعة (بَغْتَةً) فجأة (فَتَبْهَتُهُمْ) أى فتفجؤهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) دفعها عن أنفسهم (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠)) أى يؤجلون من العذاب.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١) قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠))

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) يقول : استهزأ بهم قومهم كما استهزأ بك قومك يا محمد (فَحاقَ) فوجب ودار ونزل (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) على الأنبياء (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤١)) من العذاب ، ويقال : نزل بهم العذاب باستهزائهم (قُلْ) يا محمد لأهل مكة : (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) من يحفظكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أى من عذاب الرحمن ، ويقال : غير الرحمن (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ) عن توحيد ربهم ، وكتاب ربهم (مُعْرِضُونَ (٤٢)) مكذبون به تاركون له (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ) أى ألهم آلهة (تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا) أى من عذابنا (لا يَسْتَطِيعُونَ

٢٣

نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) أى صرف العذاب عن أنفسهم ، يعنى الآلهة فكيف عن غيرهم (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣)) أى من عذابنا يجارون فكيف يجيرون غيرهم (بَلْ مَتَّعْنا) أجلنا (هؤُلاءِ) يعنى أهل مكة (وَآباءَهُمْ) قبلهم (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) الأجل (أَفَلا يَرَوْنَ) يعنى أهل مكة (أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) أى نأخذ الأرض (نَنْقُصُها) نفتحها لمحمد (مِنْ أَطْرافِها) من نواحيها (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤)) أى أفهم الغالبون الأن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) بما نزل من القرآن (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ) أى من يتصامم عن الدعاء إلى الله ، ويقال : لا تقدر أن تسمع الدعاء من يتصامم إن قرأت بضم التاء (إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥)) أى يخوفون.

(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ) أصابتهم (نَفْحَةٌ) طرف (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦)) على أنفسنا كافرين بالله (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) أى العدل (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) فى يوم القيامة ميزان لها كفتان ولسان لا يوزن فيها غير الحسنات والسيئات (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) لا ينقص من حسنات أحد ولا يزاد على سيئات أحد (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) أى وزن حبة من خردل (أَتَيْنا بِها) جئنا بها ، ويقال : جزينا بها (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)) حافظين وعالمين ، ويقال : مجازين (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) المخرج من الشبهات ، ويقال : النصر والدولة على فرعون (وَضِياءً) بيانا من الضلالة (وَذِكْراً) عظة (لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)) الكفر والشرك والفواحش (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أى يعملون لربهم (بِالْغَيْبِ) وإن كان غائبا عنهم (وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ) أى من عذاب الساعة (مُشْفِقُونَ (٤٩)) خائفون (وَهذا) القرآن (ذِكْرٌ مُبارَكٌ) فيه الرحمة والمغفرة لمن آمن به (أَنْزَلْناهُ) أنزلنا جبريل به (أَفَأَنْتُمْ) يا أهل مكة (لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠)) جاحدون.

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ

٢٤

يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠))

(وَلَقَدْ آتَيْنا) أى أعطينا (إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) يعنى العلم والفهم (مِنْ قَبْلُ) من قبل بلوغه ، ويقال : أكرمناه بالنبوة والإسلام من قبل موسى وهارون ، ويقال : من قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١)) بأنه أهل لذلك (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) آزر (وَقَوْمِهِ) نمرود ابن كنعان وأصحابه (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) التصاوير (الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢)) عابدون لها (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣)) فنحن نعبدها (قالَ) لهم إبراهيم (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) قبلكم (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤)) فى كفر وخطأ بين (قالُوا) لإبراهيم (أَجِئْتَنا بِالْحَقِ) أى جدا تقول يا إبراهيم (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (٥٥)) من المستهزئين بنا (قالَ) إبراهيم (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) خلقهن (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) على ما قلت لكم (مِنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ) والله قال فى نفسه (لَأَكِيدَنَ) لأكسرن (أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا) تنطلقوا (مُدْبِرِينَ (٥٧)) ذاهبين إلى العيد فلما ذهبوا إلى عيدهم وتركوا إبراهيم فى مدينتهم دخل بين وثنهم (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً) أى كسرا (١)(إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) لم يكسره (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)) من عيدهم فيعتل به فلما رجعوا إلى بيت وثنهم (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩)) على آلهتنا (قالُوا سَمِعْنا) أى قال رجل منهم : سمعت (فَتًى يَذْكُرُهُمْ) بالكسر ويعيبهم (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠)).

(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠))

(قالُوا) أى قال لهم نمروذ بن كنعان (فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) بمنظر الناس

__________________

(١) ويقال : فتاتا. انظر : معانى القراءات للأزهرى (ص ٣٠٨).

٢٥

(لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١)) على فعله ، ويقال : على قوله ، ويقال : على عقوبته (قالُوا) أى قال له نمروذ (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا) الكسر (بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ) إبراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) الذى الفأس على عنقه (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣)) يتكلمون حتى يخبروكم من كسرهم (فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ) بالملامة (فَقالُوا) فقال لهم ملكهم نمروذ (إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤)) لإبراهيم (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) رجعوا إلى قولهم الأول ، وقال نمروذ (لَقَدْ عَلِمْتَ) يا إبراهيم (ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥)) يعنى الأصنام فمن ذلك كسرتهم (قالَ) إبراهيم (أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً) إن عبدتموه (وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦)) إن تركتموه (أُفٍّ لَكُمْ) قذرا لكم ، ويقال : تبا لكم (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧)) أفليس لكم ذهن الإنسانية أنه لا ينبغى أن يعبد ما لا يضر ولا ينفع (قالُوا) قال لهم ملكهم نمروذ (حَرِّقُوهُ) بالنار (وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) انتقموا لألهتكم (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨)) به شيئا فطرحوه فى النار (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً) أى باردة من حرك (وَسَلاماً) أى سلامة من البرد (عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) حرقا (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠)) أى الأسفلين.

(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧) وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠))

(وَنَجَّيْناهُ) من النار (وَلُوطاً) نجينا لوطا من الخسف وبلغناهما (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر (لِلْعالَمِينَ (٧١)) وهى المقدس وفلسطين والأردن

٢٦

(وَوَهَبْنا لَهُ) لإبراهيم (إِسْحاقَ) ولدا (وَيَعْقُوبَ) ولد الولد (نافِلَةً) أى فضيلة على الولد (وَكُلًّا) يعنى إبراهيم وإسحاق وإسماعيل ويعقوب وأولادهم (جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢)) فى دينهم مرسلين (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً) أى قادة فى الخير (يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) يدعون الخلق إلى أمرنا (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ) العمل بالطاعات ، ويقال : الدعاء إلى لا إله إلا الله (وَإِقامَ الصَّلاةِ) إتمام الصلاة (وَإِيتاءَ الزَّكاةِ) إعطاء الزكاة (وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣)) مطيعين (وَلُوطاً) أيضا (آتَيْناهُ حُكْماً) أعطيناه فهما (وَعِلْماً) نبوة (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ) من أهل قرية سدوم (الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ) أهلها (الْخَبائِثَ) أى اللواطة (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) فى كفرهم (فاسِقِينَ (٧٤)) باللواطة (وَأَدْخَلْناهُ) أى ندخله فى الآخرة (فِي رَحْمَتِنا) أى فى جنتنا ، ويقال : أكرمناه فى الدنيا بالنبوة (إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)) فى دينهم ، أى من المرسلين (١) (وَنُوحاً) أيضا أكرمناه بالنبوة (إِذْ نادى) أى دعا ربه على قومه بالهلاك (مِنْ قَبْلُ) من قبل لوط (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الدعاء (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) ومن آمن به (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)) من الغرق.

(وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) على القوم ، ويقال : نجيناه إن قرأت بالتشديد من القوم (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا نوح (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) فى كفرهم (فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)) بالطوفان (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) أيضا أكرمناهما بالنبوة والحكمة (إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) فى كرم قوم (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ) أى دخلت فيه ووقعت فيه بالليل (غَنَمُ الْقَوْمِ) قوم آخرين (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ) لحكم داود وسليمان (شاهِدِينَ (٧٨)) عالمين (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) الرفق فى القضاء والحكم (وَكُلًّا) أى داود وسليمان (آتَيْنا) أعطينا (حُكْماً) أى فهما (وَعِلْماً) نبوة (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) معه إذا سبح (وَالطَّيْرَ) أيضا (وَكُنَّا فاعِلِينَ (٧٩)) أى إنا فعلنا ذلك بهم (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ) أى الدروع لبوس (لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ) لتمنعكم (مِنْ بَأْسِكُمْ) من سلاح عدوكم (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠)) نعمته بالدروع.

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٧ / ٣٧) ، ومعجم البلدان لياقوت (٣ / ٢٠٠) ، وزاد المسير (٥ / ٣٧٠).

٢٧

عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢) وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠))

(وَلِسُلَيْمانَ) وسخرنا لسليمان (الرِّيحَ عاصِفَةً) قاصفة شديدة (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) بأمر الله ، ويقال : بأمر سليمان من إصطخر (إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر وهى الأرض المقدسة والأردن وفلسطين (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ) سخرنا له (عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ) سخرنا من الشياطين (مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ) لسليمان البحر فيخرجون منه الرخام (وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً) من البنيان (دُونَ ذلِكَ) دون الغواصة (وَكُنَّا لَهُمْ) الشياطين (حافِظِينَ (٨٢)) من أن يعدو أحد على أحد فى زمانه (وَأَيُّوبَ) واذكر أيوب (إِذْ نادى رَبَّهُ) دعا ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) أى أصابتنى الشدة فى جسدى فارحمنى ونجنى (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الدعاء (فَكَشَفْنا) فرفعنا (ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) من شدة (وَآتَيْناهُ) أعطيناه (أَهْلَهُ) فى الجنة الذين هلكوا فى الدنيا (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) أى ولد له فى الدنيا مثل ما هلكوا فى الدنيا (رَحْمَةً) نعمة (مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤)) عظة للمؤمنين (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ) واذكر إسماعيل وإدريس (وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥)) على أمر الله والمرازى (وَأَدْخَلْناهُمْ) أى ندخلهم فى الآخرة (فِي رَحْمَتِنا) فى جنتنا (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦)) أى من المرسلين من غير ذى الكفل لأنه كان رجلا صالحا ولم يكن نبيا.

(وَذَا النُّونِ) واذكر صاحب الحوت ، يعنى يونس بن متى (إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) أى مصارما من الملك (فَظَنَ) يعنى فحسب (أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) بالعقوبة

٢٨

(فَنادى فِي الظُّلُماتِ) فى ظلمة البحر وظلمة أمعاء السمكة وظلمته بطنها (أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) تبت إليك (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)) على نفسى حيث غضبت على أمرك (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الدعاء (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) من غم الظلمات (وَكَذلِكَ) أى هكذا (نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)) عند الدعاء (وَزَكَرِيَّا) واذكر يا محمد زكريا (إِذْ نادى) دعا (رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي) لا تتركنى (فَرْداً) وحيدا بلا معين (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩)) المعينين (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) الدعاء (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) ولدا صالحا (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) بالولد (إِنَّهُمْ) يعنى الأنبياء ، ويقال : زكريا ويحيى (كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أى يبادرون إلى الطاعات (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً) هكذا وهكذا ، ويقال : يعبدوننا رغبا فى الجنة ورهبا من النار (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠)) أى متواضعين مطيعين.

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))

(وَالَّتِي) أى واذكر التى (أَحْصَنَتْ فَرْجَها) حفظت جيب درعها (فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) فنفخ جبريل فى جيب درعها بأمرنا (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً) أى علامة وعبرة (لِلْعالَمِينَ (٩١)) لبنى إسرائيل ولدا بلا أب وولادة بلا لمس (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) دينكم دين واحد مرضى (وَأَنَا رَبُّكُمْ) رب واحد (فَاعْبُدُونِ (٩٢)) أطيعونى (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) تفرقوا بينهم فى دينهم يعنى اليهود والنصارى والمجوس (كُلٌ) كل فرقة (إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينه وبين ربه (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) مصدق

٢٩

إيمانه (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) لا ينسى ثواب عمله بل يثاب عليه (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤)) مجازون ومثيبون ، ويقال : حافظون (وَحَرامٌ) أى التوفيق (عَلى قَرْيَةٍ) أى على أهل قرية (أَهْلَكْناها) خذلناها بالكفر (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)) فى كفرهم إلى الإيمان ، ويقال : (وَحَرامٌ) الرجوع (عَلى قَرْيَةٍ) على أهل مكة (أَهْلَكْناها) يوم بدر بالقتل (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥)) إلى الدنيا (١) (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) فحينئذ يخرجون (وَهُمْ) يعنى يأجوج ومأجوج (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ) من كل أكمة ومكان مرتفع (يَنْسِلُونَ (٩٦)) يخرجون (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُ) دنا قيام الساعة عند خروجهم من السد (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) ذليلة لا تكاد تطرف (أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، ويقولون : (يا وَيْلَنا) يا حسرتنا (قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) اليوم (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)) كافرين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِنَّكُمْ) يا أهل مكة (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأصنام (حَصَبُ جَهَنَّمَ) أى حطب جهنم بلغة الحبشة (أَنْتُمْ) يا أهل مكة وما تعبدون من الأصنام (لَها وارِدُونَ (٩٨)) داخلون يعنى جهنم (لَوْ كانَ هؤُلاءِ) أى الأصنام (آلِهَةً ما وَرَدُوها) ما دخلوا النار (وَكُلٌ) العابد والمعبود (فِيها) فى النار داخلون (خالِدُونَ (٩٩)) أى مقيمون دائمون (لَهُمْ فِيها) فى جهنم (زَفِيرٌ) صوت كصوت الحمار (وَهُمْ فِيها) فى جهنم يتعاوون (لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)) صوت الرحمة ولا يبصرون.

(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٧ / ٦٨) ، والتبيان للعكبرى (٢ / ١٣٧).

٣٠

تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (١١١) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢))

(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ) أى وجبت (لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) أى الجنة يعنى عيسى وعزيرا (أُولئِكَ عَنْها) عن النار (مُبْعَدُونَ (١٠١)) منجون (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أى صوتها (١)(وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ) أى تمنت أنفسهم (خالِدُونَ (١٠٢)) مقيمون فى الجنة (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) إذا أطبقت النار وذبح الموت بين الجنة والنار (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) على باب الجنة بالبشرى (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣)) فى الدنيا ، نزلت من قوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) إلى هاهنا ، فى شأن عبد الله بن الزبعرى السهمى الشاعر وخصومته مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقبل الأصنام (يَوْمَ) وهو يوم القيامة (نَطْوِي السَّماءَ) باليمين (كَطَيِّ السِّجِلِ) أى كطى الكاتب (لِلْكُتُبِ) للصحيفة (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) أول خلقهم من النطفة (نُعِيدُهُ) نبعثه من التراب (وَعْداً عَلَيْنا) واجبا علينا (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤)) نحييهم بعد الموت (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) فى زابور داود (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) من بعد التوراة ، ويقال : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) فى كتب الأنبياء (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) اللوح المحفوظ (أَنَّ الْأَرْضَ) أرض الجنة (يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥)) الموحدون ، ويقال : الأرض المقدسة يرثها ينزلها عبادى الصالحون من بنى إسرائيل ، ويقال : الصالحون فى آخر الزمان (إِنَّ فِي هذا) القرآن (لَبَلاغاً) لكفاية ، ويقال : عظة بالأمر والنهى (لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦)) أى موحدين.

(وَما أَرْسَلْناكَ) يا محمد (إِلَّا رَحْمَةً) من العذاب (لِلْعالَمِينَ (١٠٧)) من الجن والأنس من آمن بك كتب له رحمة فى الدنيا والآخرة ، ومن لم يؤمن بك لم يك يصيبه ما أصاب ، ويقال : نعمة (قُلْ) يا محمد (إِنَّما يُوحى إِلَيَ) أى فى هذا القرآن (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (فَهَلْ أَنْتُمْ) يا أهل مكة (مُسْلِمُونَ (١٠٨)) مقرون مخلصون بالعبادة والتوحيد (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن

__________________

(١) انظر سبب النزول فى : تفسير الطبرى (١٧ / ٧٥) ، ولباب النقول (١٤٨) ، والدر المنثور (٤ / ٣٣٩).

٣١

الإيمان والإخلاص (فَقُلْ) لهم يا محمد (آذَنْتُكُمْ) أعلمتكم فصرت أنا وأنتم (١)(عَلى سَواءٍ) أى على بيان علانية بغير سر (وَإِنْ أَدْرِي) ما أدرى (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩)) من العذاب (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ) والفعل (وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (١١٠)) ما تسرون من القول والفعل فهو يعلم بعذابكم متى يكون (وَإِنْ أَدْرِي) ما أدرى (لَعَلَّهُ) يعنى تأخير العذاب (فِتْنَةٌ) بلية (لَكُمْ وَمَتاعٌ) أجل (إِلى حِينٍ (١١١)) أى إلى حين الموت (قُلْ) يا محمد (رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) أى اقض بينى وبين أهل مكة بالحق ، أى بالعدل (وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ) أى نستعين به (عَلى ما تَصِفُونَ (١١٢)) وتقولون من الكذب.

__________________

(١) انظر : المجاز لأبى عبيدة (٢ / ٤٣) ، والنكت والعيون للماوردى (٣ / ٣٦٩) ، وتفسير الطبرى (١٧ / ٨٣) والقرطبى (١١ / ٣٥٠).

٣٢

سورة الحج

ومن السورة التى يذكر فيها الحج ، وهى مكية كلها (١)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) خاص وعام وهاهنا عام (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أخشوا ربكم وأطيعوه (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) قيام الساعة (شَيْءٌ عَظِيمٌ (١)) هوله (يَوْمَ تَرَوْنَها) حين ترونها عند النفخة الأولى (تَذْهَلُ) تشتغل (كُلُّ مُرْضِعَةٍ) والدة (عَمَّا أَرْضَعَتْ) عن ولدها (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها) أى تضع الحوامل ما فى بطونها من الأولاد (وَتَرَى النَّاسَ) قياما (سُكارى) أى نشاوى (وَما هُمْ بِسُكارى) بنشاوى من

__________________

(١) قلت : إلا خمس آيات مدنية. انظر فى ذلك : تفسير القرطبى (١٢ / ٣) ، وابن كثير (٤ / ٢٠٣) ، والدر المنثور (٤ / ٣٤٤).

٣٣

الشراب (١)(وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢)) فمن ذلك تحيروا كأنهم سكارى (وَمِنَ النَّاسِ) وهو النضر بن الحارث (مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) يخاصم فى دين الله وكتابه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بلا علم ولا حجة ولا بيان (وَيَتَّبِعُ) يطيع (كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣)) متمرد شديد لعين (كُتِبَ عَلَيْهِ) أى قضى على الشيطان (أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ) أطاعه (فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) عن الهدى (وَيَهْدِيهِ) يدعوه (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)) إلى ما يجب به عذاب الوقود.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا أهل مكة (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) فى شك (مِنَ الْبَعْثِ) بعد الموت فتفكروا فى بدء خلقكم فإن إحياءكم ليس بأشد علىّ من بدؤكم (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) من آدم وآدم من تراب (ثُمَ) خلقناكم بعد ذلك (مِنْ نُطْفَةٍ) أى ثو جعلناكم بعد ذلك من نطفة (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) من دم عبيط بعد النطفة (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) من لحم طرى بعد العلقة (مُخَلَّقَةٍ) أى تامة الخلق ، ويقال : مصورة (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) وهى السقط (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) فى القرآن بدؤ خلقكم (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) من أن يسقط ، ويقال : نترك فى الأرحام (ما نَشاءُ) من الولد (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم من الشهور (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ) من الأرحام (طِفْلاً) صغارا (ثُمَ) نترككم (لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) من ثمان عشرة سنة إلى ثلاثين سنة (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) يقبض روحه قبل البلوغ (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ) أى يرجع (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) إلى حاله الأول بعد الهرم (لِكَيْ لا يَعْلَمَ) حتى لا يعقل (مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ) من بعد عقله الأول (شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) منكسرة ميتة (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) بالنبات ، ويقال : تحركت واستبشرت بالماء (وَرَبَتْ) أى انتفخت للنبات (وَأَنْبَتَتْ) أخرجت بالماء (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥)) أى من كل لون حسن.

(ذلِكَ) أى القدرة فى تحويلكم وغير ذلك لتقروا وتعلموا (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) بأن عبادة الله هى الحق (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) للنشور (وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الحياة والموت (قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) كائنة (لا رَيْبَ فِيها) لا شك فى كينونتها (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)) للجزاء والعقاب (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) يخاصم فى دين الله وكتابه (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بلا علم (وَلا هُدىً) بلا حجة (وَلا

__________________

(١) انظر : معانى القراءات للأزهرى (٣١٣) بتحقيقنا.

٣٤

كِتابٍ مُنِيرٍ (٨)) مبين بما يقول (ثانِيَ عِطْفِهِ) لاويا عنقه معرضا عن الآيات مكذبا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن دين الله وطاعته (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قتل يوم بدر صبرا (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩)) عذاب النار ، ويقال : العذاب الشديد (ذلِكَ) القتل يوم بدر صبرا (بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) بما عملت يداك فى الشرك نزل من قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) إلى هاهنا فى شأن النضر بن الحارث (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٠)) أن يأخذهم بلا جرم.

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤) مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ (١٥) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (١٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨) هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ)

على وجه تجربة وشك وانتظار نعمة ، نزلت هذه الآية فى شأن بنى الحلاف منافقى بنى أسد وغطفان (١)(فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) نعمة (اطْمَأَنَّ بِهِ) رضى بدين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلسانه (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) شدة (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) رجع إلى دينه الأول الشرك بالله (خَسِرَ الدُّنْيا) غبن الدنيا بذهابها (وَالْآخِرَةَ) بذهاب الجنة (ذلِكَ) الغبن (هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١)) الغبن البين بذهاب الدنيا والآخرة (يَدْعُوا) أى يعبد بنو الحلاف (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ) إن لم يعبده (وَما لا يَنْفَعُهُ) إن عبده (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ) الخطأ المبين

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٧ / ٩٣) ، والقرطبى (١٢ / ١٧) ، وزاد المسير (٥ / ٤١١).

٣٥

(الْبَعِيدُ (١٢)) عن الحق والهدى (يَدْعُوا) أى بنو الحلاف (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أى من ضره قريب ونفعه بعيد (لَبِئْسَ الْمَوْلى) الرب (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣)) الخليل والصاحب ، يقول : من كانت عبادته مضرة على عابده لبئس المعبود هو (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (جَنَّاتٍ) أى بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أى من تحت أشجارها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (١٤)) من الشقاوة والسعادة ، ونزل فيهم أيضا حين قالوا : نخاف أن لا ينصر محمد فى الدنيا فيذهب ما كان بيننا وبين اليهود من المودة.

(مَنْ كانَ يَظُنُ) يحسب (أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) يعنى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالغلبة (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أى بالعذر والحجة (فَلْيَمْدُدْ) فليربط (بِسَبَبٍ) بجبل (إِلَى السَّماءِ) أى إلى سقف بيته (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) ليختنق (فَلْيَنْظُرْ) فليتفكر مع نفسه (هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ) اختناقه (ما يَغِيظُ (١٥)) غيظة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقال : فيه وجه آخر من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا بالرزق والآخرة بالثواب ، فليمدد بسبب إلى السماء فليربط حبلا إلى سقف بيته ، ثم ليقطع فلينظر فى نفسه هل يذهبن كيده اختناقه ما يغيظه غيظة فى رزقه (وَكَذلِكَ) هكذا (أَنْزَلْناهُ آياتٍ) أنزلنا جبريل بآيات (بَيِّناتٍ) بالحلال والحرام (وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي) يرشد إلى دينه (مَنْ يُرِيدُ (١٦)) من كان أهلا لذلك (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَالَّذِينَ هادُوا) أى يهود أهل المدينة (وَالصَّابِئِينَ) السائحين وهم شعبة من النصارى (وَالنَّصارى) يعنى نصارى أهل نجران السيد والعاقب (وَالْمَجُوسَ) عبدة الشمس والنيران (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) مشركى العرب (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ) أى يقضى (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) فيما كانوا فيه يختلفون فى الدنيا ويخالفون (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من اختلافهم وأعمالهم (شَهِيدٌ (١٧)) أى عالم.

(أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد فى القرآن (أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) من الخلق (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) من المؤمنين (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) كل هؤلاء يسجدون لله (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) وجبت الجنة لهم وهم المؤمنون (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) وجب عليهم عذاب النار وهم الكافرون (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) بالشقاوة (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) بالسعادة ، ويقال : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ)

٣٦

بالنكرة (فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) بالمعرفة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (١٨)) بخلقه من الشقاوة والمعرفة والنكرة (هذانِ خَصْمانِ) أهل دينين من المسلمين واليهود والنصارى (اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) فى دين ربهم ، فقال كل واحد منهم : أنا أولى بالله بدينه فحكم الله بينهم ، فقال : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، يعنى اليهود والنصارى (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) أى قمص وجباب من نار (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ) على رؤوسهم (الْحَمِيمُ (١٩)) أى الماء الحار (يُصْهَرُ بِهِ) أى يذاب بالحميم (ما فِي بُطُونِهِمْ) من الشحوم وغيرها (وَالْجُلُودُ (٢٠)) ويذاب به الجلود وغيرها.

(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠))

(وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١)) حار يضرب على رؤوسهم (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها) من النار (مِنْ غَمٍ) من غم العذاب (أُعِيدُوا فِيها) فى النار بضرب المقامع (وَذُوقُوا) فيقال لهم ذوقوا (عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢)) الشديد (١) (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (جَنَّاتٍ) بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت أشجارها ومساكنها

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (١٧ / ١٠١) ، وتفسير ابن كثير (٣ / ٢١٢) ، والدر المنثور (٤ / ٣٤٨).

٣٧

(الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (يُحَلَّوْنَ فِيها) يلبسون فى الجنة (مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) أسورة من ذهب (وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها) فى الجنة (حَرِيرٌ (٢٣)) لا يوصف فضله (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) أى أرشدوا فى الدنيا إلى القول الطيب لا إله إلا الله (وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤)) ووفقوا للدين المحمود فى فعاله ، ويقال : الحميد لمن وحده فهذا قضاء الله فيما بين اليهود والنصارى والمؤمنين فى خصومتهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، أبو سفيان وأصحابه (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أى يصرفون الناس عن دين الله وطاعته (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) يصرفون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه عام الحديبية عن المسجد الحرام للعمرة (الَّذِي جَعَلْناهُ) حرما وقبلة (لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) المقيم والغريب فيه سواء شرع (وَمَنْ يُرِدْ) يسل (فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) على أحد (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥)) وجيع نضربه ضربا شديدا لكى لا يعود إلى ظلم أحد ، ويقال : نزلت فى شأن عبد الله بن أنس بن حنظل قتل أنصاريا بالمدينة متعمدا وارتد عن الإسلام والتجأ إلى مكة ، ونزل فيه ومن يلجأ إليه (بِإِلْحادٍ) بقتل (بِظُلْمٍ) بشرك (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥)) وجيع لا يطعم ولا يسقى ولا يؤوى حتى يخرج من الحرام ، ثم يقام عليه الحد.

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ) بينا لإبراهيم (مَكانَ الْبَيْتِ) الحرام بسحابة وقفت على حياله فبنى إبراهيم البيت على حيال السحابة وأوحينا إليه (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) من الأصنام (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) مسجدى من الأوثان (لِلطَّائِفِينَ) حوله (وَالْقائِمِينَ) المقيمين فيه (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦)) لأهل الصلوات من جملة البلدان من كل وجه (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) ناد ذريتك (بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ) حتى يجيئوا إليك (رِجالاً) مشاة على أرجلهم (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ركبانا على كل إبل مضمرة وغيره (يَأْتِينَ) يجئن (مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)) طريق وأرض بعيد (لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) منافع الدنيا والآخرة ، منافع الآخرة بالدعاء والعبادة ، ومنافع الدنيا بالربح والتجارة (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ) أى ليذكروا اسم الله (فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) أى معروفات أيام التشريق (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) على ذبيحة الأنعام (فَكُلُوا مِنْها) من الأضاحى (وَأَطْعِمُوا) أعطوا (الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)) العزيز الزمن المحتاج (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) ليتموا مناسك حجهم

٣٨

حلق الرأس ورمى الجمار وتقليم الأظفار وغير ذلك (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) وليتموا ما أوجبوا على أنفسهم (وَلْيَطَّوَّفُوا) الطواف الواجب (بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٢٩)) أعتق من كل جبار دخل فيه ، ويقال : من غرق الطوفان زمن نوح ، ويقال : هو أول بيت بنى ، ويقال : من طاف حوله فقد عتق (ذلِكَ) الذى ذكرت من المناسك عليهم أن يوفوا ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) مناسك الحج (فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) بالثواب (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ) رخصت لكم (الْأَنْعامُ) ذبيحة الأنعام وأكل لحومها (إِلَّا ما يُتْلى) إلا ما حرم (عَلَيْكُمْ) فى سورة المائدة (١) ، مثل : الميتة والدم ولحم الخنزير (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) فاتركوا شرب الخمر وعبادة الأصنام (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠)) اتركوا قول الباطل والكذب ، لأنهم كانوا يقولون فى تلبيتهم فى الجاهلية : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، فنهاهم الله عن ذلك.

(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥) وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧) إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠))

(حُنَفاءَ لِلَّهِ) أى كونوا مسلمين مخلصين بالتلبية والحج (غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) بالله فى التلبية والحج (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ) وقع (مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ) فتأخذه

__________________

(١) آية رقم (٣) ، وآية (٩٠).

٣٩

(الطَّيْرُ) وتذهب به حيث يشاء (أَوْ تَهْوِي) تذهب (بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١)) بعيد (ذلِكَ) التباعد لمن أشرك بالله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) مناسك الحج فيذبح أسمنها وأعظمها (فَإِنَّها) يعنى ذبيحة أسمنها وأعظمها (مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢)) من صفاوة القلوب وإخلاص الرجل (لَكُمْ فِيها) فى الأنعام (مَنافِعُ) فى ركوبها وألبانها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى حين تقلد وتسمى هديا (ثُمَّ مَحِلُّها) منحرها (إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣)) إن كانت للعمرة ، وإن كانت للحج فإلى منى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من المؤمنين (جَعَلْنا مَنْسَكاً) مذبحا لهم لحجتهم وعمرتهم (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) على ذبيحة الأنعام (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (فَلَهُ أَسْلِمُوا) أى أخلصوا بالعبادة والتوحيد (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)) المجتهدين المخلصين بالجنة (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) أمروا بأمر من قبل الله (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) خافت قلوبهم (وَالصَّابِرِينَ) وبشر الصابرين أيضا بالجنة (عَلى ما أَصابَهُمْ) من المرازى والمصائب (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) وبشر المقيمين للصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها ، وما يجب فيها من مواقيتها بالجنة أيضا (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) من الأموال (يُنْفِقُونَ (٣٥)) يتصدقون ويؤدون زكاتها.

(وَالْبُدْنَ) يعنى البقر والإبل (جَعَلْناها لَكُمْ) سخرناها لكم (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من مناسك الحج لكى تذبحوا (لَكُمْ فِيها) فى الأضاحى (خَيْرٌ) ثواب (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها) أى على ذبحها (صَوافَ) خالص (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) فإذا خرجت لجنبها بعد الذبح (فَكُلُوا مِنْها) من الأضاحى (وَأَطْعِمُوا) أعطوا (الْقانِعَ) السائل الذى يقنع باليسير (وَالْمُعْتَرَّ) الذى يعترضك ولا يسألك (كَذلِكَ) الذى ذكرت لكم (سَخَّرْناها) ذللنها (لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)) لكى تشكروا نعمته ورخصته (لَنْ يَنالَ اللهَ) لن يصل إلى الله (لُحُومُها وَلا دِماؤُها) وكانوا فى الجاهلية يضربون لحوم الأضاحى على حائط البيت ويتلطخون بدمها فنهاهم الله عن ذلك ، ويقال : لا يقبل الله لحومها ولا دماءها (وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) ولكن يقبل الأعمال الزاكية الطاهرة منكم (كَذلِكَ) هكذا (سَخَّرَها) ذللها (لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ) لتعظموا الله (عَلى ما هَداكُمْ) أى كما هداكم لدينه وسنته (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)) بالقول والفعل بالجنة ، ويقال : المحسنين بالذبائح (إِنَّ اللهَ

٤٠