تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢))

(وَقالَ) إبراهيم (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) مقبل إلى ربى (سَيَهْدِينِ (٩٩)) سيرشدنى وينجنى منهم ، ثم قال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)) ولدا من المرسلين (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ) بولد (حَلِيمٍ (١٠١)) عليم فى صغره حليم فى كبره (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) العمل لله بالطاعة ، ويقال : المشى معه إلى الجبل ، (قالَ) إبراهيم لابنه إسماعيل ـ ويقال إسحاق ـ : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ) أمرت فى المنام (أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) تشير وتأمر (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) من الذبح (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢)) على الذبح (فَلَمَّا أَسْلَما) اتفقا لأمر الله وسلما له (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)) كبه لوجهه ، ويقال : لجبينه (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) قد وفيت ما أمرت فى المنام (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥)) بالقول والفعل (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦)) الاختبار البين (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)) بكبش سمين (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) على إبراهيم ثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ (١٠٨)) فى الباقين بعده ، (سَلامٌ) منا وسعادة وسلامة (عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠)) بالثناء الحسن والنجاة (إِنَّهُ) يعنى إبراهيم (مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١)) المصدقين فى إيمانهم (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)) من المرسلين (وَبارَكْنا عَلَيْهِ) بالثناء الحسن والذرية الطيبة (وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما) ذرية إبراهيم وإسحاق (مُحْسِنٌ) موحد (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)) بالكفر ظاهر الكفر.

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤)) بالنبوة والإسلام (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) من آمن بهما (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥)) من الغرق (وَنَصَرْناهُمْ) على فرعون وقومه (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦)) القاهرين بالحجة (وَآتَيْناهُمَا) أعطيناهما (الْكِتابَ) وهو التوراة (الْمُسْتَبِينَ (١١٧)) المبين إلى الحلال والحرام (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨)) ثبتناهما على الدين الحق المستقيم (وَتَرَكْنا) على موسى وهارون ثناء حسنا (عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩)) فى الباقين بعدهما (سَلامٌ) منا وسعادة وسلامة (عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١)) بالثناء الحسن (إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢)) المصدقين (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣)) إلى قومه (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤))

٢٢١

عبادة غير الله (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) أتصدقون ربا من دون الله ، ويقال : ودا ، ويقال : كان لهم صنم طوله ثلاثون ذراعا ، وله أربعة أوجه ، يقال له : بعل (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥)) تتركون عبادة أحكم الخالقين فلا تعبدونه.

(اللهَ رَبَّكُمْ) هو خللقكم (وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦)) وخالق آبائكم الأولين قبلكم (فَكَذَّبُوهُ) بالرسالة (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧)) معذبون فى النار (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨)) بالعبادة والتوحيد ، فإنهم ليسوا كذلك (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) على إلياس ثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ (١٢٩)) فى الباقين بعده (سَلامٌ) منا سعادة وسلامة (عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠)) وهو إدريس (إِنَّا كَذلِكَ) هكذا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١)) بالقول والفعل بالثناء الحسن (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢)) المصدقين.

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨) وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠) وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)

٢٢٢

وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣)) إلى قومه (إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) ابنته زاعورا وريثا (أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥)) إلا امرأته المنافقة تخلفت مع المتخلفين بالهلاك (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦)) أهلكنا من بقى بعد لوط وابنتيه (وَإِنَّكُمْ) يا أهل مكة (لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ) على قرى لوط وسدوم ، وعمورا وصبورا ، وداودما (مُصْبِحِينَ (١٣٧)) بالنهار (وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨)) أفلا تصدقون ما فعل بهم فلا تقتدوا بهم (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩)) إلى قومه (إِذْ أَبَقَ) خرج من عند قومه ، ويقال : فر من قومه (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠)) إلى السفينة الموقرة المجهزة (فَساهَمَ) فقارع فى السفينة (فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١)) من المقروعين ذاهبى الحجة ، فألقى نفسه فى الماء (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) السمكة (وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢)) يلوم نفسه بما فرّ من قومه (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣)) المصلين قبل ذلك (لَلَبِثَ) مكث (فِي بَطْنِهِ) فى بطن الحوت (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)) من القبور (فَنَبَذْناهُ) طرحناه (بِالْعَراءِ) الصحراء على وجه الأرض (وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥)) مريض (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦)) من قرع وكل شىء لا يقوم على ساق فهو يقطين (١).

(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧)) بل يزيدون عشرون ألفا (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ) فأجلناهم (إِلى حِينٍ (١٤٨)) إلى وقت الموت والعذاب (فَاسْتَفْتِهِمْ) سل أهل مكة بنى مليح (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) الإناث (وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩)) الذكور ، قالوا : نعم ، فقال لهم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أترضون لله ما لا ترضون لأنفسكم».

(أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً) كما تقولون (وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠)) حاضرون (أَلا إِنَّهُمْ) بل إنهم (مِنْ إِفْكِهِمْ) من تكذيبهم (لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ) حيث قالوا الملائكة بنات الله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢)) فى مقالتهم (أَصْطَفَى الْبَناتِ) اختار الإناث (عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣)) على الذكور (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤)) بئس ما تقضون لأنفسكم ترضون لله ما لا ترضون لأنفسكم (أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥)) أفلا تعقلون ما تقولون (أَمْ لَكُمْ) يا أهل مكة (سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦)) كتاب مبين فيه

__________________

(١) انظر : تفسير الفخر الرازى (١٣ / ٢٦٢).

٢٢٣

أن الملائكة بنات الله (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧)) أن الملائكة بنات الله.

(وَجَعَلُوا) كفار مكة بنو مليح (بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ) بين الله والملائكة (نَسَباً) حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، ويقال : نزلت فى الزنادقة حيث قالوا : إبليس مع الله شريك الله خالق الخيرات ، وإبليس خالق الشر (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) الملائكة (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨)) يعنى كفار مكة ، بنو مليح لمحضرون معذبون فى النار (سُبْحانَ اللهِ) نزه نفسه (عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩)) عما يقولون من الكذب (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)) المعصومين من الكفر والشرك والفواحش (فَإِنَّكُمْ) يا أهل مكة (وَما تَعْبُدُونَ (١٦١)) من دون الله (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) على عبادته (بِفاتِنِينَ (١٦٢)) بمضلين (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣)) داخل النار معكم وهو إبليس لعنه الله ، ويقال : إلا من قدرت عليه أنه داخل النار معكم (وَما مِنَّا) قال جبريل للنبى محمد ، عليهما‌السلام : وما منا (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤)) معروف فى السماء (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥)) فى الصلاة (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦)) المصلون (وَإِنْ كانُوا) وقد كانوا أهل مكة (لَيَقُولُونَ (١٦٧)) قبل مجىء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهم (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨)) رسولا من رسل الأولين (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩)) الموحدين (فَكَفَرُوا بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن حين جاءهم (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠)) ماذا يفعل بهم عند الموت فى القبر ، ويوم القيامة.

(وَلَقَدْ سَبَقَتْ) وجبت (كَلِمَتُنا) بالنصرة والدولة (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢)) بالحجة والعذر (وَإِنَّ جُنْدَنا) الرسل والمؤمنين (لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣)) بالعذر والحجة إلى يوم القيامة (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أعرض يا محمد عنهم ، عن كفار مكة (حَتَّى حِينٍ (١٧٤)) إلى وقت هلاكهم يوم بدر (وَأَبْصِرْهُمْ) أعلمهم عن عذاب الله (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥)) يعلمون ماذا يفعل بهم (١) (أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦)) أبمثل عذابنا يستعجلون قبل أجله (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧)) فبئس الصباح لمن أنذرتهم الرسل ، فلم يؤمنوا (وَتَوَلَ) أعرض (عَنْهُمْ) يا محمد (حَتَّى حِينٍ (١٧٨)) إلى وقت هلاكهم يوم بدر (وَأَبْصِرْ) اعلم (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩)) يعلمون ماذا يفعل بهم (سُبْحانَ رَبِّكَ) نزه نفسه عن الولد والشريك (رَبِّ الْعِزَّةِ) المنعة والقدرة (عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠)) يقولون من

__________________

(١) انظر : زاد المسير لابن الجوزى (٧ / ٩٤) ، وتفسير مفاتيح الغيب للرازى (١٣ / ٢٧٦).

٢٢٤

الكذب (وَسَلامٌ) منا سلامة (عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١)) بتبليغهم الرسالة (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر والوحدانية لله بنجاة الرسل وهلاك قومهم (رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢)) سيد الإنس والجن.

* * *

٢٢٥

سورة ص

ومن السورة التى يذكر فيها داود ، وهى مكية

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (٩) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (١٠) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥) وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (١٩) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنهما ، فى قوله جل وعز : (ص) يقول : صاد والقرآن ، أى كرروا القرآن حتى تعلموا الإيمان من الكفر ، والسنة من البدعة ، والحق من الباطل ، والصدق من الكذب ، والحلال من الحرام ، والحق من الباطل ، والخير من الشر ، ويقال : صدّ عن الهدى ، أى صرف أهل مكة عن الحق والهدى ، ويقال : أبو جهل ، ويقال : صاد ، صادق فى قوله ، ويقال : صاد اسم من أسماء الله صادق ، ويقال : قسم أقسم به (١) ، (وَالْقُرْآنِ) أقسم بالقرآن (ذِي الذِّكْرِ (١)) ذى الشرف والبيان شرف من آمن به ، وبيان الأولين والآخرين ، (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (فِي عِزَّةٍ) فى حمية وتكبر

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ٧٥) ، وزاد المسير (٧ / ٩٧) ، والدر المنثور (٥ / ٢٩٦) ، والتفسير الكبير للرازى (٢٥ / ٢٧٨) ، وما بعدها ، ومعانى القراءات للأزهرى (ص ٤١٤).

٢٢٦

(وَشِقاقٍ (٢)) خلاف وعداوة ، ولهذا كان القسم (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) من قبل قريش من قرن من الأمم الخالية (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)) أى حين حملة مناص قفوا ، فوقفوا حتى أهلكهم الله ، وقد كانوا قبل ذلك إذا قاتلوا عدوا نادى بعضهم بعضا مناص مناص يعنون حملة واحدة ، فنجا من نجا ، وهلك من هلك ، وإذا غلب العدو عليهم كانوا ينادون بعضهم بعضا «مناص» أى فرادا فرادا ، فيفرون من القتال ، وهذه علامة كانت بينهم فى القتال إذا أرادوا أن يحملوا على العدو أو يفروا من العدو ، فلما أراد الله هلاكهم نادتهم الملائكة «ولات حين مناص» أى ليس حين حملة ولا فرار.

(وَعَجِبُوا) قريش (أَنْ جاءَهُمْ) بأن جاءهم (مُنْذِرٌ) رسول (مِنْهُمْ) من نسبهم (وَقالَ الْكافِرُونَ) كفار مكة (هذا) يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ساحِرٌ) يفرق بين الاثنين (كَذَّابٌ (٤)) يكذب على الله (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) أيسعنا ويكفينا إلة واحد فى حوائجنا كما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّ هذا) الذى يقول محمد (لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥)) عجيب (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ) الرؤساء (مِنْهُمْ) من قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبى بن خلف ، وأبو جهل ، قال لهم أبو جهل : (أَنِ امْشُوا) أن امضوا (وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ) يعنون محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (يُرادُ (٦)) أن يهلك ، ويقال : إن هذا الذى يقول محمد يراد أن يكون بأهل الأرض (ما سَمِعْنا بِهذا) الذى يقول (فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) فى الملة اليهودية والنصرانية يعنون لم يسمع من اليهود والنصارى أن الإله واحد (إِنْ هذا) أما هذا الذى يقول محمد (إِلَّا اخْتِلاقٌ (٧)) اختلق من تلقاء نفسه (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا) أخص بالنبوة والكتاب لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بيننا (بَلْ هُمْ) كفار مكة (فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي) من كتابى ونبوة نبى (بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (٨)) فمن ذلك يكذبون.

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) يقول : أبايديهم النبوة والكتاب فيعطوا لمن يشاءوا (الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْوَهَّابِ (٩)) وهب النبوة والكتاب لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مقدرة على السموات والأرض (وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (فَلْيَرْتَقُوا) فليصعدوا (فِي الْأَسْبابِ (١٠)) فى أبواب السموات إن كان لهم مقدرة فى ذلك فينظروا ما أأنزل عليه النبوة والكتاب أم لا (جُنْدٌ) لأن جندهم من الأحزاب من الكفار كفار مكة مقدم ومؤخر (ما هُنالِكَ) عندما أرادوا قتل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر (مَهْزُومٌ) مقتول مغلوب فقتلوا يوم بدر (مِنَ

٢٢٧

الْأَحْزابِ (١١)) من الكفار (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) قبل قومك يا محمد (قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ) هودا (وَفِرْعَوْنُ) موسى (ذُو الْأَوْتادِ (١٢)) صاحب الملك الثابت ، ويقال : صاحب العذاب بالأوتاد (وَثَمُودُ) قوم صالح صالحا (وَقَوْمُ لُوطٍ) لوطا (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) الغيضة ، وهم قوم شعيب (أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣)) الكفار (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) يقول : كل هؤلاء كذبوا الرسل كما كذبك قريش ، (فَحَقَّ عِقابِ (١٤)) فوجب عليهم عقوبتى.

(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ) قومك إن كذبوك (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) لا تثنى وهى نفخة البعث (ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)) من نظرة ولا رجعة (١) (وَقالُوا) يعنى كفار مكة حين ذكر الله فى كتابه (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ رَبَّنا) يا ربنا (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) يعنون كتابنا أى صحيفة أعمالنا (قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (١٦)) حتى نعلم ما فيها ، (اصْبِرْ) يا محمد (عَلى ما يَقُولُونَ) من التكذيب ، (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) يقول : ذكرهم خبر عبدنا داود (ذَا الْأَيْدِ) والقوة بالعتاد (إِنَّهُ أَوَّابٌ (١٧)) مطيع لله مقبل عليه (إِنَّا سَخَّرْنَا) ذللنا (الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) يذكرن معه (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨)) غدوة وعشية (وَالطَّيْرَ) سخر له الطير (مَحْشُورَةً) مجموعة عنده غدوة وعشية (كُلٌ) الطيور والجبال (لَهُ أَوَّابٌ (١٩)) لله مطيع (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) بالحرس وكان يحرس محرابه كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألف رجل ، (وَآتَيْناهُ) أعطيناه (الْحِكْمَةَ) والنبوة (وَفَصْلَ الْخِطابِ (٢٠)) القضاء كان لا يتعتع فى الكلام عند القضاء يقضى بالبينة واليمين ، البينة على الطالب ، واليمين على المطلوب.

(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥) يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ

__________________

(١) انظر : معانى القراءات (ص ٤١٤).

٢٢٨

سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨) كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩) وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ (٣١) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (٣٢) رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠))

(وَهَلْ أَتاكَ) ما آتاك ثم أتاك يا محمد (نَبَأُ الْخَصْمِ) خبر الخصم ، خصم داود (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١)) نزلوا عليه من فوق المحراب (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ) داود (قالُوا) يعنى الملكين الذين دخلا عليه : يا دواد (لا تَخَفْ خَصْمانِ) نحن خصمان (بَغى) تطاول وظلم (بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ) بالعدل (وَلا تُشْطِطْ) لا تمل ولا تجر (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢)) دلنا إلى الصواب (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها) أى أعطنيها (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣)) غلبنى فى الكلام ، وهذا مثل ضربنا لداود لكى يفهم ما فعل بأوريا (قالَ) داود (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) بأخذ نعجتك (إِلى نِعاجِهِ) عن كثرة نعاجه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ) من الشركاء والإخوان (لَيَبْغِي) ليظلم (بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فيما بينهم وبين ربهم (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) ما لا يظلمون فخرجا من حيث دخلا (وَظَنَّ داوُدُ) فظن داود بعد ذلك (أَنَّما فَتَنَّاهُ) ابتليناه بالذنب الذى كان منه (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) من الذنب (وَخَرَّ راكِعاً) ساجدا (وَأَنابَ (٢٤)) أقبل على الله بالتوبة والندامة (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) الذنب (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) قربى فى الدرجات ، (وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥)) مرجع فى الآخرة.

(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) نبيا وملكا على بنى إسرائيل (فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ) بالعدل (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) كما اتبعت فى بتشايع امرأة أوريا ، وكانت

٢٢٩

بنت عم داود (فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن طاعة الله (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن طاعة الله (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ (٢٦)) بما تركوا العمل ليوم الحساب (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (باطِلاً) عبثا جزافا بلا أمر ولا نهى (ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) إنكار الذين كفروا بالبعث بعد الموت (فَوَيْلٌ) فشدة العذاب (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بالبعث بعد الموت (مِنَ النَّارِ (٢٧)) فى النار (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم وهو سيدنا على بن أبى طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث (كَالْمُفْسِدِينَ) كالمشركين (فِي الْأَرْضِ) وهو عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش عليا وصاحباه (كَالْفُجَّارِ (٢٨)) كالكفار ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وهم الذين بارزوا يوم بدر عليا وحمزة وعبيدة ، فقتل علىّ الوليد بن عتبة ، وقتل حمزة عتبة بن ربيعة ، وقتل عبيدة شيبة ، (كِتابٌ) هذا الكتاب (أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ) أنزلنا جبريل به إليك (مُبارَكٌ) فيه المغفرة والرحمة لمن آمن به (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) لكى يتفكروا فى آياته (وَلِيَتَذَكَّرَ) لكى يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٩)) ذوو العقول من الناس.

(وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)) مقبل إلى الله وإلى طاعته (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِ) بعد الظهر (الصَّافِناتُ) الخيل العراب الخوالص (الْجِيادُ (٣١)) السراع ، ويقال : الصافنات ، وهو الفرس إذا قام بثلاث قوائم ، ورفع إحدى يديه حتى يكون على طرف الحافر (فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) اخترت المال (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) على طاعة ربى (حَتَّى تَوارَتْ) الشمس (بِالْحِجابِ (٣٢)) بجبل قاف (رُدُّوها عَلَيَ) ما عرض علىّ فردوها (فَطَفِقَ) عمد (مَسْحاً بِالسُّوقِ) ضرب سوقهن (وَالْأَعْناقِ (٣٣)) وأعناقهن ، ويقال : فطفق مسحا بالسوق والأعناق ، حتى توارت بالحجاب ، حتى غابت الشمس ، وذهبت منه صلاة العصر ، فمن أجل ذلك فعل ما فعل (١).

(وَلَقَدْ فَتَنَّا) ابتلينا (سُلَيْمانَ) بذهاب ملكه أربعين يوما بقدر ما عبد الصنم فى بيته مكان كل يوم يوما (وَأَلْقَيْنا) اجلسنا (عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) شيطانا (ثُمَّ أَنابَ (٣٤)) ثم رجع إلى ملكه وإلى طاعة ربه وتاب من ذنبه (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي)

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ١٠١) ، وزاد المسير (٧ / ١٣٤) ، والقرطبى (١٥ / ١٩٨).

٢٣٠

ذنبى (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي) لا يصلح (لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ويقال : لا يسلب فيما بقى كما سلب المرة الأولى (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥)) بالملك والنبوة لمن شئت (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) بعد ذلك (تَجْرِي بِأَمْرِهِ) بأمر الله ، ويقال : بأمر سليمان (رُخاءً) لينة (حَيْثُ أَصابَ (٣٦)) أراد (وَالشَّياطِينَ) سخرنا له الشياطين (كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧)) فى قعر البحر (وَآخَرِينَ) من غيرهم (مُقَرَّنِينَ) مصفدين مسلسلين (فِي الْأَصْفادِ (٣٨)) فى أغلال الحديد وهم المردة من الشياطين لا يبعثهم إلى عمل إلا انقلبوا (هذا عَطاؤُنا) ملكنا يا سليمان ، ملكناك على الشياطين (فَامْنُنْ) على من شئت من المتمردين ، وخلّ سبيلهم من الغل (أَوْ أَمْسِكْ) احبس فى الغل (بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩)) من غير أن تحاسب وتأثم بذلك (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى) قربى فى الدرجات (وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)) مرجع فى الآخرة.

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤) وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ (٤٥) إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧) وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨) هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيها يَدْعُونَ فِيها بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (٥٢) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣) إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤) هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤))

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا) اذكر لكفار مكة خبر عبدنا (أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ) دعا ربه (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) أصابنى من تسليطك الشيطان علىّ (بِنُصْبٍ) تعب وعناء (١)(وَعَذابٍ (٤١)) بلاء ومرض ، فقال له جبريل : يا أيوب (ارْكُضْ) اضرب

__________________

(١) انظر : البحر المحيط (٧ / ٤٠٠) ، وزاد المسير (٧ / ١٤١) ، وتفسير الطبرى (٢٣ / ١٠٦).

٢٣١

(بِرِجْلِكَ) على الأرض فضرب ، فخرج منها عين ، فقال له جبريل : (هذا مُغْتَسَلٌ) اغتسل منه فاغتسل منه فالتأم ما به ، ثم قال له : اضرب ضربة أخرى ، فضرب فخرج منها عين أخرى ، فقال جبريل : (بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢)) أى وهذا شراب بارد وعذب ، اشرب منه فشرب فالتأم ما فى جوفه (وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) الذين أهلكناهم (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) فى الآخرة ، ويقال : فى الدنيا (رَحْمَةً مِنَّا) نعمة منا عليه (وَذِكْرى) عظة (لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣)) لذوى العقول من الناس (وَخُذْ بِيَدِكَ) يا أيوب (ضِغْثاً) قبضة من سنبل فيها مائة سنبلة (فَاضْرِبْ بِهِ) امرأتك ، رحمة بنت يوسف الصديق (وَلا تَحْنَثْ) لا تأثم فى يمينك ، وكان قبل ذلك حلف بالله ، لئن شفاه الله ليجلدنها مائة جلدة فى سبب كلام تكلمت به لم يرض الله به (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) على البلاء (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)) مطيع لله ، مقبل إلى طاعة الله (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ) خليل الرحمن (وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي) القوة فى العبادة لله (وَالْأَبْصارِ (٤٥)) فى الدين (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ) اختصصناهم (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (٤٦)) يقول : بخالصة ذكر الله ، وذكر الآخرة (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (٤٧)) المختارين فى الدنيا بالنبوة والإسلام ، الأخيار عند الله يوم القيامة (وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ) ابن عم إلياس (وَذَا الْكِفْلِ) الذى كفل وضمن أشياء لقوم فوفاها ، ويقال : تكفل لله بشىء فوفاه ، ويقال : كفل مائة نبى ، فكان يطعمهم حتى نجاهم الله من القتل ، وكان رجلا صالحا ، ولم يكن نبيا (وَكُلٌ) كل هؤلاء (مِنَ الْأَخْيارِ (٤٨)) عند الله (هذا ذِكْرٌ) ذكر الصالحين ، ويقال : فى هذا القرآن خبر الأولين والآخرين (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ) الكفر والشرك والفواحش (لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩)) مرجع فى الآخرة.

ثم بين مستقرهم فى الآخرة : (جَنَّاتِ عَدْنٍ) معدن الأنبياء والصالحين (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (٥٠)) يوم القيامة (مُتَّكِئِينَ فِيها) جالسين على السرر فى الحجال ناعمين فى الجنة (يَدْعُونَ فِيها) يسألون فى الجنة (بِفاكِهَةٍ) بألوان الفاكهة (كَثِيرَةٍ وَشَرابٍ (٥١)) وألوان الشراب (عِنْدَهُمْ) فى الجنة جوار (قاصِراتُ الطَّرْفِ) غاضات العين ، قانعات بأزواجهن (أَتْرابٌ (٥٢)) مستويات فى السن والميلاد ، يقول لهم الله (١) : (هذا ما تُوعَدُونَ) إذ أنتم فى الدنيا (لِيَوْمِ الْحِسابِ (٥٣)) يوم القيامة

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢٣ / ١١٦) ، وزاد المسير (٧ / ١٥٢) ، وتفسير ابن كثير (٤ / ٤٢) ، والدر المنثور (٥ / ٣١٩) ، والتفسير الكبير (٢٦ / ٣٤١).

٢٣٢

(إِنَّ هذا لَرِزْقُنا) طعامنا ونعيمنا لهم (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ (٥٤)) من فناء ولا انقطاع (هذا) للمؤمنين (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) للكافرين أبى جهل وأصحابه (لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥)) مرجع فى الآخرة (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) يدخلونها يوم القيامة (فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦)) الفراش والقرار لهم النار (هذا) للكافرين (فَلْيَذُوقُوهُ) عذاب جهنم (حَمِيمٌ) ماء حر قد انتهى حره (وَغَسَّاقٌ (٥٧)) زمهرير يحرقهم كما تحرقهم النار (١) (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) من نحو الحميم والغساق (أَزْواجٌ (٥٨)) ألوان العذاب فيدخلهم الله النار الأول فالأول ، فكلما دخلت أمة النار ، أمنت أختها التى دخلت قبلها ، فيقول الله لأول أمة دخلت النار (هذا فَوْجٌ) جماعة (مُقْتَحِمٌ) داخل (مَعَكُمْ) النار فيقول أول الأمة لآخر الأمة (لا مَرْحَباً بِهِمْ) لا وسّع الله عليهم (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩)) داخلوا النار (قالُوا) آخر الأمة (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) لا وسع الله عليكم (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ) شرعتموه (لَنا) هذا الدين فاقتدينا بكم (فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠)) المنزل لنا ولكم (قالُوا) الأول والآخر (رَبَّنا) يا ربنا (مَنْ قَدَّمَ لَنا) من شرع لنا (هذا) الدين ، يعنون إبليس وسائر الرؤساء (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١)) مما علينا (وَقالُوا ما لَنا لا نَرى) فى النار (رِجالاً) يعنون فقراء المؤمنين (كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢)) من السفلة والفقراء (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) سخرناهم فى الدنيا (أَمْ زاغَتْ) مالت (عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣)) أبصارنا فلا نراهم (إِنَّ ذلِكَ) الذى ذكرت من خبر أهل النار (لَحَقٌ) صدق (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤)) كلام أهل النار بالخصومة بعضهم مع بعض.

(قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٦٥) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٦٦) قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (٦٧) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨) ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩) إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٧٠) إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤) قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥) قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٢١٠) ، وغريب ابن قتيبة (٣٨١) ، والطبرى (٢٣ / ١١٣) ، وزاد المسير (٧ / ١٠٥).

٢٣٣

الدِّينِ (٧٨) قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨))

(قُلْ) يا محمد (إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ) رسول مخوف (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ الْواحِدُ) بلا ولد ولا شريك (الْقَهَّارُ (٦٥)) الغالب على خلقه (رَبُّ السَّماواتِ) خالق السموات (وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) من الخلق والعجائب (الْعَزِيزُ) هو العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْغَفَّارُ (٦٦)) لمن تاب وآمن به (قُلْ) يا محمد (هُوَ) يعنى القرآن (نَبَأٌ) خبر (عَظِيمٌ (٦٧)) كريم شريف فيه خبر الأولين والآخرين (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (٦٨)) مكذبون به تاركون له (ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) يعنى الملائكة لو لم أكن رسولا (إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٦٩)) إذ يتكلمون حين قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) الآية ، (إِنْ يُوحى) ما يوحى (إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ) رسول مخوف (مُبِينٌ (٧٠)) بلغة تعلمونها ، ثم بين خصومة الملائكة ، فقال : اذكر يا محمد لهم : (إِذْ قالَ) قد قال (رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (٧١)) يعنى آدم عليه‌السلام ، (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) جمعت خلقه (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) جعلت الروح فيه (فَقَعُوا لَهُ) فخروا له (ساجِدِينَ (٧٢) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣)) لآدم (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ) تعظم عن السجود لآدم (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٧٤)) صار من الكافرين بإبائه عن أمر الله (قالَ) الله له (يا إِبْلِيسُ) يا خبيث (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) صورت بيدى (أَسْتَكْبَرْتَ) عن السجود لآدم (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ (٧٥)) من المخالفين لأمرى (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٧٦)) فالنار تأكل الطين ، فلذلك لم أسجد له (قالَ) الله له (فَاخْرُجْ مِنْها) من صورة الملائكة ، ويقال : من الأرض (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٧٧)) ملعون مطرود من رحمتى وكرامتى (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) عذابى وسخطى ، ويقال : أجلاه الله إلى جزائر البحر ولا يدخل فيها إلا كهيئة السارق ، وعليه أطمار يروغ فيها (إِلى يَوْمِ الدِّينِ (٧٨)) يوم الحساب (قالَ) إبليس (رَبِ) يا رب (فَأَنْظِرْنِي) فأجلنى (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩)) من القبور ، أراد الخبيث أن لا يذوق الموت (قالَ) الله

٢٣٤

(فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠)) المؤجلين (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١)) إلى النفخة الأولى (قالَ فَبِعِزَّتِكَ) فبنعمتك وقدرتك (لَأُغْوِيَنَّهُمْ) لأضلنهم عن دينك وطاعتك (أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ) من بنى آدم (الْمُخْلَصِينَ (٨٣)) المعصومين منى (قالَ) الله له : (فَالْحَقُ) يقول : أنا الحق (وَالْحَقَ) يقول : وبالحق (١)(أَقُولُ (٨٤) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ) ومن ذريتك (وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) من بنى آدم (أَجْمَعِينَ (٨٥)) جميع من أطاعك بالدين (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) على التوحيد والقرآن (مِنْ أَجْرٍ) من جعل ورزق (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦)) من المختلقين من تلقاء نفسى (إِنْ هُوَ) ما هو يعنى القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) عظة (لِلْعالَمِينَ (٨٧)) للجن والإنس (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ) خبر القرآن وما فيه من الوعد والوعيد (بَعْدَ حِينٍ (٨٨)) بعد الإيمان ، ويقال : بعد الموت ، فمنهم من علم بعد الإيمان ، وهم المؤمنون ، ومنهم من علم بعد الموت ، وهم الكفار أن ما قال الله فى القرآن هو الحق.

__________________

(١) انظر : السبعة لابن مجاهد (٥٥٧) ، والنشر فى القراءات العشر لابن الجوزى (٢ / ٣٦٨) ، ومعانى القرآن للفراء (٢ / ٤١٢) ، والتبيان للعكبرى (٢ / ٢٦٣) ، والكشف لمكى (٢ / ٢٣٤).

٢٣٥

سورة الزّمر

ومن السورة التى يذكر فيها الزمر ، وهى مكية غير قوله : (قُلْ يا عِبادِيَ

الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) الآية ، فإنها مدنية.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧) وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨) أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (٩) قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥))

٢٣٦

قال ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله جل وعز : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) يقول : هذا الكتاب تكليم (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمِ (١)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أنزلنا جبريل بالكتاب (بِالْحَقِ) لا بالباطل (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢)) مخلصا له بالعبادة والتوحيد (أَلا لِلَّهِ) على الناس (الدِّينُ الْخالِصُ) الدين بلإخلاص لا يخالطه شىء (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِهِ) من دون الله كفار مكة (أَوْلِياءَ) أربابا اللات والعزى ومناة ، قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) قربى فى المنزلة والشفاعة (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) وبين المؤمنين يوم القيامة (فِي ما هُمْ فِيهِ) فى الدين (يَخْتَلِفُونَ) يخالفون (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) لا يرشد إلى دينه (مَنْ هُوَ كاذِبٌ) على الله (كَفَّارٌ (٣)) كافر بالله ، وهم اليهود وبنو مليح والمجوس ومشركو العرب (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) من الملائكة والآدميين كما قالت اليهود والنصارى ، وبنو مليح (لَاصْطَفى) لاختار (مِمَّا يَخْلُقُ) عنده فى الجنة (ما يَشاءُ) ويقال : من الملائكة (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن ذلك (هُوَ اللهُ الْواحِدُ) بلا ولد ولا شريك (الْقَهَّارُ (٤)) الغالب على خلقه.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لا بالباطل (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) يدور الليل على النهار فيكون أطول من الليل (وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) يدور النهار على الليل ، فيكون الليل أطول من النهار (وَسَخَّرَ) ذلل (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ضوء الشمس والقمر لبنى آدم (كُلٌ) من الشمس والقمر والليل والنهار (يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) الذى فعل ذلك العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْغَفَّارُ (٥)) لمن تاب من الشرك وآمن به (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) من نفس آدم وحدها (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها) من نفس آدم (زَوْجَها) حواء خلقها من ضلع من أضلاع آدم القصرى (وَأَنْزَلَ) خلق (لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) من البهائم والدواب (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أصناف ذكر وأنثى ، من الضأن اثنين ذكرا وأنثى ، ومن المعز اثنين ذكرا وأنثى ، ومن الإبل اثنين ذكرا وأنثى ، ومن البقر اثنين ذكرا وأنثى ، (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) حالا من بعد نطفة وعلقة ومضغة وعظاما (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة (١)(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ)

__________________

(١) انظر : تفسير ابن كثير (٤ / ٤٦) ، وزاد المسير (٧ / ١٦٣) ، والنكت والعيون للماوردى (٣ / ٤٦١).

٢٣٧

يفعل ذلك (لَهُ الْمُلْكُ) الدائم لا يزول ملكه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا خالق ولا مصور إلا هو (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦)) بالكذب ، يقول : من أين تكذبون على الله فتجعلون له شريكا.

(إِنْ تَكْفُرُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن يا أهل مكة (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) عن إيمانكم (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) ولا يقبل منهم الكفر بمحمد والقرآن ، لأنه ليس دينه (وَإِنْ تَشْكُرُوا) تؤمنوا (يَرْضَهُ لَكُمْ) يقبله منكم لأنه دينه (١)(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) لا تحمل حاملة حمل أخرى ما عليها من الذنوب ، ويقال : لا تؤخذ نفس بذنب نفس أخرى ، كل مأخوذ بذنبه ، ويقال : لا تعذب نفس بغير ذنب (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم يوم القيامة (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وتقولون فى الدنيا (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٧)) بما فى القلوب من الخير والشر (وَإِذا مَسَ) أصاب (الْإِنْسانَ) الكافر أبو جهل وأصحابه (ضُرٌّ) بلاء وشدة (دَعا رَبَّهُ) برفع البلاء والشدة عنه (مُنِيباً إِلَيْهِ) مقبلا إليه بالدعاء (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ) بدله (نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) من قبل النعمة (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) أشكالا وأعدالا (لِيُضِلَ) بذلك الناس (عَنْ سَبِيلِهِ) عن طاعته ودينه (قُلْ) لأبى جهل (تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) عش فى كفرك (قَلِيلاً) يسيرا فى الدنيا (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (٨)) من أهل النار.

(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) مطيع لله ، وهو النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه (٢)(آناءَ اللَّيْلِ) ساعات الليل (ساجِداً وَقائِماً) فى الصلاة (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) يخاف عذاب الآخرة (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) جنة ربه كأبى جهل وأصحابه (قُلْ) لهم يا محمد (هَلْ يَسْتَوِي) فى الثواب والطاعة (الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) توحيد الله وأمره ونهيه ، وهو أبو بكر وأصحابه (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) توحيد الله وأمره ونهيه ، وهو أبو جهل وأصحابه (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) يتعظ بأمثال القرآن (أُولُوا الْأَلْبابِ (٩)) ذوو العقول من الناس (قُلْ) لهم يا محمد (يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا) أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وأصحابه ، رضوان الله عليهم (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أطيعوا ربكم فى الصغير من الأمور وكذلك الكبير

__________________

(١) انظر : معانى القرآن للفراء (٢ / ٤١٧) ، والزجاج (٤ / ٣٤٥) ، والأزهرى (٤١٨).

(٢) انظر أقوال العلماء فى : تفسير الطبرى (٢٢ / ١٢٨) ، وزاد المسير (٧ / ١٦٥) ، والدر المنثور (٥ / ٣٢٣) ، ومعانى الزجاج (٤ / ٣٤٧) ، والفراء (٢ / ٤١٧) ، والأزهرى (٤٢٠).

٢٣٨

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) وحدوا (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) لهم جنة يوم القيامة (وَأَرْضُ اللهِ) أرض المدينة (واسِعَةٌ) آمنة من العدو فاخرجوا إليها ، وهذا قبل الهجرة (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ) على المرازى (أَجْرَهُمْ) ثوابهم (بِغَيْرِ حِسابٍ (١٠)) بلا كيل ولا هنداز ولا منة.

(قُلْ) يا محمد لأهل مكة حيث قالوا له : ارجع إلى دين آبائنا (إِنِّي أُمِرْتُ) فى القرآن (أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١)) مخلصا له العبادة والتوحيد (وَأُمِرْتُ) فى القرآن (لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢)) أول من يكون على دين الإسلام (قُلْ) لهم يا محمد (إِنِّي أَخافُ) أعلم (إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) رجعت إلى دينكم (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣)) شديد لونا بعد لون (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ) بالعبادة والتوحيد (دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ) من دون الله ، وعيد وتوبيخ لهم من قبل أن يؤمر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقتال (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّ الْخاسِرِينَ) المغبونين (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) غبنوا أنفسهم بذهاب الدنيا والآخرة (وَأَهْلِيهِمْ) وخدمهم ومنازلهم فى الجنة (يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١٥)).

(لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً

٢٣٩

عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))

(لَهُمْ) لكفار مكة (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) علالى من النار (وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) فراش من النار ، وهو علالى من تحتهم (ذلِكَ) الظلل (يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) فى القرآن (يا عِبادِ) يعنى أبا بكر وأصحابه (فَاتَّقُونِ (١٦)) فأطيعونى فيما أمرتكم (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها) تركوا عبادة الطاغوت وهو الشيطان والصنم (وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أقبلوا إلى الله بالتوبة والإيمان وسائر الطاعات (لَهُمُ الْبُشْرى) بالجنة عند الموت ، وبشرى بكرامة الله على باب الجنة (فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) الحديث (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أحكمه وأبينه يعملون به ويريدونه (أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) للصدق والصواب ، ويقال : لمحاسن الأمور (وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٨)) ذوو العقول من الناس ، وهم أبو بكر وعمر ، وعثمان ، وعلى وأصحابهم ممن اتبعهم بالسنة والجماعة (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ) وجب عليه (كَلِمَةُ الْعَذابِ) وهو أبو جهل وأصحابه (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) تنجى (مَنْ فِي النَّارِ (١٩)) من قدرت عليه النار (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا) وحدوا (رَبَّهُمْ) يعنى أبا بكر وأصحابه (لَهُمْ غُرَفٌ) علالى (مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ) علالى أخر (مَبْنِيَّةٌ) مشيدة مرفوعة فى الهواء (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ (٢٠)) للمؤمنين.

(أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر يا محمد فى القرآن (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) فجعل منه العيون والأنهار فى الأرض (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ) ينبت بالمطر (زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) حبوبه (ثُمَّ يَهِيجُ) يتغير (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) بعد خضرته (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) يابسا كذلك الدنيا تفنى ولا تبقى (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من فناء الدنيا (لَذِكْرى) عظة (لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١)) لذوى العقول من الناس (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) وسع الله ولين قلبه (لِلْإِسْلامِ) بنور الإسلام (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) على كرامة وبيان من ربه ، وهو عمار بن ياسر كمن شرح الله صدره للكفر وهو أبو جهل (فَوَيْلٌ) شدة وعذاب ، ويقال : ويل واد فى جهنم من قيح ودم (لِلْقاسِيَةِ) لليابسة (قُلُوبُهُمْ) لا تلين قلوبهم (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) وهو أبو

٢٤٠