تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري

تفسير ابن وهب المسمّى الواضح في تفسير القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

أبي محمّد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-3924-X

الصفحات: ٥٣٣
الجزء ١ الجزء ٢

الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩) وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠))

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) أربابا من الأوثان (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) مسكنا (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) أضعف البيوت (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) يقول : كما أن بيت العنكبوت لا يقيها من حر ولا برد كذلك الآلهة لا تنفع من عبدها فى الدنيا ولا فى الآخرة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١)) هذا المثل ولكن لا يعلمون ولا يصدقون بذلك (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ) ما يعبدون (مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) من الأوثان أنها لا تنفعهم فى الدنيا ولا فى الآخرة (وَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن يعبدها (الْحَكِيمُ (٤٢)) حكم أن لا يعبد غيره (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) هذه الأمثال (نَضْرِبُها) نبينها (لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها) يعنى أمثال القرآن (إِلَّا الْعالِمُونَ (٤٣)) بالله الموحدون (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) بالحق لا بالباطل (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرته من الأمثال (لَآيَةً) لعبرة (لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) يقول اقرأ عليهم يا محمد ما أنزل إليك جبريل به يعنى القرآن (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) أتم الصلوات الخمس (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ) المعاصى (وَالْمُنْكَرِ) ما لا يعرف فى شريعة ولا سنة ، مادام الرجل فيها فهى تمنعه عن ذلك (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) يقول : ذكر الله إياكم بالمغفرة والثواب أكبر من ذكركم إياه بالصلاة (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ (٤٥)) من الخير والشر (١).

(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ) لا تخاصموا اليهود والنصارى (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يعنى بالقرآن (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) من وفد بنى نجران بالملاعنة (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا) يعنى القرآن (وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) يعنى التوراة والإنجيل (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) بلا ولد ولا شريك (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)) مخلصون له بالعبادة والتوحيد مقرون بذلك (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) يقول : هكا أنزنا إليك جبريل بالكتاب لتقرأ عليهم ما فيه من الأمر والنهى والأمثال (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ

__________________

(١) انظر : معانى الفراء (٣ / ٣١٧) ، وتفسير الطبرى (٢٠ / ٩٩) ، والقرطبى (١٣ / ٣٤٩).

١٤١

الْكِتابَ) أعطيناهم علم التوراة عبد الله بن سلام وأصحابه (يُؤْمِنُونَ بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَمِنْ هؤُلاءِ) من أهل مكة (مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِلَّا الْكافِرُونَ (٤٧)) كعب وأصحابه ، وأبو جهل وأصحابه (وَما كُنْتَ تَتْلُوا) تقرأ (مِنْ قَبْلِهِ) من قبل القرآن (مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ) لا تكتبه (بِيَمِينِكَ إِذاً) لو كنت قارئا أو كاتبا (لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨)) لشك اليهود والنصارى والمشركون لأن فى كتابهم أنك أمى لا تقرأ ولا تكتب (بَلْ هُوَ) يعنى القرآن (آياتٌ بَيِّناتٌ) علامات بينات بالحلال والحرام والأمر والنهى (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أعطوا العلم بالتوراة (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (إِلَّا الظَّالِمُونَ (٤٩)) الكافرون اليهود والنصارى والمشركون (وَقالُوا) وقالت اليهود والنصارى والمشركون (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) هلا أنزل على محمد (آياتٌ) علامات (مِنْ رَبِّهِ) كما أنزل على موسى وعيسى (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) إنما العلامات من عند الله تجئ (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) رسول مخوف (مُبِينٌ (٥٠)) بلغة تعلمونها.

(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٥٤) يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥) يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩) وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠))

(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) أهل مكة يا محمد ، آية لنبوتك (أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) جبريل بالقرآن (يُتْلى) يقرأ (عَلَيْهِمْ) بالأمر والنهى وأخبار الأمم الماضية (إِنَّ فِي ذلِكَ) فى الذى أنزلت إليك جبريل به يعنى القرآن (لَرَحْمَةً) من العذاب لمن آمن به (وَذِكْرى) موعظة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن

١٤٢

(قُلْ) لهم يا محمد (كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً) بأنى رسوله (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من الخلق (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) بالشيطان (وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٥٢)) المغبونون بالعقوبة ، يعنى أبا جهل وأصحابه (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمد (بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى) وقت معلوم (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) قبل وقته (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً) فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٣)) بنزوله (يَسْتَعْجِلُونَكَ) يا محمد (بِالْعَذابِ) فى الدنيا (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ) ستحيط (بِالْكافِرِينَ (٥٤)) وهى تجمعهم جميعا (يَوْمَ يَغْشاهُمُ) يأخذهم (الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ) من فوق رؤوسهم (وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) إذا ألقوا فى النار (وَيَقُولُ) لهم (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٥)) بما كنتم تعملون وتقولون فى الكفر.

(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن ، يعنى أبا بكر وعمر وعثمان وعليّا وأصحابهم ، رضوان الله عليهم (إِنَّ أَرْضِي) أرض المدينة (واسِعَةٌ) آمنة فأخرجوا إليها (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (٥٦)) فأطيعون (كُلُّ نَفْسٍ) منفوسة (ذائِقَةُ الْمَوْتِ) تذوق الموت (ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٥٧)) بعد الموت فيجزيكم بأعمالكم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) لننزلنهم فى الجنة (غُرَفاً) علالى (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت شجرها ومساكنها (الْأَنْهارُ) أنهار الخمر والماء والعسل واللبن (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فى الجنة (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٥٨)) ثواب العاملين (الَّذِينَ صَبَرُوا) على أمر الله والمرازى (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٥٩)) لا على غيره فلما أمرهم الله بالهجرة إلى المدينة قالوا ليس لنا بها أحد يؤوينا ويطعمنا ويسقينا ، فقال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ) وكم (مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا) لغد إلا النملة فإنها تجمع لسنة (اللهُ يَرْزُقُها) من تحمل ومن لا تحمل (وَإِيَّاكُمْ) يا معشر المؤمنين (وَهُوَ السَّمِيعُ) لمقالتكم من يرزقنا (الْعَلِيمُ (٦٠)) بأرزاقكم يعلم من أين يرزقكم.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣) وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ

١٤٣

فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨) وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩))

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يعنى كفار مكة (مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ) ذلل (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَ) كفار مكة (اللهُ) خلق وسخر وذلل (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)) فمن أين يكذبون على الله (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يوسع المال على من يشاء من عباده وهو مكر منه (وَيَقْدِرُ لَهُ) يقتر على من يشاء من عباده وهو نظر منه (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من البسط والتقدير (عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) يعنى كفار مكة (مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَحْيا بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها) قحطها ويبوستها (لَيَقُولُنَ) كفار مكة (اللهُ) نزل ذلك (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الشكر لله على ذلك (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) كلهم (لا يَعْقِلُونَ (٦٣)) لا يعلمون ولا يصدقون بذلك (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا) ما فى الحياة الدنيا من الزهرة والنعيم (إِلَّا لَهْوٌ) فرح (وَلَعِبٌ) باطل لا يبقى (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ) يعنى الجنة (لَهِيَ الْحَيَوانُ) لا يموت أهلها (١)(لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤)) يصدقون ذلك ، ولكن لا يعلمون ولا يصدقون بذلك (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) فى السفينة يعنى كفار مكة (دَعَوُا اللهَ) بالنجاة (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) مفردين له الدعوة (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ) من البحر (إِلَى الْبَرِّ) إلى الفرار (إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥)) بالله الأوثان.

(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) حتى يكفروا بما أعطيناهم من النعيم (وَلِيَتَمَتَّعُوا) يعيشوا فى كفرهم (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦)) ماذا يفعل بهم عند نزول العذاب بهم (أَوَلَمْ يَرَوْا) كفار مكة (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) من أن يهاج فيه (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ) يطرد ويذهب الناس (مِنْ حَوْلِهِمْ) يطردهم ويذهب عدوهم فلا يدخل عليهم فى الحرم (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ) أفبالشيطان والأصنام يصدقون (وَبِنِعْمَةِ اللهِ)

__________________

(١) انظر : معانى الفراء (٢ / ٣١٨) ، وتفسير الطبرى (٢١ / ٩) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ١١٧) ، وزاد المسير (٦ / ٢٨٣) ، وتفسير ابن كثير (٣ / ٤٢٠).

١٤٤

التى أعطاهم فى الحرم وبوحدانية الله (يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ) أعتى وأجرأ على الله (مِمَّنِ افْتَرى) اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) فجعل له ولدا وشريكا (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) أو كذب بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (لَمَّا جاءَهُ) حين جاءه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) منزل (لِلْكافِرِينَ (٦٨)) لأبى جهل وأصحابه (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) فى طاعتنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) طاعتنا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)) بالقول والفعل بالتوفيق والعصمة.

* * *

١٤٥

سورة الرّوم

ومن السورة التى يذكر فيها الروم ، وهى مكية كلها (١)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩))

(ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠)) عن ابن عباس ، رضوان الله عليه ، فى قوله عزوجل : (الم (١)) يقول : أنا الله أعلم ، ويقال : قسم أقسم به (غُلِبَتِ الرُّومُ (٢)) قهرت الروم ، وهم أهل الكتاب ، غلبهم فارس ، وهم المجوس ، عبدة النيران (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) مما يلى فارس فاغتم بذلك المؤمنون وسر بذلك المشركون ، وقالوا : نحن نغلب على أهل الإيمان كما غلبت أهل فارس على الروم ، حتى ذكر الله غلبهم (وَهُمْ) يعنى أهل الروم ولهذا كان القسم (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) غلبة فارس عليهم (سَيَغْلِبُونَ (٣)) على فارس (فِي

__________________

(١) قال ابن الجوزى : كان بين فارس والروم حروب ، وكانت فارس تعبد الأصنام ، وتجحد البعث ، والروم نصارى لهم كتاب ونبى ، فكان المسلمون يفرحون إذا انتصر أهل الكتاب على أهل الأوثان ، فنصرت فارس مرة ، فشق على المسلمين ، وقال المشركون : لئن قاتلتمونا لننصرن كما نصر إخواننا ، على إخوانكم ، فنزلت الآية. انظر : زاد المسير (٦ / ٢٨٥) ، وتفسير الطبرى (٢١ / ١١) ، والدر المنثور (٥ / ١٥٠).

١٤٦

بِضْعِ سِنِينَ) وكان قد بايع بذلك أبو بكر الصديق ، أبى بن خلف على عشرة من الإبل (لِلَّهِ الْأَمْرُ) النصرة والدولة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِنْ قَبْلُ) من قبل غلبة فارس على الروم (وَمِنْ بَعْدُ) من بعد غلبة فارس على الروم ، ويقال : (مِنْ قَبْلُ) غلبة الروم (وَمِنْ بَعْدُ) من بعد غلبة الروم على فارس ، ويقال : (لِلَّهِ الْأَمْرُ) العلم والقدرة والمشيئة (مِنْ قَبْلُ) من قبل ابداء الله الخلق (وَمِنْ بَعْدُ) من بعد فناء الخلق ، ويقال : كان الله آمرا من قبل المأمورين ومن بعد المأمورين ، وكذلك كان خالقا من قبل المخلوقين ، ورازقا من قبل المرزوقين ، وخالقا ورازقا بعد المخلوقين ، والمرزوقين ، وكذلك كان مالكا من قبل المملوكين ومالكا من بعد المملوكين ، كقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قبل يوم الدين (وَيَوْمَئِذٍ) يوم غلبة الروم على فارس ونصرة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أهل مكة ، وكان ذلك يوم بدر ، ويقال : يوم الحديبية (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤)) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أعدائه وبدولة الروم على فارس (بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ) الله يعنى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة من أبى جهل وأصحابه يوم بدر (الرَّحِيمُ (٥)) بالمؤمنين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه.

(وَعْدَ اللهِ) بالنصرة والدولة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) لنبيه بالنصرة والدولة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (٦)) أن الله لا يخلف وعده لنبيه (يَعْلَمُونَ) أهل مكة (ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) من معاملة الدنيا من الكسب والتجارة والشراء والبيع والحساب من واحد إلى ألف وما يحتاجون فى الشتاء والصيف (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ) عن أمر الآخرة (هُمْ غافِلُونَ (٧)) جاهلون بها تاركون لعملها (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) كفار مكة (فِي أَنْفُسِهِمْ) فيما بينهم (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من الخلق والعجائب (إِلَّا بِالْحَقِ) للحق والأمر والنهى لا للباطل (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) لوقت معلوم يقضى فيه (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) يعنى كفار مكة (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) بالبعث بعد الموت (لَكافِرُونَ (٨)) لجاحدون (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) يسافروا كفار مكة (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا) فيتفكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) جزاء (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) عن تكذيبهم الرسل (كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) بالبدن (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) أشد لها طلبا وأبعد ذهابا فى السفر والتجارة ، ويقال : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حرثوها وقلبوها للزراعة والغرس أكثر مما حرث أهل مكة (وَعَمَرُوها) بقوافيها (أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أكثر مما بقى فيها أهل مكة (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ

١٤٧

بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات فلم يؤمنوا بهم فأهلكهم الله تعالى (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بإهلاكه إياهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩)) بالكفر والشرك وتكذيب الرسل (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ) جزاء (الَّذِينَ أَساؤُا) أشركوا بالله (السُّواى) النار فى الآخرة (أَنْ كَذَّبُوا) بأن كذبوا (بِآياتِ اللهِ) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَكانُوا بِها) بآيات الله (يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠)) يسخرون.

(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦) فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١))

(اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) يوم القيامة (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١)) تردون فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهو يوم القيامة (يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢)) ييأس المشركون من كل خير (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ) لعبدة الأوثان (مِنْ شُرَكائِهِمْ) من آلهتهم (شُفَعاءُ) أحد يشفع لهم من عذاب الله (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ) بالهتهم بعبادتهم إياها (كافِرِينَ (١٣)) جاحدون يقولون والله ربنا ما كنا مشركين (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهو يوم القيامة (يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤)) فريق فى الجنة وفريق فى السعير (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ) فى جنة (يُحْبَرُونَ (١٥)) ينعمون ويكرمون بالتحف (١) (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ) فى النار (مُحْضَرُونَ (١٦)) معذبون.

(فَسُبْحانَ اللهِ) فصلوا لله (حِينَ تُمْسُونَ) صلاة المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧)) صلاة الفجر (وَعَشِيًّا) وهى صلاة العصر (وَحِينَ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢١ / ١٩) ، وزاد المسير (٦ / ٢٩٣) ، والمجاز لأبى عبيدة (٢ / ١٢٠).

١٤٨

تُظْهِرُونَ (١٨)) وهى صلاة الظهر (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الشكر والطاعة على أهل السموات والأرض ، مقدم ومؤخر فى الكلام (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) النسمة والدواب من النطفة ، والطير من البيضة ، والنخل من النواة (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) النطفة من النسمة والدواب ، والبيض من الطير والنواة من النخل (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بعد قحطها ويبوستها (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)) يقول : هكذا تحيون وتخرجون من القبور (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته ونبوة رسوله (أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) من آدم وآدم من تراب ، وأنتم أولاده (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ) نسم (تَنْتَشِرُونَ (٢٠)) تتمتعون على وجه الأرض (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) آدميا مثلكم (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) ليسكن الرجل إلى زوجته (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ) بين المرأة والزوج (مَوَدَّةً) محبة المرأة على الزوج (وَرَحْمَةً) للرجل على المرأة ، أى على زوجته ، ويقال : مودة للصغير على الكبير ، ورحمة للكبير على الصغير (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت (لَآياتٍ) لعلامات وعبرا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١)) فيما خلق الله.

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٩) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٠))

١٤٩

(وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) لغاتكم العربية والفارسية وغير ذلك (وَأَلْوانِكُمْ) واختلاف ألوان صوركم الأحمر والأسود وغير ذلك (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من الاختلاف (لَآياتٍ) لعلامات (لِلْعالِمِينَ (٢٢)) الجن والإنس (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته ونبوة رسوله (مَنامُكُمْ) بيوتنكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) من رزقه بالنهار (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من الليل والنهار (لَآياتٍ) لعلامات وعبرا (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣)) ويطيعون (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) من السماء (خَوْفاً) للمسافر من المطر أن تبتل ثيابه (وَطَمَعاً) للمقيم فى المطر أن يسقى حروثه (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَيُحْيِي بِهِ) بالمطر (الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بعد قحطها ويبوستها (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من المطر (لَآياتٍ) لعلامات وعبرا (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤)) يصدقون أنه من الله (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (أَنْ تَقُومَ السَّماءُ) أن تكون السماء (وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) بإذنه (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ) يعنى الله يوم القيامة على لسان إسرافيل (دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ) من القبور (إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥)) من القبور (وَلَهُ) عبيد (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦)) مطيعون غير الكفار.

(وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) من النطفة (ثُمَّ يُعِيدُهُ) يوم القيامة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) هين عليه إعادته كإبدائه (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقول : له الصفة العليا بالقدرة على أهل السموات والأرض (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه وسلطانه (الْحَكِيمُ (٢٧)) فى أمره وقضائه (ضَرَبَ لَكُمْ) بين لكم يا معشر الكفار (مَثَلاً) شبها (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) آدميا مثلكم (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من عبيدكم وإمائكم (مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) أعطيناكم من المال والأهل والولد (فَأَنْتُمْ) وعبيدكم وإمائكم (فِيهِ) فيما رزقناكم (سَواءٌ) شرع (تَخافُونَهُمْ) تخافون لائمتهم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) كملائمة أبائكم وأبناكم وإخوانكم إذا لم تؤدوا حقوقهم فى الميراث ، قالوا : لا ، قال : أفترضون لى ما لا ترضون لأنفسكم تشركون عبيدى فى ملكى ولا تشركون عبيدكم فيما رزقناكم (كَذلِكَ) هكذا (نُفَصِّلُ الْآياتِ) نبين علامات وحدانيتى وقدرتى (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨))

١٥٠

يصدقون بأمثال القرآن (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) كفروا اليهود والنصارى والمشركون (أَهْواءَهُمْ) أى ما هم عليه من اليهودية والنصرانية والشرك (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بلا علم ولا حجة (فَمَنْ يَهْدِي) فمن يرشد إلى دين الله (مَنْ أَضَلَّ اللهُ) عن دينه (وَما لَهُمْ) لليهود والنصارى والمشركين (مِنْ ناصِرِينَ (٢٩)) من مانعين من عذاب الله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) نفسك وعملك (لِلدِّينِ حَنِيفاً) مسلما يقول : أخلص دينك وعملك لله ، واستقم على دين الإسلام (فِطْرَتَ اللهِ) دين الله (الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) التى خلق الناس عليها فى بطون أمهاتهم ، ويقال : اتبع يوم الميثاق (١)(لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) لا تبديل لدين الله (ذلِكَ) هو (الدِّينُ الْقَيِّمُ) الحق المستقيم (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ (٣٠)) أن دين الله هو الحق.

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٣٢) وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧) فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨) وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠))

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) أى كونوا منقلبين إليه بالطاعة (وَاتَّقُوهُ) وأطيعوه فيما أمركم (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أتموا الصلوات الخمس (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١)) مع المشركين على دينهم (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) تركوا دين الإسلام (وَكانُوا شِيَعاً) ثاروا فرقا اليهود والنصارى وسائر أهل الملل (كُلُّ حِزْبٍ) كل أهل دين (بِما لَدَيْهِمْ) بما عندهم من الدين (فَرِحُونَ (٣٢)) معجبون يرون أنه حق (وَإِذا مَسَ) أصاب (النَّاسَ) كفار مكة (ضُرٌّ) شدة (دَعَوْا رَبَّهُمْ) برفع الشدة

__________________

(١) انظر : زاد المسير (٦ / ٣٠٠ ، ٣٠٢) ، وتفسير القرطبى (١٤ / ٣١) ، والبحر المحيط (٧ / ١٧١).

١٥١

(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) مقبلين إليه بالدعاء (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ) أصابهم (مِنْهُ) من الله (رَحْمَةً) نعمة (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعنى الكفار (بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣)) الأصنام (لِيَكْفُرُوا) يكفروا (بِما آتَيْناهُمْ) أعطيناهم من النعمة (فَتَمَتَّعُوا) فعيشوا يا أهل مكة فى الدنيا (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤)) ما ذا يفعل بكم فى الآخرة (أَمْ أَنْزَلْنا) هل أنزلنا (عَلَيْهِمْ) على أهل مكة (سُلْطاناً) كتابا فيه العذر والبرهان من السماء (فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) يشهد وينطق (بِما كانُوا بِهِ) بالله (يُشْرِكُونَ (٣٥)) أن الله أمرهم بذلك (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) أصبنا كفار مكة ب (رَحْمَةً) نعمة (فَرِحُوا بِها) أى أعجبوا بها غير شاكرين بها (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) شدة ضيق وقحط ومرض (بِما قَدَّمَتْ) بما عملت (أَيْدِيهِمْ) فى الشرك (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦)) ييأسون من رحمة الله غير صابرين بها.

(أَوَلَمْ يَرَوْا) يخبروا فى الكتاب كفار مكة (أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسع المال (لِمَنْ يَشاءُ) على من يشاء وهو مكر منه (وَيَقْدِرُ) يقتر على من يشاء وهو نظر منه (إِنَّ فِي ذلِكَ) فيما ذكرت من البسط والتقتير (لَآياتٍ) لعلامات وعبرا (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧)) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (فَآتِ ذَا الْقُرْبى) فأعط يا محمد ذا القربى فى الرحم (حَقَّهُ) صلته (وَالْمِسْكِينَ) أعط المسكين الكسوة والطعام (وَابْنَ السَّبِيلِ) أكرم الضيف النازل بك ثلاثة أيام ، فما فوق ذلك ، فهو صدقة معروف (ذلِكَ) الذى ذكرت من الصلة والعطية والإكرام (خَيْرٌ) ثواب وكرامة فى الآخرة (لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) بعطيتهم (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٣٨)) الناجون من السخط والعذاب (وَما آتَيْتُمْ) أعطيتم (مِنْ رِباً) من عطية (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) لتكثروا أموالكم بأموال الناس ، يقول : ليعطوا أكثر وأفضل مما تعطون (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) فلا يكثر عند الله بالتضعيف ولا يقبلها فإنها ليست لله (وَما آتَيْتُمْ) أعطيتم (مِنْ زَكاةٍ) من صدقة إلى المساكين (تُرِيدُونَ) بذلك (وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)) فأولئك هم الذين أضعفت صدقاتهم فى الآخرة وأكثرت أموالهم فى الدنيا بالحفظ والبركة (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) نسما فى بطون أمهاتكم ثم أخرجكم وفيكم الروح (ثُمَّ رَزَقَكُمْ) الطيبات من الرزق إلى الموت (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء مدتكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) للبعث بعد الموت (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) من آلهتكم يا أهل مكة (مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) من يقدر أن يفعل

١٥٢

من ذلك شيئا (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن الولد والشريك (وَتَعالى) ارتفع وبرأ (عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٠)) به من الأوثان.

(ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (٤٢) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (٤٣) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠))

(ظَهَرَ الْفَسادُ) تبينت المعصية (فِي الْبَرِّ) من قتل قابيل أخاه هابيل (وَالْبَحْرِ) من جلندن الأزدى (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) بقتل قابيل هابيل وبغصب جلندى سفن الناس فى البحر ، ويقال : (ظَهَرَ الْفَسادُ) بموت البهائم والقحط والجدوبة ، ونقص الثمرات والنبات (فِي الْبَرِّ) فى السهل والجبل والبادية والمفازة (وَالْبَحْرِ) فى الريف والقرى والهوان (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) بمعصية الناس (لِيُذِيقَهُمْ) لكى يصيبهم (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) من المعاصى (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤١)) لكى يرجعوا عن ذنوبهم فيكشف عنهم (قُلْ) يا محمد لأهل مكة (سِيرُوا) سافروا (فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا) تفكروا (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) جزاء (الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) من قبلهم كيف أهلكهم الله عند تكذيبهم الرسل (كانَ أَكْثَرُهُمْ) كلهم (مُشْرِكِينَ (٤٢)) بالله (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) نفسك وعملك (لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) يقول : أخلص دينك وعملك لله ، وكن على دين الحق المستقيم (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) وهو يوم القيامة (لا مَرَدَّ لَهُ) لا مانع له (مِنَ اللهِ) من عذاب الله (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (يَصَّدَّعُونَ (٤٣)) يفرقون فريق فى الجنة وفريق فى السعير (مَنْ كَفَرَ) بالله (فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) عقوبة

١٥٣

كفره (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً) فى الإيمان (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤)) يجمعون الثواب والكرامة فى الجنة (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (مِنْ فَضْلِهِ) من ثوابه وكرامته فى الجنة (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥)) ولا يرضى دينهم (وَمِنْ آياتِهِ) من علامات وحدانيته وقدرته (أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) لخلقه بالمطر (وَلِيُذِيقَكُمْ) لكى يصيبكم (مِنْ رَحْمَتِهِ) نعمته بالمطر (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) السفن (بِأَمْرِهِ) بمشيئته فى البحر (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) لكى تطلبوا لركوبكم السفن من فضله من زرقه (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦)) لكى تشكروا نعمته (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا) بعثنا (مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) بالأمر والنهى والعلامات فلم يؤمنوا (فَانْتَقَمْنا) بالعذاب (مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) أشركوا (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا) واجبا علينا (نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)) مع الرسل بنجاتهم وهلاك أعدائهم (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) فترفع سحابا ثقالا بالمطر (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) قطعا إن شاء (فَتَرَى الْوَدْقَ) يعنى المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) من خلال السحاب (فَإِذا أَصابَ بِهِ) بالمطر (مَنْ يَشاءُ) من يريد (مِنْ عِبادِهِ) فى الأرض (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨)) بالمطر (وَإِنْ كانُوا) وقد كانوا (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ) من قبل المطر (لَمُبْلِسِينَ (٤٩)) آيسين من المطر (فَانْظُرْ) يا محمد (إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) قدام المطر وبعد المطر (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) بعد قحطها ويبوستها (إِنَّ ذلِكَ) الذى يحيى الأرض بعد موتها (لَمُحْيِ الْمَوْتى) للبعث (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الحياة والموت (قَدِيرٌ (٥٠)).

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ

١٥٤

إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠))

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) حارة أو باردة على الزرع (فَرَأَوْهُ) الزرع (مُصْفَرًّا) متغيرا بعد خضرته (لَظَلُّوا) لصاروا (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد صفرته (يَكْفُرُونَ (٥١)) بالله وبنعمته يقول : يقيمون على الكفر بالله وبنعمته (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) من كأنه ميت (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَ) المتصامم (الدُّعاءَ) دعوتك إلى الحق والهدى (إِذا وَلَّوْا) أعرضوا (مُدْبِرِينَ (٥٢)) عن الحق والهدى (وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) إلى الهدى (إِنْ تُسْمِعُ) ما تسمع دعوتك (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) بكتابنا ورسولنا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)) مخلصون له بالعبادة والتوحيد (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) من نطفة ضعيفة (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) أى رجلا شابا قويا (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) هرما (وَشَيْبَةً) شمطا بعد شباب (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) يحول خلقه كما يشاء من حال إلى حال (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بخلقه (الْقَدِيرُ (٥٤)) عليهم بتحويله (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) وهو يوم القيامة (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) يحلف المشركون بالله (ما لَبِثُوا) فى القبور (غَيْرَ ساعَةٍ) غير قدر ساعة (كَذلِكَ) كما كانوا يكذبون فى الآخرة (كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥)) يكذبون فى الدنيا (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) أكرموا بالعلم والإيمان (فِي كِتابِ اللهِ) بكتاب الله مقدم ومؤخر وهم الملائكة ، ويقال : وهم النبيون ، ويقال : هم المخلصون فى إيمانهم يقولون للكفار : (لَقَدْ لَبِثْتُمْ) فى القبور (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) إلى يوم يبعثون من القبور (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) يوم القيامة (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ) فى الدنيا (لا تَعْلَمُونَ (٥٦)) ذلك ولا تصدقون (فَيَوْمَئِذٍ) وهو يوم القيامة (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أشركوا (مَعْذِرَتُهُمْ) اعتذارهم من ذنب (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)) ولا هم يرجعون عن سيئة ، ولا هم يردون إلى الدنيا (وَلَقَدْ ضَرَبْنا) بينا (لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) من كل وجه (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ) من السماء (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة (إِنْ أَنْتُمْ) ما أنتم يا معشر المؤمنين (إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨)) كاذبون (كَذلِكَ) هكذا (يَطْبَعُ اللهُ) يختم الله (عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩)) توحيد الله ولا يصدقون به (فَاصْبِرْ) يا محمد (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالنصرة والدولة وهلاكهم (حَقٌ) كائن صدق (وَلا

١٥٥

يَسْتَخِفَّنَّكَ) لا يستنزلنك عن الإيمان يوم القيامة (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠)) لا يصدقون ، وهم أهل مكة.

* * *

١٥٦

سورة لقمان

ومن السورة التى يذكر فيها لقمان ، وهى مكية كلها

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠))

عن ابن عباس ، رضى الله عنه فى قوله عزوجل : (الم (١)) يقول : أنا الله أعلم ، ويقال : قسم أقسم به (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢)) أن هذه السورة آيات القرآن المبين للحلال والحرام ، والأمر والنهى (هُدىً) من الضلالة (وَرَحْمَةً) من العذاب (لِلْمُحْسِنِينَ (٣)) المخلصين الموحدين (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يتمون الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وما يجب فيها فى مواقيتها (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) يعطون زكاة أموالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) بالبعث بعد الموت (هُمْ يُوقِنُونَ (٤)) يصدقون (أُولئِكَ عَلى هُدىً) على بيان وكرامة (مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)) الناجون من السخط والعذاب (وَمِنَ النَّاسِ) وهو النضر بن الحارث (مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) أباطيل الحديث وكتب الأساطير والشمس والنجوم والحساب والغناء ، ويقال : هو الشرك بالله (١)(لِيُضِلَ) بذلك (عَنْ سَبِيلِ

__________________

(١) انظر : تفسير الطبرى (٢١ / ٣٩) ، والقرطبى (١٤ / ٥١) ، وزاد المسير (٦ / ٣١٦) ، والحجة فى القراءات لأبى زرعة (٥٦٣).

١٥٧

اللهِ) عن دين الله وطاعته (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بلا علم ولا حجة (وَيَتَّخِذَها هُزُواً) سخرية (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦)) شديد (وَإِذا تُتْلى) تقرأ (عَلَيْهِ آياتُنا) بالأمر والنهى (وَلَّى مُسْتَكْبِراً) رجع متعظما عن الإيمان بها (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) لم يعها (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) صمما (فَبَشِّرْهُ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧)) وجيع يوم بدر ، فقتل يوم بدر صبرا (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقرآن (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨)) لا يفنى نعيمها (خالِدِينَ فِيها) مقيمين فيها لا يموتون ولا يخرجون منها (وَعْدَ اللهِ) المؤمنين بالجنة (حَقًّا) صدقا (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه وسلطانه (الْحَكِيمُ (٩)) فى أمره وقضائه (خَلَقَ) الله (السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) بلا عمد ، ويقال : بعمد لا ترونها (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ) خلق فى الأرض (رَواسِيَ) الجبال الثوابت أوتادا لها (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) لكى لا تميد بكم (وَبَثَّ فِيها) خلق وبسط فى الأرض (مِنْ كُلِّ دابَّةٍ) فيها الروح (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) مطرا (فَأَنْبَتْنا فِيها) فى الأرض (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) لون (كَرِيمٍ (١٠)) حسن.

(هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠))

١٥٨

(هذا خَلْقُ اللهِ) هذا مخلوقى أنا خلقته (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعنى الأوثان (بَلِ الظَّالِمُونَ) المشركون (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١)) فى خطأ بين (وَلَقَدْ آتَيْنا) أعطينا (لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) العلم والفهم وإصابة القول والفعل (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) بالتوحيد والطاعة (وَمَنْ يَشْكُرْ) نعمته بالتوحيد والطاعة (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) الثواب (وَمَنْ كَفَرَ) نعمته (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) عن شكره (حَمِيدٌ (١٢)) فى أفعاله (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) سلام (وَهُوَ يَعِظُهُ) ينهاه عن الشر ويأمره بالخير (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ) بالله (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)) لذنب عظيم ، عقوبته عند الله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) سعد بن أبى وقاص (بِوالِدَيْهِ) برا بهما (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) فى بطنها (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) ضعفا على ضعف ، وشدة على شدة ، ومشقة على مشقة ، كلما كبر الولد فى بطنها كان أشد عليها (وَفِصالُهُ) فطامه (فِي عامَيْنِ) فى سنتين (أَنِ اشْكُرْ لِي) بالتوحيد والطاعة (وَلِوالِدَيْكَ) بالتربية (إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)) مصيرك ومصير والديك (وَإِنْ جاهَداكَ) أمراك وأراداك (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أنه شريكى ولك به علم أنه ليس بشريكى (فَلا تُطِعْهُما) فى الشرك (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) بالبر والإحسان (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) أى دين من أقبل إلى ، وإلى طاعتى ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) ومرجع أبويكم (فَأُنَبِّئُكُمْ) أخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)) من الخير والشر.

ثم رجع إلى كلام لقمان لابنه (يا بُنَيَّ إِنَّها) يعنى الحسنة ، ويقال : الرزق (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ) وزن حبة (مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) التى تحت الأرضين (أَوْ فِي السَّماواتِ) أو فوق السموات (أَوْ فِي الْأَرْضِ) أو فى بطن الأرض (يَأْتِ بِهَا اللهُ) إلى صاحبها حيثما يكون (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) باستخراجها (خَبِيرٌ (١٦)) بمكانها (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) أتم الصلاة (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) بالتوحيد والإحسان (وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الشرك ، والقبيح من القول والعمل (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) فيهما (إِنَّ ذلِكَ) يعنى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ويقال : الصبر (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)) من حزم الأمور وخير الأمور (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) لا تعرض وجهك عن الناس تكبرا وتعظما عليهم ، ويقال : لا تحتقر

١٥٩

فقراء المسلمين (١)(وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) بالتكبر والخيلاء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) فى مشيته (فَخُورٍ (١٨)) بنعم الله (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) تواضع فيها (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) واخفض صوتك ولا تكن سليطا (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) يقول : أقبح وأشر الأصوات (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا) ألم تخبروا فى القرآن (أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ) ذلل لكم (ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم والسحاب والمطر (وَما فِي الْأَرْضِ) من الشجر والدواب (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ) وأتم عليكم (نِعَمَهُ ظاهِرَةً) بالتوحيد (وَباطِنَةً) بالمعرفة ، ويقال : (ظاهِرَةً) ما يعلم الناس من حسناتك (وَباطِنَةً) ما لا يعلم الناس من سيئاتك ، ويقال : (ظاهِرَةً) من الطعام والشراب والدراهم والدنانير وغير ذلك (وَباطِنَةً) من النبات والثمار والأمطار والمياه وغير ذلك ، ويقال : (ظاهِرَةً) ما أكرمك بها (وَباطِنَةً) ما حفظك عنها (وَمِنَ النَّاسِ) وهو النضر بن الحارث (مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ) يخاصم فى دين الله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بلا علم (وَلا هُدىً) ولا حجة (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠)) مبين بما يقول.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠))

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) لكفار مكة (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) على نبيه من القرآن اقرأوه

__________________

(١) انظر : السبعة (٥١٣) ، ومعانى الفراء (٢ / ٣٢٨) ، والبحر المحيط (٧ / ١٨٨).

١٦٠